تفسير سورة التحريم

تفسير ابن عباس
تفسير سورة سورة التحريم من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس .
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿يَا أَيهَا النَّبِي﴾ يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ﴾ نِكَاحه يعْنى نِكَاح مَارِيَة الْقبْطِيَّة أم إِبْرَاهِيم ابْن مُحَمَّد رَسُول الله حرمهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نَفسه ﴿تبتغي مرضات أَزْوَاجِكَ﴾ تطلب رِضَاء أَزوَاجك عَائِشَة وَحَفْصَة بِتَحْرِيم مَارِيَة الْقبْطِيَّة ﴿وَالله غَفُورٌ﴾ لَك ﴿رَّحِيمٌ﴾ بِتِلْكَ الْيَمين
﴿قَدْ فَرَضَ الله﴾ قد بيَّن الله ﴿لَكُمْ تَحِلَّة أَيْمَانكُم﴾ كَفَّارَة أَيْمَانكُم فَكفر النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَمِينه وَضمّهَا إِلَى نَفسه ﴿وَالله مَوْلاَكُمْ﴾ حافظكم وناصرك ﴿وَهُوَ الْعَلِيم﴾ بتحريمك مَارِيَة الْقبْطِيَّة ﴿الْحَكِيم﴾ فِيمَا حكم من الْكَفَّارَة
﴿وَإِذَ أَسَرَّ النَّبِي إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ﴾ يَعْنِي حَفْصَة ﴿حَدِيثاً﴾ كلَاما أخْبرهَا فِي السِّرّ ﴿فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ﴾ فَلَمَّا أخْبرت حَفْصَة بسر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَائِشَة ﴿وَأَظْهَرَهُ الله عَلَيْهِ﴾ أطلع الله نبيه على مَا أخْبرت حَفْصَة عَائِشَة ﴿عَرَّفَ بَعْضَهُ﴾ بيَّن النَّبِي لحفصة بعض مَا قَالَت لعَائِشَة من خلَافَة أبي بكر وَعمر وَيُقَال من خلوته مَعَ مَارِيَة الْقبْطِيَّة ﴿وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ﴾ سكت عَن بعض تَحْرِيمه مَارِيَة الْقبْطِيَّة على نَفسه وَعَما أخْبرهَا من خلَافَة أبي بكر وَعمر من بعده وَلم يعلمهَا بذلك ﴿فَلَمَّا نبأها بِهِ﴾ أخبر النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَفْصَة بِمَا قَالَت لعَائِشَة ﴿قَالَتْ﴾ حَفْصَة ﴿مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا﴾ أخْبرك بِهَذَا أَنِّي قلت لعَائِشَة ﴿قَالَ﴾ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿نَبَّأَنِيَ﴾ أَخْبرنِي ﴿الْعَلِيم﴾ بِمَا قلت لعَائِشَة ﴿الْخَبِير﴾ بِمَا قلت لَك
﴿إِن تَتُوبَآ إِلَى الله﴾ توبا إِلَى الله يَا عَائِشَة وَيَا حَفْصَة من إيذائكما رَسُول الله ومعصيتكما لَهُ ﴿فَقَدْ صَغَتْ﴾ مَالَتْ ﴿قُلُوبُكُمَا﴾ عَن الْحق ﴿وَإِن تَظَاهَرَا﴾ تعاونا ﴿عَلَيْهِ﴾ على إيذائه ومعصيته ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ﴾ حافظه وناصره ومعينه عَلَيْكُمَا ﴿وَجِبْرِيلُ﴾ معينه عَلَيْكُمَا ﴿وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ جملَة الْمُؤمنِينَ المخلصين أعوان لَهُ عَلَيْكُمَا مثل أَبى بكر وَعمر وَعُثْمَان وعَلى رضى الله عَنْهُم وَمن دونهم ﴿وَالْمَلَائِكَة بَعْدَ ذَلِك﴾ مَعَ هَؤُلَاءِ ﴿ظَهِيرٌ﴾ أعوان لَهُ عَلَيْكُمَا
﴿عَسى رَبُّهُ﴾ وَعَسَى من الله وَاجِب ﴿إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ﴾ يُزَوجهُ ﴿أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ﴾ فِي الطَّاعَة ﴿مُسْلِمَاتٍ﴾ مقرات بالألسن ﴿مُّؤْمِنَاتٍ﴾ مصدقات بالألسن والقلوب بإيمانهن ﴿قَانِتَاتٍ﴾ مطيعات لله ولأزواجهن ﴿تَائِبَاتٍ﴾ من الذُّنُوب ﴿عَابِدَاتٍ﴾ موحدات الله ﴿سَائِحَاتٍ﴾ صائمات ﴿ثَيِّبَاتٍ﴾ أيمات مثل آسِيَة بنت مُزَاحم امْرَأَة فِرْعَوْن ﴿وَأَبْكَاراً﴾ مَرْيَم بنت عمرَان أم عِيسَى
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿قوا أَنفُسَكُمْ﴾ ادفعوا عَن أَنفسكُم وقومكم ﴿وَأَهْلِيكُمْ﴾ وَأَوْلَادكُمْ ونسائكم ﴿نَاراً﴾ يَقُول أدبوهم وعلموهم الْخَيْر تقوهم بذلك نَارا ﴿وَقُودُهَا﴾ حطبها ﴿النَّاس وَالْحِجَارَة﴾ حِجَارَة الكبريت وَهِي أَشد الْأَشْيَاء حرا ﴿عَلَيْهَا﴾ على النَّار ﴿مَلَائِكَة﴾ يَعْنِي الزَّبَانِيَة ﴿غِلاَظٌ﴾ عُظَمَاء ﴿شِدَادٌ﴾ أقوياء ﴿لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ﴾ فِيمَا أَمرهم من عَذَاب أهل النَّار ﴿ويفعلون﴾ يعْنى الزَّبَانِيَة ﴿مَا يؤمرون﴾
﴿يَا أَيهَا الَّذين كفرُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿لاَ تَعْتَذِرُواْ الْيَوْم﴾ فَإِنَّهُ لَا يقبل معذرتكم ﴿إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ وتقولون فى الدُّنْيَا
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿تُوبُوا إِلَى الله﴾ من الذُّنُوب ﴿تَوْبَةً نصُوحًا﴾ خَالِصا صَادِقا من قُلُوبكُمْ وَهُوَ النَّدَم بِالْقَلْبِ وَالِاسْتِغْفَار بِاللِّسَانِ والإقلاع بِالْبدنِ وَالضَّمِير على أَن لَا يعود إِلَيْهِ أبدا ﴿عَسى ربكُم﴾ عَسى من الله وَاجِب ﴿أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ أَن يغْفر لكم ذنوبكم بِالتَّوْبَةِ ﴿وَيُدْخِلَكُمْ﴾ فِي الْآخِرَة ﴿جَنَّاتٍ﴾ بساتين ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا﴾ من تَحت شَجَرهَا ومساكنها ﴿الْأَنْهَار﴾ أَنهَار
477
الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن ﴿يَوْمَ﴾ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿لاَ يُخْزِى الله النَّبِي﴾ كَمَا يخزي الْكفَّار يَقُول لَا يعذب الله النَّبِي ﴿وَالَّذين آمَنُواْ مَعَهُ﴾ وَلَا يعذب الَّذين آمنُوا بِهِ مثل أبي بكر وَأَصْحَابه ﴿نُورُهُمْ يسْعَى﴾ يضيء ﴿بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ على الصِّرَاط ﴿وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ﴾ بعد مَا ذهب نور الْمُنَافِقين ﴿رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا﴾ على الصِّرَاط ﴿نُورَنَا واغفر لَنَآ﴾ ذنوبنا ﴿إِنَّكَ على كُلِّ شَيْءٍ﴾ من إتْمَام النُّور والغفران ﴿قدير﴾
478
﴿يَا أَيهَا النَّبِي جَاهِدِ الْكفَّار﴾ كفار مَكَّة بِالسَّيْفِ حَتَّى يسلمُوا ﴿وَالْمُنَافِقِينَ﴾ منافقي أهل الْمَدِينَة بِاللِّسَانِ بالزجر والوعيد ﴿وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ وَاشْدُدْ على كلا الْفَرِيقَيْنِ بالْقَوْل وَالْفِعْل ﴿وَمَأْوَاهُمْ﴾ مصير الْمُنَافِقين وَالْكفَّار ﴿جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمصير﴾ صَارُوا إِلَيْهِ جَهَنَّم
ثمَّ خوف عَائِشَة وَحَفْصَة لإيذائهما النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِامْرَأَة نوح وَامْرَأَة لوط فَقَالَ ﴿ضَرَبَ الله﴾ بيَّن الله ﴿مَثَلاً﴾ صفة ﴿لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ بالمرأتين الكافرتين ﴿امْرَأَة نوح﴾ وَاهِلَة ﴿وَامْرَأَة لُوطٍ﴾ واعلة ﴿كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ﴾ مرسلين ﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾ فخالفتاهما فِي الدّين وأظهرتا الْإِيمَان بِاللِّسَانِ وأسرتا النِّفَاق بِالْقَلْبِ وَلم تخونا بِالْفُجُورِ لِأَنَّهُ لم تفجر امْرَأَة نَبِي قطّ ﴿فَلم يغنيا عَنْهُمَا﴾ لم ينفعهما ﴿مِنَ الله﴾ من عَذَاب الله ﴿شَيْئاً﴾ صَلَاح زوجيهما مَعَ كفرهما ﴿وَقِيلَ ادخلا النَّار﴾ فِي الْآخِرَة ﴿مَعَ الداخلين﴾ فِي النَّار ثمَّ حثهما على التَّوْبَة وَالْإِحْسَان بِامْرَأَة فِرْعَوْن آسِيَة بنت مُزَاحم وَمَرْيَم بنت عمرَان فَقَالَ
﴿وَضَرَبَ الله مَثَلاً﴾ بَين الله صفة ﴿لِّلَّذِينَ آمنُوا﴾ بامرأتين مسلمتين ﴿امْرَأَة فِرْعَوْنَ﴾ آسِيَة بنت مُزَاحم ﴿إِذْ قَالَتْ﴾ فِي عَذَاب فِرْعَوْن لَهَا ﴿رَبِّ ابْن لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجنَّة﴾ لكَي يهون عليَّ عَذَاب فِرْعَوْن ﴿وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ﴾ من دين فِرْعَوْن ﴿وَعَمَلِهِ﴾ عَذَابه ﴿وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْم الظَّالِمين﴾ الْكَافرين فَلم يَضرهَا كفر زَوجهَا مَعَ إيمَانهَا وإخلاصها
﴿وَمَرْيَم ابْنة عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ حفظت فرجهَا يَعْنِي جيب درعها من الْفَوَاحِش ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا﴾ فَنفخ جِبْرِيل فِي جيب قميصها بأمرنا فَحملت بِعِيسَى ﴿وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبَّهَا﴾ بِمَا قَالَ لَهَا جِبْرِيل ﴿إنمآ أَنا رَسُول رَبك لأهب لَك غُلَاما زكياً﴾ ﴿وَكُتُبِهِ﴾ وبكتبه التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَسَائِر الْكتب وَيُقَال بِكَلِمَات رَبهَا بِعِيسَى ابْن مَرْيَم أَن يكون بِكَلِمَة من الله كن فَصَارَ مخلوقاً وبكتابه الْإِنْجِيل ﴿وَكَانَتْ مِنَ القانتين﴾ من المطيعين لله فى الشدَّة والرخاء وَيُقَال وَكَانَت من القانتين الذى تَعَالَى وتعاظم
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْملك وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَلَاثُونَ وكلماتها ثَلَاثمِائَة وَخمْس وَثَلَاثُونَ وحروفها ألف وثلاثمائة وَثَلَاثَة عشر
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
Icon