ﰡ
سورة الفتح
مدنيّة وهى تسع وعشرون اية واربع ركوعات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ربّ يسّر وتمّم بالخير روى احمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن حبان وابن مردوية عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم فى بعض أسفاره فسألته عن شىء ثلث مرات فلم يرد علىّ فقلت ثكلتك أمك يا عمر نزرت رسول الله ﷺ ثلث مرات كل ذلك لا يجيبك قال عمر فحركت بعيري حتى تقدمت امام الناس وخشيت ان يكون نزل فى القران فما لبثت ان سمعت صارخا يصرخ بي فجئت رسول الله ﷺ فسلمت عليه فقال لقد أنزلت علىّ الليلة سورة هى أحب الىّ مما طلعت عليه الشمس ثم قرأ
إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً واخرج الحاكم وغيره من المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قال نزلت سورة الفتح فى شان الحديبية بين مكة والمدينة من أولها الى آخرها واختلفوا فى هذا الفتح روى عن ابى جعفر الرازي عن قتادة عن انس انه فتح مكة فهى عدة بالفتح جىء بلفظ الماضي لانها فى تحققها بمنزل الكائنة ففيه معجزة والصحيح انه صلح الحديبية رواه احمد وابن سعد وابى داود والحاكم وصححه وابن المنذر وابن مردوية والبيهقي فى الدلائل عن مجمع بن حارثية الأنصاري قال شهدنا الحديبية مع رسول الله ﷺ فلما انصرفنا عنها الى كراع الغميم فاذا رسول الله ﷺ عند كراع الغميم فاجتمع الناس اليه فقرأ عليهم إِنَّا فَتَحْنا لَكَ
فقال رجل من اصحاب رسول الله ﷺ او فتح هو قال والذي نفسى بيده انه لفتح مبين وسنذكر قول ابى بكر الصديق ما كان فتح فى الإسلام أعظم من صلح الحديبية وكذا ذكر البغوي عن البراء ووجه تسميته فتحا اما انه مقدمة الفتح واما ان معنى الفتح فتح المنغلق وذلك ما يصلح مع المشركين بالحديبية وقيل الفتح بمعنى القضاء اى قضينا لك ان تدخل مكة من قابل قال الشعبي فتح الحديبية فيه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأطعموا نخلة خيبر وبلغ الهدى محله وظهرت الروم اى من عام قابل على فارس وخرج المؤمنون لظهور اهل الكتب على المجوس. قال الزهري لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية وذلك ان المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام فى قلوبهم واسلم فى ثلث سنين خلق كثير وكثر بهم سواد الإسلام قال الضحاك فتحا مبينا بغير قتال وكان الصلح من الفتح وقال البيضاوي سماه فتحا لانه كان بعد ظهوره على المشركين حتى سالوا الصلح وتسبب بفتح مكة وفرغ به رسول الله ﷺ لسائر العرب فقرأهم وفتح مواضع وادخل فى الإسلام خلقا عظيما.
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ علة غائية للفتح من حيث انه مسبب عن جهاد الكفار والسعى فى فغز ازاحة الشرك وإعلاء الدين وتكميل النفوس الناقصة قهرا ليصير ذلك بالتدريج اختيار او تخليص الضعفة عن أيدي الظلمة وقيل اللام لام كى اى لكى يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة والفتح وقال حسين بن الفضل اللام متعلق بقوله تعالى فى سورة محمد - ﷺ - وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ كما قيل كذلك فى تعلق لِإِيلافِ قُرَيْشٍ بقوله تعالى فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ فى سورة الفيل وهذا بعيد جدا وقيل اللام متعلق بمحذوف تقديره فاشكر ليغفر لك الله او فاستغفر ليغفر لك الله كذا قال محمد ابن جرير حيث قال هو راجع الى قوله تعالى إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ اى قوله واستغفره ليغفر لك الله ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ اى جميع ما فرط منك قديما فى الجاهلية قبل الرسالة وحديثا بعد الرسالة اى نزول السورة مما يصح ان يعاتب عليه وهذا لا يستلزم ارتكاب المعصية قال حسنات الأبرار سيات المقربين وقال سفيان الثوري ما تقدم يعنى ما عملت فى الجاهلية وما تأخر كل شىء لم يعمله يذكر مثل ذلك على طريق التأكيد كما يقال اعطى لمن راه ومن لم يره وضرب من لقيه ومن لم يلقه وقال عطاء الخراسانى ما تقدم من ذنبك يعنى ذنب أبويك آدم وحواء ببركتك وما تأخر ذنوب أمتك بدعوتك وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وعد بإتمام النعمة وإكمال الدين واظهار كلمة الإسلام وهدم منار الجاهلية
وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ فان قيل ينصرك الله معطوف على يغفر وهو مترتب على الفتح اما لكونه مسببا عن جهاد الكفار وبذل السعى- واما لكونه سببا للشكر والاستغفار المقدرين فلا بد ان يكون النصر ايضا مترتبا على الفتح وليس كذلك بل هو سبب للفتح سابق عليه قلنا ان كان المراد بالفتح صلح الحديبية فالصلح امتثالا لامر الله تعالى سبب للنصر الذي هو سبب للفتح وان كان المراد منه فتح مكة فالآية وعد بالفتح والوعد سبب للنصر السابق على الفتح كما لا يخفى- نَصْراً عَزِيزاً يعنى معزا يعزبه المنصور فوصفه بوصفه مبالغة او المعنى نصرا فيه عز ومنيعة روى الشيخان فى الصحيحين والترمذي والحاكم عن انس قال قال نزلت على رسول الله ﷺ انّا فتحنا لك فتحا مبينا الى اخر الاية مرجعه من الحديبية وأصحابه فخالطوا الحزن والكآبة- فقال عليه السلام نزلت علىّ اية هى احبّ الىّ من الدنيا فلما تلى نبى الله ﷺ قال رجل من القوم هنيئا مريا رسول الله قد بين الله لك ماذا يفعل بنا فنزلت.
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ الى قوله فوزا عظيما والمراد بالسكينة الثبات والطمأنينة على امتثال امر الله تعالى من صلح الحديبية فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ حتى شيبتوا حيث تعلق النفوس وتدحض الاقدام حين جعل الذين كفروا فى قلوبهم الحمية حمية الجاهلية لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ متعلق بانزل- قال الضحاك يقينا مع يقينهم يعنى برسوخ العقيدة واطمينان النفس عليها وقال الكلبي هذا فى امر الحديبية حين صدق الله رسوله الرؤيا بالحق قال ابن عباس بعث الله رسوله بشهادة ان لا اله الا الله فلما صدقوه زادهم الصلاة ثم الزكوة ثم الصوم ثم الحج ثم الجهاد ثم أكمل لهم دينهم فكلما أمروا بشىء فصدقوه ازدادوا تصديقا الى تصديقهم وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعنى ليس الأمر بالصلح بالحديبية لضعف بالمسلمين بل لما يقتضيه علمه تعالى وحكمته وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها قوله تعالى
وَكانَ ذلِكَ الإدخال والتكفير عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً لانه منتهى ما يطلب من جلب نفع او دفع ضرر وعِنْدَ اللَّهِ حال من الفوز والجملة معترضة.
وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ عطف على يدخل داخل فى علة إنزال السكينة من حيث ان المنافقين والكفار غاظوا المؤمنين وطعنوا فى دينهم حين امتثلوا امر الله سبحانه فى الصلح وغير ذلك وظنوا ظن السوء وكان ذلك سببا لتعذيبهم وان كان قوله ليدخل متعلقا بفتحنا فالامر ظاهر- وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ يعنى ظانين ان الله لا ينصر رسوله والمؤمنين ولا يرجع النبي عليه السلام الى المدينة سالما او ان له تعالى شريكا فالمفعولان محذوفان وقوله ظن السوء اى ظن الأمر السوء منصوب على المصدرية والسوء عبارة عن رداة الشيء وفساده يقال فعل سوءاى مسخوط فاسد عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ جملة دعائية يعنى يجعل الله عليهم دائرة الهلاك والعذاب لا يتخطاهم او دائرة ما يظنون ويتربصون بالمؤمنين وقرأ ابن كثير وابو عمرو السوء بالضم وهما لغتان غير ان المفتوح غلب فى ان يضاف اليه ما يراد ذمه والمضموم جرى مجرى الشر وكلاهما فى الأصل مصدران- وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ عطف لما استحقوه فى الاخرة على ما استوجبوه فى الدنيا وَساءَتْ مَصِيراً جهنم.
وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فيدفع كيد من عادى بنبيه والمؤمنين بما شاء منه وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً غالبا فلا يرد بأسه عن الكافرين حَكِيماً فيما دبّر.
إِنَّا أَرْسَلْناكَ يا محمد شاهِداً على أمتك حال مقدرة وَمُبَشِّراً للمطيعين بالجنة وَنَذِيراً للعصاة بالنار.
لِتُؤْمِنُوا قرأ ابن كثير وابو عمرو بالياء على الغيبة وكذا لافعال الثلاثة المعطوفة عليه والضمير عائدة الى الناس أجمعين وقرأ الباقون الافعال الاربعة بالتاء على الخطاب للنبى ﷺ والامة والخطاب بالجمع بعد الخطاب بالإفراد شبه بالالتفات بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ اى تعووه وَتُوَقِّرُوهُ اى تعظموه وَتُسَبِّحُوهُ اى تنزهوه عما لا يليق بشانه او اتصلوا له والضمائر المنصوبة راجعة الى الله سبحانه ومعنى تقووه دينه ورسوله قلت وجاز ان يكون معناه ان تنسبوا القوة اليه دون غيره وتقولوا لا حول ولا قوّة الا بالله وقال البغوي ضمير تعزروه وتوقروه راجعان الى رسوله و
إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ يا محمد بالحديبية على ان لا يفروا بل يقاتلوا حتى يظفروا او يموتوا إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ لانه هو المقصود ببيعة النبي ﷺ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ حال او استيناف على سبيل الاستعارة التخييلية تيمما بمعنى المشاكلة فانه إذا كان الله مبايعا واشتهر المبايعة بصفقة اليد وقد كانوا يأخذون بيد رسول الله ﷺ ويبايعونه فتخيل اليد لتاكيد المشاكلة فى المبايعة وقال ابن عباس يد الله بالوفا لما وعدهم بالخير فوق أيديهم قلت يد الله على تاويل ابن عباس صفة من صفات الله تعالى لا يدرك كيفها ولا يجوز تخييلها بالجارحة وقال الكلبي نعمة الله عليهم فى الهداية فوق ما صنعوا من البيعة فصله غزوة الحديبية وبيعة الرضوان وسبب ذلك على ما رواه عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد وقتادة والبيهقي عن مجاهد ايضا وابن جرير عن ابن يزيد ومحمد بن عمرو عن شيوخه قالوا راى رسول الله ﷺ انه دخل مكة هو وأصحابه امنين محلقين رؤسهم ومقصرين وانه دخل البيت وأخذ مفتاحه وعرف مع المعرفين وكان ذلك الرؤيا بالمدينة قبل خروجه الى الحديبية كذا قال البغوي ومحمد بن يوسف الصنابحى فى سبيل الرشاد وفى بعض الروايات عن مجاهد انه راى النبي ﷺ وهو بالحديبية والصحيح هو الاول قال ابن سعد ومحمد بن عمرو غيرهما استنفر رسول الله ﷺ العرب ومن حوله من اهل البوادي من الاعراب ليخرجوا معه وهو يخشى من قريش ان يعرضوا له بحرب او يصدوه عن البيت فابطأ عليه كثير من الاعراب وروى احمد والبخاري وعبد بن حميد وابو داود والنسائي وغيرهم عن الزهري وابن اسحق عن الزهري عن عروة عن مسور بن مخرمة ومروان بن الحكم ان رسول الله ﷺ دخل بيته فاغتسل ولبس ثوبين من نسج صحا وركب ناقة القصوى من عند بابه ويخرج بام سلمة معه وأم منيع اسماء بنت عمرو وأم عمارة الاشهلية وخرج معه المهاجرون والأنصار ومن لحق به من العرب لا يشكون بالفتح للرويا المذكور وليس معهم سلاح الا السيوف فى القرب وساق الهدى فسار رسول الله ﷺ يوم الاثنين لهلال ذى القعدة يعنى سنة ست حتى نزل ذالحليفة فصلى الظهر ثم دعا بالبدن وهى سبعون فجللت ثم أشعر منها عدة وهن موجهات الى القبلة فى الشق
ولبى لبيك إلخ واحرم غالب أصحابه وأم المؤمنين أم سلمة بإحرامه ومنهم من لم يحرم الا بالجحفة وسلك طريق البيداء ومر فيما بين مكة والمدينة بالاعراب من بنى بكر ومزينة وجهينة فاستنفرهم فتشاغلوا باموالهم وقالوا فيما بينهم يريد محمد يغزوا بنا الى قوم معد من الكراع والسلاح وانما محمد وأصحابه أكلة جزور لن يرجع محمد وأصحابه من سفرهم هذا ابدا- قوم لا سلاح معهم ولا عدد ثم قدم رسول الله ﷺ ناجية بن جندب مع فتيان من اسلم ومعهم هدايا المسلمين ووقع فى تلك المسير ما صاد قتادة حمار الوحش وكان غير محرم وما اهدى رسول الله ﷺ حمارا وحشيا وهو بالأبواء وقد مر حديثه فى سورة المائدة ولما بلغ رسول الله ﷺ الجحفة امر بشجرة فقم ما تحتها فخطب الناس- فقال انى كائن لكم فرطا وقد تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وسنة نبيه ولما بلغ المشركين خروج رسول الله ﷺ اجتمعوا وتشاوروا يريد محمد ان يدخلها علينا فى جنوده معتمرا فتستمع العرب انه دخل علينا عنوة وبيننا وبينه من الحرب ما بيننا والله لا كان هذا ثم قدموا خالد بن الوليد على ما بنى فارس الى كراع الغميم واستنفر من الأحابيش وأجلبت ثقيف معهم وخرجوا الى بلدج وضرب بها القباب والابنية ومعهم النساء والصبيان فعسكروا هنا واجمعوا على منع رسول الله ﷺ من دخول مكة ومحاربته ووضعوا لعيون على الجبال وهم عشرا نفس يوحى بعضهم الى بعض بالصوت فعل محمد كذا وكذا حتى ينتهى الى قريش بلدح ورجع بشر بن سفيان الذي بعثه رسول الله ﷺ عينا له من مكة فلقى رسول الله ﷺ بغدير الا شطاط وراء عسفان فقال يا رسول الله هذا قريش سمعوا بمسيرك فخرجوا معهم عوذ المطافيل قد لبسوا جلد النحور وقد نزلوا بذي طوى يعاهدون الله لا يدخلها عليهم ابدا- وهذا خالد بن الوليد فى خيلهم قدموها الى كراع الغميم فقال رسول الله ﷺ يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلوا بينى وبين سائر
الله عليه وسلم صلوة الخوف وقد مر شرحها فى سورة النساء روى البزار بسند رجاله ثقات عن ابى سعيد الخدري ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا لما امسى رسول الله ﷺ قال اسلكوا ذات اليمين بين ظهور الحمض فان خالد بن وليد فى الغميم فى خيل بقريش طليعة كره رسول الله ﷺ ان يلقاه وكان بهم رحيما قال أيكم يعرف ثنية ذات الحنظل فقال بريدة بن الحصيب انا وروى مسلم عن جابر وابو نعيم عن ابى سعيد قال ابو سعيد خرجنا مع رسول الله ﷺ عام الحديبية حتى إذا كنا بعسفان سرنا فى اخر الليل حتى أقبلنا على عقبه ذات الحنظل قال رسول الله ﷺ مثل هذه الثنية الليلة كمثل باب الذي قال الله تعالى لبنى إسرائيل ادخلوا الباب سجّدا يغفر لكم خطاياكم لا يجوز هذه الثنية الليلة أحد الا غفر له قالوا يا رسول الله نخشى ان ترى قريش نيراننا فقال لن يروكم فلما أصبحنا صلى بنا صلوة الصبح ثم قال والذي نفسى بيده لقد غفر الراكب أجمعين الا رديلبا واحدا على جمل احمر فاذا هو رجل
وعامر بن لوى قد استنفروا لك الا حابيش ومن أطاعوهم قد نزلوا اعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل النساء والصبيان يقسمون بالله لا يخلون بينك وبين البيت فقال رسول الله ﷺ انا ما جئنا لقتال أحد انما جئنا لنطوف بهذا البيت فمن صدنا عنه قاتلنا وان قريشا قد اضرب بهم الحرب نهكتهم فان شاؤا ما ددناهم مدة يأمنون فيها ويخلون فيما بيننا وبين الناس والناس اكثر منهم فان أصابوني فذلك الذي أرادوا وان ظهر امرى على الناس كانوا بين ان يدخلوا فيما يدخل فيه الناس او يقاتلوا وقد جموا وان هم ابو فو الله لاجهدن على امرى هذا حتى تنفرد سالفتى او لينفذنّ الله امره قال بديل سابلغهم ما تقول فاتى قريشا وقال انا قد جئنا من عند محمد نخبركم عنه قال عكرمة بن ابى جهل والحكم بن العاص وأسلما بعد ذلك مالنا حاجة ان تخبرنا عنه ولكن اخبروه عنا انه لا يدخلها عامه هذا ابدا حتى لا يبقى رجل وأشار عليهم عروة بن مسعود السقفي بعد ذلك بان يسمعوا كلام بديل فان أعجبهم قبلوه والا تركوه فقال صفوان بن امية والحارث بن هشام وأسلما بعد ذلك هات ما سمعته فحدثه بما قال النبي صلى الله عليه وسلم- فقال عروة بن مسعود السقفي اى قوم ألستم بالولد قالوا بلى قال الست بالولد قالوا بلى- وكان عروة لسبعة بيت عبد الشمس القرشية قال فهل تنهمونى قالوا لا- قال ألستم تعلمون انى استنفرت اهل عكاظ فلما يلجوا على جئتكم باهلى وولدي ومن أطاعني قالوا بلى قال فان هذا الرجل قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ودعونى انّه فاتاه فجعل النبي ﷺ يكلم نحوا من قوله لبديل فقال عروة يا محمد ارايت ان استأصلت قومك فهل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك وان يكن الاخرى فانى والله لارى وجوها او باشا من الناس وفى رواية اشوايا من الناس خليقا ان يغروا ويدعوك فقال له ابو بكر الصديق امصص بظر اللات أنحن نفر منه وندعه قال من ذا قالوا ابو بكر فقال اما والذي نفسى بيده لولا يد كانت لك عندى لم أخبرك به لاجبتك وكان عروة قد استعان فى حمل دية فاعانه الرجل بفريضتين والثلث وأعانه ابو بكر بعشر فرائض فكان هذا يد ابى بكر عند عروة قال فجعل عروة يكلم النبي ﷺ فلما كلمه أخذ بلحيته والمغيرة بن شعبة قائم على راس النبي ﷺ ومعه السيف وعليه المغفر كلما أهوى عروة يده الى لحية النبي ﷺ ضرب يده بنصل السيف وقال اخر يدك عن لحية رسول الله ﷺ فانه لا ينبغى لمشرك ان يمسه
عليه وسلم فلما راى رسول الله ﷺ قال هذا من قوم يعظمون الهدى ويتألهون فابعثوا بالهدى فى وجهه حتى يراها فلما راى الهدايا يسيل عليها من عرض الوادي فى قلايدها قد أكل اوبارها من طول الحبس رجع الى قريش ولم يصل الى رسول الله ﷺ إعظاما لما راى فقال يا معشر قريش انى قد رايت مالا يحل صد الهدى فى قلا يده قد أكل او تارة من طول الحبس عن محله فقالوا اجلس فانما أنت رجل أعرابي لا علم لك فغضب الحليس عند ذلك وقال يا معشر قريش والله ما على هذا حالفناكم ولا على هذا عافذناكم ان تصدوا عن بيت الله من جاء معظما والذي نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد وبين ما جاء له او ليفرن الأحابيش نفرة رجل واحد- فقالوا له مه كف عنايا حليس حتى ناخذ لانفسنا ما نرضى به فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص دعونى آته فقالوا آته فلما اشرف عليهم قال النبي ﷺ هذا مكرز وهو رجل غادر او فاجر فلما انتهى الى رسول الله ﷺ كلمه بنحو ما كلم بديلا وعروة فرجع الى أصحابه فاخبرهم بما رد عليه رسول الله ﷺ قال محمد بن إسحاق ومحمد بن عمر وغيرهما بعث النبي ﷺ الى قريش خراش بن امية على جمل رسول الله ﷺ يقال له الثعلب ليبلغ عنه اشرافهم بما جاء لهم فعقر عكرمة بن ابى جهل الجمل
صلى الله عليه وسلم لو مكث كذا وكذا سنة ما طاف حتى أطوف وكان رسول الله ﷺ امر أصحابه بالحراسة بالليل فكانوا ثلثة يتناوبون الحراسة أوس بن فوبى وعباد بن بشر ومحمد بن مسلمة فكان محمد بن مسلمة على حرس
وسلم أصحابهم الذين اسرهم المسلمون وفى الصحيحين عن سهيل بن حنيف وعند البخاري واصحاب السنن عن مروان بن الحكم ان عثمن لما قدم من مكة هو ومعه رجع سهيل بن عمرو حويطب ومكرز الى قريش فاخبروهم بما راوا من سرعة اصحاب النبي ﷺ الى البيعة وتشميرهم الى الحرب اشتد عليهم فقال اهل الرأي منهم ليس خير من ان تصالح محمدا على ان ينصرف عنا عامة هذا ولا يخلص من البيت حتى يسمع من يسمع بمسيرة من العرب انا قد صددناه ويرجع قابلا فيقم ثلثا ينحر هديه وينصرف فاجمعوا على ذلك وقالوا لسهيل ايت محمدا فصالحه وليكن فى صلحك ان لا يدخل عامة هذا فو الله لا تحدث العرب انه دخل علينا عنوة فاتى سهيل رسول الله ﷺ فقال عليه السلام أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا وفى لفظ قال رسول الله ﷺ سهل أمركم وجلس رسول الله ﷺ متربعا وقام عباد بن بشر وسلمة واسلم وهما مقنعان فى الحديد فبرك سهيل على ركبتيه فكلم رسول الله ﷺ وأطال الكلام وتراجعا وارتفعت الأصوات وانخفضت وقال عباد بن بشر لسهيل اخفض من صوتك عند رسول الله ﷺ فجرى القول حتى وقع الصلح فقال سهيل هات اكتب بيننا وبينك كتابا فدعا رسول الله ﷺ عليّا كرم الله وجهه كما فى حديث البراء عن البخاري والحاكم عن عبد الله بن مغفل انه قال رسول الله ﷺ اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال السهيل اما الرحمن الرحيم فو الله لا أدرى ما هو ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب فقال المسلمون والله لا تكتبها فقال النبي ﷺ اكتب باسمك اللهم ثم قال هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله ﷺ فقال سهيل والله لو كنا نعلم إنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك اكتب محمد بن عبد الله فقال رسول الله ﷺ لعلى رض امحه
بلى قال على م تعطنى الدنية فى ديننا ونرجع ولم يحكم الله بيننا وبينهم فقال رسول الله ﷺ انى عبد الله ورسوله ولست أعصيه ولن يضيعنى وهو ناصرى قال او ليس كنت تحدثنا انا ناتى البيت فنطوف حقا قال بلى فاخبرتك انك ناتيه العام قال لا قال فانك اتيه ومطوف به فذهب عمر الى ابى بكر متغيضا ولم يصبر فقال يا ابو بكر أليس هذا نبى الله حقا قال بلى قال السنا على الحق وهم على الباطل قال بلى قال أليس قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار قال بلى قال فعلى م تعطنى الدنية فى ديننا ونرجع ولم يحكم الله بيننا وبينهم قال ايها الرجل انه رسول الله وليس يعصى ربه وهو ناصره فاستمسك بعزره حتى تموت فو الله انه لعلى الحق وفى لفظ فانه رسول الله فقال عمرو انا اشهد انه رسول الله ﷺ قال او ليس كان يحدثنا انه سياتى البيت ويطوف به قال بلى افاخبرك انك تأتيه العام قال لا قال فانك اتيه وتطوف به فلقى عمر من هذه الشروط امرا عظيما وقال
من
له كوثر بعد ابى بصير بثلاثة ايام فامر رسول الله ﷺ أبا بصير ان يرجع معهما وقال يا أبا بصير انا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت ولا يصلح فى ديننا الغدر ان الله جاعل لك ولمن معك من المسلمين فرجا ومخرجا به حتى بلغا ذا الحليفه فصلى ابو بصير فى مسجدها ركعتين صلوة المسافر ومعه زاد له من تمر يحمله يأكل ودعا العامري وصاحبه لياكلا معه فنزلوا يأكلون التمر وعلى العامري سيفه وتحادثا ولفظ عروة فسل العامري سيفه ثم هذه فقال لاضربن بسيفى هذا فى الأوس والخزرج يوما الى الليل فقال ابو بصير أصارم سيفك هذا قال نعم قال ناولنى انظر اليه ان شئت فناوله إياه فلما قبض عليه ضربه به حتى يرد وخرج كوثر هاربا حتى اتى المدينة فدخل المسجد قال رسول الله ﷺ مالك قال قتل والله صاحبى وأفلت منه ولم أكد وانى مقتول فاستغاث برسول الله ﷺ فامته واقبل ابو بصير فاناخ بعير العامري ودخل متوحشا بسيفه فقال يا رسول قد وفيت ذمتك وادي الله عنك وقد أسلمتني بيد العدو وقد امتنعت بديني من ان افتن فقال رسول الله ﷺ ويل امه مسعر حرب لو كان له أحد وقدم بسلب العامري لرسول الله ﷺ ليخمسه فقال انى إذا خمسة راونى لم أوف لهم بالذي عاهدتهم عليه ولكن شانك بسلب صاحبك واذهب حيث شئت وفى الصحيح ان أبا بصير لما سمع قول رسول الله ﷺ ويل امه مسعر حرب لو كان له أحد عرف انه سيرده فخرج ابو بصير ومعه خمسة كانوا قدموا معه مسلمين من مكة حين قدمه على رسول الله ﷺ فلم يكن طلبهم أحد حتى قدموا سيف البحر فاقام بسيف البحر بين العيص وذى المروة من ارض جنته على طريق عيرات قريش وبلغ المسلمين الذين قد حبسوا بمكة خبر
من صلح الحديبية ولكن الناس قصر رائهم عما كان بين رسول الله وبين ربه والعباد يعجلون والله لا يعجل بعجلة العباد حتى تبلغ الأمور ما أراد والقد رايت سهيل بن عمرو فى حجة الوداع قائما عند المنحر يقرب لرسول الله ﷺ بدنه ورسول الله ﷺ ينحرها بيده ودعا الحلاق فحلق راسه وانظر الى سهيل يلتقطه من شعره يضعه على عينه واذكر امتناعه ان يقر يوم الحديبية بان يكتب بسم الله الرحمن الرحيم فحمد الله سبحانه ان هداه للاسلام فَمَنْ نَكَثَ اى نقض البيعة فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ اى لا يعود ضرر نكثه الا عليه وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ اى ثبت على البيعة قرأ حفص بضم الهاء تعظيما للجلالة والباقون بالكسر فَسَيُؤْتِيهِ قرأ نافع وابن كثير وابن عامر بالنون على التكلم والباقون بالياء على الغيبة والضمير
سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ ابن عباس ومجاهد يعنى الاعراب بنى غفار ومزينه وجهنية والنخع واسلم وهم الذين أبطئوا من الخروج مع النبي ﷺ حين استنفرهم إذا أراد المسير الى مكة عام الحديبية خوفا من قتال قريش زعما منهم قلة عدد المسلمين وضعفهم فى عقيدتهم كما مر فى القضية رجع النبي ﷺ سالما اعتذروا من التخلف وو قالوا شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا يعنى لم يكن لنا من يقوم باشغالهم فَاسْتَغْفِرْ لَنا الله تعالى على التخلف فيه معجزة فان الله تعالى اخبر نبيه - ﷺ - بما يقول له المخلفون بعد ذلك ثم كذبهم الله فى اعتذارهم فقال يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ من الاعتذار والاستغفار يعنى انهم لا يبالون استغفر لهم النبي ﷺ او لم يستغفر الجملة بدل من قوله تعالى سيقول إلخ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً يعنى لاحد يمنعكم من مشية الله تعالى وقضائه فيكم إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا قرأ حمزة والكسائي بضم الضاد والباقون بالفتح يعنى ما يضركم كقتل او هزيمة او هلاك فى المال او الأهل او عذاب فى الاخرة على تخلفكم أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً اى ضد ذلك به تعرض بالرد بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً يعنى ليس الأمر كما قلتم فى الاعتذار بل الله يعلم ان قصدكم فى التخلف انما هو اظهار الموافقة لاهل مكة خوفا منهم.
بَلْ ظَنَنْتُمْ ايها المخلفون أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً يعنى يستاصلهم مشركو مكة فلا يرجعون إضراب ثان عطف على مضمون الاضراب الاول يعنى بل أظهرتم موافقه اهل مكة بل ظننتم ان لن ينقلبوا وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ زينه الشيطان بخلق الله تعالى وَظَنَنْتُمْ ان محمدا وأصحابه أكلة راس فلا يرجعون او غير ذلك مما يظنون بالله ورسوله - ﷺ - من الأمور الباطلة ظَنَّ السَّوْءِ منصوب على المصدرية وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً هلكى عند الله لفساد عقيدتكم وسوء ظنكم بالله ورسوله.
وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فيه تعريض الى انهم غير مؤمنين بالله ورسوله فان الايمان ينافى تلك الظنون والتخلف عن الرسول - ﷺ - وجزاء الشرط محذوف وما بعده تعليل أقيم مقامه اى لا يضرنا- فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً وضع المظهر موضع المضمر إيذانا بان من لم يجمع بين الايمان بالله ورسوله فهو كافر مستوجب للسعير بكفره وتنكير سعير للتهويل-.
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ لا يجب عليه شىء وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً يعنى ان الغفران والرحمة صفات ذاتية له تعالى والتعذيب داخل
سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ المذكورون إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ فى القتال حتى نصيب من المغانم يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ جملة يريدون بدل اشتمال من سيقولون قرأ حمزة والكسائي كلم الله على انه جمع كلمة قيل المراد بالمغانم خيبر خاصة قال محمد بن عمر وامر رسول الله - ﷺ - أصحابه بالخروج يعنى الى خيبر فجدوا فى ذلك من حوله فمن شهد الحديبية يغزون معه وجاء المخلفون عنه فى غزوة الحديبية ليخرجوا معه رجاء الغنيمة فقال عليه السلام لا يخرجوا معى الا راغبين فى الجهاد واما الغنيمة فلا- والظاهر ان معنى الاية سيقولون المخلفون الذين تخلفوا من الجهاد فى غزوة الحديبية حين ظنوا بالمسلمين ضعفا وقلة إذا يرون بالمسلمين قوة وانطلقتم الى المغانم لتاخذوها فى زعمهم غالبا سيقولون ذرونا نتبعكم يريدون ان يبدلوا كلام الله يعنى امر الله لنبيه ان لا يسير معه أحد منهم كما فى قوله تعالى فاستاذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معى ابدا ولن تقاتلوا معى عدوا انكم رضيتم بالقعود أول مرة كذا قال ابن ريد وقتادة قلت لعل المخلفون لما رأوا من المؤمنين شدة رغبتهم فى الجهاد وسمعوا بيعة الرضوان وان الله الفر؟؟؟ المؤمنين على المشركين فى بطن مكة حتى رضى المشركون على الصلح واطمأن المسلمون من اهل مكة وفرغوا الجهاد عامة العرب ندموا على التخلف وظنوا بغلبة المسلمين وأخذهم الغنائم قالوا ذلك حين عزم النبي ﷺ لجهاد اهل خيبر مع ان اهل خيبر كانوا أشد بأسا من اهل مكة حيث كان فيها عشر آلاف مقاتل وانما حبس الله رسوله والمؤمنين من اهل مكة ترحما بقريش كما حبس عنهم الفيل لما علم بعلمه القديم ان أكثرهم يؤمنون ويخرج منهم بسمات مومنات ولئلا يصيب المؤمنين معرة بغير علم من ان يطئوا رجالا مومنين ونساء مؤمنات كانوا بمكة لم يعلموهم قُلْ يا محمد لَنْ تَتَّبِعُونا
جملة مستانفة اخبار من الله تعالى بعدم اتباعهم بعد عزمهم طمعا فى الغنائم ولا يبدل القول لديه وفى معجزة اخبار بالغيب مرتين مرة بالقول ومرة بعدم الاتباع وقيل هذا نفى ومعناه النهى- كَذلِكُمْ يعنى قولا مثل ما قلت لكم ايها المخلفون من الاخبار والنهى قالَ اللَّهُ تعالى مِنْ قَبْلُ هذا بوحي غير متلوان غنائم خيبر لاهل الحديبية خاصة لا نصيب لغيرهم فيها او انهم لن يخرجوا معك ابدا ولا يصاحبهم فى غزوة ابدا وليس المراد منه قوله تعالى فَاسْتَأْذَنُوكَ لانها نزلت بعد ذلك سنة تسع فى غزوة تبوك فَسَيَقُولُونَ اى المخلفون عطف على سيقولون بَلْ تَحْسُدُونَنا عطف على محذوف يعنى لم يقل الله كذلك بل تحسدوننا يقولون ذلك حسدا ان يشرككم فى الغنائم بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ عطف على سيقولون يعنى ليس الأمر كما زعمت المخلفون بل كانوا
قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ كرر ذكرهم بهذا الاسم مبالغة فى الذم واشعار بكمال شناعة التخلف سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ قال كعب هم الروم يعنى فى غزوة تبوك قلت وهذا القول يابى عنه توصيف قوم بقوله يقاتلونهم او يسلمون فان غزوة تبوك مال امره الى القتال فان النبي - ﷺ - سار الى تبوك واقام هناك بضعة عشر يوما فلم يتحرك هرقل الى مقابلته ولم يبعث اليه جيشا رجع النبي - ﷺ - من غير قتال وقال سعيد بن جبير وقتادة هوازن وثقيف وغطفان يوم حنين قلت ولم يصح ان النبي - ﷺ - دعا الاعراب يوم حنين وايضا يكونوا اولى بأس شديد بالنسبة الى عسكر الإسلام بل كانوا قليلا فى مقابلة جم غفير وقال الزهري ومقاتل وجماعة هم بنو حنيفة اهل اليمامة واصحاب مسيلمة الكذاب قال رافع بن خديج كنا نقرا هذه الاية ولا نعلم من هم حتى دعى ابو بكر الصديق رض الى قتال بنى حنيفة فعلمنا انهم هم وهذا قول اكثر المفسرين ورحجه البيضاوي بقرينة قوله تعالى تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ يعنى بكون أحد الامرين اما المقاتلة او الإسلام لا غير كما يدل عليه قراءة او يسلموا فان او حينئذ بمعنى الى ان ولا شك ان مشركى العرب والمرتدين هم الذين لا يقبل منهم الا الإسلام او السيف وقتال غيرهم كاهل الروم ينتهى بالجزية فالاية دليل على امامة ابى بكر فانه دعى الناس لقتال اهل الردة وقال ابن عباس وعطاء ومجاهد وابن جريح هم اهل الفارس فانهم كانوا أشد بامن من غيرهم دعا الناس عمر بن الخطاب الى قتالهم فالاية دليل على خلافة عمر المبنية على خلافة ابى بكر ومعنى يسلمون حينئذ ينقادون لاعطاء الجزية والجملتين المتعاطفتين بدل اشتمال من ستدعون فَإِنْ تُطِيعُوا لداعى يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً يعنى الجنة وَإِنْ تَتَوَلَّوْا توليا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ ذلك عام الحديبية يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً لتضاعف جرمكم قال البغوي فلما نزلت هذه الاية قال اهل الزمانة كيف بنا يا رسول الله فانزل الله تعالى.
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ ضيق وشدة وعذاب فى ترك الجهاد وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فى الجهاد وغير ذلك يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ اى يعرض عن الطاعة بعد القدرة يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً قرأ نافع وابن عامر ندخله ونعذبه بالنون على المتكلم والباقون بالياء على الغيبة والضمير راجع الى الله
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ يعنى بالحديبية هذه الجملة متصلة بقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ الاية تأكيد لها وما بينهما معترضات وبهذه الاية سميت البيعة بيعة الرضوان والغرض من هذه الاية مدح المؤمنين والثناء عليهم ومما سبق- حثهم على إيفاء ما بايعوا عليه وفى الصحيحين عن جابر بن عبد الله قال كنا يوم الحديبية الفا واربعمائة فقال لنا رسول الله ﷺ أنتم خير اهل الأرض- وروى مسلم عن امر بشر مرفوعا ولا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة- فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ من الصدق والوفاء فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ يعنى القى عليهم الطمأنينة بالحضور عند ذكر الله تعالى والرضا بما امر الله تعالى فوق الرضا بما تشتهيه نفوسهم وَأَثابَهُمْ فَتْحاً يعنى فتح خيبر قَرِيباً قيل اقام النبي ﷺ بالمدينة بعد الرجوع من الحديبية عشر ليال كذا عند ابن عاند عن ابن عباس وعند سليمان التيمي خمسة عشر وذكر ابن عقبة عن ابن شهاب اقام بالمدينة عشرين ليلة فى حديث المسور ومروان عند ابن اسحق انه عليه السلام قدم المدينة فى ذى الحجة فاقام بها حتى سار الى خيبر فى المحرم وكان فتح خيبر فى سفر سنة سبع كذا فى المغازي للواقدى قال الحافظ انه الراجح نقل الحاكم عن الواقدي-.
وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها روى البخاري عن عائشة رض قالت لما فتحت خيبر قلنا الان نشبع من التمر وعن ابن عمر قال ما شبعنا من التمر حتى فتحت خيبر قال الحافظ محمد بن يوسف الصالحي ان خيبر اسم ولاية مشتملة على حصون ومزارع ونخل كثيرة على ثلثة ايام من الحديبية على يسار حاج الشام وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها وهى الفتوح التي يفتح لهم الى يوم القيامة فيه تسلية للمؤمنين انصرافهم من مكة بصلح فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ يعنى فتح خيبر وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ قال البغوي وذلك ان النبي - ﷺ - لما حاصر خيبر همت قبائل من بنى اسد وغطفان ان يغيروا على اعيال المسلمين وذراريهم بالمدينة فكف الله أيديهم بإلقاء الرعب فى قلوبهم وقال ابن اسحق كانت غطفان مظاهرين يهود خيبر على رسول الله - ﷺ - فبلغنى ان غطفان لما سمعوا بمنزل رسول الله ﷺ من خيبر خرجوا ليظاهروا يهود عليه فلما ساروا سمعوا خلفهم فى أموالهم وأهليهم حسا ظنوا ان القوم قد خالفوا إليهم فرجعوا على أعقابهم فاقاموا فى أهليهم وأموالهم وخلوا بين رسول الله - ﷺ - وبين خيبر وروى ابن قانع والبغوي وابو نعيم
ونهاهم عن القتال حتى يأذن لهم فعمد رجل من أشجع على يهودى وحمل عليه اليهودي فقتله فقال الناس استشهد فلان فقال رسول الله - ﷺ - بعد ما نهيت من القتال قالوا نعم فامر رسول الله - ﷺ - مناديا فنادى فى الناس لا تحل الجنة لعاص- وروى الطبراني عن جابر ان رسول الله - ﷺ - قال يومئذ لا تتمنوا لقاء العدو واسئلوا الله العافية فانكم لا تدرون ما تبتلون به فاذا لقيتم فقولوا اللهم ربنا وربهم نواصينا ونواصيهم بيدك وانما تقتلهم أنت ثم الزموا الأرض جلوسا فاذا عشوكم فانهضوا وكبروا الحديث- قال ابن اسحق ومحمد بن عمرو بن سعيد فرق رسول الله - ﷺ - الرايات واذن للناس فى قتال وحثهم على الصبر وأول حصن حاصره من النطاة ناعم وقاتل أشد القتال وقاتله اهل نطاة أشد القتال فلما امسى تحول له الى الرجيح فكان رسول الله - ﷺ - يغدوا على راياتهم حتى فتح الله الحصن عليهم روى البيهقي وابو نعيم ومحمد بن عمران المسلمين لما قدموا خيبر قدموا على ثمرة خضراء وهى ديئية وختمة فاكلوا منها فاخذهم الحمى فشكوا الى رسول الله - ﷺ - فقال فرسوا الماء فى الشنان فاذا كان بين الاذانين يعنى من الصبح فاحدروا الماء واذكروا اسم لله فكانما نشطوا من العقل وبعد فتح ناعم حاصر وأحصن الصعب بن معاذ- روى محمد بن عمر عن ابى أيسر كعب بن عمر انهم حاصروه ثلثة ايام وكان حصنا منيعا- روى ابن اسحق عن رجل من اسلم ومحمد بن عمر عن معتب الأسلمي قال أصابتنا معشر اسلم مجاعة حتى قدمنا خيبروا قمنا عشرة ايام على حصن النطاة لا يفتح شيئا فيها طعام فارسلوا اسماء بن حارشة الى رسول الله - ﷺ - فقال ان اسلم يقرأ عليك السلام ويقول انا قد جهدنا من الجوع والضعف فادع الله لنا فقال رسول الله - ﷺ - ما بيدي ما أقوتهم به قد علمت حالهم ثم قال اللهم فافتح عليهم الأعظم حصنا فيها أكثره ودكاو دفع اللواء الى حباب بن المنذر وندب الناس فما رجعنا حتى فتح الله حصن الصعب بن معاذ وما بخيبر حصن اكثر طعاما وودكا منه بزر لحباب يوشع اليهودي فقتله حباب ثم برزله الزيال فبادره عمارة بن عقبة الغفاري فقال الناس بطل جهاده فقال عليه الصلاة والسلام ما بأس به يوجر ويحمد- روى محمد بن عمرو عن جابر انهم وجدوا فى حصن الصعب من الطعام ما يكونوا يظنون من الشعير والتمر والسمن والعسل والزيت والودك ونادى منادى رسول الله ﷺ كلوا وامقلوا ولا تحملوا يعنى لا تخرجوا به الى بلادكم- روى البيهقي عن محمد بن عمرو قال لما تحولت اليهود من حصن الناعم وحصن الصعب بن معاذ الى قلة الزبير يعنى حصن
ورسول الله - ﷺ - معهم حتى أصاب النبل ثياب النبي ﷺ وعلقت به فاخذ رسول الله - ﷺ - النبل فجمعها ثم أخذ لهم كفا من حصى فحصب به حصنهم فرجف الحصن بهم ثم ساخ فى الأرض حتى المسلمون فاخذوا اهله أخذا ولما فتح رسول الله - ﷺ - حصون النطاة والشق انهزم من سلم منهم الى حصون الكثيبة وأعظم حصونها القموص وكان حصنا منيعا ذكر ابن ابى عقبة ان رسول الله - ﷺ - حاصره قريبا من عشرين ليلة وكانت أرضا وخمسة روى الشيخان عن سهل بن سعد والبخاري وابو نعيم عن سلمة بن الأكوع وابو نعيم عن عمرو ابن عباس وسعد بن ابى وقاص الخدري وعمران بن حصين وجابر بن عبد الله ومسلم والبيهقي عن ابى هريرة واحمد وابو يعلى والبيهقي عن على وابو نعيم والبيهقي عن بريدة قال بريدة كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يأخذه الشقيقة فيمكث اليوم واليومين ولا يخرج فلما نزل خيبرا أخذته الشقيقة فلم يخرج الى الناس فارسل أبا بكر فاخذ راية رسول الله ﷺ فقاتل قتالا شديدا ثم نهض فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الاول ثم رجع ولم يكن فتح وفى حديث على
من طريقين عن المطلب بن زياد عن ليث بن سليم عن ابى جعفر محمد ابن على عن ابائه قال حدثنى جابر بن عبد الله ان عليا حمل الباب يوم خيبر حتى صعد عليه المسلمون
والحروب فقال العهد قريب والمال اكثر من ذلك فقال بهما رسول الله - ﷺ - انكما ان كتمتمانى شيئا فان اطلعت عليه استحللت به دمائكما وذراريكما قال نعم قال عروة ومحمد بن عمر فيما روى البيهقي عنهما فاخبر الله تعالى نبيه بموضع الكنز وقال عليه الصلاة والسلام لكنانة انك مفتر بامر السماء فدعا رجلا من الأنصار وقال اذهب الى فراخ كذا وكذا فانظر نخلة عن يمينك ونخلة عن شمالك فائتى بما فيها فجاء بالآنية والأموال فقومت بعشرة آلاف دينار فضرب أعناقهما وسبى أهلهما بالنكث الذي نكثاه روى البخاري عن ابن عمر والبيهقي عنه وعن عروة وعن موسى بن عقبة ان خيبر لما فتحها رسول الله ﷺ قالوا دعنايا محمد نكون فى هذا الأرض نضلحها ونقوم عليها ولم يكن لرسول الله ﷺ ولا لاصحابه غلمان وكانوا لا يفرغون ان يقوموا عليها فاعطاهم رسول الله - ﷺ - على ان لهم الشطر من كل زرع ونخل وشىء ما بدأ لرسول الله - ﷺ - فى لفظ نقركم على ذلك ما شئنا فى لفظ ما اقركم الله وكان عبد الله بن رواحة يأتيهم كل عام فيخرجها عليهم ثم يقمنهم الشطر فشكوا الى رسول الله - ﷺ - ابن رواحة وأرادوا ان يرشوا ابن رواحة فقال يا اعداء الله أتطمعوني السحت والله لقد جئتكم من عند أحب الناس الى ولانتم ابغض الى من عدتكم من القردة والخنازير ولا يحملنى بغضي إياكم وحبى إياه على ان اعدل عليكم فقالوا بهذا اقامت السموات والأرض فاقاموا بأرضهم على ذلك فلما كان زمن عمر رض غشوا المسلمين والقوا عبد الله بن عمر من فوق بيت ففدعوا يديه ويقال بل سحروه بالليل وهو نائم على فراشه فكوع حين أصبح كانه فى وثاق وجاء أصحابه فاصلحوا من يديه فقام عمر خطيبا فى الناس فقال ان رسول الله - ﷺ - عامل يهود خيبر على أموالهم وقال نقركم ما اقركم الله وان عبد الله بن عمر خرج الى ماله هناك فعدى عليه من الليل ففدعت يداه وليس لنا هناك عدو غيرهم وهم تهمنا وقد رأيت اجلائهم فمن كان له همّ بخيبر فليحضر حتى يقسمها فلما اجمع على ذلك قال رئيسهم وهو أحد بنى
نبيا فسيخبر فتجاوز عنها وروى عبد الرزاق فى مصنفه عن معمر عن الزهري انها أسلمت وتركها رسول الله - ﷺ - وجزم بإسلامها سليمان التيمي ولفظ بعد قولها وان كنت كاذبا أرحت الناس منك وقد استبان بي انك صادق وانا أشهدك ومن حضرك انى على دينك وان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله قال فانصرف رسول الله - ﷺ - عنها حين أسلمت ووقع عند البزاز من حديث ابى سعيد ان رسول الله ﷺ بعد سواله للمرأة اليهودية واعترافها بسط يده الى الشاة وقال لاصحابه كلوا بسم الله قال فاكلنا وذكرنا اسم الله فلم يضر أحدا منا قال الحافظ حماد الدين فيه نكارة وغرابة شديدة وذكر محمد بن عمران رسول الله - ﷺ - امر بلحم الشاة فاحرق وعن جابر ان رسول الله - ﷺ - لما مات بشر بن البراء امر باليهودية فقتلت رواه ابو داود وعن محمد بن عمر بأسانيد له فدفعها الى اولياء بشر بن البراء فقتلوها قال البيهقي يحتمل انه تركها اولا وقال السهيلي تركها لانه كان لا ينتقم لنفسه ثم قتلها ببشر قصاصا قال الحافظ تركها لكونها أسلمت
خيبر خمسة اجزاء فكتب فى سهم منها لله وسائر السهمان اغفال وقسم اربعة اخمس على ثمانية عشر سهما كل مائة رجل وللخيل اربعة أسهم- قصة فتح وادي القرى- لما انصرف رسول الله - ﷺ - من خيبر الى وادي القرى فدعا أهلها الى الإسلام فامتنعوا ففتحها رسول الله - ﷺ - عنوة وغنمه بعالى اموال أهلها وأصاب المسلمون منها أثاثا ومتاعا فخمس رسول الله - ﷺ - ذلك وترك الأرض فى أيدي اليهود وعاملهم على نحو ما عامل عليه اهل خيبر.
وَأُخْرى منصوب عطفا على مغانم كثيرة يعنى أوعدكم مغانم اخرى او عطفا على هذه يعنى عجل لكم مغانم اخرى بعد هذا او يفعل محذوف يفسره قد أحاط الله بها يعنى قضى لكم مغانم اخرى وعلى التقادير كلها قوله تعالى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها صفة اخرى وجاز ان يكون اخرى مرفوعا على الابتداء ولم تقدروا عليها صفة له وقوله تعالى قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها خبر المبتدا او يكون لم تقدروا عليها خبر المبتدا وقد أحاط الله حال من الضمير فى عليها والمراد بمغانم فارس والروم وما كانت العرب يقدر على قتال فارس والروم وكان قولا لهم حتى قدروا عليها بالإسلام كذا قال ابن عباس والحسن والمقاتل وقال قتادة هى مكة وقال عكرمة حنين وقال مجاهد كل ما فتح الله بعد ذلك وقد أحاط الله بها اى استولى فاظفركم او أحاط الله بها علما ان يفتحها لكم وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً وان لم تقدروا عليها.
وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا من اهل مكة ولم يصالحوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا يحرسهم وَلا نَصِيراً ينصرهم.
سُنَّةَ اللَّهِ منصوب على المصدرية يعنى سن الله سنة غلبة أوليائه وأنبيائه على أعدائه قال الله تعالى لاغلبن انا ورسلى وقال ان حزب الله هم المفلحون ان حزب الله هم الغالبون الَّتِي قَدْ خَلَتْ اى مضت تلك السنة قديما فى الأمم السابقة مِنْ قَبْلُ هذا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا تغيرا.
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ يعنى كفار مكة عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ قدمو فيما سبق من حديث انس ان ثمانين رجلا من اهل مكة وفى رواية سبعين هبطوا من جبل التنعيم فاخذوا فعفى النبي - ﷺ - عنهم فنزلت هذه الاية ومن حديث عبد الله بن مغفل وفيه إذ خرج علينا ثلثون شابا الحديث ومن حديث مسلم بن اكوع اخترطت سيفى على اربعة الحديث وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ قرأ ابو عمرو بالياء على الغيبة والضمير راجع الى الكفار والباقون بالتاء
هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا يعنى اهل مكة وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ان تطوفوه وَالْهَدْيَ وهى ما يهدى الى مكة من الإبل والبقر والشاة مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ الهدى معطوف على الضمير المنصوب فى صدوكم وان يبلغ معطوف على عن المسجد الحرام فتقدير عن من قبيل العطف على معمولى عامل واحد بحرف واحد وجاز ان يكون ان يبلغ متعلقا بمعكوفا بتقدير من ومعكوفا حال من الهدى مَحِلَّهُ يعنى الحرام فانه موضع حلول اجله احتج الحنفية على انه لا يجوز ذبح الهدايا الا فى الحرم والمحصر يرسل الهدى الى مكة وقد ذكرنا هذه المسألة فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ... وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ يعنى لم تعرفوهم بأعيانهم لاختلاطهم بالمشركين او لم تعلموهم مؤمنين ورجال مبتداء موصوف بصفات بعد لولا الامتناعية أَنْ تَطَؤُهُمْ بدل اشتمال من المبتدا بتقدير المضاف والخبر محذوف يعنى هو موجودين بمكة وجواب لولا محذوف اغنى عنه جواب لو تزيلوا يعنى لولا كراهة ان تطؤ المؤمنين عند نصرنا وغلبتكم عليهم لعذبنا الذين كفروا بالقتل والاسر فَتُصِيبَكُمْ عطف على تطؤهم مِنْهُمْ اى من جهنم مَعَرَّةٌ قال ابن زيد اثم فان قتل الخطأ لا يخلوا عن اثم كما يدل عليه وجوب الكفارة وقال ابن اسحق غرم الدية وقيل الكفارة وقيل معناه الحرب واطلق هاهنا على المضرة مطلقا تشبيها بالحرب ومن المضرة التأسف على قتل المؤمنين وتعيير الكفار بذلك بِغَيْرِ عِلْمٍ متعلق بان تطؤهم او تصيبكم على سبيل التنازع اخرج الطبراني وابو يعلى عن ابى جمعة جنيد بن سبع قال قاتلت النبي - ﷺ - أول النهار كافرا وقاتلت معه اخر النهار مسلما وكنا ثلثة رجال وسبع نسوة وفينا نزلت وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ... لِيُدْخِلَ اللَّهُ متعلق بمحذوف دل عليه السياق اى كان ذلك المنع من دخول مكة عنوة ليدخل الله فِي رَحْمَتِهِ اى فى دينه وجنته مَنْ يَشاءُ من اهل مكة فقدا من كثير من المشركين يوم الفتح وقيل ذلك او المعنى ليدخل الله المؤمنين المستضعفين فى رحمة الدنيوية من العافية وطول البقاء لَوْ تَزَيَّلُوا اى تفرقوا وامتاز المسلمون من الكفار لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ اى من اهل مكة فى الدنيا بالقتل والاسر- عَذاباً أَلِيماً إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا ظرف متعلق بقوله عذبنا او صدوكم او مفعول لمحذوف اى اذكر.
فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حين صدوا رسول الله - ﷺ - عن الطواف وأنكروا بسم الله الرحمن الرحيم وأنكروا محمدا رسول الله قال مقاتل قال اهل مكة قد قتلوا أبنائنا وإخواننا
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا كذا ذكر البيهقي وغيره عن مجاهد والجملة جواب قسم محذوف أورد بصيغة الماضي والمراد به المستقبل ليدل على القطع فى وقوعه قال الجوهري الصدق والكذب يكونان فى القول يعنى الخبر إذا طابق الواقع كان صدقا والا كذبا ويستعملان فى الفعل ايضا فالصدق بمعنى التحقيق قال الله تعالى رجال صدقوا ما عاهدوا الله يعنى حققوا العهد وفى هذه الآية ايضا صدق فعل يعنى حقق الله رؤيا الرسول الله - ﷺ - وعلى هذا الرؤيا بدل اشتمال من رسوله وجاز ان يكون رسوله منصوبا بنزع الخافض يعنى حقق لرسوله الرؤيا ايضا قال الجوهري الصدق قد يتعدى الى مفعولين قال الله تعالى لقد صدقكم الله وعده وعلى هذا رسوله المفعول الاول والرؤيا مفعوله الثاني وقال البيضاوي معناه صدقه فى رؤياه قال فى المدارك حذف الجار وأوصل الفعل- بِالْحَقِّ اى متلبسا بالحق اى الحكمة البالغة حال من الرؤيا او صفة لمصدر محذوف اى صدقا متلبسا بالحق وهو القصد الى التمييز بين الثابت على الايمان والمتزلزل فيه وجاز ان يكون بالحق قسما اما باسم الله تعالى او بنقيض الباطل وجوابه لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ وعلى الأولين هذا ما قسم محذوف وقال ابن كيسان لتدخلن من قول رسول الله - ﷺ - لاصحابه حكاية عن روياه فاخبر الله تعالى عن رسوله انه قال ذلك وجاز ان يكون من
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى اى متلبسا به او السببية او لاجله وَدِينِ الْحَقِّ اى دين الإسلام لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ يعنى جنس الأديان كلها بنسخ ما كان حقا واظهار فساد ما كان باطلا بالحجج والآيات او بتسليط المسلمين على أهلها فى وقت من الأوقات وَكَفى بِاللَّهِ الباء زائدة شَهِيداً حال من الله او تميز من النسبة يعنى كفى الله شاهدا او كفى شهادة الله على ما وعد من الفتح او على رسالة الرسول بإظهار المعجزات على يديه وفى هذه الاية تأكيد لما وعد من دخول المسجد الحرام وكلتاهما تاكيدان لقوله تعالى إِنَّا فَتَحْنا لَكَ وما بينهما معترضات.
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ جملة مبنية للمشهود به ويجوز ان يكون رسول الله صفة ومحمد خبر مبتداء محذوف اى هو الذي أرسله بالهدى محمد او مبتدأ وقوله تعالى وَالَّذِينَ مَعَهُ معطوف عليه وما بعده خبرهما والموصول مبتداء وما بعده خبره والجملة معطوف على الجملة أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ امتثالا لامر الله تعالى حيث قال يا ايها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم وقال لا تأخذكم بهما رافة فى دين الله وقال ومن يتولهم منكم فانه منهم وأمثال ذلك كثيرة رُحَماءُ بَيْنَهُمْ يعنى يتراحمون فيما بينهم ويتوادون حبا لله ولرسوله فان محب المحبوب محبوب فى الحديث القدسي اين المتحابون فى جلالى اليوم أظلهم تحت ظلى يوم لا ظل الا ظلى رواه مسلم عن ابى هريرة مرفوعا- وسيجيئ قوله - ﷺ - من أحبهم فبحبى أحبهم
أحدهم ولا نصفه متفق عليه من حديث ابى سعيد الخدري وروى احمد نحوه من حديث انس وقال رسول الله ﷺ ما من أصحابي يموت بأرض الا بعث قايدا ونور الهم يوم القيامة رواه الترمذي عن بريدة وهذه الخصوصية هى مادة الفضل غالبا فيما بين الصحابة فمن كان اسبق ايمانا كابى بكر او اكثر موازرة للدين حين ضعفه كعمر كان أفضل ممن ليس كذلك- قال الله تعالى لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وقال الله تعالى السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وقد استوفيا فضايل الصحابة عموما وخصوصا ونقلا وعقلا فى السيف المسلول والله تعالى اعلم- قال البغوي هذا مثل ضربه الله عز وجل لاصحاب محمد ﷺ فى الإنجيل انهم يكونون قليلا ثم يزدادون ويكثرون قال قتادة مثل اصحاب محمد فى الإنجيل مكتوب انه سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وقيل الزرع محمد والشطأة أصحابه والمؤمنون- وروى عن مبارك بن فضالة عن الحسن قال محمد رسول الله والذين معه ابو بكر أشداء على الكفار عمر بن الخطاب رحماء بينهم عثمان بن عفان ترهم ركعا سجدا على بن ابى طالب يبتغون فضلا من الله ورضوانا- بقية العشرة المبشرة بالجنة كمثل زرع محمد ﷺ اخرج شطأه ابو بكر فازره عمر فاستغلظ عثمان للاسلام فاستوى على سوقه على بن ابى طالب استقام الإسلام بسيفه يعجب الزراع- فى المدارك عن عكرمة اخرج شطأه بابى بكر إلخ نحو ما ذكر والله تعالى اعلم- قال البغوي قال عمر لاهل مكة بعد ما اسلم لا يعبد الله