تفسير سورة طه

تفسير الشافعي
تفسير سورة سورة طه من كتاب تفسير الشافعي .
لمؤلفه الشافعي . المتوفي سنة 204 هـ

٣٠٩- قال الشافعي : واعلموا أن الله تعالى لا مكان له، والدليل عليه هو أن الله تعالى كان ولا مكان له، فخلق المكان، وهو على صفته الأزلية كما كان قبل خلقه المكان، إذ لا يجوز عليه التغير في ذاته، ولا التبدل في صفاته. ولأن من له مكان فله تحت ومن له تحت يكون متناهي الذات محدودا، والمحدود مخلوق، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، ولهذا المعنى استحال عليه الزوجة والولد، لأن ذلك لا يتم إلا بالمباشرة والاتصال والانفصال، ومن يستحيل عليه التجزئة والتبعيض لا يتوهم منه الاتصال والانفصال، فلذلك كان الزوج والزوجة والولد في صفته محالا.
فإن قيل : أليس قد قال الله تعالى :﴿ اَلرَّحْمَانُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوى ﴾ ؟ يقال : إن هذه الآية من المتشابهات، والذي نختار من الجواب عنها وعن أمثالها لمن لا يريد التبحر في العلم أن يمر بها كما جاءت ولا يبحث عنها ولا يتكلم فيها، لأنه لا يأمن من الوقوع في ورطة التشبيه إذا لم يكن راسخا في العلم. ويجب أن يعتقد في صفات الباري تعالى ما ذكرناه وأنه لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان، منزه عن الحدود والنهايات، مستغن عن المكان والجهات، ويتخلص من المهالك والشبهات.
ولهذا المعنى زجر مالك رجلا حين سأله عن هذه الآية فقال : الاستواء مذكور، والكيفية مجهولة، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة١. ثم قال : وإن عدت إلى مثله أمرت بضرب رقبتك. أعاذنا الله وإياكم من التشبيه. ( الكوكب الأزهر شرح الفقه الأكبر ص : ١٣-١٤. )
١ - ن الرائد في علم العقائد ص: ٨١.
وقد سئل عن الاستواء باقي الأئمة رضي الله عنهم:
فقال الإمام الشافعي: استوى بلا شبهة، وصدّقت بلا تمثيل، واتهمت نفسي في الإدراك، وأمسك عن الخوض في ذلك كل الإمساك.
وقال الإمام أحمد بن حنبل: استوى كما أخبر، لا كما يخطر للبشر.
وقال الإمام أبو حنيفة: من قال لا أعرف الله في السماء أم في الأرض كَفَرَ لأن هذا القول يوهم أن للحق مكانا، ومن توهم أن للحق مكانا فهو مشبه. ن الرائد في علم العقائد ص: ٨١..

٣١٠- قال الشافعي رحمه الله تعالى : إن الله عز وجل حكم على عباده حكمين : حكما فيما بينهم وبينه : أن أثابهم وعاقبهم على ما أسروا، كما فعل بهم فيما أعلنوا، وأعلمهم إقامة للحجة عليهم وبينها لهم أنه علم سرائرهم وعلم علانيتهم فقال :﴿ يَعْلَمُ اَلسِّرَّ وَأَخْفَى ﴾ وقال :﴿ يَعْلَمُ خَآئِنَةَ اَلاَعْيُنِ وَمَا تُخْفِى اِلصُّدُورُ ﴾١. وخلقه لا يعلمون إلا ما شاء عز وجل. وحجب علم السرائر عن عباده. وبعث فيهم رسلا فقاموا بأحكامه على خلقه، وأبان لرسله وخلقه أحكام خلقه ـ في الدنيا ـ على ما أظهروا. ( الأم : ٧/٣٠٣-٣٠٤. )
١ - غافر: ١٩..
٣١١- قال الشافعي : أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب : أن رسول الله قال :« من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، فإن الله يقول :﴿ وَأَقِمِ اِلصَّلَواةَ لِذِكْرِىَ ﴾ »١. وحدث أنس بن مالك وعمران بن حصين عن النبي : مثل حديث ابن المسيب، وزاد أحدهما :« أو نام عنها »٢.
قال الشافعي : فقال رسول الله :« فليصلها إذا ذكرها » فجعل ذلك وقتا لها، وأخبر به عن الله تبارك وتعالى، ولم يستثنى وقت من الأوقات يدعها فيه بعد ذكرها. ( الرسالة : ٣٢٤-٣٢٥. ون الأم : ١/١٤٩. واختلاف الحديث ص : ٥٠٣. وص : ٥٠٤. )
١ - رواه الشافعي في المسند (ر٦٢) بهذا الإسناد عن ابن المسيب مرسلا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام عن الصبح فصلاها بعدما طلعت الشمس ثم قال: « من نسي الصلاة فليصليها إذا ذكرها فإن الله عز وجل يقول: ﴿ وَأَقِمِ اِلصَّلَواةَ لِذِكْرِىَ ﴾». وكذلك رواه مالك في وقوت الصلاة عن ابن المسيب مرسلا.
ورواه البخاري في مواقيت الصلاة (١٣) باب: من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها (٣٦)(ر٥٧٢) موصولا عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه مسلم كذلك في المساجد ومواضع الصلاة (٥) باب: قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها (٥٥)(ر٦٨٤).
ورواه أصحاب السنن، وأحمد، والدارمي..

٢ - رواه الشافعي في الأم ١/١٤٨. موصولا من حديث أنس بن مالك، وعمران بن حصين..
Icon