تفسير سورة الحجرات

تفسير ابن جزي
تفسير سورة سورة الحجرات من كتاب التسهيل لعلوم التنزيل المعروف بـتفسير ابن جزي .
لمؤلفه ابن جُزَيِّ . المتوفي سنة 741 هـ
سورة الحجرات
مدنية وآياتها ١٨ نزلت بعد المجادلة

سورة الحجرات
مدنية وآياتها ١٨ نزلت بعد الجاثية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سورة الحجرات) لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فيه ثلاثة أقوال: أحدها لا تتكلموا بأمر قبل أن يتكلم هو به، ولا تقطعوا في أمر إلا بنظره والثاني لا تقدموا الولاة بمحضره فإنه يقدم من شاء، والثالث لا تتقدموا بين يديه إذا مشى، وهذا إنما يجري على قراءة يعقوب لا تقدموا بفتح التاء والقاف والدال، والأول هو الأظهر لأن عادة العرب الاشتراك في الرأي، وأن يتكلم كل أحد بما يظهر له، فربما فعل ذلك قوم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فنهاهم الله عن ذلك، ولذلك قال مجاهد: معناه لا تفتاتوا على الله شيئا حتى يذكره على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما قال: بين يدي الله لأن النبي ﷺ إنما يتكلم بوحي من الله لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ أمر الله المؤمنين أن يتأدبوا مع النبي ﷺ بهذا الأدب، كرامة له وتعظيما، وسببها أن بعض جفاة الأعراب كانوا يرفعون أصواتهم أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ مفعول من أجله تقديره: مخافة أن تحبط أعمالكم إذا رفعتم أصواتكم فوق صوته، أو جهرتم له بالقول صلى الله عليه وسلم، فالمفعول من أجله يتعلق بالفعلين معا من طريق المعنى، وأما من طريق الإعراب فيتعلق عند البصريين بالثاني وهو: لا تَجْهَرُوا وعند الكوفيين بالأول وهو لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ، وهذا الإحباط لأن قلة الأدب معه ﷺ والتقصير في توقيره يحبط الحسنات وإن فعله مؤمن، لعظيم ما وقع فيه من ذلك. وقيل:
إن الآية خطاب للمنافقين وهذا ضعيف، لقوله في أولها: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وقوله:
وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ فإنه لا يصح أن يقال هذا لمنافق، فإنه يفعله «جرأة» وهو يقصده.
إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ نزلت في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فإنه لما نزلت الآية قبلها قال أبو بكر: والله يا رسول الله لا أكلمنك إلا سرا. وكان عمر يخفي كلامه حين يستفهمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولفظها مع ذلك على
294
عمومه، ومعنى امْتَحَنَ: اختبر فوجدها كما يجب، مثل ما يختبر الذهب بالنار، فيوجد طيبا، وقيل معناها: درّبها للتقوى حتى صارت قوية على احتماله بغير تكلف. وقيل: معناه أخلصها الله للتقوى إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ الحجرات:
جمع حجرة وهي قطعة من الأرض يحجر عليها بحائط، وكان لكل واحدة من أزواج النبي ﷺ حجرة. ونزلت الآية في وفد بني تميم، قدموا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدخلوا المسجد ودنوا من حجرات أزواج النبي ﷺ ووقفوا خارجها ونادوا: يا محمد أخرج إلينا فكان في فعلهم ذلك جفاء وبداوة وقلة توقير، فتربص رسول الله ﷺ مدة ثم خرج إليهم، فقال له واحد منهم وهو الأقرع بن حابس: يا محمد إنّ مدحي زين وذمّي شين.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويحك ذلك الله تعالى أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون فيهم قليل ممن يعقل ونفي العقل عن أكثرهم لا عن جميعهم، والآخر أن يكون جميعهم ممن لا يعقل، وأوقع القلة موضع النفي والأول أظهر في مقتضى اللفظ. والثاني أبلغ في الذم وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ يعني خيرا في الثواب، وفي انبساط نفس النبي صلى الله عليه وسلم، وقضائه حوائجهم، وإنكار فعلهم فيه تأديب لهم، وتعليم لغيرهم.
إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا سببها أن النبي ﷺ بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق، ليأخذ زكاتهم، فروي أنه كان معاديا لهم، فأراد إذايتهم فرجع من بعض طريقه فكذب عليهم، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنهم قد منعوني الصدقة وطردوني وارتدوا، فغضب رسول الله ﷺ وهمّ بغزوهم، ونظر في ذلك فورد وفدهم منكرين لذلك، وروي أن الوليد بن عقبة لما قرب منهم خرجوا إليه متلقين له [بالسلاح]، فرآهم على بعد ففزع منهم وظنّ بهم الشر، فانصرف فقال ما قال. وروي أنه بلغه أنهم قالوا: لا نعطيه صدقة ولا نطيعه فانصرف، وقال ما قال. فالفاسق المشار إليه في الآية هو الوليد بن عقبة، ولم يزل بعد ذلك يفعل أفعال الفساق، حتى صلى بالناس صلاة الصبح أربع ركعات وهو سكران، ثم قال لهم: أزيدكم إن شئتم، ثم هي باقية في كل من اتصف بهذه الصفة إلى آخر الدهر، وقرئ فتبينوا من التبين، وتثبتوا بالثاء من التثبت، ويقوي هذه القراءة أنها لما نزلت روي أن رسول الله ﷺ قال: التثبت من الله والعجلة من الشيطان، واستدل بهذه الآية القائلون بقبول خبر الواحد، لأن دليل الخطاب يقتضي أن خبر غير الفاسق مقبول، قال المنذر بن سعيد البلوطي: وهذه الآية تردّ على من قال: إن المسلمين كلهم عدول، لأن الله أمر بالتبين قبل القبول، فالمجهول الحال يخشى أن يكون فاسقا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ في موضع المفعول من أجله تقديره: مخافة أن تصيبوا قوما بجهالة، والإشارة إلى قتال بني
295
المصطلق لما ذكر عنهم الوليد ما ذكر
لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ أي لشقيتم، والعنت المشقة، وإنما قال: لو يطيعكم ولم يقل لو أطاعكم، للدلالة على أنهم كانوا يريدون استمرار طاعته عليه الصلاة والسلام لهم، والحق خلاف ذلك، وإنما الواجب أن يطيعوه هم لا أن يطيعهم هو، وذلك أن رأي رسول الله ﷺ خير وأصوب من رأي غيره، ولو أطاع الناس في رأيهم لهلكوا، فالواجب عليهم الانقياد إليه والرجوع إلى أمره، وإلى ذلك الإشارة بقوله: وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ الآية.
وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما اختلف في سبب نزولها، فقال الجمهور: هو ما وقع بين المسلمين وبين المتحزبين منهم لعبد الله بن أبيّ بن سلول حين مر به رسول ﷺ وهو متوجه إلى زيارة سعد بن عبادة في مرضه، فبال حمار رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عبد الله بن أبيّ للنبي صلى الله عليه وسلم: لقد آذاني نتن حمارك، فردّ عليه عبد الله بن رواحة وتلاحى الناس حتى وقع بين الطائفتين ضرب بالجريد، وقيل: بالحديد، وقيل: سببها أن فريقين من الأنصار وقع بينهما قتال، فصالحهم رسول الله ﷺ بعد جهد، ثم حكمها باق إلى آخر الدهر. وإنما قال اقتتلوا ولم يقل اقتتلا لأن الطائفة في معنى القوم والناس، فهي في معنى الجمع فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي أمر الله في هذه الآية بقتال الفئة الباغية، وذلك إذا تبين أنها باغية، فأما الفتن التي تقع بين المسلمين فاختلف العلماء فيها على قولين: أحدهما أنه لا يجوز النهوض في شيء منها ولا القتال، وهو مذهب سعد بن أبي وقاص وأبي ذر وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وحجتهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: قتال المسلم كفر «١». وأمره عليه الصلاة والسلام بكسر السيوف في الفتن، والقول الثاني أن النهوض فيها واجب لتكفّ الطائفة الباغية، وهذا قول علي وعائشة وطلحة والزبير وأكثر الصحابة، وهو مذهب مالك وغيره من الفقهاء، وحجتهم هذه الآية فإذا فرّعنا على القول الأول، فإن دخل داخل على من اعتزل الفريقين منزله يريد نفسه أو ماله فليدفعه عن نفسه وإن أدّى ذلك إلى قتله لقوله صلى الله عليه وسلم: من قتل دون نفسه أو ماله فهو شهيد «٢»، وإذا فرّعنا على القول الثاني فاختلف مع من يكون النهوض في الفتن فقيل: مع السواد الأعظم وقيل: مع العلماء وقيل: مع من يرى أن الحق معه، وحكم القتال في الفتن: أن لا يجهز على جريح، ولا يطلب هارب، ولا يقتل أسير ولا يقسم فيء حَتَّى تَفِيءَ أي ترجع إلى
(١). الحديث رواه سعد بن أبي وقاص وأخرجه أحمد ج ١ ص ١٧٨.
(٢). الحديث رواه عبد الله بن عمرو وأخرجه أحمد ج ٢ ص ٢١٧.
الحق
فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ إنما ذكره بلفظ التثنية لأن أقل من يقع بينهم البغي اثنان، وقيل أراد بالأخوين الأوس والخزرج، وقرأ ابن عامر بين إخوتكم بالتاء على الجمع، وقرئ بين إخوانكم بالنون على الجمع أيضا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ نهى عن السخرية وهي الاستهزاء بالناس عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ أي لعل المسخور منه خير من الساخر عند الله، وهذا تعليل للنهي وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ لما كان القوم لا يقع إلا على الذكور عطف النساء عليهم وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ أي لا يطعن بعضكم على بعض واللمز:
العيب، سواء كان بقول أو إشارة أو غير ذلك، وسنذكر الفرق بينه وبين الهمز في سورة الهمزة وأنفسكم هنا بمنزلة قوله: فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ [النور: ٢٧] وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ أي لا يدع أحد أحدا بلقب، والتنابز بالألقاب التداعي بها، وقد أجاز المحدثون أن يقال الأعمش والأعرج ونحوه إذا دعت إليه الضرورة ولم يقصد النقص والاستخفاف.
بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ يريد بالاسم أن يسمى الإنسان فاسقا بعد أن سمي مؤمنا، وفي ذلك ثلاثة أوجه: أحدها استقباح الجمع بين الفسق وبين الإيمان، فمعنى ذلك أن من فعل شيئا من هذه الأشياء التي نهي عنها فهو فاسق وإن كان مؤمنا، والآخر بئس ما يقوله الرجل للآخر يا فاسق بعد إيمانه، كقولهم لمن أسلم من اليهود: يا يهودي، الثالث أن يجعل من فسق غير مؤمن وهذا على مذهب المعتزلة
اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ يعني ظن السوء بالمسلمين، وأما ظن الخير فهو حسن إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ قيل: في معنى الإثم هنا الكذب لقوله صلى الله عليه وسلم: الظن أكذب الحديث «١» لأنه قد لا يكون مطابقا للأمر، وقيل: إنما يكون إثما إذا تكلم به وأما إذا لم يتكلم به فهو في فسحة لأنه لا يقدر على دفع الخواطر، واستدل بعضهم بهذه الآية على صحة سد الذرائع في الشرع، لأنه أمر باجتناب كثير من الظن، وأخبر أن بعضه إثم باجتناب الأكثر من الإثم احترازا من الوقوع في البعض الذي هو إثم وَلا تَجَسَّسُوا أي لا تبحثوا عن مخبآت الناس وقرأ الحسن: تحسسوا بالحاء والتجسس بالجيم في الشر وبالحاء في الخير، وقيل: التجسس ما كان من وراء والتحسس بالحاء الدخول والاستعلام وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً المعنى: لا يذكر أحدكم من أخيه المسلم ما يكره لو سمعه، والغيبة هي ما يكره الإنسان ذكره من خلقه أو خلقه أو دينه أو أفعاله أو غير ذلك، وفي الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: الغيبة أن تذكر
(١). الحديث رواه أبو هريرة وأخرجه أحمد وأوله: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث. ج ٢ ص ٢٤٥.
297
أخاك المؤمن بما يكره، قيل يا رسول الله وإن كان حقا، قال إذا قلت باطلا فذلك بهتان «١» وقد رخّص في الغيبة في مواضع منها: في التجريح في الشهادة، والرواية، والنكاح، وشبهه وفي التحذير من أهل الضلال، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وقرأ نافع: ميّتا شبه الله الغيبة بأكل لحم ابن آدم ميتا، والعرب تشبه الغيبة بأكل اللحم، ثم زاد في تقبيحه أن جعله ميتا لأن الجيفة مستقذرة، ويجوز أن يكون ميتا حال من الأخ أو من لحمه، وقيل: فكرهتموه إخبار عن حالهم بعد التقرير. كأنه لما قررهم قال: هل يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا أجابوا فقالوا: لا نحب ذلك فقال لهم. فكرهتموه وبعد هذا محذوف تقديره: فكذلك فاكرهوا الغيبة التي هي تشبهه، وحذف هذا لدلالة الكلام عليه، وعلى هذا المحذوف يعطف قوله: واتقوا الله، قاله أبو علي الفارسي، وقال الرماني: كراهة هذا اللحم يدعو إليها الطبع، وكراهة الغيبة يدعو إليها العقل، وهو أحق أن يجاب لأنه بصير عالم، والطبع أعمى جاهل، وقال الزمخشري: في هذه الآية مبالغات كثيرة منها الاستفهام الذي معناه التقرير، ومنها جعل ما هو في الغاية من الكراهة موصولا بالمحبة، ومنها إسناد الفعل إلى أحدكم، والإشعار بأن أحد من الأحدين لا يحب ذلك، ومنها أنه لم يقتصر على تمثيل الغيبة بأكل لحم الإنسان حتى جعله ميتا، ومنها أنه لم يقتصر على تمثيل الغيبة بأكل لحم الإنسان حتى جعله أخا له. يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى الذكر والأنثى هنا آدم وزوجه قال ابن عطية: ويحتمل أن يريد الجنس كأنه قال: إنا خلقنا كل واحد منكم من ذكر وأنثى، والأول أظهر وأصح لقوله صلى الله عليه وسلم: أنتم من آدم وآدم من التراب «٢» ومقصود الآية: التسوية بين الناس، والمنع مما كانت العرب تفعله من التفاخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، فبين الله أن الكرم والشرف عند الله ليس بالحسب والنسب إنما هو بالتقوى قال رسول الله ﷺ من أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله «٣»، وروي أن سبب الآية أن رسول الله ﷺ أمر بني بياضة أن يزوجوا أبا هند امرأة منهم فقالوا كيف نزوج بناتنا لموالينا وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا الشعوب: جمع شعب بفتح الشين، وهو أعظم من القبيلة، وتحته القبيلة ثم البطن ثم الفخذ ثم الفصيلة، وهم القرابة
(١). الحديث ذكره المناوي في التيسير وعزاه لأبي داود عن أبي هريرة وأخرجه مسلم عنه بلفظ: أتدرون ما الغيبة؟ إلخ.
(٢). أورد المناوي هذا الحديث بلفظ: كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب وعزاه للبزار عن حذيفة وتوجد رواية للترمذي وأبي داود وأحمد انظر كشف الخفاء ص ٣٢٦ ج ٢.
(٣). لم أعثر عليه بهذا اللفظ ولكن يوجد حديث بمعناه وجوابا على سؤال: من أكرم الناس؟ قال: اتقاهم رواه أحمد ج ٢ ص ٤٣١.
298
الأدنون فمضر وربيعة وأمثالها شعوبا، وقريش قبيلة، وبني عبد مناف بطن، وبنو هاشم فخذ، ويقال بإسكان الخاء فرقا بينه وبين الجارحة، وبنو عبد المطلب فصيلة. وقيل:
الشعوب في العجم والقبائل في العرب والأسباط في بني إسرائيل، ومعنى لتعارفوا ليعرف بعضكم بعضا
قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا نزلت في بني أسد بن خزيمة، وهي قبيلة كانت تجاور المدينة أظهروا الإسلام، وكانوا إنما يحبون المغانم وعرض الدنيا، فأكذبهم الله في قولهم آمنا وصدقهم لو قالوا أسلمنا، وهذا على أن الإيمان هو التصديق بالقلب، والإسلام هو الانقياد بالنطق بالشهادتين، والعمل بالجوارح فالإسلام والإيمان في هذا الموضع متباينان في المعنى، وقد يكونان متفقان، وقد يكون الإسلام أعم من الإيمان فيدخل فيه الإيمان حسبما ورد في مواضع أخر وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً معنى لا يلتكم لا ينقصكم شيئا من أجور أعمالكم، وفيه لغتان يقال لات وعليه قراءة نافع لا يلتكم بغير همز، ويقال: ألت وعليه قراءة أبو عمرو لا يألتكم بهمزة قبل اللام، فإن قيل: كيف يعطيهم أجور أعمالهم وقد قال: إنهم لم يؤمنوا ولا يقبل عمل إلا من مؤمن؟ فالجواب:
أن طاعة الله ورسوله تجمع صدق الإيمان وصلاح الأعمال، فالمعنى إن رجعتم عما أنتم عليه من الإيمان بألسنتكم دون قلوبكم، وعملتم أعمالا صالحة فإن الله لا ينقصكم منها شيئا ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا أي لم يشكوا في إيمانهم وفي ذلك تعريض بالأعراب المذكورين بأنهم في شك وكذلك قوله في هؤلاء: أولئك هم الصادقون تعريض أيضا بالأعراب إذ كذبوا في قولهم آمنا. وإنما عطف ثم لم يرتابوا بثم إشعارا بثبوت إيمانهم في الأزمنة المتراخية المتطاولة وَجاهَدُوا يريد جهاد الكفار، لأنه دليل على صحة الإيمان، ويبعد أن يريد جهاد النفس والشيطان لقوله: بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا نزلت في بني أسد أيضا فإنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا آمنا بك واتبعناك ولم نحاربك كما فعلت هوازن وغطفان وغيرهم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ أي هداكم للإيمان على زعمكم، ولذلك قال: إن كنتم صادقين، ويمنّ عليكم يحتمل أن يكون بمعنى ينعم عليكم أو بمعنى: يذكر إنعامه، وهذا أحسن لأنه في مقابلة يمنون عليك.
Icon