ﰡ
وقولهُ تعالى :﴿ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ﴾ ؛ تقديرُه : اللهُ الذي رفعَ السموات بغيرِ عَمَدٍ، ثم سخَّرَ الشمسَ والقمرَ وهو مستوٍ على العرشِ، لأنَّ استيلاءَ الله على الأشياءِ قدرتهُ عليها، وقدرةُ الله لا تكون مُحدَثَةً. وتسخيرُ الشمسِ والقمر إجراؤُهما لمنافعِ بني آدم، ومعنى السَّخْرِ أن يكون الشيءُ مَقهوراً لا يملكُ لنفسهِ ما يخلِّصُه من القهر. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى ﴾ ؛ إلى وقتٍ معلوم وهو وقتُ فَنَاءِ الدُّنيا، فإذا انْفَنَتُ الُّدنيا كَوِّرَتِ الشمسُ وانكَدَرت النجومُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ ﴾ ؛ أي يقضِي القضاءَ، ويبعثُ الملائكةَ بالوحي، ويُنْزِلُ الرزقَ والأقضيةَ، قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يُفَصِّلُ الآيَاتِ ﴾ أي يأتِي بآيةٍ في إثْرِ آيةٍ ليكون أمكنَ للاعتبار والفكر. وقوله تعالى :﴿ لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ﴾ ؛ أي لِتَسْتَيْقِنُوا بالبعثِ وبما وعَدَكم الله به من الثواب والعقاب.
وقولهُ تعالى :﴿ يُغْشِى الَّيلَ النَّهَارَ ﴾ ؛ أي يأتِي بالليلِ ليَذْهَبَ بضياءِ النهار، فتسكُنَ الناسُ بالليل، ويأتِي بضياء النهار ليمحَوَ ظلامَ الليل فتصرفَ الناسُ فيه معايشَهم، ﴿ إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ ؛ في صُنعِ الله، فيستدِلُّون بذلك على توحيدهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ ﴾ ؛ أي مجتمعٌ أصولُها في أصلٍ واحد، ونخيلٌ متفرِّق أصولُها، والصِّنْوَانُ جمعُ الصِّنْوِ، ويعني الصِّنوانُ أن يكون أصلٌ واحد تخرجُ منه النَّخلتان والثلاث والأربعِ كما وردَ في الحديثِ :" عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أبيهِ ".
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يُسْقَى بِمَآءٍ وَاحِدٍ ﴾ ؛ إما المطرُ وإما النهرُ، ﴿ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ ﴾، بعض أكُلِها أفضلُ من بعضٍ في الطَّعم حتى يكون بعضُها حُلواً، وبعضها حامضاً، وبعضها مُرّاً، والترابُ واحدٌ، وألوانُ الثمر وطعمُها مختلفة، وذلك من الدليلِ على وحدانيَّة اللهِ عَزَّ وَجلَّ ؛ لأنه الْمُحْدِثُ لها، واللهُ تعالى قَديرٌ حكيم قد أحدَثَها على علمٍ منه بها،
وقال مجاهدُ :(هَذا مِثْلُ بَنِي آدَمَ، أصْلُهُمْ تُرَابٌ وَاحِدٌ، ثُمَّ مِنْهُم صَالِحٌ وَخَبيثٌ، وَكَامِلُ الْخِلْقَةِ وَنَاقِصُ الْخِلْقَةِ، وَسَيِّءُ الْخُلُقِ)، ﴿ إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَاتٍ ﴾ ؛ أي لعلاماتٍ دالاَّتٍ على وحدانيَّة الله ؛ ﴿ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ ؛ إنَّ في ذلك من اللهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ ﴾ ؛ أي تَغُلُّ أيْمَانَهم إلى أعناقِهم السلاسِلُ في النار، ويكون يسارُهم وراءَ ظهُورِهم وهم مُصْفَدُونَ من قُرونِهم الى أقدامِهم. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَأُوْلَـائِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ ﴾.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ ﴾ ؛ العقوباتُ من الله في الأمَمِ الماضية، والْمَثُلَةُ العقوبةُ في اللغة. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ ﴾ ؛ أي لذُو تَجاوُزٍ على الناس على ظُلمِهم لأنفسهم، قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ ؛ لِمَن استحقَّهُ.
يقولُ الله تعالى :﴿ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ ﴾ ؛ أي أنتَ يا مُحَمَّد مُعَلِّمٌ بموضعِ الْمَخَافَةِ، وليس إنزالُ الآيات إليكَ، وإنما هو إلى اللهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ ؛ مَن جعل هذه الواوَ للجمعِ فوصَلها بما قبلها كان تقدير الكلام : إنما أنتَ منذرٌ وهادٍ لكلِّ قومٍ. ومَن قطعَ هذه الواوَ كان المعنى : لكلِّ قومٍ هادٍ ؛ أي نَبِيٌّ مثلُكَ يهديهم. وقال سعيدُ بن جبير والضحَّاك :(الْهَادِي هُوَ اللهُ)، والمعنى : أنتَ منذرٌ تُنْذِرُ، واللهُ هادي كلَّ قومٍ، يهدِي من يشاءُ.
قال الزجاجُ :(مَعْنَى الآيَةِ : الْجَاهِرُ بنُطْقِهِ، وَالْمُضْمِرُ فِي نَفْسِهِ، وَالظَّاهِرُ فِي الطُّرُقَاتِ وَالْمُسْتَخْفِي فِي الظُّلُمَاتِ، عِلْمُ اللهِ فِيْهِمْ جَمِيعاً سَوَاءٌ). ومعنى السَّارب : الظاهرُ بالنهار في سِرْبهِ ؛ أي في طَريقهِ وتصرُّفه في حوائجهِ، وعن قُطرب في :(مُسْتَخْفٍ باللَّيْلِ : أيْ ظَاهِرٍ، وَسَارِبٌ بالنَّهَارِ : أيْ مُسْتَتِرٌ) يقالُ : سَرَبَ الوحشُ إذا دخل في كِنَاسِهِ، والأولُ أبْيَنُ وأبلغُ في وصفِ عالِمِ الغيب.
وقولهُ تعالى :﴿ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ﴾ يعنِي من قُدَّامِ هذا المستخفِي بالليل والسَّارب بالنهار، ومِنْ خَلْفِهِ ؛ أي وراءِ ظهره ملائكةٌ يحفظونَهُ من بين يديهِ ومِن خلفهِ، فإذا جاءَ القَدَرُ خَلَّوا عنه.
واختلَفُوا في الْمُعَقِّبَاتِ، قال بعضُهم : الْكِرِامُ الْكَاتِبُونَ ؛ وهم أربعةً : ملَكان بالليلِ وملَكان بالنَّهار.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ ؛ أي بأمرِ الله حتى ينهوا به إلى المقاديرِ، فيُخَلُّوا بينه وبين المقاديرِ، قال كعبُ الأحبار :(لَوْلاَ أنَّ اللهَ وَكَّلَ بكُمْ مَلاَئِكَةً يَذُبُّونَ عَنْكُمْ فِي مَطْعَمِكُمْ وَمَشْرَبكُمْ وَعوْرَاتِكُمْ لَخَطَفَتْكُمُ الْجِنُّ).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ ؛ أي لا يسلبُ قوماً نعمةً حتى يعمَلُوا المعاصِي، يعني بهذا أهلَ مكَّة، بعثَ فيهم رسولاً منهم، وأطعَمَهم من جوعٍ، وآمَنَهم من خوفٍ، فلم يعرِفُوا هذه النعمةَ وغيَّرُوها وجعلُوها لأهلِ المدينة.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ ﴾ ؛ أي إذا أرادَ اللهُ إنزالَ عذابٍ على قومٍ فلا دافعَ له، ﴿ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ﴾ ؛ يتوَلاَّهم وينصرُهم، ويقال : من مَلْجَأ يلجَؤُون إليه، والْمَوْئِلُ هو الْمَلْجَأُ.
وعن ابن عبَّاس قال :" أقْبَلَتِ الْيَهُودُ إلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالُواْ : يَا أبَا الْقَاسِمِ نَسْأَلُكَ عَنْ أشْيَاء، فَإنْ أصَبْتَ فِيْهَا اتَّبَعْنَاكَ وَآمَنَّا بكَ، قَالَ :" اسْأَلُوا " قَالُواْ : أخْبرْنَا عَنِ الرَّعْدِ، قَالَ :" مَلَكٌ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُوَكَّلٌ بالسَّحَاب، مَعَهُ مَخَاريقَ يَسُوقُ بهَا السَّحَابَ حَيْثُ يَشَاءُ اللهُ " قَالُواْ : صَدَقْتَ، فَمَا الَّذِي يُسْمَعُ ؟ قَالَ :" زَجْرُ السَّحَاب إذا زَجَرَهُ الْمَلَكُ " قَالُواْ : صَدَقْتَ ".
وقال عطيَّةُ :(الرَّعْدُ مَلَكٌ وَهَذا تَسْبيحُهُ، وَالْبَرْقُ سَوْطُهُ الَّذِي يَزْجُرُ بهِ السَّحَابَ، يُقَالُ لِذلِكَ الْمَلَكِ : رَعْدٌ، وَلِصَوْتِهِ : رَعْدٌ). وقالَ أبُو هريرةَ :" كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إذا سَمِعَ الرَّعْدَ قَالَ : سُبْحَانَ مَنْ يُسَبحُ الرَّعْدُ بحَمْدِهِ "، وكان ابنُ عبَّاس إذا سَمِعَ الرعدَ قالَ :(سُبْحَانَ الَّذِي سَبَّحْتَ لَهُ).
قال ابنُ عبَّاس :(مَنْ سَمْعَ صَوْتَ الرَّعْدِ فَقَالَ : سُبْحَانَ الَّذِي يُسَبحُ الرَّعْدُ بحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيْفَتِهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. فَإنْ أصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ فَعَلَيَّ دِيَتُهُ). و " عن رسولِ الله ﷺ أنَّهُ كَانَ إذا سَمِعَ الرَّعْدَ وَالصَّوَاعِقَ قَالَ :" اللَّهُمَّ لاَ تَقْتُلْنَا بَغَضَبكَ، وَلاَ تُهْلِكْنَا بعَذابكَ، وَعَافِنَا قَبْلَ ذلِكَ ".
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ﴾ ؛ يعني ويُسَبحُ الملائكةُ من خِيْفَةِ اللهِ وخِشيَتِهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ ﴾ ؛ أي يرسلُ النِّيرانَ التي تسقطُ من الغيُومِ فيحرِقُ ما تقع عليه نيران البرقِ، فيُهلِكُ بها من يشاءُ من خلقهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ ﴾ ؛ أي الكفارُ يخاصِمون في اللهِ وفي إثبات شريكٍ معه، ﴿ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ﴾ أي شديدُ القوَّة والعقوبةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ﴾ ؛ أي قُل لَهم : هل يستوي أعمَى القلب الذي يعدلُ عن عبادةِ الخالق ؟ هل يستَوِي مع البصير بقلبه، العالم بأنه تعالى إلَهُهُ ووليُّهُ والقادرُ على نفعهِ ودفعِ الضُّرِّ عنهُ، ﴿ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ﴾ ؛ فيه تشبيهُ الكفرِ بالظُّلمات، وتشبيهُ الإيمانِ بالنُّور.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ ﴾ ؛ معناه : أجَعَلَ الكفارُ لله شُركاءَ، خلَقَت شركاؤُهم شيئاً كما خَلَقَ اللهُ، ﴿ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ﴾ ؛ فلم يعرفُوا خلقَ الشركاء من خلق اللهِ فأشرَكُوها معه في العبادةِ ؛ ﴿ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ ؛ بلا شريكٍ، فإذا لم يكن الخلقُ إلا من واحدٍ لم يكن الخالقُ إلا واحداً، فهو الذي يستحقُّ العبادةَ بلا شريكٍ، ﴿ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ ؛ الغالبُ لكلِّ شيء، لا يقهَرهُ أحدٌ.
ثم ضربَ اللهُ مثلاً للحقِ والباطل، وقال تعالى :﴿ أَنَزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ﴾ ؛ أنزلَ مطراً فسَالَتْ أودِيةٌ من ذلك المطرِ بقدرِ الأودية، فما كان منها كبيراً سالَ بقدرهِ، وما كان صَغيراً سالَ بقَدرهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً ﴾ أي عَالياً مُرتفعاً على الماءِ، والسَّيلُ ما يسيلُ من الموضعِ المرتفع.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَآءَ حِلْيَةٍ ﴾ ؛ أي ومما تطرَحون في النارِ من الذهب والفضَّة لطلب حِلْيَةٍ تلبَسونَها زَبَدٌ ؛ أي خَبَثٌ مثلُ زبَدِ الماءِ. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ ﴾ ؛ أرادَ به الحديدَ والرصاص وما يشاكِلهُ مما يوقَدُ عليه في النار ؛ لاتِّخاذ المتاعِ له زَبَدٌ ؛ أي خَبَثٌ مثل ذلك الماءِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ كَذالِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ﴾ ؛ أي هكذا يضربُ الله مَثَلَ الحقِّ والباطل، ﴿ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً ﴾ ؛ أما زبَدُ هذه الأشياء، فيذهبُ ناحيةً لا ينتفعُ به، فإن زبدَ الماء يتعلَّقُ بأصولِ الأشجار وجَنَباتِ الوادي. والْجُفَاءُ : ما رَمَى به الوادِي، وجُفَاهُ في جَنَبَاتِهِ، يقال : أجْفَأَتِ القِدْرُ زبَدَها إذا قذفَتْ به، وكما أنَّ زَبَدض الماءِ يذهبُ بحيث لا ينتَفعُ به، كذلك خبَثُ الذهب والفضة والحديد، ﴿ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ ﴾.
قَوْلُهُ تعَالَى :﴿ كَذالِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ ﴾ ؛ للناسِ في أمر دِينهم، كما ضربَ لكم المثلَ، قال قتادةُ :(هُنَّ ثَلاَثَةُ أمْثَالٍ ضَرَبَهَا اللهُ فِي مَثَلٍ وَاحِدٍ، يَقُولُ : كَمَا أنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً، فَسَالَتْ أوْدِيَةٌ بقَدَرِهَا، الصَّغِيرُ عَلَى مِقْدَارِهِ، وَالْكَبيرُ عَلَى مِقْدَارِهِ، كَذلِكَ أنْزَلَ اللهُ الْقُرْآنَ، فَاحْتَمَلَ الْقُلُوبَ عَلَى قَدَرِهَا، ذا الْيَقِينِ عَلَى قَدْرِ يَقِينِهِ، وَذا الشَّكِّ عَلَى قَدْرِ شَكِّهِ).
قَالَ :(ثُمَّ شَبَّهَ خَطَرَاتِ وَوَسَاوِسَ الشَّيْطَانِ بالزَّبَدِ يَعْلُو عَلَى الْمَاءِ، وَذلِكَ مِنْ خَبَثِ الْبَرِّيَّةِ لاَ عَيْن الْمَاءِ، كَذَلِكَ مَا يَقَعُ فِي النَّفْسِ مِنْ وَهْمٍ وَشَكٍّ فَهُوَ ذاتُ النَّفْسِ لاَ مِنَ الْحَقِّ).
قَالَ :(ثُمَّ بَيَّنَ أنَّ الزَّبَدَ يَذْهَبُ جُفَاءً ؛ أيْ هَبَاءً بَاطِلاً وَيَبْقَى صَفْوُهُ، كَذلِكَ الْبَاطِلُ يَذْهَبُ وَيَبْقَى الْحَقُّ).
وقولهُ تعالى :﴿ وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ ﴾ ؛ أي الذين لم يستجِيبُوا لربهم إلى الإيمان، ﴿ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ﴾ ؛ من الذهب وسائر الأموالِ، ﴿ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ﴾ ؛ وضِعفُهُ معه، ﴿ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ ﴾ ؛ لفَادَوا به أنفُسَهم من عذاب الله يومَ القيامةِ لو قُبلَ منهم ذلك ولكن لا يُقْبَلُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أُوْلَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ ﴾ ؛ أي شدَّتهُ، والمناقشةُ فيه، قال إبراهيمُ النخعي :(هُوَ أنْ يُؤَخَذُوا بذُنُوبِهِمْ كُلِّهَا مِنْ دُونِ أنْ يُغْفَرَ لَهُمْ شَيْءٌ مِنْهَا). قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ﴾ ؛ أي مَصيرُهم في الآخرةِ جهنَّمُ، ﴿ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ ؛ أي المأْوَى، يتقلَّبون في النار ويقعُدون ويضطَجِعون عليها.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ﴾، وإنما يكون دَرْؤُهم بالحسنةِ السيئةَ على وجهين، أحدُهما : العِلْمُ والوعظُ بالكلام الحسَنِ، والثاني : أن يقاتِلُوهم ويقبضُوا على أيديهم.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ ؛ أي أهلُ هذه الصِّفة لهم الدارُ التي أعقَبَتها لهم أعمالُهم وهي الجنَّة. ثم بيَّن اللهُ صفةَ الجنة فقال :﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا ﴾ ؛ قال ابنُ عبَّاس :(وَهِيَ وَسَطُ الْجَنَّةِ، وَهِيَ مَعْدِنُ الأَنْبيَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحينَ).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ﴾ ؛ أي ويدخُلها مَن صَلُحَ من آبائهم وأزواجِهم وذُرِّياتِهم، ﴿ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ ﴾ يعني من أبواب البساتين يقولون لَهم :﴿ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ﴾ على شدائدِ الدُّنيا، وعلى المشقَّة في طاعةِ الله، فِنِعْمَ الدارُ التي أعقَبَتُها لهم أعمالهم، قال ابنُ عبَّاس :(لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أهْلِ جَنَّاتِ عَدْنٍ جَنَّةً مِنْ دُرَّةٍ مُجَوَّفَةٍ لَهَا ألْفُ بَابٍ مِصْرَاعُهُ مِنَ الذهَبِ، يَدْخُلُ عَليَْهِ مِنْ بَابٍ مَلَكٌ يَقُولُونَ : سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بمَا صَبَرْتُمْ، ﴿ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ﴾ ؛ قل لَهم : الرَّحْمَنُ رَبي لا إلهَ إلا هو، ﴿ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ﴾ أي وإليه أتوبُ من ذنُوبي.
ومعناها :﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ﴾ أُذهِبَتْ به الجبالُ عن وجهِ الأرض قُطِّعت به الأرضُ مسيرةَ شهرٍ في يومٍ أو أُحيي به الموتَى فتكلَّموا، لكان هذا القرآنُ لِمَا فيه من الدَّلالاتِ الكثيرةِ على صحَّة هذا الدِّين، ولو أمكن أن نجعلَ هذه الأمُورَ لشيءٍ من كُتب الله لأمكنَ بهذا القرآنِ.
وأما حذفُ جواب (لَوْ) في هذهِ الآية فهي على وجهِ الاختصار ؛ لأنَّ في الكلامِ دليلاً عليه. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ بَل للَّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً ﴾ ؛ أي بلِ اللهُ هو المالِكُ لهذه الأشياءِ، القادرُ عليها، ولكن لا يختار إلا ما فيه مصلحةُ العبادِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ ؛ معناهُ : أفلَمْ يعلمِ الذين آمَنوا، ﴿ أَن لَّوْ يَشَآءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً ﴾ ؛ إلى الإيمان بالإلجاءِ إليه أن اللهَ تعالى قادرٌ على ذلك، ولكن لو فَعَلَ لبَطَلَ الامتحانُ والتكليف، والإياسُ بمعنى العلمِ في لُغة النخَعِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ ﴾ ؛ أي ولا يزالُ الذين كفَروا في عقوباتٍ مِن قِبَلِ اللهِ يزجرُهم عن الكفرِ، ويحثُّهم على التمسُّك بدين اللهِ، كما نَزَلَ بقريش من القَحطِ، وبقوم فرعونَ من الشدائدِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ ﴾ ؛ راجعٌ إلى القَارعةِ، والقَارعَةُ : هي النَّازلَةُ والشدائدُ التي تنْزِلُ بأمرٍ عظيم، ويقالُ : أراد بالقارعةِ سَرَايا النبيِّ ﷺ، وبقوله ﴿ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً ﴾ معناه : أو تَنْزِلُ أنتَ يا مُحَمَّدُ مع أصحابكَ قربياً من مكَّة تقاتِلُهم على الدِّين، ﴿ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ ﴾ ؛ أي وقتُ إهلاكِ الكفَّار، وَقِيْلَ : فتحُ مكَّة، وَقْيَلَ : ما وعدَ اللهُ من عذابهم في الآخرة، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ ؛ ما وعدَ من عقاب الكفار.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ﴾ ؛ في العبادةِ بين الأصنام، ﴿ قُلْ سَمُّوهُمْ ﴾ ؛ هؤلاء الشُّركاء بأسمائهم التي تستحقُّها، وسَمُّوا منفعتَها وتدبيرَها ؛ لأن لها شركةً مع اللهِ، كما يوصَفُ الله بالخالقِ والرازق والمحيي والمميت.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ ﴾ ؛ أي أتُخبرونَ اللهَ بما لا يصحُّ أن يكون مَعلوماً وهو كون الأصنامِ مستحقَّةً للعبادةِ، وهذا على وجه الإنكارِ، قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ ﴾ ؛ إنكارٌ أيضاً معناهُ : أسَمَّيتم الأصنامَ آلهة بظاهرِ كتابٍ من كتُب الله، وَقْيْلَ : أسَمَّيتمُوهم آلهةً بحجَّةٍ ظاهرةٍ، بل سَمَّيتموهم بقولٍ باطل ليس لكم دليلٌ عليه.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ ﴾ ؛ أي زُيِّنَ لهم قولُهم وفعلُهم في عبادةِ غيرِ الله، وتكذيب مُحَمَّدٍ ﷺ والقرآن. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ ﴾ ؛ من قرأ بفتحِ الصَّاد فالمعنى صَرَفوا الناسَ عن دينِ الله، وَمن قرأ برفعها فالمعنى صَدَّهم رؤساؤُهم عن دينِ الله. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ ؛ ظاهرُ المعنى.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ ﴾ ؛ أي دارُ المتَّقين الجنةُ في العاقبةِ، ﴿ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ ﴾، ودارُ الكافرين في العاقبةِ النارُ، وفي الحديثِ :" أنَّ الرَّجُلَ مِنْ أهْلِ الْجَنَّةِ تُقْسَمُ لَهُ شَهْوَةُ رَجُلٍ مِنْ أهْلِ الدُّنَيَا، فَإذا أكَلَ سُقِيَ شَراباً طَهُوراً، فَتَصِيرُ رَشَحاً تَخْرُجُ مِنْ جَسَدِهِ أطْيَبَ مِنْ ريحِ الْمِسْكِ، ثُمَّ تَعُودُ شَهْوَتُهُ إلَى مَا كَانَتْ ".
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمِنَ الأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ ﴾ ؛ أي ومِن اليهود والنصارَى من ينكرُ بعضَ " ما في " القرآن، وإنَّهم كانوا يُقِرُّونَ بصحَّة " قصة " يوسف وغيرِها مما لا يكون فيه نسخُ شريعَتِهم، وكانوا يُنكِرُونَ مِن القرآن ما لا يوافقُ مذهَبَهم ودينَهم.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ قُلْ إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو ﴾ ؛ الخلائق ﴿ وَإِلَيْهِ مَآبِ ﴾ ؛ رجُوعي في الآخرةِ.
قوله تعالى :﴿ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم ﴾ ؛ أين دين اليهود وقبلتهم ﴿ بَعْدَ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ﴾ ؛ أي دين الله دين ابراهيم وقبلته الكعبة ﴿ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ ﴾ ؛ أي من ناصر ينصرك، ﴿ وَلاَ وَاقٍ ﴾ ؛ أي لا دافع يدفع العقاب عنك.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ ؛ أي هل يملِكُ أحدٌ من الرُّسل أن يأتي بآيةٍ إلا بإذنِ الله، سبحانهُ هو المالكُ للآياتِ لا يقدرُ أن يأتي أحدٌ شيئاً منها إلا بإذنهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ﴾ ؛ أي لكلِّ مدَّةٍ من آجَال العباد في الحياةِ والفَناءِ كتابٌ قد كتبَ اللهُ ذلك للملائكةِ ؛ يدُلَّهم به على علمهِ بالأَشياء. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ ﴾ ؛ قال ابنُ عباس :(يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ مِنْ دِيوَانِ الْحَفَظَةِ مَا كَتَبُوهُ مِنْ أعْمَالِ الْعِبَادِ مَا لاَ جَرَاءَ لَهُ، وَيَتْرُكُ مَا لَهُ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ). وقال الضحَّاكُ :(يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ مِنَ الْقُرْآنِ فَيَنْسَخُهُ، وَيُثْبتُ مَا يَشَاءُ فَلاَ يَنْسَخُهُ)، وعن الحسنِ :(يَمْحُو أجَلَ مَنْ حَانَ أجَلُهُ، وَيَدَعُ أجَلَ مَنْ لَمْ يَحِنْ أجَلُهُ مَيِّتاً). وَقِيْلَ : يَمحُو الله ما يشاءُ من الطاعاتِ بإحباطِها بالمعاصي، ومن المعاصِي بتكفيرها بالطاعاتِ.
وقدِ اختلَفُوا : هل يدخلُ في الْمَحوِ والإثباتِ السعادةُ والشقاوة، والموتُ الحياة أم لا ؟ قال ابنُ عبَّاس :(لاَ يَدْخُلُ)، وقال عمرِو بن مسعود :(تَدْخُلُ فِيْهِ السَّعَادَةُ وَالشَّقَاوَةُ)، وكان من دُعاء عمرَ :(اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ كَتَبْتَنَا سُعَدَاءَ فَأَثْبتْنَا، وَإنْ كُنْتَ كَتَبْتَنَا أشْقِيَاءَ فَامْحُنَا وَاكْتُبْنَا سُعَدَاءَ، فَإنَّكَ تَمْحُو وَتُثْبتُ مَا تَشَاءُ وَعِنْدَكَ أُمُّ الْكِتَاب)
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ ؛ أي أصلُ الكتاب، قِيْلَ : إنه اللوحُ المحفوظ كَتَبَ اللهُ فيه كلَّ شيء قبلَ أن يخلُقَ العبادَ، ولا يُزَادُ فيه شيءٌ ولا ينقص منه شيء.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ﴾ ؛ أي واللهُ يحكمُ بفَتْحِ البُلدانِ لا يتعقَّبُ أحدٌ حُكمَهُ بالردِّ، { وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) ؛ إذا حاسبَ محاسبةً سريعُ الحساب.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ ﴾ ؛ من خيرٍ أو شرِّ فيُجازِيها عليه. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ ﴾ ؛ تَهديدٌ لهم أنَّهم إذا جَهِلوا اليومَ عاقبةَ أمرِهم فسيعلمون إذا صاروا إلى الآخرةِ، ﴿ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ ؛ المحمودةِ، لهم أمْ للمؤمنين؟
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ ؛ كان ابنُ عباس يقرأ (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ) بالنصب ويقولُ :(هُوَ عَبْدُاللهِ بَنُ سَلاَمٍ وَأصْحَابُهُ، كَانَ عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ نَعْتُ النَّبيِّ ﷺ وَصِفَتُهُ) وكان يقولُ :(هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ بالْمَدِينَةِ ؛ لأَنَّ هَؤُلاَءِ أسْلَمُواْ بالْمَدِينَةِ).
وكان ابنُ مسعودٍ يقرأ (وَمِنْ عِنْدِهِ) بالخفضِ على معنى أنَّ القرآنَ مِن عندِ الله، وكان يقولُ :(هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ، وَعَبْدُاللهِ بَنُ سَلاَمٍ أسْلَمَ بالْمَدِينَةِ وقُرئ (وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الْكِتَابُ) بخفض (مِن) وضمِّ العين وكسرِ اللام من علم، هكذا رُوي عن سعيدِ ابن جُبير.