تفسير سورة سورة طه من كتاب روح المعاني
المعروف بـتفسير الألوسي
.
لمؤلفه
الألوسي
.
المتوفي سنة 1342 هـ
سورة طه ٢٠
أيضا سورة الكليم كما ذكر السخاوى في جمال القراء وهى كما أخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم مكية واستثنى بعضهم منها قوله تعالى واصبر على ما يقولون الآية وقال الجلال السيوطي ينبغي أن يستثنى اية اخرى فقد أخرج البزار وأبو يعلى عن أبى رافع قال أضاف النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ضيفا فأرسلنى إلى رجل من اليهود أن اسلفنى دقيقا إلى هلال رجب فقال لا إلا برهن فأتيت النبي عليه الصلاة والسلام فأخبرته فقال أما والله انى لأمين في السماء أمين في الأرض فلم أخرج من عنده حتى نزلت هذه الآية لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به ازواجا منهم الآية انتهى ولعل ما روى عن الحبرين على القول باستثناء ما ذكر باعتبار الأكثر منها وآياتها كما قال الداني مائة وأربعون آية شامى وخمس وثلاثون كوفى وأربع حجازي وآيتان بصرى ووجه الترتيب على ما ذكره الجلال أنه سبحانه لما ذكر في سورة مريم قصص عدة من الأنبياء عليهم السلام وبعضها مبسوط كقصة زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام وبعضها بين البسط والإيجاز كقصة ابراهيم عليه السلام وبعضها موجز مجمل كقصة موسى عليه السلام وإشارة إلى بقية النبيين عليهم السلام اجمالا ذكر جل وعلا في هذه السورة شرح قصة موسى عليه السلام التي اجملها تعالى هناك فاستوعبها سبحانه غاية الاستيعاب وبسطها تبارك وتعالى أبلغ بسط ثم اشار عز شأنه إلى تفصيل قصة آدم عليه السلام الذي وقع في مريم مجرد ذكر اسمه ثم اورد جل جلاله في سورة الأنبياء بقية قصص من لم يذكر قصته في مريم كنوح ولوط وداود وسليمان وأيوب واليسع وذي الكفل وذي النون عليهم السلام وأشير فيها إلى قصة من ذكرت قصته إشارة وجيزة كموسى وهرون وإسماعيل وذكرت تلو مريم أن لتكون السورتان كالمتقابلتين وبسطت فيها قصة ابراهيم عليه السلام البسط التام فيما يتعلق به مع قومه ولم يذكر حاله مع ابيه إلا أشاره كما أنه في سورة مريم ذكر حاله مع قومه اشاره ومع ابيه مبسوطا وينضم إلى ما ذكر اشتراك هذه السورة وسورة مريم في الافتتاح بالحروف المقطعه وقد روى عن أبى عباس وجابر بن زيد رضى الله تعالى عنه أن طه نزلت بعد سورة مريم ووجه رابط أول هذه بآخر تلك أنه سبحانه ذكر هناك تيسير القرآن بلسان الرسول عليه الصلاة والسلام معللا بتبشير المتقين وإنذار المعاندين وذكر تعالى هنا ما فيه نوع من تاكيد ذلك وجاءت آثار تدل على مزيد فضلها أخرج الدارمى وابن خزيمه في التوحيد والطبرانى في الاوسط والبيهقي في الشعب وغيرهم عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ان الله تبارك وتعالى قرأ طه و يس قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام فلما سمعت الملائكة القرآن قالت طوبى لأمة ينزل عليها هذا وطوبى لأجواف تحمل هذا وطوبى لألسنة تتكلم بهذا وأخرج الديلمي عن انس مرفوعا نحوه وأخرج ابن مردويه عن أبى امامة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال كل قران يوضع عن أهل الجنة فلا يقرؤون منه شيئا إلا سورة طهويس فإنهم يقرؤون بهما في الجنة إلى غير ذلك من الآثار.
أيضا سورة الكليم كما ذكر السخاوى في جمال القراء وهى كما أخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم مكية واستثنى بعضهم منها قوله تعالى واصبر على ما يقولون الآية وقال الجلال السيوطي ينبغي أن يستثنى اية اخرى فقد أخرج البزار وأبو يعلى عن أبى رافع قال أضاف النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ضيفا فأرسلنى إلى رجل من اليهود أن اسلفنى دقيقا إلى هلال رجب فقال لا إلا برهن فأتيت النبي عليه الصلاة والسلام فأخبرته فقال أما والله انى لأمين في السماء أمين في الأرض فلم أخرج من عنده حتى نزلت هذه الآية لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به ازواجا منهم الآية انتهى ولعل ما روى عن الحبرين على القول باستثناء ما ذكر باعتبار الأكثر منها وآياتها كما قال الداني مائة وأربعون آية شامى وخمس وثلاثون كوفى وأربع حجازي وآيتان بصرى ووجه الترتيب على ما ذكره الجلال أنه سبحانه لما ذكر في سورة مريم قصص عدة من الأنبياء عليهم السلام وبعضها مبسوط كقصة زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام وبعضها بين البسط والإيجاز كقصة ابراهيم عليه السلام وبعضها موجز مجمل كقصة موسى عليه السلام وإشارة إلى بقية النبيين عليهم السلام اجمالا ذكر جل وعلا في هذه السورة شرح قصة موسى عليه السلام التي اجملها تعالى هناك فاستوعبها سبحانه غاية الاستيعاب وبسطها تبارك وتعالى أبلغ بسط ثم اشار عز شأنه إلى تفصيل قصة آدم عليه السلام الذي وقع في مريم مجرد ذكر اسمه ثم اورد جل جلاله في سورة الأنبياء بقية قصص من لم يذكر قصته في مريم كنوح ولوط وداود وسليمان وأيوب واليسع وذي الكفل وذي النون عليهم السلام وأشير فيها إلى قصة من ذكرت قصته إشارة وجيزة كموسى وهرون وإسماعيل وذكرت تلو مريم أن لتكون السورتان كالمتقابلتين وبسطت فيها قصة ابراهيم عليه السلام البسط التام فيما يتعلق به مع قومه ولم يذكر حاله مع ابيه إلا أشاره كما أنه في سورة مريم ذكر حاله مع قومه اشاره ومع ابيه مبسوطا وينضم إلى ما ذكر اشتراك هذه السورة وسورة مريم في الافتتاح بالحروف المقطعه وقد روى عن أبى عباس وجابر بن زيد رضى الله تعالى عنه أن طه نزلت بعد سورة مريم ووجه رابط أول هذه بآخر تلك أنه سبحانه ذكر هناك تيسير القرآن بلسان الرسول عليه الصلاة والسلام معللا بتبشير المتقين وإنذار المعاندين وذكر تعالى هنا ما فيه نوع من تاكيد ذلك وجاءت آثار تدل على مزيد فضلها أخرج الدارمى وابن خزيمه في التوحيد والطبرانى في الاوسط والبيهقي في الشعب وغيرهم عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ان الله تبارك وتعالى قرأ طه و يس قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام فلما سمعت الملائكة القرآن قالت طوبى لأمة ينزل عليها هذا وطوبى لأجواف تحمل هذا وطوبى لألسنة تتكلم بهذا وأخرج الديلمي عن انس مرفوعا نحوه وأخرج ابن مردويه عن أبى امامة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال كل قران يوضع عن أهل الجنة فلا يقرؤون منه شيئا إلا سورة طهويس فإنهم يقرؤون بهما في الجنة إلى غير ذلك من الآثار.
ﰡ
ﭵ
ﰀ
ﭷﭸﭹﭺﭻ
ﰁ
ﭽﭾﭿﮀ
ﰂ
ﮂﮃﮄﮅﮆﮇ
ﰃ
ﮉﮊﮋﮌ
ﰄ
ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ
ﰅ
ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ
ﰆ
ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ
ﰇ
ﮭﮮﮯﮰ
ﰈ
ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ
ﰉ
ﯦﯧﯨﯩ
ﰊ
ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ
ﰋ
ﭑﭒﭓﭔﭕ
ﰌ
ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ
ﰍ
ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ
ﰎ
ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ
ﰏ
عن أهل الجنة فلا يقرؤون منه شيئا إلا سورة «طه» و «يس» فإنهم يقرؤون بهما في الجنة
، إلى غير ذلك من الآثار.
فخمها (١) على الأصل ابن كثير وابن عامر وحفص ويعقوب وهو إحدى الروايتين عن قالون وورش والرواية الأخرى أنهما فخما الطاء وأمالا الهاء وهو المروي عن أبي عمرو وأمال الحرفين حمزة والكسائي وأبو بكر ولعل إمالة الطاء مع أنها من حروف الاستعلاء والاستعلاء يمنع الإمالة لأنها تسفل لقصد التجانس وهي من الفواتح التي تصدر بها السور الكريمة على إحدى الروايتين عن مجاهد بل قيل: هي كذلك عند جمهور المتقنين، وقال السدي: المعنى يا فلان، وعن ابن عباس في رواية جماعة عنه والحسن وابن جبير وعطاء وعكرمة وهي الرواية الأخرى عن مجاهد أن المعنى يا رجل، واختلفوا فقيل: هو كذلك بالنبطية، وقيل: بالحبشية، وقيل: بالعبرانية، وقيل بالسريانية.
وقيل: بلغة عكل، وقيل: بلغة عك. وروي ذلك عن الكلبي قال: لو قلت في عك: يا رجل لم يجب حتى تقول:- طاها- وأنشد الطبري في ذلك قول متمم بن نويرة:
وقول الآخر:
وقال ابن الأنباري: إن لغة قريش وافقت تلك اللغة في هذا لأن الله تعالى لم يخاطب نبيه صلّى الله عليه وسلّم بلسان غير لسان قريش، ولا يخفى أن مسألة وقوع شيء بغير لغة قريش من لغات العرب في القرآن خلافية، وقد بسط الكلام عليها في الإتقان، والحق الوقوع وتخرص الزمخشري على عك فقال: لعل عكا تصرفوا في يا هذا كأنهم في لغتهم قالبون الياء
، إلى غير ذلك من الآثار.
فخمها (١) على الأصل ابن كثير وابن عامر وحفص ويعقوب وهو إحدى الروايتين عن قالون وورش والرواية الأخرى أنهما فخما الطاء وأمالا الهاء وهو المروي عن أبي عمرو وأمال الحرفين حمزة والكسائي وأبو بكر ولعل إمالة الطاء مع أنها من حروف الاستعلاء والاستعلاء يمنع الإمالة لأنها تسفل لقصد التجانس وهي من الفواتح التي تصدر بها السور الكريمة على إحدى الروايتين عن مجاهد بل قيل: هي كذلك عند جمهور المتقنين، وقال السدي: المعنى يا فلان، وعن ابن عباس في رواية جماعة عنه والحسن وابن جبير وعطاء وعكرمة وهي الرواية الأخرى عن مجاهد أن المعنى يا رجل، واختلفوا فقيل: هو كذلك بالنبطية، وقيل: بالحبشية، وقيل: بالعبرانية، وقيل بالسريانية.
وقيل: بلغة عكل، وقيل: بلغة عك. وروي ذلك عن الكلبي قال: لو قلت في عك: يا رجل لم يجب حتى تقول:- طاها- وأنشد الطبري في ذلك قول متمم بن نويرة:
دعوت بطاها في القتال فلم يجب | فخفت عليه أن يكون موائلا |
إن السفاهة طاها من خلائقكم | لا بارك الله في القوم الملاعين |
(١) أي الكلمة اه منه.
464
طاء فقالوا: في ياطا واختصروا هذا واقتصروا على ها. وتعقبه أبو حيان بأنه لا يوجد في لسان العرب قلب يا التي للنداء طاء وكذلك حذف اسم الإشارة في النداء وإقرارها التي للتنبيه ولم يقل ذلك نحوي. وذكر في البيت الأخير أنه إن صح فطه فيه قسم بالحروف المقطعة أو اسم السورة على أنه شعر إسلامي كقوله «حم لا ينصرون».
وتعقب بأنه احتمال بعيد وهو كذلك في المثال وقد رواه النسائي مرفوعا. ولفظ الخبر إذا لقيكم العدو فليكن شعاركم حم لا ينصرون وليس في سياقه دليل على ذلك، ويحتمل أن يكون لا ينصرون مستأنفا والشعار التلفظ بحم فقط كأنه قيل: ماذا يكون إذا كان شعارنا ذلك فقيل: لا ينصرون، وأخرج ابن المنذر. وابن مردويه عن ابن عباس أنه قسم أقسم الله تعالى به وهو من أسمائه سبحانه، وعن أبي جعفر أنه من أسماء النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وقرأت فرقة منهم أبو حنيفة والحسن وعكرمة وورش «طه» بفتح الطاء وسكون الهاء كبل فقيل: معناه يا رجل أيضا، وقيل: أمر للنبي صلّى الله عليه وسلّم بأن يطأ الأرض بقدميه فإنه عليه الصلاة والسّلام كما
روي عن الربيع بن أنس كان إذا صلى قام على رجل واحدة فأنزل الله تعالى طه
إلخ،
وأخرج ابن مردويه عن علي كرم الله تعالى وجهه لما نزل على النبي صلّى الله عليه وسلّم يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا [المزمل: ١، ٢] قام الليل كله حتى تورمت قدماه فجعل يرفع رجلا ويضع رجلا فهبط عليه جبريل عليه السّلام فقال طه الآية
والأصل طأ فقلبت الهمزة هاء كما قالوا في إياك وارقت ولانك هياك وهرقت ولهنك أو قلبت الهمزة في فعله الماضي والمضارع ألفا كما في قول الفرزدق:
وكما قالوا في سأل سال وحذفت في الأمر لكونه معتل الآخر وضم إليه هاء السكت وهو في مثل ذلك لازم خطا ووقفا، ووقد يجري الوصل مجرى الوقف فتثبت لفظا فيه، وجوز بعضهم أن يكون أصل طه في القراءة المشهورة طاها على أن طا أمر له صلّى الله عليه وسلّم بأن يطا الأرض بقدميه وها ضمير مؤنث في موضع المفعول به عائد على الأرض وإن لم يسبق لها ذكر، واعترض بأنه لو كان كذلك لم تسقط منه الألفان ورسم المصحف وإن كان لا ينقاس لكن الأصل فيه موافقته للقياس فلا يعدل عنه لغير داع وليس هذه الألف في اسم ولا وسطا كما في الحرث ونحوه لتحذف لا سيما وفي حذفها لبس فلا يجوز كما فصل في باب الخط من التسهيل.
واعترض بهذا أيضا على تفسيره بيا رجل ونحوه، وقيل: توجيه ذلك على هذا الأصل ويعلم منه توجيه آخر لقراءة أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه ومن معه أن يقال: اكتفى من طأ بطاء متحركة ومن ها الضمير بهاء ثم عبر عنهما باسميهما فها ليست ضميرا بل هي كالقاف في قوله:
قلت لها قفي فقالت قاف واعترض أيضا بأنه كان ينبغي على هذا أن لا تكتب صورة المسمى بل صورة الاسم. وأجيب بأن كتابة الأسماء بصور المسميات أمر مخصوص بحروف التهجي. وتعقب بأن ما ذكر لا يقطع مادة الإيراد إذ لو كان كذلك لانفصل الحرفان في الخط بأن يكتبان هكذا ط هـ. فإن قيل: إن خط المصحف لا ينقاس قيل عليه ما قيل، والحق أن دعوى أن خط المصحف لا ينقاس قوية جدا وما قيل عليها لا يعول عليه، وما صح عن السلف يقبل ولا يقدح فيه عدم موافقة القياس، وإن كانت الموافقة هي الأصل.
وقد روي عن علي كرم الله تعالى وجهه. والربيع بن أنس أنهما فسرا طه بطأ الأرض بقدميك يا محمد
ولم أقف على طعن في الرواية والله أعلم.
واختلف في إعرابه حسب الاختلاف في المراد منه فهو على ما نقل عن الجمهور من أن المراد منه طائفة من
وتعقب بأنه احتمال بعيد وهو كذلك في المثال وقد رواه النسائي مرفوعا. ولفظ الخبر إذا لقيكم العدو فليكن شعاركم حم لا ينصرون وليس في سياقه دليل على ذلك، ويحتمل أن يكون لا ينصرون مستأنفا والشعار التلفظ بحم فقط كأنه قيل: ماذا يكون إذا كان شعارنا ذلك فقيل: لا ينصرون، وأخرج ابن المنذر. وابن مردويه عن ابن عباس أنه قسم أقسم الله تعالى به وهو من أسمائه سبحانه، وعن أبي جعفر أنه من أسماء النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وقرأت فرقة منهم أبو حنيفة والحسن وعكرمة وورش «طه» بفتح الطاء وسكون الهاء كبل فقيل: معناه يا رجل أيضا، وقيل: أمر للنبي صلّى الله عليه وسلّم بأن يطأ الأرض بقدميه فإنه عليه الصلاة والسّلام كما
روي عن الربيع بن أنس كان إذا صلى قام على رجل واحدة فأنزل الله تعالى طه
إلخ،
وأخرج ابن مردويه عن علي كرم الله تعالى وجهه لما نزل على النبي صلّى الله عليه وسلّم يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا [المزمل: ١، ٢] قام الليل كله حتى تورمت قدماه فجعل يرفع رجلا ويضع رجلا فهبط عليه جبريل عليه السّلام فقال طه الآية
والأصل طأ فقلبت الهمزة هاء كما قالوا في إياك وارقت ولانك هياك وهرقت ولهنك أو قلبت الهمزة في فعله الماضي والمضارع ألفا كما في قول الفرزدق:
راحت بمسلمة البغال عشية | فارعي فزارة لا هناك المرتع |
واعترض بهذا أيضا على تفسيره بيا رجل ونحوه، وقيل: توجيه ذلك على هذا الأصل ويعلم منه توجيه آخر لقراءة أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه ومن معه أن يقال: اكتفى من طأ بطاء متحركة ومن ها الضمير بهاء ثم عبر عنهما باسميهما فها ليست ضميرا بل هي كالقاف في قوله:
قلت لها قفي فقالت قاف واعترض أيضا بأنه كان ينبغي على هذا أن لا تكتب صورة المسمى بل صورة الاسم. وأجيب بأن كتابة الأسماء بصور المسميات أمر مخصوص بحروف التهجي. وتعقب بأن ما ذكر لا يقطع مادة الإيراد إذ لو كان كذلك لانفصل الحرفان في الخط بأن يكتبان هكذا ط هـ. فإن قيل: إن خط المصحف لا ينقاس قيل عليه ما قيل، والحق أن دعوى أن خط المصحف لا ينقاس قوية جدا وما قيل عليها لا يعول عليه، وما صح عن السلف يقبل ولا يقدح فيه عدم موافقة القياس، وإن كانت الموافقة هي الأصل.
وقد روي عن علي كرم الله تعالى وجهه. والربيع بن أنس أنهما فسرا طه بطأ الأرض بقدميك يا محمد
ولم أقف على طعن في الرواية والله أعلم.
واختلف في إعرابه حسب الاختلاف في المراد منه فهو على ما نقل عن الجمهور من أن المراد منه طائفة من
465
حروف المعجم مسرودة على نمط التعديد افتتحت بها السورة لا محل له من الإعراب، وكذا ما بعده من قوله تعالى:
ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى فإنه استئناف مسوق لتسليته صلّى الله عليه وسلّم عما كان يعتريه من جهة المشركين من التعب فإن الشقاء شائع في ذلك المعنى، ومنه المثل أشقى من رائض مهر، وقول الشاعر:
أي ما أنزلناه عليك لتتعب بالمبالغة في مكابدة الشدائد في مقاولة العتاة ومحاورة الطغاة وفرط التأسف على كفرهم به والتحسر على أن يؤمنوا به كقوله تعالى شأنه فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ [الكهف: ٦] الآية بل لتبلغ وتذكر وقد فعلت فلا عليك إن لم يؤمنوا بعد ذلك أو لصرفه عليه الصلاة والسّلام عما كان عليه من المبالغة في المجاهدة في العبادة كما سمعت فيما أخرج ابن مردويه عن علي كرم الله تعالى وجهه أي ما أنزلناه عليك لتتعب بنهك نفسك وحملها على الرياضات الشاقة والشدائد الفادحة وما بعثت إلا بالحنيفة السمحة، وقال مقاتل: إن أبا جهل والنضر بن الحارث والمطعم قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما رأوا كثرة عبادته: إنك لتشقى بترك ديننا وإن القرآن أنزل عليك لتشقى به فرد الله تعالى عليهم ذلك بأنا ما أنزلناه عليك لما قالوا. والشقاء في كلامهم يحتمل أن يكون بمعناه الحقيقي وهو ضد السعادة والتعبير به في كلامه تعالى من باب المشاكلة وإن أريد منه القرآن بتأويله بالمتحدى به من جنس هذه الحروف.
فجوز فيه أن يكون محله الرفع على الابتداء والجملة بعده خبره، وقد أقيم فيها الظاهر أعني القرآن مقام الضمير الرابط لنكتة وهو أن القرآن رحمة يرتاح لها فكيف ينزل للشقاء، وقيل: الخبر محذوف، وقيل: هو خبر لمبتدأ محذوف. والجملة على القولين مستأنفة. وجوز أن يكون محله النصب على إضمار اتل. وقيل: على أنه مقسم به حذف منه حرف القسم فانتصب بفعله مضمرا نحو قوله: إن على الله أن تبايعا وجوز أن يكون محله الجر بتقدير حرف القسم نظير قوله من وجه أشارت كليب بالأكف الأصابع والجملة بعده على تقدير إرادة القسم جواب القسم.
وجوزت هذه الاحتمالات على تقدير أن يكون المراد منه السورة. وأمر ربط الجملة على تقدير ابتدائيته وخبريتها إن كان القرآن خاصا بهذه السورة باعتبار كون تعريفه عهديا حضوريا ظاهر. وإن كان عاما فالربط به لشموله للمبتدأ كما قيل في نحو زيد نعم الرجل.
ومنع بعضهم إرادة السورة مطلقا لاتفاق المصاحف على ذكر سورة في العنوان مضافة إلى طه وحينئذ يكون التركيب كإنسان زيد وقد حكموا بقبحه وفيه بحث لا يكاد يخفى حتى على بهيمة الأنعام، وبعضهم إرادة ذلك على تقدير الأخبار بالجملة بعد قال: لأن نفي كون إنزال القرآن للشقاء يستدعي وقوع الشقاء مترتبا على إنزاله قطعا إما بحسب الحقيقة كما إذا أريد به التعب أو بحسب زعم الكفرة كما لو أريد به ضد السعادة، ولا ريب في أن ذلك إنما يتصور في إنزال ما أنزل من قبل وأما إنزال السورة الكريمة فليس مما يمكن ترتب الشقاء السابق عليه حتى يتصدى لنفيه عنه أما باعتبار اتحاد القرآن بالسورة فظاهر، وأما باعتبار الاندراج فلأن مآله أن يقال: هذه السورة ما أنزلنا القرآن المشتمل عليها لتشقى، ولا يخفى أن جعلها مخبرا عنها مع أنه لا دخل لإنزالها في الشقاء السابق أصلا مما لا يليق بشأن التنزيل اه ولا يخلو عن حسن، وعلى ما روي عن أبي جعفر من أنه من أسمائه صلّى الله عليه وسلّم يكون منادى وحكمه مشهور، والجملة جواب النداء، ومحله على ما أخرج ابن المنذر وابن مردويه عن الحبر من أنه قسم أقسم الله تعالى به وهو من أسمائه تباركت أسماؤه النصب أو الجر على ما سمعت آنفا.
وعلى ما
روي عن الأمير كرم الله تعالى وجهه. والربيع يكون جملة فعلية
وقد مر لك تفصيل ذلك، والجملة
ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى فإنه استئناف مسوق لتسليته صلّى الله عليه وسلّم عما كان يعتريه من جهة المشركين من التعب فإن الشقاء شائع في ذلك المعنى، ومنه المثل أشقى من رائض مهر، وقول الشاعر:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله | وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم |
فجوز فيه أن يكون محله الرفع على الابتداء والجملة بعده خبره، وقد أقيم فيها الظاهر أعني القرآن مقام الضمير الرابط لنكتة وهو أن القرآن رحمة يرتاح لها فكيف ينزل للشقاء، وقيل: الخبر محذوف، وقيل: هو خبر لمبتدأ محذوف. والجملة على القولين مستأنفة. وجوز أن يكون محله النصب على إضمار اتل. وقيل: على أنه مقسم به حذف منه حرف القسم فانتصب بفعله مضمرا نحو قوله: إن على الله أن تبايعا وجوز أن يكون محله الجر بتقدير حرف القسم نظير قوله من وجه أشارت كليب بالأكف الأصابع والجملة بعده على تقدير إرادة القسم جواب القسم.
وجوزت هذه الاحتمالات على تقدير أن يكون المراد منه السورة. وأمر ربط الجملة على تقدير ابتدائيته وخبريتها إن كان القرآن خاصا بهذه السورة باعتبار كون تعريفه عهديا حضوريا ظاهر. وإن كان عاما فالربط به لشموله للمبتدأ كما قيل في نحو زيد نعم الرجل.
ومنع بعضهم إرادة السورة مطلقا لاتفاق المصاحف على ذكر سورة في العنوان مضافة إلى طه وحينئذ يكون التركيب كإنسان زيد وقد حكموا بقبحه وفيه بحث لا يكاد يخفى حتى على بهيمة الأنعام، وبعضهم إرادة ذلك على تقدير الأخبار بالجملة بعد قال: لأن نفي كون إنزال القرآن للشقاء يستدعي وقوع الشقاء مترتبا على إنزاله قطعا إما بحسب الحقيقة كما إذا أريد به التعب أو بحسب زعم الكفرة كما لو أريد به ضد السعادة، ولا ريب في أن ذلك إنما يتصور في إنزال ما أنزل من قبل وأما إنزال السورة الكريمة فليس مما يمكن ترتب الشقاء السابق عليه حتى يتصدى لنفيه عنه أما باعتبار اتحاد القرآن بالسورة فظاهر، وأما باعتبار الاندراج فلأن مآله أن يقال: هذه السورة ما أنزلنا القرآن المشتمل عليها لتشقى، ولا يخفى أن جعلها مخبرا عنها مع أنه لا دخل لإنزالها في الشقاء السابق أصلا مما لا يليق بشأن التنزيل اه ولا يخلو عن حسن، وعلى ما روي عن أبي جعفر من أنه من أسمائه صلّى الله عليه وسلّم يكون منادى وحكمه مشهور، والجملة جواب النداء، ومحله على ما أخرج ابن المنذر وابن مردويه عن الحبر من أنه قسم أقسم الله تعالى به وهو من أسمائه تباركت أسماؤه النصب أو الجر على ما سمعت آنفا.
وعلى ما
روي عن الأمير كرم الله تعالى وجهه. والربيع يكون جملة فعلية
وقد مر لك تفصيل ذلك، والجملة
466
بعده مستأنفة استئنافا نحويا أو بيانيا كأنه قيل لم أطؤها؟ فقيل: ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى وقرأ طلحة «ما نزّل عليك القرآن» بتشديد الفعل وبنائه للمفعول وإسناده إلى القرآن إِلَّا تَذْكِرَةً نصب على الاستثناء المنقطع أي ما أنزلناه لشقائك لكن تذكيرا لِمَنْ يَخْشى أي لمن شأنه أن يخشى الله تعالى ويتأثر بالإنذار لرقة قليه ولين عريكته أو لمن علم الله تعالى أنه يخشى بالتخويف والجار والمجرور متعلق بتذكرة أو بمحذوف صفة لها، وخص الخاشي بالذكر مع أن القرآن تذكرة للناس كلهم لتنزيل غيره منزلة العدم فإنه المنتفع به.
وجوز الزمخشري كون «تذكرة» مفعولا له لأنزلنا، وانتصب لاستجماع الشرائط بخلاف المفعول الأول لعدم اتحاد الفاعل فيه، والمشهور عن الجمهور اشتراطه للنصب فلذا جر، ويجوز تعدد العلة بدون عطف وإبدال إذا اختلفت جهة العمل كما هنا لظهور أن الثاني مفعول صريح والأول جار ومجرور، وكذا إذا اتحدت وكانت إحدى العلتين علة للفعل والأخرى علة له بعد تعليله نحو أكرمته لكون غريبا لرجاء الثواب أو كانت العلة الثانية علة للعلة الأولى نحو لا يعذب الله تعالى التائب لمغفرته له لإسلامه فما قيل عليه من أنه لا يجوز تعدد العلة بدون اتباع غير مسلم.
وفي الكشف أن المعنى على هذا الوجه ما أنزلناه عليك لتحتمل مشاقه ومتاعبه إلا ليكون تذكرة، وحاصله أنه نظير ما ضربتك للتأديب إلا إشفاقا، ويرجع المعنى إلى ما أدبتك بالضرب إلا للإشفاق كذلك المعنى هنا ما أشقيناك بإنزال القرآن إلا للتذكرة، وحاصله حسبك ما حملته من متاعب التبليغ ولا تنهك بدنك ففي ذلك بلاغ اه. واعترض القول بجعله نظير ما ضربتك للتأديب إلا إشفاقا بأنه يجب في ذلك أن يكون بين العلتين ملابسة بالسببية والمسببية حتما كما في المثال المذكور، وفي قولك: ما شافهته بالسوء ليتأذى إلا زجرا لغيره فإن التأديب في الأول مسبب عن الإشفاق والتأذي في الثاني سبب لزجر الغير وما بين الشقاء والتذكرة تناف ظاهر، ولا يجدي أن يراد به التعب في الجملة المجامع للتذكرة لظهور أن لا ملابسة بينهما بما ذكر من السببية والمسببية وإنما يتصور ذلك أن لو قيل مكان إِلَّا تَذْكِرَةً إلا تكثيرا لثوابك فإن الأجر بقدر التعب كما في الحديث انتهى.
ولعل قائل ذلك يمنع وجوب أن يكون بين العلتين الملابسة المذكورة أو يدعي تحققها بينهما في الآية بناء على أن التذكرة أي التذكير سبب للتعب كما يشعر بذلك قول المدقق في الحاصل الأخير حسبك ما حملته من متاعب التبليغ إلخ، وقد خفي المراد من الآية على هذا الوجه على ابن المنير فقال: إن فيه بعدا لأنه حينئذ يكون الشقاء سبب النزول وإن لم تكن اللام سببية وكانت للصيرورة مثلا لم يكن فيه ما جرت عادة الله تعالى به مع نبيه صلّى الله عليه وسلّم من نهيه عن الشقاء والحزن على الكفرة وضيق الصدر بهم وكأن مضمون الآية منافيا لقوله تعالى: فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ [الكهف: ٦] اه، وأنت تعلم بعد الوقوف على المراد أن لا منافاة. نعم بعد هذا الوجه وكون الآية نظير ما ضربتك للتأديب إلا إشفاقا مما يشهد به الذوق، ويجوز أن تكون حالا من الكاف أو الْقُرْآنَ والاستثناء مفرغ، والمصدر مؤول بالصفة أو قصد به المبالغة.
وجوز الحوفي كونها بدلا من الْقُرْآنَ. والزجاج كونها بدلا من محل لِتَشْقى لأن الاستثناء من غير الموجب يجوز فيه الإبدال. وتعقب بأن ذلك إذا كان متصلا بأن كان المستثنى من جنس المستثنى منه والبدلية حينئذ البدلية البعضية في المشهور، وقيل: بدلية الكل من الكل، ولا يخفى عدم تحقق ذلك بين التذكرة والشقاء. والقول ببدلية الاشتمال في مثل ذلك لتصحيح البدلية هنا بناء على أن التذكرة تشتمل على التعب مما لم يقله أحد من النحاة.
واعتبارها لهذا الاشتمال من جنس الشقاء فكأنها متحدة معه لا يجعل الاستثناء متصلا كما قيل، وقد سمعت اشتراطه، وبالجملة هذا الوجه ليس بالوجيه وقد أنكره أبو علي على الزجاج.
وجوز الزمخشري كون «تذكرة» مفعولا له لأنزلنا، وانتصب لاستجماع الشرائط بخلاف المفعول الأول لعدم اتحاد الفاعل فيه، والمشهور عن الجمهور اشتراطه للنصب فلذا جر، ويجوز تعدد العلة بدون عطف وإبدال إذا اختلفت جهة العمل كما هنا لظهور أن الثاني مفعول صريح والأول جار ومجرور، وكذا إذا اتحدت وكانت إحدى العلتين علة للفعل والأخرى علة له بعد تعليله نحو أكرمته لكون غريبا لرجاء الثواب أو كانت العلة الثانية علة للعلة الأولى نحو لا يعذب الله تعالى التائب لمغفرته له لإسلامه فما قيل عليه من أنه لا يجوز تعدد العلة بدون اتباع غير مسلم.
وفي الكشف أن المعنى على هذا الوجه ما أنزلناه عليك لتحتمل مشاقه ومتاعبه إلا ليكون تذكرة، وحاصله أنه نظير ما ضربتك للتأديب إلا إشفاقا، ويرجع المعنى إلى ما أدبتك بالضرب إلا للإشفاق كذلك المعنى هنا ما أشقيناك بإنزال القرآن إلا للتذكرة، وحاصله حسبك ما حملته من متاعب التبليغ ولا تنهك بدنك ففي ذلك بلاغ اه. واعترض القول بجعله نظير ما ضربتك للتأديب إلا إشفاقا بأنه يجب في ذلك أن يكون بين العلتين ملابسة بالسببية والمسببية حتما كما في المثال المذكور، وفي قولك: ما شافهته بالسوء ليتأذى إلا زجرا لغيره فإن التأديب في الأول مسبب عن الإشفاق والتأذي في الثاني سبب لزجر الغير وما بين الشقاء والتذكرة تناف ظاهر، ولا يجدي أن يراد به التعب في الجملة المجامع للتذكرة لظهور أن لا ملابسة بينهما بما ذكر من السببية والمسببية وإنما يتصور ذلك أن لو قيل مكان إِلَّا تَذْكِرَةً إلا تكثيرا لثوابك فإن الأجر بقدر التعب كما في الحديث انتهى.
ولعل قائل ذلك يمنع وجوب أن يكون بين العلتين الملابسة المذكورة أو يدعي تحققها بينهما في الآية بناء على أن التذكرة أي التذكير سبب للتعب كما يشعر بذلك قول المدقق في الحاصل الأخير حسبك ما حملته من متاعب التبليغ إلخ، وقد خفي المراد من الآية على هذا الوجه على ابن المنير فقال: إن فيه بعدا لأنه حينئذ يكون الشقاء سبب النزول وإن لم تكن اللام سببية وكانت للصيرورة مثلا لم يكن فيه ما جرت عادة الله تعالى به مع نبيه صلّى الله عليه وسلّم من نهيه عن الشقاء والحزن على الكفرة وضيق الصدر بهم وكأن مضمون الآية منافيا لقوله تعالى: فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ [الكهف: ٦] اه، وأنت تعلم بعد الوقوف على المراد أن لا منافاة. نعم بعد هذا الوجه وكون الآية نظير ما ضربتك للتأديب إلا إشفاقا مما يشهد به الذوق، ويجوز أن تكون حالا من الكاف أو الْقُرْآنَ والاستثناء مفرغ، والمصدر مؤول بالصفة أو قصد به المبالغة.
وجوز الحوفي كونها بدلا من الْقُرْآنَ. والزجاج كونها بدلا من محل لِتَشْقى لأن الاستثناء من غير الموجب يجوز فيه الإبدال. وتعقب بأن ذلك إذا كان متصلا بأن كان المستثنى من جنس المستثنى منه والبدلية حينئذ البدلية البعضية في المشهور، وقيل: بدلية الكل من الكل، ولا يخفى عدم تحقق ذلك بين التذكرة والشقاء. والقول ببدلية الاشتمال في مثل ذلك لتصحيح البدلية هنا بناء على أن التذكرة تشتمل على التعب مما لم يقله أحد من النحاة.
واعتبارها لهذا الاشتمال من جنس الشقاء فكأنها متحدة معه لا يجعل الاستثناء متصلا كما قيل، وقد سمعت اشتراطه، وبالجملة هذا الوجه ليس بالوجيه وقد أنكره أبو علي على الزجاج.
467
وجوز أن يكون مفعولا له لأنزلنا ولِتَشْقى ظرف مستقر في موضع الصفة للقرآن أي ما أنزلنا القرآن الكائن أو المنزل لتعبك إلا تذكرة، وفيه تقدير المتعلق مقرونا باللام وحذف الموصول مع بعض صلته وقد أباه بعض النحاة، وكون أل حرف تعريف خلاف الظاهر، وقيل: هي نصب على المصدرية لمحذوف أي لكن ذكرناه به تذكرة، وقوله تعالى: تَنْزِيلًا كذلك أي نزل تنزيلا، والجملة مستأنفة مقررة لما قبلها. وقيل: لما تفيده الجملة الاستثنائية فإنها متضمنة لأن يقال: إنا أنزلناه للتذكرة والأول أنسب لما بعده من الالتفات. وقيل: منصوب على المدح والاختصاص.
وقيل: بيخشى على المفعولية. واستبعدهما أبو حيان وعد الثاني في غاية البعد لأن «يخشى» رأس آية فلا يناسب أن يكون تَنْزِيلًا مفعوله. وتعقب أيضا بأن تعليق الخشية والخوف ونظائرهما بمطلق التنزيل غير معهود. نعم قد تعلق ذلك ببعض أجزائه المشتملة على الوعيد ونحوه كما في قوله تعالى يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ [التوبة: ٦٤].
وأنت تعلم أن المعنى على هذا الوجه إلا تذكرة لمن يخشى المنزل من قادر قاهر وهو مما لا خلل فيه، وأمر عدم المعهودية سهل. وقيل: هو بدل من تَذْكِرَةً بناء على أنها حال من الكاف أو الْقُرْآنَ كما نقل سابقا وهو بدل اشتمال. وتعقبه أبو حيان بأن جعل المصدر حالا لا ينقاس، ومع هذا فيه دغدغة لا تخفى، ولم تجوز البدلية منها على تقدير أن تكون مفعولا له ل. نزلنا لفظا أو معنى لأن البدل هو المقصور فيصير المعنى أنزلناه لأجل التنزيل وفي ذلك تعليل الشيء بنفسه إن كان الإنزال والتنزيل بمعنى بحسب الوضع أو بنوعه إن كان الإنزال عاما والتنزيل مخصوصا بالتدريجي وكلاهما لا يجوز.
وقرأ ابن عبلة «تنزيل» بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي هو تنزيل مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى متعلق بتنزيل. وجوز أن يكون متعلقا بمضمر هو صفة له مؤكدة لما في تنكيره من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية. ونسبة التنزيل إلى الموصول بطريق الالتفات إلى الغيبة بعد نسبة الإنزال إلى نون العظمة لبيان فخامته تعالى شأنه بحسب الأفعال والصفات إثر بيانها بحسب الذات بطريق الإبهام ثم التفسير لزيادة تحقيق تقرير. واحتمال كون أَنْزَلْنا إلخ حكاية لكلام جبرائيل والملائكة النازلين معه عليهم السّلام بعيد غاية البعد.
وتخصيص خلق الأرض والسموات بالذكر مع أن المراد خلقهما بجميع ما يتعلق بهما كما يؤذن به قوله تعالى لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الآية لأصالتهما واستتباعهما لما عداهما، وقيل: المراد بهما ما في جهة السفل وما في جهد العلو، وتقديم خلق الأرض قيل لأنه مقدم في الوجود على خلق السموات السبع كما هو ظاهر آية حم السجدة أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ [فصلت: ٩] الآية. وكذا ظاهر آية [البقرة: ٢٩] هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ الآية.
ونقل الواحدي عن مقاتل أن خلق السموات مقدم، واختاره كثير من المحققين لتقديم السموات على الأرض في معظم الآيات التي ذكرا فيها واقتضاء الحكمة تقديم خلق الأشرف والسماء أشرف من الأرض ذاتا وصفة مع ظاهر آية [النازعات: ٢٧] أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها الآية، واختار بعض المحققين أن خلق السموات بمعنى إيجادها بمادتها قبل خلق الأرض وخلقها بمعنى إظهارها بآثارها بعد خلق الأرض وبذلك يجمع بين الآيات التي يتوهم تعارضها، وتقديم السموات في الذكر على الأرض تارة والعكس أخرى بحسب اقتضاء المقام وهو أقرب إلى التحقيق، وعليه وعلى ما قبله فتقديم خلق الأرض هنا قيل لأنه أوفق بالتنزيل الذي هو من أحكام رحمته تعالى كما ينبىء عنه ما بعد وقوله تعالى: الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ [الرحمن: ١، ٢] ويرمز إليه ما قبل فإن الانعام على الناس بخلق الأرض أظهر وأتم
وقيل: بيخشى على المفعولية. واستبعدهما أبو حيان وعد الثاني في غاية البعد لأن «يخشى» رأس آية فلا يناسب أن يكون تَنْزِيلًا مفعوله. وتعقب أيضا بأن تعليق الخشية والخوف ونظائرهما بمطلق التنزيل غير معهود. نعم قد تعلق ذلك ببعض أجزائه المشتملة على الوعيد ونحوه كما في قوله تعالى يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ [التوبة: ٦٤].
وأنت تعلم أن المعنى على هذا الوجه إلا تذكرة لمن يخشى المنزل من قادر قاهر وهو مما لا خلل فيه، وأمر عدم المعهودية سهل. وقيل: هو بدل من تَذْكِرَةً بناء على أنها حال من الكاف أو الْقُرْآنَ كما نقل سابقا وهو بدل اشتمال. وتعقبه أبو حيان بأن جعل المصدر حالا لا ينقاس، ومع هذا فيه دغدغة لا تخفى، ولم تجوز البدلية منها على تقدير أن تكون مفعولا له ل. نزلنا لفظا أو معنى لأن البدل هو المقصور فيصير المعنى أنزلناه لأجل التنزيل وفي ذلك تعليل الشيء بنفسه إن كان الإنزال والتنزيل بمعنى بحسب الوضع أو بنوعه إن كان الإنزال عاما والتنزيل مخصوصا بالتدريجي وكلاهما لا يجوز.
وقرأ ابن عبلة «تنزيل» بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي هو تنزيل مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى متعلق بتنزيل. وجوز أن يكون متعلقا بمضمر هو صفة له مؤكدة لما في تنكيره من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية. ونسبة التنزيل إلى الموصول بطريق الالتفات إلى الغيبة بعد نسبة الإنزال إلى نون العظمة لبيان فخامته تعالى شأنه بحسب الأفعال والصفات إثر بيانها بحسب الذات بطريق الإبهام ثم التفسير لزيادة تحقيق تقرير. واحتمال كون أَنْزَلْنا إلخ حكاية لكلام جبرائيل والملائكة النازلين معه عليهم السّلام بعيد غاية البعد.
وتخصيص خلق الأرض والسموات بالذكر مع أن المراد خلقهما بجميع ما يتعلق بهما كما يؤذن به قوله تعالى لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الآية لأصالتهما واستتباعهما لما عداهما، وقيل: المراد بهما ما في جهة السفل وما في جهد العلو، وتقديم خلق الأرض قيل لأنه مقدم في الوجود على خلق السموات السبع كما هو ظاهر آية حم السجدة أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ [فصلت: ٩] الآية. وكذا ظاهر آية [البقرة: ٢٩] هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ الآية.
ونقل الواحدي عن مقاتل أن خلق السموات مقدم، واختاره كثير من المحققين لتقديم السموات على الأرض في معظم الآيات التي ذكرا فيها واقتضاء الحكمة تقديم خلق الأشرف والسماء أشرف من الأرض ذاتا وصفة مع ظاهر آية [النازعات: ٢٧] أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها الآية، واختار بعض المحققين أن خلق السموات بمعنى إيجادها بمادتها قبل خلق الأرض وخلقها بمعنى إظهارها بآثارها بعد خلق الأرض وبذلك يجمع بين الآيات التي يتوهم تعارضها، وتقديم السموات في الذكر على الأرض تارة والعكس أخرى بحسب اقتضاء المقام وهو أقرب إلى التحقيق، وعليه وعلى ما قبله فتقديم خلق الأرض هنا قيل لأنه أوفق بالتنزيل الذي هو من أحكام رحمته تعالى كما ينبىء عنه ما بعد وقوله تعالى: الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ [الرحمن: ١، ٢] ويرمز إليه ما قبل فإن الانعام على الناس بخلق الأرض أظهر وأتم
468
وهي أقرب إلى الحس. وقيل: لأنه أوفق بمفتتح السورة بناء على جعل طه جملة فعلية أي طأ الأرض بقدميك أو لقوله تعالى ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى بناء على أنه جملة مستأنفة لصرفه صلّى الله عليه وسلّم عما كان عليه من رفع إحدى رجليه عن الأرض في الصلاة كما جاء في سبب النزول، ووصف السموات بالعلى وهو جمع العليا كالكبرى تأنيث الأعلى لتأكيد الفخامة مع ما فيه من مراعاة الفواصل وكل ذلك إلى قوله تعالى لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى مسوق لتعظيم شأن المنزل عز وجل المستتبع لتعظيم المنزل الداعي إلى استنزال المتمردين عن رتبة العلو والطغيان واستمالتهم إلى التذكر والإيمان.
الرَّحْمنُ رفع على المدح أي هو الرحمن.
وجوز ابن عطية أن يكون بدلا من الضمير المستتر في خَلَقَ وتعقبه أبو حيان فقال: أرى أن مثل هذا لا يجوز لأن البدل يحل محل المبدل منه ولا يحل هاهنا لئلا يلزم خلو الصلة من العائد اه، ومنع بعضهم لزوم اطراد الحلول ثم قال: على تسليمه يجوز إقامة الظاهر مقام الضمير العائد كما في قوله:
وأنت الذي في رحمة الله أطمع نعم اعتبار البدلية خلاف الظاهر، وجوز أن يكون مبتدأ واللام للعهد والإشارة إلى الموصول وخبره قوله تعالى عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ويقدر هو ويجعل خبرا عنه على احتمال البدلية، وعلى الاحتمال الأول يجعل خبرا بعد خبر لما قدر أولا على ما في البحر وغيره، وروى جناح بن حبيش عن بعضهم أنه قرأ «الرحمن» بالجر، وخرجه الزمخشري على أنه صفة لمن. وتعقبه أبو حيان بأن مذهب الكوفيين أن الأسماء النواقص التي لا تتم إلا بصلاتها كمن وما لا يجوز نعتها إلا الذي والتي فيجوز نعتهما فعندهم لا يجوز هذا التخريج فالأحسن أن يكون الرَّحْمنُ بدلا من (من) وقد جرى في القرآن مجرى العلم في وقوعه بعد العوامل، وقيل: إن «من» يحتمل أن تكون نكرة موصوفة وجملة خَلَقَ صفتها والرَّحْمنُ صفة بعد صفة وليس ذاك من وصف الأسماء النواقص التي لا تتم إلا بصلاتها غاية ما في الباب أن فيه تقديم الوصف بالجملة على الوصف بالمفرد وهو جائز اه وهو كما ترى.
وجملة عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى على هذه القراءة خبر هو مقدرا، والجار والمجرور على كل الاحتمالات متعلق باستوى قدم عليه لمراعاة الفواصل، والْعَرْشِ في اللغة سرير الملك وفي الشرع سرير ذو قوائم له حملة من الملائكة عليهم السّلام فوق السموات مثل القبة، ويدل على أن له قوائم ما
أخرجاه في الصحيحين عن أبي سعيد قال: جاء رجل من اليهود إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم قد لطم وجهه فقال: يا محمد رجل من أصحابك قد لطم وجهي فقال النبي عليه الصلاة والسّلام: ادعوه فقال: لم لطمت وجهه؟ فقال: يا رسول الله إني مررت بالسوق وهو يقول: والذي اصطفى موسى على البشر فقلت: يا خبيث وعلى محمد صلّى الله عليه وسلّم فأخذتني غضبة فلطمته فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: لا تخيروا بين الأنبياء فإن الناس يصعقون وأكون أول من يفيق فإذا أنا بموسى عليه السّلام آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور
، وعلى أن له حملة من الملائكة عليهم السّلام قوله تعالى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ [غافر: ٧].
وما
رواه أبو داود عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله عز وجل من حملة العرش أن ما بين أذنيه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة سنة»
وعلى أنه فوق السموات مثل القبة ما
رواه أبو داود أيضا عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال: أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعرابي فقال: يا رسول الله جهدت الأنفس ونهكت الأموال أو هلكت فاستسق لنا فإنا نستشفع بك إلى الله تعالى ونستشفع بالله تعالى عليك فقال رسول الله
الرَّحْمنُ رفع على المدح أي هو الرحمن.
وجوز ابن عطية أن يكون بدلا من الضمير المستتر في خَلَقَ وتعقبه أبو حيان فقال: أرى أن مثل هذا لا يجوز لأن البدل يحل محل المبدل منه ولا يحل هاهنا لئلا يلزم خلو الصلة من العائد اه، ومنع بعضهم لزوم اطراد الحلول ثم قال: على تسليمه يجوز إقامة الظاهر مقام الضمير العائد كما في قوله:
وأنت الذي في رحمة الله أطمع نعم اعتبار البدلية خلاف الظاهر، وجوز أن يكون مبتدأ واللام للعهد والإشارة إلى الموصول وخبره قوله تعالى عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ويقدر هو ويجعل خبرا عنه على احتمال البدلية، وعلى الاحتمال الأول يجعل خبرا بعد خبر لما قدر أولا على ما في البحر وغيره، وروى جناح بن حبيش عن بعضهم أنه قرأ «الرحمن» بالجر، وخرجه الزمخشري على أنه صفة لمن. وتعقبه أبو حيان بأن مذهب الكوفيين أن الأسماء النواقص التي لا تتم إلا بصلاتها كمن وما لا يجوز نعتها إلا الذي والتي فيجوز نعتهما فعندهم لا يجوز هذا التخريج فالأحسن أن يكون الرَّحْمنُ بدلا من (من) وقد جرى في القرآن مجرى العلم في وقوعه بعد العوامل، وقيل: إن «من» يحتمل أن تكون نكرة موصوفة وجملة خَلَقَ صفتها والرَّحْمنُ صفة بعد صفة وليس ذاك من وصف الأسماء النواقص التي لا تتم إلا بصلاتها غاية ما في الباب أن فيه تقديم الوصف بالجملة على الوصف بالمفرد وهو جائز اه وهو كما ترى.
وجملة عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى على هذه القراءة خبر هو مقدرا، والجار والمجرور على كل الاحتمالات متعلق باستوى قدم عليه لمراعاة الفواصل، والْعَرْشِ في اللغة سرير الملك وفي الشرع سرير ذو قوائم له حملة من الملائكة عليهم السّلام فوق السموات مثل القبة، ويدل على أن له قوائم ما
أخرجاه في الصحيحين عن أبي سعيد قال: جاء رجل من اليهود إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم قد لطم وجهه فقال: يا محمد رجل من أصحابك قد لطم وجهي فقال النبي عليه الصلاة والسّلام: ادعوه فقال: لم لطمت وجهه؟ فقال: يا رسول الله إني مررت بالسوق وهو يقول: والذي اصطفى موسى على البشر فقلت: يا خبيث وعلى محمد صلّى الله عليه وسلّم فأخذتني غضبة فلطمته فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: لا تخيروا بين الأنبياء فإن الناس يصعقون وأكون أول من يفيق فإذا أنا بموسى عليه السّلام آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور
، وعلى أن له حملة من الملائكة عليهم السّلام قوله تعالى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ [غافر: ٧].
وما
رواه أبو داود عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله عز وجل من حملة العرش أن ما بين أذنيه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة سنة»
وعلى أنه فوق السموات مثل القبة ما
رواه أبو داود أيضا عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال: أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعرابي فقال: يا رسول الله جهدت الأنفس ونهكت الأموال أو هلكت فاستسق لنا فإنا نستشفع بك إلى الله تعالى ونستشفع بالله تعالى عليك فقال رسول الله
469
صلّى الله عليه وسلّم: «ويحك أتدري ما تقول؟ وسبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه ثم قال:
ويحك إنه لا يستشفع بالله تعالى على أحد من خلقه شأن الله تعالى أعظم من ذلك ويحك أتدري ما الله إن الله تعالى فوق عرشه وعرشه فوق سمواته لهكذا وقال بأصابعه مثل القبة وأنه ليئط به أطيط الرحل الجديد بالراكب»
ومن شعر أمية ابن أبي الصلت:
وذهب طائفة من أهل الكلام إلى أنه مستدير من جميع الجوانب محيط بالعالم من كل جهة وهو محدد الجهات وربما سموه الفلك الأطلس والفلك التاسع. وتعقبه بعض شراح عقيدة الطحاوي بأنه ليس بصحيح لما ثبت في الشرع من أن له قوائم تحمله الملائكة عليهم السلام، وأيضا
أخرجا في الصحيحين عن جابر أنه قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ»
والفلك التاسع عندهم متحرك دائما بحركة متشابهة، ومن تأول ذلك على أن المراد باهتزازه استبشار حملة العرش وفرحهم فلا بد له من دليل على أن سياق الحديث ولفظه كما نقل عن أبي الحسن الطبري. وغيره بعيد عن ذلك الاحتمال، وأيضا جاء في صحيح مسلم من حديث جويرية بنت الحارث ما يدل على أنه له زنة هي أثقل الأوزان والفلك عندهم لا ثقيل ولا خفيف، وأيضا العرب لا تفهم منه الفلك والقرآن إنما نزل بما يفهمون.
وقصارى ما يدل عليه خبر أبي داود عن جبير بن مطعم التقبيب وهو لا يستلزم الاستدارة منجميع الجوانب كما في الفلك ولا بد لها من دليل منفصل. ثم إن القوم إلى الآن بل إلى أن ينفخ في الصور لا دليل لهم على حصر الأفلاك في تسعة ولا على أن التاسع أطلس لا كوكب فيه وهو غير الكرسي على الصحيح
فقد قال ابن جرير: قال أبو ذر رضي الله تعالى عنه: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض».
وروى ابن أبي شيبة في كتاب صفة العرش. والحاكم في مستدركه وقال: إنه على شرط الشيخين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى، وقد روي مرفوعا
والصواب وقفه على الحبر، وقيل: العرش كناية عن الملك والسلطان. وتعقبه ذلك البعض بأنه تحريف لكلام الله تعالى وكيف يصنع قائل ذلك بقوله تعالى: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ [الحاقة: ١٧] أيقول ويحمل ملكه تعالى يومئذ ثمانية،
وقوله عليه الصلاة والسلام «فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش»
أيقول آخذ بقائمة من قوائم الملك وكلا القولين لا يقولهما من له أدنى ذوق، وكذا يقال: أيقول في
«اهتز عرش الرحمن» الحديث
اهتز ملك الرحمن وسلطانه، وفيما
رواه البخاري. وغيره عن أبي هريرة مرفوعا لما قضى الله تعالى الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش إن رحمتي سبقت غضبي
فهو عنده سبحانه وتعالى فوق الملك والسلطان وهذا كذينك القولين، والاستواء
ويحك إنه لا يستشفع بالله تعالى على أحد من خلقه شأن الله تعالى أعظم من ذلك ويحك أتدري ما الله إن الله تعالى فوق عرشه وعرشه فوق سمواته لهكذا وقال بأصابعه مثل القبة وأنه ليئط به أطيط الرحل الجديد بالراكب»
ومن شعر أمية ابن أبي الصلت:
مجدوا الله فهو للمجد أهل | ربنا في السموات أمسى كبيرا |
بالبناء العالي الذي بهر النا | س وسوى فوق السماء سريرا |
شرجعا (١) لا يناله طرف الع | ين ترى حوله الملائك صورا (٢) |
أخرجا في الصحيحين عن جابر أنه قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ»
والفلك التاسع عندهم متحرك دائما بحركة متشابهة، ومن تأول ذلك على أن المراد باهتزازه استبشار حملة العرش وفرحهم فلا بد له من دليل على أن سياق الحديث ولفظه كما نقل عن أبي الحسن الطبري. وغيره بعيد عن ذلك الاحتمال، وأيضا جاء في صحيح مسلم من حديث جويرية بنت الحارث ما يدل على أنه له زنة هي أثقل الأوزان والفلك عندهم لا ثقيل ولا خفيف، وأيضا العرب لا تفهم منه الفلك والقرآن إنما نزل بما يفهمون.
وقصارى ما يدل عليه خبر أبي داود عن جبير بن مطعم التقبيب وهو لا يستلزم الاستدارة منجميع الجوانب كما في الفلك ولا بد لها من دليل منفصل. ثم إن القوم إلى الآن بل إلى أن ينفخ في الصور لا دليل لهم على حصر الأفلاك في تسعة ولا على أن التاسع أطلس لا كوكب فيه وهو غير الكرسي على الصحيح
فقد قال ابن جرير: قال أبو ذر رضي الله تعالى عنه: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض».
وروى ابن أبي شيبة في كتاب صفة العرش. والحاكم في مستدركه وقال: إنه على شرط الشيخين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى، وقد روي مرفوعا
والصواب وقفه على الحبر، وقيل: العرش كناية عن الملك والسلطان. وتعقبه ذلك البعض بأنه تحريف لكلام الله تعالى وكيف يصنع قائل ذلك بقوله تعالى: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ [الحاقة: ١٧] أيقول ويحمل ملكه تعالى يومئذ ثمانية،
وقوله عليه الصلاة والسلام «فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش»
أيقول آخذ بقائمة من قوائم الملك وكلا القولين لا يقولهما من له أدنى ذوق، وكذا يقال: أيقول في
«اهتز عرش الرحمن» الحديث
اهتز ملك الرحمن وسلطانه، وفيما
رواه البخاري. وغيره عن أبي هريرة مرفوعا لما قضى الله تعالى الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش إن رحمتي سبقت غضبي
فهو عنده سبحانه وتعالى فوق الملك والسلطان وهذا كذينك القولين، والاستواء
(١) أي عاليا اه منه.
(٢) جمع أصور وهو المائل العنق لنظره إلى العلو اه منه.
(٢) جمع أصور وهو المائل العنق لنظره إلى العلو اه منه.
470
على الشيء جاء بمعنى الارتفاع والعلو عليه وبمعنى الاستقرار كما في قوله تعالى وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ [هود:
٤٤] ولِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ [الزخرف: ١٣] وحيث كان ظاهر ذلك مستحيلا عليه تعالى قيل: الاستواء هنا بمعنى الاستيلاء كما في قوله:
قد استوى بشر على العراق وتعقب بأن الاستيلاء معناه حصول الغلبة بعد العجز، وذلك محال في حقه تعالى، وأيضا إنما يقال: استولى فلان على كذا إذا كان له منازع ينازعه وهو في حقه تعالى محال أيضا، وأيضا إنما يقال ذلك إذا كان المستولى عليه موجودا قبل والعرش إنما حدث بتخليقه تعالى وتكوينه سبحانه، وأيضا الاستيلاء واحد بالنسبة إلى كل المخلوقات فلا يبقى لتخصيص العرش بالذكر فائدة.
وأجاب الإمام الرازي بأنه إذا فسر الاستيلاء بالاقتدار زالت هذه المطاعن بالكلية، ولا يخفى حال هذا الجواب على المنصف، وقال الزمخشري: لما كان الاستواء على العرش وهو سرير الملك لا يحصل إلا مع الملك جعلوه كناية عن الملك فقالوا: استوى فلان على العرش يريدون ملك وإن لم يقعد على العرش البتة وإنما عبروا عن حصول الملك بذلك لأنه أشرح وأبسط وأدل على صورة الأمر ونحوه قولك: يد فلان مبسوطة ويد فلان مغلولة بمعنى أنه جواد أو بخيل لا فرق بين العبارتين إلا فيما قلت حتى أن من لم يبسط يده قط بالنوال أو لم تكن له يد رأسا قيل فيه يده مبسوطة لمساواته عندهم قولهم: جواد ومنه قوله تعالى وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ [المائدة: ٦٤] الآية عنوا الوصف بالبخل ورد عليهم بأنه جل جلاله جواد من غير تصور يد ولا غل ولا بسط انتهى، وتعقبه الإمام قائلا: إنا لو فتحنا هذا الباب لانفتحت تأويلات الباطنية فإنهم يقولون أيضا: المراد من قوله تعالى فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ [طه: ١٢] الاستغراق في خدمة الله تعالى من غير تصور نعل، وقوله تعالى يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ [الأنبياء: ٦٩] المراد منه تخليص إبراهيم عليه السلام عن يد ذلك الظالم من غير أن يكون هناك نار وخطاب البتة. وكذا القول في كل ما ورد في كتاب الله تعالى بل القانون أنه يجب حمل كل لفظ ورد في القرآن على حقيقته إلا إذا قامت دلالة عقلية قطعية توجب الانصراف عنه، وليت من لم يعرف شيئا لم يخض فيه انتهى، ولا يخفى عليك أنه لا يلزم من فتح الباب في هذه الآية انفتاح تأويلات الباطنية فيما ذكر من الآيات إذ لا داعي لها هناك والداعي للتأويل بما ذكره الزمخشري قوي عنده، ولعله الفرار من لزوم المحال مع رعاية جزالة المعنى فإن ما اختاره أجزل من معنى الاستيلاء سواء كان معنى حقيقيا للاستواء كما هو ظاهر كلام الصحاح والقاموس وغيرهما أو مجازيا كما هو ظاهر جعلهم الحمل عليه تأويلا، واستدل الإمام على بطلان إرادة المعنى الظاهر بوجوه. الأول أنه سبحانه وتعالى كان ولا عرش ولما خلق الخلق لم يحتج إلى ما كان غنيا عنه. الثاني أن المستقر على العرش لا بد وأن يكون الجزء الحاصل منه في يمين العرش غير الجزء الحاصل منه في يساره فيكون سبحانه وتعلى في نفسه مؤلفا وهو محال في حقه تعالى للزوم الحدوث. الثالث أن المستقر على العرش إما أن يكون متمكنا من الانتقال والحركة ويلزم حينئذ أن يكون سبحانه وتعالى محل الحركة والسكون وهو قول بالحدوث أو لا يكون متمكنا من ذلك فيكون جل وعلا كالزمن بل أسوأ حالا منه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. الرابع أنه إن قيل بتخصيصه سبحانه وتعالى بهذا المان وهو العرش احتيج إلى مخصص وهو افتقار ينزه الله تعالى عنه، وإن قيل بأنه عز وجل يحصل بكل مكان لزم ما لا يقوله عاقل. الخامس أن قوله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: ١١] عام في نفي المماثلة فلو كان جالسا لحصل من يماثله في الجلوس فحينئذ تبطل الآية.
السادس أنه تعالى لو كان مستقرا على العرش لكان محمولا للملائكة لقوله تعالى وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ
٤٤] ولِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ [الزخرف: ١٣] وحيث كان ظاهر ذلك مستحيلا عليه تعالى قيل: الاستواء هنا بمعنى الاستيلاء كما في قوله:
قد استوى بشر على العراق وتعقب بأن الاستيلاء معناه حصول الغلبة بعد العجز، وذلك محال في حقه تعالى، وأيضا إنما يقال: استولى فلان على كذا إذا كان له منازع ينازعه وهو في حقه تعالى محال أيضا، وأيضا إنما يقال ذلك إذا كان المستولى عليه موجودا قبل والعرش إنما حدث بتخليقه تعالى وتكوينه سبحانه، وأيضا الاستيلاء واحد بالنسبة إلى كل المخلوقات فلا يبقى لتخصيص العرش بالذكر فائدة.
وأجاب الإمام الرازي بأنه إذا فسر الاستيلاء بالاقتدار زالت هذه المطاعن بالكلية، ولا يخفى حال هذا الجواب على المنصف، وقال الزمخشري: لما كان الاستواء على العرش وهو سرير الملك لا يحصل إلا مع الملك جعلوه كناية عن الملك فقالوا: استوى فلان على العرش يريدون ملك وإن لم يقعد على العرش البتة وإنما عبروا عن حصول الملك بذلك لأنه أشرح وأبسط وأدل على صورة الأمر ونحوه قولك: يد فلان مبسوطة ويد فلان مغلولة بمعنى أنه جواد أو بخيل لا فرق بين العبارتين إلا فيما قلت حتى أن من لم يبسط يده قط بالنوال أو لم تكن له يد رأسا قيل فيه يده مبسوطة لمساواته عندهم قولهم: جواد ومنه قوله تعالى وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ [المائدة: ٦٤] الآية عنوا الوصف بالبخل ورد عليهم بأنه جل جلاله جواد من غير تصور يد ولا غل ولا بسط انتهى، وتعقبه الإمام قائلا: إنا لو فتحنا هذا الباب لانفتحت تأويلات الباطنية فإنهم يقولون أيضا: المراد من قوله تعالى فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ [طه: ١٢] الاستغراق في خدمة الله تعالى من غير تصور نعل، وقوله تعالى يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ [الأنبياء: ٦٩] المراد منه تخليص إبراهيم عليه السلام عن يد ذلك الظالم من غير أن يكون هناك نار وخطاب البتة. وكذا القول في كل ما ورد في كتاب الله تعالى بل القانون أنه يجب حمل كل لفظ ورد في القرآن على حقيقته إلا إذا قامت دلالة عقلية قطعية توجب الانصراف عنه، وليت من لم يعرف شيئا لم يخض فيه انتهى، ولا يخفى عليك أنه لا يلزم من فتح الباب في هذه الآية انفتاح تأويلات الباطنية فيما ذكر من الآيات إذ لا داعي لها هناك والداعي للتأويل بما ذكره الزمخشري قوي عنده، ولعله الفرار من لزوم المحال مع رعاية جزالة المعنى فإن ما اختاره أجزل من معنى الاستيلاء سواء كان معنى حقيقيا للاستواء كما هو ظاهر كلام الصحاح والقاموس وغيرهما أو مجازيا كما هو ظاهر جعلهم الحمل عليه تأويلا، واستدل الإمام على بطلان إرادة المعنى الظاهر بوجوه. الأول أنه سبحانه وتعالى كان ولا عرش ولما خلق الخلق لم يحتج إلى ما كان غنيا عنه. الثاني أن المستقر على العرش لا بد وأن يكون الجزء الحاصل منه في يمين العرش غير الجزء الحاصل منه في يساره فيكون سبحانه وتعلى في نفسه مؤلفا وهو محال في حقه تعالى للزوم الحدوث. الثالث أن المستقر على العرش إما أن يكون متمكنا من الانتقال والحركة ويلزم حينئذ أن يكون سبحانه وتعالى محل الحركة والسكون وهو قول بالحدوث أو لا يكون متمكنا من ذلك فيكون جل وعلا كالزمن بل أسوأ حالا منه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. الرابع أنه إن قيل بتخصيصه سبحانه وتعالى بهذا المان وهو العرش احتيج إلى مخصص وهو افتقار ينزه الله تعالى عنه، وإن قيل بأنه عز وجل يحصل بكل مكان لزم ما لا يقوله عاقل. الخامس أن قوله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: ١١] عام في نفي المماثلة فلو كان جالسا لحصل من يماثله في الجلوس فحينئذ تبطل الآية.
السادس أنه تعالى لو كان مستقرا على العرش لكان محمولا للملائكة لقوله تعالى وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ
471
ثَمانِيَةٌ
[الحاقة: ١٧] وحامل حامل الشيء حامل لذلك الشيء وكيف يحمل المخلوق خالقه. السابع أنه لو كان المستقر في المكان إلها ينسد باب القدح في إلهية الشمس والقمر الثامن أن العالم كرة فالجهة التي هي فوق بالنسبة إلى قوم هي تحت بالنسبة إلى آخرين وبالعكس فيلزم من إثبات جهة الفوق للمعبود سبحانه إثبات الجهة المقابلة لها أيضا بالنسبة إلى بعض، وباتفاق العقلاء لا يجوز أن يقال: المعبود تحت.
التاسع أن الأمة أجمعت على أن قوله تعالى قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: ١] من المحكمات وعلى فرض الاستقرار على العرش يلزم التركيب والانقسام فلا يكون سبحانه وتعالى أحدا في الحقيقة فيبطل ذلك المحكم.
العاشر أن الخليل عليه السلام قال لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ [الأنعام: ٧٦] فلو كان تعالى مستقرا على العرش لكان جسما آفلا أبدا فيندرج تحت عموم هذا القول انتهى. ثم إنه عفا الله تعالى عنه ضعف القول بأنا نقطع بأنه ليس مراد الله تعالى ما يشعر به الظاهر بل مراده سبحانه شيء آخر ولكن لا نعين ذلك المراد خوفا من الخطا بأنه عز وجل لما خاطبنا بلسان العرب وجب أن لا نريد باللفظ إلا موضوعه في لسانهم وإذا كان لا معنى للاستواء في لسانهم إلا الاستقرار والاستيلاء وقد تعذر حمله على الاستقرار فوجب حمله على الاستيلاء وإلا لزم تعطيل اللفظ وأنه غير جائز.
وإلى نحو هذا ذهب الشيخ عز الدين بن عبد السلام فقال في بعض فتاويه: طريقة التأويل بشرطه وهو قرب التأويل أقرب إلى الحق لأن الله تعالى إنما خاطب العرب بما يعرفونه وقد نصب الأدلة على مراده من آيات كتابه لأنه سبحانه قال ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ [القيامة: ١٩] ولِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل: ٤٤] وهذا عام في جميع آيات القرآن فمن وقف على الدليل أفهمه الله تعالى مراده من كتابه وهو أكمل ممن لم يقف على ذلك إذ لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون وفيه توسط في المسألة.
وقد توسط ابن الهمام في المسايرة وقد بلغ رتبة الاجتهاد كما قال عصرينا ابن عابدين الشامي في رد المختار حاشية الدر المحتار توسطا أخص من هذا التوسط فذكر ما حاصله وجوب الإيمان بأنه تعالى استوى على العرش مع نفي التشبيه وأما كون المراد استولى فأمر جائز الإرادة لا واجبها إذ لا دليل عليه وإذا خيف على العامة عدم فهم الاستواء إذا لم يكن بمعنى الاستيلاء إلا بالاتصال ونحوه من لوازم الجسمية فلا بأس بصرف فهمهم إلى الاستيلاء فإنه قد ثبت إطلاقه عليه لغة في قوله:
وقوله قد استوى بشر البيت المشهور. وعلى نحو ما ذكر كل ما ورد مما ظاهره الجسمية في الشاهد كالإصبع والقدم واليد. ومخلص ذلك التوسط في القريب بين أن تدعو الحاجة إليه لخلل في فهم العوام وبين أن لا تدعو لذلك.
ونقل أحمد زروق عن أبي حامد أنه قال: لا خلاف في وجوب التأويل عند تعيين شبهة لا ترتفع إلا به. وأنت تعلم أن طريقة كثير من العلماء الأعلام وأساطين الإسلام الإمساك عن التأويل مطلقا مع نفي التشبيه والتجسيم منهم الإمام أبو حنيفة والإمام مالك والإمام أحمد والإمام الشافعي ومحمد بن الحسن وسعد بن معاذ المروزي وعبد الله بن المبارك وأب معاذ خالد بن سليمان صاحب سفيان الثوري وإسحاق بن راهويه ومحمد بن إسماعيل البخاري والترمذي وأبو داود السجستاني.
ونقل القاضي أبو العلاء صاعد بن محمد في كتاب الاعتقاد عن أبي يوسف عن الإمام أبي حنيفة أنه قال: لا ينبغي لأحد أن ينطق في الله تعالى بشيء من ذاته ولكن يصفه بما وصف سبحانه به نفسه ولا يقول فيه برأيه شيئا تبارك الله تعالى رب العالمين.
[الحاقة: ١٧] وحامل حامل الشيء حامل لذلك الشيء وكيف يحمل المخلوق خالقه. السابع أنه لو كان المستقر في المكان إلها ينسد باب القدح في إلهية الشمس والقمر الثامن أن العالم كرة فالجهة التي هي فوق بالنسبة إلى قوم هي تحت بالنسبة إلى آخرين وبالعكس فيلزم من إثبات جهة الفوق للمعبود سبحانه إثبات الجهة المقابلة لها أيضا بالنسبة إلى بعض، وباتفاق العقلاء لا يجوز أن يقال: المعبود تحت.
التاسع أن الأمة أجمعت على أن قوله تعالى قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: ١] من المحكمات وعلى فرض الاستقرار على العرش يلزم التركيب والانقسام فلا يكون سبحانه وتعالى أحدا في الحقيقة فيبطل ذلك المحكم.
العاشر أن الخليل عليه السلام قال لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ [الأنعام: ٧٦] فلو كان تعالى مستقرا على العرش لكان جسما آفلا أبدا فيندرج تحت عموم هذا القول انتهى. ثم إنه عفا الله تعالى عنه ضعف القول بأنا نقطع بأنه ليس مراد الله تعالى ما يشعر به الظاهر بل مراده سبحانه شيء آخر ولكن لا نعين ذلك المراد خوفا من الخطا بأنه عز وجل لما خاطبنا بلسان العرب وجب أن لا نريد باللفظ إلا موضوعه في لسانهم وإذا كان لا معنى للاستواء في لسانهم إلا الاستقرار والاستيلاء وقد تعذر حمله على الاستقرار فوجب حمله على الاستيلاء وإلا لزم تعطيل اللفظ وأنه غير جائز.
وإلى نحو هذا ذهب الشيخ عز الدين بن عبد السلام فقال في بعض فتاويه: طريقة التأويل بشرطه وهو قرب التأويل أقرب إلى الحق لأن الله تعالى إنما خاطب العرب بما يعرفونه وقد نصب الأدلة على مراده من آيات كتابه لأنه سبحانه قال ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ [القيامة: ١٩] ولِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل: ٤٤] وهذا عام في جميع آيات القرآن فمن وقف على الدليل أفهمه الله تعالى مراده من كتابه وهو أكمل ممن لم يقف على ذلك إذ لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون وفيه توسط في المسألة.
وقد توسط ابن الهمام في المسايرة وقد بلغ رتبة الاجتهاد كما قال عصرينا ابن عابدين الشامي في رد المختار حاشية الدر المحتار توسطا أخص من هذا التوسط فذكر ما حاصله وجوب الإيمان بأنه تعالى استوى على العرش مع نفي التشبيه وأما كون المراد استولى فأمر جائز الإرادة لا واجبها إذ لا دليل عليه وإذا خيف على العامة عدم فهم الاستواء إذا لم يكن بمعنى الاستيلاء إلا بالاتصال ونحوه من لوازم الجسمية فلا بأس بصرف فهمهم إلى الاستيلاء فإنه قد ثبت إطلاقه عليه لغة في قوله:
فلما علونا واستوينا عليهم | جعلناهم مرعى لنسر وطائر |
ونقل أحمد زروق عن أبي حامد أنه قال: لا خلاف في وجوب التأويل عند تعيين شبهة لا ترتفع إلا به. وأنت تعلم أن طريقة كثير من العلماء الأعلام وأساطين الإسلام الإمساك عن التأويل مطلقا مع نفي التشبيه والتجسيم منهم الإمام أبو حنيفة والإمام مالك والإمام أحمد والإمام الشافعي ومحمد بن الحسن وسعد بن معاذ المروزي وعبد الله بن المبارك وأب معاذ خالد بن سليمان صاحب سفيان الثوري وإسحاق بن راهويه ومحمد بن إسماعيل البخاري والترمذي وأبو داود السجستاني.
ونقل القاضي أبو العلاء صاعد بن محمد في كتاب الاعتقاد عن أبي يوسف عن الإمام أبي حنيفة أنه قال: لا ينبغي لأحد أن ينطق في الله تعالى بشيء من ذاته ولكن يصفه بما وصف سبحانه به نفسه ولا يقول فيه برأيه شيئا تبارك الله تعالى رب العالمين.
472
وأخرج ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت الشافعي يقول لله تعالى أسماء وصفات لا يسع أحدا ردها ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه كفر، وأما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا الرؤية والفكر فنثبت هذه الصفات وننفي عنها التشبيه كما نفى سبحانه عن نفسه فقال لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: ١١]، وذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري أنه قد اتفق على ذلك أهل القرون الثلاثة وهم خير القرون بشهادة صاحب الشريعة صلّى الله عليه وسلّم، وكلام إمام الحرمين في الإرشاد يميل إلى طريقة التأويل وكلامه في الرسالة النظامية مصرح باختياره طريقة التفويض حيث قال فيها: والذي نرتضيه رأيا وندين به عقدا اتباع سلف الأمة فالأولى الاتباع وترك الابتداع، والدليل السمعي القاطع في ذلك إجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم فإنهم درجوا على ترك التعرض لمعاني المتشابهات مع أنهم كانوا لا يألون جهدا في ضبط قواعد الملة والتواصي بحفظها وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها فلو كان تأويل هذه الظواهر مسنونا أو محتوما لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق الاهتمام بفروع الشريعة وقد اختاره أيضا الإمام أبو الحسن الأشعري في كتابه الذي صنفه في اختلاف المضلين ومقالات الإسلاميين، وفي كتابه الإبانة في أصول الديانة وهو آخر مصنفاته فيما، قيل: وقال البيضاوي في الطوالع: والأولى اتباع السلف في الإيمان بهذه الأشياء- يعني المتشابهات- ورد العلم إلى الله تعالى بعد نفي ما يقتضي التشبيه والتجسيم عنه تعالى انتهى.
وعلى ذلك جرى محققو الصوفية فقد نقل عن جمع منهم أنهم قالوا: إن الناس ما احتاجوا إلى تأويل الصفات إلا من ذهولهم عن اعتقاد أن حقيقته تعالى مخالفة لسائر الحقائق وإذا كانت مخالفة فلا يصح في آيات الصفات قط تشبيه إذ التشبيه لا يكون إلا مع موافقة حقيقته تعالى لحقائق خلقه وذلك محال.
وعن الشعراني أن من احتاج إلى التأويل فقد جهل أولا وآخرا أما أولا فبتعقله صفة التشبيه في جانب الحق وذلك محال، وأما آخرا فلتأويله ما أنزل الله تعالى على وجه لعله لا يكون مراد الحق سبحانه وتعالى.
وفي الدرر المنثورة له أن المؤول انتقل عن شرح الاستواء الجثماني على العرش المكاني بالتنزيه عنه إلى التشبيه بالأمر السلطاني الحادث وهو الاستيلاء على المكان فهو انتقال عن التشبيه بمحدث ما إلى التشبيه بمحدث آخر فما بلغ عقله في التنزيه مبلغ الشرع فيه في قوله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ألا ترى أنه استشهد في التنزيه العقلي في الاستواء بقول الشاعر: قد استوى البيت وأين استواء بشر على العراق من استواء الحق سبحانه وتعالى على العرش فالصواب أن يلزم العبد الأدب مع مولاه ويكل معنى كلامه إليه عز وجل.
ونقل الشيخ إبراهيم الكوراني في تنبيه العقول عن الشيخ الأكبر قدس سره أنه قال في الفتوحات أثناء كلام طويل عجب فيه من الأشاعرة والمجسمة: الاستواء حقيقة معقولة معنوية تنسب إلى كل ذات بحسب ما تعطيه حقيقة تلك الذات ولا حاجة لنا إلى التكلف في صرف الاستواء عن ظاهره، والفقير قد رأى في الفتوحات ضمن كلام طويل أيضا في الباب الثالث منها ما نصه ما ضل من ضل من المشبهة إلا بالتأويل وحمل ما وردت به الآيات والأخبار على ما يسبق منها إلى الفهم من غير نظر فيما يجب لله تعالى من التنزيه فقادهم ذلك إلى الجهل المحض والكفر الصراح ولو طلبوا السلامة وتركوا الأخبار والآيات على ما جاءت من غير عدول منهم فيها إلى شيء البتة ويكلون علم ذلك إلى الله تعالى ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم ويقولون: لا ندري كان يكفيهم قول الله سبحانه وتعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ثم ذكر بعد في الكلام على
قوله صلّى الله عليه وسلّم: الذي رواه مسلم: إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف شاء
التخيير بين التفويض لكن بشرط نفي الجارحة ولا بد وتبيين ما في ذلك اللفظ من وجوه التنزيه، وذكر أن
وعلى ذلك جرى محققو الصوفية فقد نقل عن جمع منهم أنهم قالوا: إن الناس ما احتاجوا إلى تأويل الصفات إلا من ذهولهم عن اعتقاد أن حقيقته تعالى مخالفة لسائر الحقائق وإذا كانت مخالفة فلا يصح في آيات الصفات قط تشبيه إذ التشبيه لا يكون إلا مع موافقة حقيقته تعالى لحقائق خلقه وذلك محال.
وعن الشعراني أن من احتاج إلى التأويل فقد جهل أولا وآخرا أما أولا فبتعقله صفة التشبيه في جانب الحق وذلك محال، وأما آخرا فلتأويله ما أنزل الله تعالى على وجه لعله لا يكون مراد الحق سبحانه وتعالى.
وفي الدرر المنثورة له أن المؤول انتقل عن شرح الاستواء الجثماني على العرش المكاني بالتنزيه عنه إلى التشبيه بالأمر السلطاني الحادث وهو الاستيلاء على المكان فهو انتقال عن التشبيه بمحدث ما إلى التشبيه بمحدث آخر فما بلغ عقله في التنزيه مبلغ الشرع فيه في قوله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ألا ترى أنه استشهد في التنزيه العقلي في الاستواء بقول الشاعر: قد استوى البيت وأين استواء بشر على العراق من استواء الحق سبحانه وتعالى على العرش فالصواب أن يلزم العبد الأدب مع مولاه ويكل معنى كلامه إليه عز وجل.
ونقل الشيخ إبراهيم الكوراني في تنبيه العقول عن الشيخ الأكبر قدس سره أنه قال في الفتوحات أثناء كلام طويل عجب فيه من الأشاعرة والمجسمة: الاستواء حقيقة معقولة معنوية تنسب إلى كل ذات بحسب ما تعطيه حقيقة تلك الذات ولا حاجة لنا إلى التكلف في صرف الاستواء عن ظاهره، والفقير قد رأى في الفتوحات ضمن كلام طويل أيضا في الباب الثالث منها ما نصه ما ضل من ضل من المشبهة إلا بالتأويل وحمل ما وردت به الآيات والأخبار على ما يسبق منها إلى الفهم من غير نظر فيما يجب لله تعالى من التنزيه فقادهم ذلك إلى الجهل المحض والكفر الصراح ولو طلبوا السلامة وتركوا الأخبار والآيات على ما جاءت من غير عدول منهم فيها إلى شيء البتة ويكلون علم ذلك إلى الله تعالى ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم ويقولون: لا ندري كان يكفيهم قول الله سبحانه وتعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ثم ذكر بعد في الكلام على
قوله صلّى الله عليه وسلّم: الذي رواه مسلم: إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف شاء
التخيير بين التفويض لكن بشرط نفي الجارحة ولا بد وتبيين ما في ذلك اللفظ من وجوه التنزيه، وذكر أن
473
هذا واجب على العالم عند تعينه في الرد على بدعي مجسم مشبه، وقال أيضا فيما رواه عنه تلميذه المحقق إسماعيل ابن سود كين في شرح التجليات: ولا يجوز للعبد أن يتأول ما جاء من أخبار السمع لكونها لا تطابق دليله العقلي كأخبار النزول وغيره لأنه لو خرج الخطاب عما وضع له لما كان به فائدة وقد علمنا أنه عليه الصلاة والسلام أرسل ليبين للناس ما أنزل إليهم ثم رأيناه صلّى الله عليه وسلّم مع فصاحته وسعة علمه وكشفه لم يقل لنا إنه تنزل رحمته تعالى ومن قال تنزل رحمته فقد حمل الخطاب على الأدلة العقلية والحق ذاته مجهولة فلا يصح الحكم عليه بوصف مقيد معنى، والعرب تفهم نسبة النزول مطلقا فلا تقيده بحكم دون حكم، وحيث تقرر عندها أنه سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء يحصل لها المعنى مطلقا منزها وربما يقال لك هذا يحيله العقل فقل الشأن هذا إذا صح أن يكون الحق من مدركات العقول فإنه حينئذ تمضي عليه سبحانه وتعالى أحكامها انتهى، وقال تلميذه الشيخ صدر الدين القونوي في مفتاح الغيب بعد بسط كلام في قاعدة جليلة الشأن حاصلها أن التغاير بين الذوات يستدعي التغاير في نسبة الأوصاف إليها ما نصه:
وهذه قاعدة من عرفها أو كشف له عن سرها عرف سر الآيات والأخبار التي توهم التشبيه عند أهل العقول الضعيفة واطلع على المراد منها فيسلم من ورطتي التأويل والتشبيه وعاين الأمر كما ذكر مع كمال التنزيه انتهى، وخلاصة الكلام في هذا المقام أنه قد ورد في الكتاب العزيز والأحاديث الصحيحة ألفاظ توهم التشبيه والتجسيم وما لا يليق بالله تعالى الجليل العظيم فتشبث المجسمة والمشبهة بما توهمه فضلوا وأضلوا ونكبوا عن سواء السبيل وعدلوا وذهب جمع إلى أنهم هالكون وبربهم كافرون، وذهب آخرون إلى أنهم مبتدعون وفصل بعض فقال: هم كفرة إن قالوا: هو سبحانه وتعالى جسم كسائر الأجسام ومبتدعة إن قالوا: جسم لا كالأجسام وعصم الله تعالى أهل الحق مما ذهبوا إليه وعولوا في عقائدهم عليه فأثبتت طائفة منهم ما ورد كما ورد مع كمال التنزيه المبرأ عن التجسيم والتشبيه فحقيقة الاستواء مثلا المنسوب إليه تعالى شأنه لا يلزمها ما يلزم في الشاهد فهو جل وعلا مستو على العرش مع غناه سبحانه وتعالى عنه وحمله بقدرته للعرش وحملته وعدم مماسة له أو انفصال مسافي بينه تعالى وبينه ومتى صح للمتكلمين أن يقولوا: إنه تعالى ليس عين العالم ولا داخلا فيه ولا خارجا عنه مع أن البداهة تكاد تقضي ببطلان ذلك بين شيء وشيء صح لهؤلاء الطائفة أن يقولوا ذلك في استوائه تعالى الثابت بالكتاب والسنة. فالله سبحانه وصفاته وراء طور العقل فلا يقبل حكمه إلا فيما كان في طور الفكر فإن القوة المفكرة شأنها التصرف فيما في الخيال والحافظة من صور المحسوسات والمعاني الجزئية ومن ترتيبها على القانون يحصل للعقل علم آخر بينه وبين هذه الأشياء مناسبة وحيث لا مناسبة بين ذات الحق جل وعلا وبين شيء لا يستنتج من المقدمات التي يرتبها العقل معرفة الحقيقة فأكف الكيف مشلولة وأعناق التطاول إلى معرفة الحقيقة مغلولة وأقدام السعي إلى التشبيه مكبلة وأعين الأبصار والبصائر عن الإدراك والإحاطة مسملة:
وقد أخرج اللالكائي في كتاب السنة من طريق الحسن عن أمه عن أم سلمة أنها قالت: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإقرار به إيمان والجحود به كفر، ومن طريق ربيعة بن عبد الرحمن أنه سئل كيف استوى على العرش فقال: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول وعلى الله تعالى إرساله وعلى رسوله البلاغ وعلينا التسليم، ومتى قالوا بنفي اللوازم بالكلية اندفع عنهم ما تقدم من الاعتراضات وحفظوا عن سائر الآفات وهذه الطائفة قيل هم السلف الصالح، وقيل: إن السلف بعد نفي ما يتوهم من التشبيه يقولون: لا ندري ما معنى ذلك والله تعالى أعلم بمراده.
واعترض بأن الآيات والأخبار المشتملة على نحو ذلك كثيرة جدا ويبعد غاية البعد أن يخاطب الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم
وهذه قاعدة من عرفها أو كشف له عن سرها عرف سر الآيات والأخبار التي توهم التشبيه عند أهل العقول الضعيفة واطلع على المراد منها فيسلم من ورطتي التأويل والتشبيه وعاين الأمر كما ذكر مع كمال التنزيه انتهى، وخلاصة الكلام في هذا المقام أنه قد ورد في الكتاب العزيز والأحاديث الصحيحة ألفاظ توهم التشبيه والتجسيم وما لا يليق بالله تعالى الجليل العظيم فتشبث المجسمة والمشبهة بما توهمه فضلوا وأضلوا ونكبوا عن سواء السبيل وعدلوا وذهب جمع إلى أنهم هالكون وبربهم كافرون، وذهب آخرون إلى أنهم مبتدعون وفصل بعض فقال: هم كفرة إن قالوا: هو سبحانه وتعالى جسم كسائر الأجسام ومبتدعة إن قالوا: جسم لا كالأجسام وعصم الله تعالى أهل الحق مما ذهبوا إليه وعولوا في عقائدهم عليه فأثبتت طائفة منهم ما ورد كما ورد مع كمال التنزيه المبرأ عن التجسيم والتشبيه فحقيقة الاستواء مثلا المنسوب إليه تعالى شأنه لا يلزمها ما يلزم في الشاهد فهو جل وعلا مستو على العرش مع غناه سبحانه وتعالى عنه وحمله بقدرته للعرش وحملته وعدم مماسة له أو انفصال مسافي بينه تعالى وبينه ومتى صح للمتكلمين أن يقولوا: إنه تعالى ليس عين العالم ولا داخلا فيه ولا خارجا عنه مع أن البداهة تكاد تقضي ببطلان ذلك بين شيء وشيء صح لهؤلاء الطائفة أن يقولوا ذلك في استوائه تعالى الثابت بالكتاب والسنة. فالله سبحانه وصفاته وراء طور العقل فلا يقبل حكمه إلا فيما كان في طور الفكر فإن القوة المفكرة شأنها التصرف فيما في الخيال والحافظة من صور المحسوسات والمعاني الجزئية ومن ترتيبها على القانون يحصل للعقل علم آخر بينه وبين هذه الأشياء مناسبة وحيث لا مناسبة بين ذات الحق جل وعلا وبين شيء لا يستنتج من المقدمات التي يرتبها العقل معرفة الحقيقة فأكف الكيف مشلولة وأعناق التطاول إلى معرفة الحقيقة مغلولة وأقدام السعي إلى التشبيه مكبلة وأعين الأبصار والبصائر عن الإدراك والإحاطة مسملة:
مرام شط مرمى العقل فيه | ودون مداه بيد لا تبيد |
واعترض بأن الآيات والأخبار المشتملة على نحو ذلك كثيرة جدا ويبعد غاية البعد أن يخاطب الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم
474
العباد فيما يرجع إلى الاعتقاد بما لا يدري معناه، وأيضا قد ورد في الأخبار ما يدل على فهم المخاطب المعنى من مثل ذلك،
فقد أخرج أبو نعيم عن الطبراني قال: حدثنا عياش بن تميم حدثنا يحيى بن أيوب المقابري حدثنا سلم بن سالم حدثنا خارجة بن مصعب عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: «سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إن الله تعالى يضحك من يأس عباده وقنوطهم وقرب الرحمة منهم» فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أو يضحك ربنا؟ قال: نعم والذي نفسي بيده إنه ليضحك
قلت: فلا يعدمنا خيرا إذا ضحك فإنها رضي الله تعالى عنها لو لم تفهم من ضحكه تعالى معنى لم تقل ما قالت.
وقد صح عن بعض السلف أنهم فسروا، ففي صحيح البخاري قال مجاهد: استوى على العرش علا على العرش وقال أبو العالية: استوى على العرش ارتفع، وقيل: إن السلف قسمان قسم منهم بعد أن نفوا التشبيه عينوا المعنى الظاهر، المعرى عن اللوازم وقسم رأوا صحة تعيين ذلك وصحة تعيين معنى آخر لا يستحيل عليه تعالى كما فعل بعض الخلف فراعوا الأدب واحتاطوا في صفات الرب فقالوا: لا ندري ما معنى ذلك أي المعنى المراد له عز وجل والله تعالى أعلم بمراده.
وذهبت طائفة من المنزهين عن التشبيه والتجسيم إلى أنه ليس المراد الظواهر مع نفي اللوازم بل المراد معنى معين هو كذا وكثيرا ما يكون ذلك معنى مجازيا وقد يكون معنى حقيقيا للفظ وهؤلاء جماعة من الخلف وقد يتفق لهم تفويض المراد إليه جل وعلا أيضا وذلك إذا تعددت المعاني المجازية أو الحقيقة التي لا يتوهم منها محذور ولم يقم عندهم قرينة ترجح واحدا منها فيقولون: يحتمل اللفظ كذا وكذا والله تعالى أعلم بمراده من ذلك. ومذهب الصوفية على ما ذكره الشيخ إبراهيم الكوراني وغيره إجراء المتشابهات على ظواهرها مع نفي اللوازم والتنزيه بليس كمثله شيء كمذهب السلف الأول وقولهم بالتجلي في المظاهر على هذا النحو، وكلام الشيخ الأكبر قدس سره في هذا المقام مضطرب كما يشهد بذلك ما سمعت نقله عنه أولا مع ما ذكره في الفصل الثاني من الباب الثاني من الفتوحات فإنه قال في عد الطوائف المنزهة: وطائفة من المنزهة أيضا وهي العالية وهم أصحابنا فرغوا قلوبهم من الفكر والنظر وأخلوها وقالوا: حصل في نفوسنا من تعظيم الله تعالى الحق جل جلاله بحيث لا نقدر أن نصل إلى معرفة ما جاءنا من عنده بدقيق فكر ونظر فأشبهوا في هذا العقد المحدثين السالمة عقائدهم حيث لم ينظروا ولم يؤولوا بل قالوا: ما فهمنا فقال أصحابنا بقولهم ثم انتقلوا عن مرتبة هؤلاء بأن قالوا: لنا أن نسلك طريقة أخرى في فهم هذه الكلمات وذلك بأن نفرغ قلوبنا من النظر الفكري ونجلس مع الحق تعالى بالذكر على بساط الأدب والمراقبة والحضور والتهيؤ لقبول ما يرد منه تعالى حتى يكون الحق سبحانه وتعالى متولي تعليمنا بالكشف والتحقق لما سمعوه تعالى يقول وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة: ٢٨٢] وإِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً [الأنفال: ٢٩] قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه: ١١٤] عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً [الكهف: ٦٥] فعند ما توجهت قلوبهم وهممهم إلى الله عز وجل ولجأت إليه سبحانه وتعالى وألقت عنها ما استمسك به الغير من دعوى البحث والنظر ونتائج العقول كانت عقولهم سليمة وقلوبهم مطهرة فارغة فعند ما كان منهم هذا الاستعداد تجلى لهم الحق عيانا معلما فاطلعتهم تلك المشاهدة على معاني تلك الكلمات دفعة واحدة فعرفوا المعنى التنزيهي الذي سيقت له ويختلف ذلك بحسب اختلاف مقامات إيرادها وهذا حال طائفة منا وحال طائفة أخرى منا أيضا ليس لهم هذا التجلي لكن لهم الإلقاء والإلهام واللقاء والكتاب وهم معصومون فيما يلقى إليهم بعلامات عندهم لا يعرفها سواهم فيخبرون بما خوطبوا به وبما ألهموا وما ألقي إليهم أو كتب اه المراد منه.
فقد أخرج أبو نعيم عن الطبراني قال: حدثنا عياش بن تميم حدثنا يحيى بن أيوب المقابري حدثنا سلم بن سالم حدثنا خارجة بن مصعب عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: «سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إن الله تعالى يضحك من يأس عباده وقنوطهم وقرب الرحمة منهم» فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أو يضحك ربنا؟ قال: نعم والذي نفسي بيده إنه ليضحك
قلت: فلا يعدمنا خيرا إذا ضحك فإنها رضي الله تعالى عنها لو لم تفهم من ضحكه تعالى معنى لم تقل ما قالت.
وقد صح عن بعض السلف أنهم فسروا، ففي صحيح البخاري قال مجاهد: استوى على العرش علا على العرش وقال أبو العالية: استوى على العرش ارتفع، وقيل: إن السلف قسمان قسم منهم بعد أن نفوا التشبيه عينوا المعنى الظاهر، المعرى عن اللوازم وقسم رأوا صحة تعيين ذلك وصحة تعيين معنى آخر لا يستحيل عليه تعالى كما فعل بعض الخلف فراعوا الأدب واحتاطوا في صفات الرب فقالوا: لا ندري ما معنى ذلك أي المعنى المراد له عز وجل والله تعالى أعلم بمراده.
وذهبت طائفة من المنزهين عن التشبيه والتجسيم إلى أنه ليس المراد الظواهر مع نفي اللوازم بل المراد معنى معين هو كذا وكثيرا ما يكون ذلك معنى مجازيا وقد يكون معنى حقيقيا للفظ وهؤلاء جماعة من الخلف وقد يتفق لهم تفويض المراد إليه جل وعلا أيضا وذلك إذا تعددت المعاني المجازية أو الحقيقة التي لا يتوهم منها محذور ولم يقم عندهم قرينة ترجح واحدا منها فيقولون: يحتمل اللفظ كذا وكذا والله تعالى أعلم بمراده من ذلك. ومذهب الصوفية على ما ذكره الشيخ إبراهيم الكوراني وغيره إجراء المتشابهات على ظواهرها مع نفي اللوازم والتنزيه بليس كمثله شيء كمذهب السلف الأول وقولهم بالتجلي في المظاهر على هذا النحو، وكلام الشيخ الأكبر قدس سره في هذا المقام مضطرب كما يشهد بذلك ما سمعت نقله عنه أولا مع ما ذكره في الفصل الثاني من الباب الثاني من الفتوحات فإنه قال في عد الطوائف المنزهة: وطائفة من المنزهة أيضا وهي العالية وهم أصحابنا فرغوا قلوبهم من الفكر والنظر وأخلوها وقالوا: حصل في نفوسنا من تعظيم الله تعالى الحق جل جلاله بحيث لا نقدر أن نصل إلى معرفة ما جاءنا من عنده بدقيق فكر ونظر فأشبهوا في هذا العقد المحدثين السالمة عقائدهم حيث لم ينظروا ولم يؤولوا بل قالوا: ما فهمنا فقال أصحابنا بقولهم ثم انتقلوا عن مرتبة هؤلاء بأن قالوا: لنا أن نسلك طريقة أخرى في فهم هذه الكلمات وذلك بأن نفرغ قلوبنا من النظر الفكري ونجلس مع الحق تعالى بالذكر على بساط الأدب والمراقبة والحضور والتهيؤ لقبول ما يرد منه تعالى حتى يكون الحق سبحانه وتعالى متولي تعليمنا بالكشف والتحقق لما سمعوه تعالى يقول وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة: ٢٨٢] وإِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً [الأنفال: ٢٩] قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه: ١١٤] عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً [الكهف: ٦٥] فعند ما توجهت قلوبهم وهممهم إلى الله عز وجل ولجأت إليه سبحانه وتعالى وألقت عنها ما استمسك به الغير من دعوى البحث والنظر ونتائج العقول كانت عقولهم سليمة وقلوبهم مطهرة فارغة فعند ما كان منهم هذا الاستعداد تجلى لهم الحق عيانا معلما فاطلعتهم تلك المشاهدة على معاني تلك الكلمات دفعة واحدة فعرفوا المعنى التنزيهي الذي سيقت له ويختلف ذلك بحسب اختلاف مقامات إيرادها وهذا حال طائفة منا وحال طائفة أخرى منا أيضا ليس لهم هذا التجلي لكن لهم الإلقاء والإلهام واللقاء والكتاب وهم معصومون فيما يلقى إليهم بعلامات عندهم لا يعرفها سواهم فيخبرون بما خوطبوا به وبما ألهموا وما ألقي إليهم أو كتب اه المراد منه.
475
ولعل من يقول بإجراء المتشابهات على ظواهرها مع نفي اللوازم كمذهب السلف الأول من الصوفية طائفة لم يحصل لهم ما حصل لهاتين الطائفين والفضل بيد الله تعالى يؤتيه من يشاء. هذا بقي هل يسمى ما عليه السلف تأويلا أم لا المشهور عدم تسمية ما عليه المفوضة منهم تأويلا وسماه بعضهم تأويلا كالذي عليه الخلف، قال اللقاني: أجمع الخلف ويعبر عنهم بالمؤولة والسلف ويعبر عنهم بالمفوضة على تنزيهه تعالى عن المعنى المحال الذي دل عليه الظاهر وعلى تأويله وإخراجه عن ظاهره المحال وعلى الإيمان به بأنه من عند الله تعالى جاء به رسوله صلّى الله عليه وسلّم وإنما اختلفوا في تعيين محمل له معنى صحيح وعدم تعيينه بناء على أن الوقف على قوله تعالى وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [آل عمران: ٧] أو على قوله سبحانه إِلَّا اللَّهُ ويقال لتأويل السلف إجمالي ولتأويل الخلف تفصيلي انتهى ملخصا.
وكان شيخنا العلامة علاء الدين يقول: ما عليه المفوضة تأويل واحد وما عليه المؤولة تأويلان، ولعله راجع إلى ما سمعت، وأما ما عليه القائلون بالظواهر مع نفي اللوازم فقد قيل: إن فيه تأويلا أيضا لما فيه من نفي اللوازم وظاهر الألفاظ أنفسها تقتضيها ففيه إخراج اللفظ عما يقتضيه الظاهر، وإخراج اللفظ عن ذلك لدليل ولو مرجوحا تأويل. ومعنى كونهم قائلين بالظواهر أنهم قائلون بها في الجملة، وقيل: لا تأويل فيه لأنهم يعتبرون اللفظ من حيث نسبته إليه عز شأنه وهو من هذه الحيثية لا يقتضي اللوازم فليس هناك إخراج اللفظ عما يقتضيه الظاهر، ألا ترى أن أهل السنة والجماعة أجمعوا على رؤية الله تعالى في الآخرة مع نفي لوازم الرؤية في الشاهد من المقابلة والمسافة المخصوصة وغيرهما مع أنه لم يقل أحد منهم: إن ذلك من التأويل في شيء، وقال بعض الفضلاء: كل من فسر فقد أول وكل من لم يفسر لم يؤول لأن التأويل هو التفسير فمن عدا المفوضة مؤولة وهو الذي يقتضيه ظاهر قوله تعالى وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ بناء على أن الوقف على إِلَّا اللَّهُ ولا يخفى أن القول بأن القائلين بالظواهر مع نفي اللوازم من المؤولة الغير الداخلين في الراسخين في العلم بناء على الوقف المذكور لا يتسنى مع القول بأنهم من السلف الذين هم هم وقد يقال: إنهم داخلون في الراسخين والتأويل بمعنى آخر يظهر بالتتبع والتأمل، وقد تقدم الكلام في المراد بالمتشابهات وذكرنا ما يفهم منه الاختلاف في معنى التأويل وأنا أميل إلى التأويل وعدم القول بالظواهر مع نفي اللوازم في بعض ما ينسب إلى الله تعالى مثل قوله سبحانه سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ [الرحمن:
٣١] وقوله عز وجل يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ [يس: ٣٠] كما في بعض القراءات وكذا
قوله صلّى الله عليه وسلّم إن صح: «الحجر الأسود يمين الله في أرضه فمن قبله أو صافحه فكأنما صافح الله تعالى وقبل يمينه»
فاجعل الكلام فيه خارجا مخرج التشبيه لظهور القرينة، ولا أقول: الحجر الأسود من صفاته تعالى كما قال السلف في اليمين وأرى من يقول بالظواهر ونفي اللوازم في الجميع بينه وبين القول بوحدة الوجود على الوجه الذي قاله محققو الصوفية مثل ما بين سواد العين وبياضها، وأميل أيضا إلى القول بتقبيب العرش لصحة الحديث في ذلك، والأقرب إلى الدليل العقلي القول بكريته ومن قال بذلك أجاب عن الأخبار السابقة بما لا يخفى على الفطن.
وقال الشيخ الأكبر محيي الدين قدس سره في الباب الحادي والسبعين والثلاثمائة من الفتوحات: إنه ذو أركان أربعة ووجوه أربعة هي قوائمه الأصلية وبين كل قائمتين قوائم وعددها معلوم عندنا ولا أبينها إلى آخر ما قال، ويفهم كلامه أن قوائمه ليست بالمعنى الذي يتبادر إلى الذهن، وصرح بأنه أحد حملته وأنه أنزل عند أفضل القوائم وهي خزانة الرحمة، وذكر أن العمى محيط به وأن صورة العالم بجملته صورة دائرة فلكية، وأطال الكلام في هذا الباب وأتى فيه بالعجب العجاب، وليس له في أكثر ما ذكره فيه مستند نعلمه من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم ومنه ما لا يجوز لنا أن نقول بظاهره، والظاهر أن العرش واحد، وقال من قال من الصوفية بتعدده، ولا يخفى ما في نسبة الاستواء إليه
وكان شيخنا العلامة علاء الدين يقول: ما عليه المفوضة تأويل واحد وما عليه المؤولة تأويلان، ولعله راجع إلى ما سمعت، وأما ما عليه القائلون بالظواهر مع نفي اللوازم فقد قيل: إن فيه تأويلا أيضا لما فيه من نفي اللوازم وظاهر الألفاظ أنفسها تقتضيها ففيه إخراج اللفظ عما يقتضيه الظاهر، وإخراج اللفظ عن ذلك لدليل ولو مرجوحا تأويل. ومعنى كونهم قائلين بالظواهر أنهم قائلون بها في الجملة، وقيل: لا تأويل فيه لأنهم يعتبرون اللفظ من حيث نسبته إليه عز شأنه وهو من هذه الحيثية لا يقتضي اللوازم فليس هناك إخراج اللفظ عما يقتضيه الظاهر، ألا ترى أن أهل السنة والجماعة أجمعوا على رؤية الله تعالى في الآخرة مع نفي لوازم الرؤية في الشاهد من المقابلة والمسافة المخصوصة وغيرهما مع أنه لم يقل أحد منهم: إن ذلك من التأويل في شيء، وقال بعض الفضلاء: كل من فسر فقد أول وكل من لم يفسر لم يؤول لأن التأويل هو التفسير فمن عدا المفوضة مؤولة وهو الذي يقتضيه ظاهر قوله تعالى وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ بناء على أن الوقف على إِلَّا اللَّهُ ولا يخفى أن القول بأن القائلين بالظواهر مع نفي اللوازم من المؤولة الغير الداخلين في الراسخين في العلم بناء على الوقف المذكور لا يتسنى مع القول بأنهم من السلف الذين هم هم وقد يقال: إنهم داخلون في الراسخين والتأويل بمعنى آخر يظهر بالتتبع والتأمل، وقد تقدم الكلام في المراد بالمتشابهات وذكرنا ما يفهم منه الاختلاف في معنى التأويل وأنا أميل إلى التأويل وعدم القول بالظواهر مع نفي اللوازم في بعض ما ينسب إلى الله تعالى مثل قوله سبحانه سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ [الرحمن:
٣١] وقوله عز وجل يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ [يس: ٣٠] كما في بعض القراءات وكذا
قوله صلّى الله عليه وسلّم إن صح: «الحجر الأسود يمين الله في أرضه فمن قبله أو صافحه فكأنما صافح الله تعالى وقبل يمينه»
فاجعل الكلام فيه خارجا مخرج التشبيه لظهور القرينة، ولا أقول: الحجر الأسود من صفاته تعالى كما قال السلف في اليمين وأرى من يقول بالظواهر ونفي اللوازم في الجميع بينه وبين القول بوحدة الوجود على الوجه الذي قاله محققو الصوفية مثل ما بين سواد العين وبياضها، وأميل أيضا إلى القول بتقبيب العرش لصحة الحديث في ذلك، والأقرب إلى الدليل العقلي القول بكريته ومن قال بذلك أجاب عن الأخبار السابقة بما لا يخفى على الفطن.
وقال الشيخ الأكبر محيي الدين قدس سره في الباب الحادي والسبعين والثلاثمائة من الفتوحات: إنه ذو أركان أربعة ووجوه أربعة هي قوائمه الأصلية وبين كل قائمتين قوائم وعددها معلوم عندنا ولا أبينها إلى آخر ما قال، ويفهم كلامه أن قوائمه ليست بالمعنى الذي يتبادر إلى الذهن، وصرح بأنه أحد حملته وأنه أنزل عند أفضل القوائم وهي خزانة الرحمة، وذكر أن العمى محيط به وأن صورة العالم بجملته صورة دائرة فلكية، وأطال الكلام في هذا الباب وأتى فيه بالعجب العجاب، وليس له في أكثر ما ذكره فيه مستند نعلمه من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم ومنه ما لا يجوز لنا أن نقول بظاهره، والظاهر أن العرش واحد، وقال من قال من الصوفية بتعدده، ولا يخفى ما في نسبة الاستواء إليه
476
تعالى بعنوان الرحمانية مما يزيد قوة الرجاء به جل وعلا وسبحان من وسعت رحمته كل شيء.
وجعل فاعل الاستواء ما في قوله تعالى: لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ولَهُ متعلق به على ما يقتضيه ما روي عن ابن عباس من أن الوقف على الْعَرْشِ ويكون المعنى استقام له تعالى كل ذلك وهو على مراده تعالى بتسويته عز وجل إياه كقوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ [البقرة: ٢٩] أو استوى كل شيء بالنسبة إليه تعالى فلا شيء أقرب إليه سبحانه من شيء كما يشير إليه
«لا تفضلوني على ابن متى»
مما لا ينبغي أن يلتفت إليه أصلا، والرواية عن ابن عباس غير صحيحة، ولعل الذي دعا القائل به إليه الفرار من نسبة الاستواء إليه جل جلاله، ويا ليت شعري ماذا يصنع بقوله تعالى: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى وهو بظاهره الذي يظن مخالفته لما يقتضيه عقله مثل الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى بل لَهُ خبر مقدم وما فِي السَّماواتِ مبتدأ مؤخر أي له عز وجل وحده دون غيره لا شركة ولا استقلالا من حيث الملك والتصرف والإحياء والإماتة والإيجاد والإعدام جميع ما في السموات والأرض سواء كان ذلك بالجزئية منهما أو بالحلول فيهما وَما بَيْنَهُما من الموجودات الكائنة في الجو دائما كالهواء والسحاب وخلق لا نعلمهم هو سبحانه يعلمهم أو أكثريا كالطير الذي نراه وَما تَحْتَ الثَّرى أي ما تحت الأرض السابعة على ما روي عن ابن عباس وأخرجه ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب، وأخرج عن السدي أنه الصخرة التي تحت الأرض السابعة وهي صخرة خضراء،
وأخرج أبو يعلى عن جابر بن عبد الله أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سئل ما تحت الأرض؟ قال: الماء قيل: فما تحت الماء؟ قال: ظلمة قيل: فما تحت الظلمة؟ قال: الهواء قيل:
فما تحت الهواء؟ قال: الثرى قيل: فما تحت الثرى؟ قال: انقطع علم المخلوقين عند علم الخالق.
وأخرج ابن مردويه عنه نحوه من حديث طويل، وقال غير واحد الثرى التراب الندي أو الذي إذا بل لم يصر طينا كالثريا ممدودة، ويقال: في تثنيته ثريان وثروان وفي جمعه أثراء ويقال: ثريت الأرض كرضى تثري ثرى فهي ثرية كغنية وثرياء إذا نديت ولانت بعد الجدوبة واليبس وأثرت كثر ثراؤها وثرى التربة تثرية بلها والمكان رشه وفلانأ ألزم يده الثرى، وفسر بمطلق التراب أي وله تعالى ما واراه التراب وذكره مع دخوله تحت ما في الأرض لزيادة التقرير، وإذا كان ما في الأرض ما هو عليها فالأمر ظاهر، وما تقدم من الإشارة إلى أن المراد له تعالى كل ذلك ملكا وتصرفا هو الظاهر.
وقيل: المعنى له علم ذلك أي إن علمه تعالى محيط بجميع ذلك، والأول هو الظاهر وعليه يكون قوله تعالى:
وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ إلخ بيان لإحاطة علمه تعالى بجميع الأشياء إثر بيان شمول قدرته تعالى لجميع الكائنات، والخطاب على ما قاله في البحر للنبي صلّى الله عليه وسلّم والمراد أمته عليه الصلاة والسّلام، وجوز أن يكون عاما أي وإن ترفع صوتك أيها الإنسان بالقول فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ أي ما أسررته إلى غيرك ولم ترفع صوتك به وَأَخْفى أي وشيئا أخفى منه وهو ما أخطرته ببالك من غير أن تنفوه به أصلا، وروي ذلك عن الحسن وعكرمة أو ما أسررته في نفسك وما ستسره فيها
وروي ذلك عن سعيد بن جبير وروي عن السيدين الباقر والصادق السر ما أخفيته في نفسك والأخفى ما خطر ببالك ثم أنسيته.
وقيل: أَخْفى فعل ماض عطف على يَعْلَمُ يعني أنه تعالى يعلم أسرار العباد وأخفى ما يعلمه سبحانه عنهم وهو كقوله تعالى يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً [طه: ١١٠]، وروي ذلك أبو الشيخ في العظمة عن زيد بن أسلم وهو خلاف الظاهر جدا فالمعول عليه أنه أفعل تفضيل والتنكير للمبالغة في الخفاء، والمتبادر من القول ما يشمل ذكر الله تعالى وغيره وإليه ذهب بعضهم، وخصه جماعة بذكره سبحانه ودعائه على أن
وجعل فاعل الاستواء ما في قوله تعالى: لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ولَهُ متعلق به على ما يقتضيه ما روي عن ابن عباس من أن الوقف على الْعَرْشِ ويكون المعنى استقام له تعالى كل ذلك وهو على مراده تعالى بتسويته عز وجل إياه كقوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ [البقرة: ٢٩] أو استوى كل شيء بالنسبة إليه تعالى فلا شيء أقرب إليه سبحانه من شيء كما يشير إليه
«لا تفضلوني على ابن متى»
مما لا ينبغي أن يلتفت إليه أصلا، والرواية عن ابن عباس غير صحيحة، ولعل الذي دعا القائل به إليه الفرار من نسبة الاستواء إليه جل جلاله، ويا ليت شعري ماذا يصنع بقوله تعالى: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى وهو بظاهره الذي يظن مخالفته لما يقتضيه عقله مثل الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى بل لَهُ خبر مقدم وما فِي السَّماواتِ مبتدأ مؤخر أي له عز وجل وحده دون غيره لا شركة ولا استقلالا من حيث الملك والتصرف والإحياء والإماتة والإيجاد والإعدام جميع ما في السموات والأرض سواء كان ذلك بالجزئية منهما أو بالحلول فيهما وَما بَيْنَهُما من الموجودات الكائنة في الجو دائما كالهواء والسحاب وخلق لا نعلمهم هو سبحانه يعلمهم أو أكثريا كالطير الذي نراه وَما تَحْتَ الثَّرى أي ما تحت الأرض السابعة على ما روي عن ابن عباس وأخرجه ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب، وأخرج عن السدي أنه الصخرة التي تحت الأرض السابعة وهي صخرة خضراء،
وأخرج أبو يعلى عن جابر بن عبد الله أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سئل ما تحت الأرض؟ قال: الماء قيل: فما تحت الماء؟ قال: ظلمة قيل: فما تحت الظلمة؟ قال: الهواء قيل:
فما تحت الهواء؟ قال: الثرى قيل: فما تحت الثرى؟ قال: انقطع علم المخلوقين عند علم الخالق.
وأخرج ابن مردويه عنه نحوه من حديث طويل، وقال غير واحد الثرى التراب الندي أو الذي إذا بل لم يصر طينا كالثريا ممدودة، ويقال: في تثنيته ثريان وثروان وفي جمعه أثراء ويقال: ثريت الأرض كرضى تثري ثرى فهي ثرية كغنية وثرياء إذا نديت ولانت بعد الجدوبة واليبس وأثرت كثر ثراؤها وثرى التربة تثرية بلها والمكان رشه وفلانأ ألزم يده الثرى، وفسر بمطلق التراب أي وله تعالى ما واراه التراب وذكره مع دخوله تحت ما في الأرض لزيادة التقرير، وإذا كان ما في الأرض ما هو عليها فالأمر ظاهر، وما تقدم من الإشارة إلى أن المراد له تعالى كل ذلك ملكا وتصرفا هو الظاهر.
وقيل: المعنى له علم ذلك أي إن علمه تعالى محيط بجميع ذلك، والأول هو الظاهر وعليه يكون قوله تعالى:
وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ إلخ بيان لإحاطة علمه تعالى بجميع الأشياء إثر بيان شمول قدرته تعالى لجميع الكائنات، والخطاب على ما قاله في البحر للنبي صلّى الله عليه وسلّم والمراد أمته عليه الصلاة والسّلام، وجوز أن يكون عاما أي وإن ترفع صوتك أيها الإنسان بالقول فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ أي ما أسررته إلى غيرك ولم ترفع صوتك به وَأَخْفى أي وشيئا أخفى منه وهو ما أخطرته ببالك من غير أن تنفوه به أصلا، وروي ذلك عن الحسن وعكرمة أو ما أسررته في نفسك وما ستسره فيها
وروي ذلك عن سعيد بن جبير وروي عن السيدين الباقر والصادق السر ما أخفيته في نفسك والأخفى ما خطر ببالك ثم أنسيته.
وقيل: أَخْفى فعل ماض عطف على يَعْلَمُ يعني أنه تعالى يعلم أسرار العباد وأخفى ما يعلمه سبحانه عنهم وهو كقوله تعالى يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً [طه: ١١٠]، وروي ذلك أبو الشيخ في العظمة عن زيد بن أسلم وهو خلاف الظاهر جدا فالمعول عليه أنه أفعل تفضيل والتنكير للمبالغة في الخفاء، والمتبادر من القول ما يشمل ذكر الله تعالى وغيره وإليه ذهب بعضهم، وخصه جماعة بذكره سبحانه ودعائه على أن
477
التعريف للعهد لأن استواء الجهر والسر عنده سبحانه المدلول عليه في الكلام يقتضي أن الجهر المذكور في خطابه عز وجل، وعلى القولين قوله تعالى فَإِنَّهُ إلخ قائم مقام جواب الشرط وليس الجواب في الحقيقة لأن علمه تعالى السر وأخفى ثابت قبل الجهر بالقول وبعده وبدونه.
والأصل عند البعض وإن يجهر بالقول فاعلم أن الله تعالى يعلمه فإنه يعلم السر وأخفى فضلا عنه. وعند الجماعة وإن تجهر فاعلم أن الله سبحانه غني عن جهرك فإنه إلخ، وهذا على ما قيل إرشاد للعباد إلى التحري والاحتياط حين الجهر فإن من علم أن الله تعالى يعلم جهره لم يجهر بسوء، وخص الجهر بذلك لأن أكثر المحاورات ومخاطبات الناس به، وقيل: إرشاد للعباد إلى أن الجهر بذكر الله تعالى ودعائه ليس لإسماعه سبحانه بل لغرض آخر من تصوير النفس بالذكر وتثبيته فيها ومنعها من الاشتغال بغيره وقطع الوسوسة وغير ذلك، وقيل: نهي عن الجهر بالذكر والدعاء كقوله تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ [الأعراف: ٢٠٥] وأنت تعلم أن القول بأن الجهر بالذكر والدعاء منهي لا ينبغي أن يكون على إطلاقه.
والذي نص عليه الإمام النووي في فتاويه أن الجهر بالذكر حيث لا محذور شرعيا مشروع مندوب إليه بل هو أفضل من الإخفاء في مذهب الإمام الشافعي وهو ظاهر مذهب الإمام أحمد وإحدى الروايتين عن الإمام مالك بنقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري وهو قول لقاضيخان في فتاويه في ترجمة مسائل كيفية القراءة وقوله في باب غسل الميت: ويكره رفع الصوت بالذكر، فالظاهر أنه لمن يمشي مع الجنازة كما هو مذهب الشافعية لا مطلقا كما تفهمه عبارة البحر الرائق وغيره وهو قول الإمامين في تكبير عيد الفطر كالأضحى، ورواية عن الإمام أبي حنيفة نفسه رضي الله تعالى عنه بل في مسنده ما ظاهره استحباب الجهر بالذكر مطلقا، نعم قال ابن نجيم في البحر نقلا عن المحقق ابن الهمام في فتح القدير ما نصه قال أبو حنيفة: رفع الصوت بالذكر بدعة مخالفة للأمر من قوله تعالى وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ الآية فيقتصر على مورد الشرع، وقد ورد به في الأضحى وهو قوله سبحانه وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ [البقرة: ٢٠٣].
وأجاب السيوطي في نتيجة الذكر عن الاستدلال بالآية السابقة بثلاثة أوجه، الأول أنها مكية ولما هاجر صلّى الله عليه وسلّم سقط ذلك، الثاني أن جماعة من المفسرين منهم عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وابن جرير حملوا الآية على الذكر حال قراءة القرآن وأنه أمر له عليه الصلاة والسّلام بالذكر على هذه الصفة تعظيما للقرآن أن ترفع عنده الأصوات، ويقويه اتصالها بقوله تعالى: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ [الأعراف: ٢٠٤] الآية، الثالث ما ذكره بعض الصوفية أن الأمر في الآية خاص بالنبي صلّى الله عليه وسلّم الكامل المكمل وأما غيره عليه الصلاة والسّلام ممن هو محل الوساوس فمأمور بالجهر لأنه أشد تأثيرا في دفعها وفيه ما فيه.
واختار بعض المحققين أن المراد دون الجهر البالغ أو الزائد على قدر الحاجة فيكون الجهر المعتدل، والجهر بقدر الحاجة داخلا في المأمور به، فقد صح ما يزيد على عشرين حديثا في أنه صلّى الله عليه وسلّم كثيرا ما كان يجهر بالذكر.
وصح عن أبي الزبير أنه سمع عبد الله بن الزبير يقول: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سلم من صلاته يقول بصوته الأعلى «لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون»
وهو محمول على اقتضاء حاجة التعليم ونحوه لذلك، وما
في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري قال: كنا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم وكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصما ولا غائبا إنه
والأصل عند البعض وإن يجهر بالقول فاعلم أن الله تعالى يعلمه فإنه يعلم السر وأخفى فضلا عنه. وعند الجماعة وإن تجهر فاعلم أن الله سبحانه غني عن جهرك فإنه إلخ، وهذا على ما قيل إرشاد للعباد إلى التحري والاحتياط حين الجهر فإن من علم أن الله تعالى يعلم جهره لم يجهر بسوء، وخص الجهر بذلك لأن أكثر المحاورات ومخاطبات الناس به، وقيل: إرشاد للعباد إلى أن الجهر بذكر الله تعالى ودعائه ليس لإسماعه سبحانه بل لغرض آخر من تصوير النفس بالذكر وتثبيته فيها ومنعها من الاشتغال بغيره وقطع الوسوسة وغير ذلك، وقيل: نهي عن الجهر بالذكر والدعاء كقوله تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ [الأعراف: ٢٠٥] وأنت تعلم أن القول بأن الجهر بالذكر والدعاء منهي لا ينبغي أن يكون على إطلاقه.
والذي نص عليه الإمام النووي في فتاويه أن الجهر بالذكر حيث لا محذور شرعيا مشروع مندوب إليه بل هو أفضل من الإخفاء في مذهب الإمام الشافعي وهو ظاهر مذهب الإمام أحمد وإحدى الروايتين عن الإمام مالك بنقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري وهو قول لقاضيخان في فتاويه في ترجمة مسائل كيفية القراءة وقوله في باب غسل الميت: ويكره رفع الصوت بالذكر، فالظاهر أنه لمن يمشي مع الجنازة كما هو مذهب الشافعية لا مطلقا كما تفهمه عبارة البحر الرائق وغيره وهو قول الإمامين في تكبير عيد الفطر كالأضحى، ورواية عن الإمام أبي حنيفة نفسه رضي الله تعالى عنه بل في مسنده ما ظاهره استحباب الجهر بالذكر مطلقا، نعم قال ابن نجيم في البحر نقلا عن المحقق ابن الهمام في فتح القدير ما نصه قال أبو حنيفة: رفع الصوت بالذكر بدعة مخالفة للأمر من قوله تعالى وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ الآية فيقتصر على مورد الشرع، وقد ورد به في الأضحى وهو قوله سبحانه وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ [البقرة: ٢٠٣].
وأجاب السيوطي في نتيجة الذكر عن الاستدلال بالآية السابقة بثلاثة أوجه، الأول أنها مكية ولما هاجر صلّى الله عليه وسلّم سقط ذلك، الثاني أن جماعة من المفسرين منهم عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وابن جرير حملوا الآية على الذكر حال قراءة القرآن وأنه أمر له عليه الصلاة والسّلام بالذكر على هذه الصفة تعظيما للقرآن أن ترفع عنده الأصوات، ويقويه اتصالها بقوله تعالى: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ [الأعراف: ٢٠٤] الآية، الثالث ما ذكره بعض الصوفية أن الأمر في الآية خاص بالنبي صلّى الله عليه وسلّم الكامل المكمل وأما غيره عليه الصلاة والسّلام ممن هو محل الوساوس فمأمور بالجهر لأنه أشد تأثيرا في دفعها وفيه ما فيه.
واختار بعض المحققين أن المراد دون الجهر البالغ أو الزائد على قدر الحاجة فيكون الجهر المعتدل، والجهر بقدر الحاجة داخلا في المأمور به، فقد صح ما يزيد على عشرين حديثا في أنه صلّى الله عليه وسلّم كثيرا ما كان يجهر بالذكر.
وصح عن أبي الزبير أنه سمع عبد الله بن الزبير يقول: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سلم من صلاته يقول بصوته الأعلى «لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون»
وهو محمول على اقتضاء حاجة التعليم ونحوه لذلك، وما
في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري قال: كنا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم وكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصما ولا غائبا إنه
478
معكم إنه سميع قريب»
محمول على أن النهي المستفاد التزاما من أمر اربعوا الذي بمعنى ارفقوا ولا تجهدوا أنفسكم مراد به النهي عن المبالغة في رفع الصوت، وبتقسيم الجهر واختلاف أقسامه في الحكم يجمع بين الروايتين المختلفتين عن الإمام أبي حنيفة، وما ذكر في الواقعات عن ابن مسعود من أنه رأى قوما يهللون برفع الصوت في المسجد فقال: ما أراكم إلا مبتدعين حتى أخرجهم من المسجد لا يصح عند الحفاظ من الأئمة المحدثين، وعلى فرض صحته هو معارض بما يدل على ثبوت الجهر منه رضي الله تعالى عنه مما رواه غير واحد من الحفاظ أو محمول على الجهر البالغ،
وخبر خير الذكر الخفي وخير الرزق أو العيش ما يكفي
صحيح.
وعزاه الإمام السيوطي إلى الإمام أحمد وابن حبان والبيهقي عن سعد بن أبي وقاص، وعزاه أبو الفتح في سلاح المؤمن إلى أبي عوانة في مسنده الصحيح أيضا، وهو محمول على من كان في موضع يخاف فيه الرياء أو الإعجاب أو نحوهما، وقد صح أيضا أنه عليه الصلاة والسّلام جهر بالدعاء وبالمواعظ لكن قال غير واحد من الأجلة: إن إخفاء الدعاء أفضل. وحد الجهر على ما ذكره ابن حجر الهيتمي في المنهج القويم أن يكون بحيث يسمع غيره والاسرار بحيث يسمع نفسه. وعند الحنفية في رواية أدنى الجهر إسماع نفسه وأدنى المخافتة تصحيح الحروف وهو قول الكرخي.
وفي كتاب الإمام محمد إشارة إليه، والأصح كما في المحيط قول الشيخين الهندواني والفضلي وهو الذي عليه الأكثر أن أدنى الجهر إسماع غيره وأدنى المخافتة إسماع نفسه. ومن هنا قال في فتح القدير: إن تصحيح الحروف بلا صوت إيماء إلى الحروف بعضلات المخارج لا حروف إذ الحروف كيفية تعرض للصوت فإذا انتفى الصوت المعروض انتفى الحرف العارض وحيث لا حرف فلا كلام بمعنى المتكلم به فلا قراءة بمعنى التكلم الذي هو فعل اللسان فلا مخافتة عند انتفاء الصوت كما لا جهر انتهى محررا، وقد ألف الشيخ إبراهيم الكوراني عليه الرحمة في تحقيق هذه المسألة رسالتين جليلتين سمى أولاهما- نشر الزهر في الذكر بالجهر- وثانيتهما- بإتحاف المنيب الأواه بفضل الجهر بذكر الله- رد فيها على بعض أهل القرن التاسع من علماء الحنفية من أعيان دولة ميرزا ألغ بيك بن شاه دخ الكوركاني حيث أطلق القول بكون الجهر بالذكر بدعة محرمة وألف في ذلك رسالة، ولعله يأتي إن شاء الله تعالى زيادة بسط لتحقيق هذه المسألة والله تعالى الموفق.
وقوله سبحانه اللَّهُ خبر مبتدأ محذوف والجملة استئناف مسوق لبيان أن ما ذكر من صفات الكمال موصوفها ذلك المعبود الحق أي ذلك المنعوت بما ذكر من النعوت الجليلة الله عز وجل، وقوله تعالى: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ تحقيق للحق وتصريح بما تضمنه ما قبله من اختصاص الألوهية به سبحانه فإن ما أسند إليه عز شأنه من خلق جميع الموجودات والعلو اللائق بشأنه على جميع المخلوقات والرحمانية والمالكية للعلويات والسفليات والعلم الشامل مما يقتضيه اقتضاء بينا، وقوله تبارك اسمه لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى بيان لكون ما ذكر من الخالقية وغيرها أسماءه تعالى وصفاته من غير تعدد في ذاته تعالى وجاء الاسم بمعنى الصفة ومنه قوله تعالى: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ [الرعد: ٣٣] والحسنى تأنيث الأحسن وصفة المؤنثة المفردة تجري على جمع التكسير وحسن ذلك كونها وقعت فاصلة، وقيل: تضمنها الإشارة إلى عدم التعدد حقيقة بناء على عدم زيادة صفاته تعالى على ذاته واتحادها معها وفضل أسماء الله تعالى على سائر الأسماء في غاية الظهور، وجوز أبو حيان كون الاسم الجليل مبتدأ وجملة لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خبره وجملة لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى خبر بعد خبر، وظاهر صنيعه يقتضي اختياره لأنه المتبادر للذهن، ولا يخفى على المتأمل أولية ما تقدم، وقوله تعالى وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى مسوق لتقرير أمر التوحيد الذي انتهى إليه
محمول على أن النهي المستفاد التزاما من أمر اربعوا الذي بمعنى ارفقوا ولا تجهدوا أنفسكم مراد به النهي عن المبالغة في رفع الصوت، وبتقسيم الجهر واختلاف أقسامه في الحكم يجمع بين الروايتين المختلفتين عن الإمام أبي حنيفة، وما ذكر في الواقعات عن ابن مسعود من أنه رأى قوما يهللون برفع الصوت في المسجد فقال: ما أراكم إلا مبتدعين حتى أخرجهم من المسجد لا يصح عند الحفاظ من الأئمة المحدثين، وعلى فرض صحته هو معارض بما يدل على ثبوت الجهر منه رضي الله تعالى عنه مما رواه غير واحد من الحفاظ أو محمول على الجهر البالغ،
وخبر خير الذكر الخفي وخير الرزق أو العيش ما يكفي
صحيح.
وعزاه الإمام السيوطي إلى الإمام أحمد وابن حبان والبيهقي عن سعد بن أبي وقاص، وعزاه أبو الفتح في سلاح المؤمن إلى أبي عوانة في مسنده الصحيح أيضا، وهو محمول على من كان في موضع يخاف فيه الرياء أو الإعجاب أو نحوهما، وقد صح أيضا أنه عليه الصلاة والسّلام جهر بالدعاء وبالمواعظ لكن قال غير واحد من الأجلة: إن إخفاء الدعاء أفضل. وحد الجهر على ما ذكره ابن حجر الهيتمي في المنهج القويم أن يكون بحيث يسمع غيره والاسرار بحيث يسمع نفسه. وعند الحنفية في رواية أدنى الجهر إسماع نفسه وأدنى المخافتة تصحيح الحروف وهو قول الكرخي.
وفي كتاب الإمام محمد إشارة إليه، والأصح كما في المحيط قول الشيخين الهندواني والفضلي وهو الذي عليه الأكثر أن أدنى الجهر إسماع غيره وأدنى المخافتة إسماع نفسه. ومن هنا قال في فتح القدير: إن تصحيح الحروف بلا صوت إيماء إلى الحروف بعضلات المخارج لا حروف إذ الحروف كيفية تعرض للصوت فإذا انتفى الصوت المعروض انتفى الحرف العارض وحيث لا حرف فلا كلام بمعنى المتكلم به فلا قراءة بمعنى التكلم الذي هو فعل اللسان فلا مخافتة عند انتفاء الصوت كما لا جهر انتهى محررا، وقد ألف الشيخ إبراهيم الكوراني عليه الرحمة في تحقيق هذه المسألة رسالتين جليلتين سمى أولاهما- نشر الزهر في الذكر بالجهر- وثانيتهما- بإتحاف المنيب الأواه بفضل الجهر بذكر الله- رد فيها على بعض أهل القرن التاسع من علماء الحنفية من أعيان دولة ميرزا ألغ بيك بن شاه دخ الكوركاني حيث أطلق القول بكون الجهر بالذكر بدعة محرمة وألف في ذلك رسالة، ولعله يأتي إن شاء الله تعالى زيادة بسط لتحقيق هذه المسألة والله تعالى الموفق.
وقوله سبحانه اللَّهُ خبر مبتدأ محذوف والجملة استئناف مسوق لبيان أن ما ذكر من صفات الكمال موصوفها ذلك المعبود الحق أي ذلك المنعوت بما ذكر من النعوت الجليلة الله عز وجل، وقوله تعالى: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ تحقيق للحق وتصريح بما تضمنه ما قبله من اختصاص الألوهية به سبحانه فإن ما أسند إليه عز شأنه من خلق جميع الموجودات والعلو اللائق بشأنه على جميع المخلوقات والرحمانية والمالكية للعلويات والسفليات والعلم الشامل مما يقتضيه اقتضاء بينا، وقوله تبارك اسمه لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى بيان لكون ما ذكر من الخالقية وغيرها أسماءه تعالى وصفاته من غير تعدد في ذاته تعالى وجاء الاسم بمعنى الصفة ومنه قوله تعالى: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ [الرعد: ٣٣] والحسنى تأنيث الأحسن وصفة المؤنثة المفردة تجري على جمع التكسير وحسن ذلك كونها وقعت فاصلة، وقيل: تضمنها الإشارة إلى عدم التعدد حقيقة بناء على عدم زيادة صفاته تعالى على ذاته واتحادها معها وفضل أسماء الله تعالى على سائر الأسماء في غاية الظهور، وجوز أبو حيان كون الاسم الجليل مبتدأ وجملة لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خبره وجملة لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى خبر بعد خبر، وظاهر صنيعه يقتضي اختياره لأنه المتبادر للذهن، ولا يخفى على المتأمل أولية ما تقدم، وقوله تعالى وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى مسوق لتقرير أمر التوحيد الذي انتهى إليه
479
مساق الحديث وبيان أنه أمر مستمر فيما بين الأنبياء عليهم السّلام كابرا عن كابر وقد خوطب به موسى عليه السّلام حيث قيل له إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا [طه: ١٤] وبه ختم عليه السّلام مقاله حيث قال: إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ [طه: ٩٨] وقيل: مسوق لتسليته صلّى الله عليه وسلّم كقوله تعالى: ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى [بناء على ما نقل عن مقاتل في سبب النزول إلا أن الأول تسلية له عليه الصلاة والسّلام برد ما قاله قومه وهذا تسلية له صلّى الله عليه وسلّم بأن إخوانه من الأنبياء عليهم السّلام قد عراهم من أممهم ما عراهم وكانت العاقبة لهم وذكر مبدأ نبوة موسى عليه السّلام نظير ما ذكر إنزال القرآن عليه عليه الصلاة والسّلام.
وقيل: مسوق لترغيب النبي صلّى الله عليه وسلّم في الائتساء بموسى عليه السّلام في تحمل أعباء النبوة والصبر على مقاساة الخطوب في تبليغ أحكام الرسالة بعد ما خاطبه سبحانه بأنه كلفه التبليغ الشاق بناء على أن معنى قوله تعالى ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى إنا أنزلنا عليك القرآن لتحتمل متاعب التبليغ ومقاولة العتاة من أعداء الإسلام ومقاتلتهم وغير ذلك من أنواع المشاق وتكاليف النبوة وما أنزلنا عليك هذا المتعب الشاق إلا ليكون تذكرة فالواو كما قاله غير واحد لعطف القصة على القصة ولا نظر في ذلك إلى تناسبهما خيرا وطلبا بل يشترط التناسب فيما سيقاتله مع أن المعطوف هاهنا قد يؤول بالخبر.
ولا يخفى أن ما تقدم جار على سائر الأوجه والأقوال في الآية السابقة، وسبب نزولها ولا يأباه شيء من ذلك، والاستفهام تقريري، وقيل: هل بمعنى قد وقيل: الاستفهام إنكاري ومعناه النفي أي ما أخبرناك قبل هذه السورة بقصة موسى عليه السّلام ونحن الآن مخبروك بها والمعول عليه الأول، والحديث الخبر ويصدق على القليل والكثير ويجمع على أحاديث على غير قياس.
قال الفراء: نرى أن واحد الأحاديث أحدوثة ثم جعلوه جمعا للحديث، وقال الراغب: الحديث كل كلام يبلغ الإنسان من جهة السمع أو الوحي في يقظته أو منامه ويكون مصدرا بمعنى التكلم. وحمله بعضهم على هذا هنا بقرينة فَقالَ إلخ، وعلق به قوله تعالى إِذْ رَأى ناراً ولم يجوز تعلقه على تقدير كونه اسما للكلام والخبر لأنه حينئذ كالجوامد لا يعمل، والأظهر أنه اسم لما ذكر لأنه هو المعروف مع أن وصف القصة بالإتيان أولى من وصف التحدث والتكلم به وأمر التعلق سهل فإن الظرف يكفي لتعلقه رائحة الفعل، ولذا نقل الشريف عن بعضهم أن القصة والحديث والخبر والنبأ يجوز إعمالها في الظروف خاصة وإن لم يرد بها المعنى المصدري لتضمن معناها الحصول والكون.
وجوز أن يكون ظرفا لمضمر مؤخر أي حين رأن نارا كان كيت وكيت، وأن يكون مفعولا لمضمر متقدم أي فاذكر وقت رؤيته نارا. روي أن موسى عليه السّلام استأذن شعيبا عليه السّلام في الخروج من مدين إلى مصر لزيارة أمه وأخيه وقد طالت مدة جنايته بمصر ورجا خفاء أمره فأذن له وكان عليه السّلام رجلا غيورا فخرج بأهله ولم يصحب رفقة (١) لئلا ترى امرأته وكانت على أتان وعلى ظهرها جوالق فيها أثاث البيت ومعه غنم له وأخذ عليه السّلام على غير الطريق مخافة من ملوك الشام فلما وافى وادي طوى وهو بالجانب الغربي من الطور ولد له ابن في ليلة مظلمة شاتية مثلجة وكانت ليلة الجمعة وقد ضل الطريق وتفرقت ماشيته ولا ماء عنده وقدح فصلد زنده فبينما هو كذلك إذ رأى نارا على يسار الطريق من جانب الطور فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا أي أقيموا مكانكم أمرهم عليه السّلام بذلك لئلا يتبعوه فيما عزم عليه من الذهاب إلى النار كما هو المعتاد لا لئلا ينتقلوا إلى موضع آخر فإنه مما لا يخطر بالبال، والخطاب
وقيل: مسوق لترغيب النبي صلّى الله عليه وسلّم في الائتساء بموسى عليه السّلام في تحمل أعباء النبوة والصبر على مقاساة الخطوب في تبليغ أحكام الرسالة بعد ما خاطبه سبحانه بأنه كلفه التبليغ الشاق بناء على أن معنى قوله تعالى ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى إنا أنزلنا عليك القرآن لتحتمل متاعب التبليغ ومقاولة العتاة من أعداء الإسلام ومقاتلتهم وغير ذلك من أنواع المشاق وتكاليف النبوة وما أنزلنا عليك هذا المتعب الشاق إلا ليكون تذكرة فالواو كما قاله غير واحد لعطف القصة على القصة ولا نظر في ذلك إلى تناسبهما خيرا وطلبا بل يشترط التناسب فيما سيقاتله مع أن المعطوف هاهنا قد يؤول بالخبر.
ولا يخفى أن ما تقدم جار على سائر الأوجه والأقوال في الآية السابقة، وسبب نزولها ولا يأباه شيء من ذلك، والاستفهام تقريري، وقيل: هل بمعنى قد وقيل: الاستفهام إنكاري ومعناه النفي أي ما أخبرناك قبل هذه السورة بقصة موسى عليه السّلام ونحن الآن مخبروك بها والمعول عليه الأول، والحديث الخبر ويصدق على القليل والكثير ويجمع على أحاديث على غير قياس.
قال الفراء: نرى أن واحد الأحاديث أحدوثة ثم جعلوه جمعا للحديث، وقال الراغب: الحديث كل كلام يبلغ الإنسان من جهة السمع أو الوحي في يقظته أو منامه ويكون مصدرا بمعنى التكلم. وحمله بعضهم على هذا هنا بقرينة فَقالَ إلخ، وعلق به قوله تعالى إِذْ رَأى ناراً ولم يجوز تعلقه على تقدير كونه اسما للكلام والخبر لأنه حينئذ كالجوامد لا يعمل، والأظهر أنه اسم لما ذكر لأنه هو المعروف مع أن وصف القصة بالإتيان أولى من وصف التحدث والتكلم به وأمر التعلق سهل فإن الظرف يكفي لتعلقه رائحة الفعل، ولذا نقل الشريف عن بعضهم أن القصة والحديث والخبر والنبأ يجوز إعمالها في الظروف خاصة وإن لم يرد بها المعنى المصدري لتضمن معناها الحصول والكون.
وجوز أن يكون ظرفا لمضمر مؤخر أي حين رأن نارا كان كيت وكيت، وأن يكون مفعولا لمضمر متقدم أي فاذكر وقت رؤيته نارا. روي أن موسى عليه السّلام استأذن شعيبا عليه السّلام في الخروج من مدين إلى مصر لزيارة أمه وأخيه وقد طالت مدة جنايته بمصر ورجا خفاء أمره فأذن له وكان عليه السّلام رجلا غيورا فخرج بأهله ولم يصحب رفقة (١) لئلا ترى امرأته وكانت على أتان وعلى ظهرها جوالق فيها أثاث البيت ومعه غنم له وأخذ عليه السّلام على غير الطريق مخافة من ملوك الشام فلما وافى وادي طوى وهو بالجانب الغربي من الطور ولد له ابن في ليلة مظلمة شاتية مثلجة وكانت ليلة الجمعة وقد ضل الطريق وتفرقت ماشيته ولا ماء عنده وقدح فصلد زنده فبينما هو كذلك إذ رأى نارا على يسار الطريق من جانب الطور فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا أي أقيموا مكانكم أمرهم عليه السّلام بذلك لئلا يتبعوه فيما عزم عليه من الذهاب إلى النار كما هو المعتاد لا لئلا ينتقلوا إلى موضع آخر فإنه مما لا يخطر بالبال، والخطاب
(١) وقيل خرج برفقة إلا أنه كان يصحبهم ليلا ويفارقهم نهارا لغيرته اه منه. [.....]
480
قيل: للمرأة والولد والخادم، وقيل: للمرأة وحدها والجمع إما لظاهر لفظ الأهل أو للتفخيم كما في قول من قال:
وإن شئت حرمت النساء سواكم وقرأ الأعمش وطلحة وحمزة ونافع في رواية «لأهله امكثوا» بضم الهاء إِنِّي آنَسْتُ ناراً أي أبصرتها إبصارا بينا لا شبهة فيه، ومن ذلك إنسان العين والإنس خلاف الجن، وقيل: الإيناس خاص بإبصار ما يؤنس به، وقيل: هو بمعنى الوجدان، قال الحارث بن حلزة:
والجملة تعليل للأمر والمأمور به ولما كان الإيناس مقطوعا متيقنا حققه لهم بكلمة إن ليوطن أنفسهم وإن لم يكن ثمة تردد أو إنكار لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها أي أجيئكم من النار بِقَبَسٍ بشعلة مقتبسة تكون على رأس عود ونحوه ففعل بمعنى مفعول وهو المراد بالشهاب القبس وبالجذوة في موضع آخر وتفسيره بالجمرة ليس بشيء، وهذا الجار والمجرور متعلق بآتيكم، وأما منها فيحتمل لأن يكون متعلقا به وأن يكون متعلقا بمحذوف وقع حالا من (قبس) على ما قاله أبو البقاء أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً هاديا يدلني على الطريق على أنه مصدر سمي به الفاعل مبالغة أو حذف منه المضاف أي ذا هداية أو على أنه إذا وجد الهادي فقد وجد الهدى، وعن الزجاج أن المراد هاديا يدلني على الماء فإنه عليه السّلام قد ضل عن الماء، وعن مجاهد. وقتادة أن المراد هاديا يهديني إلى أبواب الدين فإن أفكار الأبرار مغمورة بالهمم الدينية في عامة أحوالهم لا يشغلهم عنها شاغل وهو بعيد فإن مساق النظم الكريم تسلية أهله مع أنه قد نص في سورة القصص على ما يقتضي ما تقدم حيث قال: لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ [القصص: ٢٩] الآية، والمشهور كتابة هذه الكلمة بالياء.
وقال أبو البقاء: الجيد أن تكتب بالألف ولا تمال لأن الألف بدل التنوين في القول المحقق، وقد أمالها قوم وفيه ثلاثة أوجه، الأول أن يكون شبه ألف التنوين بلام الكلمة إذا اللفظ بهما في المقصور واحد، الثاني أن يكون لام الكلمة ولم يبدل من التنوين شيء في النصب، والثالث أن يكون على رأي من وقف في الأحوال الثلاثة من غير إبدال انتهى، وكلمة أو لمنع الخلو دون الجمع وعلى على بابها من الاستعلاء والاستعلاء على النار مجاز مشهور صار حقيقة عرفية في الاستعلاء على مكان قريب ملاصق لها كما قال سبويه في مررت بزيد: إنه لصوق بمكان يقرب منه، وقال غير واحد: إن الجار والمجرور في موضع الحال من هُدىً وكان في موضع الصفة له فقدم والتقدير أو أجد هاديا أو ذا هدى مشرفا على النار، والمراد مصطليا بها وعادة المصطلي الدنو من النار والإشراف عليها.
وعن ابن الأنباري أن على هاهنا بمعنى عند أو بمعنى مع أو بمعنى الباء ولا حاجة إلى ذلك وكان الظاهر عليها إلا أنه جيء بالظاهر تصريحا بما هو كالعلة لوجدان الهدى إذ النار لا تخلو من أناس عندها، وصدرت الجملة بكلمة الترجي لما أن الإتيان وما عطف عليه ليسا محققي الوقوع بل هما مترقبان متوقعان. وهي على ما في إرشاد العقل السليم إما علة لفعل قد حذف ثقة بما يدل عليه من الأمر بالمكث والأخبار بإيناس النار وتفاديا عن التصريح بما يوحشهم، وإما حال من فاعله أي فاذهب إليها لآتيكم أو كي آتيكم أو راجيا أن آتيكم منها بقبس الآية، وقيل: هي صفة لنارا، ومتى جاز جعل جملة الترجي صلة كما في قوله:
فليجز جعلها صفة فإن الصلة والصفة متقاربان ولا يخفى ما فيه فَلَمَّا أَتاها أي النار التي آنسها وكانت كما في بعض الروايات عن ابن عباس في شجرة عناب خضراء يانعة، وقال عبد الله بن مسعود: كانت في سمرة، وقيل: في شجرة عوسج.
وأخرج الإمام أحمد في الزهد. وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال: لما
وإن شئت حرمت النساء سواكم وقرأ الأعمش وطلحة وحمزة ونافع في رواية «لأهله امكثوا» بضم الهاء إِنِّي آنَسْتُ ناراً أي أبصرتها إبصارا بينا لا شبهة فيه، ومن ذلك إنسان العين والإنس خلاف الجن، وقيل: الإيناس خاص بإبصار ما يؤنس به، وقيل: هو بمعنى الوجدان، قال الحارث بن حلزة:
آنست نبأة وقد راعها القن | اص يوما وقد دنا الإمساء |
وقال أبو البقاء: الجيد أن تكتب بالألف ولا تمال لأن الألف بدل التنوين في القول المحقق، وقد أمالها قوم وفيه ثلاثة أوجه، الأول أن يكون شبه ألف التنوين بلام الكلمة إذا اللفظ بهما في المقصور واحد، الثاني أن يكون لام الكلمة ولم يبدل من التنوين شيء في النصب، والثالث أن يكون على رأي من وقف في الأحوال الثلاثة من غير إبدال انتهى، وكلمة أو لمنع الخلو دون الجمع وعلى على بابها من الاستعلاء والاستعلاء على النار مجاز مشهور صار حقيقة عرفية في الاستعلاء على مكان قريب ملاصق لها كما قال سبويه في مررت بزيد: إنه لصوق بمكان يقرب منه، وقال غير واحد: إن الجار والمجرور في موضع الحال من هُدىً وكان في موضع الصفة له فقدم والتقدير أو أجد هاديا أو ذا هدى مشرفا على النار، والمراد مصطليا بها وعادة المصطلي الدنو من النار والإشراف عليها.
وعن ابن الأنباري أن على هاهنا بمعنى عند أو بمعنى مع أو بمعنى الباء ولا حاجة إلى ذلك وكان الظاهر عليها إلا أنه جيء بالظاهر تصريحا بما هو كالعلة لوجدان الهدى إذ النار لا تخلو من أناس عندها، وصدرت الجملة بكلمة الترجي لما أن الإتيان وما عطف عليه ليسا محققي الوقوع بل هما مترقبان متوقعان. وهي على ما في إرشاد العقل السليم إما علة لفعل قد حذف ثقة بما يدل عليه من الأمر بالمكث والأخبار بإيناس النار وتفاديا عن التصريح بما يوحشهم، وإما حال من فاعله أي فاذهب إليها لآتيكم أو كي آتيكم أو راجيا أن آتيكم منها بقبس الآية، وقيل: هي صفة لنارا، ومتى جاز جعل جملة الترجي صلة كما في قوله:
وإني لراج نظرة قبل التي | لعلي وإن شطت نواها أزورها |
وأخرج الإمام أحمد في الزهد. وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال: لما
481
رأى موسى عليه السّلام النار انطلق يسير حتى وقف منها قريبا فإذا هو بنار عظيمة تفور من ورق شجرة خضراء شديدة الخضرة يقال لها العليق لا تزداد النار فيما يرى إلا عظما وتضرما ولا تزداد الشجرة على شدة الحريق إلا خضرة وحسنا فوقف ينظر لا يدري علام يضع أمرها إلا أنه قد ظن أنها شجرة تحترق وأوقد إليها بوقد فنالها فاحترقت وأنه إنما يمنع النار شدة خضرتها وكثرة مائها وكثافة ورقها وعظم جذعها فوضع أمرها على هذا فوقف وهو يطمع أن يسقط منها شيء فيقتبسه فلما طال عليه ذلك أهوى إليها بضغث في يده وهو يريد أن يقتبس من لهبها فلما فعل ذلك مالت نحوه كأنها تريده فاستأخر عنها وهاب ثم عاد فطاف بها ولم تزل تطمعه ويطمع بها ثم لم يكن شيء بأوشك من خمودها فاشتد عند ذلك عجبه وفكر في أمرها فقال: هي نار ممتنعة لا يقتبس منها ولكنها تتضرم في جوف شجرة فلا تحرقها ثم خمودها على قدر عظمها في أوشك من طرفة عين فلما رأى ذلك قال إن لهذه لشأنا ثم وضع أمرها على أنها مأمورة أو مصنوعة لا يدري من أمرها ولا بم أمرت ولا من صنعها ولا لم صنعت فوقف متحيرا لا يدري أيرجع أم يقيم فبينما هو على ذلك إذ رمى بطرفه نحو فرعها فإذا أشد ما كان خضرة ساطعة في السماء ينظر إليها تغشى الظلام ثم لم تزل الخضرة تنور وتصفر وتبيض حتى صارت نورا ساطعا عمودا بين السماء والأرض عليه مثل شعاع الشمس تكل دونه الأبصار كلما نظر إليه يكاد يخطف بصره فعند ذلك اشتد خوفه وحزنه فرد يده على عينيه ولصق بالأرض وسمع حينئذ شيئا لم يسمع السامعون بمثله عظما فلما بلغ موسى عليه السّلام الكرب واشتد عليه الهول كان ما قص الله تعالى.
وروي أنه عليه السّلام كان كلما قرب منها تباعدت فإذا أدبر اتبعته فأيقن أن هذا أمر من أمور الله تعالى الخارقة للعادة ووقف متحيرا وسمع من السماء تسبيح الملائكة وألقيت عليه السكينة وكان ما كان.
وقالوا: النار أربعة أصناف صنف يأكل ولا يشرب وهي نار الدنيا، وصنف يشرب ولا يأكل وهي نار الشجر الأخضر، وصنف يأكل ويشرب وهي نار جهنم، وصنف لا يأكل ولا يشرب وهي نار موسى عليه السّلام. وقالوا أيضا هي أربعة أنواع: نوع له نور وإحراق وهي نار الدنيا، ونوع لا نور له ولا إحراق وهي نار الأشجار. ونوع له إحراق بلا نور وهي نار جهنم. ونوع له نور بلا إحراق وهي نار موسى عليه السّلام بل قال بعضهم: إنها لم تكن نارا بل هي نور من نور الرب تبارك وتعالى. وروي هذا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وذكر ذلك بلفظ النار بناء على حسبان موسى عليه السّلام وليس في أخباره عليه السّلام حسب حسبانه محذور كما توهم واستظهر ذلك أبو حيان وإليه ذهب الماوردي.
وقال سعيد بن جبير هي النار بعينها وهي إحدى حجب الله عز وجل واستدل له بما
روي عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «حجابه النار لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه»
ذكر ذلك البغوي وذكر في تفسير الخازن أن الحديث أخرجه مسلم وظاهر الآية يدل على أنه عليه السّلام حين أتاها نُودِيَ من غير ريث وبذلك رد بعض المعتزلة الأخبار السابقة الدالة على تخلل زمان بين المجيء والنداء، وأنت تعلم أن تخلل مثل ذلك الزمان مما لا يضر في مثل ما ذكر، وزعم أيضا امتناع تحقق ظهور الخارق عند مجيئه النار قبل أن ينبأ إلا أن يكون ذلك معجزة لغيره من الأنبياء عليهم السّلام، وعندنا أن ذلك من الإرهاص الذي ينكره المعتزلة، والظاهر أن القائم مقام فاعل نُودِيَ ضمير موسى عليه السّلام، وقيل: ضمير المصدر أي نودي النداء، وقيل: هو قوله تعالى:
يا مُوسى إلخ وكأن ذلك على اعتبار تضمين النداء معنى القول وإرادة هذا اللفظ من الجملة وإلا فقد قيل: إن الجملة لا تكون فاعلا ولا قائما مقامه في مثل هذا التركيب إلا بنحو هذا الضرب من التأويل.
وفي البحر مذهب الكوفيين معاملة النداء معاملة القول ومذهب البصريين إضمار القول في مثل هذه الآية أي نودي فقيل: يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ ولذلك كسرت همزة إن في قراءة الجمهور، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو
وروي أنه عليه السّلام كان كلما قرب منها تباعدت فإذا أدبر اتبعته فأيقن أن هذا أمر من أمور الله تعالى الخارقة للعادة ووقف متحيرا وسمع من السماء تسبيح الملائكة وألقيت عليه السكينة وكان ما كان.
وقالوا: النار أربعة أصناف صنف يأكل ولا يشرب وهي نار الدنيا، وصنف يشرب ولا يأكل وهي نار الشجر الأخضر، وصنف يأكل ويشرب وهي نار جهنم، وصنف لا يأكل ولا يشرب وهي نار موسى عليه السّلام. وقالوا أيضا هي أربعة أنواع: نوع له نور وإحراق وهي نار الدنيا، ونوع لا نور له ولا إحراق وهي نار الأشجار. ونوع له إحراق بلا نور وهي نار جهنم. ونوع له نور بلا إحراق وهي نار موسى عليه السّلام بل قال بعضهم: إنها لم تكن نارا بل هي نور من نور الرب تبارك وتعالى. وروي هذا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وذكر ذلك بلفظ النار بناء على حسبان موسى عليه السّلام وليس في أخباره عليه السّلام حسب حسبانه محذور كما توهم واستظهر ذلك أبو حيان وإليه ذهب الماوردي.
وقال سعيد بن جبير هي النار بعينها وهي إحدى حجب الله عز وجل واستدل له بما
روي عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «حجابه النار لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه»
ذكر ذلك البغوي وذكر في تفسير الخازن أن الحديث أخرجه مسلم وظاهر الآية يدل على أنه عليه السّلام حين أتاها نُودِيَ من غير ريث وبذلك رد بعض المعتزلة الأخبار السابقة الدالة على تخلل زمان بين المجيء والنداء، وأنت تعلم أن تخلل مثل ذلك الزمان مما لا يضر في مثل ما ذكر، وزعم أيضا امتناع تحقق ظهور الخارق عند مجيئه النار قبل أن ينبأ إلا أن يكون ذلك معجزة لغيره من الأنبياء عليهم السّلام، وعندنا أن ذلك من الإرهاص الذي ينكره المعتزلة، والظاهر أن القائم مقام فاعل نُودِيَ ضمير موسى عليه السّلام، وقيل: ضمير المصدر أي نودي النداء، وقيل: هو قوله تعالى:
يا مُوسى إلخ وكأن ذلك على اعتبار تضمين النداء معنى القول وإرادة هذا اللفظ من الجملة وإلا فقد قيل: إن الجملة لا تكون فاعلا ولا قائما مقامه في مثل هذا التركيب إلا بنحو هذا الضرب من التأويل.
وفي البحر مذهب الكوفيين معاملة النداء معاملة القول ومذهب البصريين إضمار القول في مثل هذه الآية أي نودي فقيل: يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ ولذلك كسرت همزة إن في قراءة الجمهور، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو
482
بفتحها على تقدير حرف الجر أي بأني، والجار والمجرور على ما قال أبو البقاء. وغيره متعلق بنودي والنداء قد يوصل بحرف الجر أنشد أبو علي:
ولا يخفى على ذي ذوق سليم حال التركيب على هذا التخريج وإنه إنما يحلو لو لم يكن المنادى فاصلا.
وقيل: على تقدير حرف التعليل وتعلقه بفعل الأمر بعد وهو كما ترى. واختير أن الكلام على تقدير العلم أي اعلم أني إلخ، وتكرير ضمير المتكلم لتأكيد الدلالة وتحقيق المعرفة وإماطة الشبهة، واستظهر أن علمه عليه السّلام بأن الذي ناداه هو الله تعالى حصل له بالضرورة خلقا منه تعالى فيه، وقيل: بالاستدلال بما شاهد قبل النداء من الخارق، وقيل: بما حصل له من ذلك بعد النداء،
فقد روي أنه عليه السّلام لما نودي يا موسى قال عليه السّلام: من المتكلم؟
فقال: أنا ربك فوسوس إليه إبليس اللعين لعلك تسمع كلام شيطان فقال عليه السّلام: أنا عرفت أنه كلام الله تعالى بأني أسمعه من جميع الجهات بجميع الأعضاء،
والخارق فيه أمران سماعه من جميع الجهات وكون ذلك بجميع الأعضاء التي من شأنها السماء والتي لم يكن من شأنها، وقيل: الخارق فيه أمر واحد وهو السماع بجميع الأعضاء، وهو المراد بالسماع من جميع الجهات، وأيّا ما كان فلا يخفى صحة الاستدلال بذلك على المطلوب إلا أن في صحة الخبر خفاء ولم أر له سندا يعول عليه، وحضور الشيطان ووسوسته لموسى عليه السّلام في ذلك الوادي المقدس والحضرة الجليلة في غاية البعد. والمعتزلة أوجبوا أن يكون العلم بالاستدلال بالخارق ولم يجوزوا أن يكون بالضرورة قالوا لأنه لو حصل العلم الضروري بكون هذا النداء كلام الله تعالى لحصل العلم الضروري بوجود الصانع القادر العالم لاستحالة أن تكون الصفة معلومة بالضرورة والذات تكون معلومة بالاستدلال ولو كان وجود الصانع تعالى معلوما بالضرورة لخرج موسى عليه السّلام عن كونه مكلفا لأن حصول العلم الضروري ينافي التكليف وبالاتفاق أنه عليه السّلام لم يخرج عن التكليف فعلمنا أن الله تعالى عرفه ذلك بالخارق وفي تعيينه اختلاف.
وقال بعضهم: لا حاجة بنا إلى أن نعرف ذلك الخارق ما هو،
وأخرج أحمد وغيره عن وهب أنه عليه السّلام لما اشتد عليه الهول نودي من الشجرة، فقيل: يا موسى فأجاب سريعا وما يدري من دعاه وما كان سرعة إجابته إلا استئناسا بالإنس فقال: لبيك مرارا إني لأسمع صوتك وأحس حسك ولا أرى مكانك فأين أنت: قال: أنا فوقك ومعك وأمامك وخلفك وأقرب إليك من نفسك فلما سمع هذا موسى عليه السّلام علم أنه لا ينبغي ذلك إلا لربه تعالى فأيقن به فقال:
كذلك أنت يا إلهي فكلامك أسمع أم رسولك؟ قال: بل أنا الذي أكلمك،
ولا يخفى تخريج هذا الأثر على مذهب السلف ومذهب الصوفية وأنه لا يحصل الإيقان بمجرد سماع ما لا ينبغي أن يكون إلا لله تعالى من الصفات إذا فتح باب الوسوسة، ثم إن هذا الأثر ظاهر في أن موسى عليه السّلام سمع الكلام اللفظي منه تعالى بلا واسطة ولذا اختص عليه السّلام باسم الكليم وهو مذهب جماعة من أهل السنة وذلك الكلام قديم عندهم. وأجابوا عن استلزام اللفظ الحدوث لأنه لا يوجد بعضه إلا بتقضي بعض آخر بأنه إنما يلزم من التلفظ بآلة وجارحة وهي اللسان أما إذا كان بدونها فيوجد دفعة واحدة كما يشاهد في الحروف المرسومة بطبع الخاتم دون القلم ويلزمهم أن يؤولوا قوله تعالى: فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ إلخ بأن يقولوا: المراد فلما أتاها أسمع النداء أو نحو ذلك وإلا فمجيء النار حادث والمرتب على الحادث حادث، ولذا زعم أهل ما وراء النهر من أهل السنة القائلين بقدم الكلام أن هذا الكلام الذي سمعه موسى عليه السّلام حادث وهو صوت خلقه الله تعالى في الشجرة، وأهل البدعة أجمعوا على أن الكلام اللفظي حادث بيد أن منهم من جوز قيام الحوادث به تعالى شأنه ومنهم من لم يجوز، وزعم أن الذي سمعه موسى عليه السّلام خلقه الله عز وجل في جسم من الأجسام كالشجرة أو غيرها.
ناديت باسم ربيعة بن مكرم | إن المنوه باسمه الموثوق |
وقيل: على تقدير حرف التعليل وتعلقه بفعل الأمر بعد وهو كما ترى. واختير أن الكلام على تقدير العلم أي اعلم أني إلخ، وتكرير ضمير المتكلم لتأكيد الدلالة وتحقيق المعرفة وإماطة الشبهة، واستظهر أن علمه عليه السّلام بأن الذي ناداه هو الله تعالى حصل له بالضرورة خلقا منه تعالى فيه، وقيل: بالاستدلال بما شاهد قبل النداء من الخارق، وقيل: بما حصل له من ذلك بعد النداء،
فقد روي أنه عليه السّلام لما نودي يا موسى قال عليه السّلام: من المتكلم؟
فقال: أنا ربك فوسوس إليه إبليس اللعين لعلك تسمع كلام شيطان فقال عليه السّلام: أنا عرفت أنه كلام الله تعالى بأني أسمعه من جميع الجهات بجميع الأعضاء،
والخارق فيه أمران سماعه من جميع الجهات وكون ذلك بجميع الأعضاء التي من شأنها السماء والتي لم يكن من شأنها، وقيل: الخارق فيه أمر واحد وهو السماع بجميع الأعضاء، وهو المراد بالسماع من جميع الجهات، وأيّا ما كان فلا يخفى صحة الاستدلال بذلك على المطلوب إلا أن في صحة الخبر خفاء ولم أر له سندا يعول عليه، وحضور الشيطان ووسوسته لموسى عليه السّلام في ذلك الوادي المقدس والحضرة الجليلة في غاية البعد. والمعتزلة أوجبوا أن يكون العلم بالاستدلال بالخارق ولم يجوزوا أن يكون بالضرورة قالوا لأنه لو حصل العلم الضروري بكون هذا النداء كلام الله تعالى لحصل العلم الضروري بوجود الصانع القادر العالم لاستحالة أن تكون الصفة معلومة بالضرورة والذات تكون معلومة بالاستدلال ولو كان وجود الصانع تعالى معلوما بالضرورة لخرج موسى عليه السّلام عن كونه مكلفا لأن حصول العلم الضروري ينافي التكليف وبالاتفاق أنه عليه السّلام لم يخرج عن التكليف فعلمنا أن الله تعالى عرفه ذلك بالخارق وفي تعيينه اختلاف.
وقال بعضهم: لا حاجة بنا إلى أن نعرف ذلك الخارق ما هو،
وأخرج أحمد وغيره عن وهب أنه عليه السّلام لما اشتد عليه الهول نودي من الشجرة، فقيل: يا موسى فأجاب سريعا وما يدري من دعاه وما كان سرعة إجابته إلا استئناسا بالإنس فقال: لبيك مرارا إني لأسمع صوتك وأحس حسك ولا أرى مكانك فأين أنت: قال: أنا فوقك ومعك وأمامك وخلفك وأقرب إليك من نفسك فلما سمع هذا موسى عليه السّلام علم أنه لا ينبغي ذلك إلا لربه تعالى فأيقن به فقال:
كذلك أنت يا إلهي فكلامك أسمع أم رسولك؟ قال: بل أنا الذي أكلمك،
ولا يخفى تخريج هذا الأثر على مذهب السلف ومذهب الصوفية وأنه لا يحصل الإيقان بمجرد سماع ما لا ينبغي أن يكون إلا لله تعالى من الصفات إذا فتح باب الوسوسة، ثم إن هذا الأثر ظاهر في أن موسى عليه السّلام سمع الكلام اللفظي منه تعالى بلا واسطة ولذا اختص عليه السّلام باسم الكليم وهو مذهب جماعة من أهل السنة وذلك الكلام قديم عندهم. وأجابوا عن استلزام اللفظ الحدوث لأنه لا يوجد بعضه إلا بتقضي بعض آخر بأنه إنما يلزم من التلفظ بآلة وجارحة وهي اللسان أما إذا كان بدونها فيوجد دفعة واحدة كما يشاهد في الحروف المرسومة بطبع الخاتم دون القلم ويلزمهم أن يؤولوا قوله تعالى: فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ إلخ بأن يقولوا: المراد فلما أتاها أسمع النداء أو نحو ذلك وإلا فمجيء النار حادث والمرتب على الحادث حادث، ولذا زعم أهل ما وراء النهر من أهل السنة القائلين بقدم الكلام أن هذا الكلام الذي سمعه موسى عليه السّلام حادث وهو صوت خلقه الله تعالى في الشجرة، وأهل البدعة أجمعوا على أن الكلام اللفظي حادث بيد أن منهم من جوز قيام الحوادث به تعالى شأنه ومنهم من لم يجوز، وزعم أن الذي سمعه موسى عليه السّلام خلقه الله عز وجل في جسم من الأجسام كالشجرة أو غيرها.
483
وقال الأشعري: إن الله تعالى أسمع موسى عليه السّلام كلامه النفسي الذي ليس بحرف ولا صوت ولا سبيل للعقل إلى معرفة ذلك، وقد حققه بعضهم بأنه عليه السّلام تلقى ذلك الكلام تلقيا روحانيا كما تتلقى الملائكة عليهم السّلام كلامه تعالى لا من جارحة ثم أفاضته الروح بواسطة قوة العقل على القوى النفسية ورسمته في الحس المشترك بصور ألفاظ مخصوصة فصار لقوة تصوره كأنه يسمعه من الخارج وهذا كما يرى النائم أنه يكلم ويتكلم، ووجه وقوف الشيطان المار في الخبر الذي سمعت ما فيه على هذا بأنه يحتمل أن يكون كذلك، ويحتمل أن يكون بالتفرس من كون هيئته عليه السّلام على هيئة المصغي المتأمل لما يسمعه وهو كما ترى، وقد تقدم لك في المقدمات ما عسى ينفعك مراجعته هنا فراجعه وتأمل، واعلم أن شأن الله تعالى شأنه كله غريب وسبحان الله العزيز الحكيم فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ أزلهما من رجليك والنعل معروفة وهي مؤنثة يقال في تصغيرها نعيلة ويقال فيها نعل: بفتح العين أنشد الفراء:
وأمر صلّى الله عليه وسلّم بذلك لما أنهما كانتا من جلد حمار ميت غير مدبوغ كما روي عن الصادق رضي الله تعالى عنه
وعكرمة وقتادة والسدي ومقاتل والضحاك والكلبي، وروي كونهما من جلد حمار في حديث غريب.
فقد أخرج الترمذي بسنده عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان على موسى عليه السّلام يوم كلمه ربه كساء صوف وجبة صوف وكمة صوف أي قلنسوة صغيرة وسراويل صوف وكانت نعلاه من جلد حمار»
، وعن الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وابن جريج أنهما كانتا من جلد بقرة ذكيت ولكن أمر عليه السّلام بخلعهما ليباشر بقدميه الأرض فتصيبه بركة الوادي المقدس.
وقال الأصم: لأن الحفوة أدخل في التواضع. وحسن الأدب ولذلك كان السلف الصالحون يطوفون بالكعبة حافين، ولا يخفى أن هذا ممنوع عند القائل بأفضلية الصلاة بالنعال كما جاء في بعض الآثار، ولعل الأصم لم يسمع ذلك أو يجيب عنه.
وقال أبو مسلم: لأنه تعالى أمنه من الخوف وأوقفه بالموضع الطاهر وهو عليه السّلام إنما لبسهما اتقاء من الإنجاس وخوفا من الحشرات، وقيل: المعنى فرغ قلبك من الأهل والمال. وقيل: من الدنيا والآخرة.
ووجه ذلك أن يراد بالنعل كل ما يرتفق به، وغلب على ما ذكر تحقيرا، ولذا أطلق على الزوجة نعل كما في كتب اللغة، ولا يخفى عليك أنه بعيد وإن وجه بما ذكر وهو أليق بباب الإشارة، والفاء لترتيب الأمر على ما قبلها فإن ربوبيته تعالى له عليه السّلام من موجبات الأمر ودواعيه، وقوله تعالى إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ تعليل لموجب الخلع المأمور به وبيان لسبب ورود الأمر بذلك من شرف البقعة وقدسها. روي أنه عليه السّلام حين أمر خلعهما وألقاهما وراء الوادي طُوىً بضم الطاء غير منون.
وقرأ الكوفيون وابن عامر بضمها منونا وقرأ الحسن والأعمش وأبو حيوة وابن أبي إسحاق وأبو السمال وابن محيصن بكسرها منونا وقرأ أبو زيد عن أبي عمرو بكسرها غير منون وهو علم لذلك الوادي فيكون بدلا أو عطف بيان، ومن نونه فعلى تأويل المكان ومن لم ينونه فعلى تأويل البقعة فهو ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث، وقيل طُوىً المضموم الطاء الغير المنون ممنوع من الصرف للعلمية والعدل كزفر وقثم، وقيل: للعلمية والعجمة وقال قطرب: يقال طوى من الليل أي ساعة أي قدس لك ساعة من الليل وهي ساعة أن نودي فيكون معمولا للمقدس، وفي العجائب للكرماني قيل: هو معرب معناه ليلا وكأنه أراد قول قطرب، وقيل: هو رجل بالعبرانية وكأنه على هذا منادى، وقال الحسن: طوى بكسر الطاء والتنوين مصدر كثنى لفظا ومعنى، وهو عنده معمول للمقدس أيضا أي قدس مرة بعد أخرى، وجوز أن يكون معمولا لنودي أي نودي نداءين، وقال ابن السيد: إنه ما يطوى من جلد الحية ويقال: فعل
له نعل لا يطبى الكلب ريحها | وإن وضعت بين المجالس شمت |
وعكرمة وقتادة والسدي ومقاتل والضحاك والكلبي، وروي كونهما من جلد حمار في حديث غريب.
فقد أخرج الترمذي بسنده عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان على موسى عليه السّلام يوم كلمه ربه كساء صوف وجبة صوف وكمة صوف أي قلنسوة صغيرة وسراويل صوف وكانت نعلاه من جلد حمار»
، وعن الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وابن جريج أنهما كانتا من جلد بقرة ذكيت ولكن أمر عليه السّلام بخلعهما ليباشر بقدميه الأرض فتصيبه بركة الوادي المقدس.
وقال الأصم: لأن الحفوة أدخل في التواضع. وحسن الأدب ولذلك كان السلف الصالحون يطوفون بالكعبة حافين، ولا يخفى أن هذا ممنوع عند القائل بأفضلية الصلاة بالنعال كما جاء في بعض الآثار، ولعل الأصم لم يسمع ذلك أو يجيب عنه.
وقال أبو مسلم: لأنه تعالى أمنه من الخوف وأوقفه بالموضع الطاهر وهو عليه السّلام إنما لبسهما اتقاء من الإنجاس وخوفا من الحشرات، وقيل: المعنى فرغ قلبك من الأهل والمال. وقيل: من الدنيا والآخرة.
ووجه ذلك أن يراد بالنعل كل ما يرتفق به، وغلب على ما ذكر تحقيرا، ولذا أطلق على الزوجة نعل كما في كتب اللغة، ولا يخفى عليك أنه بعيد وإن وجه بما ذكر وهو أليق بباب الإشارة، والفاء لترتيب الأمر على ما قبلها فإن ربوبيته تعالى له عليه السّلام من موجبات الأمر ودواعيه، وقوله تعالى إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ تعليل لموجب الخلع المأمور به وبيان لسبب ورود الأمر بذلك من شرف البقعة وقدسها. روي أنه عليه السّلام حين أمر خلعهما وألقاهما وراء الوادي طُوىً بضم الطاء غير منون.
وقرأ الكوفيون وابن عامر بضمها منونا وقرأ الحسن والأعمش وأبو حيوة وابن أبي إسحاق وأبو السمال وابن محيصن بكسرها منونا وقرأ أبو زيد عن أبي عمرو بكسرها غير منون وهو علم لذلك الوادي فيكون بدلا أو عطف بيان، ومن نونه فعلى تأويل المكان ومن لم ينونه فعلى تأويل البقعة فهو ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث، وقيل طُوىً المضموم الطاء الغير المنون ممنوع من الصرف للعلمية والعدل كزفر وقثم، وقيل: للعلمية والعجمة وقال قطرب: يقال طوى من الليل أي ساعة أي قدس لك ساعة من الليل وهي ساعة أن نودي فيكون معمولا للمقدس، وفي العجائب للكرماني قيل: هو معرب معناه ليلا وكأنه أراد قول قطرب، وقيل: هو رجل بالعبرانية وكأنه على هذا منادى، وقال الحسن: طوى بكسر الطاء والتنوين مصدر كثنى لفظا ومعنى، وهو عنده معمول للمقدس أيضا أي قدس مرة بعد أخرى، وجوز أن يكون معمولا لنودي أي نودي نداءين، وقال ابن السيد: إنه ما يطوى من جلد الحية ويقال: فعل
484
الشيء طوى أي مرتين فيكون موضوعا موضع المصدر، وأنشد الطبرسي لعدي بن زيد:
وذكر الراغب أنه إذا كان بمعنى مرتين يفتح أوله ويكسر، ولا يخفى عليك أن الأظهر كونه اسما للوادي في جميع القراءات وَأَنَا اخْتَرْتُكَ أي اصطفيتك من الناس أو من قومك للنبوة والرسالة. وقرأ السلمي وابن هرمز والأعمش في رواية «وإنا» بكسر الهمزة وتشديد النون مع ألف بعدها «اخترناك» بالنون والألف، وكذا قرأ طلحة وابن أبي ليلى وحمزة وخلف والأعمش في رواية أخرى إلا أنهم فتحوا همزة إن، وذلك بتقدير أعلم أي واعلم أنا اخترناك، وهو على ما قيل عطف على «اخلع»، ويجوز عند من قرأ «أني أنا ربك» بالفتح أن يكون العطف عليه سواء كان متعلقا بنودي كما قيل أو معمولا لا علم مقدرا كما اختير.
وجوز أبو البقاء أن يكون بتقدير اللام وهو متعلق بما بعده أي لأنا اخترناك فَاسْتَمِعْ وهو كما ترى، والفاء في قوله تعالى فَاسْتَمِعْ لترتيب الأمر والمأمور به على ما قبلها فإن اختياره عليه السّلام لما ذكر من موجبات الاستماع والأمر به، واللام في قوله سبحانه لِما يُوحى متعلقة باستمع، وجوز أن تكون متعلقة باخترناك، ورده أبو حيان بأنه يكون حينئذ من باب الأعمال ويجب أو يختار حينئذ إعادة الضمير مع الثاني بأن يقال: فاستمع له لما يوحى.
وأجيب بأن المراد جواز تعلقها بكل من الفعلين على البدل لا على أنه من الأعمال. واعترض على هذا بأن قوله تعالى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا بدل من ما يُوحى ولا ريب في أن اختياره عليه السّلام ليس لهذا فقط والتعلق باخترناك كيفما كان يقتضيه. وأجيب بأنه من باب التنصيص على ما هو الأهم والأصل الأصيل، وقيل: هي سيف خطيب فلا متعلق لها كما في رَدِفَ لَكُمْ [النمل: ٧٢] وما موصولة.
وجوز أن تكون مصدرية أي فاستمع للذي يوحى إليك أو للوحي، وفي أمره عليه السّلام بالاستماع إشارة إلى عظم ذلك وأنه يقتضي التأهب له، قال أبو الفضل الجوهري: لما قيل لموسى عليه السّلام استمع لما يوحى وقف على حجر واستند إلى حجر ووضع يمينه على شماله وألقى ذقنه على صدره وأصغى بشراشره.
وقال وهب: أدب الاستماع سكون الجوارح وغض البصر والإصغاء بالسمع وحضور العقل والعزم على العمل وذلك هو الاستماع لما يحب الله تعالى، وحذف الفاعل في يُوحى للعلم به ويحسنه كونه فاصلة فإنه لو كان مبنيا للفاعل لم يكن فاصلة، والفاء في قوله تعالى فَاعْبُدْنِي لترتيب المأمور به على ما قبلها فإن اختصاص الألوهية به تعالى شأنه من موجبات تخصيص العبادة به عز وجل، والمراد بها غاية التذلل والانقياد له تعالى في جميع ما يكلفه به، وقيل: المراد بها هنا التوحيد كما في قوله سبحانه وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: ٥٦] والأول أولى وَأَقِمِ الصَّلاةَ خصت الصلاة بالذكر وأفردت بالأمر مع اندراجها في الأمر بالعبادة لفضلها وإنافتها على سائر العبادات بما نيطت به من ذكر المعبود وشغل القلب واللسان بذكره، وقد سماها الله تعالى إيمانا في قوله سبحانه وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ [البقرة: ١٤٣].
واختلف العلماء في كفر تاركها كسلا كما فصل في محله، وقوله تعالى لِذِكْرِي الظاهر أنه متعلق بأقم أي أقم الصلاة لتذكرني فيها لاشتمالها على الأذكار، وروي ذلك عن مجاهد، وقريب منه ما قيل أي لتكون لي ذاكرا غير ناس فعل المخلصين في جعلهم ذكر ربهم على بال منهم وتوكيل هممهم وأفكارهم به، وفرق بينهما بأن المراد بالإقامة على الأول تعديل الأركان، وعلى الثاني الإدامة وجعلت الصلاة في الأول مكانا للذكر ومقره وعلته، وعلى الثاني جعلت إقامة الصلاة أي إدامتها علة لإدامة الذكر كأنه قيل أدم الصلاة لتستعين بها على استغراق فكرك وهمك في الذكر كقوله تعالى وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة: ٤٥].
أعاذل إن اللوم في غير كنهه | على طوى من غيك المتردد |
وجوز أبو البقاء أن يكون بتقدير اللام وهو متعلق بما بعده أي لأنا اخترناك فَاسْتَمِعْ وهو كما ترى، والفاء في قوله تعالى فَاسْتَمِعْ لترتيب الأمر والمأمور به على ما قبلها فإن اختياره عليه السّلام لما ذكر من موجبات الاستماع والأمر به، واللام في قوله سبحانه لِما يُوحى متعلقة باستمع، وجوز أن تكون متعلقة باخترناك، ورده أبو حيان بأنه يكون حينئذ من باب الأعمال ويجب أو يختار حينئذ إعادة الضمير مع الثاني بأن يقال: فاستمع له لما يوحى.
وأجيب بأن المراد جواز تعلقها بكل من الفعلين على البدل لا على أنه من الأعمال. واعترض على هذا بأن قوله تعالى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا بدل من ما يُوحى ولا ريب في أن اختياره عليه السّلام ليس لهذا فقط والتعلق باخترناك كيفما كان يقتضيه. وأجيب بأنه من باب التنصيص على ما هو الأهم والأصل الأصيل، وقيل: هي سيف خطيب فلا متعلق لها كما في رَدِفَ لَكُمْ [النمل: ٧٢] وما موصولة.
وجوز أن تكون مصدرية أي فاستمع للذي يوحى إليك أو للوحي، وفي أمره عليه السّلام بالاستماع إشارة إلى عظم ذلك وأنه يقتضي التأهب له، قال أبو الفضل الجوهري: لما قيل لموسى عليه السّلام استمع لما يوحى وقف على حجر واستند إلى حجر ووضع يمينه على شماله وألقى ذقنه على صدره وأصغى بشراشره.
وقال وهب: أدب الاستماع سكون الجوارح وغض البصر والإصغاء بالسمع وحضور العقل والعزم على العمل وذلك هو الاستماع لما يحب الله تعالى، وحذف الفاعل في يُوحى للعلم به ويحسنه كونه فاصلة فإنه لو كان مبنيا للفاعل لم يكن فاصلة، والفاء في قوله تعالى فَاعْبُدْنِي لترتيب المأمور به على ما قبلها فإن اختصاص الألوهية به تعالى شأنه من موجبات تخصيص العبادة به عز وجل، والمراد بها غاية التذلل والانقياد له تعالى في جميع ما يكلفه به، وقيل: المراد بها هنا التوحيد كما في قوله سبحانه وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: ٥٦] والأول أولى وَأَقِمِ الصَّلاةَ خصت الصلاة بالذكر وأفردت بالأمر مع اندراجها في الأمر بالعبادة لفضلها وإنافتها على سائر العبادات بما نيطت به من ذكر المعبود وشغل القلب واللسان بذكره، وقد سماها الله تعالى إيمانا في قوله سبحانه وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ [البقرة: ١٤٣].
واختلف العلماء في كفر تاركها كسلا كما فصل في محله، وقوله تعالى لِذِكْرِي الظاهر أنه متعلق بأقم أي أقم الصلاة لتذكرني فيها لاشتمالها على الأذكار، وروي ذلك عن مجاهد، وقريب منه ما قيل أي لتكون لي ذاكرا غير ناس فعل المخلصين في جعلهم ذكر ربهم على بال منهم وتوكيل هممهم وأفكارهم به، وفرق بينهما بأن المراد بالإقامة على الأول تعديل الأركان، وعلى الثاني الإدامة وجعلت الصلاة في الأول مكانا للذكر ومقره وعلته، وعلى الثاني جعلت إقامة الصلاة أي إدامتها علة لإدامة الذكر كأنه قيل أدم الصلاة لتستعين بها على استغراق فكرك وهمك في الذكر كقوله تعالى وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة: ٤٥].
485
وجوز أن يكون متعلقا باعبدني أو بأقم على أنه من باب الأعمال أي لتكون ذاكرا لي بالعبادة وإقامة الصلاة، وإذا عمم الذكر ليتناول القلبي والقالبي جاز اعتبار باب الأعمال في الأول أيضا وهو خلاف الظاهر.
وقيل: المراد أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي خاصة لا ترائي بها ولا تشوبها بذكر غيري أو لإخلاص ذكري وابتغاء وجهي ولا تقصد بها غرضا آخر كقوله تعالى فَصَلِّ لِرَبِّكَ [الكوثر: ٢] أو لأن أذكرك بالثناء أي لأثني عليك وأثيبك بها أو لذكري إياها في الكتب الإلهية وأمري بها أو لأوقات ذكري وهي مواقيت الصلوات فاللام وقتية بمعنى عند مثلها في قوله تعالى يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي [الفجر: ٢٤] وقولك: كان ذلك لخمس ليال خلون، ومن الناس من حمل الذكر على ذكر الصلاة بعد نسيانها، وروي ذلك عن أبي جعفر، واللام حينئذ وقتية أو تعليلية، والمراد أقم الصلاة عند تذكرها أو لأجل تذكرها والكلام على تقدير مضاف والأصل لذكر صلاتي أو يقال: إن ذكر الصلاة سبب لذكر الله تعالى فأطلق المسبب على السبب أو أنه وقع ضمير الله تعالى موقع ضمير الصلاة لشرفها أو أن المراد للذكر الحاصل مني فأضيف الذكر إلى الله عز وجل لهذه الملابسة، والذي حمل القائل على هذا الحمل أنه
ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة أنه صلّى الله عليه وسلّم نام عن صلاة الصبح فلما قضاها قال: من نسي صلاة فليقضها إذا ذكرها
فإن الله تعالى قال:
أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي فظن هذا القائل أنه لو لم يحمل هذا الحمل لم يصح التعليل وهو من بعض الظن فإن التعليل كما في الكشف صحيح والذكر على ما فسر في الوجه الأول وأراد عليه الصلاة والسّلام أنه إذا ذكر الصلاة انتقل من ذكرها إلى ذكر ما شرعت له وهو ذكر الله تعالى فيحمله على إقامتها، وقال بعض المحققين: إنه لما جعل المقصود الأصلي من الصلاة ذكر الله تعالى وهو حاصل مطلوب في كل وقت فإذا فاته الوقت المحدود له ينبغي المبادرة إليه ما أمكنه فهو من إشارة النص لا من منطوقه حتى يحتاج إلى التمحل فافهم.
وإضافة «ذكر» إلى الضمير تحتمل أن تكون من إضافة المصدر إلى مفعوله وأن تكون من إضافة المصدر إلى فاعله حسب اختلاف التفسير.
وقرأ السلمي والنخعي وأبو رجاء «للذكرى» بلام التعريف وألف التأنيث، وقرأت فرقة «لذكري» بألف التأنيث بغير لام التعريف، وأخرى «للذكر» بالتعريف والتذكير وقوله تعالى إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ تعليل لوجوب العبادة وإقامة الصلاة أي كائنة لا محالة، وإنما عبر عن ذلك بالإتيان تحقيقا لحصولها بإبرازها في معرض أمر محقق متوجه نحو المخاطبين أَكادُ أُخْفِيها أقرب أن أخفي الساعة ولا أظهرها بأن أقول إنها آتية ولولا أن في الأخبار بذلك من اللطف وقطع الأعذار لما فعلت، وحاصله أكاد أبالغ في إخفائها فلا أجمل كما لم أفصل، والمقاربة هنا مجاز كما نص عليه أبو حيان أو أريد إخفاء وقتها المعين وعدم إظهاره وإلى ذلك ذهب الأخفش وابن الأنباري وأبو مسلم ومن مجيء كاد بمعنى أراد كما قال ابن جني في المحتسب قوله:
وروي عن ابن عباس وجعفر الصادق رضي الله تعالى عنهما أن المعنى أكاد أخفيها من نفسي،
ويؤيده أن في مصحف أبي كذلك، وروى ابن خالويه عنه ذلك بزيادة فكيف أظهركم عليها، وفي بعض القراءات بزيادة فكيف أظهرها لكم، وفي مصحف عبد الله بزيادة فكيف يعلمها مخلوق وهذا محمول على ما جرت به عادة العرب من أن أحدهم إذا أراد المبالغة في كتمان الشيء قال: كدت أخفيه من نفسي ومن ذلك قوله:
وقول الآخر:
نعم ما يخل بأمر التبليغ من رتة تؤدي إلى عدم فهم الوحي معها ونفرة السامع عن سماع ذلك مما يجل عنه الأنبياء عليهم السّلام فهم كلهم فصحاء اللسان لا يفوت سامعهم شيء من كلامهم ولا ينفر عن سماعه وإن تفاوتوا في مراتب تلك الفصاحة وكأنه عليه السّلام إنما لم يطلب أعلى مراتب فصاحة اللسان وطلاقته عند الجبائي ومن وافقه لأنه لم ير في ذلك كثير فضل، وغاية ما قيل فيه أنه زينة من زينة الدنيا وبهاء من بهائها والفضل الكثير في فصاحة البيان بالمعنى المشهور في عرف أهل المعاني والبيان وما ورد مما يدل على ذم ذلك فليس على إطلاقه كما بين في شروح الأحاديث. ثم إن المشهور تفسير اللسان بالآلة الجارحة نفسها وفسره بعضهم بالقوة النطقية القائمة بالجارحة. والفقه العلم بالشيء والفهم له كما في القاموس وغيره، وقال الراغب: هو التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من العلم.
والظاهر هنا الفهم أي احلل عقدة من لساني يفهموا قولي وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي أي معاونا في تحمل أعباء ما كلفته على أن اشتقاقه من الوزر بكسر فسكون بمعنى الحمل الثقيل فهو في الأصل صفة من ذلك ومعناه صاحب وزر أي حامل حمل ثقيل، وسمي القائم بأمر الملك بذلك لأنه يحمل عنه وزر الأمور وثقلها أو ملجأ اعتصم برأيه على أن اشتقاقه من الوزر بفتحتين وأصله الجبل يتحصن به ثم استعمل بمعنى الملجأ مطلقا كما في قوله:
وسمي وزير الملك بذلك لأن الملك يعتصم برأيه ويلتجىء إليه في أمره فهو فعيل بمعنى مفعول على الحذف والإيصال أي ملجوء إليه أو هو للنسب، وقيل: أصله أزير من الأزر بمعنى القوة ففعيل بمعنى مفاعل كالعشير والجليس قلبت همزته واوا كقلبها في موازر وقلبت فيه لانضمام ما قبلها ووزير بمعناه فحمل عليه وحمل النظير على النظير كثير في كلامهم إلا أنه سمع مؤازر من غير إبدال ولم يسمع أزير بدونه على أنه مع وجود الاشتقاق الواضح وهو ما تقدم لا حاجة إلى هذا الاشتقاق وادعاء القلب. ونصبه على أنه مفعول ثان ل اجْعَلْ قدم على الأول الذي هو قوله تعالى هارُونَ اعتناء بشأن الوزارة لأنها المطلوبة ولِي صلة للجعل أو متعلق بمحذوف وقع حالا من وزيرا وهو صفة له في الأصل ومِنْ أَهْلِي إما صفة لوزيرا أو صلة لأجعل، وقيل: مفعولاه لِي وَزِيراً ومِنْ أَهْلِي على ما مر من الوجهين وهارُونَ عطف بيان للوزير بناء على ما ذهب إليه الزمخشري والرضي من أنه لا يشترط التوافق في التعريف والتنكير، وقيل: هو بدل من وزيرا. وتعقب بأنه يكون حينئذ هو المقصود بالنسبة مع أن وزارته هي المقصودة بالقصد الأول هنا.
وجوز كونه منصوبا بفعل مقدر في جواب من اجعل؟ أي اجعل هارون، وقيل: مفعولاه وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ولِي تيبين كما في سقيا له.
ومفتوح الميم مصدر ملك، والمعنى ما فعلنا ذلك بأن ملكنا الصواب ووفقنا له بل غلبتنا أنفسنا ومكسور الميم كثر استعماله فيما تحوزه اليد ولكنه يستعمل في الأمور التي يبرمها الإنسان، والمعنى عليه كالمعنى على المفتوح الميم، والمصدر في هذين الوجهين مضاف إلى الفاعل والمفعول مقدر أي بملكنا الصواب وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ استدراك عما سبق واعتذار عما فعلوا ببيان منشأ الخطأ، والمراد بالقوم القبط والأوزار الأحمال وتسمى بها الآثام. وعنوا بذلك ما استعاروه من القبط من الحلي برسم التزين في عيد لهم قبيل الخروج من مصر كما أسلفنا.
وقيل: استعاروه باسم العرس. وقيل: هو ما ألقاه البحر على الساحل مما كان على الذين غرقوا، ولعلهم أطلقوا على ذلك الأوزار مرادا بها الآثام من حيث أن الحلي سبب لها غالبا لما أنه يلبس في الأكثر للفخر والخيلاء والترفع على الفقراء، وقيل: من حيث أنهم أثموا بسببه وعبدوا العجل المصوغ منه، وقيل من حيث أن ذلك الحلي صار بعد هلاك أصحابه في حكم الغنيمة ولم يكن مثل هذه الغنيمة حلالا لهم بلا ظاره الأحاديث الصحيحة أن الغنائم سواء كانت من المنقولات أم لا لم تحل لأحد قبل نبينا ص، والرواية السابقة في كيفية الإضلال توافق هذا التوجيه إلا أنه يشكل على ذلك ما روي من أن موسى عليه السلام هو الذي أمرهم بالاستعارة حتى قيل: إن فاعل التحميل في قولهم حُمِّلْنا هو موسى عليه السلام حيث ألزمهم ذلك بأمرهم بالاستعارة وقد أبقاه في أيديهم بعد هلاك أصحابه وأقرهم على استعماله فإذا لم يكن حلالا فكيف يقرهم، وكذا يقال على القول بأن المراد به ما ألقاه البحر على الساحل، واحتمال أن موسى عليه السلام نهى عن ذلك وظن الامتثال ولم يطلع على عدمه لإخفاء الحال عنه عليه السلام مما لا يكاد يلتفت إلى مثله أصلا لا سيما على رواية أنهم أمروا باستعارة دواب من القوم أيضا فاستعاروها وخرجوا بها.
وقد يقال: إن أموال القبط مطلقا بعد هلاكهم كانت حلالا عليهم كما يقتضيه ظاهر قوله تعالى كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ [الدخان: ٢٥، ٢٦] كذلك وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ [غافر: ٥٣] وقد أضاف سبحانه الحلي إليهم في قوله تعالى وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً [الأعراف: ١٤٨] وذلك يقتضي بظاهره أن الحلي ملك لهم ويدعي اختصاص الحل فيما كان الرد فيه متعذرا لهلاك صاحبه ومن يقوم مقامه، ولا ينافي ذلك
قوله ص: «أحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي
لجواز أن يكون المراد به أحلت لي الغنائم على أي وجه كانت ولم تحل كذلك لأحد قبلي ويكون تسميتهم ذلك أوزارا إما لما تقدم من الوجه الأول والثاني وإما لظنهم الحرمة لجهلهم في أنفسهم أو لإلقاء السامري الشبهة عليهم، وقيل: إن موسى عليه السلام أمره الله تعالى أن يأمرهم بالاستعارة فأمرهم وأبقى ما استعاروه بأيديهم بعد هلاك أصحابه بحكم ذلك الأمر منتظرا ما يأمر الله تعالى به بعد. وقد جاء في بعض الأخبار ما يدل على أن الله سبحانه بين حكمه على لسان هارون عليه السلام بعد ذهاب موسى عليه السلام للميقات كما سنذكره قريبا إن شاء الله تعالى فتأمل ذاك والله تعالى يتولى هداك. والجار والمجرور يحتمل أن يكون متعلقا بحملنا وأن يكون متعلقا بمحذوف وقع صفة لأوزارا، ولا يتعين ذلك بناء على قولهم: إن الجمل والظروف بعد النكرات صفات وبعد المعارف أحوال لأن ذلك ليس على إطلاقه.
وقرأ الأخوان وأبو عمرو وابن محيصن «حملنا» بفتح الحاء والميم وأبو رجاء «حملنا» بضم الحاء وكسر الميم
وقيل: المراد أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي خاصة لا ترائي بها ولا تشوبها بذكر غيري أو لإخلاص ذكري وابتغاء وجهي ولا تقصد بها غرضا آخر كقوله تعالى فَصَلِّ لِرَبِّكَ [الكوثر: ٢] أو لأن أذكرك بالثناء أي لأثني عليك وأثيبك بها أو لذكري إياها في الكتب الإلهية وأمري بها أو لأوقات ذكري وهي مواقيت الصلوات فاللام وقتية بمعنى عند مثلها في قوله تعالى يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي [الفجر: ٢٤] وقولك: كان ذلك لخمس ليال خلون، ومن الناس من حمل الذكر على ذكر الصلاة بعد نسيانها، وروي ذلك عن أبي جعفر، واللام حينئذ وقتية أو تعليلية، والمراد أقم الصلاة عند تذكرها أو لأجل تذكرها والكلام على تقدير مضاف والأصل لذكر صلاتي أو يقال: إن ذكر الصلاة سبب لذكر الله تعالى فأطلق المسبب على السبب أو أنه وقع ضمير الله تعالى موقع ضمير الصلاة لشرفها أو أن المراد للذكر الحاصل مني فأضيف الذكر إلى الله عز وجل لهذه الملابسة، والذي حمل القائل على هذا الحمل أنه
ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة أنه صلّى الله عليه وسلّم نام عن صلاة الصبح فلما قضاها قال: من نسي صلاة فليقضها إذا ذكرها
فإن الله تعالى قال:
أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي فظن هذا القائل أنه لو لم يحمل هذا الحمل لم يصح التعليل وهو من بعض الظن فإن التعليل كما في الكشف صحيح والذكر على ما فسر في الوجه الأول وأراد عليه الصلاة والسّلام أنه إذا ذكر الصلاة انتقل من ذكرها إلى ذكر ما شرعت له وهو ذكر الله تعالى فيحمله على إقامتها، وقال بعض المحققين: إنه لما جعل المقصود الأصلي من الصلاة ذكر الله تعالى وهو حاصل مطلوب في كل وقت فإذا فاته الوقت المحدود له ينبغي المبادرة إليه ما أمكنه فهو من إشارة النص لا من منطوقه حتى يحتاج إلى التمحل فافهم.
وإضافة «ذكر» إلى الضمير تحتمل أن تكون من إضافة المصدر إلى مفعوله وأن تكون من إضافة المصدر إلى فاعله حسب اختلاف التفسير.
وقرأ السلمي والنخعي وأبو رجاء «للذكرى» بلام التعريف وألف التأنيث، وقرأت فرقة «لذكري» بألف التأنيث بغير لام التعريف، وأخرى «للذكر» بالتعريف والتذكير وقوله تعالى إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ تعليل لوجوب العبادة وإقامة الصلاة أي كائنة لا محالة، وإنما عبر عن ذلك بالإتيان تحقيقا لحصولها بإبرازها في معرض أمر محقق متوجه نحو المخاطبين أَكادُ أُخْفِيها أقرب أن أخفي الساعة ولا أظهرها بأن أقول إنها آتية ولولا أن في الأخبار بذلك من اللطف وقطع الأعذار لما فعلت، وحاصله أكاد أبالغ في إخفائها فلا أجمل كما لم أفصل، والمقاربة هنا مجاز كما نص عليه أبو حيان أو أريد إخفاء وقتها المعين وعدم إظهاره وإلى ذلك ذهب الأخفش وابن الأنباري وأبو مسلم ومن مجيء كاد بمعنى أراد كما قال ابن جني في المحتسب قوله:
كادت وكدت وتلك خير إرادة | لو عاد من لهو الصبابة ما مضى |
ويؤيده أن في مصحف أبي كذلك، وروى ابن خالويه عنه ذلك بزيادة فكيف أظهركم عليها، وفي بعض القراءات بزيادة فكيف أظهرها لكم، وفي مصحف عبد الله بزيادة فكيف يعلمها مخلوق وهذا محمول على ما جرت به عادة العرب من أن أحدهم إذا أراد المبالغة في كتمان الشيء قال: كدت أخفيه من نفسي ومن ذلك قوله:
أيام تصحبني هند وأخبرها | ما كدت أكتمه عني من الخبر |
فإن تدفنوا الداء لا نخفه | وإن توقدوا الحرب لا نقعد |
هممت ولم أفعل وكدت وليتني | تركت على عثمان تبكي حلائله |
سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه | فما أن يكاد قرنه يتنفس |
ولا يخفى ما فيه، وقيل: ما موصولة أي بالذي تسعى فيه، وفيه حذف العائد المجرور بالحرف مع فقد شرطه.
وأجيب بأنه يجوز أن يكون القائل لا يشترط، وقيل: يقدر منصوبا على التوسع فَلا يَصُدَّنَّكَ خطاب لموسى
487
ﭹﭺﭻﭼ
ﰐ
ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ
ﰑ
ﮌﮍﮎ
ﰒ
ﮐﮑﮒﮓﮔ
ﰓ
ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ
ﰔ
ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ
ﰕ
ﮫﮬﮭﮮ
ﰖ
ﮰﮱﯓﯔﯕ
ﰗ
ﯗﯘﯙﯚﯛ
ﰘ
ﯝﯞﯟ
ﰙ
ﯡﯢﯣﯤ
ﰚ
ﯦﯧ
ﰛ
ﯩﯪﯫﯬﯭ
ﰜ
ﯯﯰ
ﰝ
ﯲﯳﯴ
ﰞ
ﯶﯷﯸ
ﰟ
ﯺﯻﯼ
ﰠ
ﯾﯿ
ﰡ
ﰁﰂﰃﰄ
ﰢ
ﰆﰇﰈﰉﰊ
ﰣ
ﰌﰍﰎﰏﰐ
ﰤ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ
ﰥ
ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ
ﰦ
ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ
ﰧ
ﮖﮗ
ﰨ
ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ
ﰩ
ﮢﮣﮤﮥﮦ
ﰪ
ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ
ﰫ
عليه السّلام، وزعم بعضهم أنه لنبينا صلّى الله عليه وسلّم لفظا ولأمته معنى وهو في غاية البعد عَنْها أي الساعة، والمراد عن ذكرها ومراقبتها، وقيل: عن الإيمان بإتيانها ورجح الأول بأنه الأليق بشأن موسى عليه السّلام وإن كان النهي بطريق التهييج والإلهاب ورجوع ضمير عَنْها إلى الساعة هو الظاهر وكذا رجوع ضمير بِها في قوله تعالى مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وقيل: الضميران راجعان إلى الصلاة، وقيل: ضمير عَنْها راجع إلى الصلاة وضمير بها راجع إلى الساعة وقيل:
الضميران راجعان إلى كلمة لا إِلهَ إِلَّا أَنَا وقيل: الأول راجع إلى العبادة والثاني راجع إلى الساعة، وقيل: هما راجعان إلى الخصال المذكورة، وتقديم الجار والمجرور على الفاعل لما مر غير مرة من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر ولأن في المؤخر نوع طول ربما يخل تقديمه بجزالة النظم الكريم، والنهي وإن كان بحسب الظاهر نهيا للكافر عن صد موسى عليه السّلام عن الساعة لكنه في الحقيقة نهي له عليه السّلام عن الانصداد عنها على أبلغ وجه وآكده فإن النهي عن أسباب الشيء ومبادئه المؤدية إليه نهي عنه بالطريق البرهاني وإبطال للسببية عن أصلها كما في قوله تعالى لا يَجْرِمَنَّكُمْ [المائدة: ٢- ٨- هود: ٨٩] إلخ فإن صد الكافر حيث كان سببا لانصداده عليه السّلام كان النهي عنه نهيا بأصله وموجبه وإبطالا له بالكلية، ويجوز أن يكون نهيا عن السبب على أن يراد نهيه عليه السّلام عن إظهار لين الجانب للكفرة فإن ذلك سبب لصدهم إياه عليه السّلام كما في قوله:- لا أرينك هاهنا- فإن المراد به نهي المخاطب عن الحضور لديه الموجب لرؤيته فكأنه قيل: كن شديد الشكيمة صلب المعجم حتى لا يتلوح منك لمن يكفر بالساعة وينكر البعث أنه يطمع في صدك عما أنت عليه، وفيه حث على الصلابة في الدين وعدم اللين المطمع لمن كفر وَاتَّبَعَ هَواهُ أي ما تهواه نفسه من اللذات الحسية الفانية فصده عن الإيمان فَتَرْدى أي فتهلك فإن الإغفال عن الساعة وعن تحصيل ما ينجي عن أحوالها مستتبع للهلاك لا محالة.
وذكر العلامة الطيبي أنه يمكن أن يحمل مَنْ لا يُؤْمِنُ على المعرض عن عبادة الله تعالى المتهالك في الدنيا المنغمس في لذاتها وشهواتها بدليل وَاتَّبَعَ إلخ ويحمل نهي الصد على نهي النظر إلى متمتعاته من زهرة الحياة الدنيا ليكون على وزان قوله تعالى وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً [الحجر: ٨٧، ٨٨] إلخ، ويحمل متابعة الهوى على الميل إلى الإخلاد إلى الأرض كقوله تعالى وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ [الأعراف: ١٧٦] يعني تفرغ لعبادتي ولا تلتفت إلى ما الكفرة فيه فإنه مهلك فإن ما أوليناك واخترناه لك هو المقصد الأسنى وفي هذا حث عظيم على الاشتغال بالعبادة وزجر بليغ عن الركون إلى الدنيا ونعيمها، ولا يخلو عن حسن وإن كان خلاف الظاهر. و «تردى» يحتمل أن يكون منصوبا في جواب النهي وأن يكون مرفوعا والجملة خبر مبتدأ محذوف أي فأنت تردى بسبب ذلك. وقرأ يحيى «فتردى» بكسر التاء.
الضميران راجعان إلى كلمة لا إِلهَ إِلَّا أَنَا وقيل: الأول راجع إلى العبادة والثاني راجع إلى الساعة، وقيل: هما راجعان إلى الخصال المذكورة، وتقديم الجار والمجرور على الفاعل لما مر غير مرة من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر ولأن في المؤخر نوع طول ربما يخل تقديمه بجزالة النظم الكريم، والنهي وإن كان بحسب الظاهر نهيا للكافر عن صد موسى عليه السّلام عن الساعة لكنه في الحقيقة نهي له عليه السّلام عن الانصداد عنها على أبلغ وجه وآكده فإن النهي عن أسباب الشيء ومبادئه المؤدية إليه نهي عنه بالطريق البرهاني وإبطال للسببية عن أصلها كما في قوله تعالى لا يَجْرِمَنَّكُمْ [المائدة: ٢- ٨- هود: ٨٩] إلخ فإن صد الكافر حيث كان سببا لانصداده عليه السّلام كان النهي عنه نهيا بأصله وموجبه وإبطالا له بالكلية، ويجوز أن يكون نهيا عن السبب على أن يراد نهيه عليه السّلام عن إظهار لين الجانب للكفرة فإن ذلك سبب لصدهم إياه عليه السّلام كما في قوله:- لا أرينك هاهنا- فإن المراد به نهي المخاطب عن الحضور لديه الموجب لرؤيته فكأنه قيل: كن شديد الشكيمة صلب المعجم حتى لا يتلوح منك لمن يكفر بالساعة وينكر البعث أنه يطمع في صدك عما أنت عليه، وفيه حث على الصلابة في الدين وعدم اللين المطمع لمن كفر وَاتَّبَعَ هَواهُ أي ما تهواه نفسه من اللذات الحسية الفانية فصده عن الإيمان فَتَرْدى أي فتهلك فإن الإغفال عن الساعة وعن تحصيل ما ينجي عن أحوالها مستتبع للهلاك لا محالة.
وذكر العلامة الطيبي أنه يمكن أن يحمل مَنْ لا يُؤْمِنُ على المعرض عن عبادة الله تعالى المتهالك في الدنيا المنغمس في لذاتها وشهواتها بدليل وَاتَّبَعَ إلخ ويحمل نهي الصد على نهي النظر إلى متمتعاته من زهرة الحياة الدنيا ليكون على وزان قوله تعالى وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً [الحجر: ٨٧، ٨٨] إلخ، ويحمل متابعة الهوى على الميل إلى الإخلاد إلى الأرض كقوله تعالى وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ [الأعراف: ١٧٦] يعني تفرغ لعبادتي ولا تلتفت إلى ما الكفرة فيه فإنه مهلك فإن ما أوليناك واخترناه لك هو المقصد الأسنى وفي هذا حث عظيم على الاشتغال بالعبادة وزجر بليغ عن الركون إلى الدنيا ونعيمها، ولا يخلو عن حسن وإن كان خلاف الظاهر. و «تردى» يحتمل أن يكون منصوبا في جواب النهي وأن يكون مرفوعا والجملة خبر مبتدأ محذوف أي فأنت تردى بسبب ذلك. وقرأ يحيى «فتردى» بكسر التاء.
488
وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى شروع في حكاية ما كلفه عليه السّلام من الأمور المتعلق بالخلق إثر حكاية ما أمر به من الشؤون الخاصة بنفسه. فما استفهامية في محل الرفع بالابتداء وتِلْكَ خبره أو بالعكس وهو أدخل بحسب المعنى وأوفق بالجواب وبِيَمِينِكَ متعلق بمضمر وقع حالا من تِلْكَ أي وما تلك قارة أو مأخوذة بيمينك والعامل فيه ما فيه من معنى الإشارة كما في قوله عز وعلا حكاية وَهذا بَعْلِي شَيْخاً [هود: ٧٢] وتسميه النحاة عاملا معنويا.
وقال ابن عطية: تِلْكَ اسم موصول وبِيَمِينِكَ متعلق بمحذوف صلته أي وما التي استقرت بيمينك. وهو على مذهب الكوفيين الذين يقولون إن كل اسم إشارة يجوز أن يكون اسما موصولا. ومذهب البصريين عدم جواز ذلك إلا في ذا بشرطه. والاستفهام تقريري وسيأتي قريبا إن شاء الله تعالى بيان المراد منه قالَ هِيَ عَصايَ نسبها عليه السّلام إلى نفسه تحقيقا لوجه كونها بيمينه وتمهيدا لما يعقبه من الأفاعيل المنسوبة إليه عليه السّلام. واسمها على ما روي عن مقاتل نبعة. وكان عليه السّلام قد أخذها من بيت عصى الأنبياء عليهم السّلام التي كانت عند شعيب حين استأجره للرعي هبط بها آدم عليه السّلام من الجنة وكانت فيما يقال من آسها. وقال وهب: كانت من العوسج وطولها عشرة أذرع على مقدار قامته عليه السّلام. وقيل: اثنتا عشرة ذراعا بذراع موسى عليه السّلام. وذكر المسند إليه وإن كان هو الأصل لرغبته عليه السّلام في المناجاة ومزيد لذاذته بذلك. وقرأ ابن أبي إسحاق والجحدري «عصي» بقلب الألف ياء وإدغامها في ياء المتكلم على لغة هذيل فإنهم يقلبون الألف التي قبل ياء المتكلم ياء للمجانسة كما يكسر ما قبلها في الصحيح. قال شاعرهم:
وقرأ الحسن «عصاي» بكسر الباء وهي مروية عن أبي ابن إسحاق أيضا وأبي عمرو، وهذه الكسرة لالتقاء الساكنين كما في البحر. وعن ابن أبي إسحق «عصاي» بسكون الياء كأنه اعتبر الوقف ولم يبال بالتقاء الساكنين، والعصا من المؤنثات السماعية ولا تلحقها التاء، وأول لحن سمع بالعراق كما قال الفراء: هذه عصاتي وتجمع على عصي بكسر أوله وضمه وأعص وأعصاء أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها أي أتحامل عليها في المشي والوقوف على رأس القطيع ونحو ذلك وَأَهُشُّ بِها أي أخبط بها ورق الشجر وأضربه ليسقط عَلى غَنَمِي فتأكله. وقرأ النخعي كما ذكر أبو الفضل الرازي. وابن عطية «أهشّ» بكسر الهاء ومعناه كمعنى مضموم الهاء، والمفعول على القراءتين محذوف كما أشرنا إليه.
وقال أبو الفضل: يحتمل أن يكون ذلك من هش يهش هشاشة إذ مال أي أميل بها على غنمي بما يصلحها من السوق وإسقاط الورق لتأكله ونحوهما، ويقال: هش الورق والكلأ والنبات إذا جف ولان انتهى. وعلى هذا لا حذف.
وقال ابن عطية: تِلْكَ اسم موصول وبِيَمِينِكَ متعلق بمحذوف صلته أي وما التي استقرت بيمينك. وهو على مذهب الكوفيين الذين يقولون إن كل اسم إشارة يجوز أن يكون اسما موصولا. ومذهب البصريين عدم جواز ذلك إلا في ذا بشرطه. والاستفهام تقريري وسيأتي قريبا إن شاء الله تعالى بيان المراد منه قالَ هِيَ عَصايَ نسبها عليه السّلام إلى نفسه تحقيقا لوجه كونها بيمينه وتمهيدا لما يعقبه من الأفاعيل المنسوبة إليه عليه السّلام. واسمها على ما روي عن مقاتل نبعة. وكان عليه السّلام قد أخذها من بيت عصى الأنبياء عليهم السّلام التي كانت عند شعيب حين استأجره للرعي هبط بها آدم عليه السّلام من الجنة وكانت فيما يقال من آسها. وقال وهب: كانت من العوسج وطولها عشرة أذرع على مقدار قامته عليه السّلام. وقيل: اثنتا عشرة ذراعا بذراع موسى عليه السّلام. وذكر المسند إليه وإن كان هو الأصل لرغبته عليه السّلام في المناجاة ومزيد لذاذته بذلك. وقرأ ابن أبي إسحاق والجحدري «عصي» بقلب الألف ياء وإدغامها في ياء المتكلم على لغة هذيل فإنهم يقلبون الألف التي قبل ياء المتكلم ياء للمجانسة كما يكسر ما قبلها في الصحيح. قال شاعرهم:
سبقوا هوى وأعنقوا لهواهم | فتخرموا ولكل جنب مصرع |
وقال أبو الفضل: يحتمل أن يكون ذلك من هش يهش هشاشة إذ مال أي أميل بها على غنمي بما يصلحها من السوق وإسقاط الورق لتأكله ونحوهما، ويقال: هش الورق والكلأ والنبات إذا جف ولان انتهى. وعلى هذا لا حذف.
489
وقرأ الحسن وعكرمة «أهشّ» بضم الهاء والسين المهملة من الهس وهو زجر الغنم، وتعديته بعلى لتضمين معنى الإنحاء يقال: أنحى عليه بالعصا إذا رفعها عليه موهما للضرب أي أزجرها منحيا عليها. وفي كتاب السين والشين لصاحب القاموس يقال: هس الشيء وهشه إذا فته وكسره فهما بمعنى. ونقل ابن خالويه عن النخعي أنه قرأ «أهش» من أهش رباعيا.
وذكر صاحب اللوامح عن عكرمة. ومجاهد «أهش» بضم الهاء وتخفيف الشين المعجمة ثم قال: لا أعرف وجهه إلا أن يكون بمعنى أهش بالتضعيف لكن فر منه لأن الشين فيه تفش فاستثقل الجمع بين التضعيف والتفشي فيكون كتخفيف ظلت ونحوه اه وهو في غاية البعد. وقرأ جماعة «غنمي» بسكون النون. وأخرى «على غنمي» على أن «على» جار ومجرور و «غنمي» مفعول صريح للفعل السابق، ولم أقف على ذكر كيفية قراءة هذه الجماعة ذلك الفعل وهو على قراءة الجمهور مما لا يظهر تعديه للغنم، وكذا على قراءة غيرهم إلا بنوع تكلف، والغنم الشاه وهو اسم مؤنث موضوع للجنس يقع على الذكر والإناث وعليهما جميعا ولا واحد له من لفظه وإنما واحده شاة وإذا صغرته قلت غنيمة بالهاء ويجمع على أغنام وغنوم وأغانم، وقالوا: غنمان في التثنية على إرادة قطعتين وقدم عليه السّلام بيان مصلحة نفسه في قوله: أتوكأ عليها وثنى بمصلحة رعيته في قوله: وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي ولعل ذلك لأنه عليه السّلام كان قريب العهد بالتوكؤ فكان أسبق إلى ذهنه ويليه الهش على غنمه.
وقد روى الإمام أحمد أنه عليه السّلام بعد أن ناداه ربه سبحانه وتحقق أنه جل وعلا هو المنادي قال سبحانه له: ادن مني فجمع يديه في العصا ثم تحامل حتى استقل قائما فرعدت فرائصه حتى اختلفت واضطربت رجلاه وانقطع لسانه وانكسر قلبه ولم يبق منه عظم يحمل آخر فهو بمنزلة الميت إلا أن روح الحياة تجري فيه ثم زحف وهو مرعوب حتى وقف قريبا من الشجرة التي نودي منها فقال له الرب تبارك وتعالى ما تلك بيمينك يا موسى؟
فقال ما قص عز وجل، وقيل: لعل تقديم التوكؤ عليها لأنه الأوفق للسؤال بما تلك بيمينك، ثم إنه عليه السّلام أجمل أوصافها في قوله وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى أي حاجات أخر ومفرده مأربة مثلثة الراء. وعومل في الوصف معاملة مفردة فلم يقل أخر وذلك جائز في غير الفواصل وفيها كما هنا أجوز وأحسن.
ونقل الأهوازي في كتاب الاقناع عن الزهري. وشيبة أنهما قرآ «مأرب» بغير همز وكأنه يعني بغير همز محقق، ومحصله أنهما سهلا الهمزة بين بين، وقد روى الإمام أحمد وغيره عن وهب في تعيين هذه المآرب أنه كان لها شعبتان ومحجن تحتهما فإذا طال الغصن حناه بالمحجن وإذا أراد كسره لواه بالشعبتين وكان إذا شاء عليه السّلام ألقاها على عاتقه فعلق بها قوسه وكنانته ومخلاته وثوبه وزادا إن كان معه وكان إذا رتع في البرية حيث لا ظل له ركزها ثم عرض بالزندين الزند الأعلى والزند السفلي على شعبتيها وألقى فوقها كساءه فاستظل بها ما كان مرتعا، وكان إذا ورد ماء يقصر عنه رشاؤه وصل بها، وكان يقاتل بها السباع عن غنمه.
وذكر بعضهم أنه كان عليه السّلام يستقي بها فتطول بطول البئر وتصير شعبتاها دلوا وتكونان شمعتين في الليل وإذا ظهر عدو حاربت عنه وإذا اشتهى ثمرة ركزها فأورقت وأثمرت وكان يحمل علهيا زاده وسقاء فجعلت تماشيه ويركزها فينبع الماء وإذا رفعها نضب وكانت تقيه الهوام وكانت تحدثه وتؤنسه، ونقل الطبرسي كثيرا مما ذكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
والظاهر أن ذلك مما كان فيها بعد، وتكلف بعضهم للقول بأنه مما كان قبل. ويحتمل إن صح خبر في ذلك ولا أراه يصح فيه شيء، وكأن المراد من سؤاله تعالى إياه عليه السّلام أن يعدد المرافق الكثيرة التي علقها بالعصا
وذكر صاحب اللوامح عن عكرمة. ومجاهد «أهش» بضم الهاء وتخفيف الشين المعجمة ثم قال: لا أعرف وجهه إلا أن يكون بمعنى أهش بالتضعيف لكن فر منه لأن الشين فيه تفش فاستثقل الجمع بين التضعيف والتفشي فيكون كتخفيف ظلت ونحوه اه وهو في غاية البعد. وقرأ جماعة «غنمي» بسكون النون. وأخرى «على غنمي» على أن «على» جار ومجرور و «غنمي» مفعول صريح للفعل السابق، ولم أقف على ذكر كيفية قراءة هذه الجماعة ذلك الفعل وهو على قراءة الجمهور مما لا يظهر تعديه للغنم، وكذا على قراءة غيرهم إلا بنوع تكلف، والغنم الشاه وهو اسم مؤنث موضوع للجنس يقع على الذكر والإناث وعليهما جميعا ولا واحد له من لفظه وإنما واحده شاة وإذا صغرته قلت غنيمة بالهاء ويجمع على أغنام وغنوم وأغانم، وقالوا: غنمان في التثنية على إرادة قطعتين وقدم عليه السّلام بيان مصلحة نفسه في قوله: أتوكأ عليها وثنى بمصلحة رعيته في قوله: وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي ولعل ذلك لأنه عليه السّلام كان قريب العهد بالتوكؤ فكان أسبق إلى ذهنه ويليه الهش على غنمه.
وقد روى الإمام أحمد أنه عليه السّلام بعد أن ناداه ربه سبحانه وتحقق أنه جل وعلا هو المنادي قال سبحانه له: ادن مني فجمع يديه في العصا ثم تحامل حتى استقل قائما فرعدت فرائصه حتى اختلفت واضطربت رجلاه وانقطع لسانه وانكسر قلبه ولم يبق منه عظم يحمل آخر فهو بمنزلة الميت إلا أن روح الحياة تجري فيه ثم زحف وهو مرعوب حتى وقف قريبا من الشجرة التي نودي منها فقال له الرب تبارك وتعالى ما تلك بيمينك يا موسى؟
فقال ما قص عز وجل، وقيل: لعل تقديم التوكؤ عليها لأنه الأوفق للسؤال بما تلك بيمينك، ثم إنه عليه السّلام أجمل أوصافها في قوله وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى أي حاجات أخر ومفرده مأربة مثلثة الراء. وعومل في الوصف معاملة مفردة فلم يقل أخر وذلك جائز في غير الفواصل وفيها كما هنا أجوز وأحسن.
ونقل الأهوازي في كتاب الاقناع عن الزهري. وشيبة أنهما قرآ «مأرب» بغير همز وكأنه يعني بغير همز محقق، ومحصله أنهما سهلا الهمزة بين بين، وقد روى الإمام أحمد وغيره عن وهب في تعيين هذه المآرب أنه كان لها شعبتان ومحجن تحتهما فإذا طال الغصن حناه بالمحجن وإذا أراد كسره لواه بالشعبتين وكان إذا شاء عليه السّلام ألقاها على عاتقه فعلق بها قوسه وكنانته ومخلاته وثوبه وزادا إن كان معه وكان إذا رتع في البرية حيث لا ظل له ركزها ثم عرض بالزندين الزند الأعلى والزند السفلي على شعبتيها وألقى فوقها كساءه فاستظل بها ما كان مرتعا، وكان إذا ورد ماء يقصر عنه رشاؤه وصل بها، وكان يقاتل بها السباع عن غنمه.
وذكر بعضهم أنه كان عليه السّلام يستقي بها فتطول بطول البئر وتصير شعبتاها دلوا وتكونان شمعتين في الليل وإذا ظهر عدو حاربت عنه وإذا اشتهى ثمرة ركزها فأورقت وأثمرت وكان يحمل علهيا زاده وسقاء فجعلت تماشيه ويركزها فينبع الماء وإذا رفعها نضب وكانت تقيه الهوام وكانت تحدثه وتؤنسه، ونقل الطبرسي كثيرا مما ذكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
والظاهر أن ذلك مما كان فيها بعد، وتكلف بعضهم للقول بأنه مما كان قبل. ويحتمل إن صح خبر في ذلك ولا أراه يصح فيه شيء، وكأن المراد من سؤاله تعالى إياه عليه السّلام أن يعدد المرافق الكثيرة التي علقها بالعصا
490
ويستكثرها ويستعظمها ثم يريه تعالى عقب ذلك الآية العظيمة كأنه جل وعلا يقول: أين أنت عن هذه المنفعة العظمى والمأربة الكبرى المنسية عندها كل منفعة ومأربة كنت تعتد بها وتحتفل بشأنها فما طالبة للوصف أو يقدر المنفعة بعدها. واختيار ما يدل على البعد في اسم الإشارة للإشارة إلى التعظيم وكذا في النداء إيماء إليه والتعداد في الجواب لأجله، ومَآرِبُ أُخْرى تتميم للاستعظام بأنها أكثر من أن تحصى، وذكر العصا في الجواب ليجري عليها النعوت المادحة وفيه من تعظيم شأنها ما ليس في ترك ذكرها، ويندفع بهذا ما أورد من أنه يلزم على هذا الوجه استدراك هِيَ عَصايَ إذ لا دخل له في تعداد المنافع.
ويجوز أن يكون المراد إظهاره عليه السّلام حقارتها ليريه عز وجل عظيم ما يخترعه في الخشبة اليابسة مما يدل على باهر قدرته سبحانه كما هو شأن من أراد أن يظهر من الشيء الحقير شيئا عظيما فإنه يعرضه على الحاضرين ويقول ما هذا؟ فيقولون هو الشيء الفلاني ويصفونه بما يبعد عما يريد إظهاره منه ثم يظهر ذلك فما طالبة للجنس وتِلْكَ للتحقير والتعداد في الجواب لأجله مَآرِبُ أُخْرى تتميم لذلك أيضا بأن المسكوت عنه من جنس المنطوق فكأنه عليه السّلام قال: هي خشبة يابسة لا تنفع إلا منافع سائر الخشبات ولذلك ذكر عليه السّلام العصا وأجرى عليها ما أجرى، وقيل: إنه عليه السّلام لما رأى من آيات ربه ما رأى غلبت عليه الدهشة والهيبة فسأله سبحانه وتكلم معه إزالة لتلك الهيبة والدهشة فما طالبة إما للوصف أو للجنس وتكرير النداء لزيادة التأنيس، ولعل اختيار ما يدل على البعد في اسم الإشارة لتنزيل العصا منزلة البعيد لغفلته عليه السّلام عنها بما غلب عليه من ذلك، والإجمال في قوله: وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى يحتمل أن يكون رجاء أن يسأله سبحانه عن تلك المآرب فيسمع كلامه عز وجل مرة أخرى. وتطول المكالمة وتزداد اللذاذة التي لأجلها أطنب أولا، وما ألذ مكالمة المحبوب، ومن هنا قيل:
ويحتمل أن يكون لعود غلبة الدهشة إليه عليه السّلام، وزعم بعضهم أنه تعالى سأله عليه السّلام ليقرره على أنها خشبة حتى إذا قلبها حية لا يخافها وليس بشيء، وعلى جميع هذه الأقوال السؤال واحد الجواب واحد كما هو الظاهر، وقيل: أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها إلخ جواب لسؤال آخر وهو أنه لما قال: هِيَ عَصايَ قال له تعالى: فما تصنع بها؟
فقال: أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها إلخ، وقيل: إنه تعالى سأله عن شيئين عن العصا بقوله سبحانه وَما تِلْكَ وعما يملكه منها بقوله عز وجل: بِيَمِينِكَ فأجاب عليه السّلام عن الأول بقوله: هِيَ عَصايَ وعن الثاني بقوله: أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها إلخ، ولا يخفى أن كلا القولين لا ينبغي أن يتوكأ عليهما لا سيما الأخير.
هذا واستدل بالآية على استحباب التوكؤ على العصا وإن لم يكن الشخص بحيث تكون وترا لقوسه وعلى استحباب الاقتصاد في المرعى بالهش وهو ضرب الشجر ليسقط الورق دون الاستئصال ليخلف فينتفع به الغير.
وقد ذكر الإمام فيها فوائد سنذكر بعضها في باب الإشارة لأن ذلك أوفق به قالَ استئناف مبني على سؤال ينساق إليه الذهن كأنه قيل: فماذا قال الله عز وجل فقيل؟ قال: أَلْقِها يا مُوسى لترى من شأنها ما ترى، والإلقاء الطرح على الأرض، ومنه قوله:
وتكرير النداء لمزيد التنبيه والاهتمام بشأن العصا، وكون قائل هذا هو الله تعالى هو الظاهر، وزعم بعضهم أنه يجوز أن يكون القائل الملك بأمر الله تعالى وقد أبعد غاية البعد فَأَلْقاها ريثما قيل له ألقها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى تمشي وتنتقل بسرعة، والحية اسم جنس يطلق على الصغير والكبير والأنثى والذكر، وقد انقلبت حين ألقاها عليه السّلام
ويجوز أن يكون المراد إظهاره عليه السّلام حقارتها ليريه عز وجل عظيم ما يخترعه في الخشبة اليابسة مما يدل على باهر قدرته سبحانه كما هو شأن من أراد أن يظهر من الشيء الحقير شيئا عظيما فإنه يعرضه على الحاضرين ويقول ما هذا؟ فيقولون هو الشيء الفلاني ويصفونه بما يبعد عما يريد إظهاره منه ثم يظهر ذلك فما طالبة للجنس وتِلْكَ للتحقير والتعداد في الجواب لأجله مَآرِبُ أُخْرى تتميم لذلك أيضا بأن المسكوت عنه من جنس المنطوق فكأنه عليه السّلام قال: هي خشبة يابسة لا تنفع إلا منافع سائر الخشبات ولذلك ذكر عليه السّلام العصا وأجرى عليها ما أجرى، وقيل: إنه عليه السّلام لما رأى من آيات ربه ما رأى غلبت عليه الدهشة والهيبة فسأله سبحانه وتكلم معه إزالة لتلك الهيبة والدهشة فما طالبة إما للوصف أو للجنس وتكرير النداء لزيادة التأنيس، ولعل اختيار ما يدل على البعد في اسم الإشارة لتنزيل العصا منزلة البعيد لغفلته عليه السّلام عنها بما غلب عليه من ذلك، والإجمال في قوله: وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى يحتمل أن يكون رجاء أن يسأله سبحانه عن تلك المآرب فيسمع كلامه عز وجل مرة أخرى. وتطول المكالمة وتزداد اللذاذة التي لأجلها أطنب أولا، وما ألذ مكالمة المحبوب، ومن هنا قيل:
وأملى حديثا يستطاب فليتني | أطلت ذنوبا كي يطول عتابه |
فقال: أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها إلخ، وقيل: إنه تعالى سأله عن شيئين عن العصا بقوله سبحانه وَما تِلْكَ وعما يملكه منها بقوله عز وجل: بِيَمِينِكَ فأجاب عليه السّلام عن الأول بقوله: هِيَ عَصايَ وعن الثاني بقوله: أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها إلخ، ولا يخفى أن كلا القولين لا ينبغي أن يتوكأ عليهما لا سيما الأخير.
هذا واستدل بالآية على استحباب التوكؤ على العصا وإن لم يكن الشخص بحيث تكون وترا لقوسه وعلى استحباب الاقتصاد في المرعى بالهش وهو ضرب الشجر ليسقط الورق دون الاستئصال ليخلف فينتفع به الغير.
وقد ذكر الإمام فيها فوائد سنذكر بعضها في باب الإشارة لأن ذلك أوفق به قالَ استئناف مبني على سؤال ينساق إليه الذهن كأنه قيل: فماذا قال الله عز وجل فقيل؟ قال: أَلْقِها يا مُوسى لترى من شأنها ما ترى، والإلقاء الطرح على الأرض، ومنه قوله:
فألقت عصاها واستقرت بها النوى | كما قر عينا بالإياب المسافر |
491
ثعبانا وهو العظيم من الحيات كما يفصح عنه قوله تعالى: فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ [الأعراف: ١٠٧، الشعراء: ٣٢] وتشبيهها بالجان وهو الدقيق منها في قوله سبحانه: فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ [النمل: ١٠، القصص: ٣١] من حيث الجلادة وسرعة الحركة لا من حيث صغر الجثة فلا منافاة، وقيل: إنها انقلبت حين ألقاها عليه السّلام حية صفراء في غلظ العصا ثم انتفخت وغلظت فلذلك شبهت بالجان تارة وسميت ثعبانا أخرى، وعبر عنها بالاسم العام للحالين، والأول هو الأليق بالمقام مع ظهور اقتضاء الآية التي ذكرناها له وبعدها عن التأويل. وقد روى الأمام أحمد وغيره عن وهب أنه عليه السّلام حانت منه نظرة بعد أن ألقاها فإذا بأعظم ثعبان نظر إليه الناظرون يرى يلتمس كأنه يبتغي شيئا يريد أخذه يمر بالصخرة مثل الخلفة من الإبل فليتقمها ويطعن بالناب من أنيابه في أصل الشجرة العظيمة فيجتثها عيناه توقدان نارا وقد عاد المحجن عرفا فيه شعر مثل النيازك وعاد الشعبتان فما مثل القليب الواسع فيه أضراس وأنياب لها صريف.
وفي بعض الآثار أن بين لحييه أربعين ذراعا فلما عاين ذلك موسى عليه السّلام ولى مدبرا ولم يعقب فذهب حتى أمعن ورأى أنه قد أعجز الحية ثم ذكر ربه سبحانه فوقف استحياء منه عز وجل ثم نودي يا موسى إليّ ارجع حيث كنت فرجع وهو شديد الخوف فأمره سبحانه وتعالى بأخذها وهو ما قص الله تعالى بقوله عز قائلا قالَ أي الله عز وجل، والجملة استئناف كما سبق خُذْها أي الحية وكانت على ما روي عن ابن عباس ذكرا، وعن وهب أنه تعالى قال له: «خذها بيمينك» وَلا تَخَفْ منها، ولعل ذلك الخوف مما اقتضته الطبيعة البشرية فإن البشر بمقتضى طبعه يخاف عند مشاهدة مثل ذلك وهو لا ينافي جلالة القدر.
وقيل: إنما خاف عليه السّلام لأنه رأى أمرا هائلا صدر من الله عز وجل بلا واسطة ولم يقف على حقيقة أمره وليس ذلك كنار إبراهيم عليه السّلام لأنها صدرت على يد عدو الله تعالى وكانت حقيقة أمرها كنار على علم فلذلك لم يخف عليه السّلام منها كما خاف موسى عليه السّلام من الحية، وقيل: إنما خاف لأنه عرف ما لقي من ذلك الجنس حيث كان له مدخل في خروج أبيه من الجنة، وإنما عطف النهي على الأمر للإشعار بأن عدم المنهي عنه مقصود لذاته لا لتحقيق المأمور به فقط، وقوله تعالى سَنُعِيدُها أي بعد الأخذ سِيرَتَهَا أي حالتها الْأُولى التي هي العصوية استئناف مسوق لتعليل الامتثال بالأمر والنهي فإن إعادتها إلى ما كانت عليه من موجبات أخذها وعدم الخوف منها، ودعوى أن فيه مع ذلك عدة كريمة بإظهار معجزة أخرى على يده عليه السّلام وإيذانا بكونها مسخرة له عليه السّلام ليكون على طمأنينة من أمره ولا تعتريه شائبة تزلزل عند محاجة فرعون لا تخلو عن خفاء، وذكر بعضهم أن حكمة انقلابها حية وأمره بأخذها ونهيه عن الخوف تأنيسه فيما يعلم سبحانه أنه سيقع منه مع فرعون، ولعل هذا مأخذ تلك الدعوى.
قيل: بلغ عليه السّلام عند هذا الخطاب من الثقة وعدم الخوف إلى حيث كان يدخل يده في فمها ويأخذ بلحييها، وفي رواية الإمام أحمد، وغيره عن وهب أنه لما أمره الله تعالى بأخذها أدنى طرف المدرعة على يده وكانت عليه مدرعة من صوف قد خلها بخلال من عيدان فقال له ملك: أرأيت يا موسى لو أذن الله تعالى بما تحاذر أكانت المدرعة تغني عنك شيئا؟ قال: لا ولكني ضعيف ومن ضعف خلقت فكشف عن يده ثم وضعها على فم الحية حتى سمع حس الأضراس والأنياب ثم قبض فإذا هي عصاه التي عهدها وإذا يده في موضعها الذي كان يضعها فيه إذا توكأ بين الشعبتين. والرواية الأولى أوفق بمنصبه الجليل عليه السّلام. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه عليه السّلام نودي المرة الأولى يا موسى خذها فلم يأخذها ثم نودي الثانية خُذْها وَلا تَخَفْ فلم
وفي بعض الآثار أن بين لحييه أربعين ذراعا فلما عاين ذلك موسى عليه السّلام ولى مدبرا ولم يعقب فذهب حتى أمعن ورأى أنه قد أعجز الحية ثم ذكر ربه سبحانه فوقف استحياء منه عز وجل ثم نودي يا موسى إليّ ارجع حيث كنت فرجع وهو شديد الخوف فأمره سبحانه وتعالى بأخذها وهو ما قص الله تعالى بقوله عز قائلا قالَ أي الله عز وجل، والجملة استئناف كما سبق خُذْها أي الحية وكانت على ما روي عن ابن عباس ذكرا، وعن وهب أنه تعالى قال له: «خذها بيمينك» وَلا تَخَفْ منها، ولعل ذلك الخوف مما اقتضته الطبيعة البشرية فإن البشر بمقتضى طبعه يخاف عند مشاهدة مثل ذلك وهو لا ينافي جلالة القدر.
وقيل: إنما خاف عليه السّلام لأنه رأى أمرا هائلا صدر من الله عز وجل بلا واسطة ولم يقف على حقيقة أمره وليس ذلك كنار إبراهيم عليه السّلام لأنها صدرت على يد عدو الله تعالى وكانت حقيقة أمرها كنار على علم فلذلك لم يخف عليه السّلام منها كما خاف موسى عليه السّلام من الحية، وقيل: إنما خاف لأنه عرف ما لقي من ذلك الجنس حيث كان له مدخل في خروج أبيه من الجنة، وإنما عطف النهي على الأمر للإشعار بأن عدم المنهي عنه مقصود لذاته لا لتحقيق المأمور به فقط، وقوله تعالى سَنُعِيدُها أي بعد الأخذ سِيرَتَهَا أي حالتها الْأُولى التي هي العصوية استئناف مسوق لتعليل الامتثال بالأمر والنهي فإن إعادتها إلى ما كانت عليه من موجبات أخذها وعدم الخوف منها، ودعوى أن فيه مع ذلك عدة كريمة بإظهار معجزة أخرى على يده عليه السّلام وإيذانا بكونها مسخرة له عليه السّلام ليكون على طمأنينة من أمره ولا تعتريه شائبة تزلزل عند محاجة فرعون لا تخلو عن خفاء، وذكر بعضهم أن حكمة انقلابها حية وأمره بأخذها ونهيه عن الخوف تأنيسه فيما يعلم سبحانه أنه سيقع منه مع فرعون، ولعل هذا مأخذ تلك الدعوى.
قيل: بلغ عليه السّلام عند هذا الخطاب من الثقة وعدم الخوف إلى حيث كان يدخل يده في فمها ويأخذ بلحييها، وفي رواية الإمام أحمد، وغيره عن وهب أنه لما أمره الله تعالى بأخذها أدنى طرف المدرعة على يده وكانت عليه مدرعة من صوف قد خلها بخلال من عيدان فقال له ملك: أرأيت يا موسى لو أذن الله تعالى بما تحاذر أكانت المدرعة تغني عنك شيئا؟ قال: لا ولكني ضعيف ومن ضعف خلقت فكشف عن يده ثم وضعها على فم الحية حتى سمع حس الأضراس والأنياب ثم قبض فإذا هي عصاه التي عهدها وإذا يده في موضعها الذي كان يضعها فيه إذا توكأ بين الشعبتين. والرواية الأولى أوفق بمنصبه الجليل عليه السّلام. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه عليه السّلام نودي المرة الأولى يا موسى خذها فلم يأخذها ثم نودي الثانية خُذْها وَلا تَخَفْ فلم
492
يأخذها ثم نودي الثالثة إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ [القصص: ٣١] فأخذها، وذكر مكي في تفسيره أنه قيل له في المرة الثالثة: سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى، ولا يخفى أن ما ذكر بعيد عن منصب النبوة فلعل الخبر غير صحيح.
والسيرة فعلة من السير تقال للهيئة والحالة الواقعة فيه ثم جردت لمطلق الهيئة والحالة التي يكون عليها الشيء، ومن ذلك استعمالها في المذهب والطريقة في قولهم سيرة السلف، وقول الشاعر:
واختلف في توجيه نصبها في الآية فقيل: إنها منصوبة بنزع الخافض والأصل إلى سيرتها أو لسيرتها وهو كثير وإن قالوا: إنه ليس بمقيس، وهذا ظاهر قول الحوفي: إنها مفعول ثان لنعيدها على حذف الجار نحو وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ [الأعراف: ١٥٥] وإليه ذهب ابن مالك وارتضاه ابن هشام، وجوز الزمخشري أن يكون أعاد منقولا من عاده بمعنى عاد إليه، ومنه قول زهير
فيتعدى إلى مفعولين، والظاهر أنه غير التوجيه الأول لاعتبار النقل فيه والخافض يحذف من أعاد من غير نظر إلى ثلاثيه وتعدى عاد بنفسه مما صح به النقل، فقد نقل الطيبي عن الأصمعي أن عادك في البيت متعد بمعنى صرفك، وكذا نقل الفاضل اليمنى. وفي المغرب العود الصيرورة ابتداء وثانيا ويتعدى بنفسه وبإلى وعلى وفي واللام.
وفي مشارق اللغة للقاضي عياض مثله، ونقل
عن الحديث «أعدت فتانا يا معاذ؟»
. وقال أبو البقاء: هي بدل من ضمير المفعول بدل اشتمال، وجوز أن يكون النصب على الظرفية أي سنعيدها في طريقتها الأولى.
وتعقبه أبو حيان قائلا: إن سيرتها وطريقتها ظرف مختص فلا يتعدى إليه الفعل على طريقة الظرفية إلا بوساطة في ولا يجوز الحذف إلا في ضرورة أو فيما شذت فيه العرب، وحاصله أن شرط الانتصاب على الظرفية هنا وهو الإبهام مفقود، وفي شرح التسهيل عن نحاة المغرب أنهم قسموا المبهم إلى أقسام منها المشتق من الفعل كالمذهب والمصدر الموضوع موضع الظرف نحو قصدك ولم يفرقوا بين المختوم بالتاء وغيره فالنصب على الظرفية فيما ذكر غير شاذ ولا ضرورة، وجوز الزمخشري واستحسنه أن يكون سَنُعِيدُها مستقلا بنفسه غير متعلق بسيرتها بمعنى أنها أنشئت أول ما أنشئت عصا ثم ذهبت وبطلت بالقلب حية فسنعيدها بعد الذهاب كما أنشأناها أولا، وسِيرَتَهَا منصوبا على أنه مفعول مطلق لفعل مقدر أي تسير سيرتها الأولى أي سنعيدها سائرة سيرتها الأولى حيث كنت تتوكأ عليها وتهش بها على غنمك ولك فيها المآرب التي عرفتها انتهى.
والظاهر أنه جعل الجملة من الفعل المقدر (١) وفاعله حالا، ويجوز أن يكون استئنافا، ولا يخفى عليك أن ما ذكره وإن حسن معنى إلا أنه خلاف المتبادر، هذا والآية ظاهرة في جواز انقلاب الشيء عن حقيقته كانقلاب النحاس إلى الذهب وبه قال جمع، ولا مانع في القدرة من توجه الأمر التكويني إلى ذلك وتخصيص الإرادة له، وقيل: لا يجوز لأن قلب الحقائق محال والقدرة لا تتعلق به والحق الأول بمعنى أنه تعالى يخلق بدل النحاس مثلا ذهبا على ما هو رأي بعض المحققين أو بأن يسلب عن أجزاء النحاس الوصف الذي صار به نحاسا ويخلق فيه الوصف الذي يصير به ذهبا
والسيرة فعلة من السير تقال للهيئة والحالة الواقعة فيه ثم جردت لمطلق الهيئة والحالة التي يكون عليها الشيء، ومن ذلك استعمالها في المذهب والطريقة في قولهم سيرة السلف، وقول الشاعر:
فلا تغضبن من سيرة أنت سرتها | فأول راض سيرة من يسيرها |
فصرم حبلها إذ صرمته | وعادك أن تلاقيها عداء |
وفي مشارق اللغة للقاضي عياض مثله، ونقل
عن الحديث «أعدت فتانا يا معاذ؟»
. وقال أبو البقاء: هي بدل من ضمير المفعول بدل اشتمال، وجوز أن يكون النصب على الظرفية أي سنعيدها في طريقتها الأولى.
وتعقبه أبو حيان قائلا: إن سيرتها وطريقتها ظرف مختص فلا يتعدى إليه الفعل على طريقة الظرفية إلا بوساطة في ولا يجوز الحذف إلا في ضرورة أو فيما شذت فيه العرب، وحاصله أن شرط الانتصاب على الظرفية هنا وهو الإبهام مفقود، وفي شرح التسهيل عن نحاة المغرب أنهم قسموا المبهم إلى أقسام منها المشتق من الفعل كالمذهب والمصدر الموضوع موضع الظرف نحو قصدك ولم يفرقوا بين المختوم بالتاء وغيره فالنصب على الظرفية فيما ذكر غير شاذ ولا ضرورة، وجوز الزمخشري واستحسنه أن يكون سَنُعِيدُها مستقلا بنفسه غير متعلق بسيرتها بمعنى أنها أنشئت أول ما أنشئت عصا ثم ذهبت وبطلت بالقلب حية فسنعيدها بعد الذهاب كما أنشأناها أولا، وسِيرَتَهَا منصوبا على أنه مفعول مطلق لفعل مقدر أي تسير سيرتها الأولى أي سنعيدها سائرة سيرتها الأولى حيث كنت تتوكأ عليها وتهش بها على غنمك ولك فيها المآرب التي عرفتها انتهى.
والظاهر أنه جعل الجملة من الفعل المقدر (١) وفاعله حالا، ويجوز أن يكون استئنافا، ولا يخفى عليك أن ما ذكره وإن حسن معنى إلا أنه خلاف المتبادر، هذا والآية ظاهرة في جواز انقلاب الشيء عن حقيقته كانقلاب النحاس إلى الذهب وبه قال جمع، ولا مانع في القدرة من توجه الأمر التكويني إلى ذلك وتخصيص الإرادة له، وقيل: لا يجوز لأن قلب الحقائق محال والقدرة لا تتعلق به والحق الأول بمعنى أنه تعالى يخلق بدل النحاس مثلا ذهبا على ما هو رأي بعض المحققين أو بأن يسلب عن أجزاء النحاس الوصف الذي صار به نحاسا ويخلق فيه الوصف الذي يصير به ذهبا
(١) قيل مقدرة وفيه نظر اه منه.
493
على ما هو رأي بعض المتكلمين من تجانس الجواهر واستوائها في قبول الصفات، والمحال إنما هو انقلابه ذهبا مع كونه نحاسا لامتناع كون الشيء في الزمن الواحد نحاسا وذهبا، وانقلاب العصا حية كان بأحد هذين الاعتبارين والله تعالى أعلم بأيهما كان، والذي أميل إليه الثاني فإن في كون خلق البدل انقلابا خفاء كما لا يخفى.
وقوله تعالى: وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ أمر له عليه السّلام بعد ما أخذ الحية وانقلبت عصا كما كانت والضم الجمع، والجناح كما في القاموس اليد والعضد والإبط والجانب ونفس الشيء ويجمع على أجنحة وأجنح، وفي البحر الجناح حقيقة في جناح الطائر والملك ثم توسع فيه فأطلق على اليد والعضد وجنب الرجل.
وقيل: لمجنبتي العسكر جناحان على سبيل الاستعارة وسمي جناح الطائر بذلك لأنه يجنحه أي يميله عند الطيران، والمراد أدخل يدك اليمنى من طوق مدرعتك واجعلها تحت إبط اليسرى أو تحت عضدها عند الإبط أو تحتها عنده فلا منافاة بين ما هنا، وقوله تعالى: أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ [النمل: ١٢] تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ جعله بعضهم مجزوما في جواب الأمر المذكور على اعتبار معنى الإدخال فيه، وقال أبو حيان وغيره: إنه مجزوم في جواب أمر مقدر وأصل الكلام اضمم يدك تنضم وأخرجها تخرج فحذف ما حذف من الأول. والثاني وأبقى ما يدل عليه فهو إيجاز يسمى بالاحتباك، ونصب بَيْضاءَ على الحال من الضمير في تَخْرُجْ والجار والمجرور متعلق بمحذوف هو حال من الضمير في بَيْضاءَ أو صفة لبيضاء كما قال الحوفي أو متعلق به كما قال أبو حيان كأنه قيل: ابيضت من غير سوء أو متعلق بتخرج كما جوزه غير واحد. والسوء الرداءة والقبح في كل شيء، وكني به عن البرص كما كني عن العورة بالسوأة لما أن الطباع تنفر عنه الأسماع تمجه. وهو أبغض شيء عند العرب ولهذا كنوا عن جذيمة صاحب الزباء وكان أبرص بالأبرش والوضاح. وفائدة التعرض لنفي ذلك الاحتراس فإنه لو اقتصر على قوله تعالى: تَخْرُجْ بَيْضاءَ لأوهم ولو على بعد أن ذلك من برص، ويجوز أن يكون الاحتراس عن توهم عيب الخروج عن الخلقة الأصلية على أن المعنى تخرج بيضاء من غير عيب وقبح في ذلك الخروج أو عن توهم عيب مطلقا. يروى أنها خرجت بيضاء لها شعاع كشعاع الشمس يغشي البصر وكان عليه السّلام آدم اللون آيَةً أُخْرى أي معجزة أخرى غير العصا. وانتصابها على الحالية من ضمير تَخْرُجْ والصحيح جواز تعدد الحال لذي حال واحد أو من ضمير بَيْضاءَ أو من الضمير في الجار والمجرور على ما قيل أو على البدلية من بَيْضاءَ ويرجع إلى الحالية من ضمير تَخْرُجْ، ويجوز أن تكون منصوبة بفعل مضمر أي خذ آية وحذف لدلالة الكلام. وظاهر كلام الزمخشري جواز تقدير دونك عاملا وهو مبني على ما هو ظاهر كلام سيبويه من جواز عمل اسم الفعل محذوفا ومنعه أبو حيان لأنه نائب عن الفعل ولا يحذف النائب والمنوب عنه، ونقض بيا الندائية فإنها تحذف مع أنها نائبة عن أدعوا، وقيل: إنها مفعول ثان لفعل محذوف مع مفعوله الأول أي جعلناها أو آتيناك آية أخرى، وجعل هذا القائل قوله تعالى:
لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى متعلقا بذلك المحذوف. ومن قدر خذ ونحوه جوز تعلقه به، وجوز الحوفي تعلقه باضمم، وتعلقه بتخرج وأبو البقاء تعلقه بما دل عليه آيَةً أي دللنا بها لنريك. ومنع تعلقه بها لأنها قد وصفت.
وبعضهم تعلقه بألق، واختار بعض المحققين أنه متعلق بمضمر ينساق إليه النظم الكريم كأنه قيل: فعلنا ما فعلنا لنريك بعض آياتنا الكبرى على أن الْكُبْرى صفة لآياتنا على حد مَآرِبُ أُخْرى ومِنْ آياتِنَا في موضع المفعول الثاني ومن فيه للتبعيض أو لنريك بذلك الكبرى من آياتنا على أن الْكُبْرى هو المفعول الثاني لنريك ومِنْ آياتِنَا متعلق بمحذوف حال منه ومن فيه للابتداء أو للتبعيض. وتقديم الحال مع أن صاحبه معرفة لرعاية الفواصل. وجوز كلا
وقوله تعالى: وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ أمر له عليه السّلام بعد ما أخذ الحية وانقلبت عصا كما كانت والضم الجمع، والجناح كما في القاموس اليد والعضد والإبط والجانب ونفس الشيء ويجمع على أجنحة وأجنح، وفي البحر الجناح حقيقة في جناح الطائر والملك ثم توسع فيه فأطلق على اليد والعضد وجنب الرجل.
وقيل: لمجنبتي العسكر جناحان على سبيل الاستعارة وسمي جناح الطائر بذلك لأنه يجنحه أي يميله عند الطيران، والمراد أدخل يدك اليمنى من طوق مدرعتك واجعلها تحت إبط اليسرى أو تحت عضدها عند الإبط أو تحتها عنده فلا منافاة بين ما هنا، وقوله تعالى: أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ [النمل: ١٢] تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ جعله بعضهم مجزوما في جواب الأمر المذكور على اعتبار معنى الإدخال فيه، وقال أبو حيان وغيره: إنه مجزوم في جواب أمر مقدر وأصل الكلام اضمم يدك تنضم وأخرجها تخرج فحذف ما حذف من الأول. والثاني وأبقى ما يدل عليه فهو إيجاز يسمى بالاحتباك، ونصب بَيْضاءَ على الحال من الضمير في تَخْرُجْ والجار والمجرور متعلق بمحذوف هو حال من الضمير في بَيْضاءَ أو صفة لبيضاء كما قال الحوفي أو متعلق به كما قال أبو حيان كأنه قيل: ابيضت من غير سوء أو متعلق بتخرج كما جوزه غير واحد. والسوء الرداءة والقبح في كل شيء، وكني به عن البرص كما كني عن العورة بالسوأة لما أن الطباع تنفر عنه الأسماع تمجه. وهو أبغض شيء عند العرب ولهذا كنوا عن جذيمة صاحب الزباء وكان أبرص بالأبرش والوضاح. وفائدة التعرض لنفي ذلك الاحتراس فإنه لو اقتصر على قوله تعالى: تَخْرُجْ بَيْضاءَ لأوهم ولو على بعد أن ذلك من برص، ويجوز أن يكون الاحتراس عن توهم عيب الخروج عن الخلقة الأصلية على أن المعنى تخرج بيضاء من غير عيب وقبح في ذلك الخروج أو عن توهم عيب مطلقا. يروى أنها خرجت بيضاء لها شعاع كشعاع الشمس يغشي البصر وكان عليه السّلام آدم اللون آيَةً أُخْرى أي معجزة أخرى غير العصا. وانتصابها على الحالية من ضمير تَخْرُجْ والصحيح جواز تعدد الحال لذي حال واحد أو من ضمير بَيْضاءَ أو من الضمير في الجار والمجرور على ما قيل أو على البدلية من بَيْضاءَ ويرجع إلى الحالية من ضمير تَخْرُجْ، ويجوز أن تكون منصوبة بفعل مضمر أي خذ آية وحذف لدلالة الكلام. وظاهر كلام الزمخشري جواز تقدير دونك عاملا وهو مبني على ما هو ظاهر كلام سيبويه من جواز عمل اسم الفعل محذوفا ومنعه أبو حيان لأنه نائب عن الفعل ولا يحذف النائب والمنوب عنه، ونقض بيا الندائية فإنها تحذف مع أنها نائبة عن أدعوا، وقيل: إنها مفعول ثان لفعل محذوف مع مفعوله الأول أي جعلناها أو آتيناك آية أخرى، وجعل هذا القائل قوله تعالى:
لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى متعلقا بذلك المحذوف. ومن قدر خذ ونحوه جوز تعلقه به، وجوز الحوفي تعلقه باضمم، وتعلقه بتخرج وأبو البقاء تعلقه بما دل عليه آيَةً أي دللنا بها لنريك. ومنع تعلقه بها لأنها قد وصفت.
وبعضهم تعلقه بألق، واختار بعض المحققين أنه متعلق بمضمر ينساق إليه النظم الكريم كأنه قيل: فعلنا ما فعلنا لنريك بعض آياتنا الكبرى على أن الْكُبْرى صفة لآياتنا على حد مَآرِبُ أُخْرى ومِنْ آياتِنَا في موضع المفعول الثاني ومن فيه للتبعيض أو لنريك بذلك الكبرى من آياتنا على أن الْكُبْرى هو المفعول الثاني لنريك ومِنْ آياتِنَا متعلق بمحذوف حال منه ومن فيه للابتداء أو للتبعيض. وتقديم الحال مع أن صاحبه معرفة لرعاية الفواصل. وجوز كلا
494
الإعرابين في مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى الحوفي. وابن عطية وأبو البقاء وغيرهم.
واختار في البحر الإعراب الأول ورجحه بأن فيه دلالة على أن آياته تعالى كلها كبرى بخلاف الإعراب الثاني وبأنه على الثاني لا تكون الْكُبْرى صفة العصا واليد معا وإلا لقيل: الكبريين. ولا يمكن أن يخص أحدهما لأن في كل منهما معنى التفضيل، ويبعد ما قال الحسن وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من أن اليد أعظم في الإعجاز من العصا لأنه ليس في اليد إلا تغيير اللون وأما العصا ففيها تغيير اللون وخلق الزيادة في الجسم وخلق الحياة والقدرة والأعضاء المختلفة مع عودها عصا بعد ذلك فكانت أعظم في الإعجاز من اليد، وجوز أن تكون الْكُبْرى صفة لهما ولاتحاد المقصود جعلتا آية واحدة وأفردت الصفة لذلك. وأن تكون صفة لليد والعصا غنية عن الوصف بها لظهور كونها كبرى.
وأنت تعلم أن هذا كله خلاف الظاهر. وكذا ما قيل: من أن من على الإعراب الثاني للبيان بأن يكون المراد لنريك الآيات الكبرى من آياتنا ليصح الحمل الذي يقتضيه البيان ولا يترجح بذلك الإعراب الثاني على الأول ولا يساويه أصلا. ولا يخفى عليك أن كل احتمال من احتمالات متعلق اللام خلا من الدلالة على وصف آية العصا بالكبر لا ينبغي أن يعول عليه. ويعتذر بأن عدم الوصف للظهور مع ظهور الاحتمال الذي لا يحتاج معه إلى الاعتذار عن ذلك المقال فتأمل والله تعالى العاصم من الزلل اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ تخلص إلى ما هو المقصد من تمهيد المقدمات السالفة فصل عما قبله من الأوامر إيذانا بأصالته أي اذهب إليه بما رأيته من آياتنا الكبرى وادعه إلى عبادتي وحذره نقمتي.
وقوله تعالى إِنَّهُ طَغى تعليل للأمر أو لوجوب المأمور به أي جاوز الحد في التكبر والعتو والتجبر حتى تجاسر على العظيمة التي هي دعوى الربوبية،
قال وهب بن منبه: إن الله تعالى قال لموسى عليه السّلام: ادن فلم يزل يدنيه حتى شد ظهره بجذع الشجرة فاستقر وذهبت عنه الرعدة وجمع يده في العصا وخضع برأسه وعنقه ثم قال له بعد أن عرفه نعمته تعالى عليه: انطلق برسالتي فإنك بعيني وسمعي وإن معك أيدي ونصري وإني قد ألبستك جنة من سلطاني تستكمل بها القوة في أمري فأنت جند عظيم من جنودي بعثتك إلى خلق ضعيف من خلقي بطر نعمتي وأمن مكري وغرته الدنيا حتى جحد حقي وأنكر ربوبيتي وعبد من دوني وزعم أنه لا يعرفني وإني لأقسم بعزتي لولا العذر والحجة اللذان وضعت بيني وبين خلقي لبطشت به بطشة جبار يغضب لغضبه السموات والأرض والجبال والبحار فإن أمرت السماء حصبته وإن أمرت الأرض ابتلعته وإن أمرت البحار غرقته وإن أمرت الجبال دمرته ولكنه هان علي وسقط من عيني ووسعه حلمي واستغنيت بما عندي وحق لي إني أنا الغني لا غني غيري فبلغه رسالتي وادعه إلى عبادتي وتوحيدي وإخلاص اسمي وذكره بأيامي وحذره نقمتي وبأسي وأخبره أنه لا يقوم شيء لغضبي وقل له فيما بين ذلك قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى وأخبره أني إلى العفو والمغفرة أسرع مني إلى الغضب والعقوبة ولا يرو عنك ما ألبسته من لباس الدنيا فإن ناصيته بيدي ليس يطرف ولا ينطق ولا يتنفس إلا بأذني وقل له: أجب ربك فإنه واسع المغفرة وإنه قد أمهلك أربعمائة سنة في كلها أنت مبارزة بالمحاربة تتشبه وتتمثل به وتصد عباده عن سبيله وهو يمطر عليك السماء وينبت لك الأرض لم تسقم. ولم تهرم ولم تفتقر ولم تغلب ولو شاء أن يفعل ذلك بك فعل ولكنه ذو أناة وحلم عظيم في كلام طويل.
وفي بعض الروايات أن الله تعالى لما أمره عليه السّلام بالذهاب إلى فرعون سكت سبعة أيام
، وقيل: أكثر فجاءه ملك فقال: أنفذ ما أمرك ربك، وفي القلب من صحة ذلك شيء قالَ استئناف بياني كأنه قيل فماذا قال موسى
واختار في البحر الإعراب الأول ورجحه بأن فيه دلالة على أن آياته تعالى كلها كبرى بخلاف الإعراب الثاني وبأنه على الثاني لا تكون الْكُبْرى صفة العصا واليد معا وإلا لقيل: الكبريين. ولا يمكن أن يخص أحدهما لأن في كل منهما معنى التفضيل، ويبعد ما قال الحسن وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من أن اليد أعظم في الإعجاز من العصا لأنه ليس في اليد إلا تغيير اللون وأما العصا ففيها تغيير اللون وخلق الزيادة في الجسم وخلق الحياة والقدرة والأعضاء المختلفة مع عودها عصا بعد ذلك فكانت أعظم في الإعجاز من اليد، وجوز أن تكون الْكُبْرى صفة لهما ولاتحاد المقصود جعلتا آية واحدة وأفردت الصفة لذلك. وأن تكون صفة لليد والعصا غنية عن الوصف بها لظهور كونها كبرى.
وأنت تعلم أن هذا كله خلاف الظاهر. وكذا ما قيل: من أن من على الإعراب الثاني للبيان بأن يكون المراد لنريك الآيات الكبرى من آياتنا ليصح الحمل الذي يقتضيه البيان ولا يترجح بذلك الإعراب الثاني على الأول ولا يساويه أصلا. ولا يخفى عليك أن كل احتمال من احتمالات متعلق اللام خلا من الدلالة على وصف آية العصا بالكبر لا ينبغي أن يعول عليه. ويعتذر بأن عدم الوصف للظهور مع ظهور الاحتمال الذي لا يحتاج معه إلى الاعتذار عن ذلك المقال فتأمل والله تعالى العاصم من الزلل اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ تخلص إلى ما هو المقصد من تمهيد المقدمات السالفة فصل عما قبله من الأوامر إيذانا بأصالته أي اذهب إليه بما رأيته من آياتنا الكبرى وادعه إلى عبادتي وحذره نقمتي.
وقوله تعالى إِنَّهُ طَغى تعليل للأمر أو لوجوب المأمور به أي جاوز الحد في التكبر والعتو والتجبر حتى تجاسر على العظيمة التي هي دعوى الربوبية،
قال وهب بن منبه: إن الله تعالى قال لموسى عليه السّلام: ادن فلم يزل يدنيه حتى شد ظهره بجذع الشجرة فاستقر وذهبت عنه الرعدة وجمع يده في العصا وخضع برأسه وعنقه ثم قال له بعد أن عرفه نعمته تعالى عليه: انطلق برسالتي فإنك بعيني وسمعي وإن معك أيدي ونصري وإني قد ألبستك جنة من سلطاني تستكمل بها القوة في أمري فأنت جند عظيم من جنودي بعثتك إلى خلق ضعيف من خلقي بطر نعمتي وأمن مكري وغرته الدنيا حتى جحد حقي وأنكر ربوبيتي وعبد من دوني وزعم أنه لا يعرفني وإني لأقسم بعزتي لولا العذر والحجة اللذان وضعت بيني وبين خلقي لبطشت به بطشة جبار يغضب لغضبه السموات والأرض والجبال والبحار فإن أمرت السماء حصبته وإن أمرت الأرض ابتلعته وإن أمرت البحار غرقته وإن أمرت الجبال دمرته ولكنه هان علي وسقط من عيني ووسعه حلمي واستغنيت بما عندي وحق لي إني أنا الغني لا غني غيري فبلغه رسالتي وادعه إلى عبادتي وتوحيدي وإخلاص اسمي وذكره بأيامي وحذره نقمتي وبأسي وأخبره أنه لا يقوم شيء لغضبي وقل له فيما بين ذلك قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى وأخبره أني إلى العفو والمغفرة أسرع مني إلى الغضب والعقوبة ولا يرو عنك ما ألبسته من لباس الدنيا فإن ناصيته بيدي ليس يطرف ولا ينطق ولا يتنفس إلا بأذني وقل له: أجب ربك فإنه واسع المغفرة وإنه قد أمهلك أربعمائة سنة في كلها أنت مبارزة بالمحاربة تتشبه وتتمثل به وتصد عباده عن سبيله وهو يمطر عليك السماء وينبت لك الأرض لم تسقم. ولم تهرم ولم تفتقر ولم تغلب ولو شاء أن يفعل ذلك بك فعل ولكنه ذو أناة وحلم عظيم في كلام طويل.
وفي بعض الروايات أن الله تعالى لما أمره عليه السّلام بالذهاب إلى فرعون سكت سبعة أيام
، وقيل: أكثر فجاءه ملك فقال: أنفذ ما أمرك ربك، وفي القلب من صحة ذلك شيء قالَ استئناف بياني كأنه قيل فماذا قال موسى
495
عليه السّلام حين قيل له ما قيل؟ فأجيب بأنه قال: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي الظاهر أنه متعلق بقوله تعالى اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إلخ، وذلك أنه عليه السّلام علم من الأمر بالذهاب إليه والتعليل بالعلة المذكورة أنه كلف أمرا عظيما وخطبا جسيما يحتاج معه إلى احتمال ما لا يحتمله إلا ذو جأش رابط وصدر فسيح فاستوهب ربه تعالى أن يشرح صدره ويجعله حليما حمولا يستقبل ما عسى أن يرد عليه في طريق التبليغ والدعوة إلى مر الحق من الشدائد التي يذهب معها صبر الصابر بجميل الصبر وحسن الثبات وأن يسهل عليه مع ذلك أمره الذي هو أجل الأمور وأعظمها وأصعب الخطوب وأهولها بتوفيق الأسباب ورفع الموانع، فالمراد من شرح الصدر جعله بحيث لا يضجر ولا يقلق مما يقتضي بحسب البشرية الضجر والقلق من الشدائد، وفي طلب ذلك إظهار لكمال الافتقار إليه عز وجل وإعراض عن الأنانية بالكلية:
وذكر الراغب أن أصل الشرح البسط ونحوه، وشرح الصدر بسطه بنور إلهي وسكينة من جهة الله تعالى وروح منه عز وجل ولهم فيه عبارات أخر لعل بعضها سيأتي إن شاء الله تعالى في باب الإشارة. وقال بعضهم: إن هذا القول معلق بما خاطبه الله تعالى به من لدن قوله سبحانه إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ [طه: ١٢] إلى هذا المقام فيكون قد طلب عليه السّلام شرح الصدر ليقف على دقائق المعرفة وأسرار الوحي ويقوم بمراسم الخدمة والعبادة على أتم وجه ولا يضجر من شدائد التبليغ. وقيل: إنه عليه السّلام لما نصب لذلك المنصب العظيم وخوطب بما خوطب في ذلك المقام احتاج إلى تكاليف شاقة من تلقي الوحي والمواظبة على خدمة الخالق سبحانه وتعالى وإصلاح العالم السفلي فكأنه كلف بتدبير العالمين والالتفات إلى أحدهما يمنع من الاشتغال بالآخر فسأل شرح الصدر حتى يفيض عليه من القوة ما يكون وافيا بضبط تدبير العالمين، وقد يقال: إن الأمر بالذهاب إلى فرعون قد انطوى فيه الإشارة إلى منصب الرسالة المستتبع تكاليف لائقة به منها ما هو راجع إلى الحق ومنها ما هو منوط بالخلق، وقد استشعر موسى عليه السّلام كل ذلك فبسط كف الضراعة لطلب ما يعينه على أداء ذلك على أكمل وجه فلا يتوقف تعميم شرح الصدر على تعلقه بأول الكلام كما لا يخفى، ثم إن الصدر عند علماء الرسوم يراد منه القلب لأنه المدرك أو مما به الإدراك والعلاقة ظاهرة.
ولعلماء القلوب كلام في ذلك سيأتي إن شاء الله تعالى في باب الإشارة مع بعض ما أطنب به الإمام في تفسير هذه الآية، وفي ذكر كلمة لِي مع انتظام الكلام بدونها تأكيد لطلب الشرح والتيسير بإبهام المشروح والميسر أولا وتفسيرهما ثانيا فإنه لما قال اشْرَحْ لِي علم أن ثم مشروحا يختص به حتى لو اكتفى لتم فإذا قيل صَدْرِي أفاد التفسير والتفصيل أما لو قيل اشْرَحْ واكتفي به فلا وكذا الكلام في يَسِّرْ لِي. وقيل: ذكر لِي لزيادة الربط كما في قوله تعالى: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ [الأنبياء: ١]. وتعقب بأنه لا منافاة وهو الذي أفاد هذا المعنى. وفي الانتصاف أن فائدة ذكرها الدلالة على أن منفعة شرح الصدر راجعة إليه فإن تعالى لا يبالي بوجوده وعدمه وقس عليه يَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي روي أنه كان في لسانه عليه السّلام رتة من جمرة أدخلها فاه في صغره.
وذلك أن فرعون حمله ذات يوم فأخذ خصلة من لحيته لما كان فيها من الجواهر. وقيل: لطمه. وقيل: ضربه ضربة بقضيب في يده على رأسه فتطير فدعا بالسياف فقالت آسية بنت مزاحم امرأته وكانت تحب موسى عليه السّلام:
إنما هو صبي لا يفرق بين الياقوت والجمر فاحضرا وأراد أن يمد يده إلى الياقوت فحول جبريل عليه السّلام يده إلى الجمرة فأخذها فوضعها في فيه فاحترق لسانه.
ويحسن إظهار التجلد للعدا | ويقبح إلا العجز عند الأحبة |
ولعلماء القلوب كلام في ذلك سيأتي إن شاء الله تعالى في باب الإشارة مع بعض ما أطنب به الإمام في تفسير هذه الآية، وفي ذكر كلمة لِي مع انتظام الكلام بدونها تأكيد لطلب الشرح والتيسير بإبهام المشروح والميسر أولا وتفسيرهما ثانيا فإنه لما قال اشْرَحْ لِي علم أن ثم مشروحا يختص به حتى لو اكتفى لتم فإذا قيل صَدْرِي أفاد التفسير والتفصيل أما لو قيل اشْرَحْ واكتفي به فلا وكذا الكلام في يَسِّرْ لِي. وقيل: ذكر لِي لزيادة الربط كما في قوله تعالى: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ [الأنبياء: ١]. وتعقب بأنه لا منافاة وهو الذي أفاد هذا المعنى. وفي الانتصاف أن فائدة ذكرها الدلالة على أن منفعة شرح الصدر راجعة إليه فإن تعالى لا يبالي بوجوده وعدمه وقس عليه يَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي روي أنه كان في لسانه عليه السّلام رتة من جمرة أدخلها فاه في صغره.
وذلك أن فرعون حمله ذات يوم فأخذ خصلة من لحيته لما كان فيها من الجواهر. وقيل: لطمه. وقيل: ضربه ضربة بقضيب في يده على رأسه فتطير فدعا بالسياف فقالت آسية بنت مزاحم امرأته وكانت تحب موسى عليه السّلام:
إنما هو صبي لا يفرق بين الياقوت والجمر فاحضرا وأراد أن يمد يده إلى الياقوت فحول جبريل عليه السّلام يده إلى الجمرة فأخذها فوضعها في فيه فاحترق لسانه.
496
وفي هذا دليل على فساد قول القائلين بأن النار تحرق بالطبيعة من غير مدخلية لإذن الله تعالى في ذلك إذ لو كان الأمر كما زعموا لأحرقت يده. وذكر في حكمة إذن الله تعالى لها بإحراق لسانه دون يده أن يده صارت آلة لما ظاهره الإهانة لفرعون. ولعل تبييضها كان لهذا أيضا وإن لسانه كان آلة لضد ذلك بناء على ما روي أنه عليه السّلام دعاه بما يدعو به الأطفال الصغار آبائهم. وقيل: احترقت يده عليه السّلام أيضا فاجتهد فرعون في علاجها فلم تبرأ.
ولعل ذلك لئلا يدخلها عليه السّلام مع فرعون في قصة واحدة فتفقد بينهما حرمة المؤاكلة فلما دعاه قال: إلى أي رب تدعوني؟ قال: إلى الذي أبرأ يدي وقد عجزت عنه. وكان الظاهر على هذا أن يطرح عليه السّلام النار من يده ولا يوصلها إلى فيه. ولعله لم يحس بالألم إلا بعد أن أوصلها فاه أو أحس لكنه لم يفرق بين إلقائها في الأرض وإلقائها في فمه وكل ذلك بتقدير الله تعالى ليقضي الله أمرا كان مفعولا. وقيل: كانت العقدة في لسانه عليه السّلام خلقة. وقيل:
إنها حدثت بعد المناجاة وفيه بعد.
واختلف في زوالها بكمالها فمن قال به كالحسن تمسك بقوله تعالى قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى [طه: ٣٦] من لم يقل به كالجبائي احتج بقوله تعالى هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي [القصص: ٣٤] وقوله سبحانه وَلا يَكادُ يُبِينُ [الزخرف: ٥٢].
وبما
روي أنه كان في لسان الحسين رضي الله تعالى عنه رتة وحبسة فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم فيه: إنه ورثها من عمه موسى عليه السّلام
. وأجاب عن الأول بأنه عليه السّلام لم يسأل حل عقدة لسانه بالكلية بل عقدة تمنع الإفهام ولذلك نكرها ووصفها بقوله مِنْ لِسانِي ولم يضفها مع أنه أخصر ولا يصلح ذلك للوصفية إلا بتقدير مضاف وجعل مِنْ تبعيضية أي عقدة كائنة من عقد لساني فإن العقدة للسان لا منه. وجعل قوله تعالى: يَفْقَهُوا قَوْلِي جواب الطلب وغرضا من الدعاء فبحلها في الجملة يتحقق إيتاء سؤله عليه السّلام. واعترض على ذلك بأن قوله تعالى هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي قال عليه السّلام قبل استدعاء الحل على أنه شاهد على عدم بقاء اللكنة لأن فيه دلالة على أن موسى عليه السّلام كان فصيحا غايته أن فصاحة أخيه أكثر وبقية اللكنة تنافي الفصاحة اللغوية المرادة هنا بدلالة قوله لسانا. ويشهد لهذه المنافاة ما قاله ابن هلال في كتاب الصناعتين: الفصاحة تمام آلة البيان ولذا لا يقال لله تعالى: فصيح وإن قيل لكلامه سبحانه فصيح ولذلك لا يسمى الألثغ والتمتام فصيحين لنقصان آلتهما عن إقامة الحروف وبأن قوله تعالى وَلا يَكادُ يُبِينُ معناه لا يأتي ببيان وحجة، وقد قال ذلك اللعين تمويها ليصرف الوجوه عنه عليه السّلام، ولو كان المراد نفي البيان وإفهام الكلام لاعتقال اللسان لدل على عدم زوال العقدة أصلا ولم يقل به أحد، وبأنا لا نسلم صحة الخبر، وبأن تنكير عُقْدَةً يجوز أن يكون لقلتها في نفسها. ومن يجوز تعلقها بأحلل كما ذهب إليه الحوفي واستظهره أبو حيان فإن المحلول إذا كان متعلقا بشيء ومتصلا به فكما يتعلق الحل به يتعلق بذلك الشيء أيضا باعتبار إزالته عنه أو ابتداء حصوله منه، وعلى تقدير تعلقها بمحذوف وقع صفة لعقدة لا نسلم وجوب تقدير مضاف وجعل من تبعيضية، ولا مانع من أن تكون بمعنى في ولا تقدير أي عقدة في لساني بل قيل: ولا مانع أيضا من جعلها ابتدائية مع عدم التقدير وأي فساد في قولنا: عقدة ناشئة من لساني. والحاصل أن ما استدل به على بقاء عقدة ما في لسانه عليه السّلام وعدم زوالها بالكلية غير تام لكن قال بعضهم: إن الظواهر تقتضي ذلك وهي تكفي في مثل هذه المطالب وثقل ما في اللسان لا يخفف قدر الإنسان. وقد ذكر أن في لسان المهدي المنتظر رضي الله تعالى عنه حبسة وربما يتعذر عليه الكلام حتى يضرب بيده اليمنى فخذ رجله اليسرى وقد بلغك ما ورد في فضله. وقال بعضهم: لا تقاوم فصاحة الذات إعراب الكلمات. وأنشد قول القائل:
ولعل ذلك لئلا يدخلها عليه السّلام مع فرعون في قصة واحدة فتفقد بينهما حرمة المؤاكلة فلما دعاه قال: إلى أي رب تدعوني؟ قال: إلى الذي أبرأ يدي وقد عجزت عنه. وكان الظاهر على هذا أن يطرح عليه السّلام النار من يده ولا يوصلها إلى فيه. ولعله لم يحس بالألم إلا بعد أن أوصلها فاه أو أحس لكنه لم يفرق بين إلقائها في الأرض وإلقائها في فمه وكل ذلك بتقدير الله تعالى ليقضي الله أمرا كان مفعولا. وقيل: كانت العقدة في لسانه عليه السّلام خلقة. وقيل:
إنها حدثت بعد المناجاة وفيه بعد.
واختلف في زوالها بكمالها فمن قال به كالحسن تمسك بقوله تعالى قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى [طه: ٣٦] من لم يقل به كالجبائي احتج بقوله تعالى هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي [القصص: ٣٤] وقوله سبحانه وَلا يَكادُ يُبِينُ [الزخرف: ٥٢].
وبما
روي أنه كان في لسان الحسين رضي الله تعالى عنه رتة وحبسة فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم فيه: إنه ورثها من عمه موسى عليه السّلام
. وأجاب عن الأول بأنه عليه السّلام لم يسأل حل عقدة لسانه بالكلية بل عقدة تمنع الإفهام ولذلك نكرها ووصفها بقوله مِنْ لِسانِي ولم يضفها مع أنه أخصر ولا يصلح ذلك للوصفية إلا بتقدير مضاف وجعل مِنْ تبعيضية أي عقدة كائنة من عقد لساني فإن العقدة للسان لا منه. وجعل قوله تعالى: يَفْقَهُوا قَوْلِي جواب الطلب وغرضا من الدعاء فبحلها في الجملة يتحقق إيتاء سؤله عليه السّلام. واعترض على ذلك بأن قوله تعالى هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي قال عليه السّلام قبل استدعاء الحل على أنه شاهد على عدم بقاء اللكنة لأن فيه دلالة على أن موسى عليه السّلام كان فصيحا غايته أن فصاحة أخيه أكثر وبقية اللكنة تنافي الفصاحة اللغوية المرادة هنا بدلالة قوله لسانا. ويشهد لهذه المنافاة ما قاله ابن هلال في كتاب الصناعتين: الفصاحة تمام آلة البيان ولذا لا يقال لله تعالى: فصيح وإن قيل لكلامه سبحانه فصيح ولذلك لا يسمى الألثغ والتمتام فصيحين لنقصان آلتهما عن إقامة الحروف وبأن قوله تعالى وَلا يَكادُ يُبِينُ معناه لا يأتي ببيان وحجة، وقد قال ذلك اللعين تمويها ليصرف الوجوه عنه عليه السّلام، ولو كان المراد نفي البيان وإفهام الكلام لاعتقال اللسان لدل على عدم زوال العقدة أصلا ولم يقل به أحد، وبأنا لا نسلم صحة الخبر، وبأن تنكير عُقْدَةً يجوز أن يكون لقلتها في نفسها. ومن يجوز تعلقها بأحلل كما ذهب إليه الحوفي واستظهره أبو حيان فإن المحلول إذا كان متعلقا بشيء ومتصلا به فكما يتعلق الحل به يتعلق بذلك الشيء أيضا باعتبار إزالته عنه أو ابتداء حصوله منه، وعلى تقدير تعلقها بمحذوف وقع صفة لعقدة لا نسلم وجوب تقدير مضاف وجعل من تبعيضية، ولا مانع من أن تكون بمعنى في ولا تقدير أي عقدة في لساني بل قيل: ولا مانع أيضا من جعلها ابتدائية مع عدم التقدير وأي فساد في قولنا: عقدة ناشئة من لساني. والحاصل أن ما استدل به على بقاء عقدة ما في لسانه عليه السّلام وعدم زوالها بالكلية غير تام لكن قال بعضهم: إن الظواهر تقتضي ذلك وهي تكفي في مثل هذه المطالب وثقل ما في اللسان لا يخفف قدر الإنسان. وقد ذكر أن في لسان المهدي المنتظر رضي الله تعالى عنه حبسة وربما يتعذر عليه الكلام حتى يضرب بيده اليمنى فخذ رجله اليسرى وقد بلغك ما ورد في فضله. وقال بعضهم: لا تقاوم فصاحة الذات إعراب الكلمات. وأنشد قول القائل:
497
سر الفصاحة كامن في المعدن | لخصائص الأرواح لا للألسن |
لسان فصيح معرب في كلامه | فيا ليته في موقف الحشر يسلم |
وما ينفع الإعراب إن لم يكن تقى | وما ضر ذا تقوى لسان معجم |
والظاهر هنا الفهم أي احلل عقدة من لساني يفهموا قولي وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي أي معاونا في تحمل أعباء ما كلفته على أن اشتقاقه من الوزر بكسر فسكون بمعنى الحمل الثقيل فهو في الأصل صفة من ذلك ومعناه صاحب وزر أي حامل حمل ثقيل، وسمي القائم بأمر الملك بذلك لأنه يحمل عنه وزر الأمور وثقلها أو ملجأ اعتصم برأيه على أن اشتقاقه من الوزر بفتحتين وأصله الجبل يتحصن به ثم استعمل بمعنى الملجأ مطلقا كما في قوله:
شر السباع الضواري دونه وزر | والناس شرهم ما دونهم وزر |
كم معشر سلموا لم يؤذهم سبع | وما ترى بشرا لم يؤذه بشر |
وجوز كونه منصوبا بفعل مقدر في جواب من اجعل؟ أي اجعل هارون، وقيل: مفعولاه وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ولِي تيبين كما في سقيا له.
498
واعترض بأن شرط المفعولين في باب النواسخ صحة انعقاد الجملة الاسمية منهما ولو ابتدأت بوزيرا وأخبرت عنه بمن أهلي لم يصح إذ لا مسوغ للابتداء به، وأجيب بأن مراد القائل: إن «من أهلي» هو المفعول الأول لتأويله ببعض أهلي كأنه قيل اجعل بعض أهلي وزيرا فقدم للاهتمام به وسداد المعنى يقتضيه ولا يخفى بعده، ومن ذلك قيل الأحسن أن يقال: إن الجملة دعائية والنكرة يبتدأ بها فيها كما صرح به النحاة فكذا بعد دخول الناسخ وهو كما ترى، وقيل: إن المسوغ للابتداء بالنكرة هنا عطف المعرفة وهو هارُونَ عليها عطف بيان هو غريب، وجوز في هارُونَ أيضا على هذا القول كونه مفعولا لفعل مقدر وكونه بدلا وقد سمعت ما فيه.
والظاهر أنه يجوز في لِي عليه أيضا أن يكون صلة للجعل كما يجوز فيه على بضع الأوجه السابقة أن يكون تبيينا. ولم يظهر لي وجه عدم ذكر هذا الاحتمال هناك ولا وجه عدم ذكر احتمال كونه صلة للجعل هنا. ويفهم من كلام البعض جواز كلّ من الاحتمالين هنا وهناك. وكذا يجوز أيضا أن يكون حالا من وَزِيراً ولعل ذلك مما يسهل أمر الانعقاد على ما قيل وفيه ما فيه، وأَخِي على الوجوه عطف بيان للوزير ولا ضير في تعدده لشيء واحد أو لهارون. ولا يشترط فيه كون الثاني أشهر كما توهم لأن الإيضاح حاصل من المجموع كما حقق في المطول وحواشيه. ولا حاجة إلى دعوى أن المضاف إلى الضمير أعرف من العلم لما فيها من الخلاف. وكذا إلى ما في الكشف من أن أَخِي في هذا المقام أشهر من اسمه العلم لأن موسى عليه السّلام هو العلم المعروف والمخاطب الموصوف بالمناجاة والكرامة والمتعرف به هو المعرفة في الحقيقة ثم إن البيان ليس بالنسبة إليه سبحانه لأنه جل شأنه لا تخفى عليه خافية وإنما إتيان موسى عليه السّلام به على نمط ما تقدم من قوله هِيَ عَصايَ إلخ. وجوز أن يكون أَخِي مبتدأ خبره اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي وتعقبه أبو حيان بأنه خلاف الظاهر فلا يصار إليه لغير حاجة. والكلام في الأخبار بالجملة الإنشائية مشهور. والجملة على هذا استئنافية. والأزر القوة، وقيدها الراغب بالشديدة. وقال الخليل وأبو عبيدة: هو الظهر وروي ذلك عن ابن عطية، والمراد أحكم به قوتي وأجعله شريكي في أمر الرسالة حتى نتعاون على أدائها كما ينبغي.
وفصل الدعاء الأول عن الدعاء السابق لكمال الاتصال بينهما فإن شد الأزر عبارة عن جعله وزيرا وأما الإشراك في الأمر فحيث كان من أحكام الوزارة توسط بينهما العاطف كذا قيل لكن في مصحف ابن مسعود «واشدد» بالعطف على الدعاء السابق وعن أبي «أشركه في أمري واشدد به أزري» فتأمل.
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما والحسن وابن عامر «أشدد» بفتح الهمزة «وأشركه» بضمها على أنهما فعلان مضارعان مجزومان في جواب الدعاء أعني قوله: اجْعَلْ، وقال صاحب اللوامح: عن الحسن أنه قرأ «أشدّد به» مضارع شدد للتكثير والتكرير. وليس المراد بالأمر على القراءة السابقة الرسالة لأن ذلك ليس في يد موسى عليه السّلام بل أمر الإرشاد والدعوة إلى الحق، وكان هارون كما أخرج الحاكم عن وهب أطول من موسى عليهما السّلام وأكثر لحما وأبيض جسما وأعظم ألواحا وأكبر سنا، قيل: كان أكبر منه بأربع سنين، وقيل: بثلاث سنين. وتوفي قبله بثلاث أيضا. وكان عليه السّلام ذا تؤدة وحلم عظيم.
كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً غاية للأدعية الثلاثة الأخيرة فإن فعل كل واحد منهما من التسبيح والذكر مع كونه مكثرا لفعل الآخر ومضاعفا له بسبب انضمامه إليه مكثر له في نفسه أيضا بسبب تقويته وتأييده إذ ليس المراد بالتسبيح والذكر ما يكون منهما بالقلب أو في الخلوات حتى لا يتفاوت حاله عند التعدد والانفراد بل ما يكون منهما في تضاعيف أداء الرسالة ودعوة المردة العتاة إلى الحق وذلك مما لا ريب في اختلاف حالة في حالتي
والظاهر أنه يجوز في لِي عليه أيضا أن يكون صلة للجعل كما يجوز فيه على بضع الأوجه السابقة أن يكون تبيينا. ولم يظهر لي وجه عدم ذكر هذا الاحتمال هناك ولا وجه عدم ذكر احتمال كونه صلة للجعل هنا. ويفهم من كلام البعض جواز كلّ من الاحتمالين هنا وهناك. وكذا يجوز أيضا أن يكون حالا من وَزِيراً ولعل ذلك مما يسهل أمر الانعقاد على ما قيل وفيه ما فيه، وأَخِي على الوجوه عطف بيان للوزير ولا ضير في تعدده لشيء واحد أو لهارون. ولا يشترط فيه كون الثاني أشهر كما توهم لأن الإيضاح حاصل من المجموع كما حقق في المطول وحواشيه. ولا حاجة إلى دعوى أن المضاف إلى الضمير أعرف من العلم لما فيها من الخلاف. وكذا إلى ما في الكشف من أن أَخِي في هذا المقام أشهر من اسمه العلم لأن موسى عليه السّلام هو العلم المعروف والمخاطب الموصوف بالمناجاة والكرامة والمتعرف به هو المعرفة في الحقيقة ثم إن البيان ليس بالنسبة إليه سبحانه لأنه جل شأنه لا تخفى عليه خافية وإنما إتيان موسى عليه السّلام به على نمط ما تقدم من قوله هِيَ عَصايَ إلخ. وجوز أن يكون أَخِي مبتدأ خبره اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي وتعقبه أبو حيان بأنه خلاف الظاهر فلا يصار إليه لغير حاجة. والكلام في الأخبار بالجملة الإنشائية مشهور. والجملة على هذا استئنافية. والأزر القوة، وقيدها الراغب بالشديدة. وقال الخليل وأبو عبيدة: هو الظهر وروي ذلك عن ابن عطية، والمراد أحكم به قوتي وأجعله شريكي في أمر الرسالة حتى نتعاون على أدائها كما ينبغي.
وفصل الدعاء الأول عن الدعاء السابق لكمال الاتصال بينهما فإن شد الأزر عبارة عن جعله وزيرا وأما الإشراك في الأمر فحيث كان من أحكام الوزارة توسط بينهما العاطف كذا قيل لكن في مصحف ابن مسعود «واشدد» بالعطف على الدعاء السابق وعن أبي «أشركه في أمري واشدد به أزري» فتأمل.
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما والحسن وابن عامر «أشدد» بفتح الهمزة «وأشركه» بضمها على أنهما فعلان مضارعان مجزومان في جواب الدعاء أعني قوله: اجْعَلْ، وقال صاحب اللوامح: عن الحسن أنه قرأ «أشدّد به» مضارع شدد للتكثير والتكرير. وليس المراد بالأمر على القراءة السابقة الرسالة لأن ذلك ليس في يد موسى عليه السّلام بل أمر الإرشاد والدعوة إلى الحق، وكان هارون كما أخرج الحاكم عن وهب أطول من موسى عليهما السّلام وأكثر لحما وأبيض جسما وأعظم ألواحا وأكبر سنا، قيل: كان أكبر منه بأربع سنين، وقيل: بثلاث سنين. وتوفي قبله بثلاث أيضا. وكان عليه السّلام ذا تؤدة وحلم عظيم.
كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً غاية للأدعية الثلاثة الأخيرة فإن فعل كل واحد منهما من التسبيح والذكر مع كونه مكثرا لفعل الآخر ومضاعفا له بسبب انضمامه إليه مكثر له في نفسه أيضا بسبب تقويته وتأييده إذ ليس المراد بالتسبيح والذكر ما يكون منهما بالقلب أو في الخلوات حتى لا يتفاوت حاله عند التعدد والانفراد بل ما يكون منهما في تضاعيف أداء الرسالة ودعوة المردة العتاة إلى الحق وذلك مما لا ريب في اختلاف حالة في حالتي
499
التعدد والانفراد فإن كلا منهما يصدر عنه بتأييد الآخر من إظهار الحق ما لا يكاد يصدر عنه مثله حال الانفراد، وكَثِيراً في الموضعين نعت لمصدر محذوف أو زمان محذوف أي ننزهك عما لا يليق بك من الصفات والأفعال التي من جملتها ما يدعيه فرعون الطاغية ويقبله منه فئته الباغية من الشركة في الألوهية ونصفك بما يليق بك من صفات الكمال ونعوت الجمال والجلال تنزيها كثيرا ووصفا كثيرا أو زمانا كثيرا من جملته زمان دعوة فرعون وأوان المحاجة معه كذا في إرشاد العقل السليم.
وجوز أبو حيان كونه منصوبا على الحال أي نسبحك التسبيح في حال كثرته، وكذا يقال في الأخير وليس بذاك، وتقديم التسبيح على الذكر من باب تقديم التخلية على التحلية، وقيل: لأن التسبيح تنزيه عما يليق ومحله القلب والذكر ثناء بما يليق ومحله اللسان والقلب مقدم على اللسان، وقيل: إن المعنى كي نصلي لك كثيرا ونحمدك ونثني عليك كثيرا بما أوليتنا من نعمك ومننت به علينا من تحميل رسالتك، ولا يخفى أنه لا يساعده المقام.
إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً عالما بأحوالنا وبأن ما دعوتك به مما يصلحنا ويفيدنا في تحقيق ما كلفته من إقامة مراسم الرسالة وبأن هارون نعم الردء في أداء ما أمرت به، والباء متعلقة ببصيرا قدمت عليه لمراعاة الفواصل، والجملة في موضع التعليل للمعلل الأول بعد اعتبار تعليله بالعلة الأولى، وروى عبد بن حميد عن الأعمش أنه سكن كاف الضمير في المواضع الثلاثة، وجاء أن النبي صلّى الله عليه وسلّم دعا بمثل هذا الدعاء إلا أنه أقام عليا كرم الله تعالى وجهه مقام هارون عليه السّلام،
فقد أخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن أسماء بنت عميس قالت: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بإزاء ثبير وهو يقول أشرق ثبير أشرق ثبير اللهم إني أسألك مما أسألك أخي موسى أن تشرح لي صدري وأن تيسر لي أمري وأن تحل عقدة من لساني يفقه قولي واجعل لي وزيرا من أهلي عليا أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا»
، ولا يخفى أنه يتعين هنا حمل الأمر على أمر الإرشاد والدعوة إلى الحق ولا يجوز حمله على النبوة، ولا يصح الاستدلال بذلك على خلافة علي كرم الله تعالى وجهه بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم بلا فصل. ومثله فيما ذكر ما صح من
قوله عليه الصلاة والسّلام له حين استخلفه في غزوة تبوك على أهل بيته: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي»
كما بين في التحفة الاثني عشرية، نعم في ذلك من الدلالة على مزيد فضل علي كرم الله تعالى وجهه ما لا يخفى، وينبغي أيضا أن يتأول طلبه صلّى الله عليه وسلّم حل العقدة بنحو استمرار ذلك لما أنه عليه الصلاة والسّلام كان أفصح الناس لسانا قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى أي قد أعطيت سؤلك ففعل بمعنى مفعول كالخبز والأكل بمعنى المخبوز والمأكول، والإيتاء عبارة عن تعلق إرادته تعالى بوقوع تلك المطالب وحصولها له عليه السّلام البتة وتقديره تعالى إياها حتما فكلها حاصلة له عليه السّلام وإن كان وقوع بعضها بالفعل مرتبا بعد كتيسير الأمر وشد الأزر وباعتباره قيل: سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ [القصص: ٣٥] وظاهر بعض الآثار يقتضي أن شركة هارون عليه السّلام في النبوة أي استنبائه كموسى عليه السّلام وقعت في ذلك المقام وإن لم يكن عليه السّلام فيه مع أخيه، فقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال في قوله: وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي نبىء هارون ساعتئذ حين نبىء موسى عليهما السّلام، ونداؤه عليه السّلام تشريف له بالخطاب إثر تشريف.
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ استئناف مسوق لتقرير ما قبله وزيادة توطين لنفس موسى عليه السّلام بالقبول ببيان أنه تعالى حيث أنعم عليه بتلك النعم التامة من غير سابقة دعاء وطلب منه فلأن ينعم عليه بمثلها وهو طالب له وداع أولى وأحرى. وتصديره بالقسم لكمال الاعتناء بذلك أي وبالله لقد أنعمنا مَرَّةً أُخْرى أي في وقت غير هذا الوقت على أن أخرى تأنيث آخر بمعنى مغايرة ومَرَّةً ظرف زمان والمراد به الوقت الممتد الذي وقع فيه ما سيأتي إن شاء الله
وجوز أبو حيان كونه منصوبا على الحال أي نسبحك التسبيح في حال كثرته، وكذا يقال في الأخير وليس بذاك، وتقديم التسبيح على الذكر من باب تقديم التخلية على التحلية، وقيل: لأن التسبيح تنزيه عما يليق ومحله القلب والذكر ثناء بما يليق ومحله اللسان والقلب مقدم على اللسان، وقيل: إن المعنى كي نصلي لك كثيرا ونحمدك ونثني عليك كثيرا بما أوليتنا من نعمك ومننت به علينا من تحميل رسالتك، ولا يخفى أنه لا يساعده المقام.
إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً عالما بأحوالنا وبأن ما دعوتك به مما يصلحنا ويفيدنا في تحقيق ما كلفته من إقامة مراسم الرسالة وبأن هارون نعم الردء في أداء ما أمرت به، والباء متعلقة ببصيرا قدمت عليه لمراعاة الفواصل، والجملة في موضع التعليل للمعلل الأول بعد اعتبار تعليله بالعلة الأولى، وروى عبد بن حميد عن الأعمش أنه سكن كاف الضمير في المواضع الثلاثة، وجاء أن النبي صلّى الله عليه وسلّم دعا بمثل هذا الدعاء إلا أنه أقام عليا كرم الله تعالى وجهه مقام هارون عليه السّلام،
فقد أخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن أسماء بنت عميس قالت: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بإزاء ثبير وهو يقول أشرق ثبير أشرق ثبير اللهم إني أسألك مما أسألك أخي موسى أن تشرح لي صدري وأن تيسر لي أمري وأن تحل عقدة من لساني يفقه قولي واجعل لي وزيرا من أهلي عليا أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا»
، ولا يخفى أنه يتعين هنا حمل الأمر على أمر الإرشاد والدعوة إلى الحق ولا يجوز حمله على النبوة، ولا يصح الاستدلال بذلك على خلافة علي كرم الله تعالى وجهه بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم بلا فصل. ومثله فيما ذكر ما صح من
قوله عليه الصلاة والسّلام له حين استخلفه في غزوة تبوك على أهل بيته: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي»
كما بين في التحفة الاثني عشرية، نعم في ذلك من الدلالة على مزيد فضل علي كرم الله تعالى وجهه ما لا يخفى، وينبغي أيضا أن يتأول طلبه صلّى الله عليه وسلّم حل العقدة بنحو استمرار ذلك لما أنه عليه الصلاة والسّلام كان أفصح الناس لسانا قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى أي قد أعطيت سؤلك ففعل بمعنى مفعول كالخبز والأكل بمعنى المخبوز والمأكول، والإيتاء عبارة عن تعلق إرادته تعالى بوقوع تلك المطالب وحصولها له عليه السّلام البتة وتقديره تعالى إياها حتما فكلها حاصلة له عليه السّلام وإن كان وقوع بعضها بالفعل مرتبا بعد كتيسير الأمر وشد الأزر وباعتباره قيل: سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ [القصص: ٣٥] وظاهر بعض الآثار يقتضي أن شركة هارون عليه السّلام في النبوة أي استنبائه كموسى عليه السّلام وقعت في ذلك المقام وإن لم يكن عليه السّلام فيه مع أخيه، فقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال في قوله: وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي نبىء هارون ساعتئذ حين نبىء موسى عليهما السّلام، ونداؤه عليه السّلام تشريف له بالخطاب إثر تشريف.
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ استئناف مسوق لتقرير ما قبله وزيادة توطين لنفس موسى عليه السّلام بالقبول ببيان أنه تعالى حيث أنعم عليه بتلك النعم التامة من غير سابقة دعاء وطلب منه فلأن ينعم عليه بمثلها وهو طالب له وداع أولى وأحرى. وتصديره بالقسم لكمال الاعتناء بذلك أي وبالله لقد أنعمنا مَرَّةً أُخْرى أي في وقت غير هذا الوقت على أن أخرى تأنيث آخر بمعنى مغايرة ومَرَّةً ظرف زمان والمراد به الوقت الممتد الذي وقع فيه ما سيأتي إن شاء الله
500
تعالى ذكره في المنن العظيمة الكثيرة وهو في الأصل اسم للمرور الواحد ثم أطلق على كل فعلة واحدة متعدية كانت أو لازمة ثم شاع في كل فرد واحد من أفراد ما له أفراد متجددة فصار علما في ذلك حتى جعل معيارا لما في معناه من سائر الأشياء فقيل هذا بناء المرة ويقرب منه الكرة والتارة والدفعة. وقال أبو حيان: المراد منه غير هذه المنة وليست أُخْرى تأنيث آخر بكسر الخاء لتكون مقابلة للأولى. وتوهم ذلك بعضهم فقال: سماها سبحانه أخرى وهي أولى لأنها أخرى في الذكر.
إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى ظرف لمننا سواء كان بدلا من مرة أم لا، وقيل: تعليل وهو خلاف الظاهر، والمراد بالإيحاء عند الجمهور ما كان بالهام كما في قوله تعالى: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [النحل: ٦٨] وتعقب بأنه بعيد لأنه قال تعالى في سورة القصص: إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص: ٧] ومثله لا يعلم بالإلهام وليس بشيء لأنها قد تكون شاهدت منه عليه السّلام ما يدل على نبوته وأنه تعالى لا يضيعه، وإلهام الأنفس القدسية مثل ذلك لا بعد فيه فإنه نوع من الكشف. ألا ترى قول عبد المطلب وقد سمي نبينا صلّى الله عليه وسلّم محمدا فقيل له: لم سميت ولدك محمدا وليس في أسماء آبائك؟: إنه سيحمد، وفي رواية رجوت أن يحمد في السماء والأرض مع أن كون ذلك داخلا في الملهم ليس بلازم.
واستظهر أبو حيان أنه كان يبعث ملك إليها لا على جهة النبوة كما بعث إلى مريم وهو مبني على أن الملك يبعث إلى غير الأنبياء عليهم السّلام وهو الصحيح لكن قيل: عليه أنه حينئذ ينتقض تعريف النبي بأنه من أوحي إليه، على وجه النبوة دار التعريف وأجيب بأنه لا يتعين ذلك. ولو قيل: من أوحى إليه بأحكام شرعية لكنه لم يؤمر بتبليغها لم يلزم محذور. وقال الجبائي: أنه كان بالإراءة مناما. وقيل: كان على لسان نبي في وقتها كما في قوله تعالى: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ [المائدة: ١١١] وتعقب بأن خلاف الظاهر فإنه لم ينقل إنه كان نبي في مصر زمن فرعون قبل موسى عليه السّلام.
وأجيب بأن ذلك لا يتوقف على كون النبي في مصر، وقد كان شعيب عليه السّلام نبيا في زمن فرعون في مدين فيمكن أن يكون أخبرها بذلك على أن كثرة أنبياء بني إسرائيل عليهم السّلام مما شاع وذاع، والحق أن إنكار كون ذلك خلاف الظاهر مكابرة. واختلف في اسم أمه عليه السّلام والمشهور أنه يوحانذ، وفي الإتقان هي محيانة بنت يصهر بن لاوي، وقيل: بارخا وقيل: بازخت وما اشتهر من خاصية فتح الأقفال به بعد رياضة مخصوصة له مما لم نجد فيه أثرا ولعله حديث خرافة، والمراد بما يوحى ما قصه الله تعالى فيما بعد من الأمر بقذفه في التابوت. وقذفه في البحر أبهم أو لا تهويلا له وتفخيما لشأنه، ثم فسر ليكون أقر عند النفس، وقيل: معناه ما ينبغي أن يوحي ولا يخل به لعظم شأنه وفرط الاهتمام به كما يقال هذا مما يكتب، وقيل: لا يعلم إلا بالوحي، والأول أوفق بكل من المعاني السابقة المرادة بالإيحاء إلا أنه قيل: عليه إنه لو كان المراد منه التفخيم والتهويل لقيل إذ أوحينا إلى أمك ما أوحينا كما قال سبحانه فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى
[النجم: ١٠]، وقال تعالى: فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ [طه: ٧٨] فإن تم هذا فما قيل في معناه ثانيا أولى فتدبر.
وأن في قوله تعالى أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ مفسرة لأن الوحي من باب القول أو مصدرية حذف عنها الباء أي بأن اقذفيه، وقال ابن عطية: أَنِ وما بعدها في تأويل مصدر بدل من ما، وتقدم الكلام في وصل أن المصدرية بفعل الأمر، والمراد بالقذف ها نها الوضع، وأما في قوله تعالى فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فالمراد به الإلقاء والطرح، ويجوز أن يكون المراد به الوضع في الموضعين، والْيَمِّ البحر لا يكسر ولا يجمع جمع سلامة، وفي البحر هو اسم للبحر
إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى ظرف لمننا سواء كان بدلا من مرة أم لا، وقيل: تعليل وهو خلاف الظاهر، والمراد بالإيحاء عند الجمهور ما كان بالهام كما في قوله تعالى: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [النحل: ٦٨] وتعقب بأنه بعيد لأنه قال تعالى في سورة القصص: إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص: ٧] ومثله لا يعلم بالإلهام وليس بشيء لأنها قد تكون شاهدت منه عليه السّلام ما يدل على نبوته وأنه تعالى لا يضيعه، وإلهام الأنفس القدسية مثل ذلك لا بعد فيه فإنه نوع من الكشف. ألا ترى قول عبد المطلب وقد سمي نبينا صلّى الله عليه وسلّم محمدا فقيل له: لم سميت ولدك محمدا وليس في أسماء آبائك؟: إنه سيحمد، وفي رواية رجوت أن يحمد في السماء والأرض مع أن كون ذلك داخلا في الملهم ليس بلازم.
واستظهر أبو حيان أنه كان يبعث ملك إليها لا على جهة النبوة كما بعث إلى مريم وهو مبني على أن الملك يبعث إلى غير الأنبياء عليهم السّلام وهو الصحيح لكن قيل: عليه أنه حينئذ ينتقض تعريف النبي بأنه من أوحي إليه، على وجه النبوة دار التعريف وأجيب بأنه لا يتعين ذلك. ولو قيل: من أوحى إليه بأحكام شرعية لكنه لم يؤمر بتبليغها لم يلزم محذور. وقال الجبائي: أنه كان بالإراءة مناما. وقيل: كان على لسان نبي في وقتها كما في قوله تعالى: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ [المائدة: ١١١] وتعقب بأن خلاف الظاهر فإنه لم ينقل إنه كان نبي في مصر زمن فرعون قبل موسى عليه السّلام.
وأجيب بأن ذلك لا يتوقف على كون النبي في مصر، وقد كان شعيب عليه السّلام نبيا في زمن فرعون في مدين فيمكن أن يكون أخبرها بذلك على أن كثرة أنبياء بني إسرائيل عليهم السّلام مما شاع وذاع، والحق أن إنكار كون ذلك خلاف الظاهر مكابرة. واختلف في اسم أمه عليه السّلام والمشهور أنه يوحانذ، وفي الإتقان هي محيانة بنت يصهر بن لاوي، وقيل: بارخا وقيل: بازخت وما اشتهر من خاصية فتح الأقفال به بعد رياضة مخصوصة له مما لم نجد فيه أثرا ولعله حديث خرافة، والمراد بما يوحى ما قصه الله تعالى فيما بعد من الأمر بقذفه في التابوت. وقذفه في البحر أبهم أو لا تهويلا له وتفخيما لشأنه، ثم فسر ليكون أقر عند النفس، وقيل: معناه ما ينبغي أن يوحي ولا يخل به لعظم شأنه وفرط الاهتمام به كما يقال هذا مما يكتب، وقيل: لا يعلم إلا بالوحي، والأول أوفق بكل من المعاني السابقة المرادة بالإيحاء إلا أنه قيل: عليه إنه لو كان المراد منه التفخيم والتهويل لقيل إذ أوحينا إلى أمك ما أوحينا كما قال سبحانه فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى
[النجم: ١٠]، وقال تعالى: فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ [طه: ٧٨] فإن تم هذا فما قيل في معناه ثانيا أولى فتدبر.
وأن في قوله تعالى أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ مفسرة لأن الوحي من باب القول أو مصدرية حذف عنها الباء أي بأن اقذفيه، وقال ابن عطية: أَنِ وما بعدها في تأويل مصدر بدل من ما، وتقدم الكلام في وصل أن المصدرية بفعل الأمر، والمراد بالقذف ها نها الوضع، وأما في قوله تعالى فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فالمراد به الإلقاء والطرح، ويجوز أن يكون المراد به الوضع في الموضعين، والْيَمِّ البحر لا يكسر ولا يجمع جمع سلامة، وفي البحر هو اسم للبحر
501
العذب، وقيل: اسم للنيل خاصة وليس بصحيح، وهذا التفصيل هنا هو المراد بقوله تعالى فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ [القصص: ٧] لا القذف بلا تابوت فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ أي بشاطئه وهو الجانب الخالي عن الماء مأخوذ من سحل الحديد أي برده وقشره وهو فاعل بمعنى مفعول لأن الماء يسحله أي يقشره أو هو للنسب أي ذو سحل يعود الأمر إلى مسحول، وقيل: هو على ظاهره على معنى أنه يسحل الماء أي يفرقه ويضيعه وقيل: هو من السحيل وهو النهيق لأنه يسمع منه صوت، والمراد به هنا ما يقابل الوسط وهو ما يلي الساحل من البحر حيث يجري ماؤه إلى نهر فوعون.
وقيل: المراد بالساحل الجانب والطرف مطلقا والمراد من الأمر الخبر واختير للمبالغة، ومن ذلك
قوله صلّى الله عليه وسلّم: «قوموا فلأصل لكم»
ولا خراج ذلك مخرج الأمر حسن الجواب فيما بعد، وقال غير واحد: إنه لما كان إلقاء البحر إياه بالساحل أمرا واجب الوقوع لتعلق الإرادة الربانية به جعل البحر كأنه ذو تمييز مطيع أمر بذلك، وأخرج الجواب مخرج الأمر ففي اليم استعارة بالكناية وإثبات الأمر تخييل، وقيل: إن في قوله تعالى فَلْيُلْقِهِ استعارة تصريحية تبعية والضمائر كلها لموسى عليه السّلام إذ هو المحدث عنه والمقذوف في البحر والملقى بالساحل وإن كان هو التابوت أصالة لكن لما كان المقصود بالذات ما فيه جعل التابوت تبعا له في ذلك، وقيل: الضمير الأول لموسى عليه السّلام والضميران الأخيران للتابوت، ومتى كان الضمير صالحا لأن يعود على الأقرب وعلى الأبعد كان عوده على الأقرب راجحا كما نص عليه النحويون، وبهذا رد على أبي محمد بن حزم في دعواه عود الضمير في قوله تعالى فَإِنَّهُ رِجْسٌ [الأنعام: ١٤٥] على لحم لأنه المحدث عنه لا على خنزير فيحل شحمه وغضروفه وعظمه وجلده عنده لذلك، والحق أن عدم التفكيك فيما نحن فيه أولى، وما ذكره النحويون ليس على إطلاقه كما لا يخفى يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ جواب للأمر بالإلقاء وتكرير العدو للمبالغة من حيث إنه يدل على أن عداوته كثيرة لا واحدة، وقيل:
إن الأول للواقع والثاني للمتوقع وليس من التكرير للمبالغة في شيء لأن ذلك فرع جواز أن يقال: عدو لي وله وهو لا يجوز إلا عند القائلين بجواز الجمع بين الحقيقة والمجاز، وأجيب بأن ذلك جائز وليس فيه الجمع المذكور فإن فرعون وقت الأخذ متصف بالعداوة لله تعالى وله في الواقع أما اتصافه بعداوة الله تعالى فظاهر وأما اتصافه بعداوة موسى فمن حيث إنه يبغض كل مولود في تلك السنة، ولو قلنا بعدم الاتصاف بعداوة موسى عليه السّلام إذ ذاك يجوز أن يقال ذلك أيضا ويعتبر عموم المجاز وهو المخلص عن الجمع بين الحقيقة والمجاز فيما يدعي فيه ذلك.
وقال الخفاجي: إنه لا يلزم الجمع لأن عَدُوٌّ صفة مشبهة دالة على الثبوت الشامل للواقع والمتوقع. ولا يخفى أن هذا قول بأن الثبوت في الصفة المشبهة بمعنى الدوام، وقد قال هو في الكلام على تفسير قوله تعالى: وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً [الإسراء: ٣٧، لقمان: ١٨] : إن معنى دلالتها على الثبوت أنها لا تدل على تجدد وحدوث لا أنها تدل على الدوام كما ذكره النحاة، فما يقال إن مَرَحاً صفة مشبهة تدل على الثبوت ونفيه لا يقتضي نفي أصله مغالطة نشأت من عدم فهم معنى الثبوت فيها انتهى، على أن كلامه هنا بعد الإغماض عن منافاته لما ذكره قبل لا يخلو عن شيء.
ومما ذكره فيما تقدم من تفسير معنى الثبوت يعلم أن الاستدلال بهذه الآية على أن فرعون لم يقبل إيمانه ومات كافرا كما هو الحق ليس بصحيح وكم له من دليل صحيح. والظاهر أنه تعالى أبهم لها هذا العدو ولم يعلمها باسمه وإلا لما قالت لأخته قُصِّيهِ [القصص: ١١].
وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي كلمة (من) متعلقة بمحذوف وقع صفة لموصوف مؤكدة لما في تنكيرها
وقيل: المراد بالساحل الجانب والطرف مطلقا والمراد من الأمر الخبر واختير للمبالغة، ومن ذلك
قوله صلّى الله عليه وسلّم: «قوموا فلأصل لكم»
ولا خراج ذلك مخرج الأمر حسن الجواب فيما بعد، وقال غير واحد: إنه لما كان إلقاء البحر إياه بالساحل أمرا واجب الوقوع لتعلق الإرادة الربانية به جعل البحر كأنه ذو تمييز مطيع أمر بذلك، وأخرج الجواب مخرج الأمر ففي اليم استعارة بالكناية وإثبات الأمر تخييل، وقيل: إن في قوله تعالى فَلْيُلْقِهِ استعارة تصريحية تبعية والضمائر كلها لموسى عليه السّلام إذ هو المحدث عنه والمقذوف في البحر والملقى بالساحل وإن كان هو التابوت أصالة لكن لما كان المقصود بالذات ما فيه جعل التابوت تبعا له في ذلك، وقيل: الضمير الأول لموسى عليه السّلام والضميران الأخيران للتابوت، ومتى كان الضمير صالحا لأن يعود على الأقرب وعلى الأبعد كان عوده على الأقرب راجحا كما نص عليه النحويون، وبهذا رد على أبي محمد بن حزم في دعواه عود الضمير في قوله تعالى فَإِنَّهُ رِجْسٌ [الأنعام: ١٤٥] على لحم لأنه المحدث عنه لا على خنزير فيحل شحمه وغضروفه وعظمه وجلده عنده لذلك، والحق أن عدم التفكيك فيما نحن فيه أولى، وما ذكره النحويون ليس على إطلاقه كما لا يخفى يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ جواب للأمر بالإلقاء وتكرير العدو للمبالغة من حيث إنه يدل على أن عداوته كثيرة لا واحدة، وقيل:
إن الأول للواقع والثاني للمتوقع وليس من التكرير للمبالغة في شيء لأن ذلك فرع جواز أن يقال: عدو لي وله وهو لا يجوز إلا عند القائلين بجواز الجمع بين الحقيقة والمجاز، وأجيب بأن ذلك جائز وليس فيه الجمع المذكور فإن فرعون وقت الأخذ متصف بالعداوة لله تعالى وله في الواقع أما اتصافه بعداوة الله تعالى فظاهر وأما اتصافه بعداوة موسى فمن حيث إنه يبغض كل مولود في تلك السنة، ولو قلنا بعدم الاتصاف بعداوة موسى عليه السّلام إذ ذاك يجوز أن يقال ذلك أيضا ويعتبر عموم المجاز وهو المخلص عن الجمع بين الحقيقة والمجاز فيما يدعي فيه ذلك.
وقال الخفاجي: إنه لا يلزم الجمع لأن عَدُوٌّ صفة مشبهة دالة على الثبوت الشامل للواقع والمتوقع. ولا يخفى أن هذا قول بأن الثبوت في الصفة المشبهة بمعنى الدوام، وقد قال هو في الكلام على تفسير قوله تعالى: وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً [الإسراء: ٣٧، لقمان: ١٨] : إن معنى دلالتها على الثبوت أنها لا تدل على تجدد وحدوث لا أنها تدل على الدوام كما ذكره النحاة، فما يقال إن مَرَحاً صفة مشبهة تدل على الثبوت ونفيه لا يقتضي نفي أصله مغالطة نشأت من عدم فهم معنى الثبوت فيها انتهى، على أن كلامه هنا بعد الإغماض عن منافاته لما ذكره قبل لا يخلو عن شيء.
ومما ذكره فيما تقدم من تفسير معنى الثبوت يعلم أن الاستدلال بهذه الآية على أن فرعون لم يقبل إيمانه ومات كافرا كما هو الحق ليس بصحيح وكم له من دليل صحيح. والظاهر أنه تعالى أبهم لها هذا العدو ولم يعلمها باسمه وإلا لما قالت لأخته قُصِّيهِ [القصص: ١١].
وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي كلمة (من) متعلقة بمحذوف وقع صفة لموصوف مؤكدة لما في تنكيرها
502
من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية أي محبة عظيمة كائنة مني قد زرعتها في القلوب فكل من رآك أحبك بحيث لا يصبر عنك، قال مقاتل: كان في عينيه ملاحة ما رآه أحد إلا أحبه، وقال ابن عطية: جعلت عليه مسحة جمال لا يكاد يصبر عنه من رآه، روي أن أمه عليه السّلام حين أوحي إليها ما أوحي جعلته في تابوت من خشب، وقيل: من بردى عمله مؤمن آل فرعون وسدت خروقه وفرشت فيه نطعا، وقيل: قطنا محلوجا وسدت فمه وجصصته وقيرته وألقته في اليم فبينما فرعون في موضع يشرف على النيل وامرأته معه إذ رأى التابوت عند الساحل فأمر به ففتح فإذا صبي أصبح الناس وجها فأحبه هو وامرأته حبا شديدا.
وقيل: إن التابوت جاء في الماء إلى المشرعة التي كانت جواري امرأة فرعون يستقين منها الماء فأخذن التابوت وجئن به إليها وهن يحسبن أن فيه مالا فلما فتحنه رأته عليه السّلام فأحبته وأعلمت فرعون وطلبت منه أن يتخذه ولدا، وقالت: قرة عين لي ولك لا تقتلوه، فقال لها: يكون لك وأما أنا فلا حاجة لي فيه. ومن هنا
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما رواه النسائي وجماعة عن ابن عباس: «والذي يحلف به لو أقر فرعون بأن يكون قرة عين له كما قالت امرأته لهداه الله تعالى به كما هدى به امرأته ولكن الله عز وجل حرمه ذلك»
، وقيل: إن فرعون كان جالسا على رأس بركة له في بستان ومعه امرأته فرأى التابوت وقد دفعه الماء إلى البركة من نهر يشرع من اليم فأمر بإخراجه فأخرج ففتح فإذا صبي أجمل الناس وجها فأحبه حتى لا يكاد يصبر عنه، وروي أنه كان بحضرته حين رأى التابوت أربعمائة غلام وجارية فحين أشار بأخذه وعد من يسبق إلى ذلك بالإعتاق فتسابقوا جميعا ولم يظفر بأخذه إلا واحد منهم فاعتق الكل، وفي هذا ما يطمع المقصر في العمل من المؤمنين برحمة الله تعالى فإنه سبحانه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، وقيل: كلمة من متعلقة بألقيت فالمحبة الملقاة بحسب الذوق هي محبة الله تعالى له أي أحببتك ومن أحبه الله تعالى أحبته القلوب لا محالة، واعترض القاضي على هذا بأن في الصغر لا يوصف الشخص بمحبة الله تعالى إياه فإنها ترجع إلى إيصال الثواب وهو إنما يكون للمكلف. ورد بأن محبة الله تعالى عند المؤولين عبارة عن إرادة الخير والنفع وهو أعم من أن يكون جزاء على عمل أولا يكون والرد عند من لا يؤول أظهر، وجوز بعضهم إرادة المعنى الثاني على القول الأول في التعلق وإرادة المعنى الأول على القول الثاني فيه، وزعم أن وجه التخصيص غير ظاهر وهو لا يخفى على ذي ذهن مستقيم وذوق سليم.
وقوله تعالى: وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي متعلق بألقيت على أنه عطف على علة مضمرة أي ليتعطف عليك ولتصنع أو متعلق بفعل مضمر مؤخر أي ولتصنع إلخ فعلت ذلك أي إلقاء المحبة عليك، وزعم أنه متعلق بألقيت على أن الواو مقحمة ليس بشيء وعلى عيني أي بمرأى مني متعلق بمحذوف وقع حالا من المستتر في «تصنع» وهو استعارة تمثيلية للحفظ والصون فإن المصون يجعل بمرأ والصنع الإحسان، قال النحاس: يقال صنعت الفرس إذا أحسنت إليه.
والمعنى وليفعل بك الصنيعة والإحسان وتريى بالحنو والشفقة وأنا مراعيك ومراقبك كما يراعي الرجل الشيء بعينه إذا اعتنى به. ويجعل ذلك تمثيلا يندفع ما قاله الواحدي من أن تفسير عَلى عَيْنِي بما تقدم صحيح ولكن لا يكون في ذلك تخصيص لموسى عليه السّلام فإن جميع الأشياء بمرأى من الله تعالى على أنه قد يقال: هذا الاختصاص للتشريف كاختصاص عيسى عليه السّلام بكلمة الله تعالى والكعبة ببيت الله تعالى مع أن الكل موجود بكن وكل البيوت بيت الله سبحانه، وقال قتادة: المعنى لتغذى على محبتي وإرادتي وهو اختيار أبي عبيدة. وابن الأنباري وزعم الواحدي أنه الصحيح. وقرأ الحسن وأبو نهيك ولتصنع» بفتح التاء، قال ثعلب: المعنى لتكون حركتك وتصرفك على عين مني لئلا تخالف أمري.
وقرأ أبو جعفر في رواية «ولتصنع» بكسر اللام وجزم الفعل بها لأنها لام الأمر وأمر المخاطب باللام شاذ لكن لما
وقيل: إن التابوت جاء في الماء إلى المشرعة التي كانت جواري امرأة فرعون يستقين منها الماء فأخذن التابوت وجئن به إليها وهن يحسبن أن فيه مالا فلما فتحنه رأته عليه السّلام فأحبته وأعلمت فرعون وطلبت منه أن يتخذه ولدا، وقالت: قرة عين لي ولك لا تقتلوه، فقال لها: يكون لك وأما أنا فلا حاجة لي فيه. ومن هنا
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما رواه النسائي وجماعة عن ابن عباس: «والذي يحلف به لو أقر فرعون بأن يكون قرة عين له كما قالت امرأته لهداه الله تعالى به كما هدى به امرأته ولكن الله عز وجل حرمه ذلك»
، وقيل: إن فرعون كان جالسا على رأس بركة له في بستان ومعه امرأته فرأى التابوت وقد دفعه الماء إلى البركة من نهر يشرع من اليم فأمر بإخراجه فأخرج ففتح فإذا صبي أجمل الناس وجها فأحبه حتى لا يكاد يصبر عنه، وروي أنه كان بحضرته حين رأى التابوت أربعمائة غلام وجارية فحين أشار بأخذه وعد من يسبق إلى ذلك بالإعتاق فتسابقوا جميعا ولم يظفر بأخذه إلا واحد منهم فاعتق الكل، وفي هذا ما يطمع المقصر في العمل من المؤمنين برحمة الله تعالى فإنه سبحانه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، وقيل: كلمة من متعلقة بألقيت فالمحبة الملقاة بحسب الذوق هي محبة الله تعالى له أي أحببتك ومن أحبه الله تعالى أحبته القلوب لا محالة، واعترض القاضي على هذا بأن في الصغر لا يوصف الشخص بمحبة الله تعالى إياه فإنها ترجع إلى إيصال الثواب وهو إنما يكون للمكلف. ورد بأن محبة الله تعالى عند المؤولين عبارة عن إرادة الخير والنفع وهو أعم من أن يكون جزاء على عمل أولا يكون والرد عند من لا يؤول أظهر، وجوز بعضهم إرادة المعنى الثاني على القول الأول في التعلق وإرادة المعنى الأول على القول الثاني فيه، وزعم أن وجه التخصيص غير ظاهر وهو لا يخفى على ذي ذهن مستقيم وذوق سليم.
وقوله تعالى: وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي متعلق بألقيت على أنه عطف على علة مضمرة أي ليتعطف عليك ولتصنع أو متعلق بفعل مضمر مؤخر أي ولتصنع إلخ فعلت ذلك أي إلقاء المحبة عليك، وزعم أنه متعلق بألقيت على أن الواو مقحمة ليس بشيء وعلى عيني أي بمرأى مني متعلق بمحذوف وقع حالا من المستتر في «تصنع» وهو استعارة تمثيلية للحفظ والصون فإن المصون يجعل بمرأ والصنع الإحسان، قال النحاس: يقال صنعت الفرس إذا أحسنت إليه.
والمعنى وليفعل بك الصنيعة والإحسان وتريى بالحنو والشفقة وأنا مراعيك ومراقبك كما يراعي الرجل الشيء بعينه إذا اعتنى به. ويجعل ذلك تمثيلا يندفع ما قاله الواحدي من أن تفسير عَلى عَيْنِي بما تقدم صحيح ولكن لا يكون في ذلك تخصيص لموسى عليه السّلام فإن جميع الأشياء بمرأى من الله تعالى على أنه قد يقال: هذا الاختصاص للتشريف كاختصاص عيسى عليه السّلام بكلمة الله تعالى والكعبة ببيت الله تعالى مع أن الكل موجود بكن وكل البيوت بيت الله سبحانه، وقال قتادة: المعنى لتغذى على محبتي وإرادتي وهو اختيار أبي عبيدة. وابن الأنباري وزعم الواحدي أنه الصحيح. وقرأ الحسن وأبو نهيك ولتصنع» بفتح التاء، قال ثعلب: المعنى لتكون حركتك وتصرفك على عين مني لئلا تخالف أمري.
وقرأ أبو جعفر في رواية «ولتصنع» بكسر اللام وجزم الفعل بها لأنها لام الأمر وأمر المخاطب باللام شاذ لكن لما
503
كان الفعل مبنيا للمفعول هنا وكان أصله مسندا للغائب ولا كلام في أمره باللام استصحب ذلك بعد نقله إلى المفعول للاختصار، والظاهر أن العطف على قوله تعالى: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي إلا أن فيه عطف الإنشاء على الخبر وفيه كلام مشهور لكن قيل هنا: إنه هون أمره كون الأمر في معنى الخبر.
وقال صاحب اللوامح: إن العطف على قوله تعالى: فَلْيُلْقِهِ فلا عطف فيه للإنشاء على الخبر.
وقرأ شيبة وأبو جعفر في رواية أخرى كذلك إلا أنه سكن اللام وهي لام الأمر أيضا وبقية الكلام نحو ما مر.
ويحتمل أن تكون لام كي سكنت تخفيفا ولم يظهر فتح العين للإدغام، قال الخفاجي: وهذا حسن جدا.
إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ ظرف لتصنع كما قال الحوفي وغيره على أن المراد به وقت وقع فيه مشي الأخت وما ترتب عليه من القول والرجع إلى أمها وتربيتها له بالحنو وهو المصداق لقوله تعالى: وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي إذ لا شفقة أعظم من شفقة الأم وصنيعها على موجب مراعاته تعالى. وجوز أن يكون ظرفا لألقيت وإن يكون بدلا من إِذْ أَوْحَيْنا على أن المراد بها وقت متسع فيتحد الظرفان وتصح البدلية ولا يكون من إبدال أحد المتغايرين الذي لا يقع في فصيح الكلام.
ورجح هذا صاحب الكشف فقال: هو الأوفق لمقام الامتنان لما فيه من تعداد المنة على وجه أبلغ ولما في تخصيص الإلقاء أو التربية بزمان مشي الأخت من العدول إلى الظاهر فقبله كان عليه السّلام محبوبا محفوظا، ثم أولى الوجهين جعله ظرفا لِتُصْنَعَ، وأما النصب بإضمار اذكر فضعيف اه. وأنت تعلم أن الظاهر كونه ظرفا لتصنع والتقييد بعلى عيني يسقط التربية قبل في غير حجر الأم عن العين.
واعترض أبو حيان وجه البدلية بأن كلا من الظرفين ضيق ليس بمتسع لتخصيصه بما أضيف إليه وليس ذلك كالسنة في الامتداد وفيه تأمل، واسم أخته عليه السّلام مريم، وقيل: كلثوم وصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية، وكذا يقال في قوله تعالى: فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ أي يضمه إلى نفسه ويربيه.
فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ الفاء فصيحة أي فقالوا: دلينا على ذلك فجاءت بأمك فرجعناك إليها كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها بلقائك. وقرىء «تقرّ» بكسر القاف. وقرأ جناح بن حبيش «تقرّ» بالبناء للمفعول وَلا تَحْزَنَ أي لا يطرأ عليها الحزن بفراقك بعد ذلك وإلا فزوال الحزن مقدم على السرور المعبر عنه بقرة العين فإن التخلية مقدمة على التحلية.
وقيل: الضمير المستتر في تَحْزَنَ لموسى عليه السّلام أي ولا تحزن أنت بفقد إشفاقها، وهذا وإن لم يأبه النظم الكريم إلا أن حزن الطفل غير ظاهر، وما في سورة القصص يقتضي الأول والقرآن يفسر بعضه بعضا.
أخرج جماعة من خبر طويل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن آسية حين أخرجت موسى عليه السّلام من التابوت واستوهبته من فرعون فوهبه لها أرسلت إلى من حولها من كل امرأة لها لبن لتختار لها ظئرا فلم يقبل ثدي واحدة منهن حتى أشفقت أن يمتنع من اللبن فيموت فأحزنها ذلك فأمرت به فأخرج إلى السوق مجمع الناس ترجو أن تجد له ظئرا يأخذ ثديها فلم يفعل وأصبحت أمه والهة فقالت لأخته: قصي أثره واطلبيه هل تسمعين له ذكرا أحيا ابني أم قد أكلته الدواب؟ ونسيت الذي كان وعدها الله تعالى فبصرت به عن جنب فقالت من الفرح: أنا أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون فأخذوها فقالوا: وما يدريك ما نصحهم له هل يعرفونه؟ وشكوا في ذلك فقالت:
نصحهم له وشفقتهم عليه لرغبتهم في رضا الملك والتقرب إليه فتركوها وسألوها الدلالة فانطلقت إلى أمه فأخبرتها
وقال صاحب اللوامح: إن العطف على قوله تعالى: فَلْيُلْقِهِ فلا عطف فيه للإنشاء على الخبر.
وقرأ شيبة وأبو جعفر في رواية أخرى كذلك إلا أنه سكن اللام وهي لام الأمر أيضا وبقية الكلام نحو ما مر.
ويحتمل أن تكون لام كي سكنت تخفيفا ولم يظهر فتح العين للإدغام، قال الخفاجي: وهذا حسن جدا.
إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ ظرف لتصنع كما قال الحوفي وغيره على أن المراد به وقت وقع فيه مشي الأخت وما ترتب عليه من القول والرجع إلى أمها وتربيتها له بالحنو وهو المصداق لقوله تعالى: وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي إذ لا شفقة أعظم من شفقة الأم وصنيعها على موجب مراعاته تعالى. وجوز أن يكون ظرفا لألقيت وإن يكون بدلا من إِذْ أَوْحَيْنا على أن المراد بها وقت متسع فيتحد الظرفان وتصح البدلية ولا يكون من إبدال أحد المتغايرين الذي لا يقع في فصيح الكلام.
ورجح هذا صاحب الكشف فقال: هو الأوفق لمقام الامتنان لما فيه من تعداد المنة على وجه أبلغ ولما في تخصيص الإلقاء أو التربية بزمان مشي الأخت من العدول إلى الظاهر فقبله كان عليه السّلام محبوبا محفوظا، ثم أولى الوجهين جعله ظرفا لِتُصْنَعَ، وأما النصب بإضمار اذكر فضعيف اه. وأنت تعلم أن الظاهر كونه ظرفا لتصنع والتقييد بعلى عيني يسقط التربية قبل في غير حجر الأم عن العين.
واعترض أبو حيان وجه البدلية بأن كلا من الظرفين ضيق ليس بمتسع لتخصيصه بما أضيف إليه وليس ذلك كالسنة في الامتداد وفيه تأمل، واسم أخته عليه السّلام مريم، وقيل: كلثوم وصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية، وكذا يقال في قوله تعالى: فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ أي يضمه إلى نفسه ويربيه.
فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ الفاء فصيحة أي فقالوا: دلينا على ذلك فجاءت بأمك فرجعناك إليها كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها بلقائك. وقرىء «تقرّ» بكسر القاف. وقرأ جناح بن حبيش «تقرّ» بالبناء للمفعول وَلا تَحْزَنَ أي لا يطرأ عليها الحزن بفراقك بعد ذلك وإلا فزوال الحزن مقدم على السرور المعبر عنه بقرة العين فإن التخلية مقدمة على التحلية.
وقيل: الضمير المستتر في تَحْزَنَ لموسى عليه السّلام أي ولا تحزن أنت بفقد إشفاقها، وهذا وإن لم يأبه النظم الكريم إلا أن حزن الطفل غير ظاهر، وما في سورة القصص يقتضي الأول والقرآن يفسر بعضه بعضا.
أخرج جماعة من خبر طويل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن آسية حين أخرجت موسى عليه السّلام من التابوت واستوهبته من فرعون فوهبه لها أرسلت إلى من حولها من كل امرأة لها لبن لتختار لها ظئرا فلم يقبل ثدي واحدة منهن حتى أشفقت أن يمتنع من اللبن فيموت فأحزنها ذلك فأمرت به فأخرج إلى السوق مجمع الناس ترجو أن تجد له ظئرا يأخذ ثديها فلم يفعل وأصبحت أمه والهة فقالت لأخته: قصي أثره واطلبيه هل تسمعين له ذكرا أحيا ابني أم قد أكلته الدواب؟ ونسيت الذي كان وعدها الله تعالى فبصرت به عن جنب فقالت من الفرح: أنا أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون فأخذوها فقالوا: وما يدريك ما نصحهم له هل يعرفونه؟ وشكوا في ذلك فقالت:
نصحهم له وشفقتهم عليه لرغبتهم في رضا الملك والتقرب إليه فتركوها وسألوها الدلالة فانطلقت إلى أمه فأخبرتها
504
الخبر فجاءت فلما وضعته في حجرها نزا إلى ثديها فمصه حتى امتلأ جنباه ريا وانطلق البشرى إلى امرأة فرعون يبشرونها إنا قد وجدنا لابنك ظئرا فأرسلت إليها فأتيت بها وبه فلما رأت ما يصنع بها قالت لها: امكثي عندي أرضعي ابني هذا فإني لم أحب حبه شيئا قط قالت: لا أستطيع أن أدع بيتي وولدي فيضيع فإن طابت نفسك أن تعطينيه فأذهب به إلى بيتي فيكون معي لا آلوه خيرا فعلت وإلا فإني غير تاركة بيتي وولدي فذكرت أم موسى ما كان الله عز وجل وعدها فتعاسرت على امرأة فرعون لذلك وأيقنت أن الله عز وجل منجز وعده فرجعت بابنها إلى بيتها من يومها فأنبته الله تعالى نباتا حسنا وحفظه لما قد قضى فيه فلما ترعرع قالت امرأة فرعون لأمه: أريني ابني فوعدتها يوما تزورها به فيه فقالت لخزانها وقهارمتها: لا يبق منكم أحد إلا استقبل ابني بهدية وكرامة أرى ذلك فيه وأنا باعثة أمينا يحصي ما صنع كل إنسان منكم فلم تزل الهدايا والنحل والكرامة تستقبله من حين خرج من بيت أمه إلى أن دخل عليها فلما دخل أكرمته ونحلته وفرحت به ونحلت أمه لحسن أثرها عليه ثم انطلقت به إلى فرعون لينحله وليكرمه فكان ما تقدم من جذب لحيته، ومن هذا الخبر يعلم أن المراد إذ تمشي أختك في الطريق لطلبك وتحقيق أمرك فتقول: لمن أنت بأيديهم يطلبون لك ظئرا ترضعك هل أدلكم إلخ.
وفي رواية أنه لما أخذ من التابوت فشا الخبر بأن آل فرعون وجدوا غلاما من النيل لا يرتضع ثدي امرأة واضطروا إلى تتبع النساء فخرجت أخته لتعرف خبره فجاءتهم متنكرة فقالت ما قالت وقالوا ما قالوا، فالمراد على هذا إذ تمشي أختك إلى بيت فرعون فتقول لفرعون وآسية أو لآسية هَلْ أَدُلُّكُمْ إلخ.
وَقَتَلْتَ نَفْساً هي نفس القبطي واسمه قانون الذي استغاثه عليه الإسرائيلي واسمه موسى بن ظفر وهو السامري، وكان سنه عليه السّلام حين قتل على ما في البحر اثنتي عشرة سنة، وفي الخبر عن الحبر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه عليه السّلام حين قتل القبطي كان من الرجال وكان قتله إياه بالوكز كما يدل عليه قوله تعالى: فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ [القصص: ١٥] وكان المراد وقتلت نفسا فأصابك غم فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وهو الغم الناشئ من القتل وقد حصل له من وجهين خوف عقاب الله تعالى حيث لم يقع القتل بأمره سبحانه وخوف اقتصاص فرعون وقد نجاه الله تعالى من ذلك بالمغرة حين قال: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي [القصص: ١٦] وبالمهاجرة إلى مدين، وقيل: هو غم التابوت، وقيل: غم البحر وكلا القولين ليس بشيء، والغم في الأصل ستر الشيء ومنه الغمام لستره ضوء الشمس، ويقال: لما يغم القلب بسبب خوف أو فوات مقصود، وفرق بينه وبين الهم بأنه من أمر ماض والهم من أمر مستقبل، وظاهر كلام كثير عدم الفرق وشمول كل ما يكون من أمر ماض وأمر مستقبل وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً أي ابتليناك ابتلاء على أن فُتُوناً مصدر على فعول في المتعدي كالثبور والشكور والكفور، والأكثر في هذا الوزن أن يكون مصدر اللازم أو فتونا من الابتلاء على أنه جمع فتن كالظنون جمع ظن أو جمع فتنة على ترك الاعتداد بالتاء لأنها في حكم الانفصال كما قالوا في حجوز جمع حجزة (١) وبدور جمع بدرة (٢)، ونظم الابتلاء في سلك المنن قيل:
باعتبار أن المراد ابتليناك واختبرناك بإيقاعك في المحن وتخليصك منها، وقيل: إن المعنى أوقعناك في المحنة وهو ما يشق على الإنسان، ونظم ذلك في ذلك السلك باعتبار أنه موجب للثواب فيكون من قبيل النعم وليس بشيء، وقيل: إن فَتَنَّاكَ بمعنى خلصناك من قولهم: فتنت الذهب بالنار إذا خلصته بها من الغش ولا يخفى حسنه، والمراد سواء اعتبر
وفي رواية أنه لما أخذ من التابوت فشا الخبر بأن آل فرعون وجدوا غلاما من النيل لا يرتضع ثدي امرأة واضطروا إلى تتبع النساء فخرجت أخته لتعرف خبره فجاءتهم متنكرة فقالت ما قالت وقالوا ما قالوا، فالمراد على هذا إذ تمشي أختك إلى بيت فرعون فتقول لفرعون وآسية أو لآسية هَلْ أَدُلُّكُمْ إلخ.
وَقَتَلْتَ نَفْساً هي نفس القبطي واسمه قانون الذي استغاثه عليه الإسرائيلي واسمه موسى بن ظفر وهو السامري، وكان سنه عليه السّلام حين قتل على ما في البحر اثنتي عشرة سنة، وفي الخبر عن الحبر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه عليه السّلام حين قتل القبطي كان من الرجال وكان قتله إياه بالوكز كما يدل عليه قوله تعالى: فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ [القصص: ١٥] وكان المراد وقتلت نفسا فأصابك غم فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وهو الغم الناشئ من القتل وقد حصل له من وجهين خوف عقاب الله تعالى حيث لم يقع القتل بأمره سبحانه وخوف اقتصاص فرعون وقد نجاه الله تعالى من ذلك بالمغرة حين قال: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي [القصص: ١٦] وبالمهاجرة إلى مدين، وقيل: هو غم التابوت، وقيل: غم البحر وكلا القولين ليس بشيء، والغم في الأصل ستر الشيء ومنه الغمام لستره ضوء الشمس، ويقال: لما يغم القلب بسبب خوف أو فوات مقصود، وفرق بينه وبين الهم بأنه من أمر ماض والهم من أمر مستقبل، وظاهر كلام كثير عدم الفرق وشمول كل ما يكون من أمر ماض وأمر مستقبل وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً أي ابتليناك ابتلاء على أن فُتُوناً مصدر على فعول في المتعدي كالثبور والشكور والكفور، والأكثر في هذا الوزن أن يكون مصدر اللازم أو فتونا من الابتلاء على أنه جمع فتن كالظنون جمع ظن أو جمع فتنة على ترك الاعتداد بالتاء لأنها في حكم الانفصال كما قالوا في حجوز جمع حجزة (١) وبدور جمع بدرة (٢)، ونظم الابتلاء في سلك المنن قيل:
باعتبار أن المراد ابتليناك واختبرناك بإيقاعك في المحن وتخليصك منها، وقيل: إن المعنى أوقعناك في المحنة وهو ما يشق على الإنسان، ونظم ذلك في ذلك السلك باعتبار أنه موجب للثواب فيكون من قبيل النعم وليس بشيء، وقيل: إن فَتَنَّاكَ بمعنى خلصناك من قولهم: فتنت الذهب بالنار إذا خلصته بها من الغش ولا يخفى حسنه، والمراد سواء اعتبر
(١) ما يوضع فيه تكة السراويل ونحوها اه منه.
(٢) مقدار من النقد معروف اه منه.
(٢) مقدار من النقد معروف اه منه.
505
الفتون مصدرا أو جمعا خلصناك مرة بعد أخرى وهو ظاهر على اعتبار الجمعية، وأما على اعتبار المصدرية فلاقتضاء السياق ذلك، وهذا إجمال ما ناله عليه السّلام في سفره من الهجرة عن الوطن ومفارقة الآلاف والمشي راجلا وفقد الزاد.
وقد روى جماعة أن سعيد بن جبير سأل ابن عباس عن الفتون فقال له: استأنف النهار يا ابن جبير فإن لها خبرا طويلا فلما أصبح غدا عليه فأخذ ابن عباس يذكر ذلك فذكر قصة فرعون وقتله أولاد بني إسرائيل ثم قصة إلقاء موسى عليه الصلاة والسّلام في اليم والتقاط آل فرعون إياه وامتناعه من الارتضاع من الأجانب وإرجاعه إلى أمه ثم قصة أخذه بلحية فرعون وغضب فرعون من ذلك وإرادته قتله ووضع الجمرة والجوهرة بين يديه وأخذه الجمرة، ثم قصة قتله القبطي ثم هربه إلى مدين وصيرورته أجيرا لشعيب عليه السّلام ثم عوده إلى مصر وإخطاء الطريق في الليلة المظلمة وتفرق غنمه فيها وكان رضي الله تعالى عنه عند تمام كل واحدة يقول هذه من الفتون يا ابن جبير، ولكن قيل: الذي يقتضيه النظم الكريم أن لا يعد إجارة نفسه وما بعدها من تلك الفتون ضرورة أن المراد بها ما وقع قبل وصوله عليه السّلام إلى مدين بقضية الفاء في قوله تعالى: فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ إذ لا ريب في أن الإجارة المذكورة وما بعدها مما وقع بعد الوصول إليهم وقد أشير بذكر لبثه عليه السّلام فيهم دون وصوله إليهم إلى جميع ما قاساه عليه السّلام من فنون الفتون في تضاعيف مدة اللبث وهي فيما قيل عشر سنين، وقال وهب: ثمان وعشرون سنة أقام في عشر منها يرعى غنم شعيب عليه السّلام مهرا لابنته وفي ثماني عشرة مع زوجته وولد له فيها وهو الأوفق بكونه عليه السّلام نبىء على رأس الأربعين إذا قلنا بأن سنه عليه السّلام حين خرج إلى مدين اثنتا عشرة سنة، ومدين بلدة شعيب عليه السّلام على ثمان مراحل من مصر.
ثُمَّ جِئْتَ أي إلى المكان الذي ناديتك فيه، وفي كلمة التراخي إيذان بأن مجيئه عليه السّلام كان بعد اللتيا والتي من ضلال الطريق وتفرق الغنم في الليلة المظلمة الشاتية وغير ذلك عَلى قَدَرٍ أي تقدير والمراد به المقدر أي جئت على وفق الوقت الذي قدرته وعينته لتكليمك واستنبائك بلا تقدم ولا تأخر عنه، وقيل: هو بمعنى المقدار أي جئت على مقدار من الزمان يوحى فيه إلى الأنبياء عليهم السّلام وهو رأس أربعين سنة.
وضعف بأن المعروف في هذا المعنى القدر بالسكون لا التحريك، وقيل: المراد على موعد وعدنا كه وروي ذلك عن مجاهد وهو يقتضي تقدم الوعد على لسان بعض الأنبياء عليهم السّلام وهو كما ترى، وقوله تعالى يا مُوسى تشريف له عليه السّلام وتنبيه على انتهاء الحكاية التي هي تفصيل المرة الأخرى التي وقعت قبل المرة المحكية أولا، وقوله سبحانه وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي تذكير لقوله تعالى وَأَنَا اخْتَرْتُكَ [طه: ١٣] وتمهيد لإرساله عليه السّلام إلى فرعون مؤيدا بأخيه حسبما استدعاه بعد تذكير المنن السابقة تأكيدا لوثوقه عليه السّلام بحصول نظائرها اللاحقة، ونظم ذلك الإمام في سلك المنن المحكية وظاهر توسيط النداء يؤيد ما تقدم، والاصطناع افتعال من الصنع بمعنى الصنيعة وهي الإحسان فمعنى اصطنعه جعله محل صنيعته وإحسانه، وقال القفال: يقال اصطنع فلان فلانا إذا أحسن إليه حتى يضاف إليه فيقال: هذا صنيع فلان وخريجه، ومعنى لِنَفْسِي ما روي عن ابن عباس لوحيي ورسالتي، وقيل: لمحبتي، وعبر عنها بالنفس لأنها أخص شيء بها، وقال الزجاج: المراد اخترتك لإقامة حجتي وجعلتك بيني وبين خلقي حتى صرت في التبليغ عني بالمنزلة التي أكون أنا بها لو خاطبتهم واحتجبت عليهم، وقال غير واحد من المحققين: هذا تمثيل لما خوله عز وجل من جعله نبيا مكرما كليما منعما عليه بحلائل النعم بتقريب الملك من يراه أهلا لأن يقرب فيصطنعه بالكرامة والأثرة ويجعله من خواص نفسه وندمائه. ولا يخفى حسن هذه الاستعارة وهي أوفق بكلامه تعالى وقوله تعالى لِنَفْسِي عليها ظاهر.
وقد روى جماعة أن سعيد بن جبير سأل ابن عباس عن الفتون فقال له: استأنف النهار يا ابن جبير فإن لها خبرا طويلا فلما أصبح غدا عليه فأخذ ابن عباس يذكر ذلك فذكر قصة فرعون وقتله أولاد بني إسرائيل ثم قصة إلقاء موسى عليه الصلاة والسّلام في اليم والتقاط آل فرعون إياه وامتناعه من الارتضاع من الأجانب وإرجاعه إلى أمه ثم قصة أخذه بلحية فرعون وغضب فرعون من ذلك وإرادته قتله ووضع الجمرة والجوهرة بين يديه وأخذه الجمرة، ثم قصة قتله القبطي ثم هربه إلى مدين وصيرورته أجيرا لشعيب عليه السّلام ثم عوده إلى مصر وإخطاء الطريق في الليلة المظلمة وتفرق غنمه فيها وكان رضي الله تعالى عنه عند تمام كل واحدة يقول هذه من الفتون يا ابن جبير، ولكن قيل: الذي يقتضيه النظم الكريم أن لا يعد إجارة نفسه وما بعدها من تلك الفتون ضرورة أن المراد بها ما وقع قبل وصوله عليه السّلام إلى مدين بقضية الفاء في قوله تعالى: فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ إذ لا ريب في أن الإجارة المذكورة وما بعدها مما وقع بعد الوصول إليهم وقد أشير بذكر لبثه عليه السّلام فيهم دون وصوله إليهم إلى جميع ما قاساه عليه السّلام من فنون الفتون في تضاعيف مدة اللبث وهي فيما قيل عشر سنين، وقال وهب: ثمان وعشرون سنة أقام في عشر منها يرعى غنم شعيب عليه السّلام مهرا لابنته وفي ثماني عشرة مع زوجته وولد له فيها وهو الأوفق بكونه عليه السّلام نبىء على رأس الأربعين إذا قلنا بأن سنه عليه السّلام حين خرج إلى مدين اثنتا عشرة سنة، ومدين بلدة شعيب عليه السّلام على ثمان مراحل من مصر.
ثُمَّ جِئْتَ أي إلى المكان الذي ناديتك فيه، وفي كلمة التراخي إيذان بأن مجيئه عليه السّلام كان بعد اللتيا والتي من ضلال الطريق وتفرق الغنم في الليلة المظلمة الشاتية وغير ذلك عَلى قَدَرٍ أي تقدير والمراد به المقدر أي جئت على وفق الوقت الذي قدرته وعينته لتكليمك واستنبائك بلا تقدم ولا تأخر عنه، وقيل: هو بمعنى المقدار أي جئت على مقدار من الزمان يوحى فيه إلى الأنبياء عليهم السّلام وهو رأس أربعين سنة.
وضعف بأن المعروف في هذا المعنى القدر بالسكون لا التحريك، وقيل: المراد على موعد وعدنا كه وروي ذلك عن مجاهد وهو يقتضي تقدم الوعد على لسان بعض الأنبياء عليهم السّلام وهو كما ترى، وقوله تعالى يا مُوسى تشريف له عليه السّلام وتنبيه على انتهاء الحكاية التي هي تفصيل المرة الأخرى التي وقعت قبل المرة المحكية أولا، وقوله سبحانه وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي تذكير لقوله تعالى وَأَنَا اخْتَرْتُكَ [طه: ١٣] وتمهيد لإرساله عليه السّلام إلى فرعون مؤيدا بأخيه حسبما استدعاه بعد تذكير المنن السابقة تأكيدا لوثوقه عليه السّلام بحصول نظائرها اللاحقة، ونظم ذلك الإمام في سلك المنن المحكية وظاهر توسيط النداء يؤيد ما تقدم، والاصطناع افتعال من الصنع بمعنى الصنيعة وهي الإحسان فمعنى اصطنعه جعله محل صنيعته وإحسانه، وقال القفال: يقال اصطنع فلان فلانا إذا أحسن إليه حتى يضاف إليه فيقال: هذا صنيع فلان وخريجه، ومعنى لِنَفْسِي ما روي عن ابن عباس لوحيي ورسالتي، وقيل: لمحبتي، وعبر عنها بالنفس لأنها أخص شيء بها، وقال الزجاج: المراد اخترتك لإقامة حجتي وجعلتك بيني وبين خلقي حتى صرت في التبليغ عني بالمنزلة التي أكون أنا بها لو خاطبتهم واحتجبت عليهم، وقال غير واحد من المحققين: هذا تمثيل لما خوله عز وجل من جعله نبيا مكرما كليما منعما عليه بحلائل النعم بتقريب الملك من يراه أهلا لأن يقرب فيصطنعه بالكرامة والأثرة ويجعله من خواص نفسه وندمائه. ولا يخفى حسن هذه الاستعارة وهي أوفق بكلامه تعالى وقوله تعالى لِنَفْسِي عليها ظاهر.
506
وحاصل المعنى جعلتك من خواصي واصطفيتك برسالتي وبكلامي، وفي العدول عن نون العظمة الواقعة في قوله سبحانه وَفَتَنَّاكَ ونظيريه السابقين تمهيد لإفراد النفس اللائق بالمقام فإنه أدخل في تحقيق معنى الاصطناع والاستخلاص، وقوله تعالى اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي استئناف مسوق لبيان ما هو المقصود بالاصطناع، وَأَخُوكَ فاعل بفعل مضمر أي وليذهب أخوك حسبما استدعيت، وقيل: معطوف على الضمير المستتر المؤكد بالضمير البارز، ورب شيء يصح تبعا ولا يصح استقلالا.
والآيات المعجزات، والمراد بها في قول اليد والعصا وحل العقدة، وعن ابن عباس الآيات التسع، وقيل:
الأولان فقط وإطلاق الجمع على الاثنين شائع ويؤيد ذلك أن فرعون لما قال له عليه السّلام: فات بآية ألقى العصا ونزع اليد، وقال: فَذانِكَ بُرْهانانِ [القصص: ٣٢] وقال بعضهم: إنهما وإن كانتا اثنتين لكن في كل منهما آيات شتى كما في قوله تعالى: آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ [آل عمران: ٩٧] فإن انقلاب العصا حيوانا آية. وكونها ثعبانا عظيما لا يقادر قدره آية أخرى. وسرعة حركته مع عظم جرمه آية أخرى. وكونه مع ذلك مسخرا له عليه السّلام بحيث يده في فمه فلا يضره آية أخرى ثم انقلابها عصا كما كانت آية أخرى وكذلك اليد البيضاء فإن بياضها في نفسه آية وشعاعها آية ثم رجوعها إلى حالتها الأولى آية أخرى. وقيل: المراد بها ما أعطى عليه السّلام من معجزة ووحي، والذي يميل إليه القلب أنها العصا واليد لما سمعت من المؤيد مع ما تقدم من أنه تعالى بعد ما أمره بإلقاء العصا وأخذها بعد انقلابها حية قال سبحانه: وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى [طه: ٢٢] ثم قال سبحانه: اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى [طه: ٢٤] من غير تنصيص على غير تلك الآيتين ولا تعرض لوصف حل العقدة ولا غيره بكونه آية، ثم إن الباء للمصاحبة لا للتعدية إذ المراد ذهابهما إلى فرعون ملتبسين بالآيات متمسكين بها في إجراء أحكام الرسالة وإكمال الدعوة لا مجرد إذهابها وإيصالها إليه وهذا ظاهر في تحقق الآيات إذ ذاك وأكثر التسع لم يتحقق بعد.
وَلا تَنِيا من الوني بمعنى الفتور وهو فعل لازم وإذا عدي عدي بفي وبعن، وزعم بعض البغداديين أنه فعل ناقص من أخوات زال وبمعناها واختاره ابن مالك، وفي الصحاح فلان لايني يفعل كذا أي لا يزال يفعل كذا وكان هذا المعنى مأخوذ من نفي الفتور، وقرأ ابن وثاب «ولا تنيا» بكسر التاء اتباعا لحركة النون. وفي مصحف عبد الله «لا تهنا» وحاصله أيضا لا تفترا فِي ذِكْرِي بما يليق بي من الصفات الجليلة والأفعال الجميلة عند تبليغ رسالتي والدعاء إلى عبادتي، وقيل: المعنى لا تنيا في تبليغ رسالتي فإن الذكر يقع مجازا على جميع العبادات وهو من أجلها وأعظمها.
وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقيل: لا تنسياني حيثما تقلبتما واستمدا به العون والتأييد واعلما أن أمرا من الأمور لا يتأتى ولا يتسنى إلا بذكري.
وجمع هارون مع موسى عليه السّلام في صيغة نهي الحاضر بناء على القول بغيبته إذ ذاك للتغليب ولا بعد في ذلك كما لا يخفى، وكذا جمعه في صيغة أمر الحاضر بناء على ذلك أيضا في قوله تعالى اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى وروي أنه أوحي إلى هارون وهو بمصر أن يتلقى موسى عليهما السّلام، وقيل: ألهم ذلك، وقيل: سمع بإقباله فتلقاه، ويحتمل أنه ذهب إلى الطور واجتمعا هناك فخوطبا معا، ويحتمل أن هذا الأمر بعد إقبال موسى عليه السّلام من الطور إلى مصر واجتماعه بهارون عليه السّلام مقبلا إليه من مصر، وفرق بعضهم بين هذا، وقوله تعالى اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بأنه لم يبين هناك من يذهب إليه وبين هنا، وبعض آخر بأنه أمرا هنا بالذهاب إلى فرعون وكان الأمر هناك بالذهاب إلى عموم أهل الدعوة، وبعض آخر بأنه لم يخاطب هارون هناك وخوطب هنا، وبعض آخر بأن الأمر هناك
والآيات المعجزات، والمراد بها في قول اليد والعصا وحل العقدة، وعن ابن عباس الآيات التسع، وقيل:
الأولان فقط وإطلاق الجمع على الاثنين شائع ويؤيد ذلك أن فرعون لما قال له عليه السّلام: فات بآية ألقى العصا ونزع اليد، وقال: فَذانِكَ بُرْهانانِ [القصص: ٣٢] وقال بعضهم: إنهما وإن كانتا اثنتين لكن في كل منهما آيات شتى كما في قوله تعالى: آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ [آل عمران: ٩٧] فإن انقلاب العصا حيوانا آية. وكونها ثعبانا عظيما لا يقادر قدره آية أخرى. وسرعة حركته مع عظم جرمه آية أخرى. وكونه مع ذلك مسخرا له عليه السّلام بحيث يده في فمه فلا يضره آية أخرى ثم انقلابها عصا كما كانت آية أخرى وكذلك اليد البيضاء فإن بياضها في نفسه آية وشعاعها آية ثم رجوعها إلى حالتها الأولى آية أخرى. وقيل: المراد بها ما أعطى عليه السّلام من معجزة ووحي، والذي يميل إليه القلب أنها العصا واليد لما سمعت من المؤيد مع ما تقدم من أنه تعالى بعد ما أمره بإلقاء العصا وأخذها بعد انقلابها حية قال سبحانه: وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى [طه: ٢٢] ثم قال سبحانه: اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى [طه: ٢٤] من غير تنصيص على غير تلك الآيتين ولا تعرض لوصف حل العقدة ولا غيره بكونه آية، ثم إن الباء للمصاحبة لا للتعدية إذ المراد ذهابهما إلى فرعون ملتبسين بالآيات متمسكين بها في إجراء أحكام الرسالة وإكمال الدعوة لا مجرد إذهابها وإيصالها إليه وهذا ظاهر في تحقق الآيات إذ ذاك وأكثر التسع لم يتحقق بعد.
وَلا تَنِيا من الوني بمعنى الفتور وهو فعل لازم وإذا عدي عدي بفي وبعن، وزعم بعض البغداديين أنه فعل ناقص من أخوات زال وبمعناها واختاره ابن مالك، وفي الصحاح فلان لايني يفعل كذا أي لا يزال يفعل كذا وكان هذا المعنى مأخوذ من نفي الفتور، وقرأ ابن وثاب «ولا تنيا» بكسر التاء اتباعا لحركة النون. وفي مصحف عبد الله «لا تهنا» وحاصله أيضا لا تفترا فِي ذِكْرِي بما يليق بي من الصفات الجليلة والأفعال الجميلة عند تبليغ رسالتي والدعاء إلى عبادتي، وقيل: المعنى لا تنيا في تبليغ رسالتي فإن الذكر يقع مجازا على جميع العبادات وهو من أجلها وأعظمها.
وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقيل: لا تنسياني حيثما تقلبتما واستمدا به العون والتأييد واعلما أن أمرا من الأمور لا يتأتى ولا يتسنى إلا بذكري.
وجمع هارون مع موسى عليه السّلام في صيغة نهي الحاضر بناء على القول بغيبته إذ ذاك للتغليب ولا بعد في ذلك كما لا يخفى، وكذا جمعه في صيغة أمر الحاضر بناء على ذلك أيضا في قوله تعالى اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى وروي أنه أوحي إلى هارون وهو بمصر أن يتلقى موسى عليهما السّلام، وقيل: ألهم ذلك، وقيل: سمع بإقباله فتلقاه، ويحتمل أنه ذهب إلى الطور واجتمعا هناك فخوطبا معا، ويحتمل أن هذا الأمر بعد إقبال موسى عليه السّلام من الطور إلى مصر واجتماعه بهارون عليه السّلام مقبلا إليه من مصر، وفرق بعضهم بين هذا، وقوله تعالى اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بأنه لم يبين هناك من يذهب إليه وبين هنا، وبعض آخر بأنه أمرا هنا بالذهاب إلى فرعون وكان الأمر هناك بالذهاب إلى عموم أهل الدعوة، وبعض آخر بأنه لم يخاطب هارون هناك وخوطب هنا، وبعض آخر بأن الأمر هناك
507
بذهاب كل منهما على الانفراد نصا أو احتمالا والأمر هنا بالذهاب على الاجتماع نصا، ولا يخفى ما في بعض هذه الفروق من النظر، والفرق ظاهر بين هذا الأمر والأمر في قوله تعالى أولا خطابا لموسى عليه السّلام اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً قرأ أبو معاذ لَيِّناً بالتخفيف، والفاء لترتيب ما بعدها على طغيانه فإن تليين القول مما يكسر سورة عناد العتاة ويلين قسوة الطغاة، ويعلم من ذلك أن الأمر بإلانة القول ليس لحق التربية كما قيل، والمعنى كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: لا تعنفاه في قولكما وارفقا به في الدعاء ويتحقق ذلك بعبارات شتى منها ما سيأتي إن شاء الله تعالى قريبا وهو إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ إلخ ومنها ما في النازعات وهو هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى [النازعات: ٨، ١٩] وهذا ظاهر غاية الظهر وفي الرفق في الدعاء فإنه في صورة العرض والمشورة، وقيل:
كنياه، واستدل به على جواز تكنية الكافر، وروي ذلك عن علي كرم الله تعالى وجهه
وابن عباس رضي الله تعالى عنهما أيضا وسفيان الثوري، وله كنى أربع أبو الوليد وأبو مصعب وأبو العباس وأبو مرة، وقيل:
عداه شبابا لا يهرم بعده وملكا لا ينزع منه إلا بالموت وأن يبقى له لذة المطعم والمشرب والمنكح إلى حين موته، وعن الحسن قولا له: إن لك ربا وإن لك معادا وإن بين يديك جنة ونارا فآمن بالله تعالى يدخلك الجنة ويقك عذاب النار، وقيل: أمرهما سبحانه بأن يقدما له الوعد على الوعيد من غير تعيين قول كما قيل:
وروي عن عكرمة أن القول اللين لا إله إلا الله ولينه خفته على اللسان، وهذا أبعد الأقوال وأقربها الأول، وكان الفضل بن عيسى الرقاشي إذا تلا هذه الآية قال: يا من يتحبب إلى من يعاديه فكيف بمن يتولاه ويناديه وقرأت عند يحيى بن معاذ فبكى وقال: إلهي هذا رفقك بمن يقول أنا الإله فكيف رفقك بمن يقول أنت الله؟ وفيها دليل على استحباب إلانة القول للظالم عند وعظه لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ ويتأمل فيبذل النصفة من نفسه والإذعان للحق فيدعوه ذلك إلى الإيمان أَوْ يَخْشى أن يكون الأمر كما تصفان فيجره إنكاره إلى الهلكة وذلك يدعوه إلى الإيمان أيضا إلا أن الأول للراسخين ولذا قدم، وقيل: يتذكر حاله حين احتبس النيل فسار إلى شاطئه وأبعد وخر لله تعالى ساجدا راغبا أن لا يخجله ثم ركب فأخذ النيل يتبع حافر فرسه فيستدل بذلك على عظيم حلم الله تعالى وكرمه أو يخشى ويحذر من بطش الله تعالى وعذابه سبحانه، والمعول على ما تقدم.
ولعل للترجي وهو راجع للمخاطبين، والجملة محل النصب حال من ضمير هما في قَوْلًا أي فقولا له قولا لينا راجيين أن يتذكر أو يخشى، وكلمة أو لمنع الخلو.
وحاصل الكلام باشرا الأمر مباشرة من يرجو ويطمع أن يثمر عمله ولا يخيب سعيه فهو يجتهد بطوعه ويحتشد بأقصى وسعه، وقيل: حال من ضمير هما في اذْهَبا والأول أولى، وقيل: لعل هنا للاستفهام أي هل يتذكر أو يخشى. وأخرج ذلك ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قيل: وهو القول اللين، وأخرج ذلك مخرج قولك: قل لزيد هل يقوم.
وقال الفراء: هي هنا بمعنى كي التعليلية وهي أحد معانيها كما ذهب إليه جماعة منهم الأخفش. والكسائي بل حكى البغوي عن الواقدي أن جميع ما في القرآن من لعل فإنها للتعليل إلا قوله تعالى «لعلكم تخلدون» فإنها للتشبيه كما في صحيح البخاري وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك قال: لعل في القرآن بمعنى كي غير آية في [الشعراء: ١٢٩] لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ فإن المعنى كأنكم تخلدون، وأخرج عن قتادة أنه قال: قرىء كذلك، ولا يخفى أن كونها للتشبيه غريب لم يذكره النحاة، وحملها على الاستفهام هنا بعيد، ولعل التعليل أسبق إلى كثير من
كنياه، واستدل به على جواز تكنية الكافر، وروي ذلك عن علي كرم الله تعالى وجهه
وابن عباس رضي الله تعالى عنهما أيضا وسفيان الثوري، وله كنى أربع أبو الوليد وأبو مصعب وأبو العباس وأبو مرة، وقيل:
عداه شبابا لا يهرم بعده وملكا لا ينزع منه إلا بالموت وأن يبقى له لذة المطعم والمشرب والمنكح إلى حين موته، وعن الحسن قولا له: إن لك ربا وإن لك معادا وإن بين يديك جنة ونارا فآمن بالله تعالى يدخلك الجنة ويقك عذاب النار، وقيل: أمرهما سبحانه بأن يقدما له الوعد على الوعيد من غير تعيين قول كما قيل:
أقدم بالوعد قبل الوعيد | لينهى القبائل جهالها |
ولعل للترجي وهو راجع للمخاطبين، والجملة محل النصب حال من ضمير هما في قَوْلًا أي فقولا له قولا لينا راجيين أن يتذكر أو يخشى، وكلمة أو لمنع الخلو.
وحاصل الكلام باشرا الأمر مباشرة من يرجو ويطمع أن يثمر عمله ولا يخيب سعيه فهو يجتهد بطوعه ويحتشد بأقصى وسعه، وقيل: حال من ضمير هما في اذْهَبا والأول أولى، وقيل: لعل هنا للاستفهام أي هل يتذكر أو يخشى. وأخرج ذلك ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قيل: وهو القول اللين، وأخرج ذلك مخرج قولك: قل لزيد هل يقوم.
وقال الفراء: هي هنا بمعنى كي التعليلية وهي أحد معانيها كما ذهب إليه جماعة منهم الأخفش. والكسائي بل حكى البغوي عن الواقدي أن جميع ما في القرآن من لعل فإنها للتعليل إلا قوله تعالى «لعلكم تخلدون» فإنها للتشبيه كما في صحيح البخاري وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك قال: لعل في القرآن بمعنى كي غير آية في [الشعراء: ١٢٩] لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ فإن المعنى كأنكم تخلدون، وأخرج عن قتادة أنه قال: قرىء كذلك، ولا يخفى أن كونها للتشبيه غريب لم يذكره النحاة، وحملها على الاستفهام هنا بعيد، ولعل التعليل أسبق إلى كثير من
508
ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ
ﰬ
ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ
ﰭ
ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ
ﰮ
ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ
ﰯ
ﰉﰊﰋﰌ
ﰰ
ﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖ
ﰱ
ﰘﰙﰚﰛﰜ
ﰲ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ
ﰳ
ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ
ﰴ
ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ
ﰵ
ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ
ﰶ
ﮇﮈﮉﮊﮋﮌ
ﰷ
ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ
ﰸ
ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ
ﰹ
الأذهان من الترجي لكن الصحيح كما في البحر أنها للترجي وهو المشهور من معانيها، وقيل: إن الترجي مجاز عن مطلق الطلب وهو راجع إليه عز وجل، والذي لا يصح منه سبحانه هو الترجي حقيقة، والمحققون على الأول، والفائدة في إرسالهما عليهما السّلام إليه مع العلم بأنه لا يؤمن إلزام الحجة وقطع المعذرة.
وزعم الإمام أنه لا يعلم سر الإرسال إليه مع علمه تعالى بامتناع حصول الإيمان منه إلا الله عز وجل ولا سبيل في أمثال هذا المقام لغير التسليم وترك الاعتراض.
واستدل بعض المتبعين لمن قال بنجاة فرعون بهذه الآية فقال: إن لعل كذا من الله تعالى واجب الوقوع فتدل الآية على أن أحد الأمرين التذكر والخشية واقع وهو مدار النجاة، وقد تقدم لك ما يعلم منه فساد هذا الاستدلال، ولا حاجة بنا إلى ما قيل من أنه تذكر وخشي لكن حيث لم ينفعه ذلك وهو حين الغرق بل لا يصح حمل التذكر والخشية هنا على ما يشمل التذكر والخشية اللذين زعم القائل حصولهما لفرعون فتذكر.
قالا استئناف بياني كأنه قيل: فماذا قالا حين أمرا بما أمرا؟ فقيل قالا إلخ، وأسند القول إليهما مع أن القائل هو موسى عليه السّلام على القول بغيبة هارون عليه السّلام للتغليب كما مر.
ويجوز أن يكون هارون عليه الإسلام قد قال ذلك بعد اجتماعه مع موسى عليه السّلام فحكى قوله مع قول موسى عند نزول الآية كما في قوله تعالى يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ [المؤمنون: ٥١] فإن هذا الخطاب قد حكي لنا بصيغة الجمع مع أن كلا من المخاطبين لم يخاطب إلا بطريق الانفراد، وجوز كونهما مجتمعين عند الطور وقالا جميعا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أي أن يعجل علينا بالعقوبة ولا يصبر إلى إتمام الدعوة وإظهار المعجزة من فرط إذا تقدم، ومنه الفارط المتقدم المورد والمنزل، وفرس فارط يسبق الخيل، وفاعل يَفْرُطَ على هذا فرعون، وقال أبو البقاء: يجوز أن يكون التقدير أن يفرط علينا منه قول فأضمر القول كما تقول فرط مني قول وهو خلاف الظاهر.
وقرأ يحيى وأبو نوفل وابن محيصن في رواية «يفرط» بضم الياء وفتح الراء من أفرطته إذا حملته على العجلة أي
وزعم الإمام أنه لا يعلم سر الإرسال إليه مع علمه تعالى بامتناع حصول الإيمان منه إلا الله عز وجل ولا سبيل في أمثال هذا المقام لغير التسليم وترك الاعتراض.
واستدل بعض المتبعين لمن قال بنجاة فرعون بهذه الآية فقال: إن لعل كذا من الله تعالى واجب الوقوع فتدل الآية على أن أحد الأمرين التذكر والخشية واقع وهو مدار النجاة، وقد تقدم لك ما يعلم منه فساد هذا الاستدلال، ولا حاجة بنا إلى ما قيل من أنه تذكر وخشي لكن حيث لم ينفعه ذلك وهو حين الغرق بل لا يصح حمل التذكر والخشية هنا على ما يشمل التذكر والخشية اللذين زعم القائل حصولهما لفرعون فتذكر.
قالا استئناف بياني كأنه قيل: فماذا قالا حين أمرا بما أمرا؟ فقيل قالا إلخ، وأسند القول إليهما مع أن القائل هو موسى عليه السّلام على القول بغيبة هارون عليه السّلام للتغليب كما مر.
ويجوز أن يكون هارون عليه الإسلام قد قال ذلك بعد اجتماعه مع موسى عليه السّلام فحكى قوله مع قول موسى عند نزول الآية كما في قوله تعالى يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ [المؤمنون: ٥١] فإن هذا الخطاب قد حكي لنا بصيغة الجمع مع أن كلا من المخاطبين لم يخاطب إلا بطريق الانفراد، وجوز كونهما مجتمعين عند الطور وقالا جميعا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أي أن يعجل علينا بالعقوبة ولا يصبر إلى إتمام الدعوة وإظهار المعجزة من فرط إذا تقدم، ومنه الفارط المتقدم المورد والمنزل، وفرس فارط يسبق الخيل، وفاعل يَفْرُطَ على هذا فرعون، وقال أبو البقاء: يجوز أن يكون التقدير أن يفرط علينا منه قول فأضمر القول كما تقول فرط مني قول وهو خلاف الظاهر.
وقرأ يحيى وأبو نوفل وابن محيصن في رواية «يفرط» بضم الياء وفتح الراء من أفرطته إذا حملته على العجلة أي
509
نخاف أن يحمله حامل من الاستكبار أو الخوف على الملك أو غيرهما على المعاجلة بالعقاب. وقرأت فرقة والزعفراني عن ابن محيصن «يفرط» بضم الياء وكسر الراء من الإفراط في الأذية. واستشكل هذا القول مع قوله تعالى:
سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما [القصص: ٣٥] فإنه مذكور قبل قولهما هذا بدلالة «سنشد» وقد دل على أنهما محفوظان من عقوبته وأذاه فكيف يخافان من ذلك. وأجيب: بأنه لا يتعين أن يكون المعنى لا يصلون بالعقوبة لجواز أن يراد لا يصلون إلى إلزامكما بالحجة مع أن التقدم غير معلوم ولو قدم في الحكاية لا سيما والواو لا تدل على ترتيب، والتفسير المذكور مأثور عن كثير من السلف منهم ابن عباس ومجاهد وهو الذي يقتضيه الظاهر، وزعم الإمام أنهما قد أمنا وقوع ما يقطعهما عن الإداء بالدليل العقلي إلا أنهما طلبا بما ذكر ما يزيد في ثبات قلوبهما بأن ينضاف الدليل النقلي إلى الدليل العقلي وذلك نظير ما وقع لإبراهيم عليه السّلام من قوله: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى [البقرة: ٢٦٠] ولا يخفى أن في دعوى علمهما بالدليل العقلي عدم وقوع ما يقطعهما عن الأداء عبثا. واستشكل أيضا حصول الخوف لموسى عليه السّلام بأنه يمنع عن حصول شرح الصدر له الدال على تحققه قوله تعالى بعد سؤاله إياه قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى [طه: ٣٦]. وأجاب الإمام بأن شرح الصدر عبارة عن قوته على ضبط تلك الأوامر والنواهي وحفظ تلك الشرائع على وجه لا يتطرق إليها السهو والتحريف وذلك شيء آخر غير زوال الخوف. وأنت تعلم أن كثيرا من المفسرين ذهبوا إلى أن شرح الصدر هنا عبارة عن توسيعه وهو عبارة عن عدم الضجر والقلق القلبي مما يرد من المشاق في طريق التبليغ وتلقي ذلك بجميل الصبر وحسن الثبات.
وأجيب على هذا بأنه لا منافاة بين الخوف من شيء والصبر عليه وعدم الضجر منه إذا وقع ألا ترى كثيرا من الكاملين يخافون من البلاء ويسألون الله تعالى الحفظ منه وإذا نزل بهم استقبلوه بصدر واسع وصبروا عليه ولم يضجروا منه. وقيل: إنهما عليهما السّلام لم يخافا من العقوبة إلا لقطعها الإداء المرجو به الهداية فخوفهما في الحقيقة ليس إلا من القطع وعدم إتمام التبليغ ولم يسأل موسى عليه السّلام شرح الصدر لتحمل ذلك. واستشكل بأن موسى عليه السّلام كان قد سأل وأوتي تيسير أمره بتوفيق الأسباب ورفع الموانع فكيف يخاف قطع الأداء بالعقوبة. وأجيب: بأن هذا تنصيص على طلب رفع المانع الخاص بعد طلب رفع المانع العام وطلب للتنصيص على رفعه لمزيد الاهتمام بذلك.
وقيل: إن في الآية تغليبا منه لأخيه هارون على نفسه عليهما السّلام ولم يتقدم ما يدل على أمنه عليه فتأمل، واستشكل أيضا عدم الذهاب والتعلل بالخوف مع تكرر الأمر بأنه يدل على المعصية وهي غير جائزة على الأنبياء عليهم السّلام على الصحيح.
وأجاب الإمام بأن الدلالة مسلمة لو دل الأمر على الفور وليس فليس، ثم قال: وهذا من أقوى الدلائل على أن الأمر لا يقتضي الفور إذا ضممت إليه ما يدل على أن المعصية غير جائزة على الأنبياء عليهم السّلام، وأَوْ في قوله تعالى أَوْ أَنْ يَطْغى لمنع الخلو، والمراد أو أن يزداد طغيانا إلى أن يقول في شأنك ما لا ينبغي لكمال جراءته وقساوته وإطلاقه من حسن الأدب، وفيه استنزال لرحمته تعالى وإظهار كلمة أن مع سداد المعنى بدونه لإظهار كمال الاعتناء بالأمر والإشعار بتحقق الخوف من كل من المتعاطفين.
قالَ استئناف كما مر، ولعل إسناد الفعل إلى ضمير الغيبة كما قيل للإشعار بانتقال الكلام من مساق إلى مساق آخر فإن ما قبله من الأفعال الواردة على صيغة التكلم حكاية لموسى عليه السّلام بخلاف ما سيأتي إن شاء الله تعالى قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى [طه: ٦٨] فإن ما قبله أيضا وارد بطريق الحكاية لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم كأنه قيل:
فماذا قال لهما ربهما عند تضرعهما إليه سبحانه؟ فقيل: قال أي لهما لا تَخافا مما ذكرتما.
سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما [القصص: ٣٥] فإنه مذكور قبل قولهما هذا بدلالة «سنشد» وقد دل على أنهما محفوظان من عقوبته وأذاه فكيف يخافان من ذلك. وأجيب: بأنه لا يتعين أن يكون المعنى لا يصلون بالعقوبة لجواز أن يراد لا يصلون إلى إلزامكما بالحجة مع أن التقدم غير معلوم ولو قدم في الحكاية لا سيما والواو لا تدل على ترتيب، والتفسير المذكور مأثور عن كثير من السلف منهم ابن عباس ومجاهد وهو الذي يقتضيه الظاهر، وزعم الإمام أنهما قد أمنا وقوع ما يقطعهما عن الإداء بالدليل العقلي إلا أنهما طلبا بما ذكر ما يزيد في ثبات قلوبهما بأن ينضاف الدليل النقلي إلى الدليل العقلي وذلك نظير ما وقع لإبراهيم عليه السّلام من قوله: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى [البقرة: ٢٦٠] ولا يخفى أن في دعوى علمهما بالدليل العقلي عدم وقوع ما يقطعهما عن الأداء عبثا. واستشكل أيضا حصول الخوف لموسى عليه السّلام بأنه يمنع عن حصول شرح الصدر له الدال على تحققه قوله تعالى بعد سؤاله إياه قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى [طه: ٣٦]. وأجاب الإمام بأن شرح الصدر عبارة عن قوته على ضبط تلك الأوامر والنواهي وحفظ تلك الشرائع على وجه لا يتطرق إليها السهو والتحريف وذلك شيء آخر غير زوال الخوف. وأنت تعلم أن كثيرا من المفسرين ذهبوا إلى أن شرح الصدر هنا عبارة عن توسيعه وهو عبارة عن عدم الضجر والقلق القلبي مما يرد من المشاق في طريق التبليغ وتلقي ذلك بجميل الصبر وحسن الثبات.
وأجيب على هذا بأنه لا منافاة بين الخوف من شيء والصبر عليه وعدم الضجر منه إذا وقع ألا ترى كثيرا من الكاملين يخافون من البلاء ويسألون الله تعالى الحفظ منه وإذا نزل بهم استقبلوه بصدر واسع وصبروا عليه ولم يضجروا منه. وقيل: إنهما عليهما السّلام لم يخافا من العقوبة إلا لقطعها الإداء المرجو به الهداية فخوفهما في الحقيقة ليس إلا من القطع وعدم إتمام التبليغ ولم يسأل موسى عليه السّلام شرح الصدر لتحمل ذلك. واستشكل بأن موسى عليه السّلام كان قد سأل وأوتي تيسير أمره بتوفيق الأسباب ورفع الموانع فكيف يخاف قطع الأداء بالعقوبة. وأجيب: بأن هذا تنصيص على طلب رفع المانع الخاص بعد طلب رفع المانع العام وطلب للتنصيص على رفعه لمزيد الاهتمام بذلك.
وقيل: إن في الآية تغليبا منه لأخيه هارون على نفسه عليهما السّلام ولم يتقدم ما يدل على أمنه عليه فتأمل، واستشكل أيضا عدم الذهاب والتعلل بالخوف مع تكرر الأمر بأنه يدل على المعصية وهي غير جائزة على الأنبياء عليهم السّلام على الصحيح.
وأجاب الإمام بأن الدلالة مسلمة لو دل الأمر على الفور وليس فليس، ثم قال: وهذا من أقوى الدلائل على أن الأمر لا يقتضي الفور إذا ضممت إليه ما يدل على أن المعصية غير جائزة على الأنبياء عليهم السّلام، وأَوْ في قوله تعالى أَوْ أَنْ يَطْغى لمنع الخلو، والمراد أو أن يزداد طغيانا إلى أن يقول في شأنك ما لا ينبغي لكمال جراءته وقساوته وإطلاقه من حسن الأدب، وفيه استنزال لرحمته تعالى وإظهار كلمة أن مع سداد المعنى بدونه لإظهار كمال الاعتناء بالأمر والإشعار بتحقق الخوف من كل من المتعاطفين.
قالَ استئناف كما مر، ولعل إسناد الفعل إلى ضمير الغيبة كما قيل للإشعار بانتقال الكلام من مساق إلى مساق آخر فإن ما قبله من الأفعال الواردة على صيغة التكلم حكاية لموسى عليه السّلام بخلاف ما سيأتي إن شاء الله تعالى قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى [طه: ٦٨] فإن ما قبله أيضا وارد بطريق الحكاية لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم كأنه قيل:
فماذا قال لهما ربهما عند تضرعهما إليه سبحانه؟ فقيل: قال أي لهما لا تَخافا مما ذكرتما.
510
وقوله تعالى: إِنَّنِي مَعَكُما تعليل لموجب النهي ومزيد تسلية لهما، والمراد بمعيته سبحانه كمال الحفظ والنصرة كما يقال: الله تعالى معك على سبيل الدعاء وأكد ذلك بقوله تعالى: أَسْمَعُ وَأَرى وهو بتقدير المفعول أي ما يجري بينكما وبينه من قول وفعل فافعل في كل حال ما يليق بها من دفع شر وجلب خير.
وقال القفال: يحتمل أن يكون هذا في مقابلة القول السابق ويكونان قد عنيا أننا نخاف أن يفرط علينا بأن لا يسمع منا أو أن يطغى بأن يقتلنا فأجابهم سبحانه بقوله: إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ أي كلامكما فاسخره للاستماع وَأَرى أفعاله فلا أتركه يفعل بكما ما تكرهانه فقدر المفعول أيضا لكنه كما ترى، وقال الزمخشري: جائز أن لا يقدر شيء، وكأنه قيل: أنا حافظ لكما وناصر سامع مبصر وإذا كان الحافظ والناصر كذلك تم الحفظ، وهو يدل على انه لا نظر إلى المفعول وقد نزل الفعل المتعدي منزلة اللازم لأنه أريد تتميم ما يستقل به الحفظ والنصرة وليس من باب قول المتنبي:
على ما زعم الطيبي، واستدل بالآية على أن السمع والبصر صفتان زائدتان على العلم بناء على أن قوله تعالى إِنَّنِي مَعَكُما دال على العلم ولو دل أَسْمَعُ وَأَرى عليه لزم التكرار وهو حلاف الأصل.
فَأْتِياهُ أمر بإتيانه الذي هو عبارة عن الوصول إليه بعد ما أمرا بالذهاب إليه فلا تكرار وهو عطف على لا تَخافا باعتبار تعليله بما بعده فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ أمرا بذلك تحقيقا للحق من أول الأمر ليعرف الطاغية شأنهما ويبني جوابه عليه، وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره من اللطف ما لا يخفى وإن رأى اللعين أن في ذلك تحقيرا له حيث إنه يدعي الربوبية لنفسه ولا يعد ذلك من الإغلاظ في القول، وكذا قوله تعالى فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ إلى آخره خلافا للإمام، والفاء في فَأَرْسِلْ لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن كونهما عليهما السّلام رسولي ربه تعالى مما يوجب إرسالهم معهما والمراد بالإرسال إطلاقهم من الأسر وإخراجهم من تحت يده العادية لا تكليفهم أن يذهبوا معهما إلى الشام كما ينبىء عنه قوله سبحانه وَلا تُعَذِّبْهُمْ أي بإبقائهم على ما كانوا عليه من العذاب فإنهم كانوا تحت ملكة القبط يستخدمونهم في الأعمال الشاقة كالحفر والبناء ونقل الأحجار وكانوا يقتلون أبناءهم عاما دون عام ويستخدمون نساءهم ولعلهما إنما بدأ بطلب إرسال بني إسرائيل دون دعوة الطاغية وقومه إلى الإيمان للتدريج في الدعوة فإن إطلاق الأسرى دون تبديل الاعتقاد، وقيل: لأن تخليص المؤمنين من الكفرة أهم من دعوتهم إلى الإيمان. وهذا بعد تسليمه مبني على أن بني إسرائيل كانوا مؤمنين بموسى عليه السّلام في الباطن أو كانوا مؤمنين بغيره من الأنبياء عليهم السّلام ولا بد لذلك من دليل، وقيل: إنما بدأ بطلب إرسالهم لما فيه من إزالة المانع عن دعوتهم واتباعهم وهي أهم من دعوة القبط.
وتعقب بأن السياق هنا لدعوة فرعون ودفع طغيانه فهي الأهم دون دعوة بني إسرائيل، وقيل: إنه أول ما طلبا منه الإيمان كما ينبىء عن ذلك آية النازعات إلا أنه لم يصرح به هنا اكتفاء بما هناك كما أنه لم يصرح هناك بهذا الطلب اكتفاء بما هنا، وقوله تعالى: قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ استئناف بياني وفيه تقرير لما تضمنه الكلام السابق من دعوى الرسالة وتعليل لوجوب الإرسال فإن مجيئهما بآية من جهته تعالى مما يحقق رسالتهما ويقررها ويوجب الامتثال بأمرهما، وإظهار اسم الرب في موضع الإضمار مع الإضافة إلى ضمير المخاطب لتأكيد ما ذكر من التقرير والتعليل، وجيء بقد للتحقيق والتأكيد أيضا، وتكلف لإفادتها التوقع وتوحيد الآية مع تعددها لأن المراد إثبات الدعوى ببرهانها
وقال القفال: يحتمل أن يكون هذا في مقابلة القول السابق ويكونان قد عنيا أننا نخاف أن يفرط علينا بأن لا يسمع منا أو أن يطغى بأن يقتلنا فأجابهم سبحانه بقوله: إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ أي كلامكما فاسخره للاستماع وَأَرى أفعاله فلا أتركه يفعل بكما ما تكرهانه فقدر المفعول أيضا لكنه كما ترى، وقال الزمخشري: جائز أن لا يقدر شيء، وكأنه قيل: أنا حافظ لكما وناصر سامع مبصر وإذا كان الحافظ والناصر كذلك تم الحفظ، وهو يدل على انه لا نظر إلى المفعول وقد نزل الفعل المتعدي منزلة اللازم لأنه أريد تتميم ما يستقل به الحفظ والنصرة وليس من باب قول المتنبي:
شجو حساده وغيظ عداه | أن يرى مبصر ويسمع واع |
فَأْتِياهُ أمر بإتيانه الذي هو عبارة عن الوصول إليه بعد ما أمرا بالذهاب إليه فلا تكرار وهو عطف على لا تَخافا باعتبار تعليله بما بعده فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ أمرا بذلك تحقيقا للحق من أول الأمر ليعرف الطاغية شأنهما ويبني جوابه عليه، وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره من اللطف ما لا يخفى وإن رأى اللعين أن في ذلك تحقيرا له حيث إنه يدعي الربوبية لنفسه ولا يعد ذلك من الإغلاظ في القول، وكذا قوله تعالى فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ إلى آخره خلافا للإمام، والفاء في فَأَرْسِلْ لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن كونهما عليهما السّلام رسولي ربه تعالى مما يوجب إرسالهم معهما والمراد بالإرسال إطلاقهم من الأسر وإخراجهم من تحت يده العادية لا تكليفهم أن يذهبوا معهما إلى الشام كما ينبىء عنه قوله سبحانه وَلا تُعَذِّبْهُمْ أي بإبقائهم على ما كانوا عليه من العذاب فإنهم كانوا تحت ملكة القبط يستخدمونهم في الأعمال الشاقة كالحفر والبناء ونقل الأحجار وكانوا يقتلون أبناءهم عاما دون عام ويستخدمون نساءهم ولعلهما إنما بدأ بطلب إرسال بني إسرائيل دون دعوة الطاغية وقومه إلى الإيمان للتدريج في الدعوة فإن إطلاق الأسرى دون تبديل الاعتقاد، وقيل: لأن تخليص المؤمنين من الكفرة أهم من دعوتهم إلى الإيمان. وهذا بعد تسليمه مبني على أن بني إسرائيل كانوا مؤمنين بموسى عليه السّلام في الباطن أو كانوا مؤمنين بغيره من الأنبياء عليهم السّلام ولا بد لذلك من دليل، وقيل: إنما بدأ بطلب إرسالهم لما فيه من إزالة المانع عن دعوتهم واتباعهم وهي أهم من دعوة القبط.
وتعقب بأن السياق هنا لدعوة فرعون ودفع طغيانه فهي الأهم دون دعوة بني إسرائيل، وقيل: إنه أول ما طلبا منه الإيمان كما ينبىء عن ذلك آية النازعات إلا أنه لم يصرح به هنا اكتفاء بما هناك كما أنه لم يصرح هناك بهذا الطلب اكتفاء بما هنا، وقوله تعالى: قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ استئناف بياني وفيه تقرير لما تضمنه الكلام السابق من دعوى الرسالة وتعليل لوجوب الإرسال فإن مجيئهما بآية من جهته تعالى مما يحقق رسالتهما ويقررها ويوجب الامتثال بأمرهما، وإظهار اسم الرب في موضع الإضمار مع الإضافة إلى ضمير المخاطب لتأكيد ما ذكر من التقرير والتعليل، وجيء بقد للتحقيق والتأكيد أيضا، وتكلف لإفادتها التوقع وتوحيد الآية مع تعددها لأن المراد إثبات الدعوى ببرهانها
511
لا بيان تعدد الحجة فكأنه قيل: قد جئناك بما يثبت مدعانا، وقيل: المراد بالآية اليد، وقيل: العصا والقولان كما ترى.
وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى أي السلامة من العذاب في الدارين لمن اتبع ذلك بتصديق آيات الله تعالى الهادية إلى الحق، فالسلام مصدر بمعنى السلامة كالرضاع والرضاعة، وعلى بمعنى اللام كما ورد عكسه في قوله تعالى لَهُمُ اللَّعْنَةُ [الرعد: ٢٥] وحروف الجر كثيرا ما تتقارض، وقد حسن ذلك هنا المشاكلة حيث جيء بعلى في قوله تعالى إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا من جهة ربنا أَنَّ الْعَذابَ الدنيوي والأخروي عَلى مَنْ كَذَّبَ بآياته عز وجل وَتَوَلَّى أي أعرض عن قبولها، وقال الزمخشري: أي وسلام الملائكة الذين هم خزنة الجنة على المهتدين وتوبيخ خزنة النار والعذاب على المكذبين. وتحقيقه على ما قيل إنه جعل السّلام تحية خزنة الجنة للمهتدين المتضمنة لوعدهم بالجنة. وفيه تعريض لغيرهم بتوبيخ خزنة النار المتضمن لوعيدهم بعذابها لأن المقام للترغيب فيما هو حسن العاقبة وهو تصديق الرسل عليهم السّلام والتنفير عن خلافه فلو جعل السّلام بمعنى السلامة لم يفد أن ذلك في العاقبة.
فما قيل: إنه لا إشعار في اللفظ بهذا التخصيص غير مسلم، والقول بأنه ليس بتحية حيث لم يكن في ابتداء اللقاء يرده أنه لم يجعل تحية الأخوين عليهما السّلام بل تحية الملائكة عليهم السّلام، وأنت تعلم أن هذا التفسير خلاف الظاهر جدا وإنكار ذلك مكابرة.
وفي البحر هو تفسير غريب وأنه إذا أريد من العذاب في الدارين، ومن السّلام السلامة من ذلك العذاب حصل الترغيب في التصديق والتنفير عن خلافه على أتم وجه، وقال أبو حيان: الظاهر أن قوله تعالى وَالسَّلامُ إلخ فصل للكلام والسّلام فيه بمعنى التحية، وجاء ذلك على ما هو العادة من التسليم عند الفراغ من القول إلا أنهما عليهما السّلام رغبا بذلك عن فرعون وخصا به متبعي الهدى ترغيبا له بالانتظام في سلكهم، واستدل به على منع السّلام على الكفار وإذا احتيج إليه في خطاب أو كتاب جيء بهذه الصيغة.
وفي الصحيحين «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتب إلى هرقل من محمد رسول الله إلى هر قل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى»
، وأخرج عبد الرزاق في المصنف. والبيهقي في الشعب عن قتادة قال: التسليم على أهل الكتاب إذا دخلت عليهم بيوتهم أن تقول: السّلام على من اتبع الهدى، ولا يخفى أن الاستظهار المذكور غير بعيد لو كان كلامهما عليهما السّلام قد انقطع بهذا السّلام لكنه لم ينقطع به بل قالا بعده إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا إلخ، وكأن هذه الجملة على جميع التفاسير استئناف للتعليل، وقد يستدل به على صحة القول بالمفهوم فتأمل، والظاهر أن كلتا الجملتين من جملة المقول الملقن.
وزعم بعضهم أن المقول الملقن قد تم عند قوله تعالى قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وما بعد كلام من قبلهما عليهما السّلام أتيا به للوعد والوعيد. واستدل المرجئة بقوله سبحانه إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إلخ على أن غير الكفرة لا يعذبون أصلا. وأجيب بأنه إنما يتم إذا كان تعريف العذاب للجنس أو الاستغراق، أما إذا كان للعهد أي العذاب الناشئ عن شدة الغضب أو الدائم مثلا فلا، وكذا إذا أريد الجنس أو الاستغراق الادعائي مبالغة وجعل العذاب المتناهي الذي يعقبه السلامة الغير المتناهية كلا عذاب لم يلزم أن لا يعذب المؤمن المقصر في العمل أصلا.
قالَ أي فرعون بعد ما أتياه وبلغاه ما أمرا به، وإنما طوى ذكر ذلك للإيجاز والإشعار بأنهما كما أمرا بذلك سارعا إلى الامتثال به من غير ريث وبأن ذلك من الظهور بحيث لا حاجة إلى التصريح به، وجاء عن ابن عباس أنهما لما أمرا بإتيانه وقول ما ذكر له جاءا جميعا إلى بابه فأقاما حينا لا يؤذن لهما ثم أذن لهما بعد حجاب شديد فدخلا وكان ما قص الله تعالى.
وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى أي السلامة من العذاب في الدارين لمن اتبع ذلك بتصديق آيات الله تعالى الهادية إلى الحق، فالسلام مصدر بمعنى السلامة كالرضاع والرضاعة، وعلى بمعنى اللام كما ورد عكسه في قوله تعالى لَهُمُ اللَّعْنَةُ [الرعد: ٢٥] وحروف الجر كثيرا ما تتقارض، وقد حسن ذلك هنا المشاكلة حيث جيء بعلى في قوله تعالى إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا من جهة ربنا أَنَّ الْعَذابَ الدنيوي والأخروي عَلى مَنْ كَذَّبَ بآياته عز وجل وَتَوَلَّى أي أعرض عن قبولها، وقال الزمخشري: أي وسلام الملائكة الذين هم خزنة الجنة على المهتدين وتوبيخ خزنة النار والعذاب على المكذبين. وتحقيقه على ما قيل إنه جعل السّلام تحية خزنة الجنة للمهتدين المتضمنة لوعدهم بالجنة. وفيه تعريض لغيرهم بتوبيخ خزنة النار المتضمن لوعيدهم بعذابها لأن المقام للترغيب فيما هو حسن العاقبة وهو تصديق الرسل عليهم السّلام والتنفير عن خلافه فلو جعل السّلام بمعنى السلامة لم يفد أن ذلك في العاقبة.
فما قيل: إنه لا إشعار في اللفظ بهذا التخصيص غير مسلم، والقول بأنه ليس بتحية حيث لم يكن في ابتداء اللقاء يرده أنه لم يجعل تحية الأخوين عليهما السّلام بل تحية الملائكة عليهم السّلام، وأنت تعلم أن هذا التفسير خلاف الظاهر جدا وإنكار ذلك مكابرة.
وفي البحر هو تفسير غريب وأنه إذا أريد من العذاب في الدارين، ومن السّلام السلامة من ذلك العذاب حصل الترغيب في التصديق والتنفير عن خلافه على أتم وجه، وقال أبو حيان: الظاهر أن قوله تعالى وَالسَّلامُ إلخ فصل للكلام والسّلام فيه بمعنى التحية، وجاء ذلك على ما هو العادة من التسليم عند الفراغ من القول إلا أنهما عليهما السّلام رغبا بذلك عن فرعون وخصا به متبعي الهدى ترغيبا له بالانتظام في سلكهم، واستدل به على منع السّلام على الكفار وإذا احتيج إليه في خطاب أو كتاب جيء بهذه الصيغة.
وفي الصحيحين «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتب إلى هرقل من محمد رسول الله إلى هر قل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى»
، وأخرج عبد الرزاق في المصنف. والبيهقي في الشعب عن قتادة قال: التسليم على أهل الكتاب إذا دخلت عليهم بيوتهم أن تقول: السّلام على من اتبع الهدى، ولا يخفى أن الاستظهار المذكور غير بعيد لو كان كلامهما عليهما السّلام قد انقطع بهذا السّلام لكنه لم ينقطع به بل قالا بعده إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا إلخ، وكأن هذه الجملة على جميع التفاسير استئناف للتعليل، وقد يستدل به على صحة القول بالمفهوم فتأمل، والظاهر أن كلتا الجملتين من جملة المقول الملقن.
وزعم بعضهم أن المقول الملقن قد تم عند قوله تعالى قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وما بعد كلام من قبلهما عليهما السّلام أتيا به للوعد والوعيد. واستدل المرجئة بقوله سبحانه إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إلخ على أن غير الكفرة لا يعذبون أصلا. وأجيب بأنه إنما يتم إذا كان تعريف العذاب للجنس أو الاستغراق، أما إذا كان للعهد أي العذاب الناشئ عن شدة الغضب أو الدائم مثلا فلا، وكذا إذا أريد الجنس أو الاستغراق الادعائي مبالغة وجعل العذاب المتناهي الذي يعقبه السلامة الغير المتناهية كلا عذاب لم يلزم أن لا يعذب المؤمن المقصر في العمل أصلا.
قالَ أي فرعون بعد ما أتياه وبلغاه ما أمرا به، وإنما طوى ذكر ذلك للإيجاز والإشعار بأنهما كما أمرا بذلك سارعا إلى الامتثال به من غير ريث وبأن ذلك من الظهور بحيث لا حاجة إلى التصريح به، وجاء عن ابن عباس أنهما لما أمرا بإتيانه وقول ما ذكر له جاءا جميعا إلى بابه فأقاما حينا لا يؤذن لهما ثم أذن لهما بعد حجاب شديد فدخلا وكان ما قص الله تعالى.
512
وأخرج أحمد وغيره عن وهب بن منبه أن الله تعالى لما أمر موسى عليه السّلام بما أمر أقبل إلى فرعون في مدينة قد جعل حولها الأسد في غيضة قد غرسها والأسد فيها مع ساستها إذا أشلتها على أحد أكل وللمدينة أربعة أبواب في الغيضة فأقبل موسى عليه السّلام من الطريق الأعظم الذي يراه فرعون فلما رأته الأسد صاحت صياح الثعالب فأنكر ذلك الساسة وفرقوا من فرعون فأقبل حتى انتهى إلى الباب فقرعه بعصاه وعليه جبة صوف وسراويل فلما رآه البواب عجب من جرأته فتركه ولم يأذن له فقال: هل تدري باب من أنت تضرب إنما أنت تضرب باب سيدك؟ قال: أنت وأنا وفرعون عبيد لربي فأنا ناصره فأخبر البواب الذي يليه من البوابين حتى بلغ ذلك أدناهم ودونه سبعون حاجبا كل حاجب منهم تحت يده من الجنود ما شاء الله تعالى حتى خلص الخبر إلى فرعون فقال: أدخلوه علي فلما أتاه قال له فرعون:
أعرفك؟ قال: نعم قال: ألم نربك فينا وليدا فرد إليه موسى عليه السّلام الذي رد قال فرعون. خذوه فبادر عليه السّلام فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين فحملت على الناس فانهزموا منها فمات منهم خمسة وعشرون ألفا قتل بعضهم بعضا وقام فرعون منهزما حتى دخل البيت فقال: يا موسى اجعل بيننا وبينك أجلا ننظر فيه قال موسى: لم أومر بذلك إنما أمرت بمناجزتك وإن أنت لم تخرج إلي دخلت عليك فأوحى الله تعالى إليه أن اجعل بينك وبينه أجلا وقل له أنت اجعل ذلك فقال فرعون: اجعله إلى أربعين يوما ففعل وكان لا يأتي الخلاء إلا في كل أربعين يوما مرة فاختلف ذلك اليوم أربعين مرة وخرج موسى عليه السّلام من المدينة فلما مر بالأسد خضعت له بأذنابها وسارت معه تشيعه ولا تهيجه ولا أحدا من بني إسرائيل
، والظاهر أن هارون كان معه حين الإتيان، ولعله إنما لم يذكر في هذا الخبر اكتفاء بموسى عليه السّلام، وقيل: إنهما حين عرضا عليهما السّلام على فرعون ما عرضا شاور آسية فقالت: ما ينبغي لأحد أن يرد ما دعيا إليه فشاور هامان وكان لا يبت أمرا دون رأيه فقال له: كنت أعتقد أنك ذو عقل تكون مالكا فتصير مملوكا وربا فتصير مربوبا فامتنع من قبول ما عرض عليه موسى عليه السّلام، وظاهر هذا أن المشاورة قبل المقاولة، ويحتمل أنها بعدها والأولى في أمثال هذه القصص الاكتفاء بما في المنزل وعدم الالتفات إلى غيره إلا أن يوثق بصحته أو لا يكون في المنزل ما يعكر عليه كالخبر السابق فإن كون فرعون جعل الأجل يعكر عليه ما سيأتي إن شاء الله تعالى من قول موسى عليه السّلام حين طلب منه فرعون أن يجعل موعدا موعدكم يوم الزينة، والظاهر عدم تعدد الحادثة والجملة استئناف بياني كأنه قيل فماذا قال حين أتياه وقالا له ما قالا؟ فقيل: قال فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى لم يضف الرب إلى نفسه ولو بطريق حكاية ما في قوله تعالى إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ وقوله سبحانه قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ لغاية عتوه ونهاية طغيانه بل إضافة إليهما لما أن المرسل لا بد أن يكون ربا للرسول، وقيل: لأنهما قد صرحا بربوبيته تعالى للكل بأن قالا: إنا رسول رب العالمين كما وقع في سورة الشعراء والاقتصار هاهنا على ذكر ربوبيته تعالى لفرعون لكفايته فيما هو المقصود، والفاء لترتيب السؤال على ما سبق من كونهما رسولي ربهما أي إذا كنتما رسولي ربكما الذي أرسلكما فأخبرا من ربكما الذي أرسلكما، وتخصيص النداء بموسى عليه السّلام مع توجيه الخطاب إليهما لما ظهر له من أنه الأصل في الرسالة وهارون وزيره، ويحتمل أن يكون للتعريض بأنه ربه كما قال: ألم نربك فينا وليدا، قيل: وهذا أوفق بتلبيسه على الأسلوب الأحمق، وقيل: لأنه قد عرف أن له عليه السّلام رتة فأراد أن يسكته. وهو مبني على ما عليه كثير من المفسرين من بقاء رتة في لسانه عليه السّلام في الجملة وقد تقدم الكلام في ذلك.
قالَ أي موسى عليه السّلام واستبد بالجواب من حيث إنه خص بالسؤال رَبُّنَا مبتدأ وقوله تعالى:
الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ خبره، وقيل: هو خبر مبتدأ محذوف أي هو ربنا والموصول صفته، والظاهر أنه عليه السّلام أراد بضمير المتكلم نفسه وأخاه عليهما السّلام.
وقال بعض المحققين: أراد جميع المخلوقات تحقيقا للحق وردا على اللعين كما يفصح عنه ما في حيز الصلة
أعرفك؟ قال: نعم قال: ألم نربك فينا وليدا فرد إليه موسى عليه السّلام الذي رد قال فرعون. خذوه فبادر عليه السّلام فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين فحملت على الناس فانهزموا منها فمات منهم خمسة وعشرون ألفا قتل بعضهم بعضا وقام فرعون منهزما حتى دخل البيت فقال: يا موسى اجعل بيننا وبينك أجلا ننظر فيه قال موسى: لم أومر بذلك إنما أمرت بمناجزتك وإن أنت لم تخرج إلي دخلت عليك فأوحى الله تعالى إليه أن اجعل بينك وبينه أجلا وقل له أنت اجعل ذلك فقال فرعون: اجعله إلى أربعين يوما ففعل وكان لا يأتي الخلاء إلا في كل أربعين يوما مرة فاختلف ذلك اليوم أربعين مرة وخرج موسى عليه السّلام من المدينة فلما مر بالأسد خضعت له بأذنابها وسارت معه تشيعه ولا تهيجه ولا أحدا من بني إسرائيل
، والظاهر أن هارون كان معه حين الإتيان، ولعله إنما لم يذكر في هذا الخبر اكتفاء بموسى عليه السّلام، وقيل: إنهما حين عرضا عليهما السّلام على فرعون ما عرضا شاور آسية فقالت: ما ينبغي لأحد أن يرد ما دعيا إليه فشاور هامان وكان لا يبت أمرا دون رأيه فقال له: كنت أعتقد أنك ذو عقل تكون مالكا فتصير مملوكا وربا فتصير مربوبا فامتنع من قبول ما عرض عليه موسى عليه السّلام، وظاهر هذا أن المشاورة قبل المقاولة، ويحتمل أنها بعدها والأولى في أمثال هذه القصص الاكتفاء بما في المنزل وعدم الالتفات إلى غيره إلا أن يوثق بصحته أو لا يكون في المنزل ما يعكر عليه كالخبر السابق فإن كون فرعون جعل الأجل يعكر عليه ما سيأتي إن شاء الله تعالى من قول موسى عليه السّلام حين طلب منه فرعون أن يجعل موعدا موعدكم يوم الزينة، والظاهر عدم تعدد الحادثة والجملة استئناف بياني كأنه قيل فماذا قال حين أتياه وقالا له ما قالا؟ فقيل: قال فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى لم يضف الرب إلى نفسه ولو بطريق حكاية ما في قوله تعالى إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ وقوله سبحانه قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ لغاية عتوه ونهاية طغيانه بل إضافة إليهما لما أن المرسل لا بد أن يكون ربا للرسول، وقيل: لأنهما قد صرحا بربوبيته تعالى للكل بأن قالا: إنا رسول رب العالمين كما وقع في سورة الشعراء والاقتصار هاهنا على ذكر ربوبيته تعالى لفرعون لكفايته فيما هو المقصود، والفاء لترتيب السؤال على ما سبق من كونهما رسولي ربهما أي إذا كنتما رسولي ربكما الذي أرسلكما فأخبرا من ربكما الذي أرسلكما، وتخصيص النداء بموسى عليه السّلام مع توجيه الخطاب إليهما لما ظهر له من أنه الأصل في الرسالة وهارون وزيره، ويحتمل أن يكون للتعريض بأنه ربه كما قال: ألم نربك فينا وليدا، قيل: وهذا أوفق بتلبيسه على الأسلوب الأحمق، وقيل: لأنه قد عرف أن له عليه السّلام رتة فأراد أن يسكته. وهو مبني على ما عليه كثير من المفسرين من بقاء رتة في لسانه عليه السّلام في الجملة وقد تقدم الكلام في ذلك.
قالَ أي موسى عليه السّلام واستبد بالجواب من حيث إنه خص بالسؤال رَبُّنَا مبتدأ وقوله تعالى:
الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ خبره، وقيل: هو خبر مبتدأ محذوف أي هو ربنا والموصول صفته، والظاهر أنه عليه السّلام أراد بضمير المتكلم نفسه وأخاه عليهما السّلام.
وقال بعض المحققين: أراد جميع المخلوقات تحقيقا للحق وردا على اللعين كما يفصح عنه ما في حيز الصلة
513
وكُلَّ شَيْءٍ مفعول أول لأعطى وخَلْقَهُ مفعوله الثاني وهو مصدر بمعنى اسم المفعول والضمير المجرور لشيء والعموم المستفاد من كُلَّ يعتبر بعد إرجاعه إليه لئلا يرد الاعتراض المشهور في مثل هذا التركيب، والظاهر أنه عموم الأفراد أي أعطى كل شيء من الأشياء الأمر الذي طلبه بلسان استعداده من الصورة والشكل والمنفعة والمضرة وغير ذلك أو الأمر اللائق بما نيط به من الخواص والمنافع المطابق له كما أعطى العين الهيئة التي تطابق الأبصار والأذن الشكل الذي يوافق الاستماع وكذلك الأنف واليد والرجل واللسان كل واحد منها مطابق لما علق به من المنفعة غير ناب عنه، وقيل: الخلق باق على مصدريته بمعنى الإيجاد أي أعطى كل شيء الإيجاد الذي استعد له أو اللائق به بمعنى أنه تعالى أوجد كل شيء حسب استعداده أو على الوجه اللائق به وهو كما ترى.
وحمل بعضهم العموم على عموم الأنواع دون عموم الأفراد، وقيل: إن ذلك لئلا يلزم الخلف ويرد النقض بأن بعض الأفراد لم يكمل لعارض يعرض له، والحق أن الله تعالى راعي الحكمة فيما خلق وأمر تفضلا ورحمة لا وجوبا وهذا مما أجمع عليه أهل السنة والجماعة كما نقل صاحب المواقف وعيون الجواهر فكل شيء كامل في مرتبته حسن في حد ذاته فقد قال تعالى العزيز الرحيم الذي أحسن كل شيء خَلْقَهُ وجعل العموم في هذا عموم الأنواع مما لا يكاد يقول به أحد، وقال سبحانه: ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ [الملك: ٣] أي من حيث إضافته إلى الرحمن وخلقه إياه على طبق الحكمة بمقتضى الجود والرحمة، والتفاوت بين الأشياء إنما هو إذا أضيف بعضها إلى بعض فالعدول عما هو الظاهر من عموم الأفراد إلى عموم الأنواع لما ذكر ناشىء من قلة التحقيق، وقيل: إن سبب العدول كون أَعْطى حقيقة في الماضي فلو حمل كل شيء على عموم الأفراد يلزم أن يكون جميعها قد وجد وأعطى مع أن منها بل أكثرها لم يوجد ولم يعط بعد بخلاف ما إذا حمل على عموم الأنواع فإنه لا محذور فيه إذ الأنواع جميعها قد وجد ولا يتجدد بعد ذلك نوع وإن كان ذلك ممكنا وفيه بحث ظاهر فليفهم.
وروي عن ابن عباس وابن جبير والسدي أن المعنى أعطى كل حيوان ذكر نظيره في الخلق والصورة أنثى وكأنهم جعلوا كلا للتكثير وإلا فالعموم مطلقا باطل كما لا يخفى، وعندي أن هذا المعنى من فروع المعنى السابق الذي ذكرناه، ولعل مراد من قاله التمثيل وإلا فهو بعيد جدا ولا يكاد يقوله من نسب إليه.
وقيل: خَلْقَهُ هو المفعول الأول والمصدر بمعنى اسم المفعول أيضا، والضمير المجرور للموصول وكُلَّ شَيْءٍ هو المفعول الثاني والمعنى أعطى مخلوقاته سبحانه كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به، وقدم المفعول الثاني للاهتمام به من حيث إن المقصود الامتنان به ونسب هذا القول إلى الجبائي، والأول أظهر لفظا ومعنى.
وقرأ عبد الله. وأناس من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو نهيك وابن أبي إسحق والأعمش والحسن ونصير عن الكسائي وابن نوح عن قتيبة وسلام «خلقه» على صيغة الماضي المعلوم على أن الجملة صفة للمضاف إليه أو المضاف على شذوذ، وحذف المفعول الثاني اختصارا لدلالة قرينة الحال عليه أي أعطى كل شيء خلقه تعالى ما يصلحه أو ما يحتاج إليه وجعل ذلك الزمخشري من باب يعطي ويمنع أي كل شيء خلقه سبحانه لم يخله من عطائه وإنعامه، ورجحه في الكشف بأنه أبلغ وأظهر، وقيل: الأول أحسن صناعة وموافقة للمقام وهو عندي أوفق بالمعنى الأول للقراءة الأولى وفيما ذكره في الكشف تردد.
ثُمَّ هَدى أي أرشد ودل سبحانه بذلك على وجوده فإن من نظر في هذه المحدثات وما تضمنته من دقائق الحكمة علم أن لها صانعا واجب الوجود عظيم العطاء والجود، ومحصل الآية ربنا الذي خلق كل شيء حسب استعداده أو على الوجه اللائق به وجعله دليلا عليه جل جلاله، وهذا الجعل وإن كان متأخرا بالذات عن الخلق وليس بينهما تراخ في الزمان أصلا لكنه جيء بكلمة ثم للتراخي بحسب الرتبة كما لا يخفى وجهه على المتأمل، وفي إرشاد
وحمل بعضهم العموم على عموم الأنواع دون عموم الأفراد، وقيل: إن ذلك لئلا يلزم الخلف ويرد النقض بأن بعض الأفراد لم يكمل لعارض يعرض له، والحق أن الله تعالى راعي الحكمة فيما خلق وأمر تفضلا ورحمة لا وجوبا وهذا مما أجمع عليه أهل السنة والجماعة كما نقل صاحب المواقف وعيون الجواهر فكل شيء كامل في مرتبته حسن في حد ذاته فقد قال تعالى العزيز الرحيم الذي أحسن كل شيء خَلْقَهُ وجعل العموم في هذا عموم الأنواع مما لا يكاد يقول به أحد، وقال سبحانه: ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ [الملك: ٣] أي من حيث إضافته إلى الرحمن وخلقه إياه على طبق الحكمة بمقتضى الجود والرحمة، والتفاوت بين الأشياء إنما هو إذا أضيف بعضها إلى بعض فالعدول عما هو الظاهر من عموم الأفراد إلى عموم الأنواع لما ذكر ناشىء من قلة التحقيق، وقيل: إن سبب العدول كون أَعْطى حقيقة في الماضي فلو حمل كل شيء على عموم الأفراد يلزم أن يكون جميعها قد وجد وأعطى مع أن منها بل أكثرها لم يوجد ولم يعط بعد بخلاف ما إذا حمل على عموم الأنواع فإنه لا محذور فيه إذ الأنواع جميعها قد وجد ولا يتجدد بعد ذلك نوع وإن كان ذلك ممكنا وفيه بحث ظاهر فليفهم.
وروي عن ابن عباس وابن جبير والسدي أن المعنى أعطى كل حيوان ذكر نظيره في الخلق والصورة أنثى وكأنهم جعلوا كلا للتكثير وإلا فالعموم مطلقا باطل كما لا يخفى، وعندي أن هذا المعنى من فروع المعنى السابق الذي ذكرناه، ولعل مراد من قاله التمثيل وإلا فهو بعيد جدا ولا يكاد يقوله من نسب إليه.
وقيل: خَلْقَهُ هو المفعول الأول والمصدر بمعنى اسم المفعول أيضا، والضمير المجرور للموصول وكُلَّ شَيْءٍ هو المفعول الثاني والمعنى أعطى مخلوقاته سبحانه كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به، وقدم المفعول الثاني للاهتمام به من حيث إن المقصود الامتنان به ونسب هذا القول إلى الجبائي، والأول أظهر لفظا ومعنى.
وقرأ عبد الله. وأناس من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو نهيك وابن أبي إسحق والأعمش والحسن ونصير عن الكسائي وابن نوح عن قتيبة وسلام «خلقه» على صيغة الماضي المعلوم على أن الجملة صفة للمضاف إليه أو المضاف على شذوذ، وحذف المفعول الثاني اختصارا لدلالة قرينة الحال عليه أي أعطى كل شيء خلقه تعالى ما يصلحه أو ما يحتاج إليه وجعل ذلك الزمخشري من باب يعطي ويمنع أي كل شيء خلقه سبحانه لم يخله من عطائه وإنعامه، ورجحه في الكشف بأنه أبلغ وأظهر، وقيل: الأول أحسن صناعة وموافقة للمقام وهو عندي أوفق بالمعنى الأول للقراءة الأولى وفيما ذكره في الكشف تردد.
ثُمَّ هَدى أي أرشد ودل سبحانه بذلك على وجوده فإن من نظر في هذه المحدثات وما تضمنته من دقائق الحكمة علم أن لها صانعا واجب الوجود عظيم العطاء والجود، ومحصل الآية ربنا الذي خلق كل شيء حسب استعداده أو على الوجه اللائق به وجعله دليلا عليه جل جلاله، وهذا الجعل وإن كان متأخرا بالذات عن الخلق وليس بينهما تراخ في الزمان أصلا لكنه جيء بكلمة ثم للتراخي بحسب الرتبة كما لا يخفى وجهه على المتأمل، وفي إرشاد
514
العقل السليم ثُمَّ هَدى إلى طريق الانتفاع والارتفاق بما أعطاه وعرفه كيف يتوصل إلى بقائه وكماله إما اختيارا كما في الحيوانات أو طبعا كما في الجمادات والقوى الطبيعية النباتية والحيوانية.
ولما كان الخلق الذي هو تركيب الأجزاء وتسوية الأجسام متقدما على الهداية التي هي عبارة عن إبداع القوى المحركة والمدركة في تلك الأجساد وسط بينهما كلمة التراخي انتهى، ولا يخفى عليك أن الخلق لغة أعم مما ذكره وأن القوى المحركة والمدركة داخلة في عموم كُلَّ شَيْءٍ سواء كان عموم الأفراد أو عموم الأنواع وأنه لا بد من ارتكاب نوع من المجاز في هَدى على تفسيره، وقيل: على التفسير المروي عن ابن عباس ومن معه ثم هداه إلى الاجتماع بإلفه والمناكحة، وقيل غير ذلك، ولله تعالى در هذا الجواب ما أخضره وما أجمعه وما أبينه لمن ألقى الذهن ونظر بعين الانصاف وكان طالبا للحق، ومن هنا قيل: كان من الظاهر أن يقول عليه السّلام: ربنا رب العالمين لكن سلك طريق الإرشاد والأسلوب الحكيم وأشار إلى حدوث الموجودات بأسرها واحتياجها إليه سبحانه واختلاف مراتبها وأنه تعالى هو القادر الحكيم الغني المنعم على الإطلاق.
واستدل بالآية على أن فرعون كان عارفا بالله تعالى إلا أنه كان معاندا لأن جملة الصلة لا بد أن تكون معلومة ومتى كانت هذه الجملة معلومة له كان عارفا به سبحانه، وهذا مذهب البعض فيه عليه اللعنة، واستدلوا له أيضا بقوله تعالى: لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الإسراء: ١٠٢] وقوله تعالى: وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا [النمل: ١٤] وقوله تعالى في سورة [القصص: ٣٩] وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ فإنه ليس فيه إلا إنكار المعاد دون المبدأ وقوله تعالى في الشعراء: وَما رَبُّ الْعالَمِينَ [الشعراء: ٢٣- ٢٧] إلى قوله سبحانه إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ فإنه عنى به أني أطلب منه شرح الماهية وهو يشرح الوجود فدل على أنه معترف بأصل الوجود وبأن ملكه لم يتجاوز القبط ولم يبلغ الشام ألا ترى أن موسى عليه السّلام لما هرب إلى مدين قال له شعيب: لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [القصص: ٢٥] فكيف يعتقد أنه إله العالم وبأنه كان عاقلا ضرورة أنه كان مكلفا وكل عاقل يعلم بالضرورة أنه وجد بعد العدم، ومن كان كذلك افتقر إلى مدبر فيكون قائلا بالمدبر وبأنه سأل هاهنا بمن طالبا للكيفية، وفي الشعراء بما طالبا للماهية.
والظاهر أن السؤال بمن سابق فكأن موسى عليه السّلام لما أقام الدلالة على الوجود ترك المنازعة معه في هذا المقام لعلمه بظهوره وشرع في مقام أصعب لأن العلم بماهيته تعالى غير حاصلة للبشر. ولا يخفى ما في هذه الأدلة من القيل والقال، ومن الناس من قال: إنه كان جاهلا بالله تعالى بعد اتفاقهم على أن العاقل لا يجوز أن يعتقد في نفسه أنه خالق السموات والأرض وما فيهما واختلفوا في كيفية جهله فيحتمل أنه كان دهريا نافيا للصانع أصلا ولعله كان يقول بعدم احتياج الممكن في وجوده إلى مؤثر وإن وجود العالم اتفاقي كما نقل عن ديمقراطيس وأتباعه، ويحتمل أنه كان فلسفيا قائلا بالعلة الموجبة، ويحتمل أنه كان من عبدة الكواكب. ويحتمل أنه كان من عبدة الأصنام، ويحتمل أنه كان من الحلولية المجسمة وأما ادعاؤه الربوبية لنفسه فبمعنى أنه يجب على من تحت يده طاعته والانقياد له وعدم الاشتغال بطاعة غيره، واستدل بشروعه في المناظرة وطلب الحجة دون السفاهة والشغب مع كونه جبارا شديد البطش على أن الشغب والسفاهة مع من يدعو إلى الحق في غاية القبح فلا ينبغي لمن يدعي الإسلام والعلم أن يرتضي لنفسه ما لم يرتضه فرعون لنفسه. وباشتغال موسى عليه السّلام بإقامة الدليل على المطلوب على فساد التقليد في أمثال هذا المطلب وفساد قول القائل: إن معرفة الله تعالى تستفاد من قول الرسول، وبحكاية كلام فرعون وجواب موسى عليه السّلام على أنه يجوز حكاية كلام المبطل مقرونا بالجواب لئلا يبقى الشك، وعلى أن المحق يجب عليه استماع
ولما كان الخلق الذي هو تركيب الأجزاء وتسوية الأجسام متقدما على الهداية التي هي عبارة عن إبداع القوى المحركة والمدركة في تلك الأجساد وسط بينهما كلمة التراخي انتهى، ولا يخفى عليك أن الخلق لغة أعم مما ذكره وأن القوى المحركة والمدركة داخلة في عموم كُلَّ شَيْءٍ سواء كان عموم الأفراد أو عموم الأنواع وأنه لا بد من ارتكاب نوع من المجاز في هَدى على تفسيره، وقيل: على التفسير المروي عن ابن عباس ومن معه ثم هداه إلى الاجتماع بإلفه والمناكحة، وقيل غير ذلك، ولله تعالى در هذا الجواب ما أخضره وما أجمعه وما أبينه لمن ألقى الذهن ونظر بعين الانصاف وكان طالبا للحق، ومن هنا قيل: كان من الظاهر أن يقول عليه السّلام: ربنا رب العالمين لكن سلك طريق الإرشاد والأسلوب الحكيم وأشار إلى حدوث الموجودات بأسرها واحتياجها إليه سبحانه واختلاف مراتبها وأنه تعالى هو القادر الحكيم الغني المنعم على الإطلاق.
واستدل بالآية على أن فرعون كان عارفا بالله تعالى إلا أنه كان معاندا لأن جملة الصلة لا بد أن تكون معلومة ومتى كانت هذه الجملة معلومة له كان عارفا به سبحانه، وهذا مذهب البعض فيه عليه اللعنة، واستدلوا له أيضا بقوله تعالى: لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الإسراء: ١٠٢] وقوله تعالى: وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا [النمل: ١٤] وقوله تعالى في سورة [القصص: ٣٩] وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ فإنه ليس فيه إلا إنكار المعاد دون المبدأ وقوله تعالى في الشعراء: وَما رَبُّ الْعالَمِينَ [الشعراء: ٢٣- ٢٧] إلى قوله سبحانه إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ فإنه عنى به أني أطلب منه شرح الماهية وهو يشرح الوجود فدل على أنه معترف بأصل الوجود وبأن ملكه لم يتجاوز القبط ولم يبلغ الشام ألا ترى أن موسى عليه السّلام لما هرب إلى مدين قال له شعيب: لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [القصص: ٢٥] فكيف يعتقد أنه إله العالم وبأنه كان عاقلا ضرورة أنه كان مكلفا وكل عاقل يعلم بالضرورة أنه وجد بعد العدم، ومن كان كذلك افتقر إلى مدبر فيكون قائلا بالمدبر وبأنه سأل هاهنا بمن طالبا للكيفية، وفي الشعراء بما طالبا للماهية.
والظاهر أن السؤال بمن سابق فكأن موسى عليه السّلام لما أقام الدلالة على الوجود ترك المنازعة معه في هذا المقام لعلمه بظهوره وشرع في مقام أصعب لأن العلم بماهيته تعالى غير حاصلة للبشر. ولا يخفى ما في هذه الأدلة من القيل والقال، ومن الناس من قال: إنه كان جاهلا بالله تعالى بعد اتفاقهم على أن العاقل لا يجوز أن يعتقد في نفسه أنه خالق السموات والأرض وما فيهما واختلفوا في كيفية جهله فيحتمل أنه كان دهريا نافيا للصانع أصلا ولعله كان يقول بعدم احتياج الممكن في وجوده إلى مؤثر وإن وجود العالم اتفاقي كما نقل عن ديمقراطيس وأتباعه، ويحتمل أنه كان فلسفيا قائلا بالعلة الموجبة، ويحتمل أنه كان من عبدة الكواكب. ويحتمل أنه كان من عبدة الأصنام، ويحتمل أنه كان من الحلولية المجسمة وأما ادعاؤه الربوبية لنفسه فبمعنى أنه يجب على من تحت يده طاعته والانقياد له وعدم الاشتغال بطاعة غيره، واستدل بشروعه في المناظرة وطلب الحجة دون السفاهة والشغب مع كونه جبارا شديد البطش على أن الشغب والسفاهة مع من يدعو إلى الحق في غاية القبح فلا ينبغي لمن يدعي الإسلام والعلم أن يرتضي لنفسه ما لم يرتضه فرعون لنفسه. وباشتغال موسى عليه السّلام بإقامة الدليل على المطلوب على فساد التقليد في أمثال هذا المطلب وفساد قول القائل: إن معرفة الله تعالى تستفاد من قول الرسول، وبحكاية كلام فرعون وجواب موسى عليه السّلام على أنه يجوز حكاية كلام المبطل مقرونا بالجواب لئلا يبقى الشك، وعلى أن المحق يجب عليه استماع
515
شبهة المبطل حتى يمكنه الاشتغال بحلها قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى لما شاهد اللعين ما نظمه عليه السّلام في سلك الجواب من البرهان النير على الطراز الرائع خاف أن يظهر للناس حقية مقالاته عليه السّلام وبطلان خرافات نفسه ظهورا بينا أراد أن يصرفه عليه السّلام عن سننه إلى ما لا يعنيه من الأمور التي لا تعلق لها في نفس الأمر بالرسالة من الحكايات موهما أن لها تعلقا بذلك ويشغله عما هو بصدده عسى يظهر فيه نوع غفلة فيتسلق بذلك إلى أن يدعي بين يدي قومه نوع معرفة، فقال فَما بالُ إلخ. وأصل البال الفكر يقال: خطر ببالي كذا ثم أطلق على الحال التي يعتني بها وهو المراد، ولا يثنى ولا يجمع إلا شذوذا في قولهم بآلات. وكأن الفاء لتفريع ما بعدها على دعوى الرسالة أي إذا كنت رسولا فأخبرني ما حال القرون الماضية والأمم الخالية، وماذا جرى عليهم من الحوادث المفصلة.
قالَ موسى عليه السّلام عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي أي إن ذلك من الغيوب التي لا يعلمها إلا الله تعالى وإنما أنا عبد لا أعلم منها إلا ما علمنيه من الأمور المتعلقة بالرسالة والعلم بأحوال القرون وما جرى عليهم على التفصيل مما لا ملابسة فيه بمنصب الرسالة كما زعمت. وقيل: إنما سأله عن ذلك ليختبر أنه نبي أو هو من جملة القصاص الذين دارسوا قصص الأمم السالفة، وقال النقاش: إن اللعين لما سمع وعظ مؤمن آل فرعون يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ [غافر: ٣٠] الآية سأل عن ذلك فرد عليه السّلام علمه إلى الله تعالى لأنه لم يكن نزلت عليه التوراة فإنه كان نزولها بعد هلاك فرعون.
وقال بعضهم: إن السؤال مبني على قوله عليه السّلام وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى إلخ أي فما حال القرون السالفة بعد موتهم من السعادة والشقاوة والمراد بيان ذلك تفصيلا كأنه قيل: إذا كان الأمر كما ذكرت ففصل لنا حال من مضى من السعادة والشقاوة ولذا رد عليه السّلام العلم إلى الله عز وجل فاندفع ما قيل: إنه لو كان المسئول عنه ما ذكر من السعادة والشقاوة لأجيب ببيان أن من اتبع الهدى منهم فقد سلم ومن تولى فقد عذب حسبما نطق به قوله تعالى وَالسَّلامُ إلخ، وقيل: إنه متعلق بقوله سبحانه إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا إلخ أي إذا كان الأمر كذلك فما بال القرون الأولى كذبوا ثم ما عذبوا، وقيل: هو متعلق به والسؤال عن البعث والضمير في عِلْمُها للقيامة وكلا القولين كما ترى وعود الضمير على القيامة أدهى من أمر التعلق وأمرّ.
وقيل: إنه متعلق بجواب موسى عليه السّلام اعتراضا على ما تضمنه من علمه تعالى بتفاصيل الأشياء وجزئياتها المستتبع إحاطة قدرته جل وعلا بالأشياء كلها كأنه قيل: إذا كان علم الله تعالى كما أشرت فما تقول في القرون الخالية مع كثرتهم وتمادي مدتهم وتباعد أطرافهم كيف إحاطة علمه تعالى بهم وبأجزائهم وأحوالهم فأجاب بأن علمه تعالى محيط بذلك كله إلى آخر ما قص الله تعالى، وتخصيص القرون الأولى على هذا بالذكر مع أولوية التعميم قيل لعلم فرعون ببعضها وبذلك يتمكن من معرفة صدق موسى عليه السّلام: إن بين أحوالها، وقيل: إنه لإلزام موسى عليه السّلام وتبكيته عند قومه في أسرع وقت لزعمه أنه لو عمم ربما اشتغل موسى عليه السّلام بتفصيل علمه تعالى بالموجودات المحسوسة الظاهرة فتطول المدة ولا يتمشى ما أراده، وأيّا ما كان يسقط ما قيل: إنه يأبى هذا الوجه تخصيص القرون الأولى من بين الكائنات فإنه لو أخذها بجملتها كان أظهر وأقوى في تمشي ما أراد، نعم بعد هذا الوجه مما لا ينبغي أن ينكر، وقيل: إنه اعتراض عليه بوجه آخر كأنه قيل: إذا كان ما ذكرت من دليل إثبات المبدأ في هذه الغاية من الظهور فما بال القرون الأولى نسوه سبحانه ولم يؤمنوا به تعالى فلو كانت الدلالة واضحة وجب عليهم أن لا يكونوا غافلين عنها ومآله على ما قال الإمام معارضة الحجة بالتقليد، وقريب منه ما يقال إنه متعلق بقوله «ثم هدى» على التفسير الأول كأنه قيل: إذا كان الأمر كذلك فما بال القرون الأولى لم يستدلوا بذلك فلم يؤمنوا. وحاصل
قالَ موسى عليه السّلام عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي أي إن ذلك من الغيوب التي لا يعلمها إلا الله تعالى وإنما أنا عبد لا أعلم منها إلا ما علمنيه من الأمور المتعلقة بالرسالة والعلم بأحوال القرون وما جرى عليهم على التفصيل مما لا ملابسة فيه بمنصب الرسالة كما زعمت. وقيل: إنما سأله عن ذلك ليختبر أنه نبي أو هو من جملة القصاص الذين دارسوا قصص الأمم السالفة، وقال النقاش: إن اللعين لما سمع وعظ مؤمن آل فرعون يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ [غافر: ٣٠] الآية سأل عن ذلك فرد عليه السّلام علمه إلى الله تعالى لأنه لم يكن نزلت عليه التوراة فإنه كان نزولها بعد هلاك فرعون.
وقال بعضهم: إن السؤال مبني على قوله عليه السّلام وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى إلخ أي فما حال القرون السالفة بعد موتهم من السعادة والشقاوة والمراد بيان ذلك تفصيلا كأنه قيل: إذا كان الأمر كما ذكرت ففصل لنا حال من مضى من السعادة والشقاوة ولذا رد عليه السّلام العلم إلى الله عز وجل فاندفع ما قيل: إنه لو كان المسئول عنه ما ذكر من السعادة والشقاوة لأجيب ببيان أن من اتبع الهدى منهم فقد سلم ومن تولى فقد عذب حسبما نطق به قوله تعالى وَالسَّلامُ إلخ، وقيل: إنه متعلق بقوله سبحانه إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا إلخ أي إذا كان الأمر كذلك فما بال القرون الأولى كذبوا ثم ما عذبوا، وقيل: هو متعلق به والسؤال عن البعث والضمير في عِلْمُها للقيامة وكلا القولين كما ترى وعود الضمير على القيامة أدهى من أمر التعلق وأمرّ.
وقيل: إنه متعلق بجواب موسى عليه السّلام اعتراضا على ما تضمنه من علمه تعالى بتفاصيل الأشياء وجزئياتها المستتبع إحاطة قدرته جل وعلا بالأشياء كلها كأنه قيل: إذا كان علم الله تعالى كما أشرت فما تقول في القرون الخالية مع كثرتهم وتمادي مدتهم وتباعد أطرافهم كيف إحاطة علمه تعالى بهم وبأجزائهم وأحوالهم فأجاب بأن علمه تعالى محيط بذلك كله إلى آخر ما قص الله تعالى، وتخصيص القرون الأولى على هذا بالذكر مع أولوية التعميم قيل لعلم فرعون ببعضها وبذلك يتمكن من معرفة صدق موسى عليه السّلام: إن بين أحوالها، وقيل: إنه لإلزام موسى عليه السّلام وتبكيته عند قومه في أسرع وقت لزعمه أنه لو عمم ربما اشتغل موسى عليه السّلام بتفصيل علمه تعالى بالموجودات المحسوسة الظاهرة فتطول المدة ولا يتمشى ما أراده، وأيّا ما كان يسقط ما قيل: إنه يأبى هذا الوجه تخصيص القرون الأولى من بين الكائنات فإنه لو أخذها بجملتها كان أظهر وأقوى في تمشي ما أراد، نعم بعد هذا الوجه مما لا ينبغي أن ينكر، وقيل: إنه اعتراض عليه بوجه آخر كأنه قيل: إذا كان ما ذكرت من دليل إثبات المبدأ في هذه الغاية من الظهور فما بال القرون الأولى نسوه سبحانه ولم يؤمنوا به تعالى فلو كانت الدلالة واضحة وجب عليهم أن لا يكونوا غافلين عنها ومآله على ما قال الإمام معارضة الحجة بالتقليد، وقريب منه ما يقال إنه متعلق بقوله «ثم هدى» على التفسير الأول كأنه قيل: إذا كان الأمر كذلك فما بال القرون الأولى لم يستدلوا بذلك فلم يؤمنوا. وحاصل
516
الجواب على القولين أن ذلك من سر القدر وعلمه عند ربي جل شأنه فِي كِتابٍ الظاهر أنه خبر ثان لعلمها والخبر الأول عِنْدَ رَبِّي.
وجوز أن يكونا خبرا واحدا مثل هذا حلو حامض وأن يكون الخبر عِنْدَ رَبِّي. وفِي كِتابٍ في موضع الحال من الضمير المستتر في الظرف أو هو معمول له. وأن يكون الخبر في كتاب وعِنْدَ رَبِّي في موضع الحال من الضمير المستتر فيه والعامل الظرف وهو يعمل متأخرا على رأي الأخفش، وقيل: يكون حالا من المضاف إليه في عِلْمُها، وقيل: يكون ظرفا للظرف الثاني، وقيل: هو ظرف للعلم ذكر جميع ذلك أبو البقاء ثم قال: ولا يجوز أن يكون فِي كِتابٍ متعلقا بعلمها و «عند ربي» الخبر لأن المصدر لا يعمل فيما بعد خبره.
وأنت تعلم أن أول الأوجه هو الأوجه وكأنه عنى عليه السّلام بالكتاب اللوح المحفوظ أي علمها مثبت في اللوح المحفوظ بتفاصيله وهذا من باب المجاز إذ المثبت حقيقة إنما هو النقوش الدالة على الألفاظ المتضمنة شرح أحوالهم المعلومة له تعالى، وجوز أن يكون المراد بالكتاب الدفتر كما هو المعروف في اللغة ويكون ذلك تمثيلا لتمكنه وتقرره في علمه عز وجل بما استحفظه العالم وقيده بكتبته في جريدة ولعله أولى، ويلوح إليه قوله تعالى لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى فإن عدم الضلال والنسيان أوفق بإتقان العلم، والظاهر أن فيه على الوجهين دفع توهم الاحتياج لأن الإثبات في الكتاب إنما يفعله من يفعله لخوف النسيان والله تعالى منزه عن ذلك، والإثبات في اللوح المحفوظ لحكم ومصالح يعلم بعضها العالمون، وقيل: إن هذه الجملة على الأول تكميل لدفع ما يتوهم من أن الإثبات في اللوح للاحتياج لاحتمال خطأ أو نسيان تعالى الله سبحانه عنه، وعلى الثاني تذييل لتأكيد الجملة السابقة، والمعنى لا يخطىء ربي ابتداء بأن لا يدخل شيء من الأشياء في واسع علمه فلا يكون علمه سبحانه محيطا بالأشياء ولا يذهب عليه شيء بقاء بأن يخرج عن دائرة علمه جل شأنه بعد أن دخل بل هو عز وجل محيط بكل شيء علما أزلا وأبدا وتفسير الجملتين بما ذكر مما ذهب إليه القفال ووافقه بعض المحققين ولا يخفى حسنه.
وأخرج ابن المنذر وجماعة عن مجاهد أنهما بمعنى واحد وليس بذاك، والفعلان قيل: منزلان منزلة اللازم، وقيل: هما باقيان على تعديهما والمفعول محذوف أي لا يضل شيئا من الأشياء ولا ينساه، وقيل: شيئا من أحوال القرون الأولى، وعن الحسن لا يضل وقت البعث ولا ينساه وكأنه جعل السؤال عن البعث وخصص لأجله المفعول وقد علمت حاله. وعن ابن عباس أن المعنى لا يترك من كفر به حتى ينتقم منه ولا يترك من وحده حتى يحازيه وكأنه رضي الله تعالى عنه جعل السؤال عن حالهم من حيث السعادة والشقاوة والجواب عن ذلك على سبيل الإجمال فتدبر ولا تغفل.
وزعم بعضهم أن الجملة في موضع الصفة لكتاب والعائد إليه محذوف أي لا يضله ربي ولا ينساه، وقيل:
العائد ضمير مستتر في الفعل ورَبِّي نصب على المفعول أي لا يضل الكتاب ربي أي عنه. وفي يَنْسى ضمير عائد إليه أيضا أي ولا ينسى الكتاب شيئا أي لا يدعه على حد لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها [الكهف:
٤٩].
والعجب كل العجب من العدول عن الظاهر إلى مثل هذه الأقوال، وإظهار رَبِّي في موقع الإضمار للتلذذ بذكره تعالى ولزيادة التقرير والإشعار بعلية الحكم فإن الربوبية مما تقتضي عدم الضلال والنسيان حتما.
وقرأ الحسن وقتادة والجحدري وحماد بن سلمة وابن محيصن وعيسى الثقفي «لا يضلّ» بضم الياء من أضل وأضللت الشيء وضللته قيل بمعنى.
وجوز أن يكونا خبرا واحدا مثل هذا حلو حامض وأن يكون الخبر عِنْدَ رَبِّي. وفِي كِتابٍ في موضع الحال من الضمير المستتر في الظرف أو هو معمول له. وأن يكون الخبر في كتاب وعِنْدَ رَبِّي في موضع الحال من الضمير المستتر فيه والعامل الظرف وهو يعمل متأخرا على رأي الأخفش، وقيل: يكون حالا من المضاف إليه في عِلْمُها، وقيل: يكون ظرفا للظرف الثاني، وقيل: هو ظرف للعلم ذكر جميع ذلك أبو البقاء ثم قال: ولا يجوز أن يكون فِي كِتابٍ متعلقا بعلمها و «عند ربي» الخبر لأن المصدر لا يعمل فيما بعد خبره.
وأنت تعلم أن أول الأوجه هو الأوجه وكأنه عنى عليه السّلام بالكتاب اللوح المحفوظ أي علمها مثبت في اللوح المحفوظ بتفاصيله وهذا من باب المجاز إذ المثبت حقيقة إنما هو النقوش الدالة على الألفاظ المتضمنة شرح أحوالهم المعلومة له تعالى، وجوز أن يكون المراد بالكتاب الدفتر كما هو المعروف في اللغة ويكون ذلك تمثيلا لتمكنه وتقرره في علمه عز وجل بما استحفظه العالم وقيده بكتبته في جريدة ولعله أولى، ويلوح إليه قوله تعالى لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى فإن عدم الضلال والنسيان أوفق بإتقان العلم، والظاهر أن فيه على الوجهين دفع توهم الاحتياج لأن الإثبات في الكتاب إنما يفعله من يفعله لخوف النسيان والله تعالى منزه عن ذلك، والإثبات في اللوح المحفوظ لحكم ومصالح يعلم بعضها العالمون، وقيل: إن هذه الجملة على الأول تكميل لدفع ما يتوهم من أن الإثبات في اللوح للاحتياج لاحتمال خطأ أو نسيان تعالى الله سبحانه عنه، وعلى الثاني تذييل لتأكيد الجملة السابقة، والمعنى لا يخطىء ربي ابتداء بأن لا يدخل شيء من الأشياء في واسع علمه فلا يكون علمه سبحانه محيطا بالأشياء ولا يذهب عليه شيء بقاء بأن يخرج عن دائرة علمه جل شأنه بعد أن دخل بل هو عز وجل محيط بكل شيء علما أزلا وأبدا وتفسير الجملتين بما ذكر مما ذهب إليه القفال ووافقه بعض المحققين ولا يخفى حسنه.
وأخرج ابن المنذر وجماعة عن مجاهد أنهما بمعنى واحد وليس بذاك، والفعلان قيل: منزلان منزلة اللازم، وقيل: هما باقيان على تعديهما والمفعول محذوف أي لا يضل شيئا من الأشياء ولا ينساه، وقيل: شيئا من أحوال القرون الأولى، وعن الحسن لا يضل وقت البعث ولا ينساه وكأنه جعل السؤال عن البعث وخصص لأجله المفعول وقد علمت حاله. وعن ابن عباس أن المعنى لا يترك من كفر به حتى ينتقم منه ولا يترك من وحده حتى يحازيه وكأنه رضي الله تعالى عنه جعل السؤال عن حالهم من حيث السعادة والشقاوة والجواب عن ذلك على سبيل الإجمال فتدبر ولا تغفل.
وزعم بعضهم أن الجملة في موضع الصفة لكتاب والعائد إليه محذوف أي لا يضله ربي ولا ينساه، وقيل:
العائد ضمير مستتر في الفعل ورَبِّي نصب على المفعول أي لا يضل الكتاب ربي أي عنه. وفي يَنْسى ضمير عائد إليه أيضا أي ولا ينسى الكتاب شيئا أي لا يدعه على حد لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها [الكهف:
٤٩].
والعجب كل العجب من العدول عن الظاهر إلى مثل هذه الأقوال، وإظهار رَبِّي في موقع الإضمار للتلذذ بذكره تعالى ولزيادة التقرير والإشعار بعلية الحكم فإن الربوبية مما تقتضي عدم الضلال والنسيان حتما.
وقرأ الحسن وقتادة والجحدري وحماد بن سلمة وابن محيصن وعيسى الثقفي «لا يضلّ» بضم الياء من أضل وأضللت الشيء وضللته قيل بمعنى.
517
وفي الصحاح عن ابن السكيت يقال: أضللت بعيري إذا ذهب منك وضللت المسجد والزاد إذا لم تعرف موضعهما وكذلك كل شيء مقيم لا يهتدى إليه، وحكي نحوه عن الفراء. وابن عيسى، وذكر أبو البقاء في توجيه هذه القراءة وجهين جعل رَبِّي منصوبا على المفعولية، والمعنى لا يضل أحد ربي عن علمه وجعله فاعلا والمعنى لا يجد ربي الكتاب ضالا أي ضائعا، وقرأ السلمي «لا يضلّ ربي ولا ينسى» ببناء الفعلين لما لم يسم فاعله.
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً إلخ يحتمل أن يكون ابتداء كلام منه عز وجل وكلام موسى عليه السّلام قد تم عند قوله تعالى: وَلا يَنْسى فيكون الموصول خبر مبتدأ محذوف والجملة على ما قيل: مستأنفة استئنافا بيانيا كأنه سبحانه لما حكى كلام موسى عليه السّلام إلى قوله: لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى سئل ما أراد موسى بقوله:
رَبِّي فقال سبحانه: هو الَّذِي جَعَلَ إلخ، واختار هذا الإمام بل قال: يجب الجزم به ويحتمل أن يكون من كلام موسى عليه السّلام على أن يكون قد سمعه من الله عز وجل فأدرجه بعينه في كلامه ولذا قال لَكُمُ دون لنا وهو من قبيل الاقتباس فيكون الموصول إما مرفوع المحل على أنه صفة لربي أو خبر مبتدأ محذوف كما في الاحتمال السابق وإما منصوب على المدح، واختار هذا الزمخشري، وعلى الاحتمالين يكون في قوله تعالى: فَأَخْرَجْنا التفات بلا اشتباه أو على أن موسى عليه السّلام قال ذلك من عنده غير سامع له من الله عز وجل، وقال: فأخرج به بإسناد أخرج إلى ضمير الغيبة إلا أن الله تعالى لما حكاه أسنده إلى ضمير المتكلم لأن الحاكي هو المحكي عنه فمرجع الضميرين واحد، وظاهر كلام ابن المنير اختيار هذا حيث قال بعد تقريره: وهذا وجه حسن رقيق الحاشية وهو أقرب الوجوه إلى الالتفات.
وأنكر بعضهم أن يكون فيه التفات أو على أنه عليه السّلام قاله من عنده بهذا اللفظ غير مغير عند الحكاية، وقوله: «أخرجنا» من باب قول خواص الملك أمرنا وعمرنا وفعلنا وإنما يريدون الملك أو هو مسند إلى ضمير الجماعة بإرادة أخرجنا نحن معاشر العباد بذلك الماء بالحراثة أزواجا من نبات شتى على ما قيل، وليس في «أخرجنا» على هذا وما قبله التفات. ويحتمل أن يكون ذلك كلام موسى عليه السّلام إلى قوله تعالى: «ماء» وما بعده كلام الله عز وجل أوصله سبحانه بكلام موسى عليه السّلام حين الحكاية لنبينا صلّى الله عليه وسلّم، والأولى عندي الاحتمال الأول بل يكاد يكون كالمتعين ثم الاحتمال الثاني ثم الاحتمال الثالث وسائر الاحتمالات ليس بشيء ووجه ذلك لا يكاد يخفى. وسيأتي إن شاء الله تعالى في الزخرف نحو هذه الآية، والمهد في الأصل مصدر ثم جعل اسم جنس لما يمهد للصبي. ونصبه على أنه مفعول ثان لجعل إن كان بمعنى صيّر أو حال إن كان بمعنى خلق، والمراد جعلها لكم كالمهد، ويجوز أن يكون باقيا على مصدريته غير منقول لما ذكر، والمراد جعلها ذات مهد أو ممهدة أو نفس المهد مبالغة، وجوز أن يكون منصوبا بفعل مقدر من لفظه أي مهدها مهدا بمعنى بسطها ووطأها، والجملة حال من الفاعل أو المفعول، وقرأ كثير «مهادا» وهو على ما قال المفضل. كالمهد في المصدرية والنقل.
وقال أبو عبيد: المهاد اسم والمهد مصدر، وقال بعضهم: هو جمع مهد ككعب وكعاب، والمشهور في جمعه مهود، والمعنى على الجمع جعل كل موضع منها مهدا لكل واحد منكم وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا أي حصل لكم طرقا ووسطها بين الجبال والأودية تسلكونها من قطر إلى قطر لتقضوا منها مآربكم وتنتفعوا بمنافعها ومرافقها، وللدلالة على أن الانتفاع مخصوص بالإنسان كرر «لكم» وذكره أولا لبيان أن المقصود بالذات من ذلك الإنسان وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ من جهتها أو منها نفسها على ما في بعض الآثار ماءً هو المطر فَأَخْرَجْنا بِهِ أي بذلك الماء وواسطته حيث إن الله تعالى أودع فيه ما أودع كما ذهب إلى ذلك الماتريدية وغيرهم من السلف الصالح لكنه لا يؤثر إلا بإذن
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً إلخ يحتمل أن يكون ابتداء كلام منه عز وجل وكلام موسى عليه السّلام قد تم عند قوله تعالى: وَلا يَنْسى فيكون الموصول خبر مبتدأ محذوف والجملة على ما قيل: مستأنفة استئنافا بيانيا كأنه سبحانه لما حكى كلام موسى عليه السّلام إلى قوله: لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى سئل ما أراد موسى بقوله:
رَبِّي فقال سبحانه: هو الَّذِي جَعَلَ إلخ، واختار هذا الإمام بل قال: يجب الجزم به ويحتمل أن يكون من كلام موسى عليه السّلام على أن يكون قد سمعه من الله عز وجل فأدرجه بعينه في كلامه ولذا قال لَكُمُ دون لنا وهو من قبيل الاقتباس فيكون الموصول إما مرفوع المحل على أنه صفة لربي أو خبر مبتدأ محذوف كما في الاحتمال السابق وإما منصوب على المدح، واختار هذا الزمخشري، وعلى الاحتمالين يكون في قوله تعالى: فَأَخْرَجْنا التفات بلا اشتباه أو على أن موسى عليه السّلام قال ذلك من عنده غير سامع له من الله عز وجل، وقال: فأخرج به بإسناد أخرج إلى ضمير الغيبة إلا أن الله تعالى لما حكاه أسنده إلى ضمير المتكلم لأن الحاكي هو المحكي عنه فمرجع الضميرين واحد، وظاهر كلام ابن المنير اختيار هذا حيث قال بعد تقريره: وهذا وجه حسن رقيق الحاشية وهو أقرب الوجوه إلى الالتفات.
وأنكر بعضهم أن يكون فيه التفات أو على أنه عليه السّلام قاله من عنده بهذا اللفظ غير مغير عند الحكاية، وقوله: «أخرجنا» من باب قول خواص الملك أمرنا وعمرنا وفعلنا وإنما يريدون الملك أو هو مسند إلى ضمير الجماعة بإرادة أخرجنا نحن معاشر العباد بذلك الماء بالحراثة أزواجا من نبات شتى على ما قيل، وليس في «أخرجنا» على هذا وما قبله التفات. ويحتمل أن يكون ذلك كلام موسى عليه السّلام إلى قوله تعالى: «ماء» وما بعده كلام الله عز وجل أوصله سبحانه بكلام موسى عليه السّلام حين الحكاية لنبينا صلّى الله عليه وسلّم، والأولى عندي الاحتمال الأول بل يكاد يكون كالمتعين ثم الاحتمال الثاني ثم الاحتمال الثالث وسائر الاحتمالات ليس بشيء ووجه ذلك لا يكاد يخفى. وسيأتي إن شاء الله تعالى في الزخرف نحو هذه الآية، والمهد في الأصل مصدر ثم جعل اسم جنس لما يمهد للصبي. ونصبه على أنه مفعول ثان لجعل إن كان بمعنى صيّر أو حال إن كان بمعنى خلق، والمراد جعلها لكم كالمهد، ويجوز أن يكون باقيا على مصدريته غير منقول لما ذكر، والمراد جعلها ذات مهد أو ممهدة أو نفس المهد مبالغة، وجوز أن يكون منصوبا بفعل مقدر من لفظه أي مهدها مهدا بمعنى بسطها ووطأها، والجملة حال من الفاعل أو المفعول، وقرأ كثير «مهادا» وهو على ما قال المفضل. كالمهد في المصدرية والنقل.
وقال أبو عبيد: المهاد اسم والمهد مصدر، وقال بعضهم: هو جمع مهد ككعب وكعاب، والمشهور في جمعه مهود، والمعنى على الجمع جعل كل موضع منها مهدا لكل واحد منكم وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا أي حصل لكم طرقا ووسطها بين الجبال والأودية تسلكونها من قطر إلى قطر لتقضوا منها مآربكم وتنتفعوا بمنافعها ومرافقها، وللدلالة على أن الانتفاع مخصوص بالإنسان كرر «لكم» وذكره أولا لبيان أن المقصود بالذات من ذلك الإنسان وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ من جهتها أو منها نفسها على ما في بعض الآثار ماءً هو المطر فَأَخْرَجْنا بِهِ أي بذلك الماء وواسطته حيث إن الله تعالى أودع فيه ما أودع كما ذهب إلى ذلك الماتريدية وغيرهم من السلف الصالح لكنه لا يؤثر إلا بإذن
518
الله تعالى كسائر الأسباب فلا ينافي كونه عز وجل هو المؤثر الحقيقي، وإنما فعل ذلك سبحانه مع قدرته تعالى الكاملة على إيجاد ما شاء بلا توسيط شيء كما أوجد بعض الأشياء كذلك مراعاة للحكمة.
وقيل: بِهِ أي عنده وإليه ذهب الأشاعرة فالماء كالنار عندهم في أنه ليس فيه قوة الري مثلا والنار كالماء في أنها ليس فيها قوة الإحراق وإنما الفرق بينهما في أن الله تعالى قد جرت عادته أن يخلق الري عند شرب الماء والإحراق عند مسيس النار دون العكس. وزعموا أن من قال: إن في شيء من الأسباب قوة تأثير أودعها الله تعالى فيه فهو إلى الكفر أقرب منه إلى الإيمان وهو لعمري من المجازفة بمكان.
والظاهر أن يقال: فأخرج إلا أنه التفت إلى التكلم للتنبيه على ظهور ما فيه من الدلالة على كمال القدرة والحكمة بواسطة أنه لا يسند إلى العظيم إلا أمر عظيم والإيذان بأنه لا يتأتى إلا من قادر مطاع عظيم الشأن ينقاد لأمره ويذعن لمشيئته الأشياء المختلفة فإن مثل هذا التعبير يعبر به الملوك والعظماء النافذ أمرهم. ويقوي هذا الماضي الدال على التحقيق كالفاء الدالة على السرعة فإنها للتعقيب على ما نص عليه بعض المحققين وجعل الإنزال والإخراج عبارتين عن إرادة النزول والخروج معللا باستحالة مزاولة العمل في شأنه تعالى شأنه.
واعترض عليه بما فيه بحث ولا يضر في ذلك كونه تعقيبا عرفيا ولم تجعل للسببية لأنها معلومة من الباء.
وقال الخفاجي: لك أن تقول إن الفاء لسببية الإرادة عن الإنزال والباء لسببية النبات عن الماء فلا تكرار كما في قوله تعالى: لِنُحْيِيَ بِهِ [الفرقان: ٤٩] ولعل هذا أقرب انتهى.
وأنت تعلم أن التعقيب أظهر وأبلغ. وقد ورد على هذا النمط من الالتفات للنكتة المذكورة قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها [فاطر: ٢٧] وقوله تعالى أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ [النمل: ٦٠] وقوله سبحانه وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام: ٩٩] أَزْواجاً أي أصنافا أطلق عليها ذلك لازدواجها واقتران بعضها ببعض.
مِنْ نَباتٍ بيان وصفة لأزواجا. وكذا قوله تعالى شَتَّى أي متفرقة جمع شتيت كمريض ومرضى وألفه للتأنيث، وجوز أبو البقاء أن يكون صفة لنبات لما أنه في الأصل مصدر يستوي فيه الواحد والجمع يعني أنها شتى مختلفة النفع والطعم واللون والرائحة والشكل بعضها يصلح للناس وبعضها للبهائم.
وقالوا: من نعمته عز وعلا أن أرزاق العباد إنما تحصل بعمل الأنعام وقد جعل الله تعالى علفها مما يفضل عن حاجتهم ولا يقدرون على أكله. وقوله تعالى كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ معمول قول محذوف وقع حالا من ضمير «فأخرجنا» أي أخرجنا أصناف النبات قائلين كُلُوا إلخ أي معديها لانتفاعكم بالذات وبالواسطة آذنين في ذلك، وجوز أن يكون القول حالا من المفعول أي أخرجنا أزواجا مختلفة مقولا فيها ذلك. والأولى أنسب وأولى. ورعى كما قال الزجاج يستعمل لازما ومتعديا، يقال: رعت الدابة رعيا ورعاها صاحبها رعاية إذا أسامها وسرحها وأراحها إِنَّ فِي ذلِكَ إشارة إلى ما ذكر من شؤونه تعالى. وأفعاله وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو رتبته وبعد منزلته في الكمال، وقيل: لعدم ذكر المشار إليه بلفظه. والتنكير في قوله سبحانه لَآياتٍ للتفخيم كما وكيفا أي لآيات كثيرة جليلة واضحة الدلالة على شؤون الله تعالى في ذاته وصفاته لِأُولِي النُّهى جمع نهية بضم النون سمي بها العقل لنهيه عن
وقيل: بِهِ أي عنده وإليه ذهب الأشاعرة فالماء كالنار عندهم في أنه ليس فيه قوة الري مثلا والنار كالماء في أنها ليس فيها قوة الإحراق وإنما الفرق بينهما في أن الله تعالى قد جرت عادته أن يخلق الري عند شرب الماء والإحراق عند مسيس النار دون العكس. وزعموا أن من قال: إن في شيء من الأسباب قوة تأثير أودعها الله تعالى فيه فهو إلى الكفر أقرب منه إلى الإيمان وهو لعمري من المجازفة بمكان.
والظاهر أن يقال: فأخرج إلا أنه التفت إلى التكلم للتنبيه على ظهور ما فيه من الدلالة على كمال القدرة والحكمة بواسطة أنه لا يسند إلى العظيم إلا أمر عظيم والإيذان بأنه لا يتأتى إلا من قادر مطاع عظيم الشأن ينقاد لأمره ويذعن لمشيئته الأشياء المختلفة فإن مثل هذا التعبير يعبر به الملوك والعظماء النافذ أمرهم. ويقوي هذا الماضي الدال على التحقيق كالفاء الدالة على السرعة فإنها للتعقيب على ما نص عليه بعض المحققين وجعل الإنزال والإخراج عبارتين عن إرادة النزول والخروج معللا باستحالة مزاولة العمل في شأنه تعالى شأنه.
واعترض عليه بما فيه بحث ولا يضر في ذلك كونه تعقيبا عرفيا ولم تجعل للسببية لأنها معلومة من الباء.
وقال الخفاجي: لك أن تقول إن الفاء لسببية الإرادة عن الإنزال والباء لسببية النبات عن الماء فلا تكرار كما في قوله تعالى: لِنُحْيِيَ بِهِ [الفرقان: ٤٩] ولعل هذا أقرب انتهى.
وأنت تعلم أن التعقيب أظهر وأبلغ. وقد ورد على هذا النمط من الالتفات للنكتة المذكورة قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها [فاطر: ٢٧] وقوله تعالى أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ [النمل: ٦٠] وقوله سبحانه وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام: ٩٩] أَزْواجاً أي أصنافا أطلق عليها ذلك لازدواجها واقتران بعضها ببعض.
مِنْ نَباتٍ بيان وصفة لأزواجا. وكذا قوله تعالى شَتَّى أي متفرقة جمع شتيت كمريض ومرضى وألفه للتأنيث، وجوز أبو البقاء أن يكون صفة لنبات لما أنه في الأصل مصدر يستوي فيه الواحد والجمع يعني أنها شتى مختلفة النفع والطعم واللون والرائحة والشكل بعضها يصلح للناس وبعضها للبهائم.
وقالوا: من نعمته عز وعلا أن أرزاق العباد إنما تحصل بعمل الأنعام وقد جعل الله تعالى علفها مما يفضل عن حاجتهم ولا يقدرون على أكله. وقوله تعالى كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ معمول قول محذوف وقع حالا من ضمير «فأخرجنا» أي أخرجنا أصناف النبات قائلين كُلُوا إلخ أي معديها لانتفاعكم بالذات وبالواسطة آذنين في ذلك، وجوز أن يكون القول حالا من المفعول أي أخرجنا أزواجا مختلفة مقولا فيها ذلك. والأولى أنسب وأولى. ورعى كما قال الزجاج يستعمل لازما ومتعديا، يقال: رعت الدابة رعيا ورعاها صاحبها رعاية إذا أسامها وسرحها وأراحها إِنَّ فِي ذلِكَ إشارة إلى ما ذكر من شؤونه تعالى. وأفعاله وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو رتبته وبعد منزلته في الكمال، وقيل: لعدم ذكر المشار إليه بلفظه. والتنكير في قوله سبحانه لَآياتٍ للتفخيم كما وكيفا أي لآيات كثيرة جليلة واضحة الدلالة على شؤون الله تعالى في ذاته وصفاته لِأُولِي النُّهى جمع نهية بضم النون سمي بها العقل لنهيه عن
519
اتباع الباطل وارتكاب القبيح كما سمي بالعقل. والحجر لعقله وحجره عن ذلك. ويجيء النهي مفردا بمعنى العقل كما في القاموس وهو ظاهر ما روي عن ابن عباس هنا فإنه قال: أي لذوي العقل، وفي رواية أخرى عنه أنه قال: لذوي التقى. ولعله تفسير باللازم.
وأجاز أبو علي أن يكون مصدرا كالهدى والأكثرون على الجمع أي لذوي العقول الناهية عن الأباطيل وتخصيص كونها آيات بهم لأن أوجه دلالتها على شؤونه تعالى لا يعلمها إلا العقلاء ولذا جعل نفعها عائدا إليهم في الحقيقة فقال سبحانه: كُلُوا وَارْعَوْا دون كلوا أنتم والأنعام مِنْها أي من الأرض.
خَلَقْناكُمْ أي في ضمن خلق أبيكم آدم عليه السّلام منها فإن كل فرد من أفراد البشر له حظ من خلقه عليه السّلام إذ لم تكن فطرته البديعة مقصورة على نفسه عليه السّلام بل كانت أنموذجا منطويا على فطرة سائر أفراد الجنس انطواء جماليا مستتبعا لجريان آثارها على الكل فكان خلقه عليه السّلام منها خلقا للكل منها، وقيل: المعنى خلقنا أبدانكم من النطفة المتولدة من الأغذية المتولدة من الأرض بوسائط (١).
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عطاء الخراساني قال: إن الملك ينطلق فيأخذ من تراب المكان الذي يدفن فيه الشخص فيذره على النطفة فيخلق من التراب والنطفة وَفِيها نُعِيدُكُمْ بالإماتة وتفريق الأجزاء، وهذا وكذا ما بعد مبني على الغالب بناء على أن من الناس من لا يبلى جسده كالأنبياء عليهم الصلاة والسّلام، وإيثار كلمة في على كلمة إلى للدلالة على الاستقرار المديد فيها وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى بتأليف أجزائكم المتفتتة المختلطة بالتراب على الهيئة السابقة ورد الأرواح من مقرها إليها، وكون هذا الإخراج تارة أخرى باعتبار أن خلقهم من الأرض إخراج لهم منها وإن لم يكن على نهج التارة الثانية أو التارة في الأصل اسم للتور الواحد وهو الجريان، ثم أطلق على كل فعلة واحد من الفعلات المتجددة كما مر في المرة، وما ألطف ذكر قوله تعالى: مِنْها خَلَقْناكُمْ إلخ بعد ذكر النبات وإخراجه من الأرض فقد تضمن كل إخراج أجسام لطيفة من الترباء الكثيفة وخروج الأموات أشبه شيء بخروج النبات هذا.
«ومن باب الإشارة في الآيات» طه يا طاهرا بنا هاديا إلينا أو يا طائف كعبة الأحدية في حرم الهوية وهادي الأنفس الزكية إلى المقامات العلية، وقيل: إن ط لكونها بحساب الجمل تسعة وإذا جمع ما انطوت عليه من الأعداد- أعني الواحد والاثنين والثلاثة- وهكذا إلى التسعة بلغ خمسة وأربعين إشارة إلى آدم لأن أعداد حروفه كذلك، وهـ لكونها بحساب الجمل خمسة وما انطوت عليه من الأعداد يبلغ خمسة عشر إشارة إلى حوا بلا همز، والإشارة بمجموع الأمرين إلى أنه صلّى الله عليه وسلّم أبو الخليقة وأمها فكأنه قيل: يا من تكونت منه الخليقة، وقد أشار إلى ذلك العارف بن الفارض قدس سره بقوله على لسان الحقيقة المحمدية:
وقال في ذلك الشيخ عبد الغني النابلسي عليه الرحمة:
وأجاز أبو علي أن يكون مصدرا كالهدى والأكثرون على الجمع أي لذوي العقول الناهية عن الأباطيل وتخصيص كونها آيات بهم لأن أوجه دلالتها على شؤونه تعالى لا يعلمها إلا العقلاء ولذا جعل نفعها عائدا إليهم في الحقيقة فقال سبحانه: كُلُوا وَارْعَوْا دون كلوا أنتم والأنعام مِنْها أي من الأرض.
خَلَقْناكُمْ أي في ضمن خلق أبيكم آدم عليه السّلام منها فإن كل فرد من أفراد البشر له حظ من خلقه عليه السّلام إذ لم تكن فطرته البديعة مقصورة على نفسه عليه السّلام بل كانت أنموذجا منطويا على فطرة سائر أفراد الجنس انطواء جماليا مستتبعا لجريان آثارها على الكل فكان خلقه عليه السّلام منها خلقا للكل منها، وقيل: المعنى خلقنا أبدانكم من النطفة المتولدة من الأغذية المتولدة من الأرض بوسائط (١).
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عطاء الخراساني قال: إن الملك ينطلق فيأخذ من تراب المكان الذي يدفن فيه الشخص فيذره على النطفة فيخلق من التراب والنطفة وَفِيها نُعِيدُكُمْ بالإماتة وتفريق الأجزاء، وهذا وكذا ما بعد مبني على الغالب بناء على أن من الناس من لا يبلى جسده كالأنبياء عليهم الصلاة والسّلام، وإيثار كلمة في على كلمة إلى للدلالة على الاستقرار المديد فيها وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى بتأليف أجزائكم المتفتتة المختلطة بالتراب على الهيئة السابقة ورد الأرواح من مقرها إليها، وكون هذا الإخراج تارة أخرى باعتبار أن خلقهم من الأرض إخراج لهم منها وإن لم يكن على نهج التارة الثانية أو التارة في الأصل اسم للتور الواحد وهو الجريان، ثم أطلق على كل فعلة واحد من الفعلات المتجددة كما مر في المرة، وما ألطف ذكر قوله تعالى: مِنْها خَلَقْناكُمْ إلخ بعد ذكر النبات وإخراجه من الأرض فقد تضمن كل إخراج أجسام لطيفة من الترباء الكثيفة وخروج الأموات أشبه شيء بخروج النبات هذا.
«ومن باب الإشارة في الآيات» طه يا طاهرا بنا هاديا إلينا أو يا طائف كعبة الأحدية في حرم الهوية وهادي الأنفس الزكية إلى المقامات العلية، وقيل: إن ط لكونها بحساب الجمل تسعة وإذا جمع ما انطوت عليه من الأعداد- أعني الواحد والاثنين والثلاثة- وهكذا إلى التسعة بلغ خمسة وأربعين إشارة إلى آدم لأن أعداد حروفه كذلك، وهـ لكونها بحساب الجمل خمسة وما انطوت عليه من الأعداد يبلغ خمسة عشر إشارة إلى حوا بلا همز، والإشارة بمجموع الأمرين إلى أنه صلّى الله عليه وسلّم أبو الخليقة وأمها فكأنه قيل: يا من تكونت منه الخليقة، وقد أشار إلى ذلك العارف بن الفارض قدس سره بقوله على لسان الحقيقة المحمدية:
وإني وإن كنت ابن آدم صورة | فلي منه معنى شاهد بأبوتي |
طه النبي تكونت من نوره | كل البرية ثم لو ترك القطا |
(١) وذكروا أن التراب الذي خلق منه نبينا صلّى الله عليه وسلّم كان من الكعبة إلا أنه نقل في الطوفان إلى محل قبره الشريف عليه الصلاة والسّلام اه منه.
520
وقيل: طه في الحساب أربعة عشر وهو إشارة إلى مرتبة البدرية فكأنه قيل: يا بدر سماء عالم الإمكان ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى أي إلا لتذكر من يخشى أيام الوصال التي كانت قبل تعلق الأرواح بالأبدان وتخبرهم بأنها يحصل نحوها لهم لتطيب أنفسهم وترتاح أرواحهم أو لتذكرهم إياها ليشتاقوا إليها وتجري دموعهم عليها ويجتهدوا في تحصيل ما يكون سببا لعودها ولله تعالى در من قال:
وقيل: من يخشى هم العلماء لقوله تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ [فاطر: ٢٨] ولما كان العلم مظنة العجب والفخر ونحوهما ناسب أن يذكر صاحبه عظمة الله عز وجل ليكون ذلك سورا له مانعا من تطرق شيء مما ذكر الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى العرش جسم عظيم خلقه الله تعالى كما قيل من نور شعشعاني وجعله موضع نور العقل البسيط الذي هو مشرق أنوار القدم وشرفه بنسبة الاستواء الذي لا يكتنه، وقيل: خلق من أنوار أربعة مختلفة الألوان وهي أنوار سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولذا قيل له الأطلس، وإلى هذا ذهبت الطائفة الحادثة في زماننا المسماة بالكشفية.
وذكر بعض الصوفية أن العرش إشارة إلى قلب المؤمن الذي نسبة العرش المشهور إليه كنسبة الخردلة إلى الفلاة بل كنسبة القطرة إلى البحر المحيط وهو محل نظر الحق ومنصة تجليه ومهبط أمره ومنزل تدليه،
وفي إحياء العلوم لحجة الإسلام الغزالي قال الله تعالى «لم يسعني سمائي ولا أرضي ووسعني قلب عبدي المؤمن اللين الوادع»
أي الساكن المطمئن،
وفي الرشدة لصدر الدين القونوي قدس سره بلفظ «ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن التقي النقي الوادع»
وليس هذا القلب عبارة عن البضعة الصنوبرية فإنها عند كل عاقل أحقر من حيث الصورة أن تكون محل سره جل وعلا فضلا عن أن تسعه سبحانه وتكون مطمح نظره الأعلى ومستواه عز شأنه وهي وإن سميت قلبا فإنما تلك التسمية على سبيل المجاز، وتسمية (١) الصفة والحامل باسم الموصوف والمحمول بل القلب الإنساني عبارة عن الحقيقة الجامعة بين الأوصاف والشؤون الربانية وبين الخصائص والأحوال الكونية الروحانية منها والطبيعية وتلك الحقيقة تنتشئ من بين الهيئة الاجتماعية الواقعة بين الصفات والحقائق الإلهية والكونية وما يشتمل عليه هذان الأصلان من الأخلاق والصفات اللازمة وما يتولد من بينهما بعد الارتياض والتزكية، والقلب الصنوبري منزل تدلى الصورة الظاهرة من بين ما ذكرنا التي هي صورة الحقيقة القلبية، ومعنى وسع ذلك للحق جل وعلا على ما في مسلك الوسط الداني كونه مظهرا جامعا للأسماء والصفات على وجه لا ينافي تنزيه الحق سبحانه من الحلول والاتحاد والتجزئة وقيام القديم بالحادث ونحو ذلك من الأمور المستحيلة عليه تعالى شأنه، هذا لكن ينبغي أن يعلم أن هذا الخبر وإن استفاض عند الصوفية قدست أسرارهم إلا أنه قد تعقبه المحدثون، فقال العراقي: لم أر له أصلا.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: هو مذكور في الإسرائيليات وليس له إسناد معروف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكأنه أشار بما في الإسرائيليات إلى ما أخرجه الإمام أحمد في الزهد عن وهب بن منبه قال: إن الله تعالى فتح السموات
سقى الله أياما لنا ولياليا | مضت فجرت من ذكرهن دموع |
فيا هل لها يوما من الدهر أوبة | وهل لي إلى أرض الحبيب رجوع |
وذكر بعض الصوفية أن العرش إشارة إلى قلب المؤمن الذي نسبة العرش المشهور إليه كنسبة الخردلة إلى الفلاة بل كنسبة القطرة إلى البحر المحيط وهو محل نظر الحق ومنصة تجليه ومهبط أمره ومنزل تدليه،
وفي إحياء العلوم لحجة الإسلام الغزالي قال الله تعالى «لم يسعني سمائي ولا أرضي ووسعني قلب عبدي المؤمن اللين الوادع»
أي الساكن المطمئن،
وفي الرشدة لصدر الدين القونوي قدس سره بلفظ «ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن التقي النقي الوادع»
وليس هذا القلب عبارة عن البضعة الصنوبرية فإنها عند كل عاقل أحقر من حيث الصورة أن تكون محل سره جل وعلا فضلا عن أن تسعه سبحانه وتكون مطمح نظره الأعلى ومستواه عز شأنه وهي وإن سميت قلبا فإنما تلك التسمية على سبيل المجاز، وتسمية (١) الصفة والحامل باسم الموصوف والمحمول بل القلب الإنساني عبارة عن الحقيقة الجامعة بين الأوصاف والشؤون الربانية وبين الخصائص والأحوال الكونية الروحانية منها والطبيعية وتلك الحقيقة تنتشئ من بين الهيئة الاجتماعية الواقعة بين الصفات والحقائق الإلهية والكونية وما يشتمل عليه هذان الأصلان من الأخلاق والصفات اللازمة وما يتولد من بينهما بعد الارتياض والتزكية، والقلب الصنوبري منزل تدلى الصورة الظاهرة من بين ما ذكرنا التي هي صورة الحقيقة القلبية، ومعنى وسع ذلك للحق جل وعلا على ما في مسلك الوسط الداني كونه مظهرا جامعا للأسماء والصفات على وجه لا ينافي تنزيه الحق سبحانه من الحلول والاتحاد والتجزئة وقيام القديم بالحادث ونحو ذلك من الأمور المستحيلة عليه تعالى شأنه، هذا لكن ينبغي أن يعلم أن هذا الخبر وإن استفاض عند الصوفية قدست أسرارهم إلا أنه قد تعقبه المحدثون، فقال العراقي: لم أر له أصلا.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: هو مذكور في الإسرائيليات وليس له إسناد معروف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكأنه أشار بما في الإسرائيليات إلى ما أخرجه الإمام أحمد في الزهد عن وهب بن منبه قال: إن الله تعالى فتح السموات
(١) قوله وتسمية الصفة والحامل باسم الموصوف والمحمول كذا بخطة:
521
لحزقيل حتى نظر إلى العرش فقال حزقيل: سبحانك ما أعظمك يا رب فقال الله تعالى: إن السموات والأرض ضعفن من أن يسعنني ووسعني قلب عبدي المؤمن الوادع اللين.
نعم لذلك ما يشهد له فقد قال العلامة الشمس ابن القيم في شفاء العليل ما نصه،
وفي المسند وغيره عن النبي صلّى الله عليه وسلّم «القلوب آنية الله تعالى في أرضه فأحبها إليه أصلبها وأرقها وأصفاها»
انتهى.
وروى الطبراني من حديث أبي عنبسة الخولاني رفعه «أن الله تعالى آنية من الأرض وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين وأحبها إليه ألينها وأرقها» وهذا الحديث وإن كان في سنده بقية بن الوليد وهو مدلس إلا أنه صرح فيه بالتحديث ويعلم من مجموع الحديثين أربع صفات للقلب الأحب إليه تعالى اللين وهو لقبول الحق والصلابة وهي لحفظه فالمراد بها صفة تجامع اللين والصفاء والرقة وهما لرؤيته، واستواؤه تعالى على العرش بصفة الرحمانية دون الرحيمية للإشارة إلى أن لكل أحد نصيبا من واسع رحمته جل وعلا وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى قيل: السر أمر كامن في القلب كمون النار في الشجر الرطب حتى تثيره الإرادة لا يطلع عليه الملك ولا الشيطان ولا تحس به النفس ولا يشعر به العقل وإلا خفي ما في باطن ذلك.
وعند بعض الصوفية السر لطيفة بين القلب والروح وهو معدن الأسرار الروحانية والخفي لطيفة بين الروح والحضرة الإلهية وهو مهبط الأنوار الربانية وتفصيل ذلك في محله. وقد استدل بعض الناس بهذه الآية على عدم مشروعية الجهر بالذكر والحق أنه مشروع بشرطه، واختلفوا في أنه هل هو أفضل من الذكر الخفي أو الذكر الخفي أفضل منه والحق فيما لم يرد نص على طلب الجهر فيه وما لم يرد نص على طلب الإخفاء فيه أنه يختلف الأفضل فيه باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمان فيكون الجهر أفضل من الإخفاء تارة والإخفاء أفضل أخرى وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى إِذْ رَأى ناراً قال الشيخ إبراهيم الكوراني عليه الرحمة في تنبيه العقول: إن تلك النار كانت مجلى الله عز وجل وتجليه سبحانه فيها مراعاة للحكمة من حيث إنها كانت مطلوب موسى عليه السّلام، واحتج على ذلك بحديث رواه عن ابن عباس رضي تعالى عنه وسنذكره إن شاء الله تعالى عند قوله تعالى فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها الآية «فاخلع نعليك» اترك الالتفات إلى الدنيا والآخرة وسر مستغرق القلب بالكلية في معرفة الله تعالى ولا تلتف إلى ما سواه سبحانه «إنك بالوادي المقدس طوى» وهو وادي قدس جلال الله تعالى وتنزه عزته عز وجل، وقيل: النعلان إشارة إلى المقدمتين اللتين يتركب منهما الدليل لأنهما يتوصل بهما العقل إلى المقصود كالنعلين يلبسهما الإنسان فيتوصل بالمشي بهما إلى مقصوده كأنه قيل: لا تلتف إلى المقدمتين ودع الاستدلال فإنك في وادي معرفة الله تعالى المفعم بآثار ألوهيته سبحانه فَاعْبُدْنِي قدم هذا الأمر للإشارة إلى عظم شرف العبودية، وثنى بقوله سبحانه وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي لأن الصلاة من أعلام العبودية ومعارج الحضرة القدسية.
وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى إيناس منه تعالى له عليه السّلام فإنه عليه السّلام دهش لما تكلم سبحانه معه بما يتعلق بالألوهية فسأله عن شيء بيده ولا يكاد يغلط فيه ليتكلم ويجيب فتزول دهشته، قيل وكذلك يعامل المؤمن بعد موته وذلك أنه إذا مات وصل إلى حضرة ذي الجلال فيعتريه ما يعتريه فيسأله عن الإيمان الذي كان بيده في الدنيا ولا يكاد يغلط فيه فإذا ذكره زال عنه ما اعتراه، وقيل: إن الله تعالى لما عرفه كمال الألوهية أراد أن يعرفه نقصان البشرية فسأله عن منافع العصا فذكر بعضها فعرفه الله تعالى أن فيها ما هو أعظم نفعا مما ذكره تنبيها على أن العقول قاصرة عن معرفة صفات الشيء الحاضر فلولا التوفيق كيف يمكنه الوصول إلى معرفة أجل الأشياء وأعظمها فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى فيه إشارة إلى ظهور أثر الجلال ولذلك خاف موسى عليه السّلام فقال سبحانه «خذها ولا تخف» فهذا
نعم لذلك ما يشهد له فقد قال العلامة الشمس ابن القيم في شفاء العليل ما نصه،
وفي المسند وغيره عن النبي صلّى الله عليه وسلّم «القلوب آنية الله تعالى في أرضه فأحبها إليه أصلبها وأرقها وأصفاها»
انتهى.
وروى الطبراني من حديث أبي عنبسة الخولاني رفعه «أن الله تعالى آنية من الأرض وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين وأحبها إليه ألينها وأرقها» وهذا الحديث وإن كان في سنده بقية بن الوليد وهو مدلس إلا أنه صرح فيه بالتحديث ويعلم من مجموع الحديثين أربع صفات للقلب الأحب إليه تعالى اللين وهو لقبول الحق والصلابة وهي لحفظه فالمراد بها صفة تجامع اللين والصفاء والرقة وهما لرؤيته، واستواؤه تعالى على العرش بصفة الرحمانية دون الرحيمية للإشارة إلى أن لكل أحد نصيبا من واسع رحمته جل وعلا وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى قيل: السر أمر كامن في القلب كمون النار في الشجر الرطب حتى تثيره الإرادة لا يطلع عليه الملك ولا الشيطان ولا تحس به النفس ولا يشعر به العقل وإلا خفي ما في باطن ذلك.
وعند بعض الصوفية السر لطيفة بين القلب والروح وهو معدن الأسرار الروحانية والخفي لطيفة بين الروح والحضرة الإلهية وهو مهبط الأنوار الربانية وتفصيل ذلك في محله. وقد استدل بعض الناس بهذه الآية على عدم مشروعية الجهر بالذكر والحق أنه مشروع بشرطه، واختلفوا في أنه هل هو أفضل من الذكر الخفي أو الذكر الخفي أفضل منه والحق فيما لم يرد نص على طلب الجهر فيه وما لم يرد نص على طلب الإخفاء فيه أنه يختلف الأفضل فيه باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمان فيكون الجهر أفضل من الإخفاء تارة والإخفاء أفضل أخرى وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى إِذْ رَأى ناراً قال الشيخ إبراهيم الكوراني عليه الرحمة في تنبيه العقول: إن تلك النار كانت مجلى الله عز وجل وتجليه سبحانه فيها مراعاة للحكمة من حيث إنها كانت مطلوب موسى عليه السّلام، واحتج على ذلك بحديث رواه عن ابن عباس رضي تعالى عنه وسنذكره إن شاء الله تعالى عند قوله تعالى فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها الآية «فاخلع نعليك» اترك الالتفات إلى الدنيا والآخرة وسر مستغرق القلب بالكلية في معرفة الله تعالى ولا تلتف إلى ما سواه سبحانه «إنك بالوادي المقدس طوى» وهو وادي قدس جلال الله تعالى وتنزه عزته عز وجل، وقيل: النعلان إشارة إلى المقدمتين اللتين يتركب منهما الدليل لأنهما يتوصل بهما العقل إلى المقصود كالنعلين يلبسهما الإنسان فيتوصل بالمشي بهما إلى مقصوده كأنه قيل: لا تلتف إلى المقدمتين ودع الاستدلال فإنك في وادي معرفة الله تعالى المفعم بآثار ألوهيته سبحانه فَاعْبُدْنِي قدم هذا الأمر للإشارة إلى عظم شرف العبودية، وثنى بقوله سبحانه وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي لأن الصلاة من أعلام العبودية ومعارج الحضرة القدسية.
وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى إيناس منه تعالى له عليه السّلام فإنه عليه السّلام دهش لما تكلم سبحانه معه بما يتعلق بالألوهية فسأله عن شيء بيده ولا يكاد يغلط فيه ليتكلم ويجيب فتزول دهشته، قيل وكذلك يعامل المؤمن بعد موته وذلك أنه إذا مات وصل إلى حضرة ذي الجلال فيعتريه ما يعتريه فيسأله عن الإيمان الذي كان بيده في الدنيا ولا يكاد يغلط فيه فإذا ذكره زال عنه ما اعتراه، وقيل: إن الله تعالى لما عرفه كمال الألوهية أراد أن يعرفه نقصان البشرية فسأله عن منافع العصا فذكر بعضها فعرفه الله تعالى أن فيها ما هو أعظم نفعا مما ذكره تنبيها على أن العقول قاصرة عن معرفة صفات الشيء الحاضر فلولا التوفيق كيف يمكنه الوصول إلى معرفة أجل الأشياء وأعظمها فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى فيه إشارة إلى ظهور أثر الجلال ولذلك خاف موسى عليه السّلام فقال سبحانه «خذها ولا تخف» فهذا
522
الخوف من كمال المعرفة لأنه لم يأمن مكر الله تعالى ولو سبق منه سبحانه الإيناس،
وفي بعض الآثار «يا موسى لا تأمن مكري حتى تجوز الصراط».
وقيل: كان خوفه من فوات المنافع المعدودة ولذا علل النهي بقوله تعالى: سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى وهذا جهل بمقام موسى عليه السّلام. وكذا ما قيل: إنه لما رأى الأمر الهائل فر حيث لم يبلغ مقام فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ [الذاريات: ٥٠] ولو بلغه لم يفر. وما قيل: أيضا لعله لما حصل له مقام المكالمة بقي في قلبه عجب فأراه الله تعالى أنه بعد في النقص الإمكاني ولم يفارق عالم البشرية وما النصر والتثبيت إلا من عند الله تعالى وحده.
وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ أراد سبحانه أن يريه آية نفسية بعد أن أراه عليه السّلام آية آفاقية كما قال سبحانه: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ وهذا من نهاية عنايته جل جلاله: وقد ذكروا في هذه القصة نكات وإشارات. منها أنه سبحانه لما أشار إلى العصا واليمين بقوله تعالى وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ حصل في كل منهما برهان باهر ومعجز قاهر فصار أحدهما وهو الجماد حيوانا والاخر وهو الكثيف نورانيا لطيفا. ثم إنه تعالى ينظر في كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة إلى قلب العبد فأي عجب أن ينقلب قلبه الجامد المظلم حيا مستنيرا، ومنها أن العصا قد استعدت بيمن موسى عليه السّلام للحياة وصارت حية فكيف لا يستعد قلب المؤمن الذي هو بين إصبعين من أصابع الرحمن للحياة ويصير حيا. ومنها إن العصا باشارة واحدة صارت بحيث ابتلعت سحر السحرة فقلب المؤمن أولى أن يصير بمدد نظر الرب في كل يوم مرات بحيث يبتلع سحر النفس الأمارة بالسوء، ومنها أن قوله تعالى أولا فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إشارة إلى التخلية وتطهير لوح الضمير من الأغيار وما بعده إشارات إلى التحلية وتحصيل ما ينبغي تحصيله. وأشار سبحانه إلى علم المبدأ بقوله تعالى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ وإلى علم الوسط بقوله عز وجل فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي وفيه إشارة إلى الأعمال الجسمانية والروحانية وإلى علم المعاد بقوله سبحانه إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ ومنها أنه تعالى افتتح الخطاب بقوله عز قائلا وَأَنَا اخْتَرْتُكَ وهو غاية اللطف وختم الكلام بقوله جل وعلا فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها- إلى- فَتَرْدى وهو قهر تنبيها على أن رحمته سبقت غضبه وأن العبد لا بد أن يكون سلوكه على قدمي الرجاء والخوف، ومنها أن موسى عليه السّلام كان في رجله شيء وهو النعل وفي يده شيء وهو العصا والرجل آلة الهرب واليد آلة الطلب فأمر بترك ما فيهما تنبيها على أن السالك ما دام في مقام الطلب والهرب كان مشتغلا بنفسه وطالبا لحظه فلا يحصل له كمال الاستغراق في بحر العرفان وفيه أن موسى عليه السّلام مع جلالة منصبه وعلو شأنه لم يمكن له الوصول إلى حضرة الجلال حتى خلع النعل وألقى العصا فأنت مع ألف وقر من المعاصي كيف يمكنك الوصول إلى جنابه وحضرته جل جلاله. واستشكلت هذه الآيات من حيث إنه تدل على أن الله تعالى خاطب موسى عليه السّلام بلا واسطة وقد خاطب نبينا صلّى الله عليه وسلّم بواسطة جبريل عليه السّلام فيلزم مزية الكليم على الحبيب عليهما الصلاة والسّلام. والجواب أنه تعالى شأنه قد خاطب نبينا صلّى الله عليه وسلّم أيضا بلا واسطة ليلة المعراج غاية ما في البال أنه تعالى خاطب موسى عليه السّلام في مبدأ رسالته بلا واسطة وخاطب حبيبه عليه الصلاة والسّلام في مبدأ رسالته بواسطة ولا يثبت بمجرد ذلك المزية على أن خطابه لحبيبه الأكرم صلّى الله عليه وسلّم بلا واسطة كان مع كشف الحجاب ورؤيته عليه الصلاة والسّلام إياه على وجه لم يحصل لموسى عليه السّلام وبذلك يجبر ما يتوهم في تأخير الخطاب بلا واسطة عن مبدأ الرسالة. وانظر إلى الفرق بين قوله تعالى عن نبينا صلّى الله عليه وسلّم ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى وقوله عن موسى عليه السّلام قالَ هِيَ عَصايَ إلخ ترى الفرق واضحا بين الحبيب والكليم مع أن لكل رتبة التكريم صلّى الله عليه وسلّم.
وذكر بعضهم أن في الآيات ما يشعر بالفرق بينهما أيضا عليهما الصلاة والسّلام من وجه آخر وذلك أن موسى
وفي بعض الآثار «يا موسى لا تأمن مكري حتى تجوز الصراط».
وقيل: كان خوفه من فوات المنافع المعدودة ولذا علل النهي بقوله تعالى: سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى وهذا جهل بمقام موسى عليه السّلام. وكذا ما قيل: إنه لما رأى الأمر الهائل فر حيث لم يبلغ مقام فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ [الذاريات: ٥٠] ولو بلغه لم يفر. وما قيل: أيضا لعله لما حصل له مقام المكالمة بقي في قلبه عجب فأراه الله تعالى أنه بعد في النقص الإمكاني ولم يفارق عالم البشرية وما النصر والتثبيت إلا من عند الله تعالى وحده.
وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ أراد سبحانه أن يريه آية نفسية بعد أن أراه عليه السّلام آية آفاقية كما قال سبحانه: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ وهذا من نهاية عنايته جل جلاله: وقد ذكروا في هذه القصة نكات وإشارات. منها أنه سبحانه لما أشار إلى العصا واليمين بقوله تعالى وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ حصل في كل منهما برهان باهر ومعجز قاهر فصار أحدهما وهو الجماد حيوانا والاخر وهو الكثيف نورانيا لطيفا. ثم إنه تعالى ينظر في كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة إلى قلب العبد فأي عجب أن ينقلب قلبه الجامد المظلم حيا مستنيرا، ومنها أن العصا قد استعدت بيمن موسى عليه السّلام للحياة وصارت حية فكيف لا يستعد قلب المؤمن الذي هو بين إصبعين من أصابع الرحمن للحياة ويصير حيا. ومنها إن العصا باشارة واحدة صارت بحيث ابتلعت سحر السحرة فقلب المؤمن أولى أن يصير بمدد نظر الرب في كل يوم مرات بحيث يبتلع سحر النفس الأمارة بالسوء، ومنها أن قوله تعالى أولا فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إشارة إلى التخلية وتطهير لوح الضمير من الأغيار وما بعده إشارات إلى التحلية وتحصيل ما ينبغي تحصيله. وأشار سبحانه إلى علم المبدأ بقوله تعالى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ وإلى علم الوسط بقوله عز وجل فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي وفيه إشارة إلى الأعمال الجسمانية والروحانية وإلى علم المعاد بقوله سبحانه إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ ومنها أنه تعالى افتتح الخطاب بقوله عز قائلا وَأَنَا اخْتَرْتُكَ وهو غاية اللطف وختم الكلام بقوله جل وعلا فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها- إلى- فَتَرْدى وهو قهر تنبيها على أن رحمته سبقت غضبه وأن العبد لا بد أن يكون سلوكه على قدمي الرجاء والخوف، ومنها أن موسى عليه السّلام كان في رجله شيء وهو النعل وفي يده شيء وهو العصا والرجل آلة الهرب واليد آلة الطلب فأمر بترك ما فيهما تنبيها على أن السالك ما دام في مقام الطلب والهرب كان مشتغلا بنفسه وطالبا لحظه فلا يحصل له كمال الاستغراق في بحر العرفان وفيه أن موسى عليه السّلام مع جلالة منصبه وعلو شأنه لم يمكن له الوصول إلى حضرة الجلال حتى خلع النعل وألقى العصا فأنت مع ألف وقر من المعاصي كيف يمكنك الوصول إلى جنابه وحضرته جل جلاله. واستشكلت هذه الآيات من حيث إنه تدل على أن الله تعالى خاطب موسى عليه السّلام بلا واسطة وقد خاطب نبينا صلّى الله عليه وسلّم بواسطة جبريل عليه السّلام فيلزم مزية الكليم على الحبيب عليهما الصلاة والسّلام. والجواب أنه تعالى شأنه قد خاطب نبينا صلّى الله عليه وسلّم أيضا بلا واسطة ليلة المعراج غاية ما في البال أنه تعالى خاطب موسى عليه السّلام في مبدأ رسالته بلا واسطة وخاطب حبيبه عليه الصلاة والسّلام في مبدأ رسالته بواسطة ولا يثبت بمجرد ذلك المزية على أن خطابه لحبيبه الأكرم صلّى الله عليه وسلّم بلا واسطة كان مع كشف الحجاب ورؤيته عليه الصلاة والسّلام إياه على وجه لم يحصل لموسى عليه السّلام وبذلك يجبر ما يتوهم في تأخير الخطاب بلا واسطة عن مبدأ الرسالة. وانظر إلى الفرق بين قوله تعالى عن نبينا صلّى الله عليه وسلّم ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى وقوله عن موسى عليه السّلام قالَ هِيَ عَصايَ إلخ ترى الفرق واضحا بين الحبيب والكليم مع أن لكل رتبة التكريم صلّى الله عليه وسلّم.
وذكر بعضهم أن في الآيات ما يشعر بالفرق بينهما أيضا عليهما الصلاة والسّلام من وجه آخر وذلك أن موسى
523
عليه السّلام كان يتوكأ على العصا والنبي صلّى الله عليه وسلّم كان يتكل على فضل الله تعالى ورحمته قائلا مع أمته وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولذا ورد في حقه حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال: ٦٤] على معنى وحسب من اتبعك.
وأيضا إنه عليه السّلام بدأ بمصالح نفسه في قوله: أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها ثم مصالح رعيته بقوله: وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي والنبي صلّى الله عليه وسلّم لم يشتغل إلا بإصلاح أمر أمته اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، فلا جرم يقول موسى عليه السّلام يوم القيامة. نفسي نفسي
والنبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أمتي أمتي»
انتهى، وهو مأخوذ من كلام الإمام بل لا فرق إلا بيسير جدا.
ولعمري إنه لا ينبغي أن يقتدى به في مثل هذا الكلام كما لا يخفى على ذوي الأفهام. وإنما نقلته لأنبه على عدم الاغترار به نعوذ بالله تعالى من الخذلان رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي لم يذكر عليه السّلام بم يشرح صدره وفيه احتمالات.
قال بعض الناس: إنه تعالى ذكر عشرة أشياء ووصفها بالنور. الأول ذاته جل شأنه اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [النور: ٣٥] الثاني الرسول صلّى الله عليه وسلّم قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ [المائدة: ١٥]، الثالث الكتاب وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ [الأعراف: ١٥٧].
الرابع الإيمان يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ [التوبة: ٣٢]. الخامس عدل الله تعالى وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها [الزمر: ٦٩]. السادس القمر وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً [نوح: ١٦]. السابع النهار وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ [الأنعام: ١].
الثامن البينات إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ [المائدة: ٤٤]، التاسع الأنبياء عليهم السّلام نُورٌ عَلى نُورٍ [النور: ٣٥]، العاشر المعرفة مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ [النور: ٣٥] فكان موسى عليه السّلام قال أولا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي بمعرفة أنوار جلال كبريائك، وثانيا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي بالتخلق بأخلاق رسلك وأنبيائك، وثالثا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي باتباع وحيك وامتثال أمرك ونهيك، ورابعا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي بنور الإيمان والإيقان بإلهيتك، وخامسا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي بالاطلاع على أسرار عدلك في قضائك وحكمك.
وسادسا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي بالانتقال من نور شمسك وقمرك إلى أنوار جلال عزتك كما فعله إبراهيم عليه السّلام، وسابعا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي من مطالعة نهارك وليلك إلى مطالعة نهار فضلك وليل قهرك، وثامنا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي بالاطلاع على مجامع آياتك ومعاقد بيناتك في أرضك وسمواتك، وتاسعا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي في أن أكون خلف صدق للأنبياء المتقدمين ومشابها لهم في الانقياد لحكم رب العالمين، وعاشرا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي بأن يجعل سراج الإيمان كالمشكاة التي فيها المصباح انتهى.
ولا يخفى ما بين أكثر ما ذكر من التلازم وإغناء بعضه عن بعض، وقال أيضا: إن شرح الصدر عبارة عن إيقاد النور في القلب حتى يصير كالسراج، ولا يخفى أن مستوقد السراج محتاج إلى سبعة أشياء زند وحجر وحراق وكبريت ومسرجة وفتيلة ودهن، فالزند زند المجاهد وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا [العنكبوت: ٦٩] والحجر حجر التضرع ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً [الأعراف: ٢٠٥] والحراق منع الهوى ونهي النفس عن الهوى والكبريت الإنابة وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ [الزمر: ٥٤] والمسرجة الصبر وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة: ٤٥] والفتيلة الشكر ولَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم: ٧] والدهن: الرضا وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ [الطور: ٤٨] أي ارض بقضائه، ثم إذا صلحت هذه الأدوات فلا تعول عليها بل ينبغي أن تطلب المقصود من حضرة ربك جل وعلا قائلا: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي
وأيضا إنه عليه السّلام بدأ بمصالح نفسه في قوله: أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها ثم مصالح رعيته بقوله: وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي والنبي صلّى الله عليه وسلّم لم يشتغل إلا بإصلاح أمر أمته اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، فلا جرم يقول موسى عليه السّلام يوم القيامة. نفسي نفسي
والنبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أمتي أمتي»
انتهى، وهو مأخوذ من كلام الإمام بل لا فرق إلا بيسير جدا.
ولعمري إنه لا ينبغي أن يقتدى به في مثل هذا الكلام كما لا يخفى على ذوي الأفهام. وإنما نقلته لأنبه على عدم الاغترار به نعوذ بالله تعالى من الخذلان رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي لم يذكر عليه السّلام بم يشرح صدره وفيه احتمالات.
قال بعض الناس: إنه تعالى ذكر عشرة أشياء ووصفها بالنور. الأول ذاته جل شأنه اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [النور: ٣٥] الثاني الرسول صلّى الله عليه وسلّم قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ [المائدة: ١٥]، الثالث الكتاب وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ [الأعراف: ١٥٧].
الرابع الإيمان يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ [التوبة: ٣٢]. الخامس عدل الله تعالى وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها [الزمر: ٦٩]. السادس القمر وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً [نوح: ١٦]. السابع النهار وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ [الأنعام: ١].
الثامن البينات إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ [المائدة: ٤٤]، التاسع الأنبياء عليهم السّلام نُورٌ عَلى نُورٍ [النور: ٣٥]، العاشر المعرفة مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ [النور: ٣٥] فكان موسى عليه السّلام قال أولا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي بمعرفة أنوار جلال كبريائك، وثانيا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي بالتخلق بأخلاق رسلك وأنبيائك، وثالثا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي باتباع وحيك وامتثال أمرك ونهيك، ورابعا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي بنور الإيمان والإيقان بإلهيتك، وخامسا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي بالاطلاع على أسرار عدلك في قضائك وحكمك.
وسادسا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي بالانتقال من نور شمسك وقمرك إلى أنوار جلال عزتك كما فعله إبراهيم عليه السّلام، وسابعا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي من مطالعة نهارك وليلك إلى مطالعة نهار فضلك وليل قهرك، وثامنا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي بالاطلاع على مجامع آياتك ومعاقد بيناتك في أرضك وسمواتك، وتاسعا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي في أن أكون خلف صدق للأنبياء المتقدمين ومشابها لهم في الانقياد لحكم رب العالمين، وعاشرا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي بأن يجعل سراج الإيمان كالمشكاة التي فيها المصباح انتهى.
ولا يخفى ما بين أكثر ما ذكر من التلازم وإغناء بعضه عن بعض، وقال أيضا: إن شرح الصدر عبارة عن إيقاد النور في القلب حتى يصير كالسراج، ولا يخفى أن مستوقد السراج محتاج إلى سبعة أشياء زند وحجر وحراق وكبريت ومسرجة وفتيلة ودهن، فالزند زند المجاهد وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا [العنكبوت: ٦٩] والحجر حجر التضرع ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً [الأعراف: ٢٠٥] والحراق منع الهوى ونهي النفس عن الهوى والكبريت الإنابة وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ [الزمر: ٥٤] والمسرجة الصبر وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة: ٤٥] والفتيلة الشكر ولَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم: ٧] والدهن: الرضا وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ [الطور: ٤٨] أي ارض بقضائه، ثم إذا صلحت هذه الأدوات فلا تعول عليها بل ينبغي أن تطلب المقصود من حضرة ربك جل وعلا قائلا: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي
524
فهنالك تسمع قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى ثم إن هذا النور الروحاني أفضل من الشمس الجسمانية لوجوه: الأول أن الشمس يحجبها الغيم وشمس المعرفة لا تحجبها السماوات السبع إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [فاطر: ١٠]. الثاني الشمس تغيب ليلا وشمس المعرفة لا تغيب ليلا إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا [المزمل: ٦] والمستغفرين بالأسحار سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا [الإسراء: ١].
الليل للعاشقين ستر... يا ليت أوقاته تدوم
الثالث الشمس تفنى إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [التكوير: ١] والمعرفة لا تفنى. أصلها ثابت وفرعها في السماء سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس: ٥٨]، الرابع الشمس إذا قابلها القمر انكسفت، وشمس المعرفة وهي «أشهد أن لا إله إلا الله» إذا لم تقرن بقمر النبوة وهي أشهد أن محمدا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يصل النور إلى عالم الجوارح، الخامس الشمس تسود الوجه والمعرفة تبيض الوجوه يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ [آل عمران: ١٠٦]، السادس الشمس تصدع والمعرفة تصعد.
السابع الشمس تحرق والمعرفة تمنع من الإحراق «جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي»، الثامن الشمس منفعتها في الدنيا والمعرفة منفعتها في الدارين فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: ٩٧] التاسع الشمس فوقانية الصورة تحتانية المعنى والمعارف الإلهية بالعكس، العاشر الشمس تقع على الولي والعدو والمعرفة لا تحصل إلا للولي، الحادي عشر الشمس تعرف أحوال الخلق والمعرفة توصل القلب إلى الخالق، ولما كان شرح الصدر الذي هو أول مراتب الروحانيات أشرف من أعلى مراتب الجسمانيات بدأ موسى عليه السّلام بطلبه قائلا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وعلامة شرح الصدر ودخول النور الإلهي فيه التجافي عن دار الغرور والرغبة في دار الخلود وشبهوا الصدر بقلعة وجعلوا الأول كالخندق لها والثاني كالسور فمتى كان الخندق عظيما والسور محكما عجز عسكر الشيطان من الهوى والكبر والعجب والبخل وسوء الظن بالله تعالى وسائر الخصال الذميمة ومتى لم يكونا كذلك دخل العسكر وحينئذ ينحصر الملك في قصر القلب ويضيق الأمر عليه.
وفرقوا بين الصدر والقلب والفؤاد واللب بأن الصدر مقر الإسلام أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ [الزمر: ٢٢] والقلب مقر الإيمان حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات: ٧] أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ [المجادلة: ٢٢] والفؤاد مقر المشاهدة ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى [النجم: ١١] واللب مقام التوحيد إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ [الرعد: ١٩، الزمر: ٩] أي الذين خرجوا من قشر الوجود المجازي وبقوا بلب الوجود الحقيقي وإنما سأل موسى عليه السّلام شرح الصدر دون القلب لأن انشراح الصدر يستلزم انشراح القلب دون العكس، وأيضا شرح الصدر كالمقدمة لشرح القلب والحر تكفيه الإشارة، فإذا علم المولى سبحانه أنه طالب للمقدمة فلا يليق بكرمه أن يمنعه النتيجة. وأيضا أنه عليه السّلام راعى الأدب في الطلب فاقتصر على طلب الأدنى فلا جرم أعطى المقصود فقيل: قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى ولما اجترأ في طلب الرؤية، قيل له: لَنْ تَرانِي [الأعراف: ١٤٣]، ولا يخفى ما بين قول موسى عليه السّلام لربه عز وجل رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وقول الرب لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح: ١] ويعلم منه أن الكليم عليه السّلام مريد والحبيب صلّى الله عليه وسلّم مراد والفرق مثل الصبح ظاهر.
ويزيد الفرق ظهورا أن موسى عليه السّلام في الحضرة الإلهية طلب لنفسه ونبينا صلّى الله عليه وسلّم حين قيل له هناك السّلام عليك أيها النبي قال: السّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وقد أطال الإمام الكلام في هذه الآية بما هو من هذا
الليل للعاشقين ستر... يا ليت أوقاته تدوم
الثالث الشمس تفنى إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [التكوير: ١] والمعرفة لا تفنى. أصلها ثابت وفرعها في السماء سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس: ٥٨]، الرابع الشمس إذا قابلها القمر انكسفت، وشمس المعرفة وهي «أشهد أن لا إله إلا الله» إذا لم تقرن بقمر النبوة وهي أشهد أن محمدا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يصل النور إلى عالم الجوارح، الخامس الشمس تسود الوجه والمعرفة تبيض الوجوه يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ [آل عمران: ١٠٦]، السادس الشمس تصدع والمعرفة تصعد.
السابع الشمس تحرق والمعرفة تمنع من الإحراق «جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي»، الثامن الشمس منفعتها في الدنيا والمعرفة منفعتها في الدارين فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: ٩٧] التاسع الشمس فوقانية الصورة تحتانية المعنى والمعارف الإلهية بالعكس، العاشر الشمس تقع على الولي والعدو والمعرفة لا تحصل إلا للولي، الحادي عشر الشمس تعرف أحوال الخلق والمعرفة توصل القلب إلى الخالق، ولما كان شرح الصدر الذي هو أول مراتب الروحانيات أشرف من أعلى مراتب الجسمانيات بدأ موسى عليه السّلام بطلبه قائلا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وعلامة شرح الصدر ودخول النور الإلهي فيه التجافي عن دار الغرور والرغبة في دار الخلود وشبهوا الصدر بقلعة وجعلوا الأول كالخندق لها والثاني كالسور فمتى كان الخندق عظيما والسور محكما عجز عسكر الشيطان من الهوى والكبر والعجب والبخل وسوء الظن بالله تعالى وسائر الخصال الذميمة ومتى لم يكونا كذلك دخل العسكر وحينئذ ينحصر الملك في قصر القلب ويضيق الأمر عليه.
وفرقوا بين الصدر والقلب والفؤاد واللب بأن الصدر مقر الإسلام أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ [الزمر: ٢٢] والقلب مقر الإيمان حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات: ٧] أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ [المجادلة: ٢٢] والفؤاد مقر المشاهدة ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى [النجم: ١١] واللب مقام التوحيد إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ [الرعد: ١٩، الزمر: ٩] أي الذين خرجوا من قشر الوجود المجازي وبقوا بلب الوجود الحقيقي وإنما سأل موسى عليه السّلام شرح الصدر دون القلب لأن انشراح الصدر يستلزم انشراح القلب دون العكس، وأيضا شرح الصدر كالمقدمة لشرح القلب والحر تكفيه الإشارة، فإذا علم المولى سبحانه أنه طالب للمقدمة فلا يليق بكرمه أن يمنعه النتيجة. وأيضا أنه عليه السّلام راعى الأدب في الطلب فاقتصر على طلب الأدنى فلا جرم أعطى المقصود فقيل: قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى ولما اجترأ في طلب الرؤية، قيل له: لَنْ تَرانِي [الأعراف: ١٤٣]، ولا يخفى ما بين قول موسى عليه السّلام لربه عز وجل رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وقول الرب لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح: ١] ويعلم منه أن الكليم عليه السّلام مريد والحبيب صلّى الله عليه وسلّم مراد والفرق مثل الصبح ظاهر.
ويزيد الفرق ظهورا أن موسى عليه السّلام في الحضرة الإلهية طلب لنفسه ونبينا صلّى الله عليه وسلّم حين قيل له هناك السّلام عليك أيها النبي قال: السّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وقد أطال الإمام الكلام في هذه الآية بما هو من هذا
525
النمط فارجع إليه إن أردته وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي كأنه عليه السّلام طلب قدرة التعبير عن الحقائق الإلهية بعبارة واضحة فإن المطلب وعر لا يكاد توجد له عبارة تسهله حتى يأمن سامعه عن العثار. ولذا ترى كثيرا من الناس ضلوا بعبارات بعض الأكابر من الصوفية في شرح الأسرار الإلهية، وقيل: إنه عليه السّلام سأل حل عقدة الحياء فإنه استحيا أن يخاطب عدو الله تعالى بلسان به خاطب الحق جل وعلا. ولعله أراد من القول المضاف القول الذي به إرشاد للعباد فإن همة العارفين لا تطلب النطق والمكالمة مع الناس فيما لا يحصل به إرشاد لهم نعم النطق من حيث هو فضيلة عظيمة وموهبة جسيمة ولهذا قال سبحانه الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ [الرحمن: ١- ٤] من غير توسيط عاطف.
وعن علي كرم الله تعالى وجهه ما الإنسان لولا اللسان إلا صورة مصورة أو بهيمة مهملة
وقال رضي الله تعالى عنه: المرء مخبوء تحت طي لسانه لا طيلسانه
وقال رضي الله تعالى عنه: المرء بأصغريه قلبه ولسانه،
وقال زهير:
ومن الناس من مدح الصمت لأنه أسلم:
وفي نوابغ الكلم ق فاك لا يقرع قفاك. والإنصاف أن الصمت في نفسه ليس بفضيلة لأنه أمر عدمي والمنطق في نفسه فضيلة لكن قد يصير رذيلة لأسباب عرضية، فالحق ما أشار إليه صلّى الله عليه وسلّم
بقوله: «رحم الله تعالى امرأ قال خيرا فغنم أو سكت فسلم»
. وذكر في وجه عدم طلبه عليه السّلام الفصاحة الكاملة أنها نصيب الحبيب عليه الصلاة والسّلام، فقد كان صلّى الله عليه وسلّم أفصح من نطق بالضاد فما كان له أن يطلب ما كان له وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي فيه إشارة إلى فضيلة التعاون في الدين فإنه من أخلاق المرسلين عليهم صلوات الله تعالى وسلامه أجمعين، والوزارة المتعارفة بين الناس ممدوحة إن زرع الوزير في أرضها ما لا يندم عليه وقت حصاده بين يدي ملك الملوك وفيه إشارة إلى فضيلة التوسط بالخير للمستحقين لا سيما إذا كانوا من ذوي القرابة.
ومن منع المستوجبين فقد ظلم وفي تقديم موسى عليه السّلام مع أنه أصغر سنا على هارون عليه السّلام مع أنه الأكبر دليل على أن الفضل غير تابع للسن فالله تعالى يختص بفضله من يشاء «إنك كنت بنا بصيرا» في ختم الأدعية بذلك من حسن الأدب مع الله تعالى ما لا يخفى، وهو من أحسن الوسائل عند الله عز وجل. ومن آثار ذلك استجابة الدعاء وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى تذكير له عليه السّلام بما يزيد إيقانه، وفيه إشارة إلى أنه تعالى لا يرد بعد القبول ولا يحرم بعد الإحسان، ومن هنا قيل: إذا دخل الإيمان القلب أمن السلب وما رجع من رجع الا من الطريق وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي أفردتك لي بالتجريد فلا يشغلك عني شيء فلبثت سنين في أهل مدين أشير بذلك إلى خدمته لشعيب عليه السّلام وذلك تربية منه تعالى له بصحبة المرسلين ليكون متخلقا بأخلاقهم متحليا بآدابهم صالحا للحضرة. ولصحبة الأخيار نفع عظيم عند الصوفية وبعكس ذلك صحبة الأشرار ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى وذلك زمان كمال الاستعداد ووقت بعثة الأنبياء عليهم السّلام وهو زمن بلوغهم أربعين سنة، ومن بلغ الأربعين ولم يغلب خيره على شره فلينح على نفسه وليتجهز إلى النار اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى جاوز الحد في المعصية حتى ادعى الربوبية وذلك إثر سكر القهر الذي هو وصف النفس الأمارة ويقابله سكر اللطف وهو وصف الروح ومنه ينشأ الشطح ودعوى الأنانية قالوا: وصاحبه معذور وإلا لم يكن فرق بين الحلاج مثلا وفرعون. وأهل الغيرة بالله تعالى
وعن علي كرم الله تعالى وجهه ما الإنسان لولا اللسان إلا صورة مصورة أو بهيمة مهملة
وقال رضي الله تعالى عنه: المرء مخبوء تحت طي لسانه لا طيلسانه
وقال رضي الله تعالى عنه: المرء بأصغريه قلبه ولسانه،
وقال زهير:
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده | فلم يبق إلا صورة اللحم والدم |
يموت الفتى من عثرة بلسانه | وليس يموت المرء من عثرة الرجل |
بقوله: «رحم الله تعالى امرأ قال خيرا فغنم أو سكت فسلم»
. وذكر في وجه عدم طلبه عليه السّلام الفصاحة الكاملة أنها نصيب الحبيب عليه الصلاة والسّلام، فقد كان صلّى الله عليه وسلّم أفصح من نطق بالضاد فما كان له أن يطلب ما كان له وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي فيه إشارة إلى فضيلة التعاون في الدين فإنه من أخلاق المرسلين عليهم صلوات الله تعالى وسلامه أجمعين، والوزارة المتعارفة بين الناس ممدوحة إن زرع الوزير في أرضها ما لا يندم عليه وقت حصاده بين يدي ملك الملوك وفيه إشارة إلى فضيلة التوسط بالخير للمستحقين لا سيما إذا كانوا من ذوي القرابة.
ومن منع المستوجبين فقد ظلم وفي تقديم موسى عليه السّلام مع أنه أصغر سنا على هارون عليه السّلام مع أنه الأكبر دليل على أن الفضل غير تابع للسن فالله تعالى يختص بفضله من يشاء «إنك كنت بنا بصيرا» في ختم الأدعية بذلك من حسن الأدب مع الله تعالى ما لا يخفى، وهو من أحسن الوسائل عند الله عز وجل. ومن آثار ذلك استجابة الدعاء وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى تذكير له عليه السّلام بما يزيد إيقانه، وفيه إشارة إلى أنه تعالى لا يرد بعد القبول ولا يحرم بعد الإحسان، ومن هنا قيل: إذا دخل الإيمان القلب أمن السلب وما رجع من رجع الا من الطريق وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي أفردتك لي بالتجريد فلا يشغلك عني شيء فلبثت سنين في أهل مدين أشير بذلك إلى خدمته لشعيب عليه السّلام وذلك تربية منه تعالى له بصحبة المرسلين ليكون متخلقا بأخلاقهم متحليا بآدابهم صالحا للحضرة. ولصحبة الأخيار نفع عظيم عند الصوفية وبعكس ذلك صحبة الأشرار ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى وذلك زمان كمال الاستعداد ووقت بعثة الأنبياء عليهم السّلام وهو زمن بلوغهم أربعين سنة، ومن بلغ الأربعين ولم يغلب خيره على شره فلينح على نفسه وليتجهز إلى النار اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى جاوز الحد في المعصية حتى ادعى الربوبية وذلك إثر سكر القهر الذي هو وصف النفس الأمارة ويقابله سكر اللطف وهو وصف الروح ومنه ينشأ الشطح ودعوى الأنانية قالوا: وصاحبه معذور وإلا لم يكن فرق بين الحلاج مثلا وفرعون. وأهل الغيرة بالله تعالى
526
يقولون: لا فرق فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى فيه إشارة إلى تعليم كيفية الإرشاد، وقال النهرجوري: إن الأمر بذلك لأنه أحسن إلى موسى عليه السّلام في ابتداء الأمر ولم يكافئه مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى إشارة إلى الهياكل وأقفاص بلابل الأرواح وإلا فالأرواح أنفسها من عالم الملكوت، وقد أشرقت على هذه الأشباح وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها [الزمر: ٦٩] والله تعالى أعلم.
وقد تأول بعض أهل التأويل هذه القصة والآيات على ما في الأنفس وهو مشرب قد تركناه إلا قليلا. والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل وَلَقَدْ أَرَيْناهُ حكاية أخرى إجمالية لما جرى بين موسى عليه السّلام وفرعون عليه اللعنة.
وتصديرها بالقسم لإبراز كمال العناية بمضمونها. والإراءة من الرؤية البصرية المتعدية إلى مفعول واحد وقد تعدت إلى ثان بالهمزة أو من الرؤية القلبية بمعنى المعرفة وهي أيضا متعدية إلى مفعول واحد بنفسها وإلى آخر بالهمزة، ولا يجوز أن تكون من الرؤية بمعنى العلم المتعدي إلى اثنين بنفسه وإلى ثالث بالهمزة لما يلزمه من حذف المفعول الثالث من الإعلام وهو غير جائز.
وإسناد الإراءة إلى ضمير العظمة نظرا إلى الحقيقة لا إلى موسى عليه السّلام نظرا إلى الظاهر لتهويل أمر الآيات وتفخيم شأنها وإظهار كمال شناعة اللعين وتماديه في الطغيان. وهذا الإسناد يقوي كون ما تقدم من قوله تعالى الَّذِي إلخ من كلامه عز وجل أي بالله لقد بصرنا فرعون أو عرفناه آياتِنا حين قال لموسى عليه السّلام: إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين.
وصيغة الجمع مع كونهما اثنتين إما لأن إطلاق الجمع على الاثنين شائع على ما قيل أو باعتبار ما في تضاعيفهما من بدائع الأمور التي كل منها آية بينة لقوم يعقلون وقد ظهر عند فرعون أمور أخر كل منها داهية دهياء. فإنه روي أنه عليه السّلام لما ألقاها انقلبت ثعبانا أشعر فاغرا فاه بين لحييه ثمانون ذراعا وضع لحيه الأسفل على الأرض والأعلى على سور القصر فتوجه نحو فرعون فهرب وأحدث فانهزم الناس مزدحمين فمات منهم خمسة وعشرون ألفا من قومه فصاح فرعون يا موسى أنشدك بالذي أرسلك إلا أخذته فأخذه فعاد عصا. وقد تقدم نحوه عن وهب بن منبه، وروي أنها انقلبت حية ارتفعت في السماء قدر ميل ثم انحطت مقبلة نحو فرعون وجعلت تقول: يا موسى مرني بما شئت ويقول فرعون: أنشدك إلخ ونزع يده من جيبه فإذا هي بيضاء للناظرين بياضا نورانيا خارجا عن حدود العادات قد غلب شعاعه شعاع الشمس يجتمع عليه النظارة تعجبا من أمره ففي تضاعيف كل من الآيتين آيات جمة لكنها لما كانت غير مذكورة صريحا أكدت بقوله تعالى كُلَّها كأنه قيل: أريناه آياتنا بجميع مستتبعاتها وتفاصيلها قصد إلى بيان أنه لم ييق في ذلك عذر ما. والإضافة على ما قرر للعهد. وأدرج بعضهم فيها حل العقدة كما أدرجه فيها في قوله تعالى اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وقيل: المراد بها آيات موسى عليه السّلام التسع كما روي عن ابن عباس فيما تقدم والإضافة للعهد أيضا. وفيه أن أكثرها إنما ظهر على يده عليه السّلام بعد ما غلب السحرة على مهل في نحو من عشرين سنة. ولا ريب في أن أمر السحرة مترقب بعد، وعد بعضهم منها ما جعل لإهلاكهم لا لإرشادهم إلى الإيمان من فلق البحر وما ظهر من بعد مهلكه من الآيات الظاهرة لبني إسرائيل من نتق الجبل والحجر الذي انفجرت منه العيون. وعد آخرون منها الآيات الظاهرة على أيدي الأنبياء عليهم السّلام وحملوا الإضافة على استغراق الإفراد. وبنى الفريقان ذلك على أنه عليه السّلام قد حكى جميع ما ذكر لفرعون وتلك الحكاية في حكم الإظهار والإراءة لاستحالة الكذب عليه عليه السّلام. ولا يخفى أن حكايته عليه السّلام تلك الآيات مما لم يجر لها ذكر هاهنا مع أن ما سيأتي إن شاء الله تعالى من حمل ما أظهره عليه السّلام على السحر والتصدي للمعارضة بالمثل مما يبعد ذلك جدا. وأبعد من ذلك كله
وقد تأول بعض أهل التأويل هذه القصة والآيات على ما في الأنفس وهو مشرب قد تركناه إلا قليلا. والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل وَلَقَدْ أَرَيْناهُ حكاية أخرى إجمالية لما جرى بين موسى عليه السّلام وفرعون عليه اللعنة.
وتصديرها بالقسم لإبراز كمال العناية بمضمونها. والإراءة من الرؤية البصرية المتعدية إلى مفعول واحد وقد تعدت إلى ثان بالهمزة أو من الرؤية القلبية بمعنى المعرفة وهي أيضا متعدية إلى مفعول واحد بنفسها وإلى آخر بالهمزة، ولا يجوز أن تكون من الرؤية بمعنى العلم المتعدي إلى اثنين بنفسه وإلى ثالث بالهمزة لما يلزمه من حذف المفعول الثالث من الإعلام وهو غير جائز.
وإسناد الإراءة إلى ضمير العظمة نظرا إلى الحقيقة لا إلى موسى عليه السّلام نظرا إلى الظاهر لتهويل أمر الآيات وتفخيم شأنها وإظهار كمال شناعة اللعين وتماديه في الطغيان. وهذا الإسناد يقوي كون ما تقدم من قوله تعالى الَّذِي إلخ من كلامه عز وجل أي بالله لقد بصرنا فرعون أو عرفناه آياتِنا حين قال لموسى عليه السّلام: إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين.
وصيغة الجمع مع كونهما اثنتين إما لأن إطلاق الجمع على الاثنين شائع على ما قيل أو باعتبار ما في تضاعيفهما من بدائع الأمور التي كل منها آية بينة لقوم يعقلون وقد ظهر عند فرعون أمور أخر كل منها داهية دهياء. فإنه روي أنه عليه السّلام لما ألقاها انقلبت ثعبانا أشعر فاغرا فاه بين لحييه ثمانون ذراعا وضع لحيه الأسفل على الأرض والأعلى على سور القصر فتوجه نحو فرعون فهرب وأحدث فانهزم الناس مزدحمين فمات منهم خمسة وعشرون ألفا من قومه فصاح فرعون يا موسى أنشدك بالذي أرسلك إلا أخذته فأخذه فعاد عصا. وقد تقدم نحوه عن وهب بن منبه، وروي أنها انقلبت حية ارتفعت في السماء قدر ميل ثم انحطت مقبلة نحو فرعون وجعلت تقول: يا موسى مرني بما شئت ويقول فرعون: أنشدك إلخ ونزع يده من جيبه فإذا هي بيضاء للناظرين بياضا نورانيا خارجا عن حدود العادات قد غلب شعاعه شعاع الشمس يجتمع عليه النظارة تعجبا من أمره ففي تضاعيف كل من الآيتين آيات جمة لكنها لما كانت غير مذكورة صريحا أكدت بقوله تعالى كُلَّها كأنه قيل: أريناه آياتنا بجميع مستتبعاتها وتفاصيلها قصد إلى بيان أنه لم ييق في ذلك عذر ما. والإضافة على ما قرر للعهد. وأدرج بعضهم فيها حل العقدة كما أدرجه فيها في قوله تعالى اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وقيل: المراد بها آيات موسى عليه السّلام التسع كما روي عن ابن عباس فيما تقدم والإضافة للعهد أيضا. وفيه أن أكثرها إنما ظهر على يده عليه السّلام بعد ما غلب السحرة على مهل في نحو من عشرين سنة. ولا ريب في أن أمر السحرة مترقب بعد، وعد بعضهم منها ما جعل لإهلاكهم لا لإرشادهم إلى الإيمان من فلق البحر وما ظهر من بعد مهلكه من الآيات الظاهرة لبني إسرائيل من نتق الجبل والحجر الذي انفجرت منه العيون. وعد آخرون منها الآيات الظاهرة على أيدي الأنبياء عليهم السّلام وحملوا الإضافة على استغراق الإفراد. وبنى الفريقان ذلك على أنه عليه السّلام قد حكى جميع ما ذكر لفرعون وتلك الحكاية في حكم الإظهار والإراءة لاستحالة الكذب عليه عليه السّلام. ولا يخفى أن حكايته عليه السّلام تلك الآيات مما لم يجر لها ذكر هاهنا مع أن ما سيأتي إن شاء الله تعالى من حمل ما أظهره عليه السّلام على السحر والتصدي للمعارضة بالمثل مما يبعد ذلك جدا. وأبعد من ذلك كله
527
إدراج ما فصله عليه السّلام من أفعاله تعالى الدالة على اختصاصه سبحانه بالربوبية وأحكامها في الآيات، وقيل: الإضافة لاستغراق الأنواع و «كل» تأكيد له أي أريناه أنواع آياتنا كلها، والمراد بالآيات المعجزات وأنواعها وهي كما قال السخاوي: ترجع إلى إيجاد معدوم أو إعدام موجود أو تغييره مع بقائه وقد أري اللعين جميع ذلك في العصا واليد وفي الانحصار نظر ومع الإغماض عنه لا يخلو ذلك عن بعد، وزعمت الكشفية أن المراد من الآيات علي كرم الله تعالى وجهه أظهره الله تعالى لفرعون راكبا على فرس وذكروا من صفتها ما ذكروا. والجمع كما في قوله تعالى آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ [آل عمران: ٩٧] وظهور بطلانه يغني عن التعرض لرده.
والفاء في قوله تعالى فَكَذَّبَ للتعقيب والمفعول محذوف أي فكذب الآيات أو موسى عليه السّلام من غير تردد وتأخير وَأَبى أي قبول الآيات أو الحق أو الإيمان والطاعة أي امتنع عن ذلك غاية الامتناع وكان تكذيبه وإباؤه عند الأكثرين جحودا واستكبارا وهو الأوفق بالذم. ومن فسر أرينا بعرفنا وقدر مضافا أي صحة آياتنا وقال: إن التعريف يوجب حصول المعرفة قال بذلك لا محالة.
وقوله تعالى قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى استئناف مبين لكيفية تكذيبه وإبائه. والهمزة لإنكار الواقع واستقباحه، وزعم أنه أمر محال والمجيء إما على حقيقته أو بمعنى الإقبال على الأمر والتصدي له أي أجئتنا من مكانك الذي كنت فيه بعد ما غبت عنا أو أقبلت علينا لتخرجنا من مصر بما أظهرته من السحر وهذا مما لا يصدر عن عاقل لكونه من باب محاولة المحال، وإنما قال ذلك ليحمل قومه على غاية المقت لموسى عليه السّلام بإبراز أن مراده ليس مجرد إنجاء بني إسرائيل من أيديهم بل إخراج القبط من وطنهم وحيازة أموالهم وأملاكهم بالكلية حتى لا يتوجه إلى اتباعه أحد ويبالغوا في المدافعة والمخاصمة إذ الإخراج من الوطن أخو القتل كما يرشد إلى ذلك قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ [النساء: ٦٦] وسمي ما أظهره الله تعالى من المعجزة الباهرة سحرا لتجسيرهم على المقابلة. ثم ادعى أنه يعارضه بمثله فقال فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها واللام واقعة في جواب قسم محذوف كأنه قيل: إذا كان كذلك فو الله لنأتينك بسحر مثل سحرك فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً أي وعدا على أنه مصدر ميمي وليس باسم زمان ولا مكان لأن الظاهر أن قوله تعالى لا نُخْلِفُهُ صفة له والضمير المنصوب عائد إليه. ومتى كان زمانا أو مكانا لزم تعلق الأخلاف بالزمان أو المكان وهو إنما يتعلق بالوعد يقال: أخلف وعده لا زمان وعده ولا مكانه أي لا نخلف ذلك الوعد نَحْنُ وَلا أَنْتَ وإنما فوض اللعين أمر الوعد إلى موسى عليه السّلام للاحتراز عن نسبته إلى ضعف القلب وضيق الحال وإظهار الجلادة وإراءة أنه متمكن من تهيئة أسباب المعارضة وترتيب آلات المغالبة طال الأمد أم قصر كما أن تقديم ضميره على ضمير موسى عليه السّلام وتوسيط كلمة النفي بينهما للإيذان بمسارعته إلى عدم الأخلاف وإن عدم إخلافه لا يوجب عدم إخلافه عليه السّلام ولذلك أكد النفي بتكرير حرفه.
وقرأ أبو جعفر وشيبة «لا نخلفه» بالجزم على أنه جواب للأمر أي إن جعلت ذلك لا نخلفه مَكاناً سُوىً أي منصفا بيننا وبينك كما روي عن مجاهد. وقتادة أي محلا واقعا على نصف المسافة بيننا سواء بسواء. وهذا معنى قول أبي على قربه منكم كقربه منا، وعلى ذلك قول الشاعر:
أو محل نصف أي عدل كما روي عن السدي لأن المكان إذا لم يترجح قربه من جانب على آخر كان معدلا بين الجانبين. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد أنه قال: أي مكانا مستويا من الأرض لا وعر فيه ولا جبل ولا أكمة ولا
والفاء في قوله تعالى فَكَذَّبَ للتعقيب والمفعول محذوف أي فكذب الآيات أو موسى عليه السّلام من غير تردد وتأخير وَأَبى أي قبول الآيات أو الحق أو الإيمان والطاعة أي امتنع عن ذلك غاية الامتناع وكان تكذيبه وإباؤه عند الأكثرين جحودا واستكبارا وهو الأوفق بالذم. ومن فسر أرينا بعرفنا وقدر مضافا أي صحة آياتنا وقال: إن التعريف يوجب حصول المعرفة قال بذلك لا محالة.
وقوله تعالى قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى استئناف مبين لكيفية تكذيبه وإبائه. والهمزة لإنكار الواقع واستقباحه، وزعم أنه أمر محال والمجيء إما على حقيقته أو بمعنى الإقبال على الأمر والتصدي له أي أجئتنا من مكانك الذي كنت فيه بعد ما غبت عنا أو أقبلت علينا لتخرجنا من مصر بما أظهرته من السحر وهذا مما لا يصدر عن عاقل لكونه من باب محاولة المحال، وإنما قال ذلك ليحمل قومه على غاية المقت لموسى عليه السّلام بإبراز أن مراده ليس مجرد إنجاء بني إسرائيل من أيديهم بل إخراج القبط من وطنهم وحيازة أموالهم وأملاكهم بالكلية حتى لا يتوجه إلى اتباعه أحد ويبالغوا في المدافعة والمخاصمة إذ الإخراج من الوطن أخو القتل كما يرشد إلى ذلك قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ [النساء: ٦٦] وسمي ما أظهره الله تعالى من المعجزة الباهرة سحرا لتجسيرهم على المقابلة. ثم ادعى أنه يعارضه بمثله فقال فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها واللام واقعة في جواب قسم محذوف كأنه قيل: إذا كان كذلك فو الله لنأتينك بسحر مثل سحرك فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً أي وعدا على أنه مصدر ميمي وليس باسم زمان ولا مكان لأن الظاهر أن قوله تعالى لا نُخْلِفُهُ صفة له والضمير المنصوب عائد إليه. ومتى كان زمانا أو مكانا لزم تعلق الأخلاف بالزمان أو المكان وهو إنما يتعلق بالوعد يقال: أخلف وعده لا زمان وعده ولا مكانه أي لا نخلف ذلك الوعد نَحْنُ وَلا أَنْتَ وإنما فوض اللعين أمر الوعد إلى موسى عليه السّلام للاحتراز عن نسبته إلى ضعف القلب وضيق الحال وإظهار الجلادة وإراءة أنه متمكن من تهيئة أسباب المعارضة وترتيب آلات المغالبة طال الأمد أم قصر كما أن تقديم ضميره على ضمير موسى عليه السّلام وتوسيط كلمة النفي بينهما للإيذان بمسارعته إلى عدم الأخلاف وإن عدم إخلافه لا يوجب عدم إخلافه عليه السّلام ولذلك أكد النفي بتكرير حرفه.
وقرأ أبو جعفر وشيبة «لا نخلفه» بالجزم على أنه جواب للأمر أي إن جعلت ذلك لا نخلفه مَكاناً سُوىً أي منصفا بيننا وبينك كما روي عن مجاهد. وقتادة أي محلا واقعا على نصف المسافة بيننا سواء بسواء. وهذا معنى قول أبي على قربه منكم كقربه منا، وعلى ذلك قول الشاعر:
وان أبانا كان حل بأهله | سوى بين قيس قيس عيلان والفزر |
528
ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ
ﰺ
ﮮﮯﮰﮱﯓﯔ
ﰻ
ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ
ﰼ
ﯧﯨﯩﯪﯫ
ﰽ
ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ
ﰾ
ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ
ﰿ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ
ﱀ
ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ
ﱁ
ﭫﭬﭭﭮﭯ
ﱂ
ﭱﭲﭳﭴﭵﭶ
ﱃ
ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ
ﱄ
ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ
ﱅ
ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ
ﱆ
ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ
ﱇ
ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ
ﱈ
ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ
ﱉ
ﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏ
ﱊ
ﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛﰜﰝ
ﱋ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ
ﱌ
مطمئن بحيث يستر الحاضرين فيه بعضهم عن بعض ومراده مكانا يتبين الواقفون فيه ولا يكون فيه ما يستر أحدا منهم ليرى كل ما يصدر منك ومن السحرة. وفيه من إظهار الجلادة وقوة الوثوق بالغلبة ما فيه، وهذا المعنى عندي حسن جدا وإليه ذهب جماعة، وقيل: المعنى مكانا تستوي حالنا فيه وتكون المنازل فيه واحدة لا تعتبر فيه رئاسة ولا تؤدى سياسة بل يتحد هناك الرئيس والمرءوس والسائس والمسوس ولا يخلو عن حسن، وربما يرجع إلى معنى منصفا أي محل نصف وعدل.
وقيل: سُوىً بمعنى غير والمراد مكانا غير هذا المكان وليس بشيء لأن سوى بهذا المعنى لا تستعمل إلا مضافة لفظا ولا تقطع عن الإضافة، وانتصاب مَكاناً على أنه مفعول به لفعل مقدر يدل عليه مَوْعِداً أي عد مكانا لا لموعدا لأنه كما قال ابن الحاجب: مصدر قد وصف والمنصوب بالمصدر من تتمته ولا يوصف الشيء إلا بعد تمامه فكان كوصف الموصول قبل تمام صلته وهو غير سائغ.
وعن بعض النحاة أنه يجوز وصف المصدر قبل العمل مطلقا وهو ضعيف، وقال ابن عطية: يجوز وصفه قبل العمل إذا كان المعمول ظرفا لتوسعهم فيه ما لم يتوسعوا في غيره، ومن هنا جوز بعضهم أن يكون مَكاناً منصوبا على الظرفية بموعدا. ورد بأن شرط النصب على الظرفية مفقود فيه، فقد قال الرضي: يشترط في نصب مَكاناً على الظرفية أن يكون في عامله معنى الاستقرار في الظرف كقمت وقعدت وتحركت مكانك فلا يجوز نحو كتبت الكتابة مكانك وقتلته وشتمته مكانك، وتعقب بأن ما ذكره الرضي غير مسل إذ لا مانع من قولك لمن أراد التقرب منك ليكلمك: تكلم مكانك، نعم لا يطرد حسن ذلك في كل مكان، ويجوز أن يكون ظرفا لقوله تعالى: لا نُخْلِفُهُ على أنه مضمن معنى المجيء أو الإتيان، وجوز أن يكون ظرفا لمحذوف وقع حالا من فاعل نُخْلِفُهُ ويقدر كونا خاصا لظهور القرينة أي آتين أو جائين مكانا.
وقرأ أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو «سوى» بكسر السين والتنوين وصلا، وقرأ باقي السبعة بالضم والتنوين كذلك، ووقف أبو بكر وحمزة والكسائي بالإمالة وورش وأبو عمرو بين بين.
وقرأ الحسن في رواية كباقي السبعة إلا أنه لم ينون وقفا ووصلا، وقرأ عيسى كالأولين إلا أنه لم ينون وقفا ووصلا أيضا، ووجه عدم التنوين في الوصل إجراؤه مجرى الوقف في حذف التنوين والضم والكسر كما قال محيي السنة. وغيره لغتان في سوى مثل عدي وعدى.
وذكر بعض أهل اللغة أن فعلا بكسر الفاء مختص بالأسماء الجامدة كعنب ولم يأت منه في الصفة إلا عدا جمع عدو، وزاد الزمخشري سوى. وغيره روى بمعنى مرو، وقال الأخفش: سوى مقصور إن كسرت سينه أو ضممت وممدود إن فتحت ففيه ثلاث لغات ويكون فيها جميعا بمعنى غير وبمعنى عدل ووسط بين الفريقين، وأعلى اللغات على ما قال النحاس سوى بالكسر قالَ أي موسى عليه السّلام، قال في البحر: وأبعد من قال إن القائل فرعون ولعمري إنه لا ينبغي أن يلتفت إليه، وكأن الذي اضطر قائله الخبر السابق عن وهب بن منبه فليتذكر
وقيل: سُوىً بمعنى غير والمراد مكانا غير هذا المكان وليس بشيء لأن سوى بهذا المعنى لا تستعمل إلا مضافة لفظا ولا تقطع عن الإضافة، وانتصاب مَكاناً على أنه مفعول به لفعل مقدر يدل عليه مَوْعِداً أي عد مكانا لا لموعدا لأنه كما قال ابن الحاجب: مصدر قد وصف والمنصوب بالمصدر من تتمته ولا يوصف الشيء إلا بعد تمامه فكان كوصف الموصول قبل تمام صلته وهو غير سائغ.
وعن بعض النحاة أنه يجوز وصف المصدر قبل العمل مطلقا وهو ضعيف، وقال ابن عطية: يجوز وصفه قبل العمل إذا كان المعمول ظرفا لتوسعهم فيه ما لم يتوسعوا في غيره، ومن هنا جوز بعضهم أن يكون مَكاناً منصوبا على الظرفية بموعدا. ورد بأن شرط النصب على الظرفية مفقود فيه، فقد قال الرضي: يشترط في نصب مَكاناً على الظرفية أن يكون في عامله معنى الاستقرار في الظرف كقمت وقعدت وتحركت مكانك فلا يجوز نحو كتبت الكتابة مكانك وقتلته وشتمته مكانك، وتعقب بأن ما ذكره الرضي غير مسل إذ لا مانع من قولك لمن أراد التقرب منك ليكلمك: تكلم مكانك، نعم لا يطرد حسن ذلك في كل مكان، ويجوز أن يكون ظرفا لقوله تعالى: لا نُخْلِفُهُ على أنه مضمن معنى المجيء أو الإتيان، وجوز أن يكون ظرفا لمحذوف وقع حالا من فاعل نُخْلِفُهُ ويقدر كونا خاصا لظهور القرينة أي آتين أو جائين مكانا.
وقرأ أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو «سوى» بكسر السين والتنوين وصلا، وقرأ باقي السبعة بالضم والتنوين كذلك، ووقف أبو بكر وحمزة والكسائي بالإمالة وورش وأبو عمرو بين بين.
وقرأ الحسن في رواية كباقي السبعة إلا أنه لم ينون وقفا ووصلا، وقرأ عيسى كالأولين إلا أنه لم ينون وقفا ووصلا أيضا، ووجه عدم التنوين في الوصل إجراؤه مجرى الوقف في حذف التنوين والضم والكسر كما قال محيي السنة. وغيره لغتان في سوى مثل عدي وعدى.
وذكر بعض أهل اللغة أن فعلا بكسر الفاء مختص بالأسماء الجامدة كعنب ولم يأت منه في الصفة إلا عدا جمع عدو، وزاد الزمخشري سوى. وغيره روى بمعنى مرو، وقال الأخفش: سوى مقصور إن كسرت سينه أو ضممت وممدود إن فتحت ففيه ثلاث لغات ويكون فيها جميعا بمعنى غير وبمعنى عدل ووسط بين الفريقين، وأعلى اللغات على ما قال النحاس سوى بالكسر قالَ أي موسى عليه السّلام، قال في البحر: وأبعد من قال إن القائل فرعون ولعمري إنه لا ينبغي أن يلتفت إليه، وكأن الذي اضطر قائله الخبر السابق عن وهب بن منبه فليتذكر
529
مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ هو يوم عيد كان لهم في كل عام يتزينون فيه ويزينون أسواقهم كما روي عن مجاهد.
وقتادة، وقيل: يوم النيروز وكان رأس سنتهم.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه يوم عاشوراء وبذلك فسر في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من صام يوم الزينة أدرك ما فاته من صيام تلك السنة ومن تصدق يومئذ بصدقة أدرك ما فاته من صدقة تلك السنة»،
وقيل: يوم كسر الخليج، وفي البحر أنه باق إلى اليوم، وقيل: يوم سوق لهم، وقيل: يوم السبت وكان يوم راحة ودعة فيما بينهم كما هو اليوم كذلك بين اليهود، وظاهر صنيع أبي حيان اختيار أنه يوم عيد صادف يوم عاشوراء، وكان يوم سبت.
والظاهر أن الموعد هاهنا اسم زمان للإخبار عنه بيوم الزينة أي زمان وعدكم اليوم المشتهر فيما بينكم، وإنما لم يصرح عليه السّلام بالوعد بل صرح بزمانه مع أنه أول ما طلبه اللعين منه عليه السّلام للإشارة إلى أنه عليه السّلام أرغب منه فيه لما يترتب عليه من قطع الشبهة وإقامة الحجة حتى كأنه وقع منه عليه السّلام قبل طلبه إياه فلا ينبغي له طلبه، وفيه إيذان بكمال وثوقه من أمره، ولذا خص عليه السّلام من بين الأزمنة يوم الزينة الذي هو يوم مشهود وللاجتماع معدود، ولم يذكر عليه السّلام المكان الذي ذكره اللعين لأنه بناء على المعنى الأول والثالث فيه إنما ذكره اللعين إيهاما للتفضل عليه عليه السّلام يريد بذلك إظهار الجلادة فأعرض عليه السّلام عن ذكره مكتفيا بذكر الزمان المخصوص للإشارة إلى استغنائه عن ذلك وأن كل الأمكنة بعد حصول الاجتماع بالنسبة إليه سواء. وأما على المعنى الثاني فيحتمل أنه عليه السّلام اكتفى عن ذلك بما يستدعيه يوم الزينة فإن من عادة الناس في الأعياد في كل وقت وكل بلد الخروج إلى الأمكنة المستوية والاجتماع في الأرض السهلة التي لا يمنع فيها شيء عن رؤية بعضهم بعضا، وبالجملة قد أخرج عليه الصلاة والتسليم جوابه على الأسلوب الحكيم، ولله تعالى در الكليم ودره النظيم، وقيل: الموعد هاهنا
وقتادة، وقيل: يوم النيروز وكان رأس سنتهم.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه يوم عاشوراء وبذلك فسر في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من صام يوم الزينة أدرك ما فاته من صيام تلك السنة ومن تصدق يومئذ بصدقة أدرك ما فاته من صدقة تلك السنة»،
وقيل: يوم كسر الخليج، وفي البحر أنه باق إلى اليوم، وقيل: يوم سوق لهم، وقيل: يوم السبت وكان يوم راحة ودعة فيما بينهم كما هو اليوم كذلك بين اليهود، وظاهر صنيع أبي حيان اختيار أنه يوم عيد صادف يوم عاشوراء، وكان يوم سبت.
والظاهر أن الموعد هاهنا اسم زمان للإخبار عنه بيوم الزينة أي زمان وعدكم اليوم المشتهر فيما بينكم، وإنما لم يصرح عليه السّلام بالوعد بل صرح بزمانه مع أنه أول ما طلبه اللعين منه عليه السّلام للإشارة إلى أنه عليه السّلام أرغب منه فيه لما يترتب عليه من قطع الشبهة وإقامة الحجة حتى كأنه وقع منه عليه السّلام قبل طلبه إياه فلا ينبغي له طلبه، وفيه إيذان بكمال وثوقه من أمره، ولذا خص عليه السّلام من بين الأزمنة يوم الزينة الذي هو يوم مشهود وللاجتماع معدود، ولم يذكر عليه السّلام المكان الذي ذكره اللعين لأنه بناء على المعنى الأول والثالث فيه إنما ذكره اللعين إيهاما للتفضل عليه عليه السّلام يريد بذلك إظهار الجلادة فأعرض عليه السّلام عن ذكره مكتفيا بذكر الزمان المخصوص للإشارة إلى استغنائه عن ذلك وأن كل الأمكنة بعد حصول الاجتماع بالنسبة إليه سواء. وأما على المعنى الثاني فيحتمل أنه عليه السّلام اكتفى عن ذلك بما يستدعيه يوم الزينة فإن من عادة الناس في الأعياد في كل وقت وكل بلد الخروج إلى الأمكنة المستوية والاجتماع في الأرض السهلة التي لا يمنع فيها شيء عن رؤية بعضهم بعضا، وبالجملة قد أخرج عليه الصلاة والتسليم جوابه على الأسلوب الحكيم، ولله تعالى در الكليم ودره النظيم، وقيل: الموعد هاهنا
530
مصدر أيضا ويقدر مضاف لصحة الأخبار أي وعدكم وعد يوم الزينة، ويكتفي عن ذكر المكان بدلالة يوم الزينة عليه، وقيل: الموعد في السؤال اسم مكان وجعله مخلفا على التوسع كما في قوله: ويوما شهدنا أو الضمير في لا نُخْلِفُهُ للوعد الذي تضمنه اسم المكان على حد اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى [المائدة: ٨] أو للموعد بمعنى الوعد على طريق الاستخدام، والجملة في الاحتمالين معترضة.
ولا يجوز أن تكون صفة إذ لا بد في جملة الصفة من ضمير يعود على الموصوف بعينه، والقول بحذفه ليس بشيء ومَكاناً على ما قال أبو علي مفعول ثان لأجعل، وقيل: بدل أو عطف بيان، والموعد في الجواب اسم زمان ومطابقة الجواب من حيث المعنى فإن يوم الزينة يدل على مكان مشتهر باجتماع الناس يومئذ فيه أو هو اسم مكان أيضا ومعناه مكان وقوع الموعود به لا مكان لفظ الوعد كما توهم ويقدر مضاف لصحة الأخبار أي مكان يوم الزينة والمطابقة ظاهرة، وقيل: الموعد في الأول مصدر إلا أنه حذف منه المضاف أعني مكان وأقيم هو مقامه ويجعل مَكاناً تابعا للمقدر أو مفعولا ثانيا وفي الثاني أما اسم زمان ومعناه زمان وقوع الموعود به لا لفظ الوعد كما يرشد إليه قوله:
قالوا الفراق فقلت موعده غد والمطابقة معنوية وأما اسم مكان، ويقدر مضاف في الخبر والمطابقة ظاهرة كما سمعت، وأما مصدر أيضا ويقدر مضافان أحدهما في جانب المبتدأ والآخر في جانب الخبر أي مكان وعدكم مكان يوم الزينة وأمر المطابقة لا يخفى، وقيل: يقدر في الأول مضافان أي مكان إنجاز وعدكم أو مضاف واحد لكن تصير الإضافة لأدنى ملابسة، والأظهر تأويل المصدر بالمفعول وتقدير مضاف في الثاني أي موعدكم مكان يوم الزينة وهو مبني على توهم باطل أشرنا إليه، وقيل: هو في الأول والثاني اسم زمان ولا نُخْلِفُهُ من باب الحذف والإيصال والأصل لا نخلف فيه ومَكاناً ظرف لا جعل وإلى هذا أشار في الكشف فقال: لعل الأقرب مأخذا أن يجعل المكان مخلفا على الاتساع والطباق من حيث المعنى أو المعنى اجعل بيننا وبينك في مكان سوى منصف زمان وعد لا نخلف فيه فالمطابقة حاصلة لفظا ومعنى ومَكاناً ظرف لغو انتهى.
واعترض بما لا يخفى رده على من أحاط خبرا بأطراف كلامنا. وأنت تعلم أن الاحتمالات في هذه الآية كثيرة جدا والأولى منها ما هو أوفق بجزالة التنزيل مع قلة الحذف والخلو عن نزع الخف قبل الوصول إلى الماء فتأمل.
وقرأ الحسن والأعمش وعاصم في رواية وأبو حيوة وابن أبي عبلة وقتادة الجحدري، وهبيرة والزعفراني «يوم الزينة» بنصب «يوم» وهو ظاهر في أن المراد بالموعد المصدر لأن المكان والزمان لا يقعان في زمان بخلاف الحدث، أما الأول فلأنه لا فائدة فيه لحصوله في جميع الأزمنة وأما الثاني فلأن الزمان لا يكون ظرفا للزمان ظرفية حقيقية لأنه يلزم حلول الشيء في نفسه، وأما مثل ضحى اليوم في اليوم فهو من ظرفية الكل لأجزائه وهي ظرفية مجازية وما نحن فيه ليس من هذا القبيل كذا قيل وفيه منع ظاهر.
وقيل: إنه يستدل بظاهر ذلك على كون الموعد أولا مصدرا أيضا لأن الثاني عين الأول لإعادة النكرة معرفة، وفي الكشف لعل الأقرب مأخذا على هذه القراءة أن يجعل الأول زمانا، والثاني مصدرا أي وعدكم كائن يوم الزينة.
والجواب مطابق معنى دون تكلف إذ لا فرق بين زمان الوعد يوم كذا رفعا وبين الوعد يوم كذا نصبا في الحاصل بل هو من الأسلوب الحكيم لاشتماله على زيادة، وقوله تعالى وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى عطف على الزينة، وقيل: على يوم، والأول أظهر لعدم احتياجه إلى التأويل، وانتصب ضُحًى على الظرف وهو ارتفاع النهار
ولا يجوز أن تكون صفة إذ لا بد في جملة الصفة من ضمير يعود على الموصوف بعينه، والقول بحذفه ليس بشيء ومَكاناً على ما قال أبو علي مفعول ثان لأجعل، وقيل: بدل أو عطف بيان، والموعد في الجواب اسم زمان ومطابقة الجواب من حيث المعنى فإن يوم الزينة يدل على مكان مشتهر باجتماع الناس يومئذ فيه أو هو اسم مكان أيضا ومعناه مكان وقوع الموعود به لا مكان لفظ الوعد كما توهم ويقدر مضاف لصحة الأخبار أي مكان يوم الزينة والمطابقة ظاهرة، وقيل: الموعد في الأول مصدر إلا أنه حذف منه المضاف أعني مكان وأقيم هو مقامه ويجعل مَكاناً تابعا للمقدر أو مفعولا ثانيا وفي الثاني أما اسم زمان ومعناه زمان وقوع الموعود به لا لفظ الوعد كما يرشد إليه قوله:
قالوا الفراق فقلت موعده غد والمطابقة معنوية وأما اسم مكان، ويقدر مضاف في الخبر والمطابقة ظاهرة كما سمعت، وأما مصدر أيضا ويقدر مضافان أحدهما في جانب المبتدأ والآخر في جانب الخبر أي مكان وعدكم مكان يوم الزينة وأمر المطابقة لا يخفى، وقيل: يقدر في الأول مضافان أي مكان إنجاز وعدكم أو مضاف واحد لكن تصير الإضافة لأدنى ملابسة، والأظهر تأويل المصدر بالمفعول وتقدير مضاف في الثاني أي موعدكم مكان يوم الزينة وهو مبني على توهم باطل أشرنا إليه، وقيل: هو في الأول والثاني اسم زمان ولا نُخْلِفُهُ من باب الحذف والإيصال والأصل لا نخلف فيه ومَكاناً ظرف لا جعل وإلى هذا أشار في الكشف فقال: لعل الأقرب مأخذا أن يجعل المكان مخلفا على الاتساع والطباق من حيث المعنى أو المعنى اجعل بيننا وبينك في مكان سوى منصف زمان وعد لا نخلف فيه فالمطابقة حاصلة لفظا ومعنى ومَكاناً ظرف لغو انتهى.
واعترض بما لا يخفى رده على من أحاط خبرا بأطراف كلامنا. وأنت تعلم أن الاحتمالات في هذه الآية كثيرة جدا والأولى منها ما هو أوفق بجزالة التنزيل مع قلة الحذف والخلو عن نزع الخف قبل الوصول إلى الماء فتأمل.
وقرأ الحسن والأعمش وعاصم في رواية وأبو حيوة وابن أبي عبلة وقتادة الجحدري، وهبيرة والزعفراني «يوم الزينة» بنصب «يوم» وهو ظاهر في أن المراد بالموعد المصدر لأن المكان والزمان لا يقعان في زمان بخلاف الحدث، أما الأول فلأنه لا فائدة فيه لحصوله في جميع الأزمنة وأما الثاني فلأن الزمان لا يكون ظرفا للزمان ظرفية حقيقية لأنه يلزم حلول الشيء في نفسه، وأما مثل ضحى اليوم في اليوم فهو من ظرفية الكل لأجزائه وهي ظرفية مجازية وما نحن فيه ليس من هذا القبيل كذا قيل وفيه منع ظاهر.
وقيل: إنه يستدل بظاهر ذلك على كون الموعد أولا مصدرا أيضا لأن الثاني عين الأول لإعادة النكرة معرفة، وفي الكشف لعل الأقرب مأخذا على هذه القراءة أن يجعل الأول زمانا، والثاني مصدرا أي وعدكم كائن يوم الزينة.
والجواب مطابق معنى دون تكلف إذ لا فرق بين زمان الوعد يوم كذا رفعا وبين الوعد يوم كذا نصبا في الحاصل بل هو من الأسلوب الحكيم لاشتماله على زيادة، وقوله تعالى وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى عطف على الزينة، وقيل: على يوم، والأول أظهر لعدم احتياجه إلى التأويل، وانتصب ضُحًى على الظرف وهو ارتفاع النهار
531
ويؤنث ويذكر، والضحاء بفتح الضاد ممدود مذكر، وهو عند ارتفاع النهار الأعلى.
وجوز على القراءة بنصب يَوْمُ أن يكون مَوْعِدُكُمْ مبتدأ بتقدير وقت مضاف إليه على أنه من باب أتيتك خفوق النجم، والظرف متعلق به وضُحًى خبره على نية التعريف فيه لأنه ضحى ذلك اليوم بعينه ولو لم يعرف لم يكن مطابقا لمطلبهم حيث سألوه عليه السّلام موعدا معينا لا يخلف وعده، وقيل: يجوز أن يكون الموعد زمانا وضُحًى خبره ويَوْمُ الزِّينَةِ حالا مقدما وحينئذ يستغني عن تعريف ضحى وليس بشيء ثم إن هذا التعريف بمعنى التعيين معنى لا على معنى جعل ضُحًى أحد المعارف الاصطلاحية كما قد يتوهم.
وقال الطيبي: قال ابن جني: يجوز أن يكون أَنْ يُحْشَرَ عطفا على الموعد كأنه قيل: إنجاز موعدكم وحشر الناس ضحى في يوم الزينة. وكأنه جعل الموعد عبارة عما يتجدد في ذلك اليوم من الثواب والعقاب وغيرهما سوى الحشر ثم عطف الحشر عليه عطف الخاص على العام اه وهو كما ترى.
وقرأ ابن مسعود والجحدري وأبو عمران الجوني وأبو نهيك وعمرو بن قائد «تحشر الناس» بتاء الخطاب ونصب «الناس» والمخاطب بذلك فرعون. وروي عنهم أنهم قرؤوا بياء الغيبة ونصب «الناس» والضمير في «يحشر» على هذه القراءة إما لفرعون وجيء به غائبا على سنن الكلام مع الملوك، وإما لليوم والإسناد مجازي كما في صام نهاره، وقال صاحب اللوامح: الفاعل محذوف للعلم به أي وأن يحشر الحاشر الناس.
وأنت تعلم أن حذف الفاعل في مثل هذا لا يجوز عند البصريين، نعم قيل في مثله: إن الفاعل ضمير يرجع إلى اسم الفاعل المفهوم من الفعل فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ أي انصرف عن المجلس، وقيل: تولى الأمر بنفسه وليس بذاك.
وقيل: أعرض عن قبول الحق وليس بشيء فَجَمَعَ كَيْدَهُ أي ما يكاد به من السحرة وأدواتهم أو ذوي كيده ثُمَّ أَتى أي الموعد ومعه ما جمعه. وفي كلمة التراخي إيماء إلى أنه لم يسارع إليه بل أتاه بعد بطء وتلعثم، ولم يذكر سبحانه إتيان موسى عليه السّلام بل قال جل وعلا قالَ لَهُمْ مُوسى للإيذان بأنه أمر محقق غني عن التصريح به، والجملة مستأنفة استئنافا بيانيا كأنه قيل: فماذا صنع موسى عليه السّلام عند إتيان فرعون بمن جمعه من السحرة. فقيل:
قال لهم بطريق النصيحة وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً بأنت تدعوا آياته التي ستظهر على يدي سحرا كما فعل فرعون فَيُسْحِتَكُمْ أي يستأصلكم بسبب ذلك، بِعَذابٍ هائل لا يقادر قدره. وقرأ جماعة من السبعة وابن عباس «فيسحتكم» بفتح الياء والحاء من الثلاثي على لغة أهل الحجاز والإسحات لغة نجد وتميم، وأصل ذلك استقصاء الحلق للشعر ثم استعمل في الإهلاك والاستئصال مطلقا وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى أي على الله تعالى كائنا من كان بأي وجه كان فيدخل فيه الافتراء المنهي عنه دخولا أوليا أو قد خاب فرعون المفتري فلا تكونوا مثله في الخيبة وعدم نجح الطلبة، والجملة اعتراض مقرر لمضمون ما قبلها.
فَتَنازَعُوا أي السحرة حين سمعوا كلامه عليه السّلام كأن ذلك غاظهم فتنازعوا أَمْرَهُمْ الذي أريد منهم من مغالبته عليه السّلام وتشاوروا وتناظروا بَيْنَهُمْ في كيفية المعارضة وتجاذبوا أهداب القول في ذلك وَأَسَرُّوا النَّجْوى بالغوا في إخفاء كلامهم عن موسى وأخيه عليهما السّلام لئلا يقفا عليه فيدافعاه، وكان نجواهم على ما قاله جماعة منهم الجبائي وأبو مسلم ما نطق به قوله تعالى قالُوا أي بطريق التناجي والإسرار إِنْ هذانِ لَساحِرانِ إلخ فإنه تفسير لذلك ونتيجة التنازع وخلاصة ما استقرت عليه آراؤهم بعد التناظر والتشاور.
وقيل: كان نجواهم أن قالوا حين سمعوا مقالة موسى عليه السّلام ما هذا بقول ساحر، وروي ذلك عن محمد ابن إسحاق. وقيل: كان ذلك أن قالوا: إن غلبنا موسى اتبعناه، ونقل ذلك عن الفراء والزجاج.
وجوز على القراءة بنصب يَوْمُ أن يكون مَوْعِدُكُمْ مبتدأ بتقدير وقت مضاف إليه على أنه من باب أتيتك خفوق النجم، والظرف متعلق به وضُحًى خبره على نية التعريف فيه لأنه ضحى ذلك اليوم بعينه ولو لم يعرف لم يكن مطابقا لمطلبهم حيث سألوه عليه السّلام موعدا معينا لا يخلف وعده، وقيل: يجوز أن يكون الموعد زمانا وضُحًى خبره ويَوْمُ الزِّينَةِ حالا مقدما وحينئذ يستغني عن تعريف ضحى وليس بشيء ثم إن هذا التعريف بمعنى التعيين معنى لا على معنى جعل ضُحًى أحد المعارف الاصطلاحية كما قد يتوهم.
وقال الطيبي: قال ابن جني: يجوز أن يكون أَنْ يُحْشَرَ عطفا على الموعد كأنه قيل: إنجاز موعدكم وحشر الناس ضحى في يوم الزينة. وكأنه جعل الموعد عبارة عما يتجدد في ذلك اليوم من الثواب والعقاب وغيرهما سوى الحشر ثم عطف الحشر عليه عطف الخاص على العام اه وهو كما ترى.
وقرأ ابن مسعود والجحدري وأبو عمران الجوني وأبو نهيك وعمرو بن قائد «تحشر الناس» بتاء الخطاب ونصب «الناس» والمخاطب بذلك فرعون. وروي عنهم أنهم قرؤوا بياء الغيبة ونصب «الناس» والضمير في «يحشر» على هذه القراءة إما لفرعون وجيء به غائبا على سنن الكلام مع الملوك، وإما لليوم والإسناد مجازي كما في صام نهاره، وقال صاحب اللوامح: الفاعل محذوف للعلم به أي وأن يحشر الحاشر الناس.
وأنت تعلم أن حذف الفاعل في مثل هذا لا يجوز عند البصريين، نعم قيل في مثله: إن الفاعل ضمير يرجع إلى اسم الفاعل المفهوم من الفعل فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ أي انصرف عن المجلس، وقيل: تولى الأمر بنفسه وليس بذاك.
وقيل: أعرض عن قبول الحق وليس بشيء فَجَمَعَ كَيْدَهُ أي ما يكاد به من السحرة وأدواتهم أو ذوي كيده ثُمَّ أَتى أي الموعد ومعه ما جمعه. وفي كلمة التراخي إيماء إلى أنه لم يسارع إليه بل أتاه بعد بطء وتلعثم، ولم يذكر سبحانه إتيان موسى عليه السّلام بل قال جل وعلا قالَ لَهُمْ مُوسى للإيذان بأنه أمر محقق غني عن التصريح به، والجملة مستأنفة استئنافا بيانيا كأنه قيل: فماذا صنع موسى عليه السّلام عند إتيان فرعون بمن جمعه من السحرة. فقيل:
قال لهم بطريق النصيحة وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً بأنت تدعوا آياته التي ستظهر على يدي سحرا كما فعل فرعون فَيُسْحِتَكُمْ أي يستأصلكم بسبب ذلك، بِعَذابٍ هائل لا يقادر قدره. وقرأ جماعة من السبعة وابن عباس «فيسحتكم» بفتح الياء والحاء من الثلاثي على لغة أهل الحجاز والإسحات لغة نجد وتميم، وأصل ذلك استقصاء الحلق للشعر ثم استعمل في الإهلاك والاستئصال مطلقا وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى أي على الله تعالى كائنا من كان بأي وجه كان فيدخل فيه الافتراء المنهي عنه دخولا أوليا أو قد خاب فرعون المفتري فلا تكونوا مثله في الخيبة وعدم نجح الطلبة، والجملة اعتراض مقرر لمضمون ما قبلها.
فَتَنازَعُوا أي السحرة حين سمعوا كلامه عليه السّلام كأن ذلك غاظهم فتنازعوا أَمْرَهُمْ الذي أريد منهم من مغالبته عليه السّلام وتشاوروا وتناظروا بَيْنَهُمْ في كيفية المعارضة وتجاذبوا أهداب القول في ذلك وَأَسَرُّوا النَّجْوى بالغوا في إخفاء كلامهم عن موسى وأخيه عليهما السّلام لئلا يقفا عليه فيدافعاه، وكان نجواهم على ما قاله جماعة منهم الجبائي وأبو مسلم ما نطق به قوله تعالى قالُوا أي بطريق التناجي والإسرار إِنْ هذانِ لَساحِرانِ إلخ فإنه تفسير لذلك ونتيجة التنازع وخلاصة ما استقرت عليه آراؤهم بعد التناظر والتشاور.
وقيل: كان نجواهم أن قالوا حين سمعوا مقالة موسى عليه السّلام ما هذا بقول ساحر، وروي ذلك عن محمد ابن إسحاق. وقيل: كان ذلك أن قالوا: إن غلبنا موسى اتبعناه، ونقل ذلك عن الفراء والزجاج.
532
وقيل: كان ذلك إن قالوا: إن كان هذا ساحرا فسنغلبه وإن كان من السماء فله أمر، وروي ذلك عن قتادة، وعلى هذه الأقوال يكون المراد من أَمْرَهُمْ أمر موسى عليه السّلام وإضافته إليهم لأدنى ملابسة لوقوعه فيما بينهم واهتمامهم به ويكون أسرارهم من فرعون وملئه، ويحمل قولهم: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ إلخ على أنهم اختلفوا فيما بينهم من الأقاويل المذكورة ثم استقرت آراؤهم على ذلك وأبوا إلا المناصبة للمعارضة وهو كلام مستأنف استئنافا بيانيا كأنه قيل: فماذا قالوا للناس بعد تمام التنازع فقيل: قالُوا إِنْ هذانِ إلخ.
وجعل الضمير في قالُوا: لفرعون وملئه على أنهم قالوا ذلك للسحرة ردا لهم عن الاختلاف وأمرا بالإجماع والإزماع وإظهار الجلادة مخل بجزالة النظم الكريم كما يشهد به الذوق السليم، نعم لو جعل ضمير «تنازعوا» والضمائر الذي بعده لهم كما ذهب إليه أكثر المفسرين أيضا لم يكن فيه ذلك الإخلال وإن مخففة من أن وقد أهملت عن العمل واللام فارقة.
وقرأ ابن كثير بتشديد نون هذانِ وهو على خلاف القياس للفرق بين الأسماء المتمكنة وغيرها.
وقال الكوفيون: إن نافية واللام بمعنى إلا أي ما هذان إلا ساحران. ويؤيده أنه قرىء كذلك. وفي رواية عن أبي أنه قرى «إن هذان إلا ساحران». وقرىء «إن ذان» بدون هاء التنبيه «إلا ساحران». وعزاها ابن خالويه إلى عبد الله وبعضهم إلى أبي وهي تؤيد ذلك أيضا. وقرىء «إن ذان لساحران» بإسقاط هاء التنبيه فقط.
وقرأ أبو جعفر والحسن وشيبة والأعمش وطلحة وحميد وأيوب وخلف في اختياره وأبو عبيد وأبو حاتم وابن عيسى الأصبهاني وابن جرير: وابن جبير الأنطاكي. والأخوان. والصاحبان من السبعة «إنّ» بتشديد النون «هذان» بألف ونون خفيفة، واستشكلت هذه القراءة حتى قيل: إنها لحن وخطأ بناء على ما أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن عن هشام بن عروة عن أبيه قال: سألت عائشة رضي الله تعالى عنها عن لحن القرآن عن قوله تعالى إِنْ هذانِ لَساحِرانِ. وعن قوله تعالى وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ [النساء: ١٦٢] وعن قوله تعالى وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ [المائدة: ٦٩] فقالت: يا ابن أخي هذا عمل الكتاب أخطؤوا في الكتاب، وإسناده صحيح على شرط الشيخين كما قال الجلال السيوطي. وهذا مشكل جدا إذ كيف يظن بالصحابة أولا أنهم يلحنون في الكلام فضلا عن القرآن وهم الفصحاء اللد، ثم كيف يظن بهم ثانيا الغلط في القرآن الذي تلقوه من النبي صلّى الله عليه وسلّم كما أنزل ولم يألوا جهدا في حفظه وضبطه وإتقانه، ثم كيف يظن بهم ثالثا اجتماعهم كلهم على الخطا وكتابته، ثم كيف يظن بهم رابعا عدم تنبههم ورجوعهم عنه، ثم كيف يظن خامسا الاستمرار على الخطا وهو مروي بالتواتر خلفا عن سلف ولو ساغ مثل ذلك لارتفع الوثوق بالقرآن.
وقد خرجت هذه القراءة على وجوه الأول أن إِنْ بمعنى نعم وإلى ذلك ذهب جماعة منهم المبرد والأخفش الصغير وأنشدوا قوله:
بكر العواذل في الصبو... ح يلمنني وألومهنه
ويقلن شيب قد علا... ك وقد كبرت فقلت إنه
والجيد الاستدلال بقول ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما لمن قال له: لعن الله ناقة حملتني إليك إن وراكبها إذ قد قيل: في البيت إنا لا نسلم أن إن فيه بمعنى نعم والهاء للسكت بل هي الناصبة والهاء ضمير منصوب بها والخبر محذوف أي إنه كذلك ولا يصح أن يقال: إنها في الخبر كذلك وحذف الجزءان لأن حذف الجزأين جميعا لا يجوز.
وضعف هذا الوجه بأن كونها بمعنى نعم لم يثبت، أو هو نادر. وعلى تقدير الثبوت من غير ندرة ليس قبلها ما يقتضي
وجعل الضمير في قالُوا: لفرعون وملئه على أنهم قالوا ذلك للسحرة ردا لهم عن الاختلاف وأمرا بالإجماع والإزماع وإظهار الجلادة مخل بجزالة النظم الكريم كما يشهد به الذوق السليم، نعم لو جعل ضمير «تنازعوا» والضمائر الذي بعده لهم كما ذهب إليه أكثر المفسرين أيضا لم يكن فيه ذلك الإخلال وإن مخففة من أن وقد أهملت عن العمل واللام فارقة.
وقرأ ابن كثير بتشديد نون هذانِ وهو على خلاف القياس للفرق بين الأسماء المتمكنة وغيرها.
وقال الكوفيون: إن نافية واللام بمعنى إلا أي ما هذان إلا ساحران. ويؤيده أنه قرىء كذلك. وفي رواية عن أبي أنه قرى «إن هذان إلا ساحران». وقرىء «إن ذان» بدون هاء التنبيه «إلا ساحران». وعزاها ابن خالويه إلى عبد الله وبعضهم إلى أبي وهي تؤيد ذلك أيضا. وقرىء «إن ذان لساحران» بإسقاط هاء التنبيه فقط.
وقرأ أبو جعفر والحسن وشيبة والأعمش وطلحة وحميد وأيوب وخلف في اختياره وأبو عبيد وأبو حاتم وابن عيسى الأصبهاني وابن جرير: وابن جبير الأنطاكي. والأخوان. والصاحبان من السبعة «إنّ» بتشديد النون «هذان» بألف ونون خفيفة، واستشكلت هذه القراءة حتى قيل: إنها لحن وخطأ بناء على ما أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن عن هشام بن عروة عن أبيه قال: سألت عائشة رضي الله تعالى عنها عن لحن القرآن عن قوله تعالى إِنْ هذانِ لَساحِرانِ. وعن قوله تعالى وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ [النساء: ١٦٢] وعن قوله تعالى وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ [المائدة: ٦٩] فقالت: يا ابن أخي هذا عمل الكتاب أخطؤوا في الكتاب، وإسناده صحيح على شرط الشيخين كما قال الجلال السيوطي. وهذا مشكل جدا إذ كيف يظن بالصحابة أولا أنهم يلحنون في الكلام فضلا عن القرآن وهم الفصحاء اللد، ثم كيف يظن بهم ثانيا الغلط في القرآن الذي تلقوه من النبي صلّى الله عليه وسلّم كما أنزل ولم يألوا جهدا في حفظه وضبطه وإتقانه، ثم كيف يظن بهم ثالثا اجتماعهم كلهم على الخطا وكتابته، ثم كيف يظن بهم رابعا عدم تنبههم ورجوعهم عنه، ثم كيف يظن خامسا الاستمرار على الخطا وهو مروي بالتواتر خلفا عن سلف ولو ساغ مثل ذلك لارتفع الوثوق بالقرآن.
وقد خرجت هذه القراءة على وجوه الأول أن إِنْ بمعنى نعم وإلى ذلك ذهب جماعة منهم المبرد والأخفش الصغير وأنشدوا قوله:
بكر العواذل في الصبو... ح يلمنني وألومهنه
ويقلن شيب قد علا... ك وقد كبرت فقلت إنه
والجيد الاستدلال بقول ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما لمن قال له: لعن الله ناقة حملتني إليك إن وراكبها إذ قد قيل: في البيت إنا لا نسلم أن إن فيه بمعنى نعم والهاء للسكت بل هي الناصبة والهاء ضمير منصوب بها والخبر محذوف أي إنه كذلك ولا يصح أن يقال: إنها في الخبر كذلك وحذف الجزءان لأن حذف الجزأين جميعا لا يجوز.
وضعف هذا الوجه بأن كونها بمعنى نعم لم يثبت، أو هو نادر. وعلى تقدير الثبوت من غير ندرة ليس قبلها ما يقتضي
533
جوابا حتى تقع نعم في جوابه. والقول بأنه يفهم من صدر الكلام أن منهم من قال: هما ساحران فصدق وقيل: نعم بعيد. ومثله القول بأن ذلك تصديق لما يفهم من قول فرعون: أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى [طه:
٥٧] وأيضا إن لام الابتداء لا تدخل على خبر المبتدأ.
وأجيب عن هذا بأن اللام زائدة وليس للابتداء كما في قوله:
أو بأنها داخلة على مبتدأ محذوف أي لهما ساحران، كما اختاره الزجاج وقال: عرضته على عالمنا وشيخنا وأستاذنا محمد بن زيد يعني المبرد. والقاضي إسماعيل بن إسحاق بن حماد فقبلاه، وذكرا أنه أجود ما سمعناه في هذا أو بأنها دخلت بعد إن هذه لشبهها بأن المؤكدة لفظا كما زيدت أن بعد ما المصدرية لمشابهتها للنافية في قوله:
ورد الأول بأن زيادتها في الخبر خاصة بالشعر وما هنا محل النزاع فلا يصح الاحتجاج به كما توهم النيسابوري وزيف الثاني أبو علي في الإغفال بما خلاصته أن التأكيد فيما خيف لبسه فإذا بلغ به الشهرة الحذف استغنى لذلك عن التأكيد، ولو كان ما ذكر وجها لم يحمل نحو لعجوز شهربة على الضرورة ولا تقاس على أن حيث حذف معها الخبر في أن محلا وأن مرتحلا وان اجتمعا في التأكيد لأنها مشبهة بلا وحمل والنقيض على النقيض شائع، وابن جني بأن الحذف من باب الإيجاز والتأكيد من باب الإطناب والجمع بينهما محال للتنافي.
وأجيب: بأن الحذف لقيام القرينة والاستغناء غير مسلم والتأكيد لمضمون الجملة لا للمحذوف والحمل في البيت ممكن أيضا واقتصارهم فيه على الضرورة ذهول وكم ترك الأول للآخر واجتماع الإيجاز والإطناب مع اختلاف الوجه غير محال. وأصدق شاهد على دخول اللام في مثل هذا الكلام ما رواه الترمذي وأحمد وابن ماجة «أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذ» نعم لا نزاع في شذوذ هذا الحذف استعمالا وقياسا.
الثاني أن إن من الحروف الناصبة واسمها ضمير الشأن وما بعد مبتدأ وخبر والجملة خبرها، وإلى ذلك ذهب قدماء النحاة. وضعف بأن ضمير الشأن موضوع لتقوية الكلام وما كان كذلك لا يناسبه الحذف والمسموع من حذفه كما في قوله:
وقوله:
ضرورة أو شاذ إلا في باب أن المفتوحة إذا خففت فاستسهلوه لوروده في كلام بني على التخفيف فحذف تبعا لحذف النون ولأنه لو ذكر لوجب التشديد إذ الضمائر ترد الأشياء إلى أصولها، ثم يرد بحث دخول اللام في الخبر، وإن التزم تقدير مبتدأ داخلة هي عليه فقد سمعت ما فيه من الجرح والتعديل، الثالث أنها الناصبة وهاء ضمير القصة اسمها وجملة ذان لَساحِرانِ خبرها، وضعف بأنه يقتضي وصل ها بأن من إثبات الألف وفصل ها من «ذان» في الرسم وما في المصحف ليس كذلك، ومع ذلك يرد بحث دخول اللام.
الرابع: أن إن ملغاة وإن كانت مشددة حملا لها على المخففة وذلك كما أعملت المخففة حملا لها عليها في قوله تعالى: «وإن كلا لما ليوفينهم» أو حطا لرتبتها عن الفعل لأن عملها ليس بالأصالة بل بالشبه له وما بعدها مبتدأ
٥٧] وأيضا إن لام الابتداء لا تدخل على خبر المبتدأ.
وأجيب عن هذا بأن اللام زائدة وليس للابتداء كما في قوله:
أم الحليس لعجوز شهربه | ترضى من اللحم بعظم الرقبة |
ورج الفتى للخير ما إن رأيته | على السن خيرا لا يزال يزيد |
وأجيب: بأن الحذف لقيام القرينة والاستغناء غير مسلم والتأكيد لمضمون الجملة لا للمحذوف والحمل في البيت ممكن أيضا واقتصارهم فيه على الضرورة ذهول وكم ترك الأول للآخر واجتماع الإيجاز والإطناب مع اختلاف الوجه غير محال. وأصدق شاهد على دخول اللام في مثل هذا الكلام ما رواه الترمذي وأحمد وابن ماجة «أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذ» نعم لا نزاع في شذوذ هذا الحذف استعمالا وقياسا.
الثاني أن إن من الحروف الناصبة واسمها ضمير الشأن وما بعد مبتدأ وخبر والجملة خبرها، وإلى ذلك ذهب قدماء النحاة. وضعف بأن ضمير الشأن موضوع لتقوية الكلام وما كان كذلك لا يناسبه الحذف والمسموع من حذفه كما في قوله:
إن من لام في بني بنت حسا | ن ألمه وأعصه في الخطوب |
إن من يدخل الكنيسة يوما | يلق فيها جاذرا وظباء |
الرابع: أن إن ملغاة وإن كانت مشددة حملا لها على المخففة وذلك كما أعملت المخففة حملا لها عليها في قوله تعالى: «وإن كلا لما ليوفينهم» أو حطا لرتبتها عن الفعل لأن عملها ليس بالأصالة بل بالشبه له وما بعدها مبتدأ
534
وخبر وإلى ذلك ذهب علي بن عيسى وفيه أن هذا الإلغاء لم ير في غير هذا الموضع وهو محل النزاع وبحث اللام فيه بحاله. والخامس: وهو أجود الوجوه وأوجهها. واختاره أبو حيان وابن مالك والأخفش وأبو علي الفارسي وجماعة أنها الناصبة واسم الإشارة اسمها: واللام لام الابتداء و «ساحران» خبرها ومجيء اسم الإشارة بالألف مع أنه منصوب جار على لغة بعض العرب من إجراء المثنى بالألف دائما قال شاعرهم:
واها لريا ثم واها واها... يا ليت عيناها لنا وفاها
وموضع الخلخال من رجلاها... بثمن نرضي به أباها
وقال الآخر:
وأطرق إطراق الشجاع ولو يرى... مساغا لنا باه الشجاع لصمما
وقالوا: ضربته بين أذناه ومن يشتري الخفان وهي لغة لكنانة حكى ذلك أبو الخطاب ولبني الحارث بن كعب وخثعم وزبيد وأهل تلك الناحية حكى ذلك الكسائي ولبني العنبر وبني الهيجم ومراد وعذرة وقال أبو زيد: سمعت من العرب من يقلب كل ياء ينفتح ما قبلها ألفا، وابن الحاجب يقول:
إن هذانِ مبني لدلالته على معنى الإشارة: وإن قول الأكثرين هذين جرا ونصبا ليس إعرابا أيضا.
قال ابن هشام: وعلى هذا فقراءة هذان أقيس إذ الأصل في المبنى أن لا تختلف صيغته مع أن فيها مناسبة لألف «ساحران» اه. وأما الخبر السابق عن عائشة فقد أجاب عنه ابن أشته وتبعه ابن جبارة في شرح الرائية بأن قولها: اخطؤوا على معنى أخطؤوا في اختيار الأولى من الأحرف السبعة لجمع الناس عليه لا أن الذي كتبوا من ذلك خطأ لا يجوز فإن ما لا يجوز من كل شيء مردود بالإجماع وإن طالت مدة وقوعه وبنحو هذا يجاب عن أخبار رويت عنها أيضا.
وعن ابن عباس في هذا الباب تشكل ظواهرها. ثم أخرج عن إبراهيم النخعي أنه قال: إن هذان لساحران وإن هذين لساحران سواء لعلهم كتبوا الألف مكان الياء يعني أنه من إبدال حرف في الكتابة بحرف كما وقع في صلاة وزكاة وحياة. ويرد على هذا أنه إنما يحسن لو كانت القراءة بالياء في ذلك. ثم أنت تعلم أن الجواب المذكور لا يحسم مادة الإشكال لبقاء تسمية عروة ذلك في السؤال لحنا اللهم إلا أن يقال: أراد باللحن اللغة كما قال ذلك ابن اشته في قوله ابن جبير المروي عنه بطرق في وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ [النساء: ١٦٢] هو لحن من الكاتب أو يقال: أراد به اللحن بحسب بادىء الرأي وابن الأنباري جنح إلى تضعيف الروايات في هذا الباب ومعارضتها بروايات أخر عن ابن عباس. وغيره تدل على ثبوت الأحرف التي قيل فيها ما قيل في القراءة. ولعل الخبر الساق الذي ذكر أنه صحيح الإسناد على شرط الشيخين داخل في ذلك لكن قال الجلال السيوطي: إن الجواب الأول الذي ذكره ابن اشته أولى وأقعد. وقال العلاء فيما أخرجه ابن الأنباري وغيره عن عكرمة قال: لما كتبت المصاحف عرضت على عثمان فوجد فيها حروفا من اللحن فقال: لا تغيروها فإن العرب ستغيرها أو قال: ستقرؤها بألسنتها لو كان الكاتب من ثقيف والمملى من هذيل لم توجد فيه هذه الحروف إن ذلك لا يصح عن عثمان فإن إسناده ضعيف مضطرب منقطع.
والذي أجنح أنا إليه والعاصم هو الله تعالى تضعيف جميع ما ورد مما فيه طعن بالمتواتر ولم يقبل تأويلا ينشرح له الصدر ويقبله الذوق وإن صححه من صححه. والطعن في الرواة أهون بكثير من الطعن بالأئمة الذين تلقوا القرآن العظيم الذي وصل إلينا بالتواتر من النبي صلّى الله عليه وسلّم ولم يألوا جهدا في إتقانه وحفظه.
وقد ذكر أهل المصطلح أن مما يدرك به وضع الخبر ما يؤخذ من حال المروي كأن يكون مناقضا لنص القرآن أو السنة المتواترة أو الإجماع القطعي أو صريح العقل حيث لا يقبل شيء من ذلك التأويل أو لم يحتمل سقوط شيء
واها لريا ثم واها واها... يا ليت عيناها لنا وفاها
وموضع الخلخال من رجلاها... بثمن نرضي به أباها
وقال الآخر:
وأطرق إطراق الشجاع ولو يرى... مساغا لنا باه الشجاع لصمما
وقالوا: ضربته بين أذناه ومن يشتري الخفان وهي لغة لكنانة حكى ذلك أبو الخطاب ولبني الحارث بن كعب وخثعم وزبيد وأهل تلك الناحية حكى ذلك الكسائي ولبني العنبر وبني الهيجم ومراد وعذرة وقال أبو زيد: سمعت من العرب من يقلب كل ياء ينفتح ما قبلها ألفا، وابن الحاجب يقول:
إن هذانِ مبني لدلالته على معنى الإشارة: وإن قول الأكثرين هذين جرا ونصبا ليس إعرابا أيضا.
قال ابن هشام: وعلى هذا فقراءة هذان أقيس إذ الأصل في المبنى أن لا تختلف صيغته مع أن فيها مناسبة لألف «ساحران» اه. وأما الخبر السابق عن عائشة فقد أجاب عنه ابن أشته وتبعه ابن جبارة في شرح الرائية بأن قولها: اخطؤوا على معنى أخطؤوا في اختيار الأولى من الأحرف السبعة لجمع الناس عليه لا أن الذي كتبوا من ذلك خطأ لا يجوز فإن ما لا يجوز من كل شيء مردود بالإجماع وإن طالت مدة وقوعه وبنحو هذا يجاب عن أخبار رويت عنها أيضا.
وعن ابن عباس في هذا الباب تشكل ظواهرها. ثم أخرج عن إبراهيم النخعي أنه قال: إن هذان لساحران وإن هذين لساحران سواء لعلهم كتبوا الألف مكان الياء يعني أنه من إبدال حرف في الكتابة بحرف كما وقع في صلاة وزكاة وحياة. ويرد على هذا أنه إنما يحسن لو كانت القراءة بالياء في ذلك. ثم أنت تعلم أن الجواب المذكور لا يحسم مادة الإشكال لبقاء تسمية عروة ذلك في السؤال لحنا اللهم إلا أن يقال: أراد باللحن اللغة كما قال ذلك ابن اشته في قوله ابن جبير المروي عنه بطرق في وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ [النساء: ١٦٢] هو لحن من الكاتب أو يقال: أراد به اللحن بحسب بادىء الرأي وابن الأنباري جنح إلى تضعيف الروايات في هذا الباب ومعارضتها بروايات أخر عن ابن عباس. وغيره تدل على ثبوت الأحرف التي قيل فيها ما قيل في القراءة. ولعل الخبر الساق الذي ذكر أنه صحيح الإسناد على شرط الشيخين داخل في ذلك لكن قال الجلال السيوطي: إن الجواب الأول الذي ذكره ابن اشته أولى وأقعد. وقال العلاء فيما أخرجه ابن الأنباري وغيره عن عكرمة قال: لما كتبت المصاحف عرضت على عثمان فوجد فيها حروفا من اللحن فقال: لا تغيروها فإن العرب ستغيرها أو قال: ستقرؤها بألسنتها لو كان الكاتب من ثقيف والمملى من هذيل لم توجد فيه هذه الحروف إن ذلك لا يصح عن عثمان فإن إسناده ضعيف مضطرب منقطع.
والذي أجنح أنا إليه والعاصم هو الله تعالى تضعيف جميع ما ورد مما فيه طعن بالمتواتر ولم يقبل تأويلا ينشرح له الصدر ويقبله الذوق وإن صححه من صححه. والطعن في الرواة أهون بكثير من الطعن بالأئمة الذين تلقوا القرآن العظيم الذي وصل إلينا بالتواتر من النبي صلّى الله عليه وسلّم ولم يألوا جهدا في إتقانه وحفظه.
وقد ذكر أهل المصطلح أن مما يدرك به وضع الخبر ما يؤخذ من حال المروي كأن يكون مناقضا لنص القرآن أو السنة المتواترة أو الإجماع القطعي أو صريح العقل حيث لا يقبل شيء من ذلك التأويل أو لم يحتمل سقوط شيء
535
منه يزول به المحذور فلو قال قائل بوضع بعض هاتيك الأخبار لم يبعد والله تعالى أعلم.
وقرأ أبو عمرو «إن هذين» بتشديد نون «إن» وبالياء في «هذين». وروي ذلك عن عائشة والحسن والأعمش والنخعي والجحدري وابن جبير وابن عبيد وإعراب ذلك واضح إذ جاء على المهيع المعروف في مثله لكن في الدر المصون قد استشكلت هذه القراءة بأنها مخالفة لرسم الإمام فإن اسم الإشارة فيه بدون ألف وياء فإثبات الياء زيادة عليه. ولذا قال الزجاج: أنا لا أجيزها وليس بشيء لأنه مشترك الإلزام ولو سلم فكم في القراءات ما خالف رسمه القياس مع أن حذف الألف ليس على القياس أيضا.
يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ أي أرض مصر بالاستيلاء عليها بِسِحْرِهِما الذي أظهراه من قبل، ونسبة ذلك لهارون لما أنهم رأوه مع موسى عليهما السلام سالكا طريقته. وهذه الجملة صفة أو خبر بعد خبر.
وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى أي بمذهبكم الذي هو أفضل المذاهب وأمثلها بإظهار مذهبهما وإعلاء دينهما يريدون به ما كان عليه قوم فرعون لا طريقة السحر فإنهم ما كانوا يعتقدونه دينا. وقيل: أرادوا أهل طريقتكم فالكلام على تقدير مضاف. والمراد بهم بنو إسرائيل لقول موسى عليه السلام «أرسل معنا بني إسرائيل» وكانوا أرباب علم فيما بينهم.
وأخرج ذلك ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس وتعقب بأن إخراجهم من أرضهم إنما يكون بالاستيلاء عليها تمكنا وتصرفا فكيف يتصور حينئذ نقل بني إسرائيل إلى الشام. وحمل الإخراج على إخراج بني إسرائيل منها مع بقاء قوم فرعون على حالهم مما يجب تنزيه التنزيل عن أمثاله، على أن هذا المقال منهم للإغراء بالمبالغة في المغالبة والاهتمام بالمناصبة فلا بد أن يكون الإنذار والتحذير بأشد المكاره وأشقها عليهم، ولا ريب في أن إخراج بني إسرائيل من بينهم والذهاب بهم إلى الشام وهم آمنون في ديارهم ليس فيه كثير محذور وهو كلام يلوح عليه مخايل القبول فلعل الخبر عن الحبر لا يصح.
وأخرج ابن المنذر. وابن أبي حاتم أيضا عن مجاهد أن الطريقة اسم لوجوه القوم وأشرافهم. وحكى فلان طريقة قومه أي سيدهم. وكأن إطلاق ذلك على الوجوه مجاز لاتباعهم كما يتبع الطريق،
وأخرجا عن علي كرم الله تعالى وجهه أن إطلاق ذلك عليهم بالسريانية،
وكأنهم أرادوا بهؤلاء الوجوه الوجوه من قوم فرعون أرباب المناصب وأصحاب التصرف والمراتب فيكونوا قد حذروهم بالإخراج من أوطانهم وفصل ذوي المناصب منهم عن مناصبهم وفي ذلك غاية الذل والهوان ونهاية حوادث الزمان، فما قيل: إن تخصيص الإذهاب بهم مما لا مزية فيه ليس بشيء، وقيل: إنهم أرادوا بهم بني إسرائيل أيضا لأنهم كانوا أكثر منهم نسبا وأشرف نسبا وفيه ما مر آنفا، واعترض أيضا بأنه ينافيه استعبادهم واستخدامهم وقتل أولادهم وسومهم العذاب.
وأجيب بالمنع فكم من متبوع مقهور وشريف بأيدي الأنذال مأسور وهو كما ترى فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ تصريح بالمطلوب إثر تمهيد المقدمات. والفاء فصيحة أي إذا كان الأمر كما ذكر من كونهما ساحرين يريدان بكم ما يريدان فأزمعوا كيدكم واجعلوه مجمعا عليه بحيث لا يتخلف عنه منكم أحد وارموا عن قوس واحدة.
وقرأ الزهري وابن محيصن وأبو عمرو ويعقوب في رواية وأبو حاتم «فأجمعوا» بوصل الهمزة وفتح الميم من الجمع. ويعضده قوله تعالى فَجَمَعَ كَيْدَهُ وفي الفرق بين جمع وأجمع كلام للعلماء. قال ابن هشام: إن أجمع يتعلق بالمعاني فقط وجمع مشترك بين المعاني والذوات. وفي عمدة الحفاظ حكاية القول بأن أجمع أكثر ما يقال في المعاني وجمع في الأعيان فيقال: أجمعت أمري وجمعت قومي وقد يقال بالعكس.
وقرأ أبو عمرو «إن هذين» بتشديد نون «إن» وبالياء في «هذين». وروي ذلك عن عائشة والحسن والأعمش والنخعي والجحدري وابن جبير وابن عبيد وإعراب ذلك واضح إذ جاء على المهيع المعروف في مثله لكن في الدر المصون قد استشكلت هذه القراءة بأنها مخالفة لرسم الإمام فإن اسم الإشارة فيه بدون ألف وياء فإثبات الياء زيادة عليه. ولذا قال الزجاج: أنا لا أجيزها وليس بشيء لأنه مشترك الإلزام ولو سلم فكم في القراءات ما خالف رسمه القياس مع أن حذف الألف ليس على القياس أيضا.
يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ أي أرض مصر بالاستيلاء عليها بِسِحْرِهِما الذي أظهراه من قبل، ونسبة ذلك لهارون لما أنهم رأوه مع موسى عليهما السلام سالكا طريقته. وهذه الجملة صفة أو خبر بعد خبر.
وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى أي بمذهبكم الذي هو أفضل المذاهب وأمثلها بإظهار مذهبهما وإعلاء دينهما يريدون به ما كان عليه قوم فرعون لا طريقة السحر فإنهم ما كانوا يعتقدونه دينا. وقيل: أرادوا أهل طريقتكم فالكلام على تقدير مضاف. والمراد بهم بنو إسرائيل لقول موسى عليه السلام «أرسل معنا بني إسرائيل» وكانوا أرباب علم فيما بينهم.
وأخرج ذلك ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس وتعقب بأن إخراجهم من أرضهم إنما يكون بالاستيلاء عليها تمكنا وتصرفا فكيف يتصور حينئذ نقل بني إسرائيل إلى الشام. وحمل الإخراج على إخراج بني إسرائيل منها مع بقاء قوم فرعون على حالهم مما يجب تنزيه التنزيل عن أمثاله، على أن هذا المقال منهم للإغراء بالمبالغة في المغالبة والاهتمام بالمناصبة فلا بد أن يكون الإنذار والتحذير بأشد المكاره وأشقها عليهم، ولا ريب في أن إخراج بني إسرائيل من بينهم والذهاب بهم إلى الشام وهم آمنون في ديارهم ليس فيه كثير محذور وهو كلام يلوح عليه مخايل القبول فلعل الخبر عن الحبر لا يصح.
وأخرج ابن المنذر. وابن أبي حاتم أيضا عن مجاهد أن الطريقة اسم لوجوه القوم وأشرافهم. وحكى فلان طريقة قومه أي سيدهم. وكأن إطلاق ذلك على الوجوه مجاز لاتباعهم كما يتبع الطريق،
وأخرجا عن علي كرم الله تعالى وجهه أن إطلاق ذلك عليهم بالسريانية،
وكأنهم أرادوا بهؤلاء الوجوه الوجوه من قوم فرعون أرباب المناصب وأصحاب التصرف والمراتب فيكونوا قد حذروهم بالإخراج من أوطانهم وفصل ذوي المناصب منهم عن مناصبهم وفي ذلك غاية الذل والهوان ونهاية حوادث الزمان، فما قيل: إن تخصيص الإذهاب بهم مما لا مزية فيه ليس بشيء، وقيل: إنهم أرادوا بهم بني إسرائيل أيضا لأنهم كانوا أكثر منهم نسبا وأشرف نسبا وفيه ما مر آنفا، واعترض أيضا بأنه ينافيه استعبادهم واستخدامهم وقتل أولادهم وسومهم العذاب.
وأجيب بالمنع فكم من متبوع مقهور وشريف بأيدي الأنذال مأسور وهو كما ترى فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ تصريح بالمطلوب إثر تمهيد المقدمات. والفاء فصيحة أي إذا كان الأمر كما ذكر من كونهما ساحرين يريدان بكم ما يريدان فأزمعوا كيدكم واجعلوه مجمعا عليه بحيث لا يتخلف عنه منكم أحد وارموا عن قوس واحدة.
وقرأ الزهري وابن محيصن وأبو عمرو ويعقوب في رواية وأبو حاتم «فأجمعوا» بوصل الهمزة وفتح الميم من الجمع. ويعضده قوله تعالى فَجَمَعَ كَيْدَهُ وفي الفرق بين جمع وأجمع كلام للعلماء. قال ابن هشام: إن أجمع يتعلق بالمعاني فقط وجمع مشترك بين المعاني والذوات. وفي عمدة الحفاظ حكاية القول بأن أجمع أكثر ما يقال في المعاني وجمع في الأعيان فيقال: أجمعت أمري وجمعت قومي وقد يقال بالعكس.
536
وفي المحكم أنه يقال: جمع الشيء عن تفرقة يجمعه جمعا وأجمعه فلم يفرق بينهما، وقال الفراء: إذا أردت جمع المتفرق قلت: جمعت القوم فهم مجموعون وإذا أردت جمع المال قلت جمعت بالتشديد ويجوز تخفيفه والإجماع الاحكام والعزيمة على الشيء ويتعدى بنفسه وبعلى تقول: أجمعت الخروج وأجمعت على الخروج، وقال الأصمعي: يقال جمعت الشيء إذا جئت به من هنا ومن هنا وأجمعته إذا صيرته جميعا، وقال أبو الهيثم: أجمع أمره أي جعله جميعا وعزم عليه بعد ما كان متفرقا وتفرقته أن يقول مرة أفعل كذا ومرة أفعل كذا والجمع أن يجمع شيئا إلى شيء، وقال الفراء: في هذه الآية على القراءة الأولى أي لا تدعوا شيئا من كيدكم إلا جئتم به ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا أي مصطفين أمروا بذلك لأنه أهيب في صدور الرائين وادخل في استجلاب الرهبة من المشاهدين. قيل: كانوا سبعين ألفا مع كل منهم حبل وعصا وأقبلوا عليه عليه السلام إقبالة واحدة، وقيل: كانوا اثنين وسبعين ساحرا اثنان من القبط والباقي من بني إسرائيل، وقيل: تسعمائة ثلاثمائة من الفرس وثلاثمائة من الروم وثلاثمائة من الإسكندية، وقيل: خمسة عشر ألفا، وقيل: بضعة وثلاثين ألفا، ولا يخفى حال الأخبار في ذلك والقلب لا يميل إلى المبالغة والله تعالى أعلم، ولعل الموعد كان مكانا متسعا خاطبهم موسى عليه السلام بما ذكر في قطر من أقطاره وتنازعوا أمرهم في قطر آخر منه ثم أمروا أن يأتوا وسطه على الحال المذكورة، وقد فسر أبو عبيدة الصف بالمكان الذي يجتمعون فيه لعيدهم وصلواتهم وفيه بعد، وكأنه علم لموضع معين من مكان يوم الزينة، وعلى هذا التفسير يكون صَفًّا مفعولا به.
وقرأ شبل بن عباد وابن كثير في رواية شبل عنه «ثم ايتوا» بكسر الميم وإبدال الهمزة ياء. قال أبو علي: وهذا غلط ولا وجه لكسر الميم من ثم، وقال صاحب اللوامح: إن ذلك لالتقاء الساكنين كما كانت الفتحة في قراءة العامة كذلك وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى اعتراض تذييلي من قبلهم مؤكد لما قبله من الأمرين أي قد فاز بالمطلوب من غلب. فاستفعل بمعنى فعل كما في الصحاح أو من طلب العلو والغلب وسعى سعيه على ما في البحر. فاستفعل على بابه، ولعله أبلغ في التحريض حيث جعلوا الفوز لمن طلب الغلب فضلا عمن غلب بالفعل وأرادوا بالمطلوب ما وعدهم فرعون من الأجر والتقريب حسبما نطق به قوله تعالى وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [الأعراف: ١١٤] وبمن استعلى أنفسهم جميعا على طريقة قولهم بعزة فرعون إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ [الشعراء: ٤٤] أو من استعلى منهم حثا على بذل المجهود في المغالبة.
وقال الراغب: الاستعلاء قد يكون لطلب العلو المذموم وقد يكون لغيره وهو هاهنا يحتملهما فلهذا جاز أن يكون هذا الكلام محكيا عن هؤلاء القائلين للتحريض على إجماعهم واهتمامهم وأن يكون من كلام الله عز وجل فالمستعلى موسى. وهارون عليهما السلام ولا تحريض فيه.
وأنت تعلم أن الظاهر هو الأول قالُوا استئناف بياني كأنه قيل: فماذا فعلوا بعد ما قالوا ذلك؟ فقيل قالوا:
يا مُوسى وإنما لم يتعرض لإجماعهم وإتيانهم مصطفين إشعارا بظهور أمرهما وغنائهما عن البيان إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ أي ما تلقيه أولا على أن المفعول محذوف لظهوره أو تفعل الإلقاء أولا على أن الفعل منزل منزلة اللازم وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى ما يلقيه أو أول من يفعل الإلقاء خيروه عليه السلام وقدموه على أنفسهم إظهارا للثقة بأمرهم، وقيل: مراعاة للأدب معه عليه السلام. وأن مع ما في حيزها منصوب بفعل مضمر أي إما تختار إلقاءك أو تختار كوننا أول من ألقى أو مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي الأمر إما إلقاؤك أو كوننا أول من ألقى. واختار أبو حيان كونه مبتدأ محذوف الخبر أي إلقاؤك أول بقرينة إِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى وبه تتم المقابلة لكنها معنوية قالَ استئناف كما مر كأنه قيل فماذا قال عليه السلام؟ فقيل قال: بَلْ أَلْقُوا أنتم أولا إظهارا لعدم المبالاة بسحرهم وإسعافا لما
وقرأ شبل بن عباد وابن كثير في رواية شبل عنه «ثم ايتوا» بكسر الميم وإبدال الهمزة ياء. قال أبو علي: وهذا غلط ولا وجه لكسر الميم من ثم، وقال صاحب اللوامح: إن ذلك لالتقاء الساكنين كما كانت الفتحة في قراءة العامة كذلك وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى اعتراض تذييلي من قبلهم مؤكد لما قبله من الأمرين أي قد فاز بالمطلوب من غلب. فاستفعل بمعنى فعل كما في الصحاح أو من طلب العلو والغلب وسعى سعيه على ما في البحر. فاستفعل على بابه، ولعله أبلغ في التحريض حيث جعلوا الفوز لمن طلب الغلب فضلا عمن غلب بالفعل وأرادوا بالمطلوب ما وعدهم فرعون من الأجر والتقريب حسبما نطق به قوله تعالى وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [الأعراف: ١١٤] وبمن استعلى أنفسهم جميعا على طريقة قولهم بعزة فرعون إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ [الشعراء: ٤٤] أو من استعلى منهم حثا على بذل المجهود في المغالبة.
وقال الراغب: الاستعلاء قد يكون لطلب العلو المذموم وقد يكون لغيره وهو هاهنا يحتملهما فلهذا جاز أن يكون هذا الكلام محكيا عن هؤلاء القائلين للتحريض على إجماعهم واهتمامهم وأن يكون من كلام الله عز وجل فالمستعلى موسى. وهارون عليهما السلام ولا تحريض فيه.
وأنت تعلم أن الظاهر هو الأول قالُوا استئناف بياني كأنه قيل: فماذا فعلوا بعد ما قالوا ذلك؟ فقيل قالوا:
يا مُوسى وإنما لم يتعرض لإجماعهم وإتيانهم مصطفين إشعارا بظهور أمرهما وغنائهما عن البيان إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ أي ما تلقيه أولا على أن المفعول محذوف لظهوره أو تفعل الإلقاء أولا على أن الفعل منزل منزلة اللازم وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى ما يلقيه أو أول من يفعل الإلقاء خيروه عليه السلام وقدموه على أنفسهم إظهارا للثقة بأمرهم، وقيل: مراعاة للأدب معه عليه السلام. وأن مع ما في حيزها منصوب بفعل مضمر أي إما تختار إلقاءك أو تختار كوننا أول من ألقى أو مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي الأمر إما إلقاؤك أو كوننا أول من ألقى. واختار أبو حيان كونه مبتدأ محذوف الخبر أي إلقاؤك أول بقرينة إِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى وبه تتم المقابلة لكنها معنوية قالَ استئناف كما مر كأنه قيل فماذا قال عليه السلام؟ فقيل قال: بَلْ أَلْقُوا أنتم أولا إظهارا لعدم المبالاة بسحرهم وإسعافا لما
537
أوهموا من الميل إلى البدء في شقهم حيث غيروا النظم إلى وجه أبلغ إذ كان الظاهر أن يقولوا: وإما أن نلقي وليبرزوا ما معهم ويستفرغوا جهدهم ويستنفذوا قصارى وسعهم ثم يظهر الله تعالى شأنه سلطانه فيقذف بالحق على الباطل فيدمغه.
قيل وفي ذلك أيضا مقابلة أدب بأدب، واستشكل بعضهم هذا الأمر ظنا منه أنه يستلزم تجويز السحر فحمله دفعا لذلك على الوعيد على السحر كما يقال للعبد العاصي: افعل ما أردت، وقال أبو حيان: هو مقرون بشرط مقدر أي ألقوا إن كنتم محقين. وفيه أنه عليه السلام يعلم عدم إحقاقهم فلا يجدي التقدير بدون ملاحظة غيره.
وأنت تعلم أنه لا حاجة إلى ذلك ولا إشكال فإن هذا كالأمر بذكر الشبهة لتنكشف. والقول بأن تقديم سماع الشبهة على الحجة غير جائز لجواز أن لا يتفرغ لإدراك الحجة بعد ذلك فتبقى مما لا يلتفت إليه.
فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى الفاء فصيحة معربة عن مسارعتهم إلى الإلقاء كما في قوله تعالى: أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ [الشعراء: ٦٣] أي فالقوا فإذا حبالهم إلخ. وهي في الحقيقة عاطفة لجملة المفاجأة على الجملة المحذوفة. وإذا فجائية وهي عند الكوفيين حرف وهو مذهب مرجوح عند أبي حيان وظرف زمان عند الرياشي وهو كذلك عنده أيضا وظرف مكان عند المبرد وهو ظاهر كلام سيبويه ومختار أبي حيان والعامل فيها هنا أَلْقُوا عند أبي البقاء. ورد بأن الفاء تمنع من العمل، وفي البحر إنما هي معمولة لخبر المبتدأ الذي هو حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ إن لم نجعلها هي في موضع الخبر بل جعلنا الخبر جملة يُخَيَّلُ وإذا جعلناها في موضع الخبر وجعلنا الجملة في موضع الحال فالأمر واضح. وهذا نظير خرجت فإذا الأسد رابض ورابضا. ولصحة وقوعها خبرا يكتفى بها وبالمرفوع بعدها كلاما فيقال: خرجت فإذا الأسد. ونص الأخفش في الأوسط على أنها قد يليها جملة فعلية مصحوبة بقد فيقال: خرجت فإذا قد ضرب زيد عمرا، وفي الكشاف التحقيق فيها أنها إذا الكائنة بمعنى الوقت الطالبة ناصبا لها وجملة تضاف إليها خصت في بعض المواضع بأن يكون ناصبها فعلا مخصوصا وهو فعل المفاجأة، والجملة ابتدائية لا غير فتقدير الآية ففاجأ موسى وقت تخيل سعي حبالهم وعصيهم وهذا تمثيل، والمعنى على مفاجأة حبالهم وعصيهم مخيلة إليه السعي انتهى، وفيه من المخالفة لما قدمنا ما فيه لكن أمر العطف عليه أوفق كما لا يخفى، وعنى بقوله: هذا تمثيل أنه تصوير للإعراب وأن إذا وقتية أوقع عليها فعل المفاجأة توسعا لأنها سدت مسد الفعل والمفعول ولأن مفاجأة الوقت يتضمن مفاجأة ما فيه بوجه أبلغ. وما قيل: إنه أراد الاستعارة التمثيلية فيحتاج إلى تكلف لتحصيلها. وضمير إِلَيْهِ الظاهر أنه لموسى عليه السلام بل هو كالمتعين، وقيل: لفرعون وليس بشيء، وأن وما في حيزها نائب فاعل يُخَيَّلُ أي يخيل إليه بسبب سحرهم سعيها وكأن ذلك من باب السيمياء وهي علم يقتدر به على إراء الصورة الذهنية لكن يشترط غالبا أن يكون لها مادة في الخارج في الجملة ويكون ذلك على ما ذكره الشيخ محمد عمر البغدادي في حاشيته على رسالة الشيخ عبد الغني النابلسي في وحدة والوجود بواسطة أسماء وغيرها.
وذكر العلامة البيضاوي في بعض رسائله أن علم السيمياء حاصله إحداث مثالات خيالية لا وجود لها في الحس ويطلق على إيجاد تلك المثالات بصورها في الحس وتكون صورا في جوهر الهواء وهي سريعة الزوال بسبب سرعة تغير جوهره، ولفظ سيمياء معرب شيم يه ومعناه اسم الله تعالى انتهى وما ذكره من سرعة الزوال لا يسلم كليا وهو عندي بعض من علم السحر. وعرفه البيضاوي بأنه علم يستفاد منه حصول ملكة نفسانية يقتدر بها على أفعال غريبة بأسباب خفية ثم قال: والسحر منه حقيقي. ومنه غير حقيقي ويقال له: الأخذ بالعيون وسحرة فرعون أتوا
قيل وفي ذلك أيضا مقابلة أدب بأدب، واستشكل بعضهم هذا الأمر ظنا منه أنه يستلزم تجويز السحر فحمله دفعا لذلك على الوعيد على السحر كما يقال للعبد العاصي: افعل ما أردت، وقال أبو حيان: هو مقرون بشرط مقدر أي ألقوا إن كنتم محقين. وفيه أنه عليه السلام يعلم عدم إحقاقهم فلا يجدي التقدير بدون ملاحظة غيره.
وأنت تعلم أنه لا حاجة إلى ذلك ولا إشكال فإن هذا كالأمر بذكر الشبهة لتنكشف. والقول بأن تقديم سماع الشبهة على الحجة غير جائز لجواز أن لا يتفرغ لإدراك الحجة بعد ذلك فتبقى مما لا يلتفت إليه.
فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى الفاء فصيحة معربة عن مسارعتهم إلى الإلقاء كما في قوله تعالى: أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ [الشعراء: ٦٣] أي فالقوا فإذا حبالهم إلخ. وهي في الحقيقة عاطفة لجملة المفاجأة على الجملة المحذوفة. وإذا فجائية وهي عند الكوفيين حرف وهو مذهب مرجوح عند أبي حيان وظرف زمان عند الرياشي وهو كذلك عنده أيضا وظرف مكان عند المبرد وهو ظاهر كلام سيبويه ومختار أبي حيان والعامل فيها هنا أَلْقُوا عند أبي البقاء. ورد بأن الفاء تمنع من العمل، وفي البحر إنما هي معمولة لخبر المبتدأ الذي هو حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ إن لم نجعلها هي في موضع الخبر بل جعلنا الخبر جملة يُخَيَّلُ وإذا جعلناها في موضع الخبر وجعلنا الجملة في موضع الحال فالأمر واضح. وهذا نظير خرجت فإذا الأسد رابض ورابضا. ولصحة وقوعها خبرا يكتفى بها وبالمرفوع بعدها كلاما فيقال: خرجت فإذا الأسد. ونص الأخفش في الأوسط على أنها قد يليها جملة فعلية مصحوبة بقد فيقال: خرجت فإذا قد ضرب زيد عمرا، وفي الكشاف التحقيق فيها أنها إذا الكائنة بمعنى الوقت الطالبة ناصبا لها وجملة تضاف إليها خصت في بعض المواضع بأن يكون ناصبها فعلا مخصوصا وهو فعل المفاجأة، والجملة ابتدائية لا غير فتقدير الآية ففاجأ موسى وقت تخيل سعي حبالهم وعصيهم وهذا تمثيل، والمعنى على مفاجأة حبالهم وعصيهم مخيلة إليه السعي انتهى، وفيه من المخالفة لما قدمنا ما فيه لكن أمر العطف عليه أوفق كما لا يخفى، وعنى بقوله: هذا تمثيل أنه تصوير للإعراب وأن إذا وقتية أوقع عليها فعل المفاجأة توسعا لأنها سدت مسد الفعل والمفعول ولأن مفاجأة الوقت يتضمن مفاجأة ما فيه بوجه أبلغ. وما قيل: إنه أراد الاستعارة التمثيلية فيحتاج إلى تكلف لتحصيلها. وضمير إِلَيْهِ الظاهر أنه لموسى عليه السلام بل هو كالمتعين، وقيل: لفرعون وليس بشيء، وأن وما في حيزها نائب فاعل يُخَيَّلُ أي يخيل إليه بسبب سحرهم سعيها وكأن ذلك من باب السيمياء وهي علم يقتدر به على إراء الصورة الذهنية لكن يشترط غالبا أن يكون لها مادة في الخارج في الجملة ويكون ذلك على ما ذكره الشيخ محمد عمر البغدادي في حاشيته على رسالة الشيخ عبد الغني النابلسي في وحدة والوجود بواسطة أسماء وغيرها.
وذكر العلامة البيضاوي في بعض رسائله أن علم السيمياء حاصله إحداث مثالات خيالية لا وجود لها في الحس ويطلق على إيجاد تلك المثالات بصورها في الحس وتكون صورا في جوهر الهواء وهي سريعة الزوال بسبب سرعة تغير جوهره، ولفظ سيمياء معرب شيم يه ومعناه اسم الله تعالى انتهى وما ذكره من سرعة الزوال لا يسلم كليا وهو عندي بعض من علم السحر. وعرفه البيضاوي بأنه علم يستفاد منه حصول ملكة نفسانية يقتدر بها على أفعال غريبة بأسباب خفية ثم قال: والسحر منه حقيقي. ومنه غير حقيقي ويقال له: الأخذ بالعيون وسحرة فرعون أتوا
538
بمجموع الأمرين انتهى، والمشهور أن هؤلاء السحرة جعلوا في الحبال والعصي زئبقا فلما أصابتها حرارة الشمس اضطربت واهتزت فخيل إليه عليه السلام أنها تتحرك وتمشي كشيء فيه حياة. ويروى أنه عليه السلام رآها كأنها حيات وقد أخذت ميلا في ميل، وقيل: حفروا الأرض وجعلوا فيها نارا ووضعوا فوقها تلك الحبال والعصي فلما أصابتها حرارة النار تحركت ومشت. وفي القلب من صحة كلا القولين شيء.
والظاهر أن التخيل من موسى عليه السلام قد حصل حقيقة بواسطة سحرهم، وروي ذلك عن وهب.
وقيل: لم يحصل والمراد من الآية أنه عليه السلام شاهد شيئا لولا علمه بأنه لا حقيقة له لظن فيها أنها تسعى فيكون تمثيلا وهو خلاف الظاهر جدا، وقرأ الحسن وعيسى «عصيهم» بضم العين وإسكان الصاد وتخفيف الياء مع الرفع وهو جمع كما في القراءة المشهورة وقرأ الزهري والحسن وعيسى وأبو حيوة وقتادة والجحدري وروح وابن ذكوان وغيرهم «تخيل» بالتاء الفوقانية مبنيا للمفعول وفيه ضمير الحبال والعصى. وأَنَّها تَسْعى بدل اشتمال من ذلك الضمير ولا يضر الإبدال منه في كونه رابطا لكونه ليس ساقطا من كل الوجوه.
وقرأ أبو السمال «تخيل» بفتح التاء أي تتخيل وفيه أيضا ضمير ما ذكروا أَنَّها تَسْعى بدل منه أيضا، وقال ابن عطية: هو مفعول من أجله، وقال أبو القاسم بن حبارة الهذلي الأندلس في كتاب الكامل: عن أبي السمال أنه قرىء «تخيل» بالتاء من فوق المضمومة وكسر الياء والضمير فيه فاعل و «أنها تسعى» نصب على المفعول به. ونسب ابن عطية هذه القراءة إلى الحسن وعيسى الثقفي ومن بنى «تخيل» للمفعول فالمخيل لهم ذلك هو الله تعالى للمحنة والابتلاء.
وروى الحسن بن يمن عن أبي حيوة «نخيل» بالنون وكسر الياء فالفاعل ضميره تعالى أَنَّها تَسْعى مفعول به.
فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى الإيجاس الإخفاء والخيفة الخوف وأصله خوفة قلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها، وقال ابن عطية: يحتمل أن يكون خوفة بفتح الخاء قلبت الواو ياء ثم كسرت الخاء للتناسب والأول أولى.
والتنوين للتحقير أي أخفى فيها بعض خوف من مفاجأة ذلك بمقتضى طبع الجبلة البشرية عند رؤية الأمر المهول وهو قول الحسن، وقال مقاتل: خاف عليه السلام من أن يعرض للناس ويختلج في خواطرهم شك وشبهة في معجزة العصا لما رأوا من عصيهم. وإضمار خوفه عليه السلام من ذلك لئلا تقوى نفوسهم إذا ظهر لهم فيؤدي إلى عدم اتباعهم، وقيل: التنوين للتعظيم أي أخفى فيها خوفا عظيما، وقال بعضهم: إن الصيغة لكونها فعلة وهي دالة على الهيئة والحالة اللازمة تشعر بذلك ولذا اختيرت على الخوف في قوله تعالى وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ [الرعد:
١٣] ولا يأباه الإيجاس، وقيل: يأباه والأول هو الأنسب بحال موسى عليه السلام إن كان خوفه مما قاله الحسن والثاني هو الأنسب بحاله عليه السلام إن كان خوفه مما قاله مقاتل، وقيل: إنه أنسب أيضا بوصف السحر بالعظم في قوله تعالى وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ [الأعراف: ١١٦] وأيد بعضهم كون التنوين لذلك بإظهار موسى وعدم إضماره فتأمل، وقيل: إنه عليه السلام سمع لما قالوا إما أن تلقى إلخ القوا يا أولياء الله تعالى فخاف لذلك حيث يعلم أن أولياء الله تعالى لا يغلبون ولا يكاد يصح والنظم الكريم يأباه. وتأخير الفاعل لمراعاة الفواصل قُلْنا لا تَخَفْ أي لا تستمر على خوفك مما توهمت وادفع عن نفسك ما اعتراك فالنهي على حقيقته، وقيل: حرج عن ذلك للتشجيع وتقوية القلب إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى تعليل لما يوجبه النهي من الانتهاء عن الخوف وتقرير لغلبته على أبلغ وجه وآكده كما يعرب عن ذلك الاستئناف البياني وحرف التحقيق وتكرير الضمير وتعرف الخبر ولفظ العلو المنبئ عن الغلبة الظاهرة وصيغة التفضيل كما قاله غير واحد. والذي أميل إليه أن الصيغة المذكورة لمجرد الزيادة فإن كونها للمشاركة والزيادة
والظاهر أن التخيل من موسى عليه السلام قد حصل حقيقة بواسطة سحرهم، وروي ذلك عن وهب.
وقيل: لم يحصل والمراد من الآية أنه عليه السلام شاهد شيئا لولا علمه بأنه لا حقيقة له لظن فيها أنها تسعى فيكون تمثيلا وهو خلاف الظاهر جدا، وقرأ الحسن وعيسى «عصيهم» بضم العين وإسكان الصاد وتخفيف الياء مع الرفع وهو جمع كما في القراءة المشهورة وقرأ الزهري والحسن وعيسى وأبو حيوة وقتادة والجحدري وروح وابن ذكوان وغيرهم «تخيل» بالتاء الفوقانية مبنيا للمفعول وفيه ضمير الحبال والعصى. وأَنَّها تَسْعى بدل اشتمال من ذلك الضمير ولا يضر الإبدال منه في كونه رابطا لكونه ليس ساقطا من كل الوجوه.
وقرأ أبو السمال «تخيل» بفتح التاء أي تتخيل وفيه أيضا ضمير ما ذكروا أَنَّها تَسْعى بدل منه أيضا، وقال ابن عطية: هو مفعول من أجله، وقال أبو القاسم بن حبارة الهذلي الأندلس في كتاب الكامل: عن أبي السمال أنه قرىء «تخيل» بالتاء من فوق المضمومة وكسر الياء والضمير فيه فاعل و «أنها تسعى» نصب على المفعول به. ونسب ابن عطية هذه القراءة إلى الحسن وعيسى الثقفي ومن بنى «تخيل» للمفعول فالمخيل لهم ذلك هو الله تعالى للمحنة والابتلاء.
وروى الحسن بن يمن عن أبي حيوة «نخيل» بالنون وكسر الياء فالفاعل ضميره تعالى أَنَّها تَسْعى مفعول به.
فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى الإيجاس الإخفاء والخيفة الخوف وأصله خوفة قلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها، وقال ابن عطية: يحتمل أن يكون خوفة بفتح الخاء قلبت الواو ياء ثم كسرت الخاء للتناسب والأول أولى.
والتنوين للتحقير أي أخفى فيها بعض خوف من مفاجأة ذلك بمقتضى طبع الجبلة البشرية عند رؤية الأمر المهول وهو قول الحسن، وقال مقاتل: خاف عليه السلام من أن يعرض للناس ويختلج في خواطرهم شك وشبهة في معجزة العصا لما رأوا من عصيهم. وإضمار خوفه عليه السلام من ذلك لئلا تقوى نفوسهم إذا ظهر لهم فيؤدي إلى عدم اتباعهم، وقيل: التنوين للتعظيم أي أخفى فيها خوفا عظيما، وقال بعضهم: إن الصيغة لكونها فعلة وهي دالة على الهيئة والحالة اللازمة تشعر بذلك ولذا اختيرت على الخوف في قوله تعالى وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ [الرعد:
١٣] ولا يأباه الإيجاس، وقيل: يأباه والأول هو الأنسب بحال موسى عليه السلام إن كان خوفه مما قاله الحسن والثاني هو الأنسب بحاله عليه السلام إن كان خوفه مما قاله مقاتل، وقيل: إنه أنسب أيضا بوصف السحر بالعظم في قوله تعالى وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ [الأعراف: ١١٦] وأيد بعضهم كون التنوين لذلك بإظهار موسى وعدم إضماره فتأمل، وقيل: إنه عليه السلام سمع لما قالوا إما أن تلقى إلخ القوا يا أولياء الله تعالى فخاف لذلك حيث يعلم أن أولياء الله تعالى لا يغلبون ولا يكاد يصح والنظم الكريم يأباه. وتأخير الفاعل لمراعاة الفواصل قُلْنا لا تَخَفْ أي لا تستمر على خوفك مما توهمت وادفع عن نفسك ما اعتراك فالنهي على حقيقته، وقيل: حرج عن ذلك للتشجيع وتقوية القلب إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى تعليل لما يوجبه النهي من الانتهاء عن الخوف وتقرير لغلبته على أبلغ وجه وآكده كما يعرب عن ذلك الاستئناف البياني وحرف التحقيق وتكرير الضمير وتعرف الخبر ولفظ العلو المنبئ عن الغلبة الظاهرة وصيغة التفضيل كما قاله غير واحد. والذي أميل إليه أن الصيغة المذكورة لمجرد الزيادة فإن كونها للمشاركة والزيادة
539
يقتضي أن يكون للسحرة علو وغلبة ظاهرة أيضا مع أنه ليس كذلك وإثبات ذلك لهم بالنسبة إلى العامة كما قيل ليس بشيء إذ لا مغالبة بينهم وبينهم وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ أي عصاك كما وقع في سورة الأعراف. وكأن التعبير عنها بذلك لتذكيره ما وقع وشاده عليه السلام منها يوم قال سبحانه له وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى [طه: ١٧]، وقال بعض المحققين: إنما أوثر الإبهام تهويلا لأمرها وتفخيما لشأنها وإيذانا بأنها ليست من جنس العصي المعهودة المستتبعة للآثار المعتادة بل خارجة عن حدود سائر أفراد الجنس مبهمة لكنها مستتبعة لآثار غريبة وعدم مراعاة هذه النكتة عند حكاية الأمر في مواضع أخر لا يستدعي عدم مراعاتها عند وقوع المحكي انتهى. وحاصله أن الإبهام للتفخيم كأن العصا لفخامة شأنها لا يحيط بها نطاق العلم نحو فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ [طه: ٧٨] ووقع حكاية الأمر في مواضع أخر بالمعنى والواقع نفسه ما تضمن هذه النكتة وإن لم يكن بلفظ عربي وإنما لم يعتبر العكس لأن المتضمن أوفق بمقام النهي عن الخوف وتشجيعه عليه السلام.
وقال أبو حيان: عبر بذلك دون عصاك لما في اليمين من معنى اليمن والبركة، وفيه أن الخطاب لم يكن بلفظ عربي، وقيل: الإبهام للتحقير بأن يراد لا تبالي بكثرة حبالهم وعصيهم وألق العويد الذي في يدك فإنه بقدرة الله تعالى يلقفها مع وحدته وكثرتها وصغره وعظمها. وتعقب بأنه يأباه ظهور حالها فيما مر مرتين على أن ذلك المعنى إنما يليق بما لو فعلت العصا ما فعلت وهي على الهيئة الأصلية وقد كان منها ما كان، وما يحتمل أن تكون موصوفة ويحتمل أن تكون موصولة على كل من الوجهين، وقيل: الأنسب على الأول الأول وعلى الثاني الثاني، وقوله تعالى تَلْقَفْ ما صَنَعُوا بالجزم جواب الأمر من لقفه ناله بالحذف باليد أو بالفم، والمراد هنا الثاني والتأنيث بكون ما عبارة عن العصا أي تبتلع ما صنعوه من الحبال والعصي التي خيل إليك سعيها، والتعبير عنها بما صنعوا للتحقير والإيذان بالتمويه والتزوير. وقرأ الأكثرون «تلقّف» بفتح اللام وتشديد القاف وإسقاط إحدى التاءين من «تتلقف».
وقرأ ابن عامر كذلك إلا أنه رفع الفعل على أن الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا أو حال مقدرة من فاعل ألق بناء على تسببه أو من مفعوله أي متلقفا أو متلقفة وجملة الأمر معطوفة على النهي متممة بما في حيزها لتعليل موجبه ببيان كيفية علوه وغلبه عليه السلام فإن ابتلاع عصاه عليه السلام لأباطيلهم التي منها أوجس في نفسه خيفة يقلع مادة الخوف بالكلية. وزعم بعضهم أن هذا صريح في أن خوفه عليه السلام لم يكن من مخالجة الشك للناس في معجزة العصا وإلا لعلل بما يزيله من الوعد بما يوجب إيمانهم وفيه تأمل.
وقوله تعالى إِنَّما صَنَعُوا إلخ تعليل لقوله تعالى تَلْقَفْ ما صَنَعُوا وما إما موصولة أو موصوفة أو مصدرية أي إن الذي صنعوه أو إن شيئا صنعوه أو إن صنعهم كَيْدُ ساحِرٍ بالرفع على أنه خبر إن أي كيد جنس الساحر، وتنكيره للتوسل به إلى ما يقتضيه المقام من تنكير المضاف ولو عرف لكان المضاف إليه معرفة وليس مرادا. واعترض بأنه يجوز أن يكون تعريفه الإضافي حينئذ للجنس وهو كالنكرة معنى وإنما الفرق بينهما حضوره في الذهن. وأجيب بأنه لا حاجة إلى تعيين جنسه فإنه مما علم من قوله تعالى «يخيل» إلخ وإنما الغرض بعد تعيينه أن يذكر أنه أمر مموه لا حقيقة له وهذا مما يعرف بالذوق، وقيل: نكر ليتوسل به إلى تحقير المضاف. وتعقب بأنه بعد تسليم إفادة ذلك تحقير المضاف لا يناسب المقام ولأنه يفيد انقسام السحر إلى حقير وعظيم وليس بمقصود. وأيضا ينافي ذلك قوله تعالى في آية أخرى وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ إلا أن يقال عظمه من وجه لا ينافي حقارته في نفسه وهو المراد من تحقيره. وقيل: إنما نكر لئلا يذهب الذهن إلى أن المراد ساحر معروف فتدبر.
وقرأ مجاهد وحميد وزيد بن علي عليهم الرحمة «كيد» بالنصب على أنه مفعول صَنَعُوا وما كافة.
وقال أبو حيان: عبر بذلك دون عصاك لما في اليمين من معنى اليمن والبركة، وفيه أن الخطاب لم يكن بلفظ عربي، وقيل: الإبهام للتحقير بأن يراد لا تبالي بكثرة حبالهم وعصيهم وألق العويد الذي في يدك فإنه بقدرة الله تعالى يلقفها مع وحدته وكثرتها وصغره وعظمها. وتعقب بأنه يأباه ظهور حالها فيما مر مرتين على أن ذلك المعنى إنما يليق بما لو فعلت العصا ما فعلت وهي على الهيئة الأصلية وقد كان منها ما كان، وما يحتمل أن تكون موصوفة ويحتمل أن تكون موصولة على كل من الوجهين، وقيل: الأنسب على الأول الأول وعلى الثاني الثاني، وقوله تعالى تَلْقَفْ ما صَنَعُوا بالجزم جواب الأمر من لقفه ناله بالحذف باليد أو بالفم، والمراد هنا الثاني والتأنيث بكون ما عبارة عن العصا أي تبتلع ما صنعوه من الحبال والعصي التي خيل إليك سعيها، والتعبير عنها بما صنعوا للتحقير والإيذان بالتمويه والتزوير. وقرأ الأكثرون «تلقّف» بفتح اللام وتشديد القاف وإسقاط إحدى التاءين من «تتلقف».
وقرأ ابن عامر كذلك إلا أنه رفع الفعل على أن الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا أو حال مقدرة من فاعل ألق بناء على تسببه أو من مفعوله أي متلقفا أو متلقفة وجملة الأمر معطوفة على النهي متممة بما في حيزها لتعليل موجبه ببيان كيفية علوه وغلبه عليه السلام فإن ابتلاع عصاه عليه السلام لأباطيلهم التي منها أوجس في نفسه خيفة يقلع مادة الخوف بالكلية. وزعم بعضهم أن هذا صريح في أن خوفه عليه السلام لم يكن من مخالجة الشك للناس في معجزة العصا وإلا لعلل بما يزيله من الوعد بما يوجب إيمانهم وفيه تأمل.
وقوله تعالى إِنَّما صَنَعُوا إلخ تعليل لقوله تعالى تَلْقَفْ ما صَنَعُوا وما إما موصولة أو موصوفة أو مصدرية أي إن الذي صنعوه أو إن شيئا صنعوه أو إن صنعهم كَيْدُ ساحِرٍ بالرفع على أنه خبر إن أي كيد جنس الساحر، وتنكيره للتوسل به إلى ما يقتضيه المقام من تنكير المضاف ولو عرف لكان المضاف إليه معرفة وليس مرادا. واعترض بأنه يجوز أن يكون تعريفه الإضافي حينئذ للجنس وهو كالنكرة معنى وإنما الفرق بينهما حضوره في الذهن. وأجيب بأنه لا حاجة إلى تعيين جنسه فإنه مما علم من قوله تعالى «يخيل» إلخ وإنما الغرض بعد تعيينه أن يذكر أنه أمر مموه لا حقيقة له وهذا مما يعرف بالذوق، وقيل: نكر ليتوسل به إلى تحقير المضاف. وتعقب بأنه بعد تسليم إفادة ذلك تحقير المضاف لا يناسب المقام ولأنه يفيد انقسام السحر إلى حقير وعظيم وليس بمقصود. وأيضا ينافي ذلك قوله تعالى في آية أخرى وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ إلا أن يقال عظمه من وجه لا ينافي حقارته في نفسه وهو المراد من تحقيره. وقيل: إنما نكر لئلا يذهب الذهن إلى أن المراد ساحر معروف فتدبر.
وقرأ مجاهد وحميد وزيد بن علي عليهم الرحمة «كيد» بالنصب على أنه مفعول صَنَعُوا وما كافة.
540
وقرأ حمزة والكسائي وأبو بحرية والأعمش وطلحة وابن أبي ليلى وخلف في اختياره وابن عيسى الأصبهاني وابن جبير الأنطاكي وابن جرير «سحر» بكسر السين وإسكان الحاء على معنى ذي سحر أو على تسمية الساحر سحرا مبالغة كأنه لتوغله في السحر صار نفس السحر. وقيل: على أن الإضافة لبيان أن الكبد من جنس السحر. وهذه الإضافة من إضافة العام إلى الخاص. وهي على معنى اللام عند شارح الهادي وعلى معنى من على ما يفهم من ظاهر كلام الشريف في أول شرح المفتاح وتسمى إضافة بيانية. ويحمل فيما وجدت فهى المضاف إليه على المضاف. ولا يشترط أن يكون بين المتضايفين عموم وخصوص من وجه وبعضهم شرط ذلك.
وقوله تعالى شأنه وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ أي هذا الجنس حَيْثُ أَتى حيث كان وأين أقبل فحيث ظرف مكان أريد به التعميم من تمام التعليل. ولم يتعرض لشأن العصا وكونها معجزة إلهية مع ما في ذلك من تقوية التعليل للإيذان بظهور أمرها.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن جندب بن عبد الله البجلي قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أخذتم الساحر فاقتلوه ثم قرأ: وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى قال لا يؤمن حيث وجد»
وقرأت فرقة «أين أتى» والفاء في قوله تعالى فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً فضيحة معربة عن جمل غنية عن التصريح أي فزال الخوف وألقى ما في يمينه وصارت حية وتلقفت حبالهم وعصيهم وعلموا أن ذلك معجز فألقى السحرة على وجوههم سجدا لله تعالى تائبين مؤمنين به عز وجل وبرسالة موسى عليه السلام.
روي أن رئيسهم قال: كنا نغلب الناس وكانت الآلات تبقى علينا فلو كان هذا سحرا فأين ما ألقينا فاستدل بتغير أحوال الأجسام على الصانع القدير العليم وبظهور ذلك على يد موسى عليه السلام على صحة رسالته. وكأن هاتيك الحبال والعصي صارت هباء منبثا وانعدامها بالكلية ممكن عندنا، وفي التعبير بألقى دون فسجد إشارة إلى أنهم شاهدوا ما أزعجهم فلم يتمالكوا حتى وقعوا على وجوههم ساجدين، وفيه إيقاظ السامع لإلطاف الله تعالى في نقله من شاء من عباده من غاية الكفر والعناد إلى نهاية الإيمان والسداد مع ما فيه من المشاكلة والتناسب، والمراد أنهم أسرعوا إلى السجود، قيل: إنهم لم يرفعوا رؤوسهم من السجود حتى رأوا الجنة والنار والثواب والعقاب.
وأخرج عبد بن حميد. وابن المنذر. وابن أبي حاتم عن عكرمة أنهم لما خروا سجدا أراهم الله تعالى في سجودهم منازلهم في الجنة. واستبعد ذلك القاضي بأنه كالإلجاء إلى الإيمان وأنه ينافي التكليف. وأجيب بأنه حيث كان الإيمان مقدما على هذا الكشف فلا منافاة ولا الجاء، وفي إرشاد العقل السليم أنه لا ينافيه قولهم: إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا [طه: ٧٣] إلخ لأن كون تلك المنازل منازلهم باعتبار صدور هذا القول عنهم.
قالُوا استئناف كما مر غير مرة آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى تأخير موسى عليه السلام عند حكاية كلامهم المذكورة في سورة الأعراف المقدم فيه موسى عليه السلام لأنه أشرف من هارون والدعوة والرسالة إنما هي له أولا وبالذات وظهور المعجزة على يده عليه السلام لرعاية الفواصل، وجوز أن يكون كلامهم بهذا الترتيب وقدموا هارون عليه السلام لأنه أكبر سنا، وقول السيد في شرح المفتاح: إن موسى أكبر من هارون عليهما السلام سهو. وأما للمبالغة في الاحتراز عن التوهم الباطل من جهة فرعون وقومه حيث كان فرعون ربي موسى عليه السلام فلو قدموا موسى لربما توهم اللعين وقومه من أول الأمر أن مرادهم فرعون تقديمه في سورة الأعراف تقديم في الحكاية لتلك النكتة.
وجوز أبو حيان أن يكون ما هنا قول طائفة منهم وما هناك قول أخرى وراعى كل نكتة فيما فعل لكنه لما اشترك القول في المعنى صح نسبة كل منهما إلى الجميع. واختيار هذا القول هنا لأنه أوفق بآيات هذه السورة.
قالَ أي فرعون للسحرة آمَنْتُمْ لَهُ أي لموسى كما هو الظاهر. والإيمان في الأصل متعد بنفسه ثم شاع تعديه بالباء لما فيه من التصديق حتى صار حقيقة. وإنما عدي هنا باللام لتضمينه معنى الانقياد وهو يعدى بها يقال.
وقوله تعالى شأنه وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ أي هذا الجنس حَيْثُ أَتى حيث كان وأين أقبل فحيث ظرف مكان أريد به التعميم من تمام التعليل. ولم يتعرض لشأن العصا وكونها معجزة إلهية مع ما في ذلك من تقوية التعليل للإيذان بظهور أمرها.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن جندب بن عبد الله البجلي قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أخذتم الساحر فاقتلوه ثم قرأ: وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى قال لا يؤمن حيث وجد»
وقرأت فرقة «أين أتى» والفاء في قوله تعالى فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً فضيحة معربة عن جمل غنية عن التصريح أي فزال الخوف وألقى ما في يمينه وصارت حية وتلقفت حبالهم وعصيهم وعلموا أن ذلك معجز فألقى السحرة على وجوههم سجدا لله تعالى تائبين مؤمنين به عز وجل وبرسالة موسى عليه السلام.
روي أن رئيسهم قال: كنا نغلب الناس وكانت الآلات تبقى علينا فلو كان هذا سحرا فأين ما ألقينا فاستدل بتغير أحوال الأجسام على الصانع القدير العليم وبظهور ذلك على يد موسى عليه السلام على صحة رسالته. وكأن هاتيك الحبال والعصي صارت هباء منبثا وانعدامها بالكلية ممكن عندنا، وفي التعبير بألقى دون فسجد إشارة إلى أنهم شاهدوا ما أزعجهم فلم يتمالكوا حتى وقعوا على وجوههم ساجدين، وفيه إيقاظ السامع لإلطاف الله تعالى في نقله من شاء من عباده من غاية الكفر والعناد إلى نهاية الإيمان والسداد مع ما فيه من المشاكلة والتناسب، والمراد أنهم أسرعوا إلى السجود، قيل: إنهم لم يرفعوا رؤوسهم من السجود حتى رأوا الجنة والنار والثواب والعقاب.
وأخرج عبد بن حميد. وابن المنذر. وابن أبي حاتم عن عكرمة أنهم لما خروا سجدا أراهم الله تعالى في سجودهم منازلهم في الجنة. واستبعد ذلك القاضي بأنه كالإلجاء إلى الإيمان وأنه ينافي التكليف. وأجيب بأنه حيث كان الإيمان مقدما على هذا الكشف فلا منافاة ولا الجاء، وفي إرشاد العقل السليم أنه لا ينافيه قولهم: إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا [طه: ٧٣] إلخ لأن كون تلك المنازل منازلهم باعتبار صدور هذا القول عنهم.
قالُوا استئناف كما مر غير مرة آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى تأخير موسى عليه السلام عند حكاية كلامهم المذكورة في سورة الأعراف المقدم فيه موسى عليه السلام لأنه أشرف من هارون والدعوة والرسالة إنما هي له أولا وبالذات وظهور المعجزة على يده عليه السلام لرعاية الفواصل، وجوز أن يكون كلامهم بهذا الترتيب وقدموا هارون عليه السلام لأنه أكبر سنا، وقول السيد في شرح المفتاح: إن موسى أكبر من هارون عليهما السلام سهو. وأما للمبالغة في الاحتراز عن التوهم الباطل من جهة فرعون وقومه حيث كان فرعون ربي موسى عليه السلام فلو قدموا موسى لربما توهم اللعين وقومه من أول الأمر أن مرادهم فرعون تقديمه في سورة الأعراف تقديم في الحكاية لتلك النكتة.
وجوز أبو حيان أن يكون ما هنا قول طائفة منهم وما هناك قول أخرى وراعى كل نكتة فيما فعل لكنه لما اشترك القول في المعنى صح نسبة كل منهما إلى الجميع. واختيار هذا القول هنا لأنه أوفق بآيات هذه السورة.
قالَ أي فرعون للسحرة آمَنْتُمْ لَهُ أي لموسى كما هو الظاهر. والإيمان في الأصل متعد بنفسه ثم شاع تعديه بالباء لما فيه من التصديق حتى صار حقيقة. وإنما عدي هنا باللام لتضمينه معنى الانقياد وهو يعدى بها يقال.
541
انقاد له لا الاتباع كما قيل: لأنه متعد بنفسه يقال: اتبعه ولا يقال: اتبع له، وفي البحر إن آمن يوصل بالباء إذا كان متعلقه الله عز اسمه وباللام إن كان متعلقه غيره تعالى في الأكثر نحو يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ [التوبة: ٦١]. فما آمن لموسى إلخ. لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ [الإسراء: ٩٠] وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا [يوسف: ١٧] فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ [العنكبوت:
٢٦]، وجوز أن تكون اللام تعليلية والتقدير آمنتم بالله تعالى لأجل موسى وما شاهدتهم منه، واختاره بعضهم ولا تفكيك فيه كما توهم، وقيل: يحتمل أن يكون ضمير «له» للرب عز وجل، وفي الآية حينئذ تفكيك ظاهر.
وقرأ الأكثر «أآمنتم» على الاستفهام التوبيخي. والتوبيخ هو المراد من الجملة على القراءة الأولى أيضا لا فائدة الخبر أو لازمها قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ أي من غير إذني لكم في الإيمان كما في قوله تعالى: لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي [الكهف: ١٠٩] لا إن إذنه لهم في ذلك واقع بعد أو متوقع، وفرق الطبرسي بين الإذن والأمر بأن الأمر يدل على إرادة الآمر الفعل المأمور به وليس في الإذن ذلك إِنَّهُ يعني موسى عليه السلام لَكَبِيرُكُمُ لعظيمكم في فنكم وأعلمكم به وأستاذكم الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ كأن اللعين وبخهم أولا على إيمانهم له عليه السلام من غير إذنه لهم ليرى قومه أن إيمانهم غير معتد به حيث كان بغير إذنه. ثم استشعر أن يقولوا: أي حاجة إلى الإذن بعد أن صنعنا ما صنعنا وصدر منه عليه السلام ما صدر فأجاب عن ذلك بقوله: إِنَّهُ إلخ أي ذلك غير معتد به أيضا لأنه أستاذكم في السحر فتواطأتم معه على ما وقع أو علمكم شيئا دون شيء فلذلك غلبكم فالجملة تعليل لمحذوف، وقيل: هي تعليل للمذكور قبل. وبالجملة قال ذلك لما اعتراه من الخوف من اقتداء الناس بالسحرة في الإيمان لموسى عليه السلام ثم أقبل عليهم بالوعيد المؤكد حيث قال: فَلَأُقَطِّعَنَّ أي إذا كان الأمر كذلك فأقسم لأقطعن أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ أي اليد اليمنى والرجل اليسرى وعليه عامة المفسرين وهو تخصيص من خارج وإلا فيحتمل أن يراد غير ذلك. ومِنْ ابتدائية.
وقال الطبرسي: بمعنى عن أو على وليس بشيء. والمراد من الخلاف الجانب المخالف أو الجهة المخالفة.
والجار والمجرور حسبما يظهر متعلق بأقطعن، وقيل: متعلق بمحذوف وقع صفة مصدر محذوف أي تقطيع مبتدأ من جانب مخالف أو من جهة مخالفة وابتداء التقطيع من ذلك ظاهر، ويجوز أن يبقى الخلاف على حقيقته أعني المخالفة وجعله مبتدأ على التجوز فإنه عارض ما هو مبدأ حقيقة، وجعل بعضهم الجار والمجرور في حيز النصب على الحالية، والمراد لأقطعنها مختلفات فتأمل، وتعيين هذه الكيفية قيل للإيذان بتحقيق الأمر وإيقاعه لا محالة بتعيين كيفيته المعهودة في باب السياسة. ولعل اختيارها فيها دون القطع من وفاق لأن فيه إهلاكا وتفويتا للمنفعة، وزعم بعضهم أنها أفظع وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ أي عليها. وإيثار كلمة في للدلالة على إبقائهم عليها زمانا مديدا تشبيها لاستمرارهم عليها باستقرار الظرف في المظروف المشتمل عليه. وعلى ذلك قوله:
وفيه استعارة تبعية. والكلام في ذلك شهير، وقيل: لا استعارة أصلا لأن فرعون نقر جذوع النخل وصلبهم في داخلها ليموتوا جوعا وعطشا ولا يكاد يصح بل في أصل الصلب كلام. فقال بعضهم: إنه أنفذ فيهم وعيده وصلبهم وهو أول من صلب. ولا ينافيه قوله تعالى: أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ [القصص: ٣٥] لأن المراد الغلبة بالحجة.
وقال الإمام: لم يثبت ذلك في الأخبار. وأنت تعلم أن الظاهر السلامة. وصيغة التفعيل في الفعلين للتكثير. وقرىء بالتخفيف فيهما.
وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى يريد من- نا- نفسه وموسى عليه السلام بقرينة تقدم ذكره في قوله تعالى
٢٦]، وجوز أن تكون اللام تعليلية والتقدير آمنتم بالله تعالى لأجل موسى وما شاهدتهم منه، واختاره بعضهم ولا تفكيك فيه كما توهم، وقيل: يحتمل أن يكون ضمير «له» للرب عز وجل، وفي الآية حينئذ تفكيك ظاهر.
وقرأ الأكثر «أآمنتم» على الاستفهام التوبيخي. والتوبيخ هو المراد من الجملة على القراءة الأولى أيضا لا فائدة الخبر أو لازمها قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ أي من غير إذني لكم في الإيمان كما في قوله تعالى: لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي [الكهف: ١٠٩] لا إن إذنه لهم في ذلك واقع بعد أو متوقع، وفرق الطبرسي بين الإذن والأمر بأن الأمر يدل على إرادة الآمر الفعل المأمور به وليس في الإذن ذلك إِنَّهُ يعني موسى عليه السلام لَكَبِيرُكُمُ لعظيمكم في فنكم وأعلمكم به وأستاذكم الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ كأن اللعين وبخهم أولا على إيمانهم له عليه السلام من غير إذنه لهم ليرى قومه أن إيمانهم غير معتد به حيث كان بغير إذنه. ثم استشعر أن يقولوا: أي حاجة إلى الإذن بعد أن صنعنا ما صنعنا وصدر منه عليه السلام ما صدر فأجاب عن ذلك بقوله: إِنَّهُ إلخ أي ذلك غير معتد به أيضا لأنه أستاذكم في السحر فتواطأتم معه على ما وقع أو علمكم شيئا دون شيء فلذلك غلبكم فالجملة تعليل لمحذوف، وقيل: هي تعليل للمذكور قبل. وبالجملة قال ذلك لما اعتراه من الخوف من اقتداء الناس بالسحرة في الإيمان لموسى عليه السلام ثم أقبل عليهم بالوعيد المؤكد حيث قال: فَلَأُقَطِّعَنَّ أي إذا كان الأمر كذلك فأقسم لأقطعن أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ أي اليد اليمنى والرجل اليسرى وعليه عامة المفسرين وهو تخصيص من خارج وإلا فيحتمل أن يراد غير ذلك. ومِنْ ابتدائية.
وقال الطبرسي: بمعنى عن أو على وليس بشيء. والمراد من الخلاف الجانب المخالف أو الجهة المخالفة.
والجار والمجرور حسبما يظهر متعلق بأقطعن، وقيل: متعلق بمحذوف وقع صفة مصدر محذوف أي تقطيع مبتدأ من جانب مخالف أو من جهة مخالفة وابتداء التقطيع من ذلك ظاهر، ويجوز أن يبقى الخلاف على حقيقته أعني المخالفة وجعله مبتدأ على التجوز فإنه عارض ما هو مبدأ حقيقة، وجعل بعضهم الجار والمجرور في حيز النصب على الحالية، والمراد لأقطعنها مختلفات فتأمل، وتعيين هذه الكيفية قيل للإيذان بتحقيق الأمر وإيقاعه لا محالة بتعيين كيفيته المعهودة في باب السياسة. ولعل اختيارها فيها دون القطع من وفاق لأن فيه إهلاكا وتفويتا للمنفعة، وزعم بعضهم أنها أفظع وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ أي عليها. وإيثار كلمة في للدلالة على إبقائهم عليها زمانا مديدا تشبيها لاستمرارهم عليها باستقرار الظرف في المظروف المشتمل عليه. وعلى ذلك قوله:
وهم صلبوا العبدي في جذع نخلة | فلا عطست شيبان إلا بأجدعا |
وقال الإمام: لم يثبت ذلك في الأخبار. وأنت تعلم أن الظاهر السلامة. وصيغة التفعيل في الفعلين للتكثير. وقرىء بالتخفيف فيهما.
وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى يريد من- نا- نفسه وموسى عليه السلام بقرينة تقدم ذكره في قوله تعالى
542
آمَنْتُمْ لَهُ بناء على الظاهر فيه. واختار ذلك الطبري وجماعة وهذا إما لقصد توضيع موسى عليه السلام والهزء به لأنه عليه السلام لم يكن من التعذيب في شيء، وإما لأن إيمانهم لم يكن بزعمه عن مشاهدة المعجزة ومعاينة البرهان بل كان عن خوف من قبله عليه السلام حيث رأوا ابتلاع عصاه لحبالهم وعصيهم فخافوا على أنفسهم أيضا. واختار أبو حيان أن المراد من الغير الذي أشار إليه الضمير رب موسى عز وجل الذي آمنوا به بقولهم آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى.
وَلَتَعْلَمُنَّ هنا معلق وأَيُّنا أَشَدُّ جملة استفهامية من مبتدأ وخبر في موضع نصب سادة مسد مفعوليه إن كان العلم على بابه أو في موضع مفعول واحد له إن كان بمعنى المعرفة: ويجوز على هذا الوجه أن يكون أَيُّنا مفعولا وهو مبني على رأي سيبويه وأَشَدُّ خبر مبتدأ محذوف أي هو أشد. والجملة صلة أي والعائد الصدر، وعَذاباً تمييز. وقد استغنى بذكره مع أَشَدُّ عن ذكره مع أَبْقى وهو مراد أيضا. واشتقاق أبقى من البقاء بمعنى الدوام.
وقيل: لا يبعد والله تعالى أعلم أن يكون من البقاء بمعنى العطاء فإن اللعين كان يعطي لمن يرضاه العطايا فيكون للآية شبه بقول نمروذ «أنا أحيي وأميت» وهو في غاية البعد عند من له ذوق سليم. ثم لا يخفى أن اللعين في غاية الوقاحة ونهاية الجلادة حيث أوعد وهدد وأبرق وأرعد مع قرب عهده بما شاهد من انقلاب العصا حية وما لها من الآثار الهائلة حتى إنها قصدت ابتلاع قبته فاستغاث بموسى عليه السلام ولا يبعد نحو ذلك من فاجر طاغ مثله قالُوا غير مكترثين بوعيده لَنْ نُؤْثِرَكَ لن نختارك بالإيمان والانقياد عَلى ما جاءَنا من الله تعالى على يد موسى عليه السلام مِنَ الْبَيِّناتِ من المعجزات الظاهرة التي اشتملت عليه العصا. وإنما جعلوا المجيء إليهم وإن عم لأنهم المنتفعون بذلك والعارفون به على أتم وجه من غير تقليد. وما موصولة وما بعدها صلتها والعائد الضمير المستتر في جاء. وقيل العائد محذوف وضمير جاءَنا لموسى عليه السلام أي على الذين جاءنا به موسى عليه السلام وفيه بعد. وإن كان صنيع بعضهم اختياره مع أن في صحة حذف مثل هذا المجرور كلاما.
وَالَّذِي فَطَرَنا أي أبدعنا وأوجدنا وسائر العلويات والسفليات. وهو عطف على «ما جاءنا» وتأخيره لأن ما في ضمنه آية عقلية نظرية وما شاهدوه آية حسية ظاهرة. وإيراده تعالى بعنوان الفاطرية لهم للإشعار بعلة الحكم فإن إبداعه تعالى لهم. وكون فرعون من جملة مبدعاته سبحانه مما يوجب عدم إيثارهم إياه عليه عز وجل. وفيه تكذيب للعين في دعواه الربوبية. وقيل: الواو للقسم وجوابه محذوف لدلالة المذكور عليه أي وحق الذي فطرنا لن نؤثرك إلخ.
ولا مساغ لكون المذكور جوابا عند من يجوز تقديم الجواب أيضا لما أن القسم لإيجاب كما قال أبو حيان: بلن إلا في شاذ من الشعر. وقولهم: هذا جواب لتوبيخ اللعين بقوله: آمنتم إلخ. وقوله تعالى فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ جواب عن تهديده بقوله: لأقطعن إلخ أي فاصنع ما أنت بصدد صنعه أو فاحكم بما أنت بصدد الحكم به فالقضاء أما بمعنى الإيجاد الإبداعي كما في قوله تعالى فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ [فصلت: ١٢] وإما بمعناه المعروف. وعلى الوجهين ليس المراد من الأمر حقيقته، وما موصولة والعائد محذوف.
وجوز أبو البقاء كونها مصدرية وهو مبني على ما ذهب إليه بعض النحاة من جواز وصل المصدرية بالجملة الاسمية ومنع ذلك بعضهم، وقوله تعالى إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا مع ما بعده تعليل لعدم المبالاة المستفاد مما سبق من الأمر بالقضاء، وما كافة وهذِهِ الْحَياةَ منصوب محلا على الظرفية لتقضى والقضاء على ما مر ومفعوله محذوف أي إنما تصنع ما تهواه أو تحكم بما تراه في هذه الحياة الدنيا فحسب وما لنا من رغبة في عذبها ولا رهبة من عذابها، وجوز أن تكون ما مصدرية فهي وما في حيزها في تأويل مصدر اسم أن وخبرها هذِهِ الْحَياةَ أي إن قضاءك كائن في هذه الحياة، وجوز أن ينزل الفعل منزلة اللازم فلا حذف.
وَلَتَعْلَمُنَّ هنا معلق وأَيُّنا أَشَدُّ جملة استفهامية من مبتدأ وخبر في موضع نصب سادة مسد مفعوليه إن كان العلم على بابه أو في موضع مفعول واحد له إن كان بمعنى المعرفة: ويجوز على هذا الوجه أن يكون أَيُّنا مفعولا وهو مبني على رأي سيبويه وأَشَدُّ خبر مبتدأ محذوف أي هو أشد. والجملة صلة أي والعائد الصدر، وعَذاباً تمييز. وقد استغنى بذكره مع أَشَدُّ عن ذكره مع أَبْقى وهو مراد أيضا. واشتقاق أبقى من البقاء بمعنى الدوام.
وقيل: لا يبعد والله تعالى أعلم أن يكون من البقاء بمعنى العطاء فإن اللعين كان يعطي لمن يرضاه العطايا فيكون للآية شبه بقول نمروذ «أنا أحيي وأميت» وهو في غاية البعد عند من له ذوق سليم. ثم لا يخفى أن اللعين في غاية الوقاحة ونهاية الجلادة حيث أوعد وهدد وأبرق وأرعد مع قرب عهده بما شاهد من انقلاب العصا حية وما لها من الآثار الهائلة حتى إنها قصدت ابتلاع قبته فاستغاث بموسى عليه السلام ولا يبعد نحو ذلك من فاجر طاغ مثله قالُوا غير مكترثين بوعيده لَنْ نُؤْثِرَكَ لن نختارك بالإيمان والانقياد عَلى ما جاءَنا من الله تعالى على يد موسى عليه السلام مِنَ الْبَيِّناتِ من المعجزات الظاهرة التي اشتملت عليه العصا. وإنما جعلوا المجيء إليهم وإن عم لأنهم المنتفعون بذلك والعارفون به على أتم وجه من غير تقليد. وما موصولة وما بعدها صلتها والعائد الضمير المستتر في جاء. وقيل العائد محذوف وضمير جاءَنا لموسى عليه السلام أي على الذين جاءنا به موسى عليه السلام وفيه بعد. وإن كان صنيع بعضهم اختياره مع أن في صحة حذف مثل هذا المجرور كلاما.
وَالَّذِي فَطَرَنا أي أبدعنا وأوجدنا وسائر العلويات والسفليات. وهو عطف على «ما جاءنا» وتأخيره لأن ما في ضمنه آية عقلية نظرية وما شاهدوه آية حسية ظاهرة. وإيراده تعالى بعنوان الفاطرية لهم للإشعار بعلة الحكم فإن إبداعه تعالى لهم. وكون فرعون من جملة مبدعاته سبحانه مما يوجب عدم إيثارهم إياه عليه عز وجل. وفيه تكذيب للعين في دعواه الربوبية. وقيل: الواو للقسم وجوابه محذوف لدلالة المذكور عليه أي وحق الذي فطرنا لن نؤثرك إلخ.
ولا مساغ لكون المذكور جوابا عند من يجوز تقديم الجواب أيضا لما أن القسم لإيجاب كما قال أبو حيان: بلن إلا في شاذ من الشعر. وقولهم: هذا جواب لتوبيخ اللعين بقوله: آمنتم إلخ. وقوله تعالى فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ جواب عن تهديده بقوله: لأقطعن إلخ أي فاصنع ما أنت بصدد صنعه أو فاحكم بما أنت بصدد الحكم به فالقضاء أما بمعنى الإيجاد الإبداعي كما في قوله تعالى فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ [فصلت: ١٢] وإما بمعناه المعروف. وعلى الوجهين ليس المراد من الأمر حقيقته، وما موصولة والعائد محذوف.
وجوز أبو البقاء كونها مصدرية وهو مبني على ما ذهب إليه بعض النحاة من جواز وصل المصدرية بالجملة الاسمية ومنع ذلك بعضهم، وقوله تعالى إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا مع ما بعده تعليل لعدم المبالاة المستفاد مما سبق من الأمر بالقضاء، وما كافة وهذِهِ الْحَياةَ منصوب محلا على الظرفية لتقضى والقضاء على ما مر ومفعوله محذوف أي إنما تصنع ما تهواه أو تحكم بما تراه في هذه الحياة الدنيا فحسب وما لنا من رغبة في عذبها ولا رهبة من عذابها، وجوز أن تكون ما مصدرية فهي وما في حيزها في تأويل مصدر اسم أن وخبرها هذِهِ الْحَياةَ أي إن قضاءك كائن في هذه الحياة، وجوز أن ينزل الفعل منزلة اللازم فلا حذف.
543
وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة «إنما تقضي» بالبناء للمفعول «هذه الحياة» بالرفع على أنه اتسع في الظرف فجعل مفعولا به ثم بنى الفعل له نحو صيم يوم الخميس إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا التي اقترفناها من الكفر والمعاصي ولا يؤاخذنا بها في الدار الآخرة لا ليمتعنا بتلك الحياة الفانية حتى نتأثر بما أوعدتنا به.
وقوله تعالى وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ عطف على خَطايانا أي ويغفر لنا السحر الذي علمناه في معارضة موسى عليه السلام باكراهك وحشرك إيانا من المدائن القاصية خصوه بالذكر مع اندراجه في خطاياهم إظهارا لغاية نفرتهم عنه ورغبتهم في مغفرته، وذكر الإكراه للإيذان بأنه مما يجب أن يفرد بالاستغفار مع صدوره عنهم بالإكراه، وفيه نوع اعتذار لا ستجلاب المغفرة، وقيل: إن رؤساءهم كانوا اثنين وسبعين اثنان منهم من القبط والباقي من بني إسرائيل وكان فرعون أكرههم على تعلم السحر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: أخذ فرعون أربعين غلاما من بني إسرائيل فأمر أن يتعلموا السحر وقال:
علموهم تعليما لا يغلبهم أحد من أهل الأرض وهم من الذين آمنوا بموسى عليه السلام وهم الذين قالوا: إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ، وقال الحسن: كان يأخذ ولدان الناس ويجبرهم على تعلم السحر، وقيل: إنه أكرههم على المعارضة حيث روي أنهم قالوا له: أرنا موسى نائما ففعل فوجدوه تحرسه عصاه فقالوا: ما هذا بسحر فإن الساحر إذا نام بطل سحره فأبى إلا أن يعارضوه ولا ينافي ذلك قولهم: بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ [الشعراء: ٤٤] لاحتمال أن يكون قبل ذلك أو تجلدا كما أن قولهم: إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ [الأعراف:
١٣٣] قبله كما قيل: وزعم أبو عبيد أن مجرد أمر السلطان شخصا إكراه وإن لم يتوعده وإلى ذلك ذهب ساداتنا الحنفية كما في عامة كتبهم لما في مخالفة أمره من توقع المكروه لا سيما إذا كان السلطان جبارا طاغية وَاللَّهُ خَيْرٌ في حد ذاته تعالى وَأَبْقى أي وأدوم جزاء ثوابا كان أو عقابا أو خير ثوابا وأبقى عذابا، وقوله تعالى: إِنَّهُ إلى آخر الشرطيتين تعليل من جهتهم لكونه تعالى شأنه خير وأبقى وتحقيق له وإبطال لما ادعاه اللعين، وتصديرهما بضمير الشأن للتنبيه على فخامة مضمونهما ولزيادة تقرير له أي إن الشأن الخطير. هذا أي قوله تعالى مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً بأن مات على الكفر والمعاصي.
فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها فينتهي عذابه وهذا تحقيق لكون عذابه تعالى أبقى وَلا يَحْيى حياة ينتفع بها وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً به عز وجل وبما جاء من عنده من المعجزات التي من جملتها ما شاهدناه قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ من الأعمال فَأُولئِكَ إشارة إلى مَنْ والجمع باعتبار معناها كما أن الأفراد فيما تقدم باعتبار لفظها، وما فيه من معنى البعد للإشعار بعلو درجتهم وبعد منزلتهم أي فأولئك المؤمنون العاملون للأعمال الصالحات لَهُمُ بسبب إيمانهم وعملهم ذلك الدَّرَجاتُ الْعُلى أي المنازل الرفيعة جَنَّاتُ عَدْنٍ بدل من الدرجات العلى أو بيان وقد تقدم في عدن (١) تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ حال من الجنات، وقوله تعالى: خالِدِينَ فِيها تحقيق لكون ثوابه تعالى أبقى وهو حال من الضمير في لهم، والعامل فيه معنى الاستقرار في الظرف أو ما في (أولئك) من معنى أشير والحال مقدرة ولا يجوز أن يكون جَنَّاتُ خبر مبتدأ محذوف أي هي جنات لخلو الكلام حينئذ عن عامل في الحال على ما ذكره أبو البقاء وَذلِكَ إشارة إلى ما أتيح لهم من الفوز بما ذكر ومعنى البعد (٢) لما أشير إليه
وقوله تعالى وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ عطف على خَطايانا أي ويغفر لنا السحر الذي علمناه في معارضة موسى عليه السلام باكراهك وحشرك إيانا من المدائن القاصية خصوه بالذكر مع اندراجه في خطاياهم إظهارا لغاية نفرتهم عنه ورغبتهم في مغفرته، وذكر الإكراه للإيذان بأنه مما يجب أن يفرد بالاستغفار مع صدوره عنهم بالإكراه، وفيه نوع اعتذار لا ستجلاب المغفرة، وقيل: إن رؤساءهم كانوا اثنين وسبعين اثنان منهم من القبط والباقي من بني إسرائيل وكان فرعون أكرههم على تعلم السحر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: أخذ فرعون أربعين غلاما من بني إسرائيل فأمر أن يتعلموا السحر وقال:
علموهم تعليما لا يغلبهم أحد من أهل الأرض وهم من الذين آمنوا بموسى عليه السلام وهم الذين قالوا: إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ، وقال الحسن: كان يأخذ ولدان الناس ويجبرهم على تعلم السحر، وقيل: إنه أكرههم على المعارضة حيث روي أنهم قالوا له: أرنا موسى نائما ففعل فوجدوه تحرسه عصاه فقالوا: ما هذا بسحر فإن الساحر إذا نام بطل سحره فأبى إلا أن يعارضوه ولا ينافي ذلك قولهم: بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ [الشعراء: ٤٤] لاحتمال أن يكون قبل ذلك أو تجلدا كما أن قولهم: إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ [الأعراف:
١٣٣] قبله كما قيل: وزعم أبو عبيد أن مجرد أمر السلطان شخصا إكراه وإن لم يتوعده وإلى ذلك ذهب ساداتنا الحنفية كما في عامة كتبهم لما في مخالفة أمره من توقع المكروه لا سيما إذا كان السلطان جبارا طاغية وَاللَّهُ خَيْرٌ في حد ذاته تعالى وَأَبْقى أي وأدوم جزاء ثوابا كان أو عقابا أو خير ثوابا وأبقى عذابا، وقوله تعالى: إِنَّهُ إلى آخر الشرطيتين تعليل من جهتهم لكونه تعالى شأنه خير وأبقى وتحقيق له وإبطال لما ادعاه اللعين، وتصديرهما بضمير الشأن للتنبيه على فخامة مضمونهما ولزيادة تقرير له أي إن الشأن الخطير. هذا أي قوله تعالى مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً بأن مات على الكفر والمعاصي.
فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها فينتهي عذابه وهذا تحقيق لكون عذابه تعالى أبقى وَلا يَحْيى حياة ينتفع بها وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً به عز وجل وبما جاء من عنده من المعجزات التي من جملتها ما شاهدناه قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ من الأعمال فَأُولئِكَ إشارة إلى مَنْ والجمع باعتبار معناها كما أن الأفراد فيما تقدم باعتبار لفظها، وما فيه من معنى البعد للإشعار بعلو درجتهم وبعد منزلتهم أي فأولئك المؤمنون العاملون للأعمال الصالحات لَهُمُ بسبب إيمانهم وعملهم ذلك الدَّرَجاتُ الْعُلى أي المنازل الرفيعة جَنَّاتُ عَدْنٍ بدل من الدرجات العلى أو بيان وقد تقدم في عدن (١) تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ حال من الجنات، وقوله تعالى: خالِدِينَ فِيها تحقيق لكون ثوابه تعالى أبقى وهو حال من الضمير في لهم، والعامل فيه معنى الاستقرار في الظرف أو ما في (أولئك) من معنى أشير والحال مقدرة ولا يجوز أن يكون جَنَّاتُ خبر مبتدأ محذوف أي هي جنات لخلو الكلام حينئذ عن عامل في الحال على ما ذكره أبو البقاء وَذلِكَ إشارة إلى ما أتيح لهم من الفوز بما ذكر ومعنى البعد (٢) لما أشير إليه
(١) قوله وقد تقدم في عدن كذا بخطه والأمر سهل.
(٢) قوله ومعنى البعد إلخ كذا بخطه وتأمله.
(٢) قوله ومعنى البعد إلخ كذا بخطه وتأمله.
544
من قرب من التفخيم جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى أي تطهر من دنس الكفر والمعاصي بما ذكر من الإيمان والأعمال الصالحة.
وهذا تصريح بما أفادته الشرطية، وتقديم ذكر حال المجرم للمسارعة إلى بيان أشدية عذابه عز وجل ودوامه ردا على ما ادعاه فرعون بقوله أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى، وقال بعضهم: إن الشرطيتين إلى هنا ابتداء كلام منه جل وعلا تنبيها على قبح ما فعل فرعون وحسن ما فعل السحرة والأول أولى خلافا لما حسبه النيسابوري.
هذا واستدل المعتزلة بالشرطية الأولى على القطع بعذاب مرتكب الكبيرة قالوا: مرتكب الكبيرة مجرم لأن أصل الجرم قطع الثمرة عن الشجرة ثم استعير لاكتساب المكروه وكل مجرم فإن له جهنم للآية فإن من الشرطية فيها عامة بدليل صحة الاستثناء فينتج مرتكب الكبيرة أن له جهنم وهو دال على القطع بالوعيد.
وأجاب أهل السنة بأنا لا نسلم الصغرى لجواز أن يراد بالمجرم الكافر فكثيرا ما جاء في القرآن بذلك المعنى كقوله تعالى يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ إلى قوله سبحانه وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ [المدثر:
٤٠- ٤٦] وقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ [المطففين: ٢٩] إلى آخر السورة، وعلى تقدير تسليم هذه المقدمة لا نسلم الكبرى على إطلاقها وإنما هي كلية بشرط عدم العفو مع أنا لا نسلم أن من الشرطية قطعية في العموم كما قال الإمام وحينئذ لا يحصل القطع بالوعيد مطلقا، وعلى تقدير تسليم المقدمتين يقال يعارض ذلك الدليل عموم الوعد في قوله تعالى ومن يأته مؤمنا إلخ ويجعل الكلام فيمن آمن وعمل الصالحات وارتكب الكبيرة وهو داخل في عموم مَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ ولا يخرجه عن العموم ارتكابه الكبيرة ومتى كانت له الجنة فهي لمن آمن وارتكب الكبيرة ولم يعمل الأعمال الصالحة أيضا إذ لا قائل بالفرق، فإذا قالوا: مرتكب الكبيرة لا يقال له مؤمن كما لا يقال كافر لإثباتهم المنزلة بين المنزلتين فلا يدخل ذلك في العموم أبطلنا ذلك وبرهنا على حصر المكلف في المؤمن والكافر ونفي المنزلة بين الإيمان والكفر بما هو مذكور في محله. وعلى تقدير تسليم أن مَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً إلخ لا يعم مرتكب الكبيرة يقال: إن قوله تعالى فَأُولئِكَ لهم الدرجات العلى يدل على حصول العفو لأصحاب الكبائر لأنه تعالى جعل الدرجات العلى وجنات عدن لمن أتى بالإيمان والأعمال الصالحة فسائر الدرجات الغير العالية والجنات لا بد أن تكون لغيرهم وما هم إلا العصاة من أهل الإيمان.
ولقد أخرج أبو داود وابن مردوية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون الكوكب الدري في أفق السما. وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما»
، واستدل على شمول مَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً صاحب الكبيرة بقوله تعالى وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى بناء على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من أن المراد بمن تزكى من قال لا إله إلا الله كأنه أراد من تطهر عن دنس الكفر والله تعالى أعلم.
ثم إن العاصي إذا دخل جهنم لا يكون حاله كحال المجرم الكافر إذا دخلها بل قيل: إنه يموت احتجاجا بما
أخرج مسلم وأحمد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطب فأتى على هذه الآية أنه مَنْ يَأْتِ إلخ فقال عليه الصلاة والسلام: أما أهلها- يعني جهنم- الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون وأما الذين ليسوا بأهلها فإن النار تميتهم إماتة ثم يقوم الشفعاء فيشفعون فيؤتى بهم ضبائر على نهر يقال له الحياة أو الحيوان فينبتون كما تنبت القثاء بحميل السيل»
وحمل ذلك القائل تميتهم فيه على الحقيقة وجعل المصدر تأكيدا لدفع توهم المجاز كما قيل في قوله تعالى وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً [النساء: ١٦٤]، وذكر أن فائدة بقائهم في النار بعد إماتتهم إلى حيث شاء الله تعالى حرمانهم من الجنة تلك المدة وذلك منضم إلى عذابهم بإحراق النار إياهم.
وقال بعضهم: إن تميتهم مجاز والمراد أنها تجعل حالهم قريبة من حال الموتى بأن لا يكون لهم شعور تام
وهذا تصريح بما أفادته الشرطية، وتقديم ذكر حال المجرم للمسارعة إلى بيان أشدية عذابه عز وجل ودوامه ردا على ما ادعاه فرعون بقوله أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى، وقال بعضهم: إن الشرطيتين إلى هنا ابتداء كلام منه جل وعلا تنبيها على قبح ما فعل فرعون وحسن ما فعل السحرة والأول أولى خلافا لما حسبه النيسابوري.
هذا واستدل المعتزلة بالشرطية الأولى على القطع بعذاب مرتكب الكبيرة قالوا: مرتكب الكبيرة مجرم لأن أصل الجرم قطع الثمرة عن الشجرة ثم استعير لاكتساب المكروه وكل مجرم فإن له جهنم للآية فإن من الشرطية فيها عامة بدليل صحة الاستثناء فينتج مرتكب الكبيرة أن له جهنم وهو دال على القطع بالوعيد.
وأجاب أهل السنة بأنا لا نسلم الصغرى لجواز أن يراد بالمجرم الكافر فكثيرا ما جاء في القرآن بذلك المعنى كقوله تعالى يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ إلى قوله سبحانه وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ [المدثر:
٤٠- ٤٦] وقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ [المطففين: ٢٩] إلى آخر السورة، وعلى تقدير تسليم هذه المقدمة لا نسلم الكبرى على إطلاقها وإنما هي كلية بشرط عدم العفو مع أنا لا نسلم أن من الشرطية قطعية في العموم كما قال الإمام وحينئذ لا يحصل القطع بالوعيد مطلقا، وعلى تقدير تسليم المقدمتين يقال يعارض ذلك الدليل عموم الوعد في قوله تعالى ومن يأته مؤمنا إلخ ويجعل الكلام فيمن آمن وعمل الصالحات وارتكب الكبيرة وهو داخل في عموم مَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ ولا يخرجه عن العموم ارتكابه الكبيرة ومتى كانت له الجنة فهي لمن آمن وارتكب الكبيرة ولم يعمل الأعمال الصالحة أيضا إذ لا قائل بالفرق، فإذا قالوا: مرتكب الكبيرة لا يقال له مؤمن كما لا يقال كافر لإثباتهم المنزلة بين المنزلتين فلا يدخل ذلك في العموم أبطلنا ذلك وبرهنا على حصر المكلف في المؤمن والكافر ونفي المنزلة بين الإيمان والكفر بما هو مذكور في محله. وعلى تقدير تسليم أن مَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً إلخ لا يعم مرتكب الكبيرة يقال: إن قوله تعالى فَأُولئِكَ لهم الدرجات العلى يدل على حصول العفو لأصحاب الكبائر لأنه تعالى جعل الدرجات العلى وجنات عدن لمن أتى بالإيمان والأعمال الصالحة فسائر الدرجات الغير العالية والجنات لا بد أن تكون لغيرهم وما هم إلا العصاة من أهل الإيمان.
ولقد أخرج أبو داود وابن مردوية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون الكوكب الدري في أفق السما. وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما»
، واستدل على شمول مَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً صاحب الكبيرة بقوله تعالى وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى بناء على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من أن المراد بمن تزكى من قال لا إله إلا الله كأنه أراد من تطهر عن دنس الكفر والله تعالى أعلم.
ثم إن العاصي إذا دخل جهنم لا يكون حاله كحال المجرم الكافر إذا دخلها بل قيل: إنه يموت احتجاجا بما
أخرج مسلم وأحمد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطب فأتى على هذه الآية أنه مَنْ يَأْتِ إلخ فقال عليه الصلاة والسلام: أما أهلها- يعني جهنم- الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون وأما الذين ليسوا بأهلها فإن النار تميتهم إماتة ثم يقوم الشفعاء فيشفعون فيؤتى بهم ضبائر على نهر يقال له الحياة أو الحيوان فينبتون كما تنبت القثاء بحميل السيل»
وحمل ذلك القائل تميتهم فيه على الحقيقة وجعل المصدر تأكيدا لدفع توهم المجاز كما قيل في قوله تعالى وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً [النساء: ١٦٤]، وذكر أن فائدة بقائهم في النار بعد إماتتهم إلى حيث شاء الله تعالى حرمانهم من الجنة تلك المدة وذلك منضم إلى عذابهم بإحراق النار إياهم.
وقال بعضهم: إن تميتهم مجاز والمراد أنها تجعل حالهم قريبة من حال الموتى بأن لا يكون لهم شعور تام
545
بالعذاب، ولا يسلم أن ذكر المصدر ينافي التجوز فيجوز أن يقال قتلت زيدا بالعصا قتلا والمراد ضربته ضربا شديدا ولا يصح أن يقال: المصدر لبيان النوع أي تميتهم نوعا من الإماتة لأن الإماتة لا أنواع لها بل هي نوع واحد وهو إزهاق الروح ولهذا قيل:
واستدل المجسمة بقوله سبحانه إنه من يأت ربه على ثبوت مكان له تعالى شأنه، وأجيب بأن المراد من إتيانه تعالى إتيان موضع وعده عز وجل أو نحو ذلك وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى حكاية إجمالية لما انتهى إليه أمر فرعون وقومه وقد طوى في البين ذكر ما جرى عليهم بعد أن غلبت السحرة من الآيات المفصلة الظاهرة على يد موسى عليه السلام في نحو من عشرين سنة حسبما فصل في سورة الأعراف، وكان فرعون كلما جاءت آية وعد أن يرسل بني إسرائيل عند انكشاف العذاب حتى إذا انكشف نكث فلما كملت الآيات أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي وتصدير الجملة بالقسم الإبراز كمال العناية بمضمونها.
وأن إما مفسرة لما في الوحي من معنى القول وإما مصدرية حذف عنها الجار، والتعبير عن بني إسرائيل بعنوان العبودية لله تعالى لإظهار الرحمة والاعتناء بأمرهم والتنبيه على غاية قبح صنيع فرعون بهم حيث استعبدهم وهم عباده عز وجل وفعل بهم من فنون الظلم ما فعل ولم يراقب فيهم مولاهم الحقيقي جل جلاله، والظاهر أن الإيحاء بما ذكر وكذا ما بعده كان بمصر أي وبالله تعالى لقد أوحينا إليه عليه السلام أن سر بعبادي الذين أرسلتك لإنقاذهم من ملكة فرعون من مصر ليلا فَاضْرِبْ لَهُمْ بعصاك طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ مفعول به لأضرب على الاتساع وهو مجاز عقلي والأصل اضرب البحر ليصير لهم طريقا يَبَساً أي يابسا وبذلك قرأ أبو حيوة على أنه مصدر جعل وصفا لطريقا مبالغة وهو يستوي فيه الواحد المذكر وغيره.
وقرأ الحسن «يبسا» بسكون الباء وهو إما مخفف منه بحذف الحركة فيكون مصدرا أيضا أو صفة مشبهة كصعب أو جمع يابس كصحب وصاحب. ووصف الواحد به للمبالغة وذلك أنه جعل الطريق لفرط يبسها كأشياء يابسة كما قيل في قول القطامي:
أنه جعل المعي لفرط جوعه كجماعة جياع أو قدر كل جزء من أجزاء الطريق طريقا يابسا كما قيل في «نطفة أمشاج» وثوب أخلاق أو حيث أريد بالطريق الجنس وكان متعددا حسب تعدد الأسباط لا طريق واحدة على الصحيح جاء وصفه جمعا، وقيل: يحتمل أن يكون اسم جمع، والظاهر أنه لا فرق هنا بين اليبس بالتحريك واليبس بالتسكين معنى لأن الأصل توافق القراءتين وإن كانت إحداهما شاذة، وفي القاموس اليبس بالإسكان ما كان أصله رطبا فجف وما أصله اليبوسة ولم يعهد رطبا يبس بالتحريك، وأما طريق موسى عليه السلام في البحر فإنه لم يعهد طريقا لا رطبا ولا يابسا إنما أظهره الله تعالى لهم حينئذ مخلوقا على ذلك اه.
وهذا مخالف لما ذكره الراغب من أن اليبس بالتحريك ما كان فيه رطوبة فذهبت، والمكان إذا كان فيه ماء فذهب، وروي أن موسى عليه السلام لما ضرب البحر وانفلق حتى صارت فيه طرق بعث الله تعالى ريح الصبا فجففت تلك الطرق حتى يبست. وذهب غير واحد أن الضرب بمعنى الجعل من قولهم: ضرب له في ماله سهما وضرب عليهم الخراج أو بمعنى الاتخاذ فينصب مفعولين أولهما طَرِيقاً وثانيهما لَهُمْ.
واختار أبو حيان بقاءه على المعنى المشهور وهو أوفق بقوله تعالى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ [الشعراء: ٦٣]،
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره | تعددت الأسباب والموت واحد |
وأن إما مفسرة لما في الوحي من معنى القول وإما مصدرية حذف عنها الجار، والتعبير عن بني إسرائيل بعنوان العبودية لله تعالى لإظهار الرحمة والاعتناء بأمرهم والتنبيه على غاية قبح صنيع فرعون بهم حيث استعبدهم وهم عباده عز وجل وفعل بهم من فنون الظلم ما فعل ولم يراقب فيهم مولاهم الحقيقي جل جلاله، والظاهر أن الإيحاء بما ذكر وكذا ما بعده كان بمصر أي وبالله تعالى لقد أوحينا إليه عليه السلام أن سر بعبادي الذين أرسلتك لإنقاذهم من ملكة فرعون من مصر ليلا فَاضْرِبْ لَهُمْ بعصاك طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ مفعول به لأضرب على الاتساع وهو مجاز عقلي والأصل اضرب البحر ليصير لهم طريقا يَبَساً أي يابسا وبذلك قرأ أبو حيوة على أنه مصدر جعل وصفا لطريقا مبالغة وهو يستوي فيه الواحد المذكر وغيره.
وقرأ الحسن «يبسا» بسكون الباء وهو إما مخفف منه بحذف الحركة فيكون مصدرا أيضا أو صفة مشبهة كصعب أو جمع يابس كصحب وصاحب. ووصف الواحد به للمبالغة وذلك أنه جعل الطريق لفرط يبسها كأشياء يابسة كما قيل في قول القطامي:
كأن قتود رحلي حين ضمت | حوالب غرزا ومعي جياعا |
وهذا مخالف لما ذكره الراغب من أن اليبس بالتحريك ما كان فيه رطوبة فذهبت، والمكان إذا كان فيه ماء فذهب، وروي أن موسى عليه السلام لما ضرب البحر وانفلق حتى صارت فيه طرق بعث الله تعالى ريح الصبا فجففت تلك الطرق حتى يبست. وذهب غير واحد أن الضرب بمعنى الجعل من قولهم: ضرب له في ماله سهما وضرب عليهم الخراج أو بمعنى الاتخاذ فينصب مفعولين أولهما طَرِيقاً وثانيهما لَهُمْ.
واختار أبو حيان بقاءه على المعنى المشهور وهو أوفق بقوله تعالى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ [الشعراء: ٦٣]،
546
ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ
ﱍ
ﭭﭮﭯﭰﭱ
ﱎ
ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ
ﱏ
ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ
ﱐ
ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ
ﱑ
ﮟﮠﮡﮢﮣﮤ
ﱒ
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ
ﱓ
ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ
ﱔ
ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ
ﱕ
ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ
ﱖ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ
ﱗ
ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ
ﱘ
ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ
ﱙ
ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ
ﱚ
ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ
ﱛ
ﮏﮐﮑﮒﮓ
ﱜ
ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ
ﱝ
ﮩﮪﮫﮬ
ﱞ
وزعم أبو البقاء أن طَرِيقاً على هذا الوجه مفعول فيه، وقال: التقدير فَاضْرِبْ لَهُمْ موضع طريق لا تَخافُ دَرَكاً في موضع الحال من ضمير فَاضْرِبْ أو الصفة الأخرى لطريقا والعائد محذوف أي فيها أو هو استئناف كما قال أبو البقاء وقدمه على سائر الاحتمالات. وقرأ الأعمش وحمزة وابن أبي ليلى «لا تخف» بالجزم على جواب الأمر أعني «أسر»، ويحتمل أنه نهي مستأنف كما ذكره الزجاج. وقرأ أبو حيوة وطلحة والأعمش «دركا» بسكون الراء وهو اسم من الإدراك أي اللحوق كالدرك بالتحريك، وقال الراغب: الدرك بالتحريك في الآية ما يلحق الإنسان من تبعة أي لا تخاف تبعة، والجمهور على الأول أي لا تخاف أن يدرككم فرعون وجنوده من خلفكم وَلا تَخْشى أن يغرقكم البحر من قدامكم وهو عطف على لا تَخافُ، وذلك ظاهر على الاحتمالات الثلاثة في قراءة الرفع، وأما على قراءة الجزم فقيل هو استئناف أي وأنت لا تخشى، وقيل: عطف على المجزوم والألف جيء بها للإطلاق مراعاة لأواخر الآي كما في قوله تعالى فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا [الأحزاب: ٦٧] وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا [الأحزاب: ١٠] أو هو مجزوم بحذف الحركة المقدرة كما في قوله:
وهذا لغة قليلة عند قوم وضرورة عند آخرين فلا يجوز تخريج التنزيل الجليل الشأن عليه أو لا يليق مع وجود مثل الاحتمالين السابقين أو الأول منهما. والخشية أعظم الخوف وكأنه إنما اختيرت هنا لأن الغرق أعظم من إدراك فرعون وجنوده لما أن ذاك مظنة السلامة، ولا ينافي ذلك أنهم إنما ذكروا أولا ما يدل على خوفهم منه حيث قالوا: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء: ٦١] ولذا سورع في إزاحته بتقديم نفيه كما يظهر بالتأمل.
إذا العجوز غضبت فطلق | ولا ترضّاها ولا تملّق |
547
فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ أي تبعهم ومعه جنوده على أن أتبع بمعنى تبع وهو متعد إلى واحد والباء للمصاحبة والجار والمجرور في موضع الحال، ويؤيد ذلك أنه قرأ الحسن وأبو عمرو في رواية فاتبعهم بتشديد التاء، وقرىء أيضا فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ، وقيل: أتبع متعد إلى اثنين هنا كما في قوله تعالى: «أتبعناهم ذرياتهم» والثاني مقدر أي فأتبعهم رؤساء دولته أو عقابه، وقيل: نفسه والجار والمجرور في موضع الحال أيضا، وعن الأزهري أن المفعول الثاني جنوده والباء سيف خطيب أي أتبعهم فرعون جنوده وساقهم خلفهم فكان معهم يحثهم على اللحوق بهم، وجوز أن يكون المفعول الثاني جنوده والباء للتعدية فيكون قد تعدى الفعل إلى واحد بنفسه وإلى الآخر بالحرف، وأيّا ما كان فالفاء فصيحة معربة عن مضمر قد طوي ذكره ثقة بغاية ظهوره وإيذانا بكمال مسارعة موسى عليه السلام إلى الامتثال بالأمر أي ففعل ما أمر به من الإسراء بعبادي وضرب الطريق لهم فاتبعه فرعون بجنوده.
وزعم بعضهم أن الإيحاء بالضرب كان بعد أن اتبعهم فرعون وتراءى الجمعان. والظاهر الأول،
روي أن موسى عليه السلام خرج بهم أول الليل يريد القلزم وكانوا قد استعاروا من قوم فرعون الحلي والدواب لعيد يخرجون إليه وكانوا ستمائة ألف وثلاثة آلاف ونيفا ليس فيهم ابن ستين ولا عشرين، وفي رواية أنهم خرجوا وهم ستمائة ألف وسبعون ألفا (١) وأخرجوا معهم جسد يوسف عليه السلام لأنه كان عهد إليهم ذلك ودلتهم عجوز على موضعه فقال لها موسى عليه السلام: احتكمي فقالت: أكون معك في الجنة فاتصل الخبر بفرعون فجمع جنوده وخرج بهم وكان في خيله سبعون ألف أدهم وكانت مقدمته فيما يحكى سبعمائة ألف فارس، وقيل: ألف ألف وخمسمائة ألف فقص أثرهم حتى تراءى الجمعان فعظم فزع بني إسرائيل فضرب عليه السلام بعصاه البحر فانفلق اثني عشر فرقا كل فرق كالطود العظيم فدخلوا ووصل فرعون وجنوده إلى المدخل فرأوا البحر منفلقا فاستعظموا الأمر فقال فرعون لهم: إنما انفلق من هيبتي فدخل على فرس حصان وبين يديه جبريل عليه السلام على فرس حجر وصاحت الملائكة عليهم السلام وكانوا ثلاثة وثلاثين ملكا أن ادخلوا فدخلوا حتى إذا استكملوا دخولا خرج موسى عليه السلام بمن معه من الأسباط سالمين ولم يخرج أحد من فرعون وجنوده
فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ أي علاهم منه وغمرهم ما غمرهم من الأمر الهائل الذي لا يقادر قدره ولا يبلغ كنهه.
وقيل: غشيهم ما سمعت قصته وليس بذاك فإن مدار التهويل والتفخيم خروجه عن حدود الفهم والوصف لا سماع القصة، والظاهر أن ضميري الجمع لفرعون وجنوده، وقيل: لجنوده فقط للقرب ولأنه ألقي بالساحل ولم يتغط بالبحر كما أشير إليه بقوله تعالى فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ [يونس: ٩٢] وفيه أن الإنجاء بعد ما غشيه ما غشي جنوده وشك بنو إسرائيل في هلاكه والقرب ليس بداع قوي، وقيل: الضمير الأول لفرعون وجنوده والثاني لموسى عليه السلام وقومه وفي الكلام حذف أي فنجا موسى عليه السلام وقومه وغرق فرعون وجنوده انتهى وليس بشيء كما لا يخفى.
وقرأت فرقة منهم الأعمش «فغشاهم من اليم ما غشاهم» أي غطاهم ما غطاهم فالفاعل ما أيضا وترك المفعول زيادة
وزعم بعضهم أن الإيحاء بالضرب كان بعد أن اتبعهم فرعون وتراءى الجمعان. والظاهر الأول،
روي أن موسى عليه السلام خرج بهم أول الليل يريد القلزم وكانوا قد استعاروا من قوم فرعون الحلي والدواب لعيد يخرجون إليه وكانوا ستمائة ألف وثلاثة آلاف ونيفا ليس فيهم ابن ستين ولا عشرين، وفي رواية أنهم خرجوا وهم ستمائة ألف وسبعون ألفا (١) وأخرجوا معهم جسد يوسف عليه السلام لأنه كان عهد إليهم ذلك ودلتهم عجوز على موضعه فقال لها موسى عليه السلام: احتكمي فقالت: أكون معك في الجنة فاتصل الخبر بفرعون فجمع جنوده وخرج بهم وكان في خيله سبعون ألف أدهم وكانت مقدمته فيما يحكى سبعمائة ألف فارس، وقيل: ألف ألف وخمسمائة ألف فقص أثرهم حتى تراءى الجمعان فعظم فزع بني إسرائيل فضرب عليه السلام بعصاه البحر فانفلق اثني عشر فرقا كل فرق كالطود العظيم فدخلوا ووصل فرعون وجنوده إلى المدخل فرأوا البحر منفلقا فاستعظموا الأمر فقال فرعون لهم: إنما انفلق من هيبتي فدخل على فرس حصان وبين يديه جبريل عليه السلام على فرس حجر وصاحت الملائكة عليهم السلام وكانوا ثلاثة وثلاثين ملكا أن ادخلوا فدخلوا حتى إذا استكملوا دخولا خرج موسى عليه السلام بمن معه من الأسباط سالمين ولم يخرج أحد من فرعون وجنوده
فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ أي علاهم منه وغمرهم ما غمرهم من الأمر الهائل الذي لا يقادر قدره ولا يبلغ كنهه.
وقيل: غشيهم ما سمعت قصته وليس بذاك فإن مدار التهويل والتفخيم خروجه عن حدود الفهم والوصف لا سماع القصة، والظاهر أن ضميري الجمع لفرعون وجنوده، وقيل: لجنوده فقط للقرب ولأنه ألقي بالساحل ولم يتغط بالبحر كما أشير إليه بقوله تعالى فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ [يونس: ٩٢] وفيه أن الإنجاء بعد ما غشيه ما غشي جنوده وشك بنو إسرائيل في هلاكه والقرب ليس بداع قوي، وقيل: الضمير الأول لفرعون وجنوده والثاني لموسى عليه السلام وقومه وفي الكلام حذف أي فنجا موسى عليه السلام وقومه وغرق فرعون وجنوده انتهى وليس بشيء كما لا يخفى.
وقرأت فرقة منهم الأعمش «فغشاهم من اليم ما غشاهم» أي غطاهم ما غطاهم فالفاعل ما أيضا وترك المفعول زيادة
(١) لا يخفى أن هذه المبالغات مما لم يصح فيها خبر والله تعالى أعلم بها اه منه.
548
في الإبهام، وقيل: المفعول مِنَ الْيَمِّ أي بعض اليم، ويجوز أن يكون الفاعل ضمير الله تعالى شأنه وما مفعول وقيل: هو ضمير فرعون والاسناد مجازي لأنه الذي ورطهم للهلكة، ويبعده الإظهار في قوله تعالى وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ» أي سلك بهم مسلكا أداهم إلى الخسران في الدين والدنيا معا حيث أغرقوا فأدخلوا نارا وَما هَدى أي وما أرشدهم إلى طريق موصل إلى مطلب من المطالب الدينية والدنيوية والمراد بذلك التهكم به كما ذكر غير واحد، واعترض بأن التهكم أن يؤتى بما قصد به ضده استعارة ونحوها نحو إنك لأنت الحليم الرشيد إذا كان الغرض الوصف بضد هذين الوصفين، وكونه لم يهد إخبار عما هو كذلك في الواقع.
وأجيب بأن الأمر كذلك ولكن العرف في مثل ما هدى زيد عمرا ثبوت كون زيد عالما بطريق الهداية مهتديا في نفسه ولكنه لم يهد عمرا وفرعون أضل الضالين في نفسه فكيف يتوهم أنه يهدي غيره، ويحقق ذلك أن الجملة الأولى كافية في الإخبار عن عدم هدايته إياهم بل مع زيادة إضلاله إياهم فإن من لا يهدي قد لا يضل وإذا تحقق إغناؤها في الإخبار على أتم وجه تعين كون الثانية بمعنى سواه وهو التهكم، وقال العلامة الطيبي: توضيح معنى التهكم أن قوله تعالى وَما هَدى من باب التلميح وهو إشارة إلى ادعاء اللعين إرشاد القوم في قوله «وما أهديكم إلا سبيل الرشاد» فهو كمن ادعى دعوى وبالغ فيها فإذا حان وقتها ولم يأت بها قيل له لم تأت بما ادعيت تهكما واستهزاء انتهى، ويعلم مما ذكر المغايرة بين الجملتين وأنه لا تكرير، وقيل: المراد وما هداهم في وقت ما ويحصل بذلك المغايرة لأنه لا دلالة في الجملة الأولى على هذا العموم والأول أولى، وقيل: هدى بمعنى اهتدى أي أضلهم وما اهتدى في نفسه وفيه بعد، وحمل بعضهم الإضلال والهداية على ما يختص بالديني منهما، ويأباه مقام بيان سوقه بجنوده إلى مساق الهلاك الدنيوي. وجعلهما عبارة عن الإضلال في البحر والإنجاء منه مما لا يقبله الطبع المستقيم.
واحتج القاضي بالآية على أنه تعالى ليس خالقا للكفر لأنه تعالى شأنه قد ذم فيها فرعون بإضلاله ومن ذم أحدا بشيء يذم إذا فعله. وأجيب بمنع اطراد ذلك يا بَنِي إِسْرائِيلَ حكاية لما خاطبهم تعالى به بعد إغراق عدوهم وإنجائهم منه لكن لا عقيب ذلك بل بعد ما أفاض عليهم من فنون النعم الدينية والدنيوية ما أفاض.
وقيل: إنشاء خطاب للذين كانوا منهم في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم على معنى أنه تعالى قد من عليهم بما فعل بآبائهم أصالة وبهم تبعا، وتعقب بأنه يرده قوله تعالى «وما أعجلك» إلخ ضرورة استحالة حمله على الإنشاء وكذا السباق فالوجه هو الحكاية بتقدير قلنا عطفا على «أوحينا» أي وقلنا يا بني إسرائيل قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ فرعون وقومه حيث كانوا يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم.
وقرأ حميد «نجّيناكم» بتشديد الجيم من غير همزة قبلها وبنون العظمة. وقرأ حمزة والكسائي والأعمش وطلحة «أنجيتكم» بتاء الضمير وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ بالنصب على أنه صفة المضاف. وقرىء بالجر وخرجه الزمخشري على الجوار نحو- هذا جحر ضب خرب.. وتعقبه أبو حيان بأن الجر المذكور من الشذوذ والقلة بحيث ينبغي أن تخرج القراءة عليه وقال: الصحيح أنه نعت للطور لما فيه من اليمن، وإما لكونه عن يمين من يستقبل الجبل اه.
والحق أن القلة لم تصل إلى حد منع تخريج القراءة لا سيما إذا كانت شاذة على ذلك وتوافق القراءتين يقتضيه، وقوله: وإما لكونه إلخ غير صحيح على تقدير أن يكون الطور هو الجبل ولو قال: وإما لكونه عن يمين من انطلق من مصر إلى الشام لكان صحيحا، ونصب جانِبَ على الظرفية بناء على ما نقل الخفاجي عن الراغب. وابن مالك في شرح التسهيل من أنه سمع نصب جنب وما بمعناه مضاف على الظرفية. ومنع بعضهم ذلك لأنه محدود وجعله منصوبا على
وأجيب بأن الأمر كذلك ولكن العرف في مثل ما هدى زيد عمرا ثبوت كون زيد عالما بطريق الهداية مهتديا في نفسه ولكنه لم يهد عمرا وفرعون أضل الضالين في نفسه فكيف يتوهم أنه يهدي غيره، ويحقق ذلك أن الجملة الأولى كافية في الإخبار عن عدم هدايته إياهم بل مع زيادة إضلاله إياهم فإن من لا يهدي قد لا يضل وإذا تحقق إغناؤها في الإخبار على أتم وجه تعين كون الثانية بمعنى سواه وهو التهكم، وقال العلامة الطيبي: توضيح معنى التهكم أن قوله تعالى وَما هَدى من باب التلميح وهو إشارة إلى ادعاء اللعين إرشاد القوم في قوله «وما أهديكم إلا سبيل الرشاد» فهو كمن ادعى دعوى وبالغ فيها فإذا حان وقتها ولم يأت بها قيل له لم تأت بما ادعيت تهكما واستهزاء انتهى، ويعلم مما ذكر المغايرة بين الجملتين وأنه لا تكرير، وقيل: المراد وما هداهم في وقت ما ويحصل بذلك المغايرة لأنه لا دلالة في الجملة الأولى على هذا العموم والأول أولى، وقيل: هدى بمعنى اهتدى أي أضلهم وما اهتدى في نفسه وفيه بعد، وحمل بعضهم الإضلال والهداية على ما يختص بالديني منهما، ويأباه مقام بيان سوقه بجنوده إلى مساق الهلاك الدنيوي. وجعلهما عبارة عن الإضلال في البحر والإنجاء منه مما لا يقبله الطبع المستقيم.
واحتج القاضي بالآية على أنه تعالى ليس خالقا للكفر لأنه تعالى شأنه قد ذم فيها فرعون بإضلاله ومن ذم أحدا بشيء يذم إذا فعله. وأجيب بمنع اطراد ذلك يا بَنِي إِسْرائِيلَ حكاية لما خاطبهم تعالى به بعد إغراق عدوهم وإنجائهم منه لكن لا عقيب ذلك بل بعد ما أفاض عليهم من فنون النعم الدينية والدنيوية ما أفاض.
وقيل: إنشاء خطاب للذين كانوا منهم في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم على معنى أنه تعالى قد من عليهم بما فعل بآبائهم أصالة وبهم تبعا، وتعقب بأنه يرده قوله تعالى «وما أعجلك» إلخ ضرورة استحالة حمله على الإنشاء وكذا السباق فالوجه هو الحكاية بتقدير قلنا عطفا على «أوحينا» أي وقلنا يا بني إسرائيل قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ فرعون وقومه حيث كانوا يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم.
وقرأ حميد «نجّيناكم» بتشديد الجيم من غير همزة قبلها وبنون العظمة. وقرأ حمزة والكسائي والأعمش وطلحة «أنجيتكم» بتاء الضمير وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ بالنصب على أنه صفة المضاف. وقرىء بالجر وخرجه الزمخشري على الجوار نحو- هذا جحر ضب خرب.. وتعقبه أبو حيان بأن الجر المذكور من الشذوذ والقلة بحيث ينبغي أن تخرج القراءة عليه وقال: الصحيح أنه نعت للطور لما فيه من اليمن، وإما لكونه عن يمين من يستقبل الجبل اه.
والحق أن القلة لم تصل إلى حد منع تخريج القراءة لا سيما إذا كانت شاذة على ذلك وتوافق القراءتين يقتضيه، وقوله: وإما لكونه إلخ غير صحيح على تقدير أن يكون الطور هو الجبل ولو قال: وإما لكونه عن يمين من انطلق من مصر إلى الشام لكان صحيحا، ونصب جانِبَ على الظرفية بناء على ما نقل الخفاجي عن الراغب. وابن مالك في شرح التسهيل من أنه سمع نصب جنب وما بمعناه مضاف على الظرفية. ومنع بعضهم ذلك لأنه محدود وجعله منصوبا على
549
أنه مفعول- واعدنا- على الاتساع أو بتقدير مضاف. أي إتيان جانب إلخ. وإلى هذا ذهب أبو البقاء. وإذا كان ظرفا فالمفعول مقدر أي وواعدناكم بواسطة نبيكم في ذلك الجانب إتيان موسى عليه السلام للمناجاة وإنزال التوراة عليه، ونسبة المواعدة إليهم مع كونها لموسى عليه السلام نظرا إلى ملابستها إياهم وسراية منفعتها إليهم فكأنهم كلهم مواعدون فالمجاز في النسبة. وفي ذلك من إيفاء مقام الامتنان حقه ما فيه.
وقرأ حمزة والمذكورون معه آنفا «وواعدتكم» بتاء الضمير أيضا. وقرىء «ووعدناكم» من الوعد.
وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى الترنجبين والسمانى حيث كان ينزل عليهم المن وهم في التيه مثل الثلج من الفجر إلى الطلوع لكل إنسان صاع ويبعث الجنوب عليهم السمانى فيأخذ الواحد منهم ما يكفيه.
كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ أي من لذائذه أو حلالاته على أن المراد بالطيب ما يستطيبه الطبع أو الشرع.
وجوز أن يراد بالطيبات ما جمعت وصفي اللذة والحل، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان إباحة ما ذكر لهم وإتماما للنعمة عليهم، وقرأ من ذكر آنفا «رزقتكم» وقدم سبحانه نعمة الإنجاء من العدو لأنها من باب درء المضار وهو أهم من جلب المنافع ومن ذاق مرارة كيد الأعداء خذلهم الله تعالى ثم أنجاه الله تعالى وجعل كيدهم في نحورهم علم قدر هذه النعمة، نسأل الله تعالى أن يتم نعمه علينا وأن لا يجعل لعدو سبيلا إلينا، وثنى جلّ وعلا بالنعمة الدينية لأنها الأنف في وجه المنافع، وأخر عز وجل النعمة الدنيوية لكونها دون ذلك فتبا لمن يبيع الدين بالدنيا وَلا تَطْغَوْا فِيهِ أي فيما رزقناكم بالإخلال بشكره وتعدي حدود الله تعالى فيه بالسرف والبطر والاستعانة به على معاصي الله تعالى ومنع الحقوق الواجبة فيه، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أي لا يظلم بعضكم بعضا فيأخذه من صاحبه بغير حق، وقيل: أي لا تدخروا.
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما «ولا تطغوا» بضم الغين فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي جواب للنهي أي فيلزمكم غضبي ويجب لكم من حل الدين يحل بكسر الحاء إذا وجب أداؤه وأصله من الحلول وهو في الأجسام ثم استعير لغيرها وشاع حتى صارت حقيقة فيه وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى أي هلك وأصله الوقوع من علو كالجبل ثم استعمل في الهلاك للزومه له، وقيل: أي وقع في الهاوية وإليه ذهب الزجاج.
وفي بعض الآثار أن في جهنم قصرا يرمي الكافر من أعلاه فيهوي في جهنم أربعين خريفا قبل أن يبلغ الصلصال فذلك قوله تعالى فَقَدْ هَوى فيكون بمعناه الأصلي إذا أريد به فرد مخصوص منه لا بخصوصه.
وقرأ الكسائي «فيحل» بضم الحاء «ومن يحلل» بضم اللام الأولى وهي قراءة قتادة وأبي حيوة والأعمش وطلحة ووافق ابن عتبة في يَحْلِلْ فضم، وفي الإقناع لأبي على الأهوازي قرأ ابن غزوان عن طلحة «لا يحلنّ عليكم» بنون مشددة وفتح اللام وكسر الحاء وهو من باب لا أرينك هنا، وفي كتاب اللوامح قرأ قتادة وعبد الله بن مسلم بن يسار وابن وثاب والأعمش «فيحل» بضم الياء وكسر الحاء من الإحلال ففاعله ضمير الطغيان، وغَضَبِي مفعوله، وجوز أن يكون هو الفاعل والمفعول محذوف أي العذاب أو نحوه، ومعنى يحل مضموم الحاء ينزل من حل بالبلد إذا نزل كما في الكشاف.
وفي المصباح حل العذاب يحل ويحل هذه وحدها بالكسر والضم والباقي بالكسر فقط، والغضب في البشر ثوران دم القلب عند إرادة الانتقام،
وفي الحديث «اتقوا الغضب فإنه جمرة توقد في قلب ابن آدم ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه»
وإذا وصف الله تعالى به لم يرد هذا المعنى قطعا وأريد معنى لائق بشأنه عز شأنه، وقد يراد به
وقرأ حمزة والمذكورون معه آنفا «وواعدتكم» بتاء الضمير أيضا. وقرىء «ووعدناكم» من الوعد.
وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى الترنجبين والسمانى حيث كان ينزل عليهم المن وهم في التيه مثل الثلج من الفجر إلى الطلوع لكل إنسان صاع ويبعث الجنوب عليهم السمانى فيأخذ الواحد منهم ما يكفيه.
كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ أي من لذائذه أو حلالاته على أن المراد بالطيب ما يستطيبه الطبع أو الشرع.
وجوز أن يراد بالطيبات ما جمعت وصفي اللذة والحل، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان إباحة ما ذكر لهم وإتماما للنعمة عليهم، وقرأ من ذكر آنفا «رزقتكم» وقدم سبحانه نعمة الإنجاء من العدو لأنها من باب درء المضار وهو أهم من جلب المنافع ومن ذاق مرارة كيد الأعداء خذلهم الله تعالى ثم أنجاه الله تعالى وجعل كيدهم في نحورهم علم قدر هذه النعمة، نسأل الله تعالى أن يتم نعمه علينا وأن لا يجعل لعدو سبيلا إلينا، وثنى جلّ وعلا بالنعمة الدينية لأنها الأنف في وجه المنافع، وأخر عز وجل النعمة الدنيوية لكونها دون ذلك فتبا لمن يبيع الدين بالدنيا وَلا تَطْغَوْا فِيهِ أي فيما رزقناكم بالإخلال بشكره وتعدي حدود الله تعالى فيه بالسرف والبطر والاستعانة به على معاصي الله تعالى ومنع الحقوق الواجبة فيه، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أي لا يظلم بعضكم بعضا فيأخذه من صاحبه بغير حق، وقيل: أي لا تدخروا.
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما «ولا تطغوا» بضم الغين فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي جواب للنهي أي فيلزمكم غضبي ويجب لكم من حل الدين يحل بكسر الحاء إذا وجب أداؤه وأصله من الحلول وهو في الأجسام ثم استعير لغيرها وشاع حتى صارت حقيقة فيه وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى أي هلك وأصله الوقوع من علو كالجبل ثم استعمل في الهلاك للزومه له، وقيل: أي وقع في الهاوية وإليه ذهب الزجاج.
وفي بعض الآثار أن في جهنم قصرا يرمي الكافر من أعلاه فيهوي في جهنم أربعين خريفا قبل أن يبلغ الصلصال فذلك قوله تعالى فَقَدْ هَوى فيكون بمعناه الأصلي إذا أريد به فرد مخصوص منه لا بخصوصه.
وقرأ الكسائي «فيحل» بضم الحاء «ومن يحلل» بضم اللام الأولى وهي قراءة قتادة وأبي حيوة والأعمش وطلحة ووافق ابن عتبة في يَحْلِلْ فضم، وفي الإقناع لأبي على الأهوازي قرأ ابن غزوان عن طلحة «لا يحلنّ عليكم» بنون مشددة وفتح اللام وكسر الحاء وهو من باب لا أرينك هنا، وفي كتاب اللوامح قرأ قتادة وعبد الله بن مسلم بن يسار وابن وثاب والأعمش «فيحل» بضم الياء وكسر الحاء من الإحلال ففاعله ضمير الطغيان، وغَضَبِي مفعوله، وجوز أن يكون هو الفاعل والمفعول محذوف أي العذاب أو نحوه، ومعنى يحل مضموم الحاء ينزل من حل بالبلد إذا نزل كما في الكشاف.
وفي المصباح حل العذاب يحل ويحل هذه وحدها بالكسر والضم والباقي بالكسر فقط، والغضب في البشر ثوران دم القلب عند إرادة الانتقام،
وفي الحديث «اتقوا الغضب فإنه جمرة توقد في قلب ابن آدم ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه»
وإذا وصف الله تعالى به لم يرد هذا المعنى قطعا وأريد معنى لائق بشأنه عز شأنه، وقد يراد به
550
الانتقام والعقوبة أو إرادتهما نعوذ بالله تعالى من ذلك، ووصف ذلك بالحلو حقيقة على بعض الاحتمالات ومجازا على بعض آخر، وفي الانتصاف أن وصفه بالحلول لا يتأتى على تقدير أن يراد به إرادة العقوبة ويكون ذلك بمنزلة
قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ينزل ربنا إلى السماء الدنيا»
على التأويل المعروف أو عبر عن حلول أثر الإرادة بحلولها تعبيرا عن الأثر بالمؤثر كما يقول الناظر إلى عجيب من مخلوقات الله تعالى: انظر إلى قدرة الله تعالى يعني أثر القدرة لا نفسها وَإِنِّي لَغَفَّارٌ كثير المغفرة لِمَنْ تابَ من الشرك على ما روي عن ابن عباس، وقيل: منه ومن المعاصي التي من جملتها الطغيان فيما رزق وَآمَنَ بما يجب الإيمان به. واقتصر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فيما يروى عنه على ذكر الإيمان بالله تعالى ولعله من باب الاقتصار على الأشرف وإلا فالأفيد إرادة العموم مع ذكر التوبة من الشرك وَعَمِلَ صالِحاً أي عملا مستقيما عند الشرع وهو بحسب الظاهر شامل للفرض والسنة، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما تفسير ذلك بأداء الفرائض ثُمَّ اهْتَدى أي لزم الهدى واستقام عليه إلى الموافاة وهو مروي عن الحبر.
والهدى يحتمل أن يراد به الإيمان، وقد صرح سبحانه بمدح المستقيمين على ذلك في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا [فصلت: ٤١].
وقال الزمخشري: الاهتداء هو الاستقامة والثبات على الهدى المذكور وهو التوبة والإيمان والعمل الصالح وأيّا ما كان فكلمة ثم إما للتراخي باعتبار الانتهاء لبعده عن أول الانتهاء أو للدلالة على بعد ما بين المرتبتين فإن المداومة أعلى وأعظم من الشروع كما قيل:
وقيل: المراد ثم عمل بالسنة، وأخرج سعيد بن منصور عن الحبر أن المراد من اهتدى علم أن لعمله ثوابا يجزى عليه، وروي عنه غير ذلك، وقيل: المراد طهر قلبه من الأخلاق الذميمة. كالعجب والحسد والكبر وغيرها، وقال ابن عطية: الذي يقوى في معنى ثُمَّ اهْتَدى أن يكون ثم حفظ معتقداته من أن تخالف الحق في شيء من الأشياء فإن الاهتداء على هذا الوجه غير الإيمان وغير العمل انتهى، ولا يخفى عليك أن هذا يرجع إلى قولنا ثم استقام على الإيمان بما يجب الإيمان به على الوجه الصحيح،
وروى الإمامية من عدة طرق عن أبي جعفر الباقر رضي الله تعالى عنه أنه قال: ثم اهتدى إلى ولايتنا أهل البيت فو الله لو أن رجلا عبد الله تعالى عمره بين الركن والمقام ثم مات ولم يجىء بولايتنا لأكبه الله تعالى في النار على وجهه.
وأنت تعلم أن ولايتهم وحبهم رضي الله تعالى عنهم مما لا كلام عندنا في وجوبه لكن حمل الاهتداء في الآية على ذلك مع كونها حكاية لما خاطب الله تعالى به بني إسرائيل في زمان موسى عليه السلام مما يستدعي القول بأنه عز وجل أعلم بني إسرائيل بأهل البيت وأوجب عليهم ولا يتهم إذ ذاك ولم يثبت ذلك في صحيح الأخبار.
نعم
روى الإمامية من خبر جارود بن المنذر العبدي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال له «يا جارود ليلة أسري بي إلي السماء أوحى الله عز وجل إليّ أن سل من أرسلنا قبلك من رسلنا علام بعثوا قلت: علام بعثوا؟ قال: على نبوتك وولاية علي بن أبي طالب والأئمة منكما ثم عرفني الله تعالى بهم بأسمائهم ثم ذكر صلّى الله عليه وسلّم أسماءهم واحدا بعد واحد إلى المهدي
وهو خير طويل يتفجر الكذب منه. ولهم أخبار في هذا المطلب كلها من هذا القبيل فلا فائدة في ذكرها إلا التطويل. والآية تدل على تحقق المغفرة لمن اتصف بمجموع الصفات المذكورة. وقصارى ما يفهم منها عند القائلين بالمفهوم عدم
قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ينزل ربنا إلى السماء الدنيا»
على التأويل المعروف أو عبر عن حلول أثر الإرادة بحلولها تعبيرا عن الأثر بالمؤثر كما يقول الناظر إلى عجيب من مخلوقات الله تعالى: انظر إلى قدرة الله تعالى يعني أثر القدرة لا نفسها وَإِنِّي لَغَفَّارٌ كثير المغفرة لِمَنْ تابَ من الشرك على ما روي عن ابن عباس، وقيل: منه ومن المعاصي التي من جملتها الطغيان فيما رزق وَآمَنَ بما يجب الإيمان به. واقتصر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فيما يروى عنه على ذكر الإيمان بالله تعالى ولعله من باب الاقتصار على الأشرف وإلا فالأفيد إرادة العموم مع ذكر التوبة من الشرك وَعَمِلَ صالِحاً أي عملا مستقيما عند الشرع وهو بحسب الظاهر شامل للفرض والسنة، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما تفسير ذلك بأداء الفرائض ثُمَّ اهْتَدى أي لزم الهدى واستقام عليه إلى الموافاة وهو مروي عن الحبر.
والهدى يحتمل أن يراد به الإيمان، وقد صرح سبحانه بمدح المستقيمين على ذلك في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا [فصلت: ٤١].
وقال الزمخشري: الاهتداء هو الاستقامة والثبات على الهدى المذكور وهو التوبة والإيمان والعمل الصالح وأيّا ما كان فكلمة ثم إما للتراخي باعتبار الانتهاء لبعده عن أول الانتهاء أو للدلالة على بعد ما بين المرتبتين فإن المداومة أعلى وأعظم من الشروع كما قيل:
لكل إلى شأو العلى وثبات (١) | ولكن قليل في الرجال ثبات |
وروى الإمامية من عدة طرق عن أبي جعفر الباقر رضي الله تعالى عنه أنه قال: ثم اهتدى إلى ولايتنا أهل البيت فو الله لو أن رجلا عبد الله تعالى عمره بين الركن والمقام ثم مات ولم يجىء بولايتنا لأكبه الله تعالى في النار على وجهه.
وأنت تعلم أن ولايتهم وحبهم رضي الله تعالى عنهم مما لا كلام عندنا في وجوبه لكن حمل الاهتداء في الآية على ذلك مع كونها حكاية لما خاطب الله تعالى به بني إسرائيل في زمان موسى عليه السلام مما يستدعي القول بأنه عز وجل أعلم بني إسرائيل بأهل البيت وأوجب عليهم ولا يتهم إذ ذاك ولم يثبت ذلك في صحيح الأخبار.
نعم
روى الإمامية من خبر جارود بن المنذر العبدي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال له «يا جارود ليلة أسري بي إلي السماء أوحى الله عز وجل إليّ أن سل من أرسلنا قبلك من رسلنا علام بعثوا قلت: علام بعثوا؟ قال: على نبوتك وولاية علي بن أبي طالب والأئمة منكما ثم عرفني الله تعالى بهم بأسمائهم ثم ذكر صلّى الله عليه وسلّم أسماءهم واحدا بعد واحد إلى المهدي
وهو خير طويل يتفجر الكذب منه. ولهم أخبار في هذا المطلب كلها من هذا القبيل فلا فائدة في ذكرها إلا التطويل. والآية تدل على تحقق المغفرة لمن اتصف بمجموع الصفات المذكورة. وقصارى ما يفهم منها عند القائلين بالمفهوم عدم
(١) في نسخة حركات اه منه.
551
تحققها لمن لم يتصف بالمجموع وعدم التحقق أعم من تحقق العدم فالآية بمعزل عن أن تكون دليلا للمعتزلي على تحقق عدم المغفرة لمرتكب الكبيرة إذا مات من غير توبة فافهم واحتج بها من قال تجب التوبة عن الكفر أولا ثم الإتيان بالإيمان ثانيا لأنه قدم فيها التوبة على الإيمان، واحتج بها أيضا من قال بعدم دخول العمل الصالح في الإيمان للعطف المقتضي للمغايرة وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى حكاية لما جرى بينه تعالى وبين موسى عليه السلام من الكلام عند ابتداء موافاته الميقات بموجب المواعدة المذكورة سابقا أي وقلنا له أي شيء عجل بك عن قومك فتقدمت عليهم. والمراد بهم هنا عند كثير ومنهم الزمخشري النقباء السبعون. والمراد بالتعجيل تقدمه عليهم لا الإتيان قبل تمام الميعاد المضروب خلافا لبعضهم. والاستفهام للإنكار ويتضمن كما في الكشف إنكار السبب الحامل لوجود مانع في البين وهو إيهام إغفال القوم وعدم الاعتداد بهم مع كونه عليه السلام مأمورا باستصحابهم وإحضارهم معه وإنكار أصل الفعل لأن العجلة نقيصة في نفسها فكيف من أولي العزم اللائق بهم مزيد الحزم، وقوله تعالى:
قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى متضمن لبيان اعتذاره عليه السلام، وحاصله عرض الخطأ في الاجتهاد كأنه عليه السلام قال: إنهم لم يبعدوا عني وإن تقدمي عليهم بخطإ يسيرة وظني أن مثل ذلك لا ينكر وقد حملني عليه استدامة رضاك أو حصول زيادته وظني أن مثل هذا الحامل يصلح للحمل على مثل ما ذكر ولم يخطر لي أن هناك مانعا لينكر علي. ونحو هذا الإسراع المزيل للخشوع إلى إدراك الإمام في الركوع طلبا لأن يكون أداء هذا الركن مع الجماعة التي فيها رضا الرب تعالى فإنهم قالوا: إن ذلك غير مشروع، وقدم عليه السلام الاعتذار عن إنكار أصل الفعل لأنه أهم، وقال بعضهم: إن الاستفهام سؤال عن سبب العجلة يتضمن إنكارها لأنها في نفسها نقيصة انضم إليها الإغفال وإيهام التعظيم فأجاب عليه السلام عن السبب بأنه استدامة الرضا أو حصول زيادته وعن الإنكار بما محصله أنهم لم يبعدوا عني وظننت أن التقدم اليسير لكونه معتادا بين الناس لا ينكر ولا يعد نقيصة وعلل تقديم هذا الجواب بما مر. واعترض بأن مساق كلامه بظاهره يدل على أن السؤال عن السبب على حقيقته وأنت خبير بأن حقيقة الاستفهام محال على الله تعالى فلا وجه لبناء الكلام عليه، وأجيب بأن السؤال من علام الغيوب محال إن كان لاستدعاء المعرفة أما إذا كان لتعريف غيره أو لتبكيته أو تنبيهه فليس محالا، وتعقب بأنه لا يحسن هنا أن يكون السؤال لأحد المذكورات والمتبادر أن يكون للإنكار، وفي الانتصاف أن المراد من سؤال موسى عليه السلام عن سبب العجلة وهو سبحانه أعلم أن يعلمه أدب السفر وهو أنه ينبغي تأخر رئيس القوم عنهم ليكون بصره بهم ومهيمنا عليهم وهذا المعنى لا يحصل مع التقدم ألا ترى كيف علم الله تعالى هذا الأدب لوطا فقال سبحانه وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ [الحجر:
٦٥] فأمره عز وجل أن يكون آخرهم وموسى عليه السلام إنما أغفل هذا الأمر مبادرة إلى رضا الله تعالى ومسارعة إلى الميعاد وذلك شأن الموعود بما يسره يود لو ركب أجنحة الطير ولا أسرّ من مواعدة الله تعالى له عليه الصلاة والسلام انتهى.
وأنت تعلم أن السؤال عن السبب ما لم يكن المراد منه إنكار المسبب لا يتسنى هذا التعليم، وقال بعضهم:
الذي يلوح بالبال أن يكون المعنى أي شيء أعجلك منفردا عن قومك، والإنكار بالذات للانفراد عنهم فهو منصب على القيد كما عرف في أمثاله، وإنكار العجلة ليس إلا لكونها وسيلة له فاعتذر موسى عليه السلام عنه بأني أخطأت في الاجتهاد وحسبت أن القدر اليسير من التقدم لا يخل بالمعية ولا يعد انفرادا ولا يقدح بالاستصحاب والحامل عليه طلب استدامة مرضاتك بالمبادرة إلى امتثال أمرك فالجواب هو قوله هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي، وقوله وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى كالتتميم له اه وهو عندي لا يخلو عن حسن.
قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى متضمن لبيان اعتذاره عليه السلام، وحاصله عرض الخطأ في الاجتهاد كأنه عليه السلام قال: إنهم لم يبعدوا عني وإن تقدمي عليهم بخطإ يسيرة وظني أن مثل ذلك لا ينكر وقد حملني عليه استدامة رضاك أو حصول زيادته وظني أن مثل هذا الحامل يصلح للحمل على مثل ما ذكر ولم يخطر لي أن هناك مانعا لينكر علي. ونحو هذا الإسراع المزيل للخشوع إلى إدراك الإمام في الركوع طلبا لأن يكون أداء هذا الركن مع الجماعة التي فيها رضا الرب تعالى فإنهم قالوا: إن ذلك غير مشروع، وقدم عليه السلام الاعتذار عن إنكار أصل الفعل لأنه أهم، وقال بعضهم: إن الاستفهام سؤال عن سبب العجلة يتضمن إنكارها لأنها في نفسها نقيصة انضم إليها الإغفال وإيهام التعظيم فأجاب عليه السلام عن السبب بأنه استدامة الرضا أو حصول زيادته وعن الإنكار بما محصله أنهم لم يبعدوا عني وظننت أن التقدم اليسير لكونه معتادا بين الناس لا ينكر ولا يعد نقيصة وعلل تقديم هذا الجواب بما مر. واعترض بأن مساق كلامه بظاهره يدل على أن السؤال عن السبب على حقيقته وأنت خبير بأن حقيقة الاستفهام محال على الله تعالى فلا وجه لبناء الكلام عليه، وأجيب بأن السؤال من علام الغيوب محال إن كان لاستدعاء المعرفة أما إذا كان لتعريف غيره أو لتبكيته أو تنبيهه فليس محالا، وتعقب بأنه لا يحسن هنا أن يكون السؤال لأحد المذكورات والمتبادر أن يكون للإنكار، وفي الانتصاف أن المراد من سؤال موسى عليه السلام عن سبب العجلة وهو سبحانه أعلم أن يعلمه أدب السفر وهو أنه ينبغي تأخر رئيس القوم عنهم ليكون بصره بهم ومهيمنا عليهم وهذا المعنى لا يحصل مع التقدم ألا ترى كيف علم الله تعالى هذا الأدب لوطا فقال سبحانه وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ [الحجر:
٦٥] فأمره عز وجل أن يكون آخرهم وموسى عليه السلام إنما أغفل هذا الأمر مبادرة إلى رضا الله تعالى ومسارعة إلى الميعاد وذلك شأن الموعود بما يسره يود لو ركب أجنحة الطير ولا أسرّ من مواعدة الله تعالى له عليه الصلاة والسلام انتهى.
وأنت تعلم أن السؤال عن السبب ما لم يكن المراد منه إنكار المسبب لا يتسنى هذا التعليم، وقال بعضهم:
الذي يلوح بالبال أن يكون المعنى أي شيء أعجلك منفردا عن قومك، والإنكار بالذات للانفراد عنهم فهو منصب على القيد كما عرف في أمثاله، وإنكار العجلة ليس إلا لكونها وسيلة له فاعتذر موسى عليه السلام عنه بأني أخطأت في الاجتهاد وحسبت أن القدر اليسير من التقدم لا يخل بالمعية ولا يعد انفرادا ولا يقدح بالاستصحاب والحامل عليه طلب استدامة مرضاتك بالمبادرة إلى امتثال أمرك فالجواب هو قوله هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي، وقوله وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى كالتتميم له اه وهو عندي لا يخلو عن حسن.
552
وقيل: إن السؤال عن السبب والجواب إنما هو قوله وَعَجِلْتُ إلخ وما قبله تمهيد له وفيه نظر، وعلى هذا وما قبله لم يكن جواب موسى عليه السلام عن أمرين ليجيء سؤال الترتيب فيجاب بما مر أو بما ذكره الزمخشري من أنه عليه السلام حار لما ورد عليه من التهيب لعتاب الله عز وجل فأذهله ذلك عن الجواب المنطبق المترتب على حدود الكلام لكن قال في البحر: إن في هذا الجواب إساءة الأدب مع الأنبياء عليهم السلام، وذلك شأن الزمخشري معهم صلى الله تعالى وسلّم عليهم، والمراد من إِلَيْكَ إلى مكان وعدك فلا يصلح دليلا للمجسمة على إثبات مكان له عز وجل. ونداؤه تعالى بعنوان الربوبية لمزيد الضراعة والابتهال رغبة في قبول العذر وأُولاءِ اسم إشارة كما هو المشهور مرفوع المحل على الخبرية- لهم- وعَلى أَثَرِي خبر بعد خبر أو حال كما قال أبو حيان وجوز الطبرسي كون أُولاءِ بدل من هُمْ وعَلى أَثَرِي هو الخبر، وقال أبو البقاء: أُولاءِ اسم موصول وعَلى أَثَرِي صلته وهو مذهب كوفي.
وقرأ الحسن وابن معاذ عن أبيه «أولاي» بياء مكسورة وابن وثاب وعيسى في رواية «أولى» بالقصر، وقرأت فرقة «أولاي» بياء مفتوحة وقرأ عيسى ويعقوب وعبد الوارث عن أبي عمرو وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهما «على إثري» بكسر الهمزة وسكون الثاء، وحكى الكسائي «أثري» بضم الهمزة وسكون الثاء وتروى عن عيسى، وفي الكشاف إن «الأثر» بفتحتين أفصح من «الأثر» بكسر فسكون، وأما الأثر فمسموع في فرند السيف مدون في الأصول يقال: أثر السيف وأثره وهو بمعنى الأثر غريب قالَ استئناف مبني على سؤال نشأ من حكاية اعتذاره عليه السلام وهو السر في وروده على صيغة الغائب لا أنه التفات من التكلم إلى الغيبة لما أن المقدر فيما سبق على صيغة التكلم كأنه قيل من جهة السامعين: فماذا قال له ربه تعالى حينئذ؟ فقيل: قال سبحانه فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ أي اختبرناهم بما فعل السامري أو أوقعناهم في فتنة أي ميل مع الشهوات ووقوع في اختلاف مِنْ بَعْدِكَ من بعد فراقك لهم وذهابك من بينهم وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ حيث أخرج لهم عجلا جسدا له خوار ودعاهم إلى عبادته. وقيل: قال لهم وذهابك من بينهم وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ حيث أخرج لهم عجلا جسدا له خوار ودعاهم إلى عبادته. وقيل: قال لهم بعد أن غاب موسى عليه السلام عنهم عشرين ليلة: إنه قد كملت الأربعون فجعل العشرين مع أيامها أربعين ليلة. وليس من موسى عين ولا أثر وليس إخلافه ميعادكم إلا لما معكم من حلي القوم وهو حرام عليكم فجمعوه وكان من أمر العجل ما كان. والمراد بقومك هنا الذين خلفهم مع هارون عليه السلام، وكانوا على ما قيل ستمائة ألف ما نجا منهم من عبادة العجل إلا اثنا عشر ألفا فالمراد بهم غير المراد بقومك فيما تقدم، ولذا لم يؤت بضميرهم، وقيل: المراد بالقوم في الموضعين المتخلين لتعين إرادتهم هنا، والمعرفة المعادة عين الأولى. ومعنى «هم أولاء على أثري» هم بالقرب مني ينتطرونني.
وتعقبه في الكشف بأنه غير ملائم للفظ الأثر ولا هو مطابق لتمهيد عذر العجلة ومن أين لصاحب هذا التأويل النقل بأنهم كانوا على القرب من الطور وحديث المعرفة المعادة إنما هو إذا لم يقم دليل التغاير وقد قام على أن لنا أن تقول: هي عين الأولى لأن المراد بالقوم الجنس في الموضعين لكن المقصود منه أولا النقباء وثانيا المتخلفون ومثله كثير في القرآن انتهى. وما ذكره من نفي النقل الدال على القرب فيه مقال، وسيأتي إن شاء الله تعالى قريبا من الأخبار ما يدل بظاهره على القرب إلا أنا لم نقف على تصحيحه أو تضعيفه.
وما ذكر من تفسير هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي على إرادة المتخلفين في الأول أيضا نقله الطبرسي عن الحسن، ونقل عنه أيضا تفسيره بأنهم على ديني ومنهاجي والأمر عليه أهون. والفاء لتعليل ما يفهمه الكلام السابق كأنه قيل: لا ينبغي عجلتك عن قومك وتقدمك عليهم وإهمال أمرهم لوجه من الوجوه فإنهم لحداثة عهدهم باتباعك ومزيد
وقرأ الحسن وابن معاذ عن أبيه «أولاي» بياء مكسورة وابن وثاب وعيسى في رواية «أولى» بالقصر، وقرأت فرقة «أولاي» بياء مفتوحة وقرأ عيسى ويعقوب وعبد الوارث عن أبي عمرو وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهما «على إثري» بكسر الهمزة وسكون الثاء، وحكى الكسائي «أثري» بضم الهمزة وسكون الثاء وتروى عن عيسى، وفي الكشاف إن «الأثر» بفتحتين أفصح من «الأثر» بكسر فسكون، وأما الأثر فمسموع في فرند السيف مدون في الأصول يقال: أثر السيف وأثره وهو بمعنى الأثر غريب قالَ استئناف مبني على سؤال نشأ من حكاية اعتذاره عليه السلام وهو السر في وروده على صيغة الغائب لا أنه التفات من التكلم إلى الغيبة لما أن المقدر فيما سبق على صيغة التكلم كأنه قيل من جهة السامعين: فماذا قال له ربه تعالى حينئذ؟ فقيل: قال سبحانه فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ أي اختبرناهم بما فعل السامري أو أوقعناهم في فتنة أي ميل مع الشهوات ووقوع في اختلاف مِنْ بَعْدِكَ من بعد فراقك لهم وذهابك من بينهم وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ حيث أخرج لهم عجلا جسدا له خوار ودعاهم إلى عبادته. وقيل: قال لهم وذهابك من بينهم وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ حيث أخرج لهم عجلا جسدا له خوار ودعاهم إلى عبادته. وقيل: قال لهم بعد أن غاب موسى عليه السلام عنهم عشرين ليلة: إنه قد كملت الأربعون فجعل العشرين مع أيامها أربعين ليلة. وليس من موسى عين ولا أثر وليس إخلافه ميعادكم إلا لما معكم من حلي القوم وهو حرام عليكم فجمعوه وكان من أمر العجل ما كان. والمراد بقومك هنا الذين خلفهم مع هارون عليه السلام، وكانوا على ما قيل ستمائة ألف ما نجا منهم من عبادة العجل إلا اثنا عشر ألفا فالمراد بهم غير المراد بقومك فيما تقدم، ولذا لم يؤت بضميرهم، وقيل: المراد بالقوم في الموضعين المتخلين لتعين إرادتهم هنا، والمعرفة المعادة عين الأولى. ومعنى «هم أولاء على أثري» هم بالقرب مني ينتطرونني.
وتعقبه في الكشف بأنه غير ملائم للفظ الأثر ولا هو مطابق لتمهيد عذر العجلة ومن أين لصاحب هذا التأويل النقل بأنهم كانوا على القرب من الطور وحديث المعرفة المعادة إنما هو إذا لم يقم دليل التغاير وقد قام على أن لنا أن تقول: هي عين الأولى لأن المراد بالقوم الجنس في الموضعين لكن المقصود منه أولا النقباء وثانيا المتخلفون ومثله كثير في القرآن انتهى. وما ذكره من نفي النقل الدال على القرب فيه مقال، وسيأتي إن شاء الله تعالى قريبا من الأخبار ما يدل بظاهره على القرب إلا أنا لم نقف على تصحيحه أو تضعيفه.
وما ذكر من تفسير هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي على إرادة المتخلفين في الأول أيضا نقله الطبرسي عن الحسن، ونقل عنه أيضا تفسيره بأنهم على ديني ومنهاجي والأمر عليه أهون. والفاء لتعليل ما يفهمه الكلام السابق كأنه قيل: لا ينبغي عجلتك عن قومك وتقدمك عليهم وإهمال أمرهم لوجه من الوجوه فإنهم لحداثة عهدهم باتباعك ومزيد
553
بلاهتهم وحماقتهم بمكان يحيق فيه مكر الشيطان ويتمكن من إضلالهم فإن القوم الذين خلفتهم مع أخيك قد فتنوا وأضلهم السامري بخروجك من بينهم فكيف تأمن على هؤلاء الذين أغفلتهم وأهملت أمرهم.
وفي إرشاد العقل السليم إنها لترتيب الأخبار بما ذكر من الابتلاء على أخبار موسى عليه السلام بعجلته لكن لا لأن الأخبار بها سبب موجب للأخبار به بل لما بينهما من المناسبة المصححة للانتقال من أحدهما إلى الآخر من حيث أن مدار الابتلاء المذكور عجلة القوم وليس بذاك. وأما قول الخفاجي: إنها للتعقيب من غير تعليل أخ أقول لك عقب ما ذكر إنا قد فتنا إلى آخره ففيه سهو ظاهر لأن هذا المعنى إنما يتسنى لو كانت الفاء داخلة على القول لكنها داخلة على ما بعده وظاهر الآية يدل على أن الفتن وإضلال السامري إياهم قد تحققا ووقعا قبل الإخبار بهما إذ صيغة الماضي ظاهرة في ذلك، والظاهر أيضا على ما قررنا أن الأخبار كان عند مجيئه عليه السلام للطور لم يتقدمه إلا العتاب والاعتذار. وفي الآثار ما يدل على أن وقوع ما ذكر كان بعد عشرين ليلة من ذهابه عليه السلام لجانب الطور، وقيل: بعد ست وثلاثين يوما وحينئذ يكون التعبير عن ذلك بصيغة الماضي لاعتبار تحققه في علم الله تعالى ومشيئته أو لأنه قريب الوقوع مترقبه أو لأن السامري كان قد عزم على إيقاع الفتنة عند ذهاب موسى عليه السلام وتصدى لترتيب مبادئها وتمهيد مبانيها فنزل مباشرة الأسباب منزلة الوقوع. والسامري عند الأكثر كما قال الزجاج: كان عظيما من عظماء بني إسرائيل من قبيلة تعرف بالسامرة وهم إلى هذه الغاية في الشام يعرفون بالسامريين، وقيل: هو ابن خالة موسى عليه السلام، وقيل: ابن عمه، وقيل: كان علجا من كرمان، وقيل: كان من أهل باجرما قرية قريبة من مصر أو قرية من قرى موصل، وقيل: كان من القبط وخرج مع موسى عليه السلام مظهرا الإيمان وكان جاره.
وقيل: كان من عباد البقر وقع في مصر فدخل في بني إسرائيل بظاهره وفي قلبه عبادة البقر. واسمه قيل موسى بن ظفر، وقيل: منجا، والأول أشهر، وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أن أمه حين خافت أن يذبح خلفته في غار وأطبقت عليه فكان جبريل عليه السلام يأتيه فيغذوه بأصابعه في واحدة لبنا وفي الأخرى عسلا، وفي الأخرى سمنا ولم يزل يغذوه حتى نشأ وعلى ذلك قول من قال:
وبالجملة كان عند الجهور منافقا يظهر الإيمان ويبطن الكفر، وقرأ معاذ «أضلّهم» على أنه أفعل تفضيل أي أشدهم ضلالا لأنه ضال ومضل فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ عند رجوعه المعهود أي بعد ما استوفى الأربعين ذا القعدة وعشر ذي الحجة وأخذ التوراة لا عقيب الأخبار المذكور فسببية ما قبل الفاء لما بعدها إنما هي باعتبار قيد الرجوع المستفاد من قوله تعالى: غَضْبانَ أَسِفاً لا باعتبار نفسه وإن كانت داخلة عليه حقيقة فإن كون الرجوع بعد تمام الأربعين أمر مقرر مشهور لا يذهب الوهم إلى كونه عند الأخبار المذكور كما إذا قلت: شايعت الحجاج ودعوت لهم بالسلامة فرجعوا سالمين فإن أحدا لا يرتاب في أن المراد رجوعهم المعتاد لا رجوعهم أثر الدعاء وإن سببية الدعاء باعتبار وصف السلامة لا باعتبار نفس الرجوع كذا في إرشاد العقل السليم وهو مما لا ينتطح فيه كبشان. والأسف الحزين كما روي عن ابن عباس وكان حزنه عليه السلام من حيث أن ما وقع فيه قومه مما يترتب عليه العقوبة ولا يد له بدفعها.
وفي إرشاد العقل السليم إنها لترتيب الأخبار بما ذكر من الابتلاء على أخبار موسى عليه السلام بعجلته لكن لا لأن الأخبار بها سبب موجب للأخبار به بل لما بينهما من المناسبة المصححة للانتقال من أحدهما إلى الآخر من حيث أن مدار الابتلاء المذكور عجلة القوم وليس بذاك. وأما قول الخفاجي: إنها للتعقيب من غير تعليل أخ أقول لك عقب ما ذكر إنا قد فتنا إلى آخره ففيه سهو ظاهر لأن هذا المعنى إنما يتسنى لو كانت الفاء داخلة على القول لكنها داخلة على ما بعده وظاهر الآية يدل على أن الفتن وإضلال السامري إياهم قد تحققا ووقعا قبل الإخبار بهما إذ صيغة الماضي ظاهرة في ذلك، والظاهر أيضا على ما قررنا أن الأخبار كان عند مجيئه عليه السلام للطور لم يتقدمه إلا العتاب والاعتذار. وفي الآثار ما يدل على أن وقوع ما ذكر كان بعد عشرين ليلة من ذهابه عليه السلام لجانب الطور، وقيل: بعد ست وثلاثين يوما وحينئذ يكون التعبير عن ذلك بصيغة الماضي لاعتبار تحققه في علم الله تعالى ومشيئته أو لأنه قريب الوقوع مترقبه أو لأن السامري كان قد عزم على إيقاع الفتنة عند ذهاب موسى عليه السلام وتصدى لترتيب مبادئها وتمهيد مبانيها فنزل مباشرة الأسباب منزلة الوقوع. والسامري عند الأكثر كما قال الزجاج: كان عظيما من عظماء بني إسرائيل من قبيلة تعرف بالسامرة وهم إلى هذه الغاية في الشام يعرفون بالسامريين، وقيل: هو ابن خالة موسى عليه السلام، وقيل: ابن عمه، وقيل: كان علجا من كرمان، وقيل: كان من أهل باجرما قرية قريبة من مصر أو قرية من قرى موصل، وقيل: كان من القبط وخرج مع موسى عليه السلام مظهرا الإيمان وكان جاره.
وقيل: كان من عباد البقر وقع في مصر فدخل في بني إسرائيل بظاهره وفي قلبه عبادة البقر. واسمه قيل موسى بن ظفر، وقيل: منجا، والأول أشهر، وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أن أمه حين خافت أن يذبح خلفته في غار وأطبقت عليه فكان جبريل عليه السلام يأتيه فيغذوه بأصابعه في واحدة لبنا وفي الأخرى عسلا، وفي الأخرى سمنا ولم يزل يغذوه حتى نشأ وعلى ذلك قول من قال:
إذا المرء لم يخلق سعيدا تحيرت | عقول مربيه وخاب المؤمل |
فموسى الذي رباه جبريل كافر | وموسى الذي رباه فرعون مرسل |
554
وقال غير واحد: هو شديد الغضب، وقال الجبائي متلهفا على ما فاته متحيرا في أمر قومه يخشى أن لا يمكنه تداركه وهذا معنى للأسف غير مشهور قالَ استئناف بياني كأنه قيل: فماذا فعل بهم لما رجع إليهم؟ فقيل قال:
يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ الهمزة لإنكار عدم الوعد ونفيه وتقرير وجوده على أبلغ وجه وآكده أي وعدكم وَعْداً حَسَناً لا سبيل لكم إلى إنكاره. والمراد بذلك إعطاء التوراة التي فيها هدى ونور، وقيل: هو ما وعدهم سبحانه من الوصول إلى جانب الطور الأيمن وما بعد ذلك من الفتوح في الأرض والمغفرة لمن تاب وآمن وغير ذلك مما وعد الله تعالى أهل طاعته.
وعن الحسن أن الوعد الحسن الجنة التي وعدها من تمسك بدينه، وقيل: هو أن يسمعهم جل وعلا كلامه عز شأنه ولعل الأول أولى، ونصب وَعْداً يحتمل أن يكون على أنه مفعول ثان وهو بمعنى الموعود ويحتمل أن يكون على المصدرية والمفعول الثاني محذوف، والفاء في قوله تعالى: أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ للعطف على مقدر والهمزة لإنكار المعطوف ونفيه فقط، وجوز أن تكون الهمزة مقدمة من تأخير لصدارتها والعطف على لم يَعِدْكُمْ لأنه بمعنى قد وعدكم، واختار جمع الأول أل في العهد له، والمراد زمان الإنجاز، وقيل: زمان المفارقة أي أوعدكم سبحانه ذلك فطال زمان الإنجاز أو زمان المفارقة للإتيان به أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ أي يجب عَلَيْكُمْ غَضَبٌ شديد لا يقادر قدره كائن مِنْ رَبِّكُمْ أي من مالك أمركم على الإطلاق. والمراد من إرادة ذلك فعل ما يكون مقتضيا له.
والفاء في قوله تعالى فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي لترتيب ما بعدها على كل من الشقين، والموعد مصدر مضاف إلى مفعوله للقصد إلى زيادة تقبيح حالهم فإن إخلافهم الوعد الجاري فيما بينهم وبينه عليه السلام من حيث إضافته إليه عليه السلام أشنع منه من حيث إضافته إليهم، والمعنى أفطال عليكم الزمان فنسيتم بسبب ذلك فأخلفتم وعدكم إياي بالثبات على ديني إلى أن أرجع من الميقات نسيانا أو تعمدتم فعل ما يكون سببا لحلول غضب ربكم عليكم فأخلفتم وعدكم إياي بذلك عمدا، وحاصله أنسيتم فأخلفتم أو تعمدتم فاخلفتم، ومنه يعلم التقابل بين الشقين.
وجوز المفضل أن يكون الموعد مصدرا مضافا إلى الفاعل وإخلافه بمعنى وجدان الخلف فيه يقال: أخلف وعد زيد بمعنى وجد الخلف فيه، ونظيره أحمدت زيدا أي فوجدتم الخلف في موعدي إياكم بعد الأربعين، وفيه أنه لا يساعده السياق ولا السباق أصلا، وقيل: المصدر مضاف إلى المفعول إلا أن المراد منه وعدهم إياه عليه السلام باللحاق به والمجيء للطور على أثره وفيه ما فيه، واستدلت المعتزلة بالآية على أن الله عز وجل ليس خالقا للكفر وإلا لما قال سبحانه وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ولما كان لغضب موسى عليه السلام وأسفه وجه ولا يخفى ما فيه قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ أي وعدنا إياك الثبات على دينك، وإيثاره على أن يقال موعدنا على إضافة المصدر إلى فاعله لما مر آنفا.
بِمَلْكِنا بأن ملكنا أمرنا يعنون أنا ولو خلينا وأنفسنا ولم يسول لنا السامري ما سوله مع مساعدة بعض الأحوال لما أخلفناه. وقرأ بعض السبعة «بملكنا» بكسر الميم وقرأ الأخوان والحسن والأعمش وطلحة وابن أبي ليلى وقعنب بضمها وقرأ عمر رضي الله تعالى عنه «بملكنا» بفتح الميم واللام قال في البحر: أي بسلطاننا، واستظهر أن الملك بالضم والفتح والكسر بمعنى. وفرق أبو علي فقال: معنى المضموم أنه لم يكن لنا ملك فنخلف موعدك بسلطانه وإنما أخلفناه بنظر أدى إليه ما فعل السامري، والكلام على حد قوله تعالى لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً [البقرة:
٢٧٣] وقول ذي الرمة.
يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ الهمزة لإنكار عدم الوعد ونفيه وتقرير وجوده على أبلغ وجه وآكده أي وعدكم وَعْداً حَسَناً لا سبيل لكم إلى إنكاره. والمراد بذلك إعطاء التوراة التي فيها هدى ونور، وقيل: هو ما وعدهم سبحانه من الوصول إلى جانب الطور الأيمن وما بعد ذلك من الفتوح في الأرض والمغفرة لمن تاب وآمن وغير ذلك مما وعد الله تعالى أهل طاعته.
وعن الحسن أن الوعد الحسن الجنة التي وعدها من تمسك بدينه، وقيل: هو أن يسمعهم جل وعلا كلامه عز شأنه ولعل الأول أولى، ونصب وَعْداً يحتمل أن يكون على أنه مفعول ثان وهو بمعنى الموعود ويحتمل أن يكون على المصدرية والمفعول الثاني محذوف، والفاء في قوله تعالى: أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ للعطف على مقدر والهمزة لإنكار المعطوف ونفيه فقط، وجوز أن تكون الهمزة مقدمة من تأخير لصدارتها والعطف على لم يَعِدْكُمْ لأنه بمعنى قد وعدكم، واختار جمع الأول أل في العهد له، والمراد زمان الإنجاز، وقيل: زمان المفارقة أي أوعدكم سبحانه ذلك فطال زمان الإنجاز أو زمان المفارقة للإتيان به أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ أي يجب عَلَيْكُمْ غَضَبٌ شديد لا يقادر قدره كائن مِنْ رَبِّكُمْ أي من مالك أمركم على الإطلاق. والمراد من إرادة ذلك فعل ما يكون مقتضيا له.
والفاء في قوله تعالى فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي لترتيب ما بعدها على كل من الشقين، والموعد مصدر مضاف إلى مفعوله للقصد إلى زيادة تقبيح حالهم فإن إخلافهم الوعد الجاري فيما بينهم وبينه عليه السلام من حيث إضافته إليه عليه السلام أشنع منه من حيث إضافته إليهم، والمعنى أفطال عليكم الزمان فنسيتم بسبب ذلك فأخلفتم وعدكم إياي بالثبات على ديني إلى أن أرجع من الميقات نسيانا أو تعمدتم فعل ما يكون سببا لحلول غضب ربكم عليكم فأخلفتم وعدكم إياي بذلك عمدا، وحاصله أنسيتم فأخلفتم أو تعمدتم فاخلفتم، ومنه يعلم التقابل بين الشقين.
وجوز المفضل أن يكون الموعد مصدرا مضافا إلى الفاعل وإخلافه بمعنى وجدان الخلف فيه يقال: أخلف وعد زيد بمعنى وجد الخلف فيه، ونظيره أحمدت زيدا أي فوجدتم الخلف في موعدي إياكم بعد الأربعين، وفيه أنه لا يساعده السياق ولا السباق أصلا، وقيل: المصدر مضاف إلى المفعول إلا أن المراد منه وعدهم إياه عليه السلام باللحاق به والمجيء للطور على أثره وفيه ما فيه، واستدلت المعتزلة بالآية على أن الله عز وجل ليس خالقا للكفر وإلا لما قال سبحانه وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ولما كان لغضب موسى عليه السلام وأسفه وجه ولا يخفى ما فيه قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ أي وعدنا إياك الثبات على دينك، وإيثاره على أن يقال موعدنا على إضافة المصدر إلى فاعله لما مر آنفا.
بِمَلْكِنا بأن ملكنا أمرنا يعنون أنا ولو خلينا وأنفسنا ولم يسول لنا السامري ما سوله مع مساعدة بعض الأحوال لما أخلفناه. وقرأ بعض السبعة «بملكنا» بكسر الميم وقرأ الأخوان والحسن والأعمش وطلحة وابن أبي ليلى وقعنب بضمها وقرأ عمر رضي الله تعالى عنه «بملكنا» بفتح الميم واللام قال في البحر: أي بسلطاننا، واستظهر أن الملك بالضم والفتح والكسر بمعنى. وفرق أبو علي فقال: معنى المضموم أنه لم يكن لنا ملك فنخلف موعدك بسلطانه وإنما أخلفناه بنظر أدى إليه ما فعل السامري، والكلام على حد قوله تعالى لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً [البقرة:
٢٧٣] وقول ذي الرمة.
555
لا تشتكي سقطة منها وقد رقصت | بها المفاوز حتى ظهرها حدب |
وقيل: استعاروه باسم العرس. وقيل: هو ما ألقاه البحر على الساحل مما كان على الذين غرقوا، ولعلهم أطلقوا على ذلك الأوزار مرادا بها الآثام من حيث أن الحلي سبب لها غالبا لما أنه يلبس في الأكثر للفخر والخيلاء والترفع على الفقراء، وقيل: من حيث أنهم أثموا بسببه وعبدوا العجل المصوغ منه، وقيل من حيث أن ذلك الحلي صار بعد هلاك أصحابه في حكم الغنيمة ولم يكن مثل هذه الغنيمة حلالا لهم بلا ظاره الأحاديث الصحيحة أن الغنائم سواء كانت من المنقولات أم لا لم تحل لأحد قبل نبينا ص، والرواية السابقة في كيفية الإضلال توافق هذا التوجيه إلا أنه يشكل على ذلك ما روي من أن موسى عليه السلام هو الذي أمرهم بالاستعارة حتى قيل: إن فاعل التحميل في قولهم حُمِّلْنا هو موسى عليه السلام حيث ألزمهم ذلك بأمرهم بالاستعارة وقد أبقاه في أيديهم بعد هلاك أصحابه وأقرهم على استعماله فإذا لم يكن حلالا فكيف يقرهم، وكذا يقال على القول بأن المراد به ما ألقاه البحر على الساحل، واحتمال أن موسى عليه السلام نهى عن ذلك وظن الامتثال ولم يطلع على عدمه لإخفاء الحال عنه عليه السلام مما لا يكاد يلتفت إلى مثله أصلا لا سيما على رواية أنهم أمروا باستعارة دواب من القوم أيضا فاستعاروها وخرجوا بها.
وقد يقال: إن أموال القبط مطلقا بعد هلاكهم كانت حلالا عليهم كما يقتضيه ظاهر قوله تعالى كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ [الدخان: ٢٥، ٢٦] كذلك وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ [غافر: ٥٣] وقد أضاف سبحانه الحلي إليهم في قوله تعالى وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً [الأعراف: ١٤٨] وذلك يقتضي بظاهره أن الحلي ملك لهم ويدعي اختصاص الحل فيما كان الرد فيه متعذرا لهلاك صاحبه ومن يقوم مقامه، ولا ينافي ذلك
قوله ص: «أحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي
لجواز أن يكون المراد به أحلت لي الغنائم على أي وجه كانت ولم تحل كذلك لأحد قبلي ويكون تسميتهم ذلك أوزارا إما لما تقدم من الوجه الأول والثاني وإما لظنهم الحرمة لجهلهم في أنفسهم أو لإلقاء السامري الشبهة عليهم، وقيل: إن موسى عليه السلام أمره الله تعالى أن يأمرهم بالاستعارة فأمرهم وأبقى ما استعاروه بأيديهم بعد هلاك أصحابه بحكم ذلك الأمر منتظرا ما يأمر الله تعالى به بعد. وقد جاء في بعض الأخبار ما يدل على أن الله سبحانه بين حكمه على لسان هارون عليه السلام بعد ذهاب موسى عليه السلام للميقات كما سنذكره قريبا إن شاء الله تعالى فتأمل ذاك والله تعالى يتولى هداك. والجار والمجرور يحتمل أن يكون متعلقا بحملنا وأن يكون متعلقا بمحذوف وقع صفة لأوزارا، ولا يتعين ذلك بناء على قولهم: إن الجمل والظروف بعد النكرات صفات وبعد المعارف أحوال لأن ذلك ليس على إطلاقه.
وقرأ الأخوان وأبو عمرو وابن محيصن «حملنا» بفتح الحاء والميم وأبو رجاء «حملنا» بضم الحاء وكسر الميم
556
من غير تشديد فَقَذَفْناها أي طرحناها في النار كما تدل عليه الأخبار. وقيل: أي ألقيناها على أنفسنا وأولادنا وليس بشيء أصلا فَكَذلِكَ أي فمثل ذلك أَلْقَى السَّامِرِيُّ أي ما كان معه منها قيل كأنه أراهم أنه أيضا يلقي ما كان معه من الحلي فقالوا ما قالوا على زعمهم وإنما كان الذي ألقاه التربة التي أخذها من أثر الرسول كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وقيل: إنه ألقى ما معه من الحلي وألقى مع ذلك ما أخذه من أثر الرسول كأنهم لم يريدوا إلا أنه ألقى ما معه من الحلي، وقيل: أرادوا ألقى التربة، وأيده بعضهم بتغيير الأسلوب إذ لم يعبر بالقذف المتبادر منه أن ما رماه جرم مجتمع وفيه نظر، وقد يقال: المعنى فمثل ذلك الذي ذكرناه لك ألقى السامري إلينا وقرره علينا وفيه بعد وإن ذكر أنه قال لهم: إنما تأخر موسى عليه السلام عنكم لما معكم من حلي القوم وهو حرام عليكم فالرأي أن نحفر حفيرة ونسجر فيها نارا ونقذف فيها ما معنا منه ففعلوا وكان صنع في الحفيرة قالب عجل،
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه لما فصل موسى عليه السلام إلى ربه سبحانه قال لهم هارون عليه السلام: إنكم قد حملتم أوزارا من زينة القوم إلى فرعون وأمتعة وحليا فتطهروا منها فإنها رجس وأوقد لهم نارا فقال لهم: اقذفوا ما معكم من ذلك فيها فجعلوا يأتون بما معهم فيقذفونه فيها فجاء السامري ومعه تراب من أثر حافر فرس جبريل عليه السلام وأقبل إلى النار فقال لهارون عليه السلام: يا نبي الله أألقي ما في يدي؟ فقال: نعم ولا يظن هارون عليه السلام إلا أنه كبعض ما جاء به غيره من ذلك الحلي والأمتعة فقذفه فيها فقال: كن عجلا جسدا له خوار فكان للبلاء والفتنة.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه أيضا أن بني إسرائيل استعاروا حليا من القبط فخرجوا به معهم فقال لهم هارون بعد أن ذهب موسى عليهما السلام: اجمعوا هذا الحلي حتى يجيء موسى فيقضي فيه ما يقضي فجمع ثم أذيب فألقى السامري عليه القبضة فَأَخْرَجَ أي السامري لَهُمْ للقائلين المذكورين عِجْلًا من تلك الأوزار التي قذفوها وتأخيره مع كونه مفعولا صريحا عن الجار والمجرور لما مر غير مرة من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر مع ما فيه من نوع طول يخل تقديمه بتجاوب النظم الكريم فإن قوله جَسَداً أي جئة ذا لحم ودم أو جسدا من ذهب لا روح فيه بدل منه، وقيل: هو نعت له على أن معناه أحمر كالمجسد، وكذا قوله تعالى لَهُ خُوارٌ نعت له، والخوار صوت العجل. وهذا الصوت إما لأنه نفخ فيه الروح بناء على ما
أخرجه ابن مردويه عن كعب بن مالك عن النبي ص قال: «إن الله تعالى لما وعد موسى عليه السلام أن يكلمه خرج للوقت الذي وعده فبينما هو يناجي ربه إذ سمع خلفه صوتا فقال: إلهي إني أسمع خلفي صوتا قال: لعل قومك ضلوا قال: إلهي من أضلهم؟ قال: أضلهم السامري قال: فيم أضلهم؟ قال: صاغ لهم عجلا جسدا له خوار قال: إلهي هذا السامري صاغ لهم العجل فمن نفخ فيه الروح حتى صار له خوار؟ قال: أنا يا موسى قال: فوعزتك ما أضل قومي أحد غيرك قال: صدقت يا حكيم الحكماء لا ينبغي لحكيم أن يكون أحكم منك».
وجاء في رواية أخرى عن راشد بن سعد أنه سبحانه قال له: يا موسى إن قومك قد افتتنوا من بعدك قال: يا رب كيف يفتتنون وقد نجيتهم من فرعون ونجيتهم من البحر وأنعمت عليهم وفعلت بهم قال: يا موسى إنهم اتخذوا من بعدك عجلا له خوار قال: يا رب فمن جعل فيه الروح؟ قال: أنا قال: فأنت يا رب أضللتهم قال: يا موسى يا رأس النبيين ويا أبا الحكماء إني رأيت ذلك في قلوبهم فيسرته لهم، وإما لأنه تدخل فيه الريح فيصوت
بناء على ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس قال: كان بني إسرائيل تأثموا من حلي آل فرعون الذي معهم فأخرجوه لتنزل النار فتأكله فلما جمعوه ألقى السامري القبضة وقال: كن عجلا جسدا له خوار فصار كذلك وكان يدخل الريح من دبره ويخرج من فيه
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه لما فصل موسى عليه السلام إلى ربه سبحانه قال لهم هارون عليه السلام: إنكم قد حملتم أوزارا من زينة القوم إلى فرعون وأمتعة وحليا فتطهروا منها فإنها رجس وأوقد لهم نارا فقال لهم: اقذفوا ما معكم من ذلك فيها فجعلوا يأتون بما معهم فيقذفونه فيها فجاء السامري ومعه تراب من أثر حافر فرس جبريل عليه السلام وأقبل إلى النار فقال لهارون عليه السلام: يا نبي الله أألقي ما في يدي؟ فقال: نعم ولا يظن هارون عليه السلام إلا أنه كبعض ما جاء به غيره من ذلك الحلي والأمتعة فقذفه فيها فقال: كن عجلا جسدا له خوار فكان للبلاء والفتنة.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه أيضا أن بني إسرائيل استعاروا حليا من القبط فخرجوا به معهم فقال لهم هارون بعد أن ذهب موسى عليهما السلام: اجمعوا هذا الحلي حتى يجيء موسى فيقضي فيه ما يقضي فجمع ثم أذيب فألقى السامري عليه القبضة فَأَخْرَجَ أي السامري لَهُمْ للقائلين المذكورين عِجْلًا من تلك الأوزار التي قذفوها وتأخيره مع كونه مفعولا صريحا عن الجار والمجرور لما مر غير مرة من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر مع ما فيه من نوع طول يخل تقديمه بتجاوب النظم الكريم فإن قوله جَسَداً أي جئة ذا لحم ودم أو جسدا من ذهب لا روح فيه بدل منه، وقيل: هو نعت له على أن معناه أحمر كالمجسد، وكذا قوله تعالى لَهُ خُوارٌ نعت له، والخوار صوت العجل. وهذا الصوت إما لأنه نفخ فيه الروح بناء على ما
أخرجه ابن مردويه عن كعب بن مالك عن النبي ص قال: «إن الله تعالى لما وعد موسى عليه السلام أن يكلمه خرج للوقت الذي وعده فبينما هو يناجي ربه إذ سمع خلفه صوتا فقال: إلهي إني أسمع خلفي صوتا قال: لعل قومك ضلوا قال: إلهي من أضلهم؟ قال: أضلهم السامري قال: فيم أضلهم؟ قال: صاغ لهم عجلا جسدا له خوار قال: إلهي هذا السامري صاغ لهم العجل فمن نفخ فيه الروح حتى صار له خوار؟ قال: أنا يا موسى قال: فوعزتك ما أضل قومي أحد غيرك قال: صدقت يا حكيم الحكماء لا ينبغي لحكيم أن يكون أحكم منك».
وجاء في رواية أخرى عن راشد بن سعد أنه سبحانه قال له: يا موسى إن قومك قد افتتنوا من بعدك قال: يا رب كيف يفتتنون وقد نجيتهم من فرعون ونجيتهم من البحر وأنعمت عليهم وفعلت بهم قال: يا موسى إنهم اتخذوا من بعدك عجلا له خوار قال: يا رب فمن جعل فيه الروح؟ قال: أنا قال: فأنت يا رب أضللتهم قال: يا موسى يا رأس النبيين ويا أبا الحكماء إني رأيت ذلك في قلوبهم فيسرته لهم، وإما لأنه تدخل فيه الريح فيصوت
بناء على ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس قال: كان بني إسرائيل تأثموا من حلي آل فرعون الذي معهم فأخرجوه لتنزل النار فتأكله فلما جمعوه ألقى السامري القبضة وقال: كن عجلا جسدا له خوار فصار كذلك وكان يدخل الريح من دبره ويخرج من فيه
557
فيسمع له صوت فَقالُوا أي السامري ومن افتتن به أول ما رآه، وقيل: الضمير للسامري، وجيء به ضمير جمع تعظيما لجرمه، وفيه بعد.
هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ أي فغفل عنه موسى وذهب يطلبه في الطور، فضمير نسى لموسى عليه السلام كما روي عن ابن عباس وقتادة والفاء فصيحة أي فاعبدوه والزموا عبادته فقد نسي موسى عليه السلام، وعن ابن عباس أيضا. ومكحول أن الضمير للسامري والنسيان مجاز عن الترك والفاء فصيحة أيضا أي فأظهر السامري النفاق فترك ما كان فيه من أسرار الكفر، والأخبار بذلك على هذا منه تعالى وليس داخلا في حيز القول بخلافه على الوجه الأول. وصنيع بعض المحققين يشعر باختيار الأول ولا يخفى ما في الإتيان باسم الإشارة والمشار إليه بمرأى منهم وتكريرا له، وتخصيص موسى عليه السلام بالذكر وإتيان الفاء من المبالغة في الضلال والأخبار بالإخراج وما بعده حكاية نتيجة فتنة السامري فعلا وقولا من جهته سبحانه قصدا إلى زيادة تقريرها ثم الإنكار عليها لا من جهة القائلين وإلا لقيل فأخرج لنا، والحمل على أن عدولهم إلى ضمير الغيبة لبيان أن الإخراج والقول المذكورين للكل لا للعبدة فقط خلاف الظاهر مع أنه مخل باعتذارهم فإن مخالفة بعضهم للسامري وعدم افتتانهم بتسويله مع كون الإخراج والخطاب لهم مما يهون مخالفته للمعتذرين فافتتانهم بعد أعظم جناية وأكثر شناعة، وأما ما قيل من أن المعتذرين هم الذين لم يعبدوا العجل وأن نسبة الأخلاف إلى أنفسهم وهم برآء منه من قيل قولهم بنو فلان قتلوا فلانا مع أن القاتل واحد منهم كانوا قالوا: ما وجدنا الأخلاف فيما بيننا بأمر كنا نملكه بل تمكنت الشبهة في قلوب العبدة حيث فعل بهم السامري ما فعل فأخرج لهم ما أخرج وقال ما قال فلم نقدر على صرفهم عن ذلك ولم نفارقهم مخافة ازدياد الفتنة فقد قال شيخ الإسلام: إن سياق النظم الكريم وسباقه يقضيان بفساده، وذهب أبو مسلم إلى أن كلام المعتذرين ثم عند قولهم فقذفناها وما بعده من قوله تعالى: فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ إلى آخره أخبار من جهته سبحانه أن السامري فعل كما فعلوا فأخرج لهم إلخ وهو خلاف الظاهر.
هذا وقرأ الأعمش «فنسي» بسكون الياء، وقوله تعالى أَفَلا يَرَوْنَ إلى آخره إنكار وتقبيح من جهته تعالى الضالين والمضلين جميعا وتسفيه لهم فيما أقدموا عليه من المنكر الذي لا يشتبه بطلانه واستحالته على أحد وهو اتخاذ ذلك العجل إلها، ولعمري لو لم يكونوا في البلادة كالبقر لما عبدوه، والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي ألا يتفكرون فلا يعلمون أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا أي أنه لا يرجع إليهم كلاما ولا يرد عليهم جوابا بل يخور كسائر العجاجيل فمن هذا شأنه كيف يتوهم أنه إله.
وقرأ الإمام الشافعي وأبو حيوة وأبان وابن صبيح والزعفراني «يرجع» بالنصب على أن أن هي الناصبة لا المخففة من الثقيلة، والرؤية حينئذ بمعنى الإبصار لا العلم بناء على ما ذكره الرضى. وجماعة من أن الناصبة لا تقع بعد أفعال القلوب مما يدل على يقين أو ظن غالب لأنها لكونها للاستقبال تدخل على ما ليس بثابت مستقر فلا يناسب وقوعها بعد ما يدل على يقين ونحوه، والعطف أيضا كما سبق أي ألا ينظرون فلا يبصرون عدم رجعه إليهم قولا من الأقوال، وتعليق الأبصار بما ذكر مع كونه أمرا عدميا للتنبيه على كمال ظهوره المستدعي لمزيد تشنيعهم وتركيك عقولهم، وقيل: إن الناصبة لا تقع بعد رأي البصرية أيضا لأنها تفيد العلم بواسطة إحساس البصر كما في إيضاح المفصل. وأجاز الفراء وابن الأنباري وقوعها بعد إفعال العلم فضلا عن أفعال البصر، وقوله تعالى وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً عطف على لا يَرْجِعُ داخل معه في حيز الرؤية أي فلا يرون أنه لا يقدر على أن يدفع عنهم ضرا ويجلب لهم نفعا أو لا يقدر على أن يضرهم إن لم يعبدوه أو ينفعهم إن عبدوه.
هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ أي فغفل عنه موسى وذهب يطلبه في الطور، فضمير نسى لموسى عليه السلام كما روي عن ابن عباس وقتادة والفاء فصيحة أي فاعبدوه والزموا عبادته فقد نسي موسى عليه السلام، وعن ابن عباس أيضا. ومكحول أن الضمير للسامري والنسيان مجاز عن الترك والفاء فصيحة أيضا أي فأظهر السامري النفاق فترك ما كان فيه من أسرار الكفر، والأخبار بذلك على هذا منه تعالى وليس داخلا في حيز القول بخلافه على الوجه الأول. وصنيع بعض المحققين يشعر باختيار الأول ولا يخفى ما في الإتيان باسم الإشارة والمشار إليه بمرأى منهم وتكريرا له، وتخصيص موسى عليه السلام بالذكر وإتيان الفاء من المبالغة في الضلال والأخبار بالإخراج وما بعده حكاية نتيجة فتنة السامري فعلا وقولا من جهته سبحانه قصدا إلى زيادة تقريرها ثم الإنكار عليها لا من جهة القائلين وإلا لقيل فأخرج لنا، والحمل على أن عدولهم إلى ضمير الغيبة لبيان أن الإخراج والقول المذكورين للكل لا للعبدة فقط خلاف الظاهر مع أنه مخل باعتذارهم فإن مخالفة بعضهم للسامري وعدم افتتانهم بتسويله مع كون الإخراج والخطاب لهم مما يهون مخالفته للمعتذرين فافتتانهم بعد أعظم جناية وأكثر شناعة، وأما ما قيل من أن المعتذرين هم الذين لم يعبدوا العجل وأن نسبة الأخلاف إلى أنفسهم وهم برآء منه من قيل قولهم بنو فلان قتلوا فلانا مع أن القاتل واحد منهم كانوا قالوا: ما وجدنا الأخلاف فيما بيننا بأمر كنا نملكه بل تمكنت الشبهة في قلوب العبدة حيث فعل بهم السامري ما فعل فأخرج لهم ما أخرج وقال ما قال فلم نقدر على صرفهم عن ذلك ولم نفارقهم مخافة ازدياد الفتنة فقد قال شيخ الإسلام: إن سياق النظم الكريم وسباقه يقضيان بفساده، وذهب أبو مسلم إلى أن كلام المعتذرين ثم عند قولهم فقذفناها وما بعده من قوله تعالى: فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ إلى آخره أخبار من جهته سبحانه أن السامري فعل كما فعلوا فأخرج لهم إلخ وهو خلاف الظاهر.
هذا وقرأ الأعمش «فنسي» بسكون الياء، وقوله تعالى أَفَلا يَرَوْنَ إلى آخره إنكار وتقبيح من جهته تعالى الضالين والمضلين جميعا وتسفيه لهم فيما أقدموا عليه من المنكر الذي لا يشتبه بطلانه واستحالته على أحد وهو اتخاذ ذلك العجل إلها، ولعمري لو لم يكونوا في البلادة كالبقر لما عبدوه، والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي ألا يتفكرون فلا يعلمون أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا أي أنه لا يرجع إليهم كلاما ولا يرد عليهم جوابا بل يخور كسائر العجاجيل فمن هذا شأنه كيف يتوهم أنه إله.
وقرأ الإمام الشافعي وأبو حيوة وأبان وابن صبيح والزعفراني «يرجع» بالنصب على أن أن هي الناصبة لا المخففة من الثقيلة، والرؤية حينئذ بمعنى الإبصار لا العلم بناء على ما ذكره الرضى. وجماعة من أن الناصبة لا تقع بعد أفعال القلوب مما يدل على يقين أو ظن غالب لأنها لكونها للاستقبال تدخل على ما ليس بثابت مستقر فلا يناسب وقوعها بعد ما يدل على يقين ونحوه، والعطف أيضا كما سبق أي ألا ينظرون فلا يبصرون عدم رجعه إليهم قولا من الأقوال، وتعليق الأبصار بما ذكر مع كونه أمرا عدميا للتنبيه على كمال ظهوره المستدعي لمزيد تشنيعهم وتركيك عقولهم، وقيل: إن الناصبة لا تقع بعد رأي البصرية أيضا لأنها تفيد العلم بواسطة إحساس البصر كما في إيضاح المفصل. وأجاز الفراء وابن الأنباري وقوعها بعد إفعال العلم فضلا عن أفعال البصر، وقوله تعالى وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً عطف على لا يَرْجِعُ داخل معه في حيز الرؤية أي فلا يرون أنه لا يقدر على أن يدفع عنهم ضرا ويجلب لهم نفعا أو لا يقدر على أن يضرهم إن لم يعبدوه أو ينفعهم إن عبدوه.
558
وقوله تعالى وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ مع ما بعد جملة قسمية مؤكدة لما سبق من الإنكار والتشنيع ببيان عتوهم واستعصائهم على الرسول إثر بيان مكابرتهم لقضية العقول أي وباف لقد نصح لهم هارون ونبههم على كنه الأمر من قبل رجوع موسى عليه السلام إليهم وخطابه إياهم بما ذكر من المقالات، وإلى اعتبار المضاف إليه قبل ما ذكر ذهب الواحدي، وقيل: من قبل قول السامري هذا إلهكم وإله موسى كأنه عليه السلام أول ما أبصره حين طلع من الحفيرة تفرس فيهما لافتتان فسارع إلى تحذيرهم، واختاره صاحب الكشف تبعا لشيخه وقال: هو أبلغ وأدل على توبيخهم بالإعراض عن دليل العقل والسمع في «أفلا يرون. ولقد ال» واختار بعضهم الأول وادعى أن الجواب يؤيده، وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في ذلك.
وجوز العلامة الطيبي في هذه الجملة وجهين كونها معطوفة على قوله تعالى أَفَلا يَرَوْنَ وقال: إن في إيثار المضارع فيه دلالة على استحضار تلك الحالة الفظيعة في ذهن السامع واستدعاء الإنكار عليهم، وكونها في موضع الحال من فاعل يَرَوْنَ مقررة لجهة الإنكار أي أفلا يرون والحال أن هارون نبههم قبل ذلك على كنه الأمر، وقال لهم: يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ أي أوقعتهم في الفتنة بالعجل أو أضللتم على توجيه القصر المستفاد من كلمة إِنَّما في أغلب استعمالاتها إلى نفس الفعل بالقياس إلى مقابله الذي يدعيه القوم لا إلى قيده المذكور بالقياس إلى قيد آخر على معنى إنما فعل بكم الفتنة لا الإرشاد إلى الحق لا على معنى إنما فتنتم بالعجل لا بغيره، وقوله تعالى وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ بكسر همزة إِنَّ عطفا على إِنَّما إلخ إرشاد لهم إلى الحق أثر زجرهم عن الباطل. والتعرض لعنوان الربوبية والرحمة للاعتناء باستمالتهم إلى الحق. وفي ذلك تذكير لتخليصهم من فرعون زمان لم يوجد العجل. وكذا على ما قيل تنبيه على أنهم متى تابوا قبلهم. وتعريف الطرفين لإفادة الحصر أي وإن ربكم المستحق للعبادة هو الرحمن لا غير.
وقرأ الحسن وعيسى وأبو عمرو في رواية «وأن ربكم» بفتح الهمزة، وخرج على أن المصدر المنسبك خبر مبتدأ محذوف أي والأمر أن ربكم الرحمن، والجملة معطوفة على ما مر، وقال أبو حاتم: التقدير ولأن ربكم إلخ وجعل الجار والمجرور متعلقا باتبعوني. وقرأت فرقة «أنما» «وأن ربكم» بفتح الهمزتين، وخرج على لغة سليم حيث يفتحون همزة إن بعد القول مطلقا. والفاء في قوله تعالى: فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي لترتيب ما بعدها على ما قبلها من مضمون الجملتين أي إذا كان الأمر كذلك فاتبعوني وأطيعوا أمري في الثبات على الدين.
وقال ابن عطية: أي فاتبعوني إلى الطور الذي واعدكم الله تعالى إليه. وفيه أنه عليه السلام لم يكن بصدد الذهاب إلى الطور ولم يكن مأمورا به وما واعد الله سبحانه أولئك المفتونين بذهابهم أنفسهم إليه، وقيل:- لا يخلو عن حسن- أي فاتبعوني في الثبات على الحق وأطيعوا أمري هذا وأعرضوا عن التعرض لعبادة ما عرفتم أمره أو كفوا أنفسكم عن اعتقاد ألوهيته وعبادته قالُوا في جواب هارون عليه السلام لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ أي لا نزال على عبادة العجل عاكِفِينَ مقيمين حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى الظاهر من حالهم أنهم لم يجعلوا رجوعه عليه السلام وماذا يقول فيه، وقيل: إنهم علق في أذهانهم قول السامري: هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ فغيوا برجوعه بطريق التعليل والتسويف وأظهروا أنه إذا رجع عليه السلام غاية للعكوف على عبادة العجل على طريق الوعد بتركها لا محالة عند رجوعه بل ليروا ماذا يكون منه عليه السلام يوافقهم على عبادته وحاشاه، وهذا مبني على أن المحاورة بينهم وبين هارون عليه السلام وقعت بعد قول السامري المذكور فيكون مِنْ قَبْلُ على معنى من قبل رجوع موسى، وذكر أن
وجوز العلامة الطيبي في هذه الجملة وجهين كونها معطوفة على قوله تعالى أَفَلا يَرَوْنَ وقال: إن في إيثار المضارع فيه دلالة على استحضار تلك الحالة الفظيعة في ذهن السامع واستدعاء الإنكار عليهم، وكونها في موضع الحال من فاعل يَرَوْنَ مقررة لجهة الإنكار أي أفلا يرون والحال أن هارون نبههم قبل ذلك على كنه الأمر، وقال لهم: يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ أي أوقعتهم في الفتنة بالعجل أو أضللتم على توجيه القصر المستفاد من كلمة إِنَّما في أغلب استعمالاتها إلى نفس الفعل بالقياس إلى مقابله الذي يدعيه القوم لا إلى قيده المذكور بالقياس إلى قيد آخر على معنى إنما فعل بكم الفتنة لا الإرشاد إلى الحق لا على معنى إنما فتنتم بالعجل لا بغيره، وقوله تعالى وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ بكسر همزة إِنَّ عطفا على إِنَّما إلخ إرشاد لهم إلى الحق أثر زجرهم عن الباطل. والتعرض لعنوان الربوبية والرحمة للاعتناء باستمالتهم إلى الحق. وفي ذلك تذكير لتخليصهم من فرعون زمان لم يوجد العجل. وكذا على ما قيل تنبيه على أنهم متى تابوا قبلهم. وتعريف الطرفين لإفادة الحصر أي وإن ربكم المستحق للعبادة هو الرحمن لا غير.
وقرأ الحسن وعيسى وأبو عمرو في رواية «وأن ربكم» بفتح الهمزة، وخرج على أن المصدر المنسبك خبر مبتدأ محذوف أي والأمر أن ربكم الرحمن، والجملة معطوفة على ما مر، وقال أبو حاتم: التقدير ولأن ربكم إلخ وجعل الجار والمجرور متعلقا باتبعوني. وقرأت فرقة «أنما» «وأن ربكم» بفتح الهمزتين، وخرج على لغة سليم حيث يفتحون همزة إن بعد القول مطلقا. والفاء في قوله تعالى: فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي لترتيب ما بعدها على ما قبلها من مضمون الجملتين أي إذا كان الأمر كذلك فاتبعوني وأطيعوا أمري في الثبات على الدين.
وقال ابن عطية: أي فاتبعوني إلى الطور الذي واعدكم الله تعالى إليه. وفيه أنه عليه السلام لم يكن بصدد الذهاب إلى الطور ولم يكن مأمورا به وما واعد الله سبحانه أولئك المفتونين بذهابهم أنفسهم إليه، وقيل:- لا يخلو عن حسن- أي فاتبعوني في الثبات على الحق وأطيعوا أمري هذا وأعرضوا عن التعرض لعبادة ما عرفتم أمره أو كفوا أنفسكم عن اعتقاد ألوهيته وعبادته قالُوا في جواب هارون عليه السلام لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ أي لا نزال على عبادة العجل عاكِفِينَ مقيمين حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى الظاهر من حالهم أنهم لم يجعلوا رجوعه عليه السلام وماذا يقول فيه، وقيل: إنهم علق في أذهانهم قول السامري: هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ فغيوا برجوعه بطريق التعليل والتسويف وأظهروا أنه إذا رجع عليه السلام غاية للعكوف على عبادة العجل على طريق الوعد بتركها لا محالة عند رجوعه بل ليروا ماذا يكون منه عليه السلام يوافقهم على عبادته وحاشاه، وهذا مبني على أن المحاورة بينهم وبين هارون عليه السلام وقعت بعد قول السامري المذكور فيكون مِنْ قَبْلُ على معنى من قبل رجوع موسى، وذكر أن
559
هذا الجواب يؤيده هذا المعنى لأن قولهم: لَنْ نَبْرَحَ إلخ يدل على عكوفهم حال قوله عليه السلام وهم لم يعكفوا على عبادته قبل قول السامري وإنما عكفوا بعده.
وقال الطيبي: إن جوابهم هذا من باب الأسلوب الأحمق نقيض الأسلوب الحكيم لأنهم قالوه عن قلة مبالاة بالأدلة الظاهرة كما قال نمروذ في جواب الخليل عليه السلام أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [البقرة: ٢٥٨] فتأمل، واستدل أبو حيان بهذا التغيي على أن- لن- لا تفيد التأبيد لأن التغيي لا يكون إلا حيث يكون الشيء محتملا فيزال الاحتمال به.
وأنت تعلم أن القائل بافادتها ذلك لا يدعي أنها تفيده في كل الموارد وهو ظاهر، وفي بعض الأخبار أنهم لما قالوا ذلك اعتزلهم هارون عليه السلام في اثني عشر ألفا وهم الذين لم يعبدوا العجل فلما رجع موسى عليه السلام وسمع الصياح وكانوا يسجدون إذا خار العجل فلا يرفعون حتى يخور ثانية، وفي رواية كانوا يرقصون عند خواره قال للسبعين الذين كانوا معه: هذا صوت الفتنة حتى إذا وصل قال لقومه ما قال وسمع منهم ما قالوا.
وقوله تعالى: قالَ استئناف نشأ من حكاية جوابهم السابق أعني قوله تعالى ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ إلخ كأنه قيل: فماذا قال موسى لهارون عليهما السلام حين سمع جوابهم وهل رضي بسكوته بعد ما شاهد منهم ما شاهد؟
فقيل: قال له وهو مغتاظ قد أخذ بلحيته ورأسه يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا بعبادة العجل ولم يلتفتوا إلى دليل بطلانها أَلَّا تَتَّبِعَنِ أي تتبعني على أن (لا) سيف خطيب كما في قوله تعالى ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ [الأعراف: ١٢] وهو مفعول ثان لمنع وإذ متعلق بمنع، وقيل: بتتبعني، ورد بأن ما بعد- أن- لا يعمل فيما قبلها، وأجيب بأن الظرف يتوسع فيه ما لم يتوسع في غيره وبأن الفعل السابق لما طلبه على أنه مفعول ثان له كان مقدما حكما وهو كما ترى أي أي شيء منعك حين رؤيتك لضلالهم من أن تتبعني وتسير بسيري في الغضب لله تعالى والمقاتلة مع من كفر به وروي ذلك عن مقاتل، وقيل: في الإصلاح والتسديد ولا يساعده ظاهر الاعتذار، واستظهر أبو حيان أن يكون المعنى ما منعك من أن تلحقني إلى جبل الطور بمن آمن من بني إسرائيل، وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وكان موسى عليه السلام رأى أن مفارقة هارون لهم وخروجه من بينهم بعد تلك النصائح القولية أزجر لهم من الاقتصار على النصائح لما أن ذلك أدل على الغضب وأشد في الإنكار لا سيما وقد كان عليه السلام رئيسا عليهم محبوبا لديهم وموسى يعلم ذلك ومفارقة الرئيس المحبوب كراهة لأمر تشق جدا على النفوس وتستدعي ترك ذلك الأمر المكروه له الذي يوجب مفارقته وهذا ظاهر لا غبار عليه عند من أنصف.
فالقول بأن نصائح هارون عليه السلام حيث لم تزجرهم عما كانوا عليه فلأن لا تزجرهم مفارقته إياهم عنه أولى على ما فيه لا يرد على ما ذكرنا ولا حاجة إلى الاعتذار بأنهم إذا علموا أنه يلحقه ويخبره عليهما السلام بالقصة يخافون رجوع موسى عليه السلام فينزجرون عن ذلك ليقال: إنه بمعزل عن القبول كيف لا وهم قد صرحوا بأنهم عاكفون عليه إلى حين رجوعه عليه السلام، وقال علي بن عيسى: إن (لا) ليست مزيدة، والمعنى ما حملك على عدم الاتباع فإن المنع عن الشيء مستلزم للحمل على مقابله أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي بسياستهم حسب ما ينبغي فإن قوله عليه السلام اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي بدون ضم قوله وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ [الأعراف: ١٤٢] متضمن للأمر بذلك حتما فإن الخلافة لا تتحقق إلا بمباشرة الخليفة ما كان يباشره المستخلف لو كان حاضرا وموسى عليه السلام لو كان حاضرا لساسهم على أبلغ وجه، والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي ألم تتبعني أو أخالفتني
وقال الطيبي: إن جوابهم هذا من باب الأسلوب الأحمق نقيض الأسلوب الحكيم لأنهم قالوه عن قلة مبالاة بالأدلة الظاهرة كما قال نمروذ في جواب الخليل عليه السلام أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [البقرة: ٢٥٨] فتأمل، واستدل أبو حيان بهذا التغيي على أن- لن- لا تفيد التأبيد لأن التغيي لا يكون إلا حيث يكون الشيء محتملا فيزال الاحتمال به.
وأنت تعلم أن القائل بافادتها ذلك لا يدعي أنها تفيده في كل الموارد وهو ظاهر، وفي بعض الأخبار أنهم لما قالوا ذلك اعتزلهم هارون عليه السلام في اثني عشر ألفا وهم الذين لم يعبدوا العجل فلما رجع موسى عليه السلام وسمع الصياح وكانوا يسجدون إذا خار العجل فلا يرفعون حتى يخور ثانية، وفي رواية كانوا يرقصون عند خواره قال للسبعين الذين كانوا معه: هذا صوت الفتنة حتى إذا وصل قال لقومه ما قال وسمع منهم ما قالوا.
وقوله تعالى: قالَ استئناف نشأ من حكاية جوابهم السابق أعني قوله تعالى ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ إلخ كأنه قيل: فماذا قال موسى لهارون عليهما السلام حين سمع جوابهم وهل رضي بسكوته بعد ما شاهد منهم ما شاهد؟
فقيل: قال له وهو مغتاظ قد أخذ بلحيته ورأسه يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا بعبادة العجل ولم يلتفتوا إلى دليل بطلانها أَلَّا تَتَّبِعَنِ أي تتبعني على أن (لا) سيف خطيب كما في قوله تعالى ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ [الأعراف: ١٢] وهو مفعول ثان لمنع وإذ متعلق بمنع، وقيل: بتتبعني، ورد بأن ما بعد- أن- لا يعمل فيما قبلها، وأجيب بأن الظرف يتوسع فيه ما لم يتوسع في غيره وبأن الفعل السابق لما طلبه على أنه مفعول ثان له كان مقدما حكما وهو كما ترى أي أي شيء منعك حين رؤيتك لضلالهم من أن تتبعني وتسير بسيري في الغضب لله تعالى والمقاتلة مع من كفر به وروي ذلك عن مقاتل، وقيل: في الإصلاح والتسديد ولا يساعده ظاهر الاعتذار، واستظهر أبو حيان أن يكون المعنى ما منعك من أن تلحقني إلى جبل الطور بمن آمن من بني إسرائيل، وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وكان موسى عليه السلام رأى أن مفارقة هارون لهم وخروجه من بينهم بعد تلك النصائح القولية أزجر لهم من الاقتصار على النصائح لما أن ذلك أدل على الغضب وأشد في الإنكار لا سيما وقد كان عليه السلام رئيسا عليهم محبوبا لديهم وموسى يعلم ذلك ومفارقة الرئيس المحبوب كراهة لأمر تشق جدا على النفوس وتستدعي ترك ذلك الأمر المكروه له الذي يوجب مفارقته وهذا ظاهر لا غبار عليه عند من أنصف.
فالقول بأن نصائح هارون عليه السلام حيث لم تزجرهم عما كانوا عليه فلأن لا تزجرهم مفارقته إياهم عنه أولى على ما فيه لا يرد على ما ذكرنا ولا حاجة إلى الاعتذار بأنهم إذا علموا أنه يلحقه ويخبره عليهما السلام بالقصة يخافون رجوع موسى عليه السلام فينزجرون عن ذلك ليقال: إنه بمعزل عن القبول كيف لا وهم قد صرحوا بأنهم عاكفون عليه إلى حين رجوعه عليه السلام، وقال علي بن عيسى: إن (لا) ليست مزيدة، والمعنى ما حملك على عدم الاتباع فإن المنع عن الشيء مستلزم للحمل على مقابله أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي بسياستهم حسب ما ينبغي فإن قوله عليه السلام اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي بدون ضم قوله وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ [الأعراف: ١٤٢] متضمن للأمر بذلك حتما فإن الخلافة لا تتحقق إلا بمباشرة الخليفة ما كان يباشره المستخلف لو كان حاضرا وموسى عليه السلام لو كان حاضرا لساسهم على أبلغ وجه، والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي ألم تتبعني أو أخالفتني
560
فعصيت أمري الَ يَا بْنَ أُمَ
خص الأم بالإضافة استعطافا وترقيقا لقلبه لا لما قيل من أنه كان أخاه لأمه فإن الجمهور على أنهما كانا شقيقين.
وقرأ حمزة والكسائي «يا بن أم» بكسر الميم تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي
أي بشعر رأسي فإن الأخذ أنسب به، وزعم بعضهم أن قوله لِحْيَتِي
على معنى بشعر لحيتي أيضا لأن أصل وضع اللحية للعضو النابت عليه الشعر ولا يناسبه الأخذ كثير مناسبة، وأنت تعلم أن المشهور استعمال اللحية في الشعر النابت على العضو المخصوص، وظاهر الآيات والأخبار أنه عليه السلام أخذ بذلك. روي أنه أخذ شعر رأسه بيمينه ولحيته بشماله وكان عليه السلام حديدا متصلبا غضوبا لله تعالى وقد شاهد ما شاهد وغلب على ظنه تقصير في هارون عليه السلام يستحق به وإن لم يخرجه عن دائرة العصمة الثابتة للأنبياء عليهم السلام التأديب ففعل به ما فعل وباشر ذلك بنفسه ولا محذور فيه أصلا ولا مخالفة للشرع فلا يرد ما توهمه الإمام فقال: لا يخلو الغضب من أن يزيل عقله أولا والأول لا يعتقده مسلم والثاني لا يزيل السؤال بلزوم عدم العصمة. وأجاب بما لا طائل تحته.
وقرأ عيسى بن سليمان الحجازي «بلحيتي» بفتح اللام وهي لغة أهل الحجازنِّي خَشِيتُ
إلخ استئناف لتعليل موجب النهي بتحقيق أنه غير عاص أمره ولا مقصر في المصلحة أي خشيت لو قاتلت بعضهم ببعض وتفانوا وتفرقوا أو خشيت لو لحقتك بمن آمن نْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ
برأيك مع كونهم أبناء واحد كما ينبىء عن ذلك ذكرهم بهذا العنوان دون القوم ونحوه، واستلزام المقاتلة التفريق ظاهر، وكذا اللحوق بموسى عليه السلام مع من آمن وربما يجر ذلك إلى المقاتلة. وقيل: أراد عليه السلام بالتفريق على التفسير الأول ما يستتبعه القتال من التفريق الذي لا يرجى بعده الاجتماع.
لَمْ تَرْقُبْ
أي ولم تراع وْلِي
والجملة عطف على رَّقْتَ
أي خشيت أن تقول مجموع الجملتين وتنسب إلى تفريق بني إسرائيل وعدم مراعاة قولك لي ووصيتك إياي، وجوز أن تكون الجملة في موضع الحال من ضميررَّقْتَ
أي خشيت أن تقول فرقت بينهم غير مراع قولي أي خشيت أن تقول مجموع هذا الكلام، وأراد بقول موسى المضاف إلى الياء قوله عليه السلام اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ إلخ، وحاصل اعتذاره عليه السلام إني رأيت الإصلاح في حفظ الدهماء والمداراة معهم وزجرهم على وجه لا يختل به أمر انتظامهم واجتماعهم ولا يكون سببا للومك إياي إلى أن ترجع إليهم فتكون أنت المتدارك للأمر حسبما تراه لا سيما والقوم قد استضعفوني وقربوا من أن يقتلوني كما أفصح عليه السلام بهذا في آية أخرى.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج ما يدل على أن المراد من القول المضاف قول هارون عليه السلام، وجملةمْ تَرْقُبْ
في موضع الحال من ضميرقُولَ
أي خشيت أن تقول ذلك غير منتظر قولي وبيان حقيقة الحال فتأمل.
وقرأ أبو جعفر «ولم ترقب» بضم التاء وكسر القاف مضارع أرقب قالَ استئناف وقع جوابا عما نشأ من حكاية ما سلف من اعتذار القوم بإسناد الفساد إلى السامري واعتذار هارون عليه السلام كأنه قيل: فماذا صنع موسى عليه السلام بعد سماع ما حكي من الاعتذارين واستقرار أصل الفتنة على السامري؟ فقيل قال موبخا له إذا كان الأمر هذا فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ أي ما شأنك والأمر العظيم الصادر عنك وما سؤال عن السبب الباعث لذلك، وتفسير الخطب بذلك هو المشهور، وفي الصحاح الخطب سبب الأمر.
وقال بعض الثقات: هو في الأصل مصدر خطب الأمر إذا طلبه فإذا قيل لمن يفعل شيئا: ما خطبك؟ فمعناه ما
خص الأم بالإضافة استعطافا وترقيقا لقلبه لا لما قيل من أنه كان أخاه لأمه فإن الجمهور على أنهما كانا شقيقين.
وقرأ حمزة والكسائي «يا بن أم» بكسر الميم تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي
أي بشعر رأسي فإن الأخذ أنسب به، وزعم بعضهم أن قوله لِحْيَتِي
على معنى بشعر لحيتي أيضا لأن أصل وضع اللحية للعضو النابت عليه الشعر ولا يناسبه الأخذ كثير مناسبة، وأنت تعلم أن المشهور استعمال اللحية في الشعر النابت على العضو المخصوص، وظاهر الآيات والأخبار أنه عليه السلام أخذ بذلك. روي أنه أخذ شعر رأسه بيمينه ولحيته بشماله وكان عليه السلام حديدا متصلبا غضوبا لله تعالى وقد شاهد ما شاهد وغلب على ظنه تقصير في هارون عليه السلام يستحق به وإن لم يخرجه عن دائرة العصمة الثابتة للأنبياء عليهم السلام التأديب ففعل به ما فعل وباشر ذلك بنفسه ولا محذور فيه أصلا ولا مخالفة للشرع فلا يرد ما توهمه الإمام فقال: لا يخلو الغضب من أن يزيل عقله أولا والأول لا يعتقده مسلم والثاني لا يزيل السؤال بلزوم عدم العصمة. وأجاب بما لا طائل تحته.
وقرأ عيسى بن سليمان الحجازي «بلحيتي» بفتح اللام وهي لغة أهل الحجازنِّي خَشِيتُ
إلخ استئناف لتعليل موجب النهي بتحقيق أنه غير عاص أمره ولا مقصر في المصلحة أي خشيت لو قاتلت بعضهم ببعض وتفانوا وتفرقوا أو خشيت لو لحقتك بمن آمن نْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ
برأيك مع كونهم أبناء واحد كما ينبىء عن ذلك ذكرهم بهذا العنوان دون القوم ونحوه، واستلزام المقاتلة التفريق ظاهر، وكذا اللحوق بموسى عليه السلام مع من آمن وربما يجر ذلك إلى المقاتلة. وقيل: أراد عليه السلام بالتفريق على التفسير الأول ما يستتبعه القتال من التفريق الذي لا يرجى بعده الاجتماع.
لَمْ تَرْقُبْ
أي ولم تراع وْلِي
والجملة عطف على رَّقْتَ
أي خشيت أن تقول مجموع الجملتين وتنسب إلى تفريق بني إسرائيل وعدم مراعاة قولك لي ووصيتك إياي، وجوز أن تكون الجملة في موضع الحال من ضميررَّقْتَ
أي خشيت أن تقول فرقت بينهم غير مراع قولي أي خشيت أن تقول مجموع هذا الكلام، وأراد بقول موسى المضاف إلى الياء قوله عليه السلام اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ إلخ، وحاصل اعتذاره عليه السلام إني رأيت الإصلاح في حفظ الدهماء والمداراة معهم وزجرهم على وجه لا يختل به أمر انتظامهم واجتماعهم ولا يكون سببا للومك إياي إلى أن ترجع إليهم فتكون أنت المتدارك للأمر حسبما تراه لا سيما والقوم قد استضعفوني وقربوا من أن يقتلوني كما أفصح عليه السلام بهذا في آية أخرى.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج ما يدل على أن المراد من القول المضاف قول هارون عليه السلام، وجملةمْ تَرْقُبْ
في موضع الحال من ضميرقُولَ
أي خشيت أن تقول ذلك غير منتظر قولي وبيان حقيقة الحال فتأمل.
وقرأ أبو جعفر «ولم ترقب» بضم التاء وكسر القاف مضارع أرقب قالَ استئناف وقع جوابا عما نشأ من حكاية ما سلف من اعتذار القوم بإسناد الفساد إلى السامري واعتذار هارون عليه السلام كأنه قيل: فماذا صنع موسى عليه السلام بعد سماع ما حكي من الاعتذارين واستقرار أصل الفتنة على السامري؟ فقيل قال موبخا له إذا كان الأمر هذا فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ أي ما شأنك والأمر العظيم الصادر عنك وما سؤال عن السبب الباعث لذلك، وتفسير الخطب بذلك هو المشهور، وفي الصحاح الخطب سبب الأمر.
وقال بعض الثقات: هو في الأصل مصدر خطب الأمر إذا طلبه فإذا قيل لمن يفعل شيئا: ما خطبك؟ فمعناه ما
561
ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ
ﱟ
ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ
ﱠ
ﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌ
ﱡ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ
ﱢ
ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ
ﱣ
ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ
ﱤ
ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ
ﱥ
ﭼﭽﭾﭿﮀﮁ
ﱦ
ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ
ﱧ
ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ
ﱨ
ﮘﮙﮚ
ﱩ
ﮜﮝﮞﮟﮠﮡ
ﱪ
ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ
ﱫ
ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ
ﱬ
ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ
ﱭ
طلبك له وشاع في الشأن والأمر العظيم لأنه يطلب ويرغب فيه، واختير في الآية تفسيره بالأصل ليكون الكلام عليه أبلغ حيث لم يسأله عليه السلام عما صدر منه ولا عن سببه بل عن سبب طلبه، وجعل الراغب الأصل لهذا الشائع الخطب بمعنى التخاطب أي المراجعة في الكلام، وأطلق عليه لأن الأمر العظيم يكثر فيه التخاطب، وجعل في الأساس الخطب بمعنى الطلب مجازا فقال: ومن المجاز فلان يخطب عمل كذا يطلبه وما خطبك ما شأنك الذي تخطبه، وفرق ابن عطية بين الخطب والشأن بأن الخطب يقتضي انتهارا ويستعمل في المكاره دون الشأن ثم قال فكأنه قيل: ما نحسك وما شؤمك وما هذا الخطب الذي جاء منك انتهى.
وليس ذلك بمطرد فقد قال إبراهيم عليه السلام للملائكة عليهم السلام: فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ [الحجر: ٥٧، الذاريات: ٣١] ولا يتأتى فيه ما ذكر.
وزعم بعض من جعل اشتقاقه من الخطاب أن المعنى ما حملك على أن خاطبت بني إسرائيل بما خاطبت.
وفعلت معهم ما فعلت وليس بشيء، وخطابه عليه السلام إياه بذلك ليظهر للناس بطلان كيده باعترافه ويفعل به وبما أخرجه ما يكون نكالا للمفتونين ولمن خلفهم من الأمم.
قالَ أي السامري مجيبا له عليه السلام بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ بضم الصاد فيهما أي علمت ما لم يعلمه القوم وفطنت لما لم يفطنوا له، قال الزجاج يقال: بصر بالشيء إذا علمه وأبصر إذا نظر، وقيل: بصره وأبصره بمعنى واحد: وقال الراغب: البصر يقال: للجارحة الناظرة وللقوة التي فيها ويقال: لقوة القلب المدركة بصيرة وبصر ويقال من الأول أبصرت. ومن الثاني أبصرته وبصرت به. وقلما يقال: بصرت في الحاسة إذا لم يضامه رؤية القلب اه.
وقرأ الأعمش وأبو السمال «بصرت» بكسر الصاد «بما لم يبصروا» بفتح الصاد. وقرأ عمرو بن عبيد «بصرت» بضم الباء وكسر الصاد «بما لم تبصروا» بضم التاء المثناة من فوق وفتح الصاد على البناء للمفعول.
وقرأ الكسائي وحمزة وأبو بحرية والأعمش وطلحة وابن أبي ليلى وابن مناذر وابن سعدان وقعنب «بما لم
وليس ذلك بمطرد فقد قال إبراهيم عليه السلام للملائكة عليهم السلام: فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ [الحجر: ٥٧، الذاريات: ٣١] ولا يتأتى فيه ما ذكر.
وزعم بعض من جعل اشتقاقه من الخطاب أن المعنى ما حملك على أن خاطبت بني إسرائيل بما خاطبت.
وفعلت معهم ما فعلت وليس بشيء، وخطابه عليه السلام إياه بذلك ليظهر للناس بطلان كيده باعترافه ويفعل به وبما أخرجه ما يكون نكالا للمفتونين ولمن خلفهم من الأمم.
قالَ أي السامري مجيبا له عليه السلام بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ بضم الصاد فيهما أي علمت ما لم يعلمه القوم وفطنت لما لم يفطنوا له، قال الزجاج يقال: بصر بالشيء إذا علمه وأبصر إذا نظر، وقيل: بصره وأبصره بمعنى واحد: وقال الراغب: البصر يقال: للجارحة الناظرة وللقوة التي فيها ويقال: لقوة القلب المدركة بصيرة وبصر ويقال من الأول أبصرت. ومن الثاني أبصرته وبصرت به. وقلما يقال: بصرت في الحاسة إذا لم يضامه رؤية القلب اه.
وقرأ الأعمش وأبو السمال «بصرت» بكسر الصاد «بما لم يبصروا» بفتح الصاد. وقرأ عمرو بن عبيد «بصرت» بضم الباء وكسر الصاد «بما لم تبصروا» بضم التاء المثناة من فوق وفتح الصاد على البناء للمفعول.
وقرأ الكسائي وحمزة وأبو بحرية والأعمش وطلحة وابن أبي ليلى وابن مناذر وابن سعدان وقعنب «بما لم
562
تبصروا» بالتاء الفوقانية المفتوحة وبضم الصاد. والخطاب لموسى عليه السلام وقومه. وقيل: له عليه السلام وحده وضمير الجمع للتعظيم كما قيل في قوله تعالى رَبِّ ارْجِعُونِ [المؤمنون: ٩٩] وهذا منقول عن قدماء النحاة وقد صرح به الثعالبي في سر العربية، فما ذكره الرضي من أن التعظيم إنما يكون في ضمير المتكلم مع الغير كفعلنا غير مرتضى وإن تبعه كثير. وادعى بعضهم أن الأنسب بما سيأتي إن شاء الله تعالى من قوله: وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي تفسير بصر برأى لا سيما على القراءة بالخطاب فإن ادعاء علم ما لم يعلمه موسى عليه السلام جراءة عظيمة لا تليق بشأنه ولا بمقامه بخلاف ادعاء رؤية ما لم يره عليه السلام فإنه مما يقع بحسب ما يتفق. وقد كان فيما أخرج ابن جرير عن ابن عباس رأى جبريل عليه السلام يوم فلق البحر على فرس فعرفه لما أنه كان يغذوه صغيرا حين خافت عليه أمه فألقته في غار فأخذ قبضة من تحت حافر الفرس وألقى في روعه أنه لا يلقيها على شيء فيقول: كن كذا إلا كان.
وعن علي كرم الله تعالى وجهه أنه رآه عليه السلام راكبا على فرس حين جاء ليذهب بموسى عليهما السلام إلى الميقات ولم يره أحد غيره من قوم موسى عليه السلام فأخذ من موطىء فرسه قبضة من التراب.
وفي بعض الآثار أنه رآه كلما رفع الفرس يديه أو رجليه على التراب اليبس يخرج النبات فعرف أن له شأنا فأخذ من موطئه حفنة
، وذلك قوله تعالى فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ أي من أثر فرس الرسول. وكذا قرأ عبد الله، فالكلام على حذف مضاف كما عليه أكثر المفسرين. وأثر الفرس التراب الذي تحت حافره. وقيل: لا حاجة إلى تقدير مضاف لأن أثر فرسه أثره عليه السلام.
ولعل ذكر جبريل عليه السلام بعنوان الرسالة لأنه لم يعرفه إلا بهذا العنوان أو للإشعار بوقوفه على ما لم يقف عليه القوم من الأسرار الإلهية تأكيدا لما صدر به مقالته والتنبيه كما قيل على وقت أخذ ما أخذ.
والقبضة المرة من القبض أطلقت على المقبوض مرة، وبذلك يرد على القائلين بأن المصدر الواقع كذلك لا يؤنث بالتاء فيقولون: هذه حلة نسيج اليمن ولا يقولون: نسيجة اليمن. والجواب بأن الممنوع إنما هو التاء الدالة على التحديد لا على مجرد التأنيث كما هنا والمناسب على هذا أن لا تعتبره المرة كما لا يخفى.
وقرأ عبد الله وأبي وابن الزبير والحسن وحميد «قبصت قبصة» بالصاد فيهما وفرقوا بين القبض بالضاد المعجمة والقبص بالصاد بأن الأول الأخذ بجميع الكف والثاني الأخذ بأطراف الأصابع ونحوهما الخضم بالخاء للأكل بجميع الفم والقضم بالقاف للأكل بأطراف الأسنان. وذكر أن ذلك مما غير لفظه لمناسبة معناه فإن الضاد المعجمة للثقل واستطالة مخرجها جعلت فيما يدل على الأكثر والصاد لضيق محلها وخفائه جعلت فيما يدل على القليل.
وقرأ الحسن بخلاف عنه. وقتادة ونصر بن عاصم بضم القاف والصاد المهملة وهو اسم للمقبوض كالمضغة اسم للممضوغ فَنَبَذْتُها أي ألقيتها في الحلي المذاب. وقيل: في جوف العجل فكان ما كان.
وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي أي زينته وحسنته إلي والإشارة إلى مصدر الفعل المذكور بعد. وذلك على حد قوله تعالى وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة: ١٤٣] وحاصل جوابه أن ما فعله إنما صدر عنه بمحض اتباع هوى النفس الأمارة بالسوء لا لشيء آخر من البرهان العقلي أو النقلي أو من الإلهام الإلهي. هذا ثم ما ذكر من تفسير الآية هو المأثور عن الصحابة والتابعين رضي الله تعالى عنهم وتبعهم جل أجلة المفسرين، وقال أبو مسلم الأصبهاني: ليس في القرآن تصريح بهذا الذي ذكروه. وهنا وجه آخر وهو أن يكون المراد بالرسول موسى عليه السلام وأثره سنته ورسمه
وعن علي كرم الله تعالى وجهه أنه رآه عليه السلام راكبا على فرس حين جاء ليذهب بموسى عليهما السلام إلى الميقات ولم يره أحد غيره من قوم موسى عليه السلام فأخذ من موطىء فرسه قبضة من التراب.
وفي بعض الآثار أنه رآه كلما رفع الفرس يديه أو رجليه على التراب اليبس يخرج النبات فعرف أن له شأنا فأخذ من موطئه حفنة
، وذلك قوله تعالى فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ أي من أثر فرس الرسول. وكذا قرأ عبد الله، فالكلام على حذف مضاف كما عليه أكثر المفسرين. وأثر الفرس التراب الذي تحت حافره. وقيل: لا حاجة إلى تقدير مضاف لأن أثر فرسه أثره عليه السلام.
ولعل ذكر جبريل عليه السلام بعنوان الرسالة لأنه لم يعرفه إلا بهذا العنوان أو للإشعار بوقوفه على ما لم يقف عليه القوم من الأسرار الإلهية تأكيدا لما صدر به مقالته والتنبيه كما قيل على وقت أخذ ما أخذ.
والقبضة المرة من القبض أطلقت على المقبوض مرة، وبذلك يرد على القائلين بأن المصدر الواقع كذلك لا يؤنث بالتاء فيقولون: هذه حلة نسيج اليمن ولا يقولون: نسيجة اليمن. والجواب بأن الممنوع إنما هو التاء الدالة على التحديد لا على مجرد التأنيث كما هنا والمناسب على هذا أن لا تعتبره المرة كما لا يخفى.
وقرأ عبد الله وأبي وابن الزبير والحسن وحميد «قبصت قبصة» بالصاد فيهما وفرقوا بين القبض بالضاد المعجمة والقبص بالصاد بأن الأول الأخذ بجميع الكف والثاني الأخذ بأطراف الأصابع ونحوهما الخضم بالخاء للأكل بجميع الفم والقضم بالقاف للأكل بأطراف الأسنان. وذكر أن ذلك مما غير لفظه لمناسبة معناه فإن الضاد المعجمة للثقل واستطالة مخرجها جعلت فيما يدل على الأكثر والصاد لضيق محلها وخفائه جعلت فيما يدل على القليل.
وقرأ الحسن بخلاف عنه. وقتادة ونصر بن عاصم بضم القاف والصاد المهملة وهو اسم للمقبوض كالمضغة اسم للممضوغ فَنَبَذْتُها أي ألقيتها في الحلي المذاب. وقيل: في جوف العجل فكان ما كان.
وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي أي زينته وحسنته إلي والإشارة إلى مصدر الفعل المذكور بعد. وذلك على حد قوله تعالى وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة: ١٤٣] وحاصل جوابه أن ما فعله إنما صدر عنه بمحض اتباع هوى النفس الأمارة بالسوء لا لشيء آخر من البرهان العقلي أو النقلي أو من الإلهام الإلهي. هذا ثم ما ذكر من تفسير الآية هو المأثور عن الصحابة والتابعين رضي الله تعالى عنهم وتبعهم جل أجلة المفسرين، وقال أبو مسلم الأصبهاني: ليس في القرآن تصريح بهذا الذي ذكروه. وهنا وجه آخر وهو أن يكون المراد بالرسول موسى عليه السلام وأثره سنته ورسمه
563
الذي أمر به ودرج عليه فقد يقول الرجل: فلان يقفو أثر فلان ويقتص أثره إذا كان يمتثل رسمه، وتقرير الآية على ذلك أن موسى عليه السلام لما أقبل على السامري باللوم والمسألة عن الأمر الذي دعاه إلى إضلال القوم بالعجل قال: بصرت بما لم يبصروا به أي عرفت أن الذي عليه القوم ليس بحق وقد كنت قبضت قبضة من أثرك أي شيئا من دينك فنبذتها أي طرحتها ولم أتمسك بها. وتعبيره عن موسى عليه السلام بلفظ الغائب على نحو قول من يخاطب الأمير ما قول الأمير في كذا. ويكون إطلاق الرسول منه عليه عليه السلام نوعا من التهكم حيث كان كافرا مكذبا به على حد قوله تعالى حكاية عن الكفرة يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [الحجر: ٦] انتهى، وانتصر له بعضهم بأنه أقرب إلى التحقيق. ويبعد قول المفسرين أن جبريل عليه السلام ليس معهودا باسم الرسول ولم ير له فيما تقدم ذكر حتى تكون اللام في الرسول لسابق في الذكر وأن ما قالوه لا بد له من تقدير المضاف والتقدير خلاف الأصل وأن اختصاص السامري برؤية جبريل عليه السلام ومعرفته من بين سائر الناس بعيد جدا. وأيضا كيف عرف أن أثر حافر فرسه يؤثر هذا الأمر الغريب العجيب من حياة الجماد وصيرورته لحما ودما على أنه لو كان كذلك لكان الأثر نفسه أولى بالحياة. وأيضا متى اطلع كافر على تراب هذا شأنه فلقائل أن يقول لعل موسى عليه السلام اطلع شيء آخر يشبه هذا فلأجله أتى بالمعجزات فيكون ذلك فيما أتى به المرسلون عليهم السلام من الخوارق، وأيضا يبعد الكفر والإقدام على الإضلال بعد أن عرف نبوة موسى عليه السلام بمجيء هذا الرسول الكريم إليه انتهى.
وأجيب بأنه قد عهد في القرآن العظيم إطلاق الرسول على جبريل عليه السلام فقد قال سبحانه إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [الحاقة: ٤٠، التكوير: ١٩] وعدم جريان ذكر له فيما تقدم لا يمنع من أن يكون معهودا، ويجوز أن يكون إطلاق الرسول عليه عليه السلام شائعا في بني إسرائيل لا سيما إن قلنا بصحة ما روي أنه عليه السلام كان يغذي من يلقى من أطفالهم في الغار في زمان قتل فرعون لهم، وبأن تقدير المضاف في الكلام أكثر من أن يحصى وقد عهد ذلك في كتاب الله تعالى غير مرة، وبأن رؤيته جبريل عليه السلام دون الناس كان ابتلاء منه تعالى ليقضي الله أمرا كان مفعولا. وبأن معرفته تأثير ذلك الأثر ما ذكر كانت لما ألقى في روعه أنه لا يلقيه على شيء فيقول كن كذا إلا كان كما في خبر ابن عباس أو كانت لما شاهد من خروج النبات بالوطء كما في بعض الآثار. ويحتمل أن يكون سمع ذلك من موسى عليه السلام، وبأن ما ذكر من أولوية الأثر نفسه بالحياة غير مسلم ألا ترى أن الإكسير يجعل ما يلقي هو عليه ذهبا ولا يكون هو بنفسه ذهبا. وبأن المعجزة مقرونة بدعوى الرسالة من الله تعالى والتحدي وقد قالوا: متى ادعى أحد الرسالة وأظهر الخارق وكان لسبب خفي يجهله المرسل إليهم قبض الله تعالى ولا بد من بين حقيقة ذلك بإظهار مثله غير مقرون بالدعوى أو نحو ذلك أو جعل المدعي بحيث لا يقدم على فعل ذلك الخارق بذلك السبب بأن يسلب قوة التأثير أو نحو ذلك لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وتكون له عز وجل الحجة البالغة، وجوزوا ظهور الخارق لا عن سبب أو عن سبب خفي على يد مدعي الألوهية لأن كذبه ظاهر عقلا ونقلا. ولا تتوقف إقامة الحجة على تكذيبه بنحو ما تقدم. وبأن ما ذكر من بعد الكفر والإضلال من السامري بعد أن عرف نبوة موسى عليه السلام في غاية السقوط فقد قال تعالى وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ [النمل: ١٤] وليس كفر السامري بأبعد من كفر فرعون وقد رأى ما رأى. ويرد على ما ذكره أبو مسلم مع مخالفته للمأثور عن خير القرون مما لا يقال مثله من قبل الرأي فله حكم المرفوع أن التعبير عن موسى عليه السلام بلفظ الغائب بعيد. وإرادة وقد كنت قبضت قبضة إلخ من النظم الكريم أبعد. وأن نبذ ما عرف أنه ليس بحق لا يعد من تسويل النفس في شيء فلا يناسب ختم جوابه بذلك. فزعم أن ما ذكره أقرب إلى التحقيق باطل عند أرباب التدقيق.
وأجيب بأنه قد عهد في القرآن العظيم إطلاق الرسول على جبريل عليه السلام فقد قال سبحانه إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [الحاقة: ٤٠، التكوير: ١٩] وعدم جريان ذكر له فيما تقدم لا يمنع من أن يكون معهودا، ويجوز أن يكون إطلاق الرسول عليه عليه السلام شائعا في بني إسرائيل لا سيما إن قلنا بصحة ما روي أنه عليه السلام كان يغذي من يلقى من أطفالهم في الغار في زمان قتل فرعون لهم، وبأن تقدير المضاف في الكلام أكثر من أن يحصى وقد عهد ذلك في كتاب الله تعالى غير مرة، وبأن رؤيته جبريل عليه السلام دون الناس كان ابتلاء منه تعالى ليقضي الله أمرا كان مفعولا. وبأن معرفته تأثير ذلك الأثر ما ذكر كانت لما ألقى في روعه أنه لا يلقيه على شيء فيقول كن كذا إلا كان كما في خبر ابن عباس أو كانت لما شاهد من خروج النبات بالوطء كما في بعض الآثار. ويحتمل أن يكون سمع ذلك من موسى عليه السلام، وبأن ما ذكر من أولوية الأثر نفسه بالحياة غير مسلم ألا ترى أن الإكسير يجعل ما يلقي هو عليه ذهبا ولا يكون هو بنفسه ذهبا. وبأن المعجزة مقرونة بدعوى الرسالة من الله تعالى والتحدي وقد قالوا: متى ادعى أحد الرسالة وأظهر الخارق وكان لسبب خفي يجهله المرسل إليهم قبض الله تعالى ولا بد من بين حقيقة ذلك بإظهار مثله غير مقرون بالدعوى أو نحو ذلك أو جعل المدعي بحيث لا يقدم على فعل ذلك الخارق بذلك السبب بأن يسلب قوة التأثير أو نحو ذلك لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وتكون له عز وجل الحجة البالغة، وجوزوا ظهور الخارق لا عن سبب أو عن سبب خفي على يد مدعي الألوهية لأن كذبه ظاهر عقلا ونقلا. ولا تتوقف إقامة الحجة على تكذيبه بنحو ما تقدم. وبأن ما ذكر من بعد الكفر والإضلال من السامري بعد أن عرف نبوة موسى عليه السلام في غاية السقوط فقد قال تعالى وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ [النمل: ١٤] وليس كفر السامري بأبعد من كفر فرعون وقد رأى ما رأى. ويرد على ما ذكره أبو مسلم مع مخالفته للمأثور عن خير القرون مما لا يقال مثله من قبل الرأي فله حكم المرفوع أن التعبير عن موسى عليه السلام بلفظ الغائب بعيد. وإرادة وقد كنت قبضت قبضة إلخ من النظم الكريم أبعد. وأن نبذ ما عرف أنه ليس بحق لا يعد من تسويل النفس في شيء فلا يناسب ختم جوابه بذلك. فزعم أن ما ذكره أقرب إلى التحقيق باطل عند أرباب التدقيق.
564
وزعمت اليهود أن ما ألقاه السامري كان قطعة من الحلي منقوشا عليها بعض الطلسمات وكان يعقوب عليه السلام قد علقها في عنق يوسف عليه السلام إذ كان صغيرا كما يعلق الناس اليوم في أعناق أطفالهم التمائم وربما تكون من الذهب والفضة منقوشا عليها شيء من الآيات أو الأسماء أو الطلسمات وقد ظفر بها من حيث ظفر فنبذها مع حلي بني إسرائيل فكان ما كان لخاصية ما نقش عليها فيكون على هذا قد أراد بالرسول رسول بني إسرائيل في مصر من قبل وهو يوسف عليه السلام. ولم يجىء عندنا خبر صحيح ولا ضعيف بل ولا موضوع فيما زعموا. نعم جاء عندنا أن يعقوب كان قد جعل القميص المتوارث في تعويذ وعلقه في عنق يوسف عليه السلام.
وفسر بعضهم بذلك قوله تعالى اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا [يوسف: ٩٣] إلخ. وما أغفل أولئك البهت عن زعم أن الأثر هو ذلك القميص فإنه قد عهد منه ما تقدم في أحسن القصص في قوله تعالى: اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً فبين معافاة المبتلي وحياة الجماد مناسبة كلية فهذا الكذب لو ارتكبوه لربما كان أروج قبولا عند أمثال الأصبهاني الذين ينبذون ما روي عن الصحابة مما لا يقال مثله بالرأي وراء ظهورهم نعوذ بالله تعالى من الضلال.
قالَ استئناف كما مر غير مرة أي قال موسى عليه السلام إذا كان الأمر كما ذكرت فَاذْهَبْ أي من بين الناس، وقوله تعالى فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ إلى آخره تعليل لموجب الأمر. و «في» متعلقة بالاستقرار العامل في لَكَ أي ثابت لك في الحياة أو بمحذوف وقع حالا من الكاف، والعامل معنى الاستقرار المذكور أيضا لاعتماده على ما هو مبتدأ معنى أعني قوله تعالى أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ ولم يجوز تعلقه بتقول لمكان أن وقد تقدم آنفا عذر من يعلق الظرف المتقدم بما بعدها. ولا يظهر ما يشفي الخاطر في وجه تعليق العلامة أبي السعود- إذ- في قوله تعالى ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ فيما بعد أن وعدم تجويز تعليق فِي الْحَياةِ فيما بعدها أي إن لك مدة حياتك أن تفارق الناس مفارقة كلية لكن لا بحسب الاختيار بموجب التكليف بل بحسب الاضطرار الملجئ إليها، وذلك أنه تعالى رماه بداء عقام لا يكاد يمس أحدا أو يمسه أحد كائنا من كان إلا حم من ساعته حمى شديدة فتحامى الناس وتحاموه وكان يصيح بأقصى صوته لا مساس وحرم عليهم ملاقاته ومكالمته ومؤاكلته ومبايعته وغير ذلك مما يعتاد جريانه فيما بين الناس من المعاملات وصار بين الناس أوحش من القاتل اللاجئ إلى الحرم ومن الوحشي النافر في البيداء، وذكر أنه لزم البرية وهجر البرية، وذكر الطبرسي عن ابن عباس أن المراد أن لك ولولدك أن تقول إلخ، وخص عمرو الحمى بما إذا كان الماس أجنبيا، وذكر أن بقايا ولده باق فيهم تلك الحال إلى اليوم، وقيل: ابتلي بالوسواس حين قال له موسى عليه السلام ذلك، وعليه حمل قول الشاعر:
فأصبح ذلك كالسامري... إذ قال موسى له لا مساسا
وأنكر الجبائي ما تقدم من حديث عرو الحمى عند المس وقال: إنه خاف وهرب وجعل يهيم في البرية لا يجد أحدا من الناس يمسه حتى صار لبعده عن الناس كالقائل لا مساس وصحح الأول، والمساس مصدر ماس كقتال مصدر قاتل وهو منفي بلا التي لنفي الجنس وأريد بالنفي النهي أي لا تمسني ولا أمسك. وقرأ الحسن وأبو حيوة وابن أبي عبلة وقعنب «لا مساس» بفتح الميم وكسر السين آخره وهو بوزن فجار، ونحوه قولهم في الظباء إن وردت الماء فلا عباب وإن فقدته فلا أباب. وهي كما قال الزمخشري وابن عطية اعلام للمسة والعبة والأبة وهي المرة من الأب أي الطلب، ومن هذا قول الشاعر:
تميم كرهط السامري وقوله... ألا لا يريد السامري مساس
و «لا» على هذا ليست النافية للجنس لأنها مختصة بالنكرات وهذا معرفة من أعلام الأجناس ولا داخلة معنى
وفسر بعضهم بذلك قوله تعالى اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا [يوسف: ٩٣] إلخ. وما أغفل أولئك البهت عن زعم أن الأثر هو ذلك القميص فإنه قد عهد منه ما تقدم في أحسن القصص في قوله تعالى: اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً فبين معافاة المبتلي وحياة الجماد مناسبة كلية فهذا الكذب لو ارتكبوه لربما كان أروج قبولا عند أمثال الأصبهاني الذين ينبذون ما روي عن الصحابة مما لا يقال مثله بالرأي وراء ظهورهم نعوذ بالله تعالى من الضلال.
قالَ استئناف كما مر غير مرة أي قال موسى عليه السلام إذا كان الأمر كما ذكرت فَاذْهَبْ أي من بين الناس، وقوله تعالى فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ إلى آخره تعليل لموجب الأمر. و «في» متعلقة بالاستقرار العامل في لَكَ أي ثابت لك في الحياة أو بمحذوف وقع حالا من الكاف، والعامل معنى الاستقرار المذكور أيضا لاعتماده على ما هو مبتدأ معنى أعني قوله تعالى أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ ولم يجوز تعلقه بتقول لمكان أن وقد تقدم آنفا عذر من يعلق الظرف المتقدم بما بعدها. ولا يظهر ما يشفي الخاطر في وجه تعليق العلامة أبي السعود- إذ- في قوله تعالى ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ فيما بعد أن وعدم تجويز تعليق فِي الْحَياةِ فيما بعدها أي إن لك مدة حياتك أن تفارق الناس مفارقة كلية لكن لا بحسب الاختيار بموجب التكليف بل بحسب الاضطرار الملجئ إليها، وذلك أنه تعالى رماه بداء عقام لا يكاد يمس أحدا أو يمسه أحد كائنا من كان إلا حم من ساعته حمى شديدة فتحامى الناس وتحاموه وكان يصيح بأقصى صوته لا مساس وحرم عليهم ملاقاته ومكالمته ومؤاكلته ومبايعته وغير ذلك مما يعتاد جريانه فيما بين الناس من المعاملات وصار بين الناس أوحش من القاتل اللاجئ إلى الحرم ومن الوحشي النافر في البيداء، وذكر أنه لزم البرية وهجر البرية، وذكر الطبرسي عن ابن عباس أن المراد أن لك ولولدك أن تقول إلخ، وخص عمرو الحمى بما إذا كان الماس أجنبيا، وذكر أن بقايا ولده باق فيهم تلك الحال إلى اليوم، وقيل: ابتلي بالوسواس حين قال له موسى عليه السلام ذلك، وعليه حمل قول الشاعر:
فأصبح ذلك كالسامري... إذ قال موسى له لا مساسا
وأنكر الجبائي ما تقدم من حديث عرو الحمى عند المس وقال: إنه خاف وهرب وجعل يهيم في البرية لا يجد أحدا من الناس يمسه حتى صار لبعده عن الناس كالقائل لا مساس وصحح الأول، والمساس مصدر ماس كقتال مصدر قاتل وهو منفي بلا التي لنفي الجنس وأريد بالنفي النهي أي لا تمسني ولا أمسك. وقرأ الحسن وأبو حيوة وابن أبي عبلة وقعنب «لا مساس» بفتح الميم وكسر السين آخره وهو بوزن فجار، ونحوه قولهم في الظباء إن وردت الماء فلا عباب وإن فقدته فلا أباب. وهي كما قال الزمخشري وابن عطية اعلام للمسة والعبة والأبة وهي المرة من الأب أي الطلب، ومن هذا قول الشاعر:
تميم كرهط السامري وقوله... ألا لا يريد السامري مساس
و «لا» على هذا ليست النافية للجنس لأنها مختصة بالنكرات وهذا معرفة من أعلام الأجناس ولا داخلة معنى
565
عليه فإن المعنى لا يكون أولا يكن منك مس لنا. وهذا أولى من أن يكون المعنى لا أقول مساس.
وظاهر كلام ابن جني أنه اسم فعل كنزال. والمراد نفي الفعل أي لا أمسك والسر في عقوبته على جنايته بما ذكر على ما قيل: إنه ضد ما قصده من إظهار ذلك ليجتمع عليه الناس ويعززوه فكان سببا لبعدهم عنه وتحقيره وصار لديهم أبغض من الطلياء وأهون من معبأة.
وقيل: لعل السر في ذلك ما بينهما من مناسبة التضاد فإنه لما أنشأ الفتنة بما كانت ملابسته سببا لحياة الموات عوقب بما يضاده حيث جعلت ملابسته سببا للحمى التي هي من أسباب موت الأحياء، وقيل: عوقب بذلك ليكون الجزاء من جنس العمل حيث نبذ فنبذ فإن ذلك التحامي أشبه شيء بالنبذ وكانت هذه العقوبة على ما في البحر باجتهاد من موسى عليه السلام، وحكي فيه القول بأنه أراد قتله فمنعه الله تعالى عن ذلك لأنه كان سخيا، وروي ذلك عن الصادق رضي الله تعالى عنه، وعن بعض الشيوخ أنه قد وقع ما يقرب من ذلك في شرعنا في قضية الثلاثة الذين خلفوا فقد أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أن لا يكلموا ولا يخالطوا وأن يعتزلوا نساءهم حتى تاب الله تعالى عليهم. ومذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه في القاتل اللاجئ إلى الحرم نحو ذلك ليضطر إلى الخروج فيقتل في الحل وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً أي في الآخرة لَنْ تُخْلَفَهُ أي لن يخلفك الله تعالى ذلك الوعد بل ينجزه لك البتة بعد ما عاقبك في الدنيا.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والأعمش بضم التاء وكسر اللام على البناء للفاعل على أنه من أخلفت الموعد إذا وجدته خلفا كأجبنته إذا وجدته جبانا. وعلى ذلك قول الأعشى:
وجوز أن يكون التقدير لن تخلف الواعد إياه فحذف المفعول الأول وذكر الثاني لأنه المقصود. والمعنى لن تقدر أن تجعل الواعد مخلفا لوعده بل سيفعله، ونقل ابن خالويه عن ابن نهيك أنه قرأ «لن تخلفه» بفتح التاء المثناة من فوق وضم اللام، وفي اللوامح أنه قرىء «لن يخلفه» بفتح الياء المثناة من تحت وضم اللام وهو من خلفه يخلفه إذا جاء بعده، قيل: المعنى على الرواية الأولى وإن لك موعدا لا بد أن تصادفه، وعلى الرواية الثانية وإن لك موعدا لا يدفع قول لا مساس فافهم.
وقرأ ابن مسعود والحسن بخلاف عنه «لن نخلفه» بالنون المفتوحة وكسر اللام على أن ذلك حكاية قول الله عز وجل، وقال ابن جني: أي لن نصادفه خلفا فيكون من كلام موسى عليه السلام لا على سبيل الحكاية وهو ظاهر لو كانت النون مضمومة وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ أي معبودك الَّذِي ظَلْتَ أي ظللت كما قرأ بذلك أبي والأعمش فحذفت اللام الأولى تخفيفا، ونقل أبو حيان عن سيبويه أن هذا الحذف من شذوذ القياس ولا يكون ذلك إلا إذا سكن آخر الفعل، وعن بعض معاصريه أن ذلك منقاس في كل مضاعف العين واللام في لغة بني سليم حيث سكن آخر الفعل، وقال بعضهم: إنه مقيس في المضاعف إذا كانت عينه مكسورة أو مضمومة.
وقرأ ابن مسعود وقتادة والأعمش بخلاف عنه وأبو حيوة وابن أبي عبلة وابن يعمر بخلاف عنه أيضا «ظلت» بكسر الظاء على أنه نقل حركة اللام إليها بعد حذف حركتها، وعن ابن يعمر أنه ضم الظاء وكأنه مبني على مجيء الفعل في بعض اللغات على فعل بضم العين وحينئذ يقال بالنقل كما في الكسر عَلَيْهِ أي على عبادته عاكِفاً أي مقيما، وخاطبه عليه السلام دون سائر العاكفين على عبادته القائلين: لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى [طه: ٩١] لأنه رأس الضلال ورئيس أولئك الجهال لَنُحَرِّقَنَّهُ جواب قسم محذوف أي بالله تعالى لنحرقنه بالنار كما أخرج ذلك ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس، ويؤيده قراءة الحسن وقتادة وأبي جعفر في
وظاهر كلام ابن جني أنه اسم فعل كنزال. والمراد نفي الفعل أي لا أمسك والسر في عقوبته على جنايته بما ذكر على ما قيل: إنه ضد ما قصده من إظهار ذلك ليجتمع عليه الناس ويعززوه فكان سببا لبعدهم عنه وتحقيره وصار لديهم أبغض من الطلياء وأهون من معبأة.
وقيل: لعل السر في ذلك ما بينهما من مناسبة التضاد فإنه لما أنشأ الفتنة بما كانت ملابسته سببا لحياة الموات عوقب بما يضاده حيث جعلت ملابسته سببا للحمى التي هي من أسباب موت الأحياء، وقيل: عوقب بذلك ليكون الجزاء من جنس العمل حيث نبذ فنبذ فإن ذلك التحامي أشبه شيء بالنبذ وكانت هذه العقوبة على ما في البحر باجتهاد من موسى عليه السلام، وحكي فيه القول بأنه أراد قتله فمنعه الله تعالى عن ذلك لأنه كان سخيا، وروي ذلك عن الصادق رضي الله تعالى عنه، وعن بعض الشيوخ أنه قد وقع ما يقرب من ذلك في شرعنا في قضية الثلاثة الذين خلفوا فقد أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أن لا يكلموا ولا يخالطوا وأن يعتزلوا نساءهم حتى تاب الله تعالى عليهم. ومذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه في القاتل اللاجئ إلى الحرم نحو ذلك ليضطر إلى الخروج فيقتل في الحل وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً أي في الآخرة لَنْ تُخْلَفَهُ أي لن يخلفك الله تعالى ذلك الوعد بل ينجزه لك البتة بعد ما عاقبك في الدنيا.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والأعمش بضم التاء وكسر اللام على البناء للفاعل على أنه من أخلفت الموعد إذا وجدته خلفا كأجبنته إذا وجدته جبانا. وعلى ذلك قول الأعشى:
أثوى وقصر ليله ليزودا | فمضى وأخلف من قتيلة موعدا |
وقرأ ابن مسعود والحسن بخلاف عنه «لن نخلفه» بالنون المفتوحة وكسر اللام على أن ذلك حكاية قول الله عز وجل، وقال ابن جني: أي لن نصادفه خلفا فيكون من كلام موسى عليه السلام لا على سبيل الحكاية وهو ظاهر لو كانت النون مضمومة وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ أي معبودك الَّذِي ظَلْتَ أي ظللت كما قرأ بذلك أبي والأعمش فحذفت اللام الأولى تخفيفا، ونقل أبو حيان عن سيبويه أن هذا الحذف من شذوذ القياس ولا يكون ذلك إلا إذا سكن آخر الفعل، وعن بعض معاصريه أن ذلك منقاس في كل مضاعف العين واللام في لغة بني سليم حيث سكن آخر الفعل، وقال بعضهم: إنه مقيس في المضاعف إذا كانت عينه مكسورة أو مضمومة.
وقرأ ابن مسعود وقتادة والأعمش بخلاف عنه وأبو حيوة وابن أبي عبلة وابن يعمر بخلاف عنه أيضا «ظلت» بكسر الظاء على أنه نقل حركة اللام إليها بعد حذف حركتها، وعن ابن يعمر أنه ضم الظاء وكأنه مبني على مجيء الفعل في بعض اللغات على فعل بضم العين وحينئذ يقال بالنقل كما في الكسر عَلَيْهِ أي على عبادته عاكِفاً أي مقيما، وخاطبه عليه السلام دون سائر العاكفين على عبادته القائلين: لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى [طه: ٩١] لأنه رأس الضلال ورئيس أولئك الجهال لَنُحَرِّقَنَّهُ جواب قسم محذوف أي بالله تعالى لنحرقنه بالنار كما أخرج ذلك ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس، ويؤيده قراءة الحسن وقتادة وأبي جعفر في
566
رواية. وأبي رجاء والكلبي «لنحرقنّه» مخففا من أحرق رباعيا فإن الإحراق شائع فيما يكون بالنار وهذا ظاهر في أنه صار ذا لحم ودم. وكذا ما في مصحف أبي وعبد الله «لنذبحنه ثم لنحرقنه».
وجوز أبو علي أن يكون نحرق مبالغة في حرق الحديد حرقا بفتح الراء إذا برده بالمبرد. ويؤيده قراءة علي كرم الله تعالى وجه. وحميد وعمرو بن فايد وأبي جعفر في رواية. وكذا ابن عباس رضي الله تعالى عنهما «لنحرقنّه» بفتح النون وسكون الحاء وضم الراء فإن حرق يحرق بالضم مختص بهذا المعنى كما قيل، وهذا ظاهر في أنه لم يصر ذا لحم ودم بل كان باقيا على الجمادية.
وزعم بعضهم أنه لا بعد على تقدير كونه حيا في تحريقه بالمبرد إذ يجوز خلق الحياة في الذهب مع بقائه على الذهبية عند أهل الحق، وقال بعض القائلين بأنه صار حيوانا ذا لحم ودم: إن التحريق بالمبرد كان للعظام وهو كما ترى، وقال النسفي: تفريقه بالمبرد طريق تحريقه بالنار فإنه لا يفرق الذهب إلا بهذا الطريق. وجوز على هذا أن يقال:
إن موسى عليه السلام حرقه بالمبرد ثم أحرقه بالنار. وتعقب بأن النار تذيبه وتجمعه ولا تحرقه وتجعله رمادا فلعل ذلك كان بالحيل الإكسيرية أو نحو ذلك ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ أي لنذرينه. وقرأت فرقة منهم عيسى بضم السين. وقرأ ابن مقسم «لننسفنّه» بضم النون الأولى وفتح الثانية وتشديد السين فِي الْيَمِّ أي في البحر كما أخرج ذلك ابن أبي حاتم عن ابن عباس.
وأخرج عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه فسره بالنهر
، وقوله تعالى نَسْفاً مصدر مؤكد أي لنفعلن به ذلك بحيث لا يبقى منه عين ولا أثر ولا يصادف منه شيء فيؤخذ، ولقد فعل عليه السلام ما أقسم عليه كله كما يشهد به الأمر بالنظر، وإنما لم يصرح به تنبيها على كمال ظهوره واستحالة الخلف في وعده المؤكد باليمين، وفي ذلك زيادة عقوبة للسامري وإظهار لغباوة المفتتنين، وقال في البحر بيانا لسر هذا الفعل: يظهر أنه لما كان قد أخذ السامري القبضة من أثر فرس جبريل عليه السلام وهو داخل البحر ناسب أن ينسف ذلك العجل الذي صاغه من الحلي الذي كان أصله للقبط وألقى فيه القبضة في البحر ليكون ذلك تنبيها على أن ما كان به قيام الحياة آل إلى العدم وألقى في محل ما قامت به الحياة وأن أموال القبط قذفها الله تعالى في البحر لا ينتفع بها كما قذف سبحانه أشخاص مالكيها وغرقهم فيه ولا يخفى ما فيه.
إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ استئناف مسوق لتحقيق الحق إثر إبطال الباطل بتلوين الخطاب وتوجيهه إلى الكل أي إنما معبودكم المستحق للعبادة هو الله عز وجل الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وحده من غير أن يشاركه شيء من الأشياء بوجه من الوجوه التي من جملتها أحكام الألوهية. وقرأ طلحة «الله لا إله إلا هو الرحمن الرحيم رب العرش» وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أي وسع علمه كل ما من شأنه أن يعلم فالشيء هنا شامل للموجود والمعدوم وانتصب عِلْماً على التمييز المحول عن الفاعل، والجملة بدل من الصلة كأنه قيل: إنما إلهكم الذي وسع كل شيء علما لا غيره كائنا ما كان فيدخل فيه العجل الذي هو مثل في الغباوة دخولا أوليا.
وقرأ مجاهد. وقتادة «وسّع» بفتح السين مشددة فيكون انتصاب عِلْماً على أنه مفعول ثان، ولما كان في القراءة الأولى فاعلا معنى صح نقله بالتعدية إلى المفعولية كما تقول في خاف زيد عمرا: خوفت زيدا عمرا أي جعلت زيدا يخاف عمرا فيكون المعنى هنا على هذا جعل علمه يسع كل شيء، لكن أنت تعلم أن الكلام ليس على ظاهره لأن علمه سبحانه غير مجعول ولا ينبغي أن يتوهم أن اقتضاء الذات له على تقدير الزيادة جعلا وبهذا تم حديث موسى عليه السلام، وقوله تعالى كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ كلام مستأنف خوطب به النبي صلّى الله عليه وسلّم بطريق الوعد الجميل بتنزيل أمثال ما مر من أنباء الأمم السالفة. والجار والمجرور في موضع الصفة لمصدر مقدر أو الكاف في محل نصب صفة
وجوز أبو علي أن يكون نحرق مبالغة في حرق الحديد حرقا بفتح الراء إذا برده بالمبرد. ويؤيده قراءة علي كرم الله تعالى وجه. وحميد وعمرو بن فايد وأبي جعفر في رواية. وكذا ابن عباس رضي الله تعالى عنهما «لنحرقنّه» بفتح النون وسكون الحاء وضم الراء فإن حرق يحرق بالضم مختص بهذا المعنى كما قيل، وهذا ظاهر في أنه لم يصر ذا لحم ودم بل كان باقيا على الجمادية.
وزعم بعضهم أنه لا بعد على تقدير كونه حيا في تحريقه بالمبرد إذ يجوز خلق الحياة في الذهب مع بقائه على الذهبية عند أهل الحق، وقال بعض القائلين بأنه صار حيوانا ذا لحم ودم: إن التحريق بالمبرد كان للعظام وهو كما ترى، وقال النسفي: تفريقه بالمبرد طريق تحريقه بالنار فإنه لا يفرق الذهب إلا بهذا الطريق. وجوز على هذا أن يقال:
إن موسى عليه السلام حرقه بالمبرد ثم أحرقه بالنار. وتعقب بأن النار تذيبه وتجمعه ولا تحرقه وتجعله رمادا فلعل ذلك كان بالحيل الإكسيرية أو نحو ذلك ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ أي لنذرينه. وقرأت فرقة منهم عيسى بضم السين. وقرأ ابن مقسم «لننسفنّه» بضم النون الأولى وفتح الثانية وتشديد السين فِي الْيَمِّ أي في البحر كما أخرج ذلك ابن أبي حاتم عن ابن عباس.
وأخرج عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه فسره بالنهر
، وقوله تعالى نَسْفاً مصدر مؤكد أي لنفعلن به ذلك بحيث لا يبقى منه عين ولا أثر ولا يصادف منه شيء فيؤخذ، ولقد فعل عليه السلام ما أقسم عليه كله كما يشهد به الأمر بالنظر، وإنما لم يصرح به تنبيها على كمال ظهوره واستحالة الخلف في وعده المؤكد باليمين، وفي ذلك زيادة عقوبة للسامري وإظهار لغباوة المفتتنين، وقال في البحر بيانا لسر هذا الفعل: يظهر أنه لما كان قد أخذ السامري القبضة من أثر فرس جبريل عليه السلام وهو داخل البحر ناسب أن ينسف ذلك العجل الذي صاغه من الحلي الذي كان أصله للقبط وألقى فيه القبضة في البحر ليكون ذلك تنبيها على أن ما كان به قيام الحياة آل إلى العدم وألقى في محل ما قامت به الحياة وأن أموال القبط قذفها الله تعالى في البحر لا ينتفع بها كما قذف سبحانه أشخاص مالكيها وغرقهم فيه ولا يخفى ما فيه.
إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ استئناف مسوق لتحقيق الحق إثر إبطال الباطل بتلوين الخطاب وتوجيهه إلى الكل أي إنما معبودكم المستحق للعبادة هو الله عز وجل الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وحده من غير أن يشاركه شيء من الأشياء بوجه من الوجوه التي من جملتها أحكام الألوهية. وقرأ طلحة «الله لا إله إلا هو الرحمن الرحيم رب العرش» وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أي وسع علمه كل ما من شأنه أن يعلم فالشيء هنا شامل للموجود والمعدوم وانتصب عِلْماً على التمييز المحول عن الفاعل، والجملة بدل من الصلة كأنه قيل: إنما إلهكم الذي وسع كل شيء علما لا غيره كائنا ما كان فيدخل فيه العجل الذي هو مثل في الغباوة دخولا أوليا.
وقرأ مجاهد. وقتادة «وسّع» بفتح السين مشددة فيكون انتصاب عِلْماً على أنه مفعول ثان، ولما كان في القراءة الأولى فاعلا معنى صح نقله بالتعدية إلى المفعولية كما تقول في خاف زيد عمرا: خوفت زيدا عمرا أي جعلت زيدا يخاف عمرا فيكون المعنى هنا على هذا جعل علمه يسع كل شيء، لكن أنت تعلم أن الكلام ليس على ظاهره لأن علمه سبحانه غير مجعول ولا ينبغي أن يتوهم أن اقتضاء الذات له على تقدير الزيادة جعلا وبهذا تم حديث موسى عليه السلام، وقوله تعالى كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ كلام مستأنف خوطب به النبي صلّى الله عليه وسلّم بطريق الوعد الجميل بتنزيل أمثال ما مر من أنباء الأمم السالفة. والجار والمجرور في موضع الصفة لمصدر مقدر أو الكاف في محل نصب صفة
567
لذلك المصدر أي نقص عليك مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ من الحوادث الماضية الجارية على الأمم الخالية قصا كائنا كذلك القص المار أو قصا مثل ذلك، والتقديم للقصر المفيد لزيادة التعيين أي كذلك لا ناقصا عنه، ومِنْ في مِنْ أَنْباءِ إما متعلق بمحذوف هو صفة للمفعول أي نقص عليك نبأ أو بعضا كائنا من أنباء.
وجوز أن يكون في حيز النصب على أنه مفعول نَقُصُّ باعتبار مضمونه أي نقص بعض أنباء، وتأخيره عن عَلَيْكَ لما مر غير مرة من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر، ويجوز أن يكون كَذلِكَ نَقُصُّ مثل قوله تعالى كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة: ١٤٣] على أن الإشارة إلى مصدر الفعل المذكور بعد، وقد مر تحقيق ذلك.
وفائدة هذا القص توفير علمه عليه الصلاة والسلام وتكثير معجزاته وتسليته وتذكرة المستبصرين من أمته صلّى الله عليه وسلّم وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً كتابا منطويا على هذه الأقاصيص والأخبار حقيقا بالتذكر والتفكر فيه والاعتبار، ومِنْ متعلق بآتيناك، وتنكير ذكرا للتفخيم، وتأخيره عن الجار والمجرور لما أن مرجع الإفادة في الجملة كون المؤتى من لدنه تعالى ذكرا عظيما وقرآنا كريما جامعا لكل كمال لا كون ذلك الذكر مؤتى من لدنه عز وجل مع ما فيه من نوع طول بما بعده من الصفة.
وجوز أن يكون الجار والمجرور في موضع الحال من ذِكْراً وليس بذاك، وتفسير الذكر بالقرآن هو الذي ذهب إليه الجمهور وروي عن ابن زيد، وقال مقاتل: أي بيانا ومآله ما ذكر، وقال أبو سهل: أي شرفا وذكرا في الناس، ولا يلائمه قوله تعالى مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ إذ الظاهر أن ضمير عَنْهُ للذكر، والجملة في موضع الصفة له، ولا يحسن وصف الشرف أو الذكر في الناس بذلك، وقيل: الضمير لله تعالى على سبيل الالتفات وهو خلاف الظاهر جدا، ومَنْ إما شرطية أو موصولة أي من أعرض عن الذكر العظيم الشأن المستتبع لسعادة الدارين ولم يؤمن به فَإِنَّهُ أي المعرض عنه يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً أي عقوبة ثقيلة على إعراضه وسائر ذنوبه.
والوزر في الأصل يطلق على معنيين الحمل الثقيل والإثم، وإطلاقه على العقوبة نظرا إلى المعنى الأول على سبيل الاستعارة المصرحة حيث شبهت. الثاني على سبيل المجاز المرسل من حيث إن العقوبة بالحمل الثقيل. ثم استعير لها بقرينة ذكر يوم القيامة، ونظرا إلى المعنى الثاني على سبيل المجاز المرسل من حيث إن العقوبة جزاء الإثم فهي لازمة له أو مسببة، والأول هو الأنسب بقوله تعالى فيما بعد وَساءَ إلخ لأنه ترشيح له، ويؤيده قوله تعالى في آية أخرى وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ [العنكبوت: ١٣] وتفسير الوزر بالإثم وحمل الكلام على حذف المضاف أي عقوبة أو جزاء إثم ليس بذاك. وقرأت فرقة منهم داود بن رفيع «يحمّل» مشدد الميم مبنيا للمفعول لأنه يكلف ذلك لا أنه يحمله طوعا ويكون وِزْراً على هذا مفعولا ثانيا خالِدِينَ فِيهِ أي في الوزر المراد منه العقوبة.
وجوز أن يكون الضمير لمصدر يَحْمِلُ ونصب خالِدِينَ على الحال من المستكن في يَحْمِلُ والجمع بالنظر إلى معنى مَنْ لما أن الخلود في النار مما يتحقق حال اجتماع أهلها كما أن الأفراد فيما سبق من الضمائر الثلاثة بالنظر إلى لفظها وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا إنشاء للذم على أن ساء فعل ذم بمعنى بئس وهو أحد معنييه المشهورين، وفاعله على هذا هنا مستتر يعود على حِمْلًا الواقع تمييز الأعلى وزرا لأن فاعل بئس لا يكون إلا ضميرا مبهما يفسره التمييز العائد هو إليه وإن تأخر لأنه من خصائص هذا الباب والمخصوص بالذم محذوف والتقدير ساء حملهم حملا وزرهم، ولام لَهُمْ للبيان كما في «سقيا له» وهَيْتَ لَكَ [يوسف: ٢٣] وهي متعلقة بمحذوف كأنه قيل: لمن يقال هذا؟ فقيل: هو يقال لهم وفي شأنهم وإعادة يَوْمَ الْقِيامَةِ لزيادة التقرير وتهويل الأمر، وجوز أن يكون ساءَ بمعنى أحزن وهو المعنى الآخر من المعنيين والتقدير على ما قيل وأحزنهم الوزر حال كونه حملا لهم.
وجوز أن يكون في حيز النصب على أنه مفعول نَقُصُّ باعتبار مضمونه أي نقص بعض أنباء، وتأخيره عن عَلَيْكَ لما مر غير مرة من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر، ويجوز أن يكون كَذلِكَ نَقُصُّ مثل قوله تعالى كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة: ١٤٣] على أن الإشارة إلى مصدر الفعل المذكور بعد، وقد مر تحقيق ذلك.
وفائدة هذا القص توفير علمه عليه الصلاة والسلام وتكثير معجزاته وتسليته وتذكرة المستبصرين من أمته صلّى الله عليه وسلّم وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً كتابا منطويا على هذه الأقاصيص والأخبار حقيقا بالتذكر والتفكر فيه والاعتبار، ومِنْ متعلق بآتيناك، وتنكير ذكرا للتفخيم، وتأخيره عن الجار والمجرور لما أن مرجع الإفادة في الجملة كون المؤتى من لدنه تعالى ذكرا عظيما وقرآنا كريما جامعا لكل كمال لا كون ذلك الذكر مؤتى من لدنه عز وجل مع ما فيه من نوع طول بما بعده من الصفة.
وجوز أن يكون الجار والمجرور في موضع الحال من ذِكْراً وليس بذاك، وتفسير الذكر بالقرآن هو الذي ذهب إليه الجمهور وروي عن ابن زيد، وقال مقاتل: أي بيانا ومآله ما ذكر، وقال أبو سهل: أي شرفا وذكرا في الناس، ولا يلائمه قوله تعالى مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ إذ الظاهر أن ضمير عَنْهُ للذكر، والجملة في موضع الصفة له، ولا يحسن وصف الشرف أو الذكر في الناس بذلك، وقيل: الضمير لله تعالى على سبيل الالتفات وهو خلاف الظاهر جدا، ومَنْ إما شرطية أو موصولة أي من أعرض عن الذكر العظيم الشأن المستتبع لسعادة الدارين ولم يؤمن به فَإِنَّهُ أي المعرض عنه يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً أي عقوبة ثقيلة على إعراضه وسائر ذنوبه.
والوزر في الأصل يطلق على معنيين الحمل الثقيل والإثم، وإطلاقه على العقوبة نظرا إلى المعنى الأول على سبيل الاستعارة المصرحة حيث شبهت. الثاني على سبيل المجاز المرسل من حيث إن العقوبة بالحمل الثقيل. ثم استعير لها بقرينة ذكر يوم القيامة، ونظرا إلى المعنى الثاني على سبيل المجاز المرسل من حيث إن العقوبة جزاء الإثم فهي لازمة له أو مسببة، والأول هو الأنسب بقوله تعالى فيما بعد وَساءَ إلخ لأنه ترشيح له، ويؤيده قوله تعالى في آية أخرى وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ [العنكبوت: ١٣] وتفسير الوزر بالإثم وحمل الكلام على حذف المضاف أي عقوبة أو جزاء إثم ليس بذاك. وقرأت فرقة منهم داود بن رفيع «يحمّل» مشدد الميم مبنيا للمفعول لأنه يكلف ذلك لا أنه يحمله طوعا ويكون وِزْراً على هذا مفعولا ثانيا خالِدِينَ فِيهِ أي في الوزر المراد منه العقوبة.
وجوز أن يكون الضمير لمصدر يَحْمِلُ ونصب خالِدِينَ على الحال من المستكن في يَحْمِلُ والجمع بالنظر إلى معنى مَنْ لما أن الخلود في النار مما يتحقق حال اجتماع أهلها كما أن الأفراد فيما سبق من الضمائر الثلاثة بالنظر إلى لفظها وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا إنشاء للذم على أن ساء فعل ذم بمعنى بئس وهو أحد معنييه المشهورين، وفاعله على هذا هنا مستتر يعود على حِمْلًا الواقع تمييز الأعلى وزرا لأن فاعل بئس لا يكون إلا ضميرا مبهما يفسره التمييز العائد هو إليه وإن تأخر لأنه من خصائص هذا الباب والمخصوص بالذم محذوف والتقدير ساء حملهم حملا وزرهم، ولام لَهُمْ للبيان كما في «سقيا له» وهَيْتَ لَكَ [يوسف: ٢٣] وهي متعلقة بمحذوف كأنه قيل: لمن يقال هذا؟ فقيل: هو يقال لهم وفي شأنهم وإعادة يَوْمَ الْقِيامَةِ لزيادة التقرير وتهويل الأمر، وجوز أن يكون ساءَ بمعنى أحزن وهو المعنى الآخر من المعنيين والتقدير على ما قيل وأحزنهم الوزر حال كونه حملا لهم.
568
وتعقبه في الكشف بأنه أي فائدة فيه والوزر أدل على الثقل من قيده ثم التقييد بلهم مع الاستغناء عنه وتقديمه الذي لا يطابق المقام وحذف المفعول وبعد هذا كله لا يلائم ما سبق له الكلام ولا مبالغة في الوعيد بذلك بعد ما تقدم ثم قال: وكذلك ما قاله العلامة الطيبي من أن المعنى وأحزنهم حمل الوزر على أن حِمْلًا تمييز واللام في لَهُمْ للبيان لما ذكر من فوات فخامة المعنى، وأن البيان إن كان لاختصاص الحمل بهم ففيه غنية، وإن كان لمحل الأحزان فلا كذلك طريق بيانه، وإن كان على أن هذا الوعيد لهم فليس موقعه قبل يوم القيامة وأن المناسب حينئذ وزرا ساء لهم حملا على الوصف لا هكذا معترضا مؤكدا انتهى. ولا مجال لتوجيه الإتيان باللام إلى اعتبار التضمين لعدم تحقق فعل مما يلائم الفعل المذكور مناسبا لها لأنها ظاهرة في الاختصاص النافع والفعل في الحدث الضار، والقول بازديادها كما في رَدِفَ لَكُمْ [النمل: ٧٢] أو الحمل على التهكم تمحل لتصحيح اللفظ من غير داع إليه ويبقى معه أمر فخامة المعنى، والحاصل أن ما ذكر لا يساعده اللفظ ولا المعنى، وجوز أن يكون ساءَ بمعنى قبح فقد ذكر استعماله بهذا المعنى وإن كان في كونه معنى حقيقيا نظر، وحِمْلًا تمييزا ولَهُمْ حالا ويَوْمَ الْقِيامَةِ متعلقا بالظرف أي قبح ذلك الوزر من جهة كونه حملا لهم في يوم القيامة وفيه ما فيه.
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ منصوب بإضمار الذكر، وجوز أن يكون ظرف المضمر حذف للإيذان بضيق العبارة عن حصره وبيانه أو بدلا من يَوْمَ الْقِيامَةِ أو بيانا له أو ظرفا ليتخافتون، وقرأ أبو عمرو وابن محيصن وحميد «ننفخ» بنون العظمة على إسناد الفعل إلى الآمر به وهو الله سبحانه تعظيما للنفخ لأن ما يصدر من العظيم عظيم أو للنافخ بجعل فعله بمنزلة فعله تعالى وهو إنما يقال لمن له مزيد اختصاص وقرب مرتبة، وقيل: إنه يجوز أن يكون لليوم الواقع هو فيه.
وقرىء «ينفخ» بالياء المفتوحة على أن ضميره لله عز وجل أو لإسرافيل عليه السلام وإن لم يجر ذكره لشهرته وقرأ الحسن وابن عياض في جماعة فِي الصُّورِ بضم الصاد وفتح الواو جمع صورة كغرفة وغرف، والمراد به الجسم المصور. وأورد أن النفخ يتكرر لقوله تعالى ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى [الزمر: ٦٨] والنفخ في الصورة إحياء والإحياء غير متكرر بعد الموت وما في القبر ليس بمراد من النفخة الأولى بالاتفاق.
وأجيب بأنه لا نسلم أن كل نفخ إحياء، وبعضهم فسر الصور على القراءة المشهورة بذلك أيضا، والحق تفسيره بالقرن الذي ينفخ فيه وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ أي يوم إذ ينفخ في الصور، وذكر ذلك صريحا مع تعين أن الحشر لا يكون إلا يومئذ للتهويل، وقرأ الحسن «يحشر» بالياء والبناء للمفعول و «المجرمون» بالرفع على النيابة عن الفاعل، وقرىء أيضا «يحشر» بالياء والبناء للفاعل وهو ضميره عز وجل أي ويحشر الله تعالى المجرمين زُرْقاً حال كونهم زرق الأبدان وذلك غاية في التشويه ولا تزرق الأبدان إلا من مكابدة الشدائد وجفوف رطوبتها، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما زرق العيون فهو وصف للشيء بصفة جزئه كما يقال غلام أكحل وأحول والكحل والحول من صفات العين، ولعله مجاز مشهور، وجوز أن يكون حقيقة كرجل أعمى وإنما جعلوا كذلك لأن الزرقة أسوأ ألوان العين وأبغضها إلى العرب فإن الروم الذين كانوا أشد أعدائهم عداوة زرق، ولذلك قالوا في وصف العدو أسود الكبد أصهب السبال أزرق العين، وقال الشاعر:
وكانوا يهجون بالزرقة كما في قوله:
وسئل ابن عباس عن الجمع بين زُرْقاً على ما روي عنه وعميا في آية أخرى فقال: ليوم القيامة حالات فحالة يكونون فيها عميا وحالة يكونون فيها زرقا. وعن الفراء المراد من زُرْقاً عميا لأن العين إذا ذهب نورها ازرق ناظرها،
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ منصوب بإضمار الذكر، وجوز أن يكون ظرف المضمر حذف للإيذان بضيق العبارة عن حصره وبيانه أو بدلا من يَوْمَ الْقِيامَةِ أو بيانا له أو ظرفا ليتخافتون، وقرأ أبو عمرو وابن محيصن وحميد «ننفخ» بنون العظمة على إسناد الفعل إلى الآمر به وهو الله سبحانه تعظيما للنفخ لأن ما يصدر من العظيم عظيم أو للنافخ بجعل فعله بمنزلة فعله تعالى وهو إنما يقال لمن له مزيد اختصاص وقرب مرتبة، وقيل: إنه يجوز أن يكون لليوم الواقع هو فيه.
وقرىء «ينفخ» بالياء المفتوحة على أن ضميره لله عز وجل أو لإسرافيل عليه السلام وإن لم يجر ذكره لشهرته وقرأ الحسن وابن عياض في جماعة فِي الصُّورِ بضم الصاد وفتح الواو جمع صورة كغرفة وغرف، والمراد به الجسم المصور. وأورد أن النفخ يتكرر لقوله تعالى ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى [الزمر: ٦٨] والنفخ في الصورة إحياء والإحياء غير متكرر بعد الموت وما في القبر ليس بمراد من النفخة الأولى بالاتفاق.
وأجيب بأنه لا نسلم أن كل نفخ إحياء، وبعضهم فسر الصور على القراءة المشهورة بذلك أيضا، والحق تفسيره بالقرن الذي ينفخ فيه وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ أي يوم إذ ينفخ في الصور، وذكر ذلك صريحا مع تعين أن الحشر لا يكون إلا يومئذ للتهويل، وقرأ الحسن «يحشر» بالياء والبناء للمفعول و «المجرمون» بالرفع على النيابة عن الفاعل، وقرىء أيضا «يحشر» بالياء والبناء للفاعل وهو ضميره عز وجل أي ويحشر الله تعالى المجرمين زُرْقاً حال كونهم زرق الأبدان وذلك غاية في التشويه ولا تزرق الأبدان إلا من مكابدة الشدائد وجفوف رطوبتها، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما زرق العيون فهو وصف للشيء بصفة جزئه كما يقال غلام أكحل وأحول والكحل والحول من صفات العين، ولعله مجاز مشهور، وجوز أن يكون حقيقة كرجل أعمى وإنما جعلوا كذلك لأن الزرقة أسوأ ألوان العين وأبغضها إلى العرب فإن الروم الذين كانوا أشد أعدائهم عداوة زرق، ولذلك قالوا في وصف العدو أسود الكبد أصهب السبال أزرق العين، وقال الشاعر:
وما كنت أخشى أن تكون وفاته | بكفي سبنتى أزرق العين مطرق |
لقد زرقت عيناك يا ابن مكعبر | الا كل ضبيّ من اللؤم أزرق |
569
ووجه الجمع عليه ظاهر، وعن الأزهري المراد عطاشا لأن العطش الشديد يغير سواد العين فيجعله كالأزرق، وقيل:
يجعله أبيض، وجاء الأزرق بمعنى الأبيض ومنه سنان أزرق، وقوله: فلما وردنا الماء زرقا جمامه ويلائم تفسيره بعطاشا قوله تعالى على ما سمعت وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً [مريم: ٨٦].
يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ أي يخفضون أصواتهم ويخفونها لشدة هول المطلع، والجملة استئناف لبيان ما يأتون وما يذرون حينئذ أو حال أخرى من الْمُجْرِمِينَ، وقوله تعالى: إِنْ لَبِثْتُمْ بتقدير قول وقع حالا من ضمير يَتَخافَتُونَ أي قائلين ما لبثتم في القبور إِلَّا عَشْراً أي عشر ليال أو عشرة أيام، ولعله أوفق بقول الأمثل.
والمذكر إذا حذف وأبقى عدده قد لا يؤتى بالتاء حكى الكسائي صمنا من الشهر خمسا، ومنه ما
جاء في الحديث «ثم أتبعه بست من شوال»
فإن المراد ستة أيام، وحسن الحذف هنا كون ذلك فاصلة، ومرادهم من هذا القول استقصار المدة وسرعة انقضائها والتنديم على ما كانوا يزعمون حيث تبين الأمر على خلاف ما كانوا عليه من إنكار البعث وعده من قبيل المحالات كأنهم قالوا: قد بعثتم وما لبثتم في القبر إلا مدة يسيرة وقد كنتم تزعمون أنكم لن تقوموا منه أبدا، وعن قتادة أنهم عنوا لبثهم في الدنيا وقالوا ذلك استقصارا لمدة لبثهم فيها لزوالها ولاستطالتهم مدة الآخرة أو لتأسفهم عليها لما عاينوا الشدائد وأيقنوا أنهم استحقوها على إضاعة الأيام في قضاء الأوطار واتباع الشهوات، وتعقب بأنهم في شغل شاغل عن تذكر ذلك فالأوفق بحالهم ما تقدم، وبأن قوله تعالى: لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ [الروم: ٥٦] صريح في أنه اللبث في القبور وفيه بحث.
وفي مجمع البيان عن ابن عباس. وقتادة أنهم عنوا لبثهم بين النفختين يلبثون أربعين سنة مرفوعا عنهم العذاب نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ أي بالذي يقولونه وهو مدة لبثهم إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً أي أعدلهم رأيا وأرجحهم عقلا وإِذْ ظرف يقولون إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً واحدا وإليه ينتهي العدد في القلة.
وقيل: المراد باليوم مطلق الوقت وتنكيره للتقليل والتحقير فالمراد إلا زمنا قليلا، وظاهر المقابلة بالعشر يبعده، ونسبة هذا القول إلى أَمْثَلُهُمْ استرجاح منه تعالى له لكن لا لكونه أقرب إلى الصدق بل لكونه أعظم في التنديم أو لكونه أدل على شدة الهول وهذا يدل على كون قائله أعلم بفظاعة الأمر وشدة العذاب.
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ السائلون منكرو البعث من قريش على ما أخرجه ابن المنذر عن ابن جرير قالوا على سبيل الاستهزاء كيف يفعل ربك بالجبال يوم القيامة، وقيل: جماعة من ثقيف، وقيل: أناس من المؤمنين فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً يجعلها سبحانه كالرمل ثم يرسل عليها الرياح فتفرقها، والفاء للمسارعة إلى إزالة ما في ذهن السائل من بقاء الجبال بناء على ظن أن ذلك من توابع عدم الحشر ألا ترى أن منكري الحشر يقولون بعدم تبدل هذا النظام المشاهد في الأرض والسموات أو للمسارعة إلى تحقيق الحق حفظا من أن يتوهم ما يقضي بفساد الاعتقاد.
وهذا مبني على أن السائل من المؤمنين والأول: على أنه من منكري البعث، ومن هنا قال الإمام: إن مقصود السائلين الطعن في الحشر والنشر فلا جرم أمر صلّى الله عليه وسلّم بالجواب مقرونا بحرف التعقيب لأن تأخير البيان في هذه المسألة الأصولية غير جائز وأما تأخيره في المسائل الفروعية فجائز ولذا لم يؤت بالفاء في الأمر بالجواب في قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ [البقرة: ٢١٩] الآية، وقوله تعالى وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ [البقرة: ٢١٩] وقوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ [الأنفال: ١] وقوله سبحانه يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ [البقرة: ٢٢٠] إلى غير ذلك، وقال في موضع آخر: إن السؤال المذكور إما عن قدم الجبال أو عن وجوب بقائها وهذه المسألة من أمهات مسائل أصول الدين فلا جرم أمر صلّى الله عليه وسلّم أن يجيبه بالفاء
يجعله أبيض، وجاء الأزرق بمعنى الأبيض ومنه سنان أزرق، وقوله: فلما وردنا الماء زرقا جمامه ويلائم تفسيره بعطاشا قوله تعالى على ما سمعت وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً [مريم: ٨٦].
يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ أي يخفضون أصواتهم ويخفونها لشدة هول المطلع، والجملة استئناف لبيان ما يأتون وما يذرون حينئذ أو حال أخرى من الْمُجْرِمِينَ، وقوله تعالى: إِنْ لَبِثْتُمْ بتقدير قول وقع حالا من ضمير يَتَخافَتُونَ أي قائلين ما لبثتم في القبور إِلَّا عَشْراً أي عشر ليال أو عشرة أيام، ولعله أوفق بقول الأمثل.
والمذكر إذا حذف وأبقى عدده قد لا يؤتى بالتاء حكى الكسائي صمنا من الشهر خمسا، ومنه ما
جاء في الحديث «ثم أتبعه بست من شوال»
فإن المراد ستة أيام، وحسن الحذف هنا كون ذلك فاصلة، ومرادهم من هذا القول استقصار المدة وسرعة انقضائها والتنديم على ما كانوا يزعمون حيث تبين الأمر على خلاف ما كانوا عليه من إنكار البعث وعده من قبيل المحالات كأنهم قالوا: قد بعثتم وما لبثتم في القبر إلا مدة يسيرة وقد كنتم تزعمون أنكم لن تقوموا منه أبدا، وعن قتادة أنهم عنوا لبثهم في الدنيا وقالوا ذلك استقصارا لمدة لبثهم فيها لزوالها ولاستطالتهم مدة الآخرة أو لتأسفهم عليها لما عاينوا الشدائد وأيقنوا أنهم استحقوها على إضاعة الأيام في قضاء الأوطار واتباع الشهوات، وتعقب بأنهم في شغل شاغل عن تذكر ذلك فالأوفق بحالهم ما تقدم، وبأن قوله تعالى: لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ [الروم: ٥٦] صريح في أنه اللبث في القبور وفيه بحث.
وفي مجمع البيان عن ابن عباس. وقتادة أنهم عنوا لبثهم بين النفختين يلبثون أربعين سنة مرفوعا عنهم العذاب نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ أي بالذي يقولونه وهو مدة لبثهم إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً أي أعدلهم رأيا وأرجحهم عقلا وإِذْ ظرف يقولون إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً واحدا وإليه ينتهي العدد في القلة.
وقيل: المراد باليوم مطلق الوقت وتنكيره للتقليل والتحقير فالمراد إلا زمنا قليلا، وظاهر المقابلة بالعشر يبعده، ونسبة هذا القول إلى أَمْثَلُهُمْ استرجاح منه تعالى له لكن لا لكونه أقرب إلى الصدق بل لكونه أعظم في التنديم أو لكونه أدل على شدة الهول وهذا يدل على كون قائله أعلم بفظاعة الأمر وشدة العذاب.
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ السائلون منكرو البعث من قريش على ما أخرجه ابن المنذر عن ابن جرير قالوا على سبيل الاستهزاء كيف يفعل ربك بالجبال يوم القيامة، وقيل: جماعة من ثقيف، وقيل: أناس من المؤمنين فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً يجعلها سبحانه كالرمل ثم يرسل عليها الرياح فتفرقها، والفاء للمسارعة إلى إزالة ما في ذهن السائل من بقاء الجبال بناء على ظن أن ذلك من توابع عدم الحشر ألا ترى أن منكري الحشر يقولون بعدم تبدل هذا النظام المشاهد في الأرض والسموات أو للمسارعة إلى تحقيق الحق حفظا من أن يتوهم ما يقضي بفساد الاعتقاد.
وهذا مبني على أن السائل من المؤمنين والأول: على أنه من منكري البعث، ومن هنا قال الإمام: إن مقصود السائلين الطعن في الحشر والنشر فلا جرم أمر صلّى الله عليه وسلّم بالجواب مقرونا بحرف التعقيب لأن تأخير البيان في هذه المسألة الأصولية غير جائز وأما تأخيره في المسائل الفروعية فجائز ولذا لم يؤت بالفاء في الأمر بالجواب في قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ [البقرة: ٢١٩] الآية، وقوله تعالى وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ [البقرة: ٢١٩] وقوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ [الأنفال: ١] وقوله سبحانه يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ [البقرة: ٢٢٠] إلى غير ذلك، وقال في موضع آخر: إن السؤال المذكور إما عن قدم الجبال أو عن وجوب بقائها وهذه المسألة من أمهات مسائل أصول الدين فلا جرم أمر صلّى الله عليه وسلّم أن يجيبه بالفاء
570
المفيدة للتعقيب كأنه سبحانه قال: يا محمد أجب عن هذا السؤال في الحال من غير تأخير لأن القول بقدمها أو وجوب بقائها كفر، ودلالة الجواب على نفي ذلك من جهة أن النسف ممكن لأنه ممكن في كل جزء من أجزاء الجبل والحس يدل عليه فوجب أن يكون ممكنا في حق كل الجبل فليس بقديم ولا واجب الوجود لأن القديم لا يجوز عليه التغير والنسف انتهى.
واعترض بأن عدم جواز التغير والنسف إنما يسلم في حق القديم بالذات ولم يذهب أحد من السائلين إلى كون الجبال قديمة كذلك، وأما القديم بالزمان فلا يمتنع عليه لذاته ذلك بل إذا امتنع فإنما يمتنع لأمر آخر على أن في كون الجبال قديمة بالزمان عند السائلين وكذا غيرهم من الفلاسفة نظرا بل الظاهر أن الفلاسفة قائلون بحدوثها الزماني وإن لم يعلموا مبدأ معينا لحدوثها فتأمل، ثم إنه ذكر رحمه الله تعالى أن السؤال والجواب قد ذكرا في عدة مواضع من كتاب الله تعالى منها فروعية ومنها أصولية والأصولية في أربعة مواضع في هذه الآية وقوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ [البقرة: ١٨٩] وقوله سبحانه: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء: ٨٥] وقوله عز وجل يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها [النازعات: ٤٢] ولا يخفى أن عد جميع ما ذكر من الأصولية غير ظاهر، وعلى تقدير ظهور ذلك في الجميع يرد السؤال عن سر اقتران الأمر بالجواب بالفاء في بعضها دون بعض.
وكون ما اقترن بالفاء هو الأهم في حيز المنع فإن الأمر بالجواب عن السؤال عن الروح إن كان عن القدم ونحوه فمهم كالأمر بالجواب فيما نحن فيه بل لعله أهم منه لتحقق القائل بالقدم الزماني للروح بناء على أنها النفس الناطقة كأفلاطون وأتباعه، وقد يقال: لما كان الجواب هنا لدفع السؤال عن الكلام السابق أعني قوله تعالى:
يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ كأنه قيل كيف يصح تخافت المجرمين المقتضي لا لاجتماعهم والجبال في البين مانعة عن ذلك فمتى قلتم بصحته فبينوا لنا كيف يفعل الله تعالى بها؟ فأجيب بأن الجبال تنسف في ذلك الوقت فلا يبقى مانع عن الاجتماع والتخافت، وقرن الأمر بالفاء للمسارعة إلى الذب عن الدعوة السابقة، والآيات التي لم يقرن الأمر فيها بالفاء لم تسق هذا المساق كما لا يخفى على أرباب الأذواق، وقال النسفي. وغيره: الفاء في جواب شرط مقدر أي إذا سألوك عن الجبال فقل، وهو مبني على أنه لم يقع السؤال عن ذلك كما وقع في قصة الروح وغيرها فلذا لم يؤت بالفاء ثمة وأتي به هنا فيسألونك متمحض للاستقبال، واستبعد ذلك أبو حيان، وما أخرجه ابن المنذر عن ابن جريج من أن قريشا قالوا: يا محمد كيف يفعل ربك بهذه الجبال يوم القيامة فنزلت وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ الآية، يدل على خلافه، وقال الخفاجي: الظاهر أنه إنما قرن بها هنا ولم يقرن بها ثمة للإشارة إلى أن الجواب معلوم له صلّى الله عليه وسلّم قبل ذلك فأمر عليه الصلاة والسلام بالمبادرة إليه بخلاف ذلك انتهى.
وأنت تعلم أن القول بأن الجواب عن سؤال الروح، وعن سؤال المحيض ونحو ذلك لم يكن معلوما له صلّى الله عليه وسلّم قبل لم يتجاسر عليه أحد من عوام الناس فضلا عن خواصهم فما ذكره مما لا ينبغي أن يلتفت إليه. ومما يضحك الثكلى أن بعض المعاصرين سمع السؤال عن سر اقتران الأمل هنا بالفاء وعدم اقترانه بها في الآيات الأخر فقال: ما أجهل هذا السائل بما يجوز وما لا يجوز من المسائل أما سمع قوله تعالى لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ [الأنبياء: ٢٣] أما درى أن معناه نهي من يريد السؤال عن أن يسأل. وأدل من هذا على جهل الرجل أنه دون ما قال ولم يبال بما قيل ويقال، ونقلي لذلك من باب التحميض وتذكير من سلم من مثل هذا الداء بما من الله تعالى عليه من الفضل الطويل العريض، وأمر الفاء في قوله تعالى فَيَذَرُها ظاهر جدا، والضمير إما للجبال باعتبار أجزائها السافلة الباقية بعد النسف وهي مقارها ومراكزها أي فنذر ما انبسط منها وساوى سطحه سطوح سائر أجزاء الأرض بعد نسف ما نتأ منها ونشز وإما
واعترض بأن عدم جواز التغير والنسف إنما يسلم في حق القديم بالذات ولم يذهب أحد من السائلين إلى كون الجبال قديمة كذلك، وأما القديم بالزمان فلا يمتنع عليه لذاته ذلك بل إذا امتنع فإنما يمتنع لأمر آخر على أن في كون الجبال قديمة بالزمان عند السائلين وكذا غيرهم من الفلاسفة نظرا بل الظاهر أن الفلاسفة قائلون بحدوثها الزماني وإن لم يعلموا مبدأ معينا لحدوثها فتأمل، ثم إنه ذكر رحمه الله تعالى أن السؤال والجواب قد ذكرا في عدة مواضع من كتاب الله تعالى منها فروعية ومنها أصولية والأصولية في أربعة مواضع في هذه الآية وقوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ [البقرة: ١٨٩] وقوله سبحانه: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء: ٨٥] وقوله عز وجل يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها [النازعات: ٤٢] ولا يخفى أن عد جميع ما ذكر من الأصولية غير ظاهر، وعلى تقدير ظهور ذلك في الجميع يرد السؤال عن سر اقتران الأمر بالجواب بالفاء في بعضها دون بعض.
وكون ما اقترن بالفاء هو الأهم في حيز المنع فإن الأمر بالجواب عن السؤال عن الروح إن كان عن القدم ونحوه فمهم كالأمر بالجواب فيما نحن فيه بل لعله أهم منه لتحقق القائل بالقدم الزماني للروح بناء على أنها النفس الناطقة كأفلاطون وأتباعه، وقد يقال: لما كان الجواب هنا لدفع السؤال عن الكلام السابق أعني قوله تعالى:
يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ كأنه قيل كيف يصح تخافت المجرمين المقتضي لا لاجتماعهم والجبال في البين مانعة عن ذلك فمتى قلتم بصحته فبينوا لنا كيف يفعل الله تعالى بها؟ فأجيب بأن الجبال تنسف في ذلك الوقت فلا يبقى مانع عن الاجتماع والتخافت، وقرن الأمر بالفاء للمسارعة إلى الذب عن الدعوة السابقة، والآيات التي لم يقرن الأمر فيها بالفاء لم تسق هذا المساق كما لا يخفى على أرباب الأذواق، وقال النسفي. وغيره: الفاء في جواب شرط مقدر أي إذا سألوك عن الجبال فقل، وهو مبني على أنه لم يقع السؤال عن ذلك كما وقع في قصة الروح وغيرها فلذا لم يؤت بالفاء ثمة وأتي به هنا فيسألونك متمحض للاستقبال، واستبعد ذلك أبو حيان، وما أخرجه ابن المنذر عن ابن جريج من أن قريشا قالوا: يا محمد كيف يفعل ربك بهذه الجبال يوم القيامة فنزلت وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ الآية، يدل على خلافه، وقال الخفاجي: الظاهر أنه إنما قرن بها هنا ولم يقرن بها ثمة للإشارة إلى أن الجواب معلوم له صلّى الله عليه وسلّم قبل ذلك فأمر عليه الصلاة والسلام بالمبادرة إليه بخلاف ذلك انتهى.
وأنت تعلم أن القول بأن الجواب عن سؤال الروح، وعن سؤال المحيض ونحو ذلك لم يكن معلوما له صلّى الله عليه وسلّم قبل لم يتجاسر عليه أحد من عوام الناس فضلا عن خواصهم فما ذكره مما لا ينبغي أن يلتفت إليه. ومما يضحك الثكلى أن بعض المعاصرين سمع السؤال عن سر اقتران الأمل هنا بالفاء وعدم اقترانه بها في الآيات الأخر فقال: ما أجهل هذا السائل بما يجوز وما لا يجوز من المسائل أما سمع قوله تعالى لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ [الأنبياء: ٢٣] أما درى أن معناه نهي من يريد السؤال عن أن يسأل. وأدل من هذا على جهل الرجل أنه دون ما قال ولم يبال بما قيل ويقال، ونقلي لذلك من باب التحميض وتذكير من سلم من مثل هذا الداء بما من الله تعالى عليه من الفضل الطويل العريض، وأمر الفاء في قوله تعالى فَيَذَرُها ظاهر جدا، والضمير إما للجبال باعتبار أجزائها السافلة الباقية بعد النسف وهي مقارها ومراكزها أي فنذر ما انبسط منها وساوى سطحه سطوح سائر أجزاء الأرض بعد نسف ما نتأ منها ونشز وإما
571
للأرض المدلول عليها بقرينة الحال لأنها الباقية بعد نسف الجبال. وعلى التقديرين يذر سبحانه الكل قاعاً صَفْصَفاً لأن الجبال إذا سويت وجعل سطحها مساويا لسطوح أجزاء الأرض فقد جعل الكل سطحا واحدا والقاع قيل: السهل، وقال الجوهري: المستوي من الأرض. ومنه قول ضرار بن الخطاب:
وقال ابن الأعرابي: الأرض الملساء لا نبات فيها ولا بناء. وحكى مكي أنه المكان المنكشف، وقيل: المستوي الصلب من الأرض، وقيل مستنقع الماء وليس بمراد. وجمعه أقوع وأقواع وقيعان والصفصف الأرض المستوية الملساء كان أجزاؤه صف واحد من كل جهة، وقيل: الأرض التي لا نبات فيها، وعن ابن عباس. ومجاهد جعل القاع والصفصف بمعنى واحد وهو المستوي الذي لا نبات فيه وانتصاب قاعاً على الحالية من الضمير المنصوب وهو مفعول ثان ليذر على تضمين معنى التصيير. وصَفْصَفاً إما حال ثانية أو بدل من المفعول الثاني، وقوله تعالى لا تَرى فِيها أي في مقار الجبال أو في الأرض على ما فصل عِوَجاً وَلا أَمْتاً استئناف مبين كيفية ما سبق من القاع الصفصف أو حال أخرى أو صفة لقاع والرؤية بصرية والخطاب لكل من يتأتى منه. وعلقت بالعوج وهو بكسر العين ما لا يدرك بفتحها بل بالبصيرة لأن المراد به ما خفي من الاعوجاج حتى احتاج إثباته إلى المساحة الهندسية المدركة بالعقل فألحق بما هو عقلي صرف فأطلق عليه ذلك لذلك وهذا بخلاف العوج بفتح العين فإنه ما يدرك بفتحها كعوج الحائط والعود وبهذا فرق بينهما في الجمهرة وغيرها.
واختار المرزوقي في شرح الفصيح أنه لا فرق بينهما، وقال أبو عمرو: يقال لعدم الاستقامة المعنوية والحسية عوج بالكسر، وأما العوج بالفتح فمصدر عوج، وصح الواو فيه لأنه منقوص من أعوج. ولما صح في الفعل صح في المصدر أيضا، والأمت النتوء، والتنكير فيها للتقليل. وعن ابن عباس عوجا ميلا ولا أمتا أثرا مثل الشراك. وفي رواية أخرى عنه عوجا واديا ولا أمتا رابية. وعن قتادة عوجا صدعا ولا أمتا أكمة، وقيل: الأمت الشقوق في الأرض. وقال الزجاج: هو أن يغلظ مكان ويدق مكان، وقيل: الأمت في الآية العوج في السماء تجاه الهواء والعوج في الأرض مختص بالعرض. وتقديم الجار والمجرور على المفعول الصريح لما مر غير مرة.
وقوله تعالى يَوْمَئِذٍ أي يوم إذ تنسف الجبال على إضافة يوم إلى وقت النسف من إضافة العام إلى الخاص فلا يلزم أن يكون للزمان ظرف وإن كان لا مانع عنه عند من عرفه بمتجدد يقدر به متجدد آخر. وقيل: هو من إضافة المسمى إلى الاسم كما قيل في شهر رمضان. وهو ظرف لقوله تعالى يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ وقيل: بدل من يوم القيامة.
فالعامل فيه هو العامل فيه، وفيه الفصل الكثير وفوات ارتباط يتبعون بما قبله. وعليه فقوله تعالى: «ويسألونك» إلخ استطراد معترض وما بعده استئناف وضمير يَتَّبِعُونَ للناس. والمراد بالداعي داعي الله عز وجل إلى المحشر وهو إسرافيل عليه السلام يضع الصور في فيه ويدعو الناس عند النفخة الثانية قائما على صخرة بيت المقدس ويقول: أيتها العظام البالية والجلود المتمزقة واللحوم المتفرقة هلموا إلى العرض إلى الرحمن فيقبلون من كل صوب إلى صوته.
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال: يحشر الله تعالى الناس يوم القيامة في ظمة تطوى السماء وتتناثر النجوم ويذهب الشمس والقمر وينادي مناد فيتبع الناس الصوت يؤمونه فذلك قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ إلخ، وقال علي بن عيسى: الدَّاعِيَ هنا الرسول الذي كان يدعوهم إلى الله عز وجل والأول أصح.
لا عِوَجَ لَهُ أي للداعي على معنى لا يعوج له مدعو ولا يعدل عنه، وهذا كما يقال: لا عصيان له أي لا يعصى ولا ظلم له أي لا يظلم، وأصله أن اختصاص الفعل بمتعلقه ثابت كما هو بالفاعل، وقيل: أي لا عوج لدعائه فلا
لتكونن بالبطاح قريش | فقعة القاع في أكف الإماء |
واختار المرزوقي في شرح الفصيح أنه لا فرق بينهما، وقال أبو عمرو: يقال لعدم الاستقامة المعنوية والحسية عوج بالكسر، وأما العوج بالفتح فمصدر عوج، وصح الواو فيه لأنه منقوص من أعوج. ولما صح في الفعل صح في المصدر أيضا، والأمت النتوء، والتنكير فيها للتقليل. وعن ابن عباس عوجا ميلا ولا أمتا أثرا مثل الشراك. وفي رواية أخرى عنه عوجا واديا ولا أمتا رابية. وعن قتادة عوجا صدعا ولا أمتا أكمة، وقيل: الأمت الشقوق في الأرض. وقال الزجاج: هو أن يغلظ مكان ويدق مكان، وقيل: الأمت في الآية العوج في السماء تجاه الهواء والعوج في الأرض مختص بالعرض. وتقديم الجار والمجرور على المفعول الصريح لما مر غير مرة.
وقوله تعالى يَوْمَئِذٍ أي يوم إذ تنسف الجبال على إضافة يوم إلى وقت النسف من إضافة العام إلى الخاص فلا يلزم أن يكون للزمان ظرف وإن كان لا مانع عنه عند من عرفه بمتجدد يقدر به متجدد آخر. وقيل: هو من إضافة المسمى إلى الاسم كما قيل في شهر رمضان. وهو ظرف لقوله تعالى يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ وقيل: بدل من يوم القيامة.
فالعامل فيه هو العامل فيه، وفيه الفصل الكثير وفوات ارتباط يتبعون بما قبله. وعليه فقوله تعالى: «ويسألونك» إلخ استطراد معترض وما بعده استئناف وضمير يَتَّبِعُونَ للناس. والمراد بالداعي داعي الله عز وجل إلى المحشر وهو إسرافيل عليه السلام يضع الصور في فيه ويدعو الناس عند النفخة الثانية قائما على صخرة بيت المقدس ويقول: أيتها العظام البالية والجلود المتمزقة واللحوم المتفرقة هلموا إلى العرض إلى الرحمن فيقبلون من كل صوب إلى صوته.
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال: يحشر الله تعالى الناس يوم القيامة في ظمة تطوى السماء وتتناثر النجوم ويذهب الشمس والقمر وينادي مناد فيتبع الناس الصوت يؤمونه فذلك قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ إلخ، وقال علي بن عيسى: الدَّاعِيَ هنا الرسول الذي كان يدعوهم إلى الله عز وجل والأول أصح.
لا عِوَجَ لَهُ أي للداعي على معنى لا يعوج له مدعو ولا يعدل عنه، وهذا كما يقال: لا عصيان له أي لا يعصى ولا ظلم له أي لا يظلم، وأصله أن اختصاص الفعل بمتعلقه ثابت كما هو بالفاعل، وقيل: أي لا عوج لدعائه فلا
572
يعصى ولا ظلم له أي لا يظلم، وأصله أن اختصاص الفعل بمتعلقه ثابت كما هو بالفاعل، وقيل: أي لا عوج لدعائه فلا يميل إلى ناس دون ناس بل يسمع جميعهم وحكي ذلك عن أبي مسلم.
وقيل: هو على القلب أي لا عوج لهم عنه بل يأتون مقبلين إليه متبعين لصوته من غير انحراف وحكي ذلك عن الجبائي وليس بشيء، والجملة في موضع الحال من الداعي أو مستأنفة كما قال ابن عطية: يحتمل أن يكون المعنى لا شك فيه ولا يخالف وجوده خبره وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ أي خفيت لمهابته تعالى وشدة هول المطلع، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: سكنت والخشوع مجاز في ذلك، وقيل: لا مجاز والكلام على حذف مضاف أي أصحاب الأصوات وليس بذاك فَلا تَسْمَعُ خطاب لكل من يصح منه السمع إِلَّا هَمْساً أي صوتا خفيا خافتا كما قال أبو عبيدة. وعن مجاهد هو الكلام الخفي، ويؤيده قراءة أبي «فلا ينطقون إلا همسا» وعن ابن عباس هو تحريك الشفاه بغير نطق، واستبعد بأن ذلك مما يرى لا مما يسمع، وفي رواية أخرى عنه أنه خفق الأقدام وروي ذلك عن عكرمة وابن جبير والحسن، واختاره الفراء والزجاج.
ومنه قول الشاعر: وهن يمشين بنا هميسا. وذكر أنه يقال للأسد الهموس لخفاء وطئه فالمعنى سكنت أصواتهم وانقطعت كلماتهم فلم يسمع منهم إلا خفق أقدامهم ونقلها إلى المحشر يَوْمَئِذٍ أي يوم إذ يقع ما ذكر من الأمور الهائلة وهو ظرف لقوله تعالى: لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ وجوز أن يكون بدلا من يوم القيامة أو من يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ، والمراد لا تنفع الشفاعة من الشفعاء أحدا إِلَّا مَنْ أَذِنَ في الشفاعة.
لَهُ الرَّحْمنُ فالاستثناء من أعم المفاعيل ومَنْ مفعول تَنْفَعُ وهي عبارة عن المشفوع له ولَهُ متعلق بمقدر متعلق بإذن، وفي البحر أن اللام للتعليل وكذا في قوله تعالى وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا أي ورضي لأجله قول الشافع وفي شأنه أو رضي قول الشافع لأجله وفي شأنه فالمراد بالقول على التقديرين قول الشافع، وجوز فيه أيضا أن لا يكون للتعليل، والمعنى ورضي قولا كائنا له فالمراد بالقول قول المشفوع وهو على ما روي عن ابن عباس لا إله إلا الله، وحاصل المعنى عليه لا تنفع الشفاعة أحدا إلا من أذن الرحمن في أن يشفع له وكان مؤمنا، والمراد على كل تقدير أنه لا تنفع الشفاعة أحدا إلا من أذن الرحمن في أن يشفع له وكان مؤمنا، والمراد على كل تقدير أنه لا تنفع الشفاعة أحدا إلا من ذكر وأما من عداه فلا تكاد تنفعه وإن فرض صدورها عن الشفعاء المتصدين للشفاعة للناس كقوله تعالى: فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ [المدثر: ٤٨].
وجوز في البحر والدر المصون أن لا يقدر مفعول لتنفع تنزيلا له منزلة اللازم والاستثناء من شفاعة ومن في محل رفع على البدلية منها بتقدير مضاف أو في محل نصب على الاستثناء بتقديره أيضا أي إلا شفاعة من أذن إلخ، ومن عبارة عن الشافع والاستثناء متصل ويجوز أن يكون منقطعا إذا لم يقدر شيء ومحل «من» حينئذ نصب على لغة الحجاز ورفع على لغة تميم، واعترض كون الاستثناء من الشفاعة على تقدير المضاف بأن حكم الشفاعة ممن لم يؤذن له أن يملكها ولا تصدر عنه أصلا ومعنى «لا يقبل منها شفاعة» لا يؤذن لها فيها لا أنها لا تقبل بعد وقوعها فالأخبار عنها بمجرد عدم نفعها للمشفوع له ربما يوهم إمكان صدورها حين لم يأذن له مع إخلاله بمقتضى مقام تهويل اليوم.
يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ الظاهر أن ضمير الجمع عائد على الخلق المحشورين، وهم متبعو الداعي، وقيل: على الناس لا بقيد الحشر والاتباع، وقيل: على الملائكة عليهم السلام وهو خلاف الظاهر جدا، والمراد من الموصولين على ما قيل ما تقدمهم من الأحوال وما بعدهم مما يستقبلونه أو بالعكس أو أمور الدنيا وأمور الآخرة أو بالعكس أو ما يدركونه وما لا يدركونه وقد مر الكلام في ذلك.
وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً أي لا يحيط علمهم بمعلوماته تعالى فعلما تمييز محول عن الفاعل وضمير «به» لله
وقيل: هو على القلب أي لا عوج لهم عنه بل يأتون مقبلين إليه متبعين لصوته من غير انحراف وحكي ذلك عن الجبائي وليس بشيء، والجملة في موضع الحال من الداعي أو مستأنفة كما قال ابن عطية: يحتمل أن يكون المعنى لا شك فيه ولا يخالف وجوده خبره وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ أي خفيت لمهابته تعالى وشدة هول المطلع، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: سكنت والخشوع مجاز في ذلك، وقيل: لا مجاز والكلام على حذف مضاف أي أصحاب الأصوات وليس بذاك فَلا تَسْمَعُ خطاب لكل من يصح منه السمع إِلَّا هَمْساً أي صوتا خفيا خافتا كما قال أبو عبيدة. وعن مجاهد هو الكلام الخفي، ويؤيده قراءة أبي «فلا ينطقون إلا همسا» وعن ابن عباس هو تحريك الشفاه بغير نطق، واستبعد بأن ذلك مما يرى لا مما يسمع، وفي رواية أخرى عنه أنه خفق الأقدام وروي ذلك عن عكرمة وابن جبير والحسن، واختاره الفراء والزجاج.
ومنه قول الشاعر: وهن يمشين بنا هميسا. وذكر أنه يقال للأسد الهموس لخفاء وطئه فالمعنى سكنت أصواتهم وانقطعت كلماتهم فلم يسمع منهم إلا خفق أقدامهم ونقلها إلى المحشر يَوْمَئِذٍ أي يوم إذ يقع ما ذكر من الأمور الهائلة وهو ظرف لقوله تعالى: لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ وجوز أن يكون بدلا من يوم القيامة أو من يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ، والمراد لا تنفع الشفاعة من الشفعاء أحدا إِلَّا مَنْ أَذِنَ في الشفاعة.
لَهُ الرَّحْمنُ فالاستثناء من أعم المفاعيل ومَنْ مفعول تَنْفَعُ وهي عبارة عن المشفوع له ولَهُ متعلق بمقدر متعلق بإذن، وفي البحر أن اللام للتعليل وكذا في قوله تعالى وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا أي ورضي لأجله قول الشافع وفي شأنه أو رضي قول الشافع لأجله وفي شأنه فالمراد بالقول على التقديرين قول الشافع، وجوز فيه أيضا أن لا يكون للتعليل، والمعنى ورضي قولا كائنا له فالمراد بالقول قول المشفوع وهو على ما روي عن ابن عباس لا إله إلا الله، وحاصل المعنى عليه لا تنفع الشفاعة أحدا إلا من أذن الرحمن في أن يشفع له وكان مؤمنا، والمراد على كل تقدير أنه لا تنفع الشفاعة أحدا إلا من أذن الرحمن في أن يشفع له وكان مؤمنا، والمراد على كل تقدير أنه لا تنفع الشفاعة أحدا إلا من ذكر وأما من عداه فلا تكاد تنفعه وإن فرض صدورها عن الشفعاء المتصدين للشفاعة للناس كقوله تعالى: فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ [المدثر: ٤٨].
وجوز في البحر والدر المصون أن لا يقدر مفعول لتنفع تنزيلا له منزلة اللازم والاستثناء من شفاعة ومن في محل رفع على البدلية منها بتقدير مضاف أو في محل نصب على الاستثناء بتقديره أيضا أي إلا شفاعة من أذن إلخ، ومن عبارة عن الشافع والاستثناء متصل ويجوز أن يكون منقطعا إذا لم يقدر شيء ومحل «من» حينئذ نصب على لغة الحجاز ورفع على لغة تميم، واعترض كون الاستثناء من الشفاعة على تقدير المضاف بأن حكم الشفاعة ممن لم يؤذن له أن يملكها ولا تصدر عنه أصلا ومعنى «لا يقبل منها شفاعة» لا يؤذن لها فيها لا أنها لا تقبل بعد وقوعها فالأخبار عنها بمجرد عدم نفعها للمشفوع له ربما يوهم إمكان صدورها حين لم يأذن له مع إخلاله بمقتضى مقام تهويل اليوم.
يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ الظاهر أن ضمير الجمع عائد على الخلق المحشورين، وهم متبعو الداعي، وقيل: على الناس لا بقيد الحشر والاتباع، وقيل: على الملائكة عليهم السلام وهو خلاف الظاهر جدا، والمراد من الموصولين على ما قيل ما تقدمهم من الأحوال وما بعدهم مما يستقبلونه أو بالعكس أو أمور الدنيا وأمور الآخرة أو بالعكس أو ما يدركونه وما لا يدركونه وقد مر الكلام في ذلك.
وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً أي لا يحيط علمهم بمعلوماته تعالى فعلما تمييز محول عن الفاعل وضمير «به» لله
573
ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ
ﱮ
ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ
ﱯ
ﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐ
ﱰ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ
ﱱ
ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ
ﱲ
ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ
ﱳ
ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ
ﱴ
ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ
ﱵ
ﮐﮑﮒﮓﮔﮕ
ﱶ
ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ
ﱷ
ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ
ﱸ
ﯗﯘﯙﯚﯛﯜ
ﱹ
ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ
ﱺ
ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ
ﱻ
ﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ
ﱼ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ
ﱽ
ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ
ﱾ
ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ
ﱿ
ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ
ﲀ
ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ
ﲁ
ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ
ﲂ
ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ
ﲃ
ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ
ﲄ
ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ
ﲅ
ﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏ
ﲆ
تعالى والكلام على تقدير مضاف. وقيل: المراد لا يحيط علمهم بذاته سبحانه أي من حيث اتصافه بصفات الكمال التي من جملتها العلم الشامل ويقتضي صحة أن يقال: علمت الله تعالى إذ المنفي العلم على طريق الإحاطة.
وقال الجبائي: الضمير لمجموع الموصولين فإنهم لا يعلمون جميع ما ذكر ولا تفصيل ما علموا منه، وجوز أن يكون لأحد الموصولين لا على التعيين.
وقال الجبائي: الضمير لمجموع الموصولين فإنهم لا يعلمون جميع ما ذكر ولا تفصيل ما علموا منه، وجوز أن يكون لأحد الموصولين لا على التعيين.
574
وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ أي ذلت وخضعت خضوع العناة أي الأسارى، والمراد بالوجوه إما الذوات وإما الأعضاء المعلومة وتخصيصها بالذكر لأنها أشرف الأعضاء الظاهرة وآثار الذل أول ما تظهر فيها، وأل فيها للعهد أو عوض عن المضاف إليه أي وجوه المجرمين فتكون الآية نظير قوله تعالى: سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الملك:
٢٧] واختار ذلك الزمخشري وجعل قوله تعالى: وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً اعتراضا ووضع الموصول موضع ضميرهم ليكون أبلغ، وقيل: الوجوه الأشراف أي عظماء الكفرة لأن المقام مقام الهيبة ولصوق الذلة بهم أولى والظلم الشرك وجملة وَقَدْ خابَ إلخ حال والرابط الواو لا معترضة لأنها في مقابلة وهو مؤمن فيما بعد انتهى. قال صاحب الكشف: الظاهر مع الزمخشري والتقابل المعنوي كاف فإن الاعتراض لا يتقاعد عن الحال انتهى.
وأنت تعلم أن تفسير الظلم بالشرك مما لا يختص بتفسير الوجوه بالإشراف وجعل الجملة حالا بل يكون على الوجه الأول أيضا بناء على أن المراد بالمجرمين الكفار، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أنه قال في قوله تعالى:
وَقَدْ خابَ إلخ خسر من أشرك بالله تعالى ولم يتب، وقال غير واحد: الظاهر أن أل للاستغراق أي خضعت واستسلمت جميع الوجوه وقوله تعالى وَقَدْ خابَ إلخ يحتمل الاستئناف والحالية، والمراد بالموصول إما المشركون وإما ما يعمهم وغيرهم من العصاة وخيبة كل حامل بقدر ما حمل من الظلم فخيبة المشرك دائمة وخيبة المؤمن العاصي مقيدة بوقت العقوبة إن عوقب. وقد تقدم لك معنى- الحي القيوم- في آية الكرسي. والظاهر أن قوله تعالى وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ قسيم لقوله سبحانه وَعَنَتِ الْوُجُوهُ إلى آخر ما تقدم ولقوله عز وجل «وقد خاب من حمل ظلما» على هذا كما صرح به ابن عطية وغيره أي ومن يعمل بعض الصالحات أو بعضا من الصالحات وَهُوَ مُؤْمِنٌ أي بما يجب الإيمان به. والجملة في موضع الحال والتقييد بذلك لأن الإيمان شرط في صحة الطاعات وقبول الحسنات فَلا يَخافُ ظُلْماً أي منع ثواب مستحق بموجب الوعد وَلا هَضْماً ولا منع بعض منه تقول العرب هضمت حقي أي نقصت منه ومنه هضيم الكشحين أي ضامرهما وهضم الطعام تلاشى في المعدة. روي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة أن المعنى فلا يخاف أن يظلم فيزاد في سيئاته ولا أن يهضم فينقص من حسناته. والأول مروي عن ابن زيد، وقيل الكلام على حذف مضاف أي فلا يخاف جزاء ظلم وهضم إذ لم يصدر عنه ظلم ولا هضم حق أحد حتى يخاف ذلك أو أنه أريد من الظلم والهضم جزاؤهما مجازا، ولعل المراد على ما قيل نفي الخوف عنه من ذلك من حيث إيمانه وعمله بعض الصالحات ويتضمن ذلك نفي أن يكون العمل الصالح مع الإيمان ظلما أو هضما.
وقيل: المراد أن من يعمل ذلك وهو مؤمن هذا شأنه لصون الله تعالى إياه عن الظلم أو الهضم ولأنه لا يعتد بالعمل الصالح معه. فلا يرد ما قيل إنه لا يلزم من الإيمان وبعض العمل أن لا يظلم غيره ويهضم حقه ولا يخفى عليك أن القول بحذف المضاف والتجوز في هذه الآية في غاية البعد وما قيل من الاعتراض قوي وما أجيب به كما ترى. ثم إن ظاهر كلام الجوهري أنه لا فرق بين الظلم والهضم، وظاهر الآية قاض بالفرق وكذا قول المتوكل الليثي:
وممن صرح به الماوردي حيث قال: الفرق بينهما أن الظلم منع الحق كله والهضم منه بعضه. وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد «فلا يخف» على النهي. قال الطيبي: قراءة الجمهور توافق قوله تعالى: وَقَدْ خابَ إلخ من
٢٧] واختار ذلك الزمخشري وجعل قوله تعالى: وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً اعتراضا ووضع الموصول موضع ضميرهم ليكون أبلغ، وقيل: الوجوه الأشراف أي عظماء الكفرة لأن المقام مقام الهيبة ولصوق الذلة بهم أولى والظلم الشرك وجملة وَقَدْ خابَ إلخ حال والرابط الواو لا معترضة لأنها في مقابلة وهو مؤمن فيما بعد انتهى. قال صاحب الكشف: الظاهر مع الزمخشري والتقابل المعنوي كاف فإن الاعتراض لا يتقاعد عن الحال انتهى.
وأنت تعلم أن تفسير الظلم بالشرك مما لا يختص بتفسير الوجوه بالإشراف وجعل الجملة حالا بل يكون على الوجه الأول أيضا بناء على أن المراد بالمجرمين الكفار، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أنه قال في قوله تعالى:
وَقَدْ خابَ إلخ خسر من أشرك بالله تعالى ولم يتب، وقال غير واحد: الظاهر أن أل للاستغراق أي خضعت واستسلمت جميع الوجوه وقوله تعالى وَقَدْ خابَ إلخ يحتمل الاستئناف والحالية، والمراد بالموصول إما المشركون وإما ما يعمهم وغيرهم من العصاة وخيبة كل حامل بقدر ما حمل من الظلم فخيبة المشرك دائمة وخيبة المؤمن العاصي مقيدة بوقت العقوبة إن عوقب. وقد تقدم لك معنى- الحي القيوم- في آية الكرسي. والظاهر أن قوله تعالى وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ قسيم لقوله سبحانه وَعَنَتِ الْوُجُوهُ إلى آخر ما تقدم ولقوله عز وجل «وقد خاب من حمل ظلما» على هذا كما صرح به ابن عطية وغيره أي ومن يعمل بعض الصالحات أو بعضا من الصالحات وَهُوَ مُؤْمِنٌ أي بما يجب الإيمان به. والجملة في موضع الحال والتقييد بذلك لأن الإيمان شرط في صحة الطاعات وقبول الحسنات فَلا يَخافُ ظُلْماً أي منع ثواب مستحق بموجب الوعد وَلا هَضْماً ولا منع بعض منه تقول العرب هضمت حقي أي نقصت منه ومنه هضيم الكشحين أي ضامرهما وهضم الطعام تلاشى في المعدة. روي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة أن المعنى فلا يخاف أن يظلم فيزاد في سيئاته ولا أن يهضم فينقص من حسناته. والأول مروي عن ابن زيد، وقيل الكلام على حذف مضاف أي فلا يخاف جزاء ظلم وهضم إذ لم يصدر عنه ظلم ولا هضم حق أحد حتى يخاف ذلك أو أنه أريد من الظلم والهضم جزاؤهما مجازا، ولعل المراد على ما قيل نفي الخوف عنه من ذلك من حيث إيمانه وعمله بعض الصالحات ويتضمن ذلك نفي أن يكون العمل الصالح مع الإيمان ظلما أو هضما.
وقيل: المراد أن من يعمل ذلك وهو مؤمن هذا شأنه لصون الله تعالى إياه عن الظلم أو الهضم ولأنه لا يعتد بالعمل الصالح معه. فلا يرد ما قيل إنه لا يلزم من الإيمان وبعض العمل أن لا يظلم غيره ويهضم حقه ولا يخفى عليك أن القول بحذف المضاف والتجوز في هذه الآية في غاية البعد وما قيل من الاعتراض قوي وما أجيب به كما ترى. ثم إن ظاهر كلام الجوهري أنه لا فرق بين الظلم والهضم، وظاهر الآية قاض بالفرق وكذا قول المتوكل الليثي:
إن الأذلة واللئام لمعشر | مولاهم المتهضم المظلوم |
575
حيث الأخبار وأبلغ من القراءة الأخرى من حيث الاستمرار والأخرى أبلغ من حيث إنها لا تقبل التردد في الأخبار.
وَكَذلِكَ عطف على كَذلِكَ نَقُصُّ [طه: ٩٩] والإشارة إلى إنزال ما سبق من الآيات المتضمنة للوعيد المنبئة عما سيقع من أحوال القيامة وأهوالها أي مثل ذلك الإنزال أَنْزَلْناهُ أي القرآن كله وهو تشبيه لإنزال الكل بانزال الجزء والمراد أنه على نمط واحد، وإضماره من غير سبق ذكره للإيذان بنباهة شأنه وكونه مركوزا في العقول حاضرا في الأذهان قُرْآناً عَرَبِيًّا ليفهمه العرب ويقفوا على ما فيه من النظم المعجز الدال على كونه خارجا عن طوق الآدميين نازلا من رب العالمين وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ أي كررنا فيه بعض الوعيد أو بعضا من الوعيد، والجملة عطف على جملة أَنْزَلْناهُ وجعلها حالا قيد الإنزال خلاف الظاهر جدا.
لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ المفعول محذوف وتقدم الكلام في لعل، والمراد لعلهم يتقون الكفر والمعاصي بالفعل أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً أي عظة واعتبارا مؤديا في الآخرة إلى الاتقاء، وكأنه لما كانت التقوى هي المطلوبة بالذات منهم أسند فعلها إليهم ولما لم يكن الذكر كذلك غير الأسلوب إلى ما سمعت كذا قيل، وقيل: المراد بالتقوى ملكتها، وأسندت إليهم لأنها ملكة نفسانية تناسب الإسناد لمن قامت به، وبالذكر العظة الحاصلة من استماع القرآن المثبطة عن المعاصي، ولما كانت أمرا يتجدد بسبب استماعه ناسب الإسناد إليه، ووصفه بالحدوث المناسب لتجدد الألفاظ المسموعة، ولا يخفى بعد تفسير التقوى بملكتها على أن في القلب من التعليل شيئا.
وفي البحر أسند ترجي التقوى إليهم لأن التقوى عبارة عن انتفاء فعل القبيح وذلك استمرار على العدم الأصلي، وأسند ترجي أحداث الذكر للقرآن لأن ذلك أمر حدث بعد أن لم يكن انتهى، وهو مأخوذ من كلام الإمام وفي قوله:
لأن التقوى إلى آخره على إطلاقه منع ظاهر، وفسر بعضهم التقوى بترك المعاصي والذكر بفعل الطاعات فإنه يطلق عليه مجاز لما بينهما من السببية والمسببية فكلمة أو على ما قيل للتنويع، وفي الكلام إشارة إلى أن مدار الأمر التخلية والتحلية. والإمام ذكر في الآية وجهين، الأول أن المعنى إنما أنزلنا القرآن ليصيروا محترزين عن فعل ما لا ينبغي أو يحدث لهم ذكرا يدعوهم إلى فعل ما ينبغي فالكلام مشير أيضا إلى التخلية والتحلية إلا أنه ليس فيه ارتكاب المجار، والثاني أن المعنى أنزلنا القرآن ليتقوا فإن لم يحصل ذلك فلا أقل من أن يحدث لهم ذكرا وشرفا وصيتا حسنا، ولا يخفى أن هذا ليس بشيء، وقال الطيبي: إن المعنى وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا أي فصيحا ناطقا بالحق ساطعا بيناته لعلهم يحدث لهم التأمل والتفكر في آياته وبيناته الوافية الشافية فيذعنون ويطيعون وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون العذاب. ففي الآية لف من غير ترتيب وهي على وزان قوله تعالى لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى [طه: ٤٤] وعندي كون الآية متضمنة للتخلية والتحلية لا يخلو عن حسن فتأمل.
وقرأ الحسن «أو يحدث» بسكون الثاء، وقرأ عبد الله ومجاهد وأبو حيوة والحسن في رواية والجحدري وسلام «أو نحدث» بالنون وسكون الثاء وذلك حمل وصل على وقف أو تسكين حرف الإعراب استثقالا لحركته كما قال ابن جنى نحو قول امرئ القيس:
وقول جرير:
فَتَعالَى اللَّهُ استعظام له تعالى ولما صرف في القرآن من الوعد والوعيد والأوامر والنواهي وغير ذلك وتنزيه لذاته المتعالية أن لا يكون إنزال قرآنه الكريم منتهيا إلى غاية الكمالية من تسببه لترك من أنزل عليهم المعاصي، ولفعلهم
وَكَذلِكَ عطف على كَذلِكَ نَقُصُّ [طه: ٩٩] والإشارة إلى إنزال ما سبق من الآيات المتضمنة للوعيد المنبئة عما سيقع من أحوال القيامة وأهوالها أي مثل ذلك الإنزال أَنْزَلْناهُ أي القرآن كله وهو تشبيه لإنزال الكل بانزال الجزء والمراد أنه على نمط واحد، وإضماره من غير سبق ذكره للإيذان بنباهة شأنه وكونه مركوزا في العقول حاضرا في الأذهان قُرْآناً عَرَبِيًّا ليفهمه العرب ويقفوا على ما فيه من النظم المعجز الدال على كونه خارجا عن طوق الآدميين نازلا من رب العالمين وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ أي كررنا فيه بعض الوعيد أو بعضا من الوعيد، والجملة عطف على جملة أَنْزَلْناهُ وجعلها حالا قيد الإنزال خلاف الظاهر جدا.
لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ المفعول محذوف وتقدم الكلام في لعل، والمراد لعلهم يتقون الكفر والمعاصي بالفعل أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً أي عظة واعتبارا مؤديا في الآخرة إلى الاتقاء، وكأنه لما كانت التقوى هي المطلوبة بالذات منهم أسند فعلها إليهم ولما لم يكن الذكر كذلك غير الأسلوب إلى ما سمعت كذا قيل، وقيل: المراد بالتقوى ملكتها، وأسندت إليهم لأنها ملكة نفسانية تناسب الإسناد لمن قامت به، وبالذكر العظة الحاصلة من استماع القرآن المثبطة عن المعاصي، ولما كانت أمرا يتجدد بسبب استماعه ناسب الإسناد إليه، ووصفه بالحدوث المناسب لتجدد الألفاظ المسموعة، ولا يخفى بعد تفسير التقوى بملكتها على أن في القلب من التعليل شيئا.
وفي البحر أسند ترجي التقوى إليهم لأن التقوى عبارة عن انتفاء فعل القبيح وذلك استمرار على العدم الأصلي، وأسند ترجي أحداث الذكر للقرآن لأن ذلك أمر حدث بعد أن لم يكن انتهى، وهو مأخوذ من كلام الإمام وفي قوله:
لأن التقوى إلى آخره على إطلاقه منع ظاهر، وفسر بعضهم التقوى بترك المعاصي والذكر بفعل الطاعات فإنه يطلق عليه مجاز لما بينهما من السببية والمسببية فكلمة أو على ما قيل للتنويع، وفي الكلام إشارة إلى أن مدار الأمر التخلية والتحلية. والإمام ذكر في الآية وجهين، الأول أن المعنى إنما أنزلنا القرآن ليصيروا محترزين عن فعل ما لا ينبغي أو يحدث لهم ذكرا يدعوهم إلى فعل ما ينبغي فالكلام مشير أيضا إلى التخلية والتحلية إلا أنه ليس فيه ارتكاب المجار، والثاني أن المعنى أنزلنا القرآن ليتقوا فإن لم يحصل ذلك فلا أقل من أن يحدث لهم ذكرا وشرفا وصيتا حسنا، ولا يخفى أن هذا ليس بشيء، وقال الطيبي: إن المعنى وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا أي فصيحا ناطقا بالحق ساطعا بيناته لعلهم يحدث لهم التأمل والتفكر في آياته وبيناته الوافية الشافية فيذعنون ويطيعون وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون العذاب. ففي الآية لف من غير ترتيب وهي على وزان قوله تعالى لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى [طه: ٤٤] وعندي كون الآية متضمنة للتخلية والتحلية لا يخلو عن حسن فتأمل.
وقرأ الحسن «أو يحدث» بسكون الثاء، وقرأ عبد الله ومجاهد وأبو حيوة والحسن في رواية والجحدري وسلام «أو نحدث» بالنون وسكون الثاء وذلك حمل وصل على وقف أو تسكين حرف الإعراب استثقالا لحركته كما قال ابن جنى نحو قول امرئ القيس:
اليوم أشرب غير مستحقب | إثما من الله ولا واغلي |
سيروا بني العم فالأهواز منزلكم | ونهر تيري ولا يعرفكم العرب |
576
الطاعات وفيه تعجيب واستدعاء للإقبال عليه وعلى تعظيمه، وفي وصفه تعالى بقوله سبحانه الْمَلِكُ أي المتصرف بالأمر والنهي الحقيق بأن يرجى وعده ويخشى وعيده ما يدل على أن قوارع القرآن سياسات إلهية يتضمن صلاح الدارين لا يحيد عنها إلا مخذول هالك، وقوله تعالى الْحَقُّ صفة بعد صفة لله تعالى أي الثابت في ذاته وصفاته عز وجل، وفسره الراغب بموجد الشيء على ما تقتضيه الحكمة.
وجوز غير واحد كونه صفة للملك ومعناه خلاف الباطل أي الحق في ملكيته يستحقها سبحانه لذاته، وفيه إيماء إلى أن القرآن وما تضمنه من الوعد والوعيد حق كله لا يحوم حول حماه الباطل بوجه وأن المحق من أقبل عليه بشرا شره وأن المبطل من أعرض عن تدبر زواجره، وفيه تمهيد لوصل النهي عن العجلة به في قوله سبحانه وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ أي يتم وَحْيُهُ أي تبليغ جبريل عليه السلام إياه فإن من حق الإقبال ذلك وكذلك من حق تعظيمه.
وذكر الطيبي أن هذه الجملة عطف على قوله تعالى فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لما فيه من إنشاء التعجب فكأنه قيل حيث نبهت على عظمة جلالة المنزل وأرشدت إلى فخامة المنزل فعظم جنابه الملك الحق المتصرف في الملك والملكوت، وأقبل بكلك على تحفظ كتابه وتحقق مبانيه ولا تعجل به، وكان صلّى الله عليه وسلّم إذا ألقى عليه جبريل عليه السلام القرآن يتبعه عند تلفظ كل حرف وكل كلمة خوفا أن يصعد عليه السلام ولم يحفظه صلّى الله عليه وسلّم فنهى عليه الصلاة والسلام عن ذلك إذ ربما يشغل التلفظ بكلمة عن سماع ما بعدها، ونزل عليه أيضا لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
[القيامة: ٦٦] الآية، وأمر صلّى الله عليه وسلّم باستفاضة العلم واستزادته منه سبحانه فقيل: وَقُلْ أي في نفسك رَبِّ زِدْنِي عِلْماً أي سل الله عز وجل بدل الاستعجال زيادة العلم مطلقا أو في القرآن فإن تحت كل كلمة بل كل حرف منه أسرارا ورموزا وعلوما جمة وذلك هو الأنفع لك، وقيل: وجملة وَلا تَعْجَلْ مستأنفة ذكرت بعد الإنزال على سبيل الاستطراد، وقيل: إن ذلك نهي عن تبليغ ما كان مجملا قبل أن يأتي بيانه وليس بذاك، فإن تبليغ المجمل وتلاوته قبل البيان مما لا ريب في صحته ومشروعيته.
ومثله ما قيل: إنه نهي عن الأمر بكتابته قبل أن تفسر له المعاني وتتقرر عنده عليه الصلاة والسلام بل هو دونه بكثير، وقيل: إنه نهي عن الحكم بما من شأنه أن ينزل فيه قرآن بناء على ما أخرج جماعة عن الحسن أن امرأة شكت إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم أن زوجها لطمها فقال لها: بينكما القصاص فنزلت هذه الآية فوقف صلّى الله عليه وسلّم حتى نزل الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ [النساء: ٣٤]، وقال الماوردي: إنه نهي عن العجلة بطلب نزوله. وذلك أن أهل مكة وأسقف نجران قالوا: يا محمد أخبرنا عن كذا وقد ضربنا لك أجلا ثلاثة أيام فأبطأ الوحي عليه وفشت المقالة بين اليهود وزعموا أنه عليه الصلاة والسلام قد غلب فشق ذلك عليه صلّى الله عليه وسلّم واستعجل الوحي فنزلت وَلا تَعْجَلْ إلخ وفي كلا القولين ما لا يخفى.
وقرأ عبد الله والجحدري والحسن وأبو حيوة وسلام ويعقوب والزعفراني وابن مقسم «نفضي» بنون العظمة مفتوح الياء «وحيه» بالنصب. وقرأ الأعمش كذلك إلا أنه سكن الياء من «نقضي»، قال صاحب اللوامح: وذلك على لغة من لا يرى فتح الياء بحال إذا انكسر ما قبلها وحلت طرفا، واستدل بالآية على فضل العلم حيث أمر صلّى الله عليه وسلّم بطلب زيادته، وذكر بعضهم أنه ما أمر عليه الصلاة والسلام بطلب الزيادة في شيء إلا العلم.
وأخرج الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علما والحمد لله على كل حال».
وجوز غير واحد كونه صفة للملك ومعناه خلاف الباطل أي الحق في ملكيته يستحقها سبحانه لذاته، وفيه إيماء إلى أن القرآن وما تضمنه من الوعد والوعيد حق كله لا يحوم حول حماه الباطل بوجه وأن المحق من أقبل عليه بشرا شره وأن المبطل من أعرض عن تدبر زواجره، وفيه تمهيد لوصل النهي عن العجلة به في قوله سبحانه وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ أي يتم وَحْيُهُ أي تبليغ جبريل عليه السلام إياه فإن من حق الإقبال ذلك وكذلك من حق تعظيمه.
وذكر الطيبي أن هذه الجملة عطف على قوله تعالى فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لما فيه من إنشاء التعجب فكأنه قيل حيث نبهت على عظمة جلالة المنزل وأرشدت إلى فخامة المنزل فعظم جنابه الملك الحق المتصرف في الملك والملكوت، وأقبل بكلك على تحفظ كتابه وتحقق مبانيه ولا تعجل به، وكان صلّى الله عليه وسلّم إذا ألقى عليه جبريل عليه السلام القرآن يتبعه عند تلفظ كل حرف وكل كلمة خوفا أن يصعد عليه السلام ولم يحفظه صلّى الله عليه وسلّم فنهى عليه الصلاة والسلام عن ذلك إذ ربما يشغل التلفظ بكلمة عن سماع ما بعدها، ونزل عليه أيضا لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
[القيامة: ٦٦] الآية، وأمر صلّى الله عليه وسلّم باستفاضة العلم واستزادته منه سبحانه فقيل: وَقُلْ أي في نفسك رَبِّ زِدْنِي عِلْماً أي سل الله عز وجل بدل الاستعجال زيادة العلم مطلقا أو في القرآن فإن تحت كل كلمة بل كل حرف منه أسرارا ورموزا وعلوما جمة وذلك هو الأنفع لك، وقيل: وجملة وَلا تَعْجَلْ مستأنفة ذكرت بعد الإنزال على سبيل الاستطراد، وقيل: إن ذلك نهي عن تبليغ ما كان مجملا قبل أن يأتي بيانه وليس بذاك، فإن تبليغ المجمل وتلاوته قبل البيان مما لا ريب في صحته ومشروعيته.
ومثله ما قيل: إنه نهي عن الأمر بكتابته قبل أن تفسر له المعاني وتتقرر عنده عليه الصلاة والسلام بل هو دونه بكثير، وقيل: إنه نهي عن الحكم بما من شأنه أن ينزل فيه قرآن بناء على ما أخرج جماعة عن الحسن أن امرأة شكت إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم أن زوجها لطمها فقال لها: بينكما القصاص فنزلت هذه الآية فوقف صلّى الله عليه وسلّم حتى نزل الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ [النساء: ٣٤]، وقال الماوردي: إنه نهي عن العجلة بطلب نزوله. وذلك أن أهل مكة وأسقف نجران قالوا: يا محمد أخبرنا عن كذا وقد ضربنا لك أجلا ثلاثة أيام فأبطأ الوحي عليه وفشت المقالة بين اليهود وزعموا أنه عليه الصلاة والسلام قد غلب فشق ذلك عليه صلّى الله عليه وسلّم واستعجل الوحي فنزلت وَلا تَعْجَلْ إلخ وفي كلا القولين ما لا يخفى.
وقرأ عبد الله والجحدري والحسن وأبو حيوة وسلام ويعقوب والزعفراني وابن مقسم «نفضي» بنون العظمة مفتوح الياء «وحيه» بالنصب. وقرأ الأعمش كذلك إلا أنه سكن الياء من «نقضي»، قال صاحب اللوامح: وذلك على لغة من لا يرى فتح الياء بحال إذا انكسر ما قبلها وحلت طرفا، واستدل بالآية على فضل العلم حيث أمر صلّى الله عليه وسلّم بطلب زيادته، وذكر بعضهم أنه ما أمر عليه الصلاة والسلام بطلب الزيادة في شيء إلا العلم.
وأخرج الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علما والحمد لله على كل حال».
577
وأخرج سعيد بن منصور. وعبد بن حميد عن ابن مسعود أنه كان يدعو «اللهم زدني إيمانا وفقها ويقينا وعلما» وما هذا إلا لزيادة فضل العلم وفضله أظهر من أن يذكر، نسأل الله تعالى أن يرزقنا الزيادة فيه ويوفقنا للعمل بما يقتضيه وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ كأنه لما مدح سبحانه القرآن، وحرض على استعمال التؤدة والرفق في أخذه وعهد على العزيمة بأمره وترك النسيان فيه ضرب حديث آدم مثلا للنسيان وترك العزيمة.
وذكر ابن عطية أن في ذلك مزيد تحذير للنبي صلّى الله عليه وسلّم عن العجلة وعدم التؤدة لئلا يقع فيما لا ينبغي كما وقع آدم عليه السلام، فالكلام متعلق بقوله تعالى وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ إلخ، وقال الزمخشري: هو عطف على صَرَّفْنا عطف القصة على القصة، والتخالف فيه إنشاء وخبرية لا يضر مع أن المقصود بالعطف جواب القسم. وحاصل المعنى عليه صرفنا الوعيد وكررناه لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا لكنهم لم يلتفتوا لذلك ونسوه كما لم يلتفت أبوهم إلى الوعيد ونسي العهد إليه. والفائدة في ذلك الإشارة إلى أن مخالفتهم شنشنة أخزمية وأن أساس أمرهم ذلك وعرقهم راسخ فيه، وحكي نحو هذا عن الطبري.
وتعقبه ابن عطية بأنه ضعيف لما فيه من الغضاضة من مقام آدم عليه السلام حيث جعلت قصته مثلا للجاحدين لآيات الله تعالى وهو عليه السلام إنما وقع منه ما وقع بتأويل انتهى، والإنصاف يقضي بحسنه فلا تلتفت إلى ما قيل: إن فيه نظرا، وقال أبو مسلم: إنه عطف على قوله تعالى كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ [طه: ٩٩] وليس بذاك، نعم فيه مع ما تقدم إنجاز الموعود في تلك الآية، واستظهر ابن عطية فيه أحد أمرين التعلق بلا تعجل وكونه ابتداء كلام لا تعلق له بما قبله، وهذا الأخير وإن قدمه في كلامه ناشىء من ضيق العطن كما لا يخفى، والعهد الوصية يقال عهد إليه الملك ووغر إليه وعزم عليه وتقدم إليه إذا أمره ووصاه، والمعهود محذوف يدل عليه ما بعده، واللام واقعة في جواب قسم محذوف أي وأقسم بالله لقد أمرناه ووصيناه مِنْ قَبْلُ أي من قبل هذا الزمان، وقيل: أي من قبل وجود هؤلاء المخالفين.
وعن الحسن أي من قبل إنزال القرآن، وقيل: أي من قبل أن يأكل من الشجرة فَنَسِيَ العهد ولم يهتم به ولم يشتغل بحفظه حتى غفل عنه، والعتاب جاء من ترك الاهتمام، ومثله عليه السلام يعاتب على مثل ذلك، وعن ابن عباس (١) والحسن أن المراد فترك ما وصى به من الاحتراس عن الشجرة وأكل ثمرتها فالنسيان مجاز عن الترك والفاء للتعقيب وهو عرفي، وقيل: فصيحة أي لم يهتم به فنسي والمفعول محذوف وهو ما أشرنا إليه، وقيل: المنسي الوعيد بخروج الجنة إن أكل، وقيل قوله تعالى: إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ وقيل: الاستدلال على أن النهي عن الجنس دون الشخص، والظاهر ما أشرنا إليه.
وقرأ اليماني والأعمش «فنسّي» بضم النون وتشديد السين أي نساه الشيطان وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً تصميم رأي وثبات قدم في الأمور، وهذا جاء على القولين في النسيان، نعم قيل: إنه أنسب بالثاني وأوفق بسياق الآية على ما ذكرنا أولا. وروي جماعة عن ابن عباس وقتادة أن المعنى لم نجد له صبرا عن أكل الشجرة، وعن ابن زيد وجماعة أن المعنى لم نجد له عزما على الذنب فإنه عليه السلام أخطأ ولم يتعمد وهو قول من قال: إن النسيان على حقيقته وجاء عن ابن عباس ما يقتضيه، فقد أخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عنه قال قال لي عمر رضي الله تعالى عنه إن صاحبكم هذا- يعني علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه- إن ولي زهد ولكني أخشى عجب نفسه أن يذهب به
وذكر ابن عطية أن في ذلك مزيد تحذير للنبي صلّى الله عليه وسلّم عن العجلة وعدم التؤدة لئلا يقع فيما لا ينبغي كما وقع آدم عليه السلام، فالكلام متعلق بقوله تعالى وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ إلخ، وقال الزمخشري: هو عطف على صَرَّفْنا عطف القصة على القصة، والتخالف فيه إنشاء وخبرية لا يضر مع أن المقصود بالعطف جواب القسم. وحاصل المعنى عليه صرفنا الوعيد وكررناه لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا لكنهم لم يلتفتوا لذلك ونسوه كما لم يلتفت أبوهم إلى الوعيد ونسي العهد إليه. والفائدة في ذلك الإشارة إلى أن مخالفتهم شنشنة أخزمية وأن أساس أمرهم ذلك وعرقهم راسخ فيه، وحكي نحو هذا عن الطبري.
وتعقبه ابن عطية بأنه ضعيف لما فيه من الغضاضة من مقام آدم عليه السلام حيث جعلت قصته مثلا للجاحدين لآيات الله تعالى وهو عليه السلام إنما وقع منه ما وقع بتأويل انتهى، والإنصاف يقضي بحسنه فلا تلتفت إلى ما قيل: إن فيه نظرا، وقال أبو مسلم: إنه عطف على قوله تعالى كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ [طه: ٩٩] وليس بذاك، نعم فيه مع ما تقدم إنجاز الموعود في تلك الآية، واستظهر ابن عطية فيه أحد أمرين التعلق بلا تعجل وكونه ابتداء كلام لا تعلق له بما قبله، وهذا الأخير وإن قدمه في كلامه ناشىء من ضيق العطن كما لا يخفى، والعهد الوصية يقال عهد إليه الملك ووغر إليه وعزم عليه وتقدم إليه إذا أمره ووصاه، والمعهود محذوف يدل عليه ما بعده، واللام واقعة في جواب قسم محذوف أي وأقسم بالله لقد أمرناه ووصيناه مِنْ قَبْلُ أي من قبل هذا الزمان، وقيل: أي من قبل وجود هؤلاء المخالفين.
وعن الحسن أي من قبل إنزال القرآن، وقيل: أي من قبل أن يأكل من الشجرة فَنَسِيَ العهد ولم يهتم به ولم يشتغل بحفظه حتى غفل عنه، والعتاب جاء من ترك الاهتمام، ومثله عليه السلام يعاتب على مثل ذلك، وعن ابن عباس (١) والحسن أن المراد فترك ما وصى به من الاحتراس عن الشجرة وأكل ثمرتها فالنسيان مجاز عن الترك والفاء للتعقيب وهو عرفي، وقيل: فصيحة أي لم يهتم به فنسي والمفعول محذوف وهو ما أشرنا إليه، وقيل: المنسي الوعيد بخروج الجنة إن أكل، وقيل قوله تعالى: إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ وقيل: الاستدلال على أن النهي عن الجنس دون الشخص، والظاهر ما أشرنا إليه.
وقرأ اليماني والأعمش «فنسّي» بضم النون وتشديد السين أي نساه الشيطان وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً تصميم رأي وثبات قدم في الأمور، وهذا جاء على القولين في النسيان، نعم قيل: إنه أنسب بالثاني وأوفق بسياق الآية على ما ذكرنا أولا. وروي جماعة عن ابن عباس وقتادة أن المعنى لم نجد له صبرا عن أكل الشجرة، وعن ابن زيد وجماعة أن المعنى لم نجد له عزما على الذنب فإنه عليه السلام أخطأ ولم يتعمد وهو قول من قال: إن النسيان على حقيقته وجاء عن ابن عباس ما يقتضيه، فقد أخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عنه قال قال لي عمر رضي الله تعالى عنه إن صاحبكم هذا- يعني علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه- إن ولي زهد ولكني أخشى عجب نفسه أن يذهب به
(١) رواه عنه جماعة اه منه.
578
قلت: يا أمير المؤمنين إن صاحبنا من قد علمت والله ما نقول: إنه غير ولا بدل ولا أسخط رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أيام صحبته فقال ولا في بنت أبي جهل وهو يريد أن يخطبها على فاطمة قلت قال الله تعالى في معصية آدم عليه السلام وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً فصاحبنا لم يعزم على إسخاط رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولكن الخواطر التي لا يقدر أحد دفعها عن نفسه وربما كانت من الفقيه في دين الله تعالى العالم بأمر الله سبحانه فإذا نبه عليها رجع وأناب فقال: يا ابن عباس من ظن أنه يرد بحوركم فيغوص فيها معكم حتى يبلغ قعرها فقد ظن عجزا، لكن لا يخفى عليك أن هذا التفسير غير متبادر ولا كثير المناسبة للمقام. وحاصل لم نجد إلخ عليه أنه نسي فيتكرر مع ما قبله.
ثم إن لَمْ نَجِدْ إن كان من الوجود العلمي،- فله عزما- مفعولاه قدم الثاني على الأول لكونه ظرفا وإن كان من الوجود المقابل للعدم كما اختاره بعضهم- فله- متعلق به قدم على مفعوله لما مر غير مرة أو بمحذوف وقع حالا من مفعوله المنكر، والمعنى على هذا ولم نصادف له عزما وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ شروع في بيان المعهود وكيفية ظهور نسيانه وفقدان عزمه، وَإِذْ منصوب على المفعولية بمضمر خوطب به النبي صلّى الله عليه وسلّم أي واذكر وقت قولنا للملائكة إلخ. قيل: وهو معطوف على مقدر أي اذكر هذا واذكر إذ قلنا أو من عطف القصة على القصة.
وأيّا ما كان فالمراد اذكر ما وقع في ذلك الوقت منا ومنه حتى يتبين لك نسيانه وفقدان عزمه فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قد مر الكلام فيه مرارا أَبى جملة مستأنفة وقعت جوابا عن سؤال نشأ عن الأخبار بعدم سجوده كأنه قيل: فما باله لم يسجد؟ فقل: أَبى والإباء الامتناع أو شدته ومفعوله إما محذوف أي أبى السجود كما في قوله تعالى أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ [الحجر: ٣١] أو غير منوي رأسا بتنزيله منزلة اللازم أي فعل الإباء وأظهره فَقُلْنا عقيب ذلك اعتناء بنصح آدم عليه السلام يا آدَمُ إِنَّ هذا الذي رأيت منه ما رأيت عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ أعيد اللام لأنه لا يعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار عند الجمهور. وقيل: أعيد للدلالة على أن عداوة اللعين للزوجة أصالة لا تبعا. وهو على القول بعدم لزوم إعادة الجار في مثله كما ذهب إليه ابن مالك ظاهر. وأما على القول باللزوم فقد قيل في توجيهه. إن كون الشيء لازما بحسب القاعدة النحوية لا ينافي قصد إفادة ما يقتضيه المقام.
وقد صرح السيد السند في شرح المفتاح في توجيه جعل صاحب المفتاح تنكير التمييز في قوله تعالى:
وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً [مريم: ٤] لإفادة المبالغة بما يرشد إلى ذلك، ولا يخفى ما في التعبير بزوجك دون حواء من مزيد التنفير والتحذير منه، واختلف في سبب العداوة فقيل مجرد الحسد وهو لعنه الله تعالى ولعن أتباعه أول من حسد، وقيل: كونه شيخا جاهلا وكون آدم عليه السّلام شابا عالما، والشيخ الجاهل يكون أبدا عدوا للشاب العالم بل الجاهل مطلقا عدو للعالم كذلك كما قيل: والجاهلون لأهل العلم أعداء وقيل: تنافي الأصلين فإن اللعين خلق من نار وآدم عليه السلام خلق من طين وحواء خلقت منه، وقد ذكر جميع ذلك الإمام الرازي.
فَلا يُخْرِجَنَّكُما أي فلا يكونن سببا لإخراجكما مِنَ الْجَنَّةِ وهذا كناية عن نهيهما عن أن يكونا بحيث يتسبب الشيطان في إخراجهما منها نحو قوله تعالى: فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ [الأعراف: ٢] والفاء لترتيب موجب النهي على عداوته لهما أو على الأخبار بها فَتَشْقى أي فتتعب بمتاعب الدنيا وهي لا تكاد تحصى ولا يسلم منها أحد وإسناد ذلك إليه عليه السلام خاصة بعد تعليق الإخراج الموجب له بهما معا لأصالته في الأمور واستلزام تعبه لتعبها مع ما في ذلك من مراعاة الفواصل على أتم وجه، وقيل: المراد بالشقاء التعب في تحصيل مبادئ المعاش وهو من وظائف الرجال، وأيد هذا بما أخرجه عبد بن حميد وابن عساكر. وجماعة عن سعيد بن جبير قال: «إن آدم عليه السلام لما أهبط من الجنة استقبله ثور أبلق فقيل له: اعمل عليه فجعل يمسح العرق عن جبينه ويقول: هذا ما
ثم إن لَمْ نَجِدْ إن كان من الوجود العلمي،- فله عزما- مفعولاه قدم الثاني على الأول لكونه ظرفا وإن كان من الوجود المقابل للعدم كما اختاره بعضهم- فله- متعلق به قدم على مفعوله لما مر غير مرة أو بمحذوف وقع حالا من مفعوله المنكر، والمعنى على هذا ولم نصادف له عزما وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ شروع في بيان المعهود وكيفية ظهور نسيانه وفقدان عزمه، وَإِذْ منصوب على المفعولية بمضمر خوطب به النبي صلّى الله عليه وسلّم أي واذكر وقت قولنا للملائكة إلخ. قيل: وهو معطوف على مقدر أي اذكر هذا واذكر إذ قلنا أو من عطف القصة على القصة.
وأيّا ما كان فالمراد اذكر ما وقع في ذلك الوقت منا ومنه حتى يتبين لك نسيانه وفقدان عزمه فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قد مر الكلام فيه مرارا أَبى جملة مستأنفة وقعت جوابا عن سؤال نشأ عن الأخبار بعدم سجوده كأنه قيل: فما باله لم يسجد؟ فقل: أَبى والإباء الامتناع أو شدته ومفعوله إما محذوف أي أبى السجود كما في قوله تعالى أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ [الحجر: ٣١] أو غير منوي رأسا بتنزيله منزلة اللازم أي فعل الإباء وأظهره فَقُلْنا عقيب ذلك اعتناء بنصح آدم عليه السلام يا آدَمُ إِنَّ هذا الذي رأيت منه ما رأيت عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ أعيد اللام لأنه لا يعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار عند الجمهور. وقيل: أعيد للدلالة على أن عداوة اللعين للزوجة أصالة لا تبعا. وهو على القول بعدم لزوم إعادة الجار في مثله كما ذهب إليه ابن مالك ظاهر. وأما على القول باللزوم فقد قيل في توجيهه. إن كون الشيء لازما بحسب القاعدة النحوية لا ينافي قصد إفادة ما يقتضيه المقام.
وقد صرح السيد السند في شرح المفتاح في توجيه جعل صاحب المفتاح تنكير التمييز في قوله تعالى:
وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً [مريم: ٤] لإفادة المبالغة بما يرشد إلى ذلك، ولا يخفى ما في التعبير بزوجك دون حواء من مزيد التنفير والتحذير منه، واختلف في سبب العداوة فقيل مجرد الحسد وهو لعنه الله تعالى ولعن أتباعه أول من حسد، وقيل: كونه شيخا جاهلا وكون آدم عليه السّلام شابا عالما، والشيخ الجاهل يكون أبدا عدوا للشاب العالم بل الجاهل مطلقا عدو للعالم كذلك كما قيل: والجاهلون لأهل العلم أعداء وقيل: تنافي الأصلين فإن اللعين خلق من نار وآدم عليه السلام خلق من طين وحواء خلقت منه، وقد ذكر جميع ذلك الإمام الرازي.
فَلا يُخْرِجَنَّكُما أي فلا يكونن سببا لإخراجكما مِنَ الْجَنَّةِ وهذا كناية عن نهيهما عن أن يكونا بحيث يتسبب الشيطان في إخراجهما منها نحو قوله تعالى: فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ [الأعراف: ٢] والفاء لترتيب موجب النهي على عداوته لهما أو على الأخبار بها فَتَشْقى أي فتتعب بمتاعب الدنيا وهي لا تكاد تحصى ولا يسلم منها أحد وإسناد ذلك إليه عليه السلام خاصة بعد تعليق الإخراج الموجب له بهما معا لأصالته في الأمور واستلزام تعبه لتعبها مع ما في ذلك من مراعاة الفواصل على أتم وجه، وقيل: المراد بالشقاء التعب في تحصيل مبادئ المعاش وهو من وظائف الرجال، وأيد هذا بما أخرجه عبد بن حميد وابن عساكر. وجماعة عن سعيد بن جبير قال: «إن آدم عليه السلام لما أهبط من الجنة استقبله ثور أبلق فقيل له: اعمل عليه فجعل يمسح العرق عن جبينه ويقول: هذا ما
579
وعدني ربي فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى ثم نادى حواء حواء أنت عملت بي هذا فليس من ولد آدم أحد يعمل على ثور إلا قال: حو دخلت عليهم من قبل آدم عليه السلام، وكذا أيد بالآية بعد وفيه تأمل، ولعل القول بالعموم أولى، و «تشقى» يحتمل أن يكون منصوبا بإضمار أن في جواب النهي، ويحتمل أن يكون مرفوعا على الاستئناف بتقدير فأنت تشقى، واستبعد هذا بأنه ليس المراد الأخبار عنه بالشقاء بل المراد أن وقع الإخراج حصل ذلك.
إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى أي ولا تصيبك الشمس يقال: ضحا كسعى وضحى كرضى ضحوا وضحيا إذا أصابته الشمس، ويقال ضحا وضحوا وضحوا وضحيا إذا برز لها، وأنشدوا قول عمرو بن أبي ربيعة:
وفسر بعضهم ما في الآية بذلك والتفسير الأول مروي عن عكرمة، وأيّا ما كان فالمراد نفي أن يكون بلا كن، والجملة تعليل لما يوجبه النهي فإن اجتماع أسباب الراحة فيها مما يوجب المبالغة في الاهتمام بتحصيل مبادئ البقاء فيها والجد في الانتهاء عما يؤدي إلى الخروج عنها، والعدول عن التصريح بأن له عليه السلام فيها تنعما بفنون النعم من المآكل والمشارب وتمتعا بأصناف الملابس البهية والمساكن المرضية مع أن فيه من الترغيب في الإبقاء فيها ما لا يخفى إلى ما ذكر من نفي نقائضها التي هي الجوع والعطش والعرى والضحو لتذكير تلك الأمور المنكرة والتنبيه على ما فيها من أنواع الشقوة التي حذره سبحانه عنها ليبالغ في التحامي عن السبب المؤدي إليها، ومعنى أَلَّا تَجُوعَ إلخ أن لا يصيبه شيء من الأمور الأربعة أصلا فإن الشبع والري والكسوة والكن قد تحصل بعد عروض أضدادها وليس الأمر فيها كذلك بل كلما وقع فيها شهوة وميل إلى شيء من الأمور المذكورة تمتع به من غير أن يصل إلى حد الضرورة على أن الترغيب قد حصل بما سوغ له من التمتع بجميع ما فيها سوى الشجرة حسبما ينطق به قوله تعالى:
يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما [البقرة: ٣٥] وقد طوي ذكره هاهنا اكتفاء بذلك واقتصر على ما ذكر من الترغيب المتضمن للترهيب، وقال بعضهم: إن الاقتصار على ما ذكر لما وقع في سؤال آدم عليه السلام فإنه روي أنه لما أمره سبحانه بسكنى الجنة قال إلهي ألي فيها ما آكل ألي فيها ما ألبس ألي فيها ما أشرب ألي فيها ما أستظل به فأجيب بما ذكر، وفي القلب من صحة الرواية شيء.
ووجه إفراده عليه السلام بما ذكر ما مر آنفا، وقيل: كونه السائل وكان الظاهر عدم الفصل بين الجوع والظمأ والعري والضحو للتجانس والتقارب إلا أنه عدل عن المناسبة المكشوفة إلى مناسبة أتم منها وهي أن الجوع خلو الباطن والعري خلو الظاهر فكأنه قيل لا يخلو باطنك وظاهرك عما يهمهما، وجمع بين الظمأ المورث حرارة الباطن والبروز للشمس وهو الضحو المورث حرارة الظاهر فكأنه قيل: لا يؤلمك حرارة الباطن والظاهر وذلك الوصل الخفي وهو سر بديع من أسرار البلاغة، وفي الكشف إنما عدل إلى المنزل تنبيها على أن الشبع والكسوة أصلان وأن الأخيرين متممان على الترتيب فالامتنان على هذا الوجه أظهر ولهذا فرق بين القرينتين فقيل أولا إِنَّ لَكَ وثانيا أَنَّكَ، وقد ذكر هذه العلامة الطيبي أيضا ثم قال: وفي تنسيق المذكورات الأربعة مرتبة هكذا مقدما ما هو الأهم فالأهم ثم في جعلها تفصيلا لمضمون قوله تعالى فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى وتكرير لفظة فيها وإخراجها في صيغة النفي مكررة الأداة الإيماء إلى التعريض بأحوال الدنيا وأن لا بد من مقاساتها فِيها لأنها خلقت لذلك وأن الجنة ما خلقت إلا للتنعم ولا يتصور فيها غيره.
إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى أي ولا تصيبك الشمس يقال: ضحا كسعى وضحى كرضى ضحوا وضحيا إذا أصابته الشمس، ويقال ضحا وضحوا وضحوا وضحيا إذا برز لها، وأنشدوا قول عمرو بن أبي ربيعة:
رأت رجلا أما إذا الشمس عارضت | فيضحى وأما بالعشي فيخصر |
يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما [البقرة: ٣٥] وقد طوي ذكره هاهنا اكتفاء بذلك واقتصر على ما ذكر من الترغيب المتضمن للترهيب، وقال بعضهم: إن الاقتصار على ما ذكر لما وقع في سؤال آدم عليه السلام فإنه روي أنه لما أمره سبحانه بسكنى الجنة قال إلهي ألي فيها ما آكل ألي فيها ما ألبس ألي فيها ما أشرب ألي فيها ما أستظل به فأجيب بما ذكر، وفي القلب من صحة الرواية شيء.
ووجه إفراده عليه السلام بما ذكر ما مر آنفا، وقيل: كونه السائل وكان الظاهر عدم الفصل بين الجوع والظمأ والعري والضحو للتجانس والتقارب إلا أنه عدل عن المناسبة المكشوفة إلى مناسبة أتم منها وهي أن الجوع خلو الباطن والعري خلو الظاهر فكأنه قيل لا يخلو باطنك وظاهرك عما يهمهما، وجمع بين الظمأ المورث حرارة الباطن والبروز للشمس وهو الضحو المورث حرارة الظاهر فكأنه قيل: لا يؤلمك حرارة الباطن والظاهر وذلك الوصل الخفي وهو سر بديع من أسرار البلاغة، وفي الكشف إنما عدل إلى المنزل تنبيها على أن الشبع والكسوة أصلان وأن الأخيرين متممان على الترتيب فالامتنان على هذا الوجه أظهر ولهذا فرق بين القرينتين فقيل أولا إِنَّ لَكَ وثانيا أَنَّكَ، وقد ذكر هذه العلامة الطيبي أيضا ثم قال: وفي تنسيق المذكورات الأربعة مرتبة هكذا مقدما ما هو الأهم فالأهم ثم في جعلها تفصيلا لمضمون قوله تعالى فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى وتكرير لفظة فيها وإخراجها في صيغة النفي مكررة الأداة الإيماء إلى التعريض بأحوال الدنيا وأن لا بد من مقاساتها فِيها لأنها خلقت لذلك وأن الجنة ما خلقت إلا للتنعم ولا يتصور فيها غيره.
580
وفي الانتصاف أن في الآية سرا بديعا من البلاغة يسمى قطع النظير عن النظير، والغرض من ذلك تحقيق تعداد هذه النعم ولو قرن كل بشكله لتوهم المقرونان نعمة واحدة، وقد رمق أهل البلاغة سماء هذا المعنى قديما وحديثا فقال الكندي (١) الأول:
فقطع ركوب الجواد عن قوله لخيله: كري كرة وقطع تبطن الكاعب عن ترشف الكأس مع التناسب وغرضه أن يعدد ملاذه ومفاخره ويكثرها، وتبعه الكندي (٢) الآخر فقال:
وقد اعترض عليه سيف الدولة إذ قطع الشيء عن نظيره فقال له: إن كنت أخطأت بذلك فقد أخطأ امرؤ القيس بقوله وأنشد البيتين السابقين، وفي الآية سر لذلك أيضا زائد على ما ذكر وهو قصد تناسب الفواصل اه.
وقد يقال في بيتي الأول: إنه جمع بين ركوب الخيل للذة والنزهة وتبطن الكاعب للذة الحاصلة فيهما وجمع بين سبء الزق وقوله لخيله: كري لما فيهما من الشجاعة، ثم ما ذكر من قصد تناسب الفواصل في الآية ظاهر في أنه لو عدل عن هذا الترتيب لم يحصل ذلك وهو غير مسلم.
وقرأ شيبة ونافع وحفص وابن سعدان «إنك» بكسر الهمزة. وقرأ الجمهور بفتحها على أن العطف على أن لا تجوع وهو في تأويل مصدر اسم لأن وصحة وقوع ما صدر بأن المفتوحة اسما لأن المكسورة المشاركة لها في إفادة التحقيق مع امتناع وقوعها خبرا لها لما أن المحذور وهو اجتماع حر في التحقيق في مادة واحدة غير موجود فيما نحن فيه لاختلاف مناط التحقيق فيما في حيزها بخلاف ما لو وقعت خبرا فإن اتحاد المناط حيئنذ مما لا ريب فيه، وبيانه على ما في إرشاد العقل السليم أن كل واحدة من الأداتين موضوعة لتحقيق مضمون الجملة الخبرية المنعقدة من اسمها وخبرها ولا يخفى أن مرجع خبريتها ما فيها من الحكم وإن مناطه الخبر لا الاسم فمدلول كل منهما تحقيق ثبوت خبرها لاسمها لا ثبوت اسمها في نفسه فاللازم من وقوع الجملة المصدرة بالمفتوحة اسما للمكسورة تحقيق ثبوت خبرها لتلك الجملة المؤولة بالمصدر، وأما تحقيق ثبوتها في نفسها فهو مدلول المفتوحة فلا يلزم اجتماع حر في التحقيق في مادة واحدة قطعا، وإنما لم يجز أن يقال: إن أن زيدا قائم حق مع اختلاف المناط بل شرطوا الفصل بالخبر كقولنا: إن عندي أن زيدا قائم حق للتجافي عن صورة الاجتماع، والواو العاطفة وإن كانت نائبة عن المكسورة التي يمتنع دخولها على المفتوحة بلا فصل وقائمة مقامها في إفضاء معناها وإجراء أحكامها على مدخولها لكنها حيث لم تكن حرفا موضوعا للتحقيق لم يلزم من دخولها اجتماع حر في التحقيق أصلا. فالمعنى إن لك عدم الجوع وعدم العري وعدم الظمأ خلا أنه لم يقتصر على بيان أن الثابت له عدم الظمأ والضحو مطلقا كما فعل مثله في المعطوف عليه بل قصد بيان أن الثابت له تحقيق عدمهما فوضع موضع الحرف المصدري المحض أن المفيدة له كأنه قيل: إن
كأني لم أركب جوادا للذة | ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال |
ولم أسبأ الزقّ الرويّ ولم أقل | لخيلي كرّي كرة بعد إجفال |
وقفت وما في الموت شك لواقف | كأنك في جفن الردى وهو نائم |
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة | ووجهك ضحاك وثغرك باسم |
وقد يقال في بيتي الأول: إنه جمع بين ركوب الخيل للذة والنزهة وتبطن الكاعب للذة الحاصلة فيهما وجمع بين سبء الزق وقوله لخيله: كري لما فيهما من الشجاعة، ثم ما ذكر من قصد تناسب الفواصل في الآية ظاهر في أنه لو عدل عن هذا الترتيب لم يحصل ذلك وهو غير مسلم.
وقرأ شيبة ونافع وحفص وابن سعدان «إنك» بكسر الهمزة. وقرأ الجمهور بفتحها على أن العطف على أن لا تجوع وهو في تأويل مصدر اسم لأن وصحة وقوع ما صدر بأن المفتوحة اسما لأن المكسورة المشاركة لها في إفادة التحقيق مع امتناع وقوعها خبرا لها لما أن المحذور وهو اجتماع حر في التحقيق في مادة واحدة غير موجود فيما نحن فيه لاختلاف مناط التحقيق فيما في حيزها بخلاف ما لو وقعت خبرا فإن اتحاد المناط حيئنذ مما لا ريب فيه، وبيانه على ما في إرشاد العقل السليم أن كل واحدة من الأداتين موضوعة لتحقيق مضمون الجملة الخبرية المنعقدة من اسمها وخبرها ولا يخفى أن مرجع خبريتها ما فيها من الحكم وإن مناطه الخبر لا الاسم فمدلول كل منهما تحقيق ثبوت خبرها لاسمها لا ثبوت اسمها في نفسه فاللازم من وقوع الجملة المصدرة بالمفتوحة اسما للمكسورة تحقيق ثبوت خبرها لتلك الجملة المؤولة بالمصدر، وأما تحقيق ثبوتها في نفسها فهو مدلول المفتوحة فلا يلزم اجتماع حر في التحقيق في مادة واحدة قطعا، وإنما لم يجز أن يقال: إن أن زيدا قائم حق مع اختلاف المناط بل شرطوا الفصل بالخبر كقولنا: إن عندي أن زيدا قائم حق للتجافي عن صورة الاجتماع، والواو العاطفة وإن كانت نائبة عن المكسورة التي يمتنع دخولها على المفتوحة بلا فصل وقائمة مقامها في إفضاء معناها وإجراء أحكامها على مدخولها لكنها حيث لم تكن حرفا موضوعا للتحقيق لم يلزم من دخولها اجتماع حر في التحقيق أصلا. فالمعنى إن لك عدم الجوع وعدم العري وعدم الظمأ خلا أنه لم يقتصر على بيان أن الثابت له عدم الظمأ والضحو مطلقا كما فعل مثله في المعطوف عليه بل قصد بيان أن الثابت له تحقيق عدمهما فوضع موضع الحرف المصدري المحض أن المفيدة له كأنه قيل: إن
(١) هو امرؤ القيس اه منه.
(٢) هو المتنبي اه منه.
(٢) هو المتنبي اه منه.
581
كل فيها عدم ظمئك على التحقيق انتهى. ويحتاج عليه إلى بيان النكتة في عدم الاقتصار على بيان أن الثابت له عدم الظمأ مطلقا كما فعل مثله في المعطوف عليه فتأمل ولا تغفل.
وقيل: إن الواو وإن كانت نائبة عن إن هنا إلا أنه يلاحظ بعدها لَكَ الموجود بعد أن التي نابت عنها فيكون هناك فاصل ولا يمتنع الدخول معه وهو كما ترى، ولا يخفى عليك أن العطف على قراءة الكسر على أن الأولى مع معموليها لا على اسمها ولا كلام في ذلك فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ أنهى الوسوسة إليه، وهي كما قال الراغب:
الخطرة الرديئة وأصلها من الوسواس وهو صوت الحلي والهمس الخفي، وقال الليث: الوسوسة حديث النفس والفعل وسوس بالبناء للفاعل، ويقال: رجل موسوس بالكسر والفتح لحن.
وذكر غير واحد أن وسوس فعل لازم مأخوذ من الوسوسة وهي حكاية صوت كولولة الثكلى ووعوعة الذئب ووقوقة الدجاجة وإذا عدي بالى ضمن معنى الإنهاء وإذا جيء باللام بعده نحو وسوس له فهي للبيان كما في هَيْتَ لَكَ [يوسف: ٢٣] وقال الزمخشري: للأجل أي وسوس لأجله، وكذا إذا كانت بعد نظائر هذا الفعل نحو قوله:
وذكر في الأساس وسوس إليه في قسم الحقيقة، وظاهره عدم اعتبار التضمين والكثير على اعتباره.
قالَ إما بدل من (وسوس) أو استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ منه كأنه قيل: فما قال له في وسوسته:
فقيل: قال يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ ناداه باسمه ليكون أقبل عليه وأمكن للاستماع ثم عرض عليه ما عرض على سبيل الاستفهام الذي يشعر بالنصح، ومعنى شجرة الخلد شجرة من أكل منها خلد ولم يمت أصلا سواء كان على حاله أو بأن يكون ملكا لقوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ [الأعراف: ٢٠].
وفي البحر أن ما حكي هنا مقدم على ما حكي في الأعراف من قوله تعالى: ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ [الأعراف: ٢٠] إلخ كأن اللعين لما رأى منه عليه السلام نوع إصغاء إلى ما عرض عليه انتقل إلى الأخبار والحصر انتهى، والحق أنه لا جزم بما ذكر وَمُلْكٍ لا يَبْلى أي لا يفنى أو لا يصير باليا خلقا قيل: إن هذا من لوازم الخلود فذكره للتأكيد وزيادة الترغيب فَأَكَلا أي هو وزوجته مِنْها أي من الشجرة التي سماها اللعين شجرة الخلد فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: عريا عن النور الذي كان الله تعالى ألبسهما حتى بدت فروجهما، وفي رواية أخرى عنه أنه كان لباسهما الظفر فلما أصابا الخطيئة نزع عنهما وتركت هذه البقايا في أطراف الأصابع والله تعالى أعلم بصحة ذلك، ثم إن ما ذكر يحتمل أن يكون عقوبة للأكل ويحتمل أن يكون مرتبا عليه لمصلحة أخرى وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ قد مر تفسيره.
وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ بما ذكر من أكل الشجرة فَغَوى ضل عن مطلوبه الذي هو الخلود أو عن المطلوب منه وهو ترك الأكل من الشجرة أو عن الرشد حيث اغتر بقول العدو، وقيل: غوى أي فسد عليه عيشه. ومنه يقال: الغواء لسوء الرضاع. وقرىء «فغوي» بفتح الغين وكسر الواو وفتح الياء أي فبشم من كثرة الأكل من غوي الفصيل إذا اتخم من اللبن وبه فسرت القراءة الأخرى، وتعقب ذلك الزمخشري: فقال وهذا وإن صح على لغة من يقلب الياء المكسور ما قبلها ألفا فيقول في فني وبقي فنا وبقا بالألف وهم بنو طيء تفسير خبيث، وظاهر الآية يدل على أن ما وقع من الكبائر وهو المفهوم من كلام الإمام فإن كان صدوره بعد البعثة تعمدا من غير نسيان ولا تأويل أشكل على ما اتفق عليه
وقيل: إن الواو وإن كانت نائبة عن إن هنا إلا أنه يلاحظ بعدها لَكَ الموجود بعد أن التي نابت عنها فيكون هناك فاصل ولا يمتنع الدخول معه وهو كما ترى، ولا يخفى عليك أن العطف على قراءة الكسر على أن الأولى مع معموليها لا على اسمها ولا كلام في ذلك فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ أنهى الوسوسة إليه، وهي كما قال الراغب:
الخطرة الرديئة وأصلها من الوسواس وهو صوت الحلي والهمس الخفي، وقال الليث: الوسوسة حديث النفس والفعل وسوس بالبناء للفاعل، ويقال: رجل موسوس بالكسر والفتح لحن.
وذكر غير واحد أن وسوس فعل لازم مأخوذ من الوسوسة وهي حكاية صوت كولولة الثكلى ووعوعة الذئب ووقوقة الدجاجة وإذا عدي بالى ضمن معنى الإنهاء وإذا جيء باللام بعده نحو وسوس له فهي للبيان كما في هَيْتَ لَكَ [يوسف: ٢٣] وقال الزمخشري: للأجل أي وسوس لأجله، وكذا إذا كانت بعد نظائر هذا الفعل نحو قوله:
اجرس (١) لها يا ابن أبي كباش | فما لها الليلة من أنفاش |
قالَ إما بدل من (وسوس) أو استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ منه كأنه قيل: فما قال له في وسوسته:
فقيل: قال يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ ناداه باسمه ليكون أقبل عليه وأمكن للاستماع ثم عرض عليه ما عرض على سبيل الاستفهام الذي يشعر بالنصح، ومعنى شجرة الخلد شجرة من أكل منها خلد ولم يمت أصلا سواء كان على حاله أو بأن يكون ملكا لقوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ [الأعراف: ٢٠].
وفي البحر أن ما حكي هنا مقدم على ما حكي في الأعراف من قوله تعالى: ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ [الأعراف: ٢٠] إلخ كأن اللعين لما رأى منه عليه السلام نوع إصغاء إلى ما عرض عليه انتقل إلى الأخبار والحصر انتهى، والحق أنه لا جزم بما ذكر وَمُلْكٍ لا يَبْلى أي لا يفنى أو لا يصير باليا خلقا قيل: إن هذا من لوازم الخلود فذكره للتأكيد وزيادة الترغيب فَأَكَلا أي هو وزوجته مِنْها أي من الشجرة التي سماها اللعين شجرة الخلد فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: عريا عن النور الذي كان الله تعالى ألبسهما حتى بدت فروجهما، وفي رواية أخرى عنه أنه كان لباسهما الظفر فلما أصابا الخطيئة نزع عنهما وتركت هذه البقايا في أطراف الأصابع والله تعالى أعلم بصحة ذلك، ثم إن ما ذكر يحتمل أن يكون عقوبة للأكل ويحتمل أن يكون مرتبا عليه لمصلحة أخرى وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ قد مر تفسيره.
وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ بما ذكر من أكل الشجرة فَغَوى ضل عن مطلوبه الذي هو الخلود أو عن المطلوب منه وهو ترك الأكل من الشجرة أو عن الرشد حيث اغتر بقول العدو، وقيل: غوى أي فسد عليه عيشه. ومنه يقال: الغواء لسوء الرضاع. وقرىء «فغوي» بفتح الغين وكسر الواو وفتح الياء أي فبشم من كثرة الأكل من غوي الفصيل إذا اتخم من اللبن وبه فسرت القراءة الأخرى، وتعقب ذلك الزمخشري: فقال وهذا وإن صح على لغة من يقلب الياء المكسور ما قبلها ألفا فيقول في فني وبقي فنا وبقا بالألف وهم بنو طيء تفسير خبيث، وظاهر الآية يدل على أن ما وقع من الكبائر وهو المفهوم من كلام الإمام فإن كان صدوره بعد البعثة تعمدا من غير نسيان ولا تأويل أشكل على ما اتفق عليه
(١) حد لها اه منه.
582
المحققون والأئمة المتقنون من وجوب عصمة الأنبياء عليهم السلام بعد البعثة عن صدور مثل ذلك منهم على ذلك الوجه، ولا يكاد يقول بذلك إلا الأزارقة من الخوارج فإنهم عليهم ما يستحقون جوزوا الكفر عليهم وحاشاهم فما دونه أولى بالتجويز، وإن كان صدوره قبل البعثة كما قال به جمع وقال الإمام: إنه مذهبنا فإن كان تعمدا أشكل على قول أكثر المعتزلة والشيعة بعصمتهم عليهم السلام عن صدور مثل ذلك تعمدا قبل البعثة أيضا.
نعم لا إشكال فيه على ما قاله القاضي أبو بكر من أنه لا يمتنع عقلا ولا سمعا أن يصدر من النبي عليه السلام قبل نبوته معصية مطلقا بل لا يمتنع عقلا إرسال من أسلم بعد كفره، ووافقه على ذلك كما قال الآمدي في أبكار الأفكار أكثر الأصحاب وكثير من المعتزلة وإن كان سهوا كما يدل عليه قوله تعالى: فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً [طه:
٨٨] بناء على أحد القولين فيه أشكل على ما نقل عن الشيعة من منع صدور الكبيرة سهوا قبل البعثة أيضا، ولا إشكال فيه على ما سمعت عن القاضي أبي بكر، وإن كان بعد البعثة سهوا أشكل أيضا عند بعض دون بعض، فقد قال عضد الملة في المواقف إن الأكثرين جوزوا صدور الكبيرة يعني ما عدا الكفر والكذب فيما دلت المعجزة على صدقهم عليهم السلام فيه سهوا وعلى سبيل الخطأ منهم، وقال العلامة الشريف المختار: خلافه، وذهب كثير إلى أن ما وقع صغيرة والأمر عليه هين فإن الصغائر الغير المشعرة بالخسة يجوز على ما ذكره العلامة الثاني في شرح العقائد صدورها منهم عليهم السلام عمدا بعد البعثة عند الجمهور خلافا للجبائي وأتباعه ويجوز صدورها سهوا بالاتفاق لكن المحققون اشترطوا أن ينبهوا على ذلك فينتهوا عنه.
نعم ذكر في شرح المقاصد عصمتهم عن صدور ذلك عمدا. والأحوط نظرا إلى مقام آدم عليهم السلام أن يقال: إن صدور ما ذكر منه كان قبل النبوة وكان سهوا أو عن تأويل إلا أنه عظم الأمر عليه وعظم لديه نظرا إلى علو شأنه ومزيد فضل الله تعالى عليه، وإحسانه وقد شاع حسنات الأبرار سيئات المقربين، ومما يدل على استعظام ذلك منه لعلو شأنه عليه السلام ما أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي عبد الله المغربي قال: تفكر إبراهيم في شأن آدم عليهما السلام فقال: يا رب خلقته بيدك ونفخت فيه من روحك وأسجدت له ملائكتك ثم بذنب واحد ملأت أفواه الناس من ذكر معصيته فأوحى الله تعالى إليه يا إبراهيم أما علمت أن مخالفة الحبيب على الحبيب شديدة.
وذكر بعضهم أن في استعظام ذلك منه عليه الملام زجرا بليغا لأولاده عن أمثاله، وعلى العلات لا ينبغي لأحد أن ينسب إليه العصيان اليوم وأن يخبر بذلك إلا أن يكون تاليا لما تضمن ذلك أو راويا له عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأما أن يكون مبتدئا من قبل نفسه فلا، وقد صرح القاضي أبو بكر بن العربي بعدم جواز نسبة العصيان للآباء الأدنين إلينا المماثلين لنا فكيف يجوز نسبته للأنبياء الأقدام والنبي المقدم الأكرم، وارتضى ذلك القرطبي وادعى أن ابتداء الأخبار بشيء من صفات الله تعالى المتشابهة كاليد والإصبع والنزول أولى بالمنع وعدم الجواز، ثم إن ما وقع كان في الحقيقة بمحض قضاء الله تعالى وقدره، وإلا فقد روي عن أبي أمامة الباهلي والحسن أن عقله عليه السلام مثل عقل جميع ولده وعداوة إبليس عليه اللعنة له عليه السلام في غاية الظهور، وفي ذلك دليل على أنه لا ينفع عقل ولا يغني شيء في جنب تقدير الله تعالى وقضائه ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ أي اصطفاه سبحانه وقربه إليه بالحمل على التوبة والتوفيق لها من اجتبى الشيء جباه لنفسه أي جمعه كقولك: اجتمعته أو من جبى إلى كذا فاجتبيته مثل جليت على العروس فاجتليتها، وأصل معنى الكلمة الجمع فالمجتبى كأنه في الأصل من جمعت فيه المحاسن حتى اختاره غيره وقربه، وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه السلام مزيد تشريف له عليه السلام فَتابَ عَلَيْهِ أي رجع عليه بالرحمة وقبل توبته حين تاب وذلك حين قال هو وزوجته: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ
نعم لا إشكال فيه على ما قاله القاضي أبو بكر من أنه لا يمتنع عقلا ولا سمعا أن يصدر من النبي عليه السلام قبل نبوته معصية مطلقا بل لا يمتنع عقلا إرسال من أسلم بعد كفره، ووافقه على ذلك كما قال الآمدي في أبكار الأفكار أكثر الأصحاب وكثير من المعتزلة وإن كان سهوا كما يدل عليه قوله تعالى: فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً [طه:
٨٨] بناء على أحد القولين فيه أشكل على ما نقل عن الشيعة من منع صدور الكبيرة سهوا قبل البعثة أيضا، ولا إشكال فيه على ما سمعت عن القاضي أبي بكر، وإن كان بعد البعثة سهوا أشكل أيضا عند بعض دون بعض، فقد قال عضد الملة في المواقف إن الأكثرين جوزوا صدور الكبيرة يعني ما عدا الكفر والكذب فيما دلت المعجزة على صدقهم عليهم السلام فيه سهوا وعلى سبيل الخطأ منهم، وقال العلامة الشريف المختار: خلافه، وذهب كثير إلى أن ما وقع صغيرة والأمر عليه هين فإن الصغائر الغير المشعرة بالخسة يجوز على ما ذكره العلامة الثاني في شرح العقائد صدورها منهم عليهم السلام عمدا بعد البعثة عند الجمهور خلافا للجبائي وأتباعه ويجوز صدورها سهوا بالاتفاق لكن المحققون اشترطوا أن ينبهوا على ذلك فينتهوا عنه.
نعم ذكر في شرح المقاصد عصمتهم عن صدور ذلك عمدا. والأحوط نظرا إلى مقام آدم عليهم السلام أن يقال: إن صدور ما ذكر منه كان قبل النبوة وكان سهوا أو عن تأويل إلا أنه عظم الأمر عليه وعظم لديه نظرا إلى علو شأنه ومزيد فضل الله تعالى عليه، وإحسانه وقد شاع حسنات الأبرار سيئات المقربين، ومما يدل على استعظام ذلك منه لعلو شأنه عليه السلام ما أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي عبد الله المغربي قال: تفكر إبراهيم في شأن آدم عليهما السلام فقال: يا رب خلقته بيدك ونفخت فيه من روحك وأسجدت له ملائكتك ثم بذنب واحد ملأت أفواه الناس من ذكر معصيته فأوحى الله تعالى إليه يا إبراهيم أما علمت أن مخالفة الحبيب على الحبيب شديدة.
وذكر بعضهم أن في استعظام ذلك منه عليه الملام زجرا بليغا لأولاده عن أمثاله، وعلى العلات لا ينبغي لأحد أن ينسب إليه العصيان اليوم وأن يخبر بذلك إلا أن يكون تاليا لما تضمن ذلك أو راويا له عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأما أن يكون مبتدئا من قبل نفسه فلا، وقد صرح القاضي أبو بكر بن العربي بعدم جواز نسبة العصيان للآباء الأدنين إلينا المماثلين لنا فكيف يجوز نسبته للأنبياء الأقدام والنبي المقدم الأكرم، وارتضى ذلك القرطبي وادعى أن ابتداء الأخبار بشيء من صفات الله تعالى المتشابهة كاليد والإصبع والنزول أولى بالمنع وعدم الجواز، ثم إن ما وقع كان في الحقيقة بمحض قضاء الله تعالى وقدره، وإلا فقد روي عن أبي أمامة الباهلي والحسن أن عقله عليه السلام مثل عقل جميع ولده وعداوة إبليس عليه اللعنة له عليه السلام في غاية الظهور، وفي ذلك دليل على أنه لا ينفع عقل ولا يغني شيء في جنب تقدير الله تعالى وقضائه ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ أي اصطفاه سبحانه وقربه إليه بالحمل على التوبة والتوفيق لها من اجتبى الشيء جباه لنفسه أي جمعه كقولك: اجتمعته أو من جبى إلى كذا فاجتبيته مثل جليت على العروس فاجتليتها، وأصل معنى الكلمة الجمع فالمجتبى كأنه في الأصل من جمعت فيه المحاسن حتى اختاره غيره وقربه، وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه السلام مزيد تشريف له عليه السلام فَتابَ عَلَيْهِ أي رجع عليه بالرحمة وقبل توبته حين تاب وذلك حين قال هو وزوجته: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ
583
الْخاسِرِينَ
[الأعراف: ٢٣] وَهَدى أي إلى الثبات على التوبة والتمسك بما يرضي المولى سبحانه وتعالى، وقيل إلى كيفية التوبة بتعليم الكلمات والواو لمطلق الجمع فلا يضر كون ذلك قبل التوبة عليه، وقيل: إلى النبوة والقيام بما تقتضيه. وقدم أبو حيان هذا على سائر الاحتمالات التي ذكرها، والنيسابوري فسر الاجتباء بالاختيار للرسالة وجعل الآية دليلا على أن ما جرى كان قبل البعثة ولم يصرح سبحانه بنسبة العصيان والغواية إلى حواء بأن يسندهما إلى ضمير التثنية الذي هو عبارة عنها، وعن آدم عليه السلام كما أسند الأكل وما بعده إلى ذلك إعراضا عن مزيد النعي على الحرم وأن الأهم نظرا إلى مساق القصة التصريح بما أسند إلى آدم عليه السلام ويتضمن ذلك رعاية الفواصل وحيث لم يصرح جل وعلا بعصيانها لم يتعرض لتوفيقها للتوبة وقبولها منها، وقال بعضهم: إنه تعالى اكتفى بذكر شأن آدم عليه السلام لما أن حواء تبع له في الحكم ولذا طوي ذكر النساء في أكثر مواقع الكتاب والسنة.
قالَ استئناف مبني على سؤال نشأ من الإخبار بأنه تعالى عامله بما عامله كأنه قيل: فماذا أمره بعد ذلك؟
فقيل: قال له ولزوجته اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً أي انزلا من الجنة إلى الأرض مجتمعين، وقيل: الخطاب له عليه السلام ولإبليس عليه اللعنة فإنه دخل الجنة بعد ما قيل له فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ [الحجر: ٣٤] للوسوسة، وخطابهما على الأول بقوله تعالى بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ لما أنهما أصل الذرية ومنشأ الأولاد فالتعادي في الحقيقة بين أولادهما. وهذا على عكس مخاطبة اليهود ونسبة ما فعل آباؤهم إليهم. والجملة في موضع الحال أي متعادين في أمر المعاش وشهوات الأنفس. وعلى الثاني ظاهر لظهور العداوة بين آدم عليه السلام وإبليس عليه اللعنة وكذا بين ذرية آدم عليه السلام وذرية اللعين. ومن هنا قيل: الضمير لآدم وذريته وإبليس وذريته.
وزعم بعضهم أنه لآدم وإبليس والحية والمعول عليه الأول ويؤيد ذلك قوله تعالى فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً إلخ أي نبي أرسله إليكم وكتاب أنزله عليكم فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ وضع الظاهر موضع المضمر مع الإضافة إلى ضميره تعالى لتشريفه والمبالغة في إيجاب اتباعه.
وأخرج الطبراني وغيره عن أبي الطفيل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قرأ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ في الدنيا وَلا يَشْقى في الآخرة، وفسر بعضهم الهدى بالقرآن لما أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه. والبيهقي في شعب الإيمان من طرق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: أجار الله تعالى تابع القرآن من أن يضل في الدنيا أو يشقى في الآخرة ثم قرأ الآية،
وأخرج جماعة عنه مرفوعا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلفظ «من اتبع كتاب الله هداه الله تعالى من الضلالة في الدنيا ووقاه سوء الحساب يوم القيامة»
، ورجح على العموم بقيام القرينة عليه وهو قوله تعالى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي بناء على تفسير الذكر بالقرآن، وكذا قوله تعالى بعد كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها [طه: ١٢٦] والمختار العموم أن يقول: الذكر يقع على القرآن وعلى سائر الكتب الإلهية، وكذا الآيات تكون بمعنى الأدلة مطلقا، وقد فسر الذكر أيضا هنا بالهدى لأنه سبب ذكره تعالى وعبادته سبحانه، فأطلق المسبب وأريد سببه لوقوعه في المقابلة، وما في الخبر من باب التنصيص على حكم أشرف الأفراد المدلول عليه بالعموم اعتناء بشأنه.
ثم إن تقييد لا يَضِلُّ بقولنا في الدنيا وَلا يَشْقى بقولنا في الآخرة هو الذي يقتضيه الخبر.
وجوز بعضهم العكس أي فلا يضل طريق الجنة في الآخرة ولا يتعب في أمر المعيشة في الدنيا، وجعل الأول في مقابلة وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى والثاني في مقابلة فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ثم قال: وتقديم حال الآخرة على حال الدنيا في المهتدين لأن مطمح نظرهم أمر آخرتهم بخلاف خلافهم فطن نظرهم مقصور على دنياهم، ولا يخفى أن الذي نطقت به الآثار هو الأول، وذكر بعضهم أنه المتبادر، نعم ما ذكر لا يخلو عن حسن وإن قيل: فيه
[الأعراف: ٢٣] وَهَدى أي إلى الثبات على التوبة والتمسك بما يرضي المولى سبحانه وتعالى، وقيل إلى كيفية التوبة بتعليم الكلمات والواو لمطلق الجمع فلا يضر كون ذلك قبل التوبة عليه، وقيل: إلى النبوة والقيام بما تقتضيه. وقدم أبو حيان هذا على سائر الاحتمالات التي ذكرها، والنيسابوري فسر الاجتباء بالاختيار للرسالة وجعل الآية دليلا على أن ما جرى كان قبل البعثة ولم يصرح سبحانه بنسبة العصيان والغواية إلى حواء بأن يسندهما إلى ضمير التثنية الذي هو عبارة عنها، وعن آدم عليه السلام كما أسند الأكل وما بعده إلى ذلك إعراضا عن مزيد النعي على الحرم وأن الأهم نظرا إلى مساق القصة التصريح بما أسند إلى آدم عليه السلام ويتضمن ذلك رعاية الفواصل وحيث لم يصرح جل وعلا بعصيانها لم يتعرض لتوفيقها للتوبة وقبولها منها، وقال بعضهم: إنه تعالى اكتفى بذكر شأن آدم عليه السلام لما أن حواء تبع له في الحكم ولذا طوي ذكر النساء في أكثر مواقع الكتاب والسنة.
قالَ استئناف مبني على سؤال نشأ من الإخبار بأنه تعالى عامله بما عامله كأنه قيل: فماذا أمره بعد ذلك؟
فقيل: قال له ولزوجته اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً أي انزلا من الجنة إلى الأرض مجتمعين، وقيل: الخطاب له عليه السلام ولإبليس عليه اللعنة فإنه دخل الجنة بعد ما قيل له فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ [الحجر: ٣٤] للوسوسة، وخطابهما على الأول بقوله تعالى بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ لما أنهما أصل الذرية ومنشأ الأولاد فالتعادي في الحقيقة بين أولادهما. وهذا على عكس مخاطبة اليهود ونسبة ما فعل آباؤهم إليهم. والجملة في موضع الحال أي متعادين في أمر المعاش وشهوات الأنفس. وعلى الثاني ظاهر لظهور العداوة بين آدم عليه السلام وإبليس عليه اللعنة وكذا بين ذرية آدم عليه السلام وذرية اللعين. ومن هنا قيل: الضمير لآدم وذريته وإبليس وذريته.
وزعم بعضهم أنه لآدم وإبليس والحية والمعول عليه الأول ويؤيد ذلك قوله تعالى فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً إلخ أي نبي أرسله إليكم وكتاب أنزله عليكم فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ وضع الظاهر موضع المضمر مع الإضافة إلى ضميره تعالى لتشريفه والمبالغة في إيجاب اتباعه.
وأخرج الطبراني وغيره عن أبي الطفيل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قرأ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ في الدنيا وَلا يَشْقى في الآخرة، وفسر بعضهم الهدى بالقرآن لما أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه. والبيهقي في شعب الإيمان من طرق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: أجار الله تعالى تابع القرآن من أن يضل في الدنيا أو يشقى في الآخرة ثم قرأ الآية،
وأخرج جماعة عنه مرفوعا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلفظ «من اتبع كتاب الله هداه الله تعالى من الضلالة في الدنيا ووقاه سوء الحساب يوم القيامة»
، ورجح على العموم بقيام القرينة عليه وهو قوله تعالى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي بناء على تفسير الذكر بالقرآن، وكذا قوله تعالى بعد كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها [طه: ١٢٦] والمختار العموم أن يقول: الذكر يقع على القرآن وعلى سائر الكتب الإلهية، وكذا الآيات تكون بمعنى الأدلة مطلقا، وقد فسر الذكر أيضا هنا بالهدى لأنه سبب ذكره تعالى وعبادته سبحانه، فأطلق المسبب وأريد سببه لوقوعه في المقابلة، وما في الخبر من باب التنصيص على حكم أشرف الأفراد المدلول عليه بالعموم اعتناء بشأنه.
ثم إن تقييد لا يَضِلُّ بقولنا في الدنيا وَلا يَشْقى بقولنا في الآخرة هو الذي يقتضيه الخبر.
وجوز بعضهم العكس أي فلا يضل طريق الجنة في الآخرة ولا يتعب في أمر المعيشة في الدنيا، وجعل الأول في مقابلة وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى والثاني في مقابلة فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ثم قال: وتقديم حال الآخرة على حال الدنيا في المهتدين لأن مطمح نظرهم أمر آخرتهم بخلاف خلافهم فطن نظرهم مقصور على دنياهم، ولا يخفى أن الذي نطقت به الآثار هو الأول، وذكر بعضهم أنه المتبادر، نعم ما ذكر لا يخلو عن حسن وإن قيل: فيه
584
تكلف، وجوز الإمام كون الأمرين في الآخرة وكونهما في الدنيا، وذكر أن المراد على الأخير لا يضل في الدين ولا يشقى بسبب الدين لا مطلقا فإن لحق المنعم بالهدى شقاء في الدنيا فبسبب آخر وذلك لا يضر اه، والمعول عليه ما سمعت، والمراد من الإعراض عن الذكر عدم الاتباع فكأنه قيل: ومن لم يتبع فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً أي ضيقة شديدة وهو مصدر ضنك وكذا ضناكة ولذا يوصف به المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والمجموع، وقد وصف به هنا المؤنث باعتبار الأصل. وقرأ الحسن «ضنكى» بألف التأنيث كسكرى وبالإمالة. وهذا التأنيث باعتبار تأويله بالوصف، وعن ابن عباس تفسيره بالشديد من كل وجه، وأنشد قول الشاعر:
والمتبادر أن تلك المعيشة له في الدنيا. وروي ذلك عن عطاء وابن جبير، ووجه ضيق معيشة الكافر المعرض في الدنيا أنه شديد الحرص على الدنيا متهالك على ازديادها خائف من انتقاصها غالب عليه الشح بها حيث لا غرض له سواها بخلاف المؤمن الطالب للآخرة، وقيل: الضنك مجاز عما لا خير فيه، ووصف معيشة الكافر بذلك لأنها وبال عليه وزيادة في عذابه يوم القيامة كما دلت عليه الآيات، وهو مأخوذ مما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال في الآية: يقول كل مال أعطيته عبدا من عبادي قل أو كثر لا يتقيني فيه فلا خير فيه وهو الضنك في المعيشة، وقيل:
المراد من كونها ضنكا أنها سبب للضنك يوم القيامة فيكون وصفها بالضنك للمبالغة كأنها نفس الضنك كما يقال في السلطان: الموت بين شفتيه يريدون بالموت ما يكون سببا للموت كالأمر بالقتل ونحوه، وعن عكرمة ومالك بن دينار ما يشعر بذلك، وقال بعضهم: إن تلك المعيشة له في القبر بأن يعذب فيه. وقد روى ذلك جماعة عن ابن مسعود وأبي سعيد الخدري وأبي صالح والربيع والسدي ومجاهد وفي البحر عن ابن عباس أن الآية نزلت في الأسود بن عبد الأسد المخزومي،
والمراد ضغطة القبر حتى تختلف فيه أضلاعه. وروي ذلك مرفوعا أيضا.
فقد أخرج ابن أبي الدنيا في ذكر الموت. والحكيم الترمذي وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المؤمن في قبره في روضة خضراء ويرحب له قبره سبعين ذراعا ويضيء حتى يكون كالقمر ليلة البدر هل تدرون فيم أنزلت فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً قالوا: الله ورسوله أعلم قال: عذاب الكافر في قبره يسلط عليه تسعة وتسعون تنينا هل تدرون ما التنين؟ تسعة وتسعون حية لكل حية سبعة رؤوس يخدشونه ويلسعونه وينفخون في جسمه إلى يوم يبعثون».
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور ومسدد في مسنده وعبد بن حميد والحاكم وصححه والبيهقي في كتاب عذاب القبر وجماعة عن أبي سعيد قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله تعالى مَعِيشَةً ضَنْكاً عذاب القبر» ولفظ عبد الرزاق يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه،
ولفظ ابن أبي حاتم ضمة القبر
إلى غير ذلك ومن قال: الدنيا ما قبل القيامة الكبرى قال: ما يكون بعد الموت واقع في الدنيا كالذي يكون قبل الموت.
وقال بعضهم: إنها تكون يوم القيامة في جهنم، وأخرج ذلك ابن أبي شيبة وابن المنذر عن الحسن، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: المعيشة الضنك في النار شوك وزقوم وغسلين وضريع وليس في القبر ولا في الدنيا معيشة وما المعيشة والحياة إلا في الآخرة، ولعل الأخبار السابقة لم تبلغ هذا القائل أو لم تصح عنده، وأنت تعلم أنها إذا صحت فلا مساغ للعدول عما دلت عليه وإن لم تصح كان الأولى القول بأنها في الدنيا لا في الآخرة لظاهر ذكر قوله تعالى وَنَحْشُرُهُ إلخ بعد الأخبار بأن لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وقرأت فرقة منهم أبان بن تغلب «ونحشره» بإسكان الراء وخرج على أنه تخفيف أو جزم بالعطف على محل فَإِنَّ لَهُ إلخ لأنه جواب الشرط كأنه قيل: ومن أعرض عن
والخيل قد لحقت بنا في مأزق | ضنك نواحيه شديد المقدم |
المراد من كونها ضنكا أنها سبب للضنك يوم القيامة فيكون وصفها بالضنك للمبالغة كأنها نفس الضنك كما يقال في السلطان: الموت بين شفتيه يريدون بالموت ما يكون سببا للموت كالأمر بالقتل ونحوه، وعن عكرمة ومالك بن دينار ما يشعر بذلك، وقال بعضهم: إن تلك المعيشة له في القبر بأن يعذب فيه. وقد روى ذلك جماعة عن ابن مسعود وأبي سعيد الخدري وأبي صالح والربيع والسدي ومجاهد وفي البحر عن ابن عباس أن الآية نزلت في الأسود بن عبد الأسد المخزومي،
والمراد ضغطة القبر حتى تختلف فيه أضلاعه. وروي ذلك مرفوعا أيضا.
فقد أخرج ابن أبي الدنيا في ذكر الموت. والحكيم الترمذي وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المؤمن في قبره في روضة خضراء ويرحب له قبره سبعين ذراعا ويضيء حتى يكون كالقمر ليلة البدر هل تدرون فيم أنزلت فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً قالوا: الله ورسوله أعلم قال: عذاب الكافر في قبره يسلط عليه تسعة وتسعون تنينا هل تدرون ما التنين؟ تسعة وتسعون حية لكل حية سبعة رؤوس يخدشونه ويلسعونه وينفخون في جسمه إلى يوم يبعثون».
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور ومسدد في مسنده وعبد بن حميد والحاكم وصححه والبيهقي في كتاب عذاب القبر وجماعة عن أبي سعيد قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله تعالى مَعِيشَةً ضَنْكاً عذاب القبر» ولفظ عبد الرزاق يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه،
ولفظ ابن أبي حاتم ضمة القبر
إلى غير ذلك ومن قال: الدنيا ما قبل القيامة الكبرى قال: ما يكون بعد الموت واقع في الدنيا كالذي يكون قبل الموت.
وقال بعضهم: إنها تكون يوم القيامة في جهنم، وأخرج ذلك ابن أبي شيبة وابن المنذر عن الحسن، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: المعيشة الضنك في النار شوك وزقوم وغسلين وضريع وليس في القبر ولا في الدنيا معيشة وما المعيشة والحياة إلا في الآخرة، ولعل الأخبار السابقة لم تبلغ هذا القائل أو لم تصح عنده، وأنت تعلم أنها إذا صحت فلا مساغ للعدول عما دلت عليه وإن لم تصح كان الأولى القول بأنها في الدنيا لا في الآخرة لظاهر ذكر قوله تعالى وَنَحْشُرُهُ إلخ بعد الأخبار بأن لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وقرأت فرقة منهم أبان بن تغلب «ونحشره» بإسكان الراء وخرج على أنه تخفيف أو جزم بالعطف على محل فَإِنَّ لَهُ إلخ لأنه جواب الشرط كأنه قيل: ومن أعرض عن
585
ذكري تكن له معيشة ضنك ونحشره إلخ. ونقل ابن خالويه عن أبان أنه قرأ «ونحشره» بسكون الهاء على إجراء الوصل مجرى الوقف. وفي البحر الأحسن تخريج ذلك على لغة بني كلاب وعقيل فإنهم يسكنون مثل هذه الهاء، وقد قرىء لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [العاديات: ٦] بإسكان الهاء وقرأت فرقة «ويحشره» بالياء يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى الظاهر أن المراد فاقد البصر كما في قوله تعالى وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا [الإسراء: ٩٧] قالَ استئناف كما مر رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً أي في الدنيا كما هو الظاهر، ولعل هذا باعتبار أكثر أفراد من أعرض لأن من أفراده من كان أكمه في الدنيا. والظاهر أن هذا سؤال عن السبب الذي استحق به الحشر أعمى لأنه جهل أو ظن أن لا ذنب له يستحق به ذلك.
قالَ الله تعالى في جوابه كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا الكاف مقحمة كما في مثلك لا يبخل وذلك إشارة إلى مصدر أتتك أي مثل ذلك الإتيان البديع أتتك الآيات الواضحة النيرة. وعند الزمخشري لا إقحام وذلك إشارة إلى حشره أعمى أي مثل ذلك الفعل فعلت أنت. وقوله تعالى أَتَتْكَ إلخ جواب سؤال مقدر كأنه قيل: يا رب ما فعلت أنا؟ فقيل: أتتك آياتنا فَنَسِيتَها أي تركتها ترك المنسي الذي لا يذكر أصلا، والمراد فعميت عنها إلا أنه وضع المسبب موضع السبب لأن من عمي عن شيء نسيه وتركه. والإشارة في قوله تعالى وَكَذلِكَ إلى النسيان المفهوم من نسيتها والكاف على ظاهرها أي مثل ذلك النسيان الذي كنت فعلته في الدنيا الْيَوْمَ تُنْسى أي تترك في العمى جزاء وفاقا، وقيل: الكاف بمعنى اللام الأجلية كما قيل في قوله تعالى وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ [البقرة: ١٩٨] أي ولأجل ذلك النسيان الصادر منك تنسى. وهذا الترك يبقى إلى ما شاء الله تعالى ثم يزال العمى عنه فيرى أهوال القيامة ويشاهد النار كما قال سبحانه وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها [الكهف: ٥٣] الآية ويكون ذلك له عذابا فوق العذاب وكذا البكم والصمم يزيلهما الله تعالى عنهم كما يدل عليه قوله تعالى أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا [مريم: ٣٨].
وفي رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن الكافر يحشر أولا بصيرا ثم يعمى فيكون الإخبار بأنه قد كان بصيرا إخبارا عما كان عليه في أول حشره، والظاهر أن ذلك العمى يزول أيضا، وعن عكرمة أنه لا يرى شيئا إلا النار، ولعل ذلك أيضا في بعض أجزاء ذلك اليوم وإلا فكيف يقرأ كتابه، وروي عن مجاهد ومقاتل والضحاك وأبي صالح وهي رواية عن ابن عباس أيضا أن المعنى نحشره يوم القيامة أعمى عن الحجة أي لا حجة له يهتدي بها. وهو مراد من قال: أعمى القلب والبصيرة، واختار ذلك إبراهيم بن عرفة وقال كلما ذكر الله سبحانه في كتابه العمى فذمه فإنما يراد به عمى القلب قال سبحانه وتعالى: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: ٤٦] وعلى هذا فالمراد بقوله وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً وقد كنت عالما بحجتي بصيرا بها أحاج عن نفسي في الدنيا. ومنه يعلم اندفاع ما قاله ابن عطية في رد من حمل العمى على عمى البصيرة من أنه لو كان كذلك لم يحس الكافر به لأنه كان في الدنيا أعمى البصيرة ومات وهو كذلك. وحاصل الجواب عليه إني حشرتك أعمى القلب لا تهتدي إلى ما ينجيك من الحجة لأنك تركت في الدنيا آياتي وحججي وكما تركت ذلك تترك على هذا العمى أبدا، وقيل: المراد بأعمى متحيرا لا يدري ما يصنع من الحيل في دفع العذاب كالأعمى الذي يتحير في دفع ما لا يراه. وليس في الآية دليل كما يتوهم على عد نسيان القرآن أو آية منه كبيرة كما ذهب إليه الإمام الرافعي ويشعر كلام الإمام النووي في الروضة باختياره لأن المراد بنسيان الآيات بعد القول بشمولها آيات القرآن تركها وعدم الإيمان بها. ومن عد نسيان شيء من القرآن كبيرة أراد بالنسيان معناه الحقيقي نعم تجوز أبو شامة شيخ النووي فحمل النسيان في الأحاديث الواردة في ذم
قالَ الله تعالى في جوابه كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا الكاف مقحمة كما في مثلك لا يبخل وذلك إشارة إلى مصدر أتتك أي مثل ذلك الإتيان البديع أتتك الآيات الواضحة النيرة. وعند الزمخشري لا إقحام وذلك إشارة إلى حشره أعمى أي مثل ذلك الفعل فعلت أنت. وقوله تعالى أَتَتْكَ إلخ جواب سؤال مقدر كأنه قيل: يا رب ما فعلت أنا؟ فقيل: أتتك آياتنا فَنَسِيتَها أي تركتها ترك المنسي الذي لا يذكر أصلا، والمراد فعميت عنها إلا أنه وضع المسبب موضع السبب لأن من عمي عن شيء نسيه وتركه. والإشارة في قوله تعالى وَكَذلِكَ إلى النسيان المفهوم من نسيتها والكاف على ظاهرها أي مثل ذلك النسيان الذي كنت فعلته في الدنيا الْيَوْمَ تُنْسى أي تترك في العمى جزاء وفاقا، وقيل: الكاف بمعنى اللام الأجلية كما قيل في قوله تعالى وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ [البقرة: ١٩٨] أي ولأجل ذلك النسيان الصادر منك تنسى. وهذا الترك يبقى إلى ما شاء الله تعالى ثم يزال العمى عنه فيرى أهوال القيامة ويشاهد النار كما قال سبحانه وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها [الكهف: ٥٣] الآية ويكون ذلك له عذابا فوق العذاب وكذا البكم والصمم يزيلهما الله تعالى عنهم كما يدل عليه قوله تعالى أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا [مريم: ٣٨].
وفي رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن الكافر يحشر أولا بصيرا ثم يعمى فيكون الإخبار بأنه قد كان بصيرا إخبارا عما كان عليه في أول حشره، والظاهر أن ذلك العمى يزول أيضا، وعن عكرمة أنه لا يرى شيئا إلا النار، ولعل ذلك أيضا في بعض أجزاء ذلك اليوم وإلا فكيف يقرأ كتابه، وروي عن مجاهد ومقاتل والضحاك وأبي صالح وهي رواية عن ابن عباس أيضا أن المعنى نحشره يوم القيامة أعمى عن الحجة أي لا حجة له يهتدي بها. وهو مراد من قال: أعمى القلب والبصيرة، واختار ذلك إبراهيم بن عرفة وقال كلما ذكر الله سبحانه في كتابه العمى فذمه فإنما يراد به عمى القلب قال سبحانه وتعالى: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: ٤٦] وعلى هذا فالمراد بقوله وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً وقد كنت عالما بحجتي بصيرا بها أحاج عن نفسي في الدنيا. ومنه يعلم اندفاع ما قاله ابن عطية في رد من حمل العمى على عمى البصيرة من أنه لو كان كذلك لم يحس الكافر به لأنه كان في الدنيا أعمى البصيرة ومات وهو كذلك. وحاصل الجواب عليه إني حشرتك أعمى القلب لا تهتدي إلى ما ينجيك من الحجة لأنك تركت في الدنيا آياتي وحججي وكما تركت ذلك تترك على هذا العمى أبدا، وقيل: المراد بأعمى متحيرا لا يدري ما يصنع من الحيل في دفع العذاب كالأعمى الذي يتحير في دفع ما لا يراه. وليس في الآية دليل كما يتوهم على عد نسيان القرآن أو آية منه كبيرة كما ذهب إليه الإمام الرافعي ويشعر كلام الإمام النووي في الروضة باختياره لأن المراد بنسيان الآيات بعد القول بشمولها آيات القرآن تركها وعدم الإيمان بها. ومن عد نسيان شيء من القرآن كبيرة أراد بالنسيان معناه الحقيقي نعم تجوز أبو شامة شيخ النووي فحمل النسيان في الأحاديث الواردة في ذم
586
نسيان شيء من القرآن على ترك العمل به. وتحقيق هذه المسألة وأن كون النسيان بالمعنى الأول كبيرة عند من قال به مشروط كما قال الجلال البلقيني والزركشي وغيرهما بما إذا كان عن تكاسل وتهاون يطلب من محله وكذا تحقيق حال الأحاديث الواردة في ذلك.
وقرأ حمزة والكسائي وخلف «أعمى» بالإمالة في الموضعين لأنه من ذوات الياء. وأمال أبو عمرو في الأول فقط لكونه جديرا بالتغيير لكونه رأس الآية ومحل الوقف وَكَذلِكَ أي ومثل ذلك الجزاء الموافق للجناية نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ بالانهماك في الشهوات وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ بل كذبها وأعرض عنها، والمراد تشبيه الجزاء العام بالجزاء الخاص وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ على الإطلاق أو عذاب النار أَشَدُّ من عذاب الأولى وَأَبْقى أي أكثر بقاء منه أو أشد وأبقى من ذلك ومن عذاب القبر أو منهما ومن الحشر على العمى.
أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كلام مستأنف مسوق لتقرير ما قبله من قوله تعالى وَكَذلِكَ نَجْزِي الآية والهمزة للإنكار التوبيخي والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام. واستعمال الهداية باللام إما لتنزيلها منزلة اللازم فلا حاجة إلى المفعول أو لأنها بمعنى التبيين والمفعول الثاني محذوف. وأيّا ما كان فالفاعل ضميره تعالى وضمير لَهُمْ للمشركين المعاصرين لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. والمعنى أغفلوا فلم يفعل الله تعالى لهم الهداية أو فلم يبين عز وجل لهم العبر.
وقوله تعالى: كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ إما بيان بطريق الالتفات لتلك الهداية أو كالتفسير للمفعول المحذوف، وقيل: فاعل يَهْدِ ضميره صلّى الله عليه وسلّم، وقيل: ضمير الإهلاك المفهوم من قوله تعالى: كَمْ أَهْلَكْنا والجملة مفسرة له، وقيل: الفاعل محذوف أي النظر والاعتبار ونسب ذلك إلى المبرد، وفيه حذف الفاعل وهو لا يجوز عند البصريين، وقال الزمخشري: الفاعل جملة كَمْ أَهْلَكْنا إلخ ووقوع الجملة فاعلا مذهب كوفي، والجمهور على خلافه لكن رجح ذلك هنا بأن التعليل فيما بعد يقتضيه. ورجح كون الفاعل ضميره تعالى شأنه بأنه قد قرأ فرقة منهم ابن عباس والسلمي «أفلم نهد» بالنون واختار بعضهم عليه كون الفعل منزلا منزلة اللازم وجملة كَمْ أَهْلَكْنا بيانا لتلك الهداية، وبعض آخر كونه متعديا والمفعول مضمون الجملة أي أفلم يبين الله تعالى لهم مضمون هذا الكلام، وقيل: الجملة سادة مسد المفعول والفعل معلق عنها، وتعقب بأن كَمْ هنا خبرية وهي لا تعلق عن العمل وإنما التي تعلق عنه كم الاستفهامية على ما نص عليه أبو حيان في البحر لكن أنت تعلم أنه إذا كان مدار التعليق الصدارة كما هو الظاهر فقد صرح ابن هشام بأن لكل من كم الاستفهامية وكم الخبرية ما ذكر ورد في المغني قول ابن عصفور: أن كَمْ في الآية فاعل يهد بأن لها الصدر ثم قال: وقوله إن ذلك جاء على لغة رديئة حكاها الأخفش عن بعضهم أنه يقول ملكت كم عبيد فيخرجها عن الصدرية خطأ عظيم إذ خرج كلام الله تعالى شأنه على هذه اللغة انتهى. وهو ظاهر في أنه قائل بأن كم هنا خبرية ولها الصدر. نعم نقل الحوفي عن بعضهم أنه رد القائل بالفاعلية بأنها استفهامية لا يعمل ما قبلها فيها والظاهر خبريتها وهي مفعول مقدم لأهلكنا ومِنَ الْقُرُونِ متعلق بمحذوف وقع صفة لمميزها أي كم قرن كائن من القرون يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ حال من الْقُرُونِ أو من مفعول أَهْلَكْنا أي أهلكناهم وهم في حال أمن وتقلب في ديارهم. واختار في البحر كونه حالا من الضمير في لَهُمْ مؤكدا للإنكار والعامل فيه يَهْدِ أي أفلم يهد للمشركين حال كونهم ماشين في مساكن من أهلكنا من القرون السالفة من أصحاب الحجر وثمود وقوم لوط مشاهدين لآثار هلاكهم إذا سافروا إلى الشام وغيره، وتوهم بعضهم أن الجملة في موضع الصفة للقرون وليس كذلك، وقرأ ابن السميفع «يمشّون» بالتشديد والبناء للمفعول أي يمكنون في المشي إِنَّ فِي ذلِكَ تعليل للإنكار
وقرأ حمزة والكسائي وخلف «أعمى» بالإمالة في الموضعين لأنه من ذوات الياء. وأمال أبو عمرو في الأول فقط لكونه جديرا بالتغيير لكونه رأس الآية ومحل الوقف وَكَذلِكَ أي ومثل ذلك الجزاء الموافق للجناية نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ بالانهماك في الشهوات وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ بل كذبها وأعرض عنها، والمراد تشبيه الجزاء العام بالجزاء الخاص وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ على الإطلاق أو عذاب النار أَشَدُّ من عذاب الأولى وَأَبْقى أي أكثر بقاء منه أو أشد وأبقى من ذلك ومن عذاب القبر أو منهما ومن الحشر على العمى.
أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كلام مستأنف مسوق لتقرير ما قبله من قوله تعالى وَكَذلِكَ نَجْزِي الآية والهمزة للإنكار التوبيخي والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام. واستعمال الهداية باللام إما لتنزيلها منزلة اللازم فلا حاجة إلى المفعول أو لأنها بمعنى التبيين والمفعول الثاني محذوف. وأيّا ما كان فالفاعل ضميره تعالى وضمير لَهُمْ للمشركين المعاصرين لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. والمعنى أغفلوا فلم يفعل الله تعالى لهم الهداية أو فلم يبين عز وجل لهم العبر.
وقوله تعالى: كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ إما بيان بطريق الالتفات لتلك الهداية أو كالتفسير للمفعول المحذوف، وقيل: فاعل يَهْدِ ضميره صلّى الله عليه وسلّم، وقيل: ضمير الإهلاك المفهوم من قوله تعالى: كَمْ أَهْلَكْنا والجملة مفسرة له، وقيل: الفاعل محذوف أي النظر والاعتبار ونسب ذلك إلى المبرد، وفيه حذف الفاعل وهو لا يجوز عند البصريين، وقال الزمخشري: الفاعل جملة كَمْ أَهْلَكْنا إلخ ووقوع الجملة فاعلا مذهب كوفي، والجمهور على خلافه لكن رجح ذلك هنا بأن التعليل فيما بعد يقتضيه. ورجح كون الفاعل ضميره تعالى شأنه بأنه قد قرأ فرقة منهم ابن عباس والسلمي «أفلم نهد» بالنون واختار بعضهم عليه كون الفعل منزلا منزلة اللازم وجملة كَمْ أَهْلَكْنا بيانا لتلك الهداية، وبعض آخر كونه متعديا والمفعول مضمون الجملة أي أفلم يبين الله تعالى لهم مضمون هذا الكلام، وقيل: الجملة سادة مسد المفعول والفعل معلق عنها، وتعقب بأن كَمْ هنا خبرية وهي لا تعلق عن العمل وإنما التي تعلق عنه كم الاستفهامية على ما نص عليه أبو حيان في البحر لكن أنت تعلم أنه إذا كان مدار التعليق الصدارة كما هو الظاهر فقد صرح ابن هشام بأن لكل من كم الاستفهامية وكم الخبرية ما ذكر ورد في المغني قول ابن عصفور: أن كَمْ في الآية فاعل يهد بأن لها الصدر ثم قال: وقوله إن ذلك جاء على لغة رديئة حكاها الأخفش عن بعضهم أنه يقول ملكت كم عبيد فيخرجها عن الصدرية خطأ عظيم إذ خرج كلام الله تعالى شأنه على هذه اللغة انتهى. وهو ظاهر في أنه قائل بأن كم هنا خبرية ولها الصدر. نعم نقل الحوفي عن بعضهم أنه رد القائل بالفاعلية بأنها استفهامية لا يعمل ما قبلها فيها والظاهر خبريتها وهي مفعول مقدم لأهلكنا ومِنَ الْقُرُونِ متعلق بمحذوف وقع صفة لمميزها أي كم قرن كائن من القرون يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ حال من الْقُرُونِ أو من مفعول أَهْلَكْنا أي أهلكناهم وهم في حال أمن وتقلب في ديارهم. واختار في البحر كونه حالا من الضمير في لَهُمْ مؤكدا للإنكار والعامل فيه يَهْدِ أي أفلم يهد للمشركين حال كونهم ماشين في مساكن من أهلكنا من القرون السالفة من أصحاب الحجر وثمود وقوم لوط مشاهدين لآثار هلاكهم إذا سافروا إلى الشام وغيره، وتوهم بعضهم أن الجملة في موضع الصفة للقرون وليس كذلك، وقرأ ابن السميفع «يمشّون» بالتشديد والبناء للمفعول أي يمكنون في المشي إِنَّ فِي ذلِكَ تعليل للإنكار
587
وتقرير للهداية مع عدم اهتدائهم. وذلِكَ إشارة إلى مضمون قوله تعالى كَمْ أَهْلَكْنا إلخ، وما فيه من معنى البعد للإشعار ببعد منزلته وعلو شأنه في بابه.
لَآياتٍ كثيرة عظيمة ظاهرات الدلالة على الحق، وجوز أن تكون كلمة في تجريدية كما قيل في قوله عز وجل لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: ٢١] لِأُولِي النُّهى أي لذوي العقول النهاية عن القبائح التي من أقبحها ما يتعاطاه هؤلاء المنكر عليهم من الكفر بآيات الله تعالى والتعامي عنها وغير ذلك من فنون المعاصي.
وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ كلام مستأنف سيق لبيان حكمة عدم وقوع ما يشعر به قوله تعالى أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ الآية من أن يصيبهم مثل ما أصاب القرون المهلكة والكلمة السابقة هي العدة بتأخير عذاب الاستئصال عن هذه الأمة إما إكراما للنبي صلّى الله عليه وسلّم كما يشعر به التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره صلّى الله عليه وسلّم قوله تعالى وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [الأنفال: ٣٣] أو لأن من نسلهم من يؤمن أو لحكمة أخرى الله تعالى أعلم بها أي لولا الكلمة السابقة والعدة بتأخير العذاب لَكانَ أي عقاب جناياتهم لِزاماً أي لازما لهؤلاء الكفرة بحيث لا يتأخر عن جناياتهم ساعة لزوم ما نزل بأضرابهم من القرون السالفة، واللزام إما مصدر لازم كالخصام وصف به للمبالغة أو اسم آلة كحزام وركاب والوصف به للمبالغة أيضا كلزاز خصم بمعنى ملح على خصمه.
وجوز أبو البقاء كونه جمع لازم كقيام جمع قائم وهو خلاف الظاهر وَأَجَلٌ مُسَمًّى عطف على كَلِمَةٌ كما أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة والسدي أي لولا العدة بتأخير عذابهم والأجل المسمى لأعمارهم لما تأخر عذابهم أصلا، وفصله عما عطف عليه للمسارعة إلى بيان جواب لولا، والإشعار باستقلال كل منهما بنفي لزوم العذاب ومراعاة فواصل الآي الكريمة، وقيل: أي ولولا أجل مسمى لعذابهم وهو يوم القيامة.
وتعقب بأنه يتحد حينئذ بالكلمة السابقة فلا يصح إدراج استقلال كل منهم بالنفي في عداد نكت الفصل.
وأجيب بأنه لا يلزم من تأخير العذاب عن الدنيا أن يكون له وقت لا يتأخر عنه ولا يتخلف فلا مانع من الاستقلال.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد أن الأجل المسمى هي الكلمة التي سبقت، وقيل: الأجل المسمى للعذاب هو يوم بدر وتعقب بأنه ينافي كون الكلمة هي العدة بتأخير عذاب هذه الأمة. وأجيب بأن المراد من ذلك العذاب هو عذاب الاستئصال ولم يقع يوم بدر وجوز الزمخشري كون العطف على المستكن في كان العائد إلى الأخذ العاجل المفهوم من السياق تنزيلا للفصل بالخبر منزلة التأكيد أي لكان الأخذ العاجل والأجل المسمى لازمين لهم كدأب عاد وثمود وأضرابهم، ولم ينفرد الأجل المسمى دون الأخذ العاجل، وأنت تعلم أن هذا لا يتسنى إذا كان لِزاماً اسم آلة للزوم التثنية حينئذ فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ أي إذا كان الأمر على ما ذكر من أن تأخير عذابهم ليس باهمال بل إمهال وأنه لازم لهم البتة فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ من كلمات الكفر فإن علمه صلّى الله عليه وسلّم بأنهم معذبون لا محالة مما يسليه ويحمله على الصبر، والمراد به عدم الاضطراب لا ترك القتال حتى تكون الآية منسوخة وَسَبِّحْ ملتبسا بِحَمْدِ رَبِّكَ أي صل وأنت حامد لربك عز وجل الذي يبلغك إلى كمالات على هدايته وتوفيقه سبحانه قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أي صلاة الفجر وَقَبْلَ غُرُوبِها أي صلاة المغرب، والظاهر أن الظرف متعلق بسبح.
وقد أخرج تفسير التسبيح في هذين الوقتين بما ذكر الطبراني وابن عساكر وابن مردويه عن جرير مرفوعا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وأخرج الحاكم عن فضالة بن وهب الليثي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له: «حافظ على العصرين
لَآياتٍ كثيرة عظيمة ظاهرات الدلالة على الحق، وجوز أن تكون كلمة في تجريدية كما قيل في قوله عز وجل لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: ٢١] لِأُولِي النُّهى أي لذوي العقول النهاية عن القبائح التي من أقبحها ما يتعاطاه هؤلاء المنكر عليهم من الكفر بآيات الله تعالى والتعامي عنها وغير ذلك من فنون المعاصي.
وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ كلام مستأنف سيق لبيان حكمة عدم وقوع ما يشعر به قوله تعالى أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ الآية من أن يصيبهم مثل ما أصاب القرون المهلكة والكلمة السابقة هي العدة بتأخير عذاب الاستئصال عن هذه الأمة إما إكراما للنبي صلّى الله عليه وسلّم كما يشعر به التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره صلّى الله عليه وسلّم قوله تعالى وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [الأنفال: ٣٣] أو لأن من نسلهم من يؤمن أو لحكمة أخرى الله تعالى أعلم بها أي لولا الكلمة السابقة والعدة بتأخير العذاب لَكانَ أي عقاب جناياتهم لِزاماً أي لازما لهؤلاء الكفرة بحيث لا يتأخر عن جناياتهم ساعة لزوم ما نزل بأضرابهم من القرون السالفة، واللزام إما مصدر لازم كالخصام وصف به للمبالغة أو اسم آلة كحزام وركاب والوصف به للمبالغة أيضا كلزاز خصم بمعنى ملح على خصمه.
وجوز أبو البقاء كونه جمع لازم كقيام جمع قائم وهو خلاف الظاهر وَأَجَلٌ مُسَمًّى عطف على كَلِمَةٌ كما أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة والسدي أي لولا العدة بتأخير عذابهم والأجل المسمى لأعمارهم لما تأخر عذابهم أصلا، وفصله عما عطف عليه للمسارعة إلى بيان جواب لولا، والإشعار باستقلال كل منهما بنفي لزوم العذاب ومراعاة فواصل الآي الكريمة، وقيل: أي ولولا أجل مسمى لعذابهم وهو يوم القيامة.
وتعقب بأنه يتحد حينئذ بالكلمة السابقة فلا يصح إدراج استقلال كل منهم بالنفي في عداد نكت الفصل.
وأجيب بأنه لا يلزم من تأخير العذاب عن الدنيا أن يكون له وقت لا يتأخر عنه ولا يتخلف فلا مانع من الاستقلال.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد أن الأجل المسمى هي الكلمة التي سبقت، وقيل: الأجل المسمى للعذاب هو يوم بدر وتعقب بأنه ينافي كون الكلمة هي العدة بتأخير عذاب هذه الأمة. وأجيب بأن المراد من ذلك العذاب هو عذاب الاستئصال ولم يقع يوم بدر وجوز الزمخشري كون العطف على المستكن في كان العائد إلى الأخذ العاجل المفهوم من السياق تنزيلا للفصل بالخبر منزلة التأكيد أي لكان الأخذ العاجل والأجل المسمى لازمين لهم كدأب عاد وثمود وأضرابهم، ولم ينفرد الأجل المسمى دون الأخذ العاجل، وأنت تعلم أن هذا لا يتسنى إذا كان لِزاماً اسم آلة للزوم التثنية حينئذ فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ أي إذا كان الأمر على ما ذكر من أن تأخير عذابهم ليس باهمال بل إمهال وأنه لازم لهم البتة فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ من كلمات الكفر فإن علمه صلّى الله عليه وسلّم بأنهم معذبون لا محالة مما يسليه ويحمله على الصبر، والمراد به عدم الاضطراب لا ترك القتال حتى تكون الآية منسوخة وَسَبِّحْ ملتبسا بِحَمْدِ رَبِّكَ أي صل وأنت حامد لربك عز وجل الذي يبلغك إلى كمالات على هدايته وتوفيقه سبحانه قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أي صلاة الفجر وَقَبْلَ غُرُوبِها أي صلاة المغرب، والظاهر أن الظرف متعلق بسبح.
وقد أخرج تفسير التسبيح في هذين الوقتين بما ذكر الطبراني وابن عساكر وابن مردويه عن جرير مرفوعا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وأخرج الحاكم عن فضالة بن وهب الليثي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له: «حافظ على العصرين
588
قلت: وما العصران؟ قال: صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها»،
وقيل: المراد بالتسبيح قبل غروبها صلاتا الظهر والعصر لأن وقت كل منهما قبل غروبها وبعد زوالها وجمعها لمناسبة قوله تعالى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وأنت تعلم أن قبل الغروب وإن كان باعتبار معناه اللغوي صادقا على وقت الظهر ووقت العصر إلا أن الاستعمال الشائع فيه وقت العصر، وقوله تعالى وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ أي من ساعاته جمع إنى وانو بالياء والواو وكسر الهمزة وإنا بالكسر والقصر وآناءِ بالفتح والمد ولم يشتهر اشتهار الثلاثة الأول، وذكره من يوثق به من المفسرين، وقال الراغب في مفراته:
قال الله تعالى غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ [الأحزاب: ٥٣] أي وقته، والإناه إذا كسر أوله قصر وإذا فتح مد نحو قول الحطيئة:
ثم قال: ويقال آنيت الشيء إيناء أي أخرته عن أوانه ويانيت تأخرت اه، وفي المصباح آنيته بالفتح والمد أخرته، والاسم أناء بوزن سلام قيل منصوب على الظرفية بمضمر، وقوله سبحانه فَسَبِّحْ عطف عليه أي قم بعض آناء الليل فسبح وهو كما ترى، وقيل: منصوب بسبح على نسق وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [البقرة: ٤٠]، والفاء على الأول عاطفة وعلى الثاني مفسرة، وقيل: إنه معمول فَسَبِّحْ، والفاء زائدة فائدتها الدلالة على لزوم ما بعدها لما قبلها.
وذكر الخفاجي أنه معمول لما ذكر من غير حاجة لدعوى زيادة الفاء لأنها لا تمنع عمل ما بعدها فيما قبلها كما صرح به النحاة، والمراد من التسبيح في بعض آناء الليل صلاة المغرب وصلاة العشاء وللاعتناء بشأنهما لم يكتف في الأمر بفعلهما بالفعل السابق بأن يعطف مِنْ آناءِ اللَّيْلِ على أحد الظرفين السابقين من غير ذكر فسبح وللاهتمام بشأن آناء الليل وامتيازها على سائر الأوقات بأمور خاصية وعامية قدم ذكرها على الأمر ولم يسلك بها مسلك ما تقدم.
وقوله تعالى وَأَطْرافَ النَّهارِ عطف على محل قوله سبحانه مِنْ آناءِ اللَّيْلِ وقيل: على قوله عز وجل قَبْلَ طُلُوعِ والمراد من التسبيح أطراف النهار على ما أخرج ابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن قتادة صلاة الظهر واختاره الجبائي، ووجه إطلاق الطرف على وقتها بأنه نهاية النصف الأول من النهار وبداية النصف الأخير منه، وجمعه باعتبار النصفين أو لأن تعريف النهار للجنس الشامل لكل نهار فيكون الجمع باعتبار تعدد النهار وأن لكل طرفا كذا قيل. وأورد على ذلك أن البداية والنهاية فيه ليست على وتيرة واحدة لأن كون ذلك نهاية باعتبار أن النصف الأول انتهى عنده وهو خارج عنه وبداية باعتبار أن النصف الثاني ابتدأ منه وهو داخل فيه، ولا شك في بعد كون الجمع بمثل هذا الاعتبار على أنه لا بد مع ذلك من القول بأن أقل الجمع اثنان، وأيضا أن إطلاق الطرف على طرف أحد نصفيه تكلف فإنه ليس طرفا له بل لنصفه.
وقيل: هذا تكرير لصلاتي الصبح والمغرب إيذانا باختصاصهما بمزيد مزية، والمراد بالنهار ما بين طلوع الشمس وغروبها وبالطرف ما يلاصق أول الشيء وآخره، والإتيان بلفظ الجمع مع أن المراد اثنان لا من اللبس إذ النهار ليس له إلا طرفان، ونظيره قول العجاج:
والمرجح المشاكلة لآناء الليل، واختار هذا من أدخل الظهر فيما قبل الغروب، وفيه أن الطرف حقيقة فيما ينتهي به الشيء وهو منه ويطلق على أوله وآخره وإطلاقه على الملاصق المذكور ليس بحقيقة، وأجيب بأنه سائغ شائع وإن لم يكن حقيقة وجوز أن يكون تكريرا لصلاتي الصبح والعصر ويراد بالنهار ما بين طلوع الفجر وغروب الشمس وبالطرف الأول، والآخر بحسب العرف وإذا أريد بالنهار ما بين طلوع الشمس وغروبها يبعد هذا التجويز إذ لا يكون
وقيل: المراد بالتسبيح قبل غروبها صلاتا الظهر والعصر لأن وقت كل منهما قبل غروبها وبعد زوالها وجمعها لمناسبة قوله تعالى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وأنت تعلم أن قبل الغروب وإن كان باعتبار معناه اللغوي صادقا على وقت الظهر ووقت العصر إلا أن الاستعمال الشائع فيه وقت العصر، وقوله تعالى وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ أي من ساعاته جمع إنى وانو بالياء والواو وكسر الهمزة وإنا بالكسر والقصر وآناءِ بالفتح والمد ولم يشتهر اشتهار الثلاثة الأول، وذكره من يوثق به من المفسرين، وقال الراغب في مفراته:
قال الله تعالى غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ [الأحزاب: ٥٣] أي وقته، والإناه إذا كسر أوله قصر وإذا فتح مد نحو قول الحطيئة:
وآنيت العشاء إلى سهيل | أو الشعرى فطال بي الإناء |
وذكر الخفاجي أنه معمول لما ذكر من غير حاجة لدعوى زيادة الفاء لأنها لا تمنع عمل ما بعدها فيما قبلها كما صرح به النحاة، والمراد من التسبيح في بعض آناء الليل صلاة المغرب وصلاة العشاء وللاعتناء بشأنهما لم يكتف في الأمر بفعلهما بالفعل السابق بأن يعطف مِنْ آناءِ اللَّيْلِ على أحد الظرفين السابقين من غير ذكر فسبح وللاهتمام بشأن آناء الليل وامتيازها على سائر الأوقات بأمور خاصية وعامية قدم ذكرها على الأمر ولم يسلك بها مسلك ما تقدم.
وقوله تعالى وَأَطْرافَ النَّهارِ عطف على محل قوله سبحانه مِنْ آناءِ اللَّيْلِ وقيل: على قوله عز وجل قَبْلَ طُلُوعِ والمراد من التسبيح أطراف النهار على ما أخرج ابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن قتادة صلاة الظهر واختاره الجبائي، ووجه إطلاق الطرف على وقتها بأنه نهاية النصف الأول من النهار وبداية النصف الأخير منه، وجمعه باعتبار النصفين أو لأن تعريف النهار للجنس الشامل لكل نهار فيكون الجمع باعتبار تعدد النهار وأن لكل طرفا كذا قيل. وأورد على ذلك أن البداية والنهاية فيه ليست على وتيرة واحدة لأن كون ذلك نهاية باعتبار أن النصف الأول انتهى عنده وهو خارج عنه وبداية باعتبار أن النصف الثاني ابتدأ منه وهو داخل فيه، ولا شك في بعد كون الجمع بمثل هذا الاعتبار على أنه لا بد مع ذلك من القول بأن أقل الجمع اثنان، وأيضا أن إطلاق الطرف على طرف أحد نصفيه تكلف فإنه ليس طرفا له بل لنصفه.
وقيل: هذا تكرير لصلاتي الصبح والمغرب إيذانا باختصاصهما بمزيد مزية، والمراد بالنهار ما بين طلوع الشمس وغروبها وبالطرف ما يلاصق أول الشيء وآخره، والإتيان بلفظ الجمع مع أن المراد اثنان لا من اللبس إذ النهار ليس له إلا طرفان، ونظيره قول العجاج:
ومهمهين فدفدين مرتين | ظهراهما مثل ظهور الترسين |
589
الطرفان حينئذ على وتيرة واحدة، وقيل: هو أمر بالتطوع في الساعات الأخيرة للنهار وفيه صرف الأمر عن ظاهره مع أن في كون الساعات الأخيرة للنهار زمن تطوع بالصلاة كلاما لا يخفى على الفقيه.
وقال أبو حيان: الظاهر أن قوله تعالى: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ أمر بالتسبيح مقرونا بالحمد وحينئذ إما أن يراد اللفظ أي قل- سبحان الله والحمد الله- أو يراد المعنى أي نزهه سبحانه عن السوء وأثنى عليه بالجميل.
وفي خبر ذكره ابن عطية «من سبح عند غروب الشمس سبعين تسبيحة غربت بذنوبه»
وقال أبو مسلم: لا يبعد حمل ذلك على التنزيه والإجلال، والمعنى اشتغل بتنزيه الله تعالى في هذه الأوقات وعلى ذلك حمله أيضا العز بن عبد السلام وجعل الباء في قوله سبحانه: بِحَمْدِ رَبِّكَ للآلة، وقال: إن ذلك لتعيين سلب صفات النقص لأن من سلب شيئا فقد أثبت ضده وأضداد صفات النقص صفات الكمال فمن نزهه سبحانه فقد أثبت صفات الكمال، وجوز في إضافة الحمد إلى الرب أن تكون من إضافة المصدر إلى الفاعل أو من إضافة المصدر إلى المفعول أو من إضافة الاختصاص بأن يكون الحمد بمعنى المحامد، ثم استحسن الأول لأن الحمد الحق الكامل حمد الله تعالى نفسه، والمتبادر جعل الباء للملابسة والإضافة من إضافة المصدر إلى المفعول.
واختار الإمام حمل التسبيح على التنزيه من الشرك، وقال: إنه أقرب إلى الظاهر وإلى ما تقدم ذكره لأنه سبحانه صبره أولا على ما يقولون من التكذيب وإظهار الكفر والشرك والذي يليق بذلك أن يؤمر بتنزيهه تعالى عن قولهم: حتى يكون مظهرا لذلك وداعيا إليه. واعترض بأنه لا وجه حينئذ لتخصيص هذه الأوقات بالذكر، وأجيب بأن المراد بذكرها الدلالة على الدوام كما في قوله تعالى: بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ [الأنعام: ٥٢، الكهف: ٢٨] مع أن لبعض الأوقات مزية لأمر لا يعلمه إلا الله تعالى. ورد بأنه يأباه من التبعيضية في قوله سبحانه مِنْ آناءِ اللَّيْلِ على أن هذه الدلالة يكفيها أن يقال: قبل طلوع الشمس وبعده لتناوله الليل والنهار فالزيادة تدل على أن المراد خصوصية الوقت، ولا يخفى أن قوله سبحانه مِنْ آناءِ اللَّيْلِ متعلق بسبح الثاني فليكن الأول للتعميم، والثاني لتخصيص البعض اعتناء به، نعم يرد أن التنزيه عن الشرك لا معنى لتخصيصه إلا إذا أريد به قول: سبحان الله مرادا به التنزيه عن الشرك، وقيل: يجوز أن يكون المراد بالتسبيح ما هو الظاهر منه ويكون المراد من الحمد الصلاة. والظرف متعلق به فتكون حكمة التخصيص ظاهرة كذا في الحواشي الشهابية. وقد عورض ما قاله الإمام بأن الأنسب بالأمر بالصبر الأمر بالصلاة ليكون ذلك إرشادا لما تضمنه قوله تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة: ٤٥] وأيضا الأمر الآتي أوفق بحمل الأمر بالتسبيح على الأمر بالصلاة وقد علمت أن الآثار تقتضي ذلك ثم إنه يجوز أن يراد بالطرف طائفة من الشيء فإنه أحد معانيه كما في الصحاح والقاموس وإذا كان تعريف النهار للجنس على هذا لم يبق الكلام فيما روي عن قتادة كما كان فتدبر.
لَعَلَّكَ تَرْضى قيل: هو متعلق بسبح أي سبح في هذه الأوقات رجاء أن تنال عنده تعالى ما ترضي به نفسك من الثواب. واستدل به على عدم الوجوب على الله تعالى، وجوز أن يكون متعلقا بالأمر بالصبر والأمر بالصلاة، والمراد لَعَلَّكَ تَرْضى في الدنيا بحصول الظفر وانتشار أمر الدعوة ونحو ذلك، وقرأ أبو حيوة وطلحة والكسائي وأبو بكر وأبان وعصمة وأبو عمارة عن حفص وأبو زيد عن المفضل وأبو عبيد ومحمد بن عيسى الأصفهاني «ترضى» على صيغة البناء للمفعول من أرضى أي يرضيك ربك.
وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ أي لا تطل نظرهما بطريق الرغبة والميل إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ من زخارف الدنيا كالبنين.
والأموال والمنازل والملابس والمطاعم أَزْواجاً مِنْهُمْ أي أصنافا من الكفرة وهو مفعول متعنا قدم عليه الجار
وقال أبو حيان: الظاهر أن قوله تعالى: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ أمر بالتسبيح مقرونا بالحمد وحينئذ إما أن يراد اللفظ أي قل- سبحان الله والحمد الله- أو يراد المعنى أي نزهه سبحانه عن السوء وأثنى عليه بالجميل.
وفي خبر ذكره ابن عطية «من سبح عند غروب الشمس سبعين تسبيحة غربت بذنوبه»
وقال أبو مسلم: لا يبعد حمل ذلك على التنزيه والإجلال، والمعنى اشتغل بتنزيه الله تعالى في هذه الأوقات وعلى ذلك حمله أيضا العز بن عبد السلام وجعل الباء في قوله سبحانه: بِحَمْدِ رَبِّكَ للآلة، وقال: إن ذلك لتعيين سلب صفات النقص لأن من سلب شيئا فقد أثبت ضده وأضداد صفات النقص صفات الكمال فمن نزهه سبحانه فقد أثبت صفات الكمال، وجوز في إضافة الحمد إلى الرب أن تكون من إضافة المصدر إلى الفاعل أو من إضافة المصدر إلى المفعول أو من إضافة الاختصاص بأن يكون الحمد بمعنى المحامد، ثم استحسن الأول لأن الحمد الحق الكامل حمد الله تعالى نفسه، والمتبادر جعل الباء للملابسة والإضافة من إضافة المصدر إلى المفعول.
واختار الإمام حمل التسبيح على التنزيه من الشرك، وقال: إنه أقرب إلى الظاهر وإلى ما تقدم ذكره لأنه سبحانه صبره أولا على ما يقولون من التكذيب وإظهار الكفر والشرك والذي يليق بذلك أن يؤمر بتنزيهه تعالى عن قولهم: حتى يكون مظهرا لذلك وداعيا إليه. واعترض بأنه لا وجه حينئذ لتخصيص هذه الأوقات بالذكر، وأجيب بأن المراد بذكرها الدلالة على الدوام كما في قوله تعالى: بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ [الأنعام: ٥٢، الكهف: ٢٨] مع أن لبعض الأوقات مزية لأمر لا يعلمه إلا الله تعالى. ورد بأنه يأباه من التبعيضية في قوله سبحانه مِنْ آناءِ اللَّيْلِ على أن هذه الدلالة يكفيها أن يقال: قبل طلوع الشمس وبعده لتناوله الليل والنهار فالزيادة تدل على أن المراد خصوصية الوقت، ولا يخفى أن قوله سبحانه مِنْ آناءِ اللَّيْلِ متعلق بسبح الثاني فليكن الأول للتعميم، والثاني لتخصيص البعض اعتناء به، نعم يرد أن التنزيه عن الشرك لا معنى لتخصيصه إلا إذا أريد به قول: سبحان الله مرادا به التنزيه عن الشرك، وقيل: يجوز أن يكون المراد بالتسبيح ما هو الظاهر منه ويكون المراد من الحمد الصلاة. والظرف متعلق به فتكون حكمة التخصيص ظاهرة كذا في الحواشي الشهابية. وقد عورض ما قاله الإمام بأن الأنسب بالأمر بالصبر الأمر بالصلاة ليكون ذلك إرشادا لما تضمنه قوله تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة: ٤٥] وأيضا الأمر الآتي أوفق بحمل الأمر بالتسبيح على الأمر بالصلاة وقد علمت أن الآثار تقتضي ذلك ثم إنه يجوز أن يراد بالطرف طائفة من الشيء فإنه أحد معانيه كما في الصحاح والقاموس وإذا كان تعريف النهار للجنس على هذا لم يبق الكلام فيما روي عن قتادة كما كان فتدبر.
لَعَلَّكَ تَرْضى قيل: هو متعلق بسبح أي سبح في هذه الأوقات رجاء أن تنال عنده تعالى ما ترضي به نفسك من الثواب. واستدل به على عدم الوجوب على الله تعالى، وجوز أن يكون متعلقا بالأمر بالصبر والأمر بالصلاة، والمراد لَعَلَّكَ تَرْضى في الدنيا بحصول الظفر وانتشار أمر الدعوة ونحو ذلك، وقرأ أبو حيوة وطلحة والكسائي وأبو بكر وأبان وعصمة وأبو عمارة عن حفص وأبو زيد عن المفضل وأبو عبيد ومحمد بن عيسى الأصفهاني «ترضى» على صيغة البناء للمفعول من أرضى أي يرضيك ربك.
وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ أي لا تطل نظرهما بطريق الرغبة والميل إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ من زخارف الدنيا كالبنين.
والأموال والمنازل والملابس والمطاعم أَزْواجاً مِنْهُمْ أي أصنافا من الكفرة وهو مفعول متعنا قدم عليه الجار
590
والمجرور للاعتناء به ومن بيانية، وجون أن يكون حالا من ضمير به ومن تبعيضية مفعول متعنا أو متعلقة بمحذوف وقع صفة لمفعوله المحذوف أي لا تمدن عينيك إلى الذي متعنا به وهو أصناف وأنواع بعضهم أو بعضا كائنا منهم.
والمراد على ما قيل استمر على ترك ذلك، وقيل: الخطاب له عليه الصلاة والسلام والمراد أمته لأنه صلّى الله عليه وسلّم كان أبعد شيء عن إطالة النظر إلى زينة الدنيا وزخارفها وأعلق بما عند الله عز وجل من كل أحد
وهو عليه الصلاة والسلام القائل «الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما أريد به وجه الله تعالى»
وكان صلّى الله عليه وسلّم شديد النهي عن الاغترار بالدنيا والنظر إلى زخرفها، والكلام على حذف مضاف أو فيه تجوز في النسبة، وفي العدول عن لا تنظر إلى ما متعنا به إلخ إلى ما في النظم الكريم إشارة إلى أن النظر الغير الممدود معفو وكان المنهي عنه في الحقيقة هو الإعجاب بذلك والرغبة فيه والميل إليه لكن بعض المتقين بالغوا في غض البصر عن ذلك حتى أنهم لم ينظروا إلى أبنية الظلمة وعدد الفسقة في اللباس والمركوب وغيرهما وذلك لمغزى بعيد وهو أنهم اتخذوها لعيون النظارة والفخر بها فيكون النظر إليها محصلا لغرضهم وكالمغري لهم على اتخاذها.
زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا أي زينتها وبهجتها وهو منصوب بمحذوف يدل عليه متعنا أي جعلنا لهم زهرة أو بمتعنا على أنه مفعول ثان له لتضمينه معنى أعطينا أو على أنه بدل من محل به وضعفه ابن الحاجب في أماليه لأن إبدال منصوب من محل جار ومجرور ضعيف كمررت بزيد أخاك ولأن الإبدال من العائد مختلف فيه. ومثل ذلك ما قيل إنه بدل من ما الموصولة لما فيه من الفصل بالبدل بين الصلة ومعمولها أو على أنه بدل من- أزواجا- بتقدير مضاف أي ذوي أو أهل زهرة، وقيل: بدون تقدير على كون- أزواجا- حالا بمعنى أصناف التمتعات أو على جعلهم نفس الزهرة مبالغة. وضعف هذا بأن مثله يجري في النعت لا في البدل لمشابهته لبدل الغلط حينئذ أو على أنه تمييز لما أو لضمير به، وحكي عن الفراء أو صفة- أزواجا- ورد ذلك لتعريف التمييز وتعريف وصف النكرة، وقيل: على أنه حال من ضمير به أو من ما وحذف التنوين لالتقاء الساكنين وجر الحياة على البدل من ما واختاره مكي ولا يخفى ما فيه، وقيل:
نصب على الذم أي اذم زهرة إلخ واعترض بأن المقام يأباه لأن المراد أن النفوس مجبولة على النظر إليها والرغبة فيها ولا يلائمه تحقيرها ورد بأن في إضافة الزهرة إلى الحياة الدنيا كل ذم وما ذكر من الرعبة من شهوة النفوس الغبية التي حرمت نور التوفيق.
وقرأ الحسن وأبو حيوة وطلحة وحميد وسلام ويعقوب وسهل وعيسى والزهري- «زهرة» - بفتح الهاء وهي لغة كالجهرة في الجهرة، وفي المحتسب لابن جني مذهب أصحابنا في كل حرف حلق ساكن بعد فتحة أنه لا يحرك إلا على أنه لغة كنهر ونهر وشعر وشعر ومذهب الكوفيين أنه يطرد تحريك الثاني لكونه حرفا حلقيا وإن لم يسمع ما لم يمنع منه مانع كما في لفظ- نحو- لأنه لو حرك قلب الواو ألفا، وجوز الزمخشري كون زهرة بالتحريك جمع زاهر ككافر وكفرة وهو وصف لأزواجا أي أزواجا من الكفرة زاهرين بالحياة الدنيا لصفاء ألوانهم مما يلهون ويتنعمون وتهلل وجوههم وبهاء زيهم بخلاف ما عليه المؤمنون والصلحاء من شحوب الألوان والتقشف في الثياب، وجوز على هذا كونه حالا لأن إضافته لفظية.
وأنت تعلم أن المتبادر من هذه الصفة قصد الثبوت لا الحدوث فلا تكون إضافتها لفظية على أن المعنى على تقدير الحالية ليس بذاك لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ متعلق بمتعنا أي لنعاملهم معاملة من يبتليهم ويختبرهم فيه أو لنعذبهم في الآخرة بسببه وفيه تنفير عن ذلك ببيان سوء عاقبته مآلا أثر بهجته حالا، وقرأ الأصمعي عن عاصم لنفتنهم بضم النون من أفتنه إذا جعل الفتنة واقعة فيه على ما قال أبو حيان وَرِزْقُ رَبِّكَ أي ما ادخر لك في الآخرة أو ما رزقك في
والمراد على ما قيل استمر على ترك ذلك، وقيل: الخطاب له عليه الصلاة والسلام والمراد أمته لأنه صلّى الله عليه وسلّم كان أبعد شيء عن إطالة النظر إلى زينة الدنيا وزخارفها وأعلق بما عند الله عز وجل من كل أحد
وهو عليه الصلاة والسلام القائل «الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما أريد به وجه الله تعالى»
وكان صلّى الله عليه وسلّم شديد النهي عن الاغترار بالدنيا والنظر إلى زخرفها، والكلام على حذف مضاف أو فيه تجوز في النسبة، وفي العدول عن لا تنظر إلى ما متعنا به إلخ إلى ما في النظم الكريم إشارة إلى أن النظر الغير الممدود معفو وكان المنهي عنه في الحقيقة هو الإعجاب بذلك والرغبة فيه والميل إليه لكن بعض المتقين بالغوا في غض البصر عن ذلك حتى أنهم لم ينظروا إلى أبنية الظلمة وعدد الفسقة في اللباس والمركوب وغيرهما وذلك لمغزى بعيد وهو أنهم اتخذوها لعيون النظارة والفخر بها فيكون النظر إليها محصلا لغرضهم وكالمغري لهم على اتخاذها.
زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا أي زينتها وبهجتها وهو منصوب بمحذوف يدل عليه متعنا أي جعلنا لهم زهرة أو بمتعنا على أنه مفعول ثان له لتضمينه معنى أعطينا أو على أنه بدل من محل به وضعفه ابن الحاجب في أماليه لأن إبدال منصوب من محل جار ومجرور ضعيف كمررت بزيد أخاك ولأن الإبدال من العائد مختلف فيه. ومثل ذلك ما قيل إنه بدل من ما الموصولة لما فيه من الفصل بالبدل بين الصلة ومعمولها أو على أنه بدل من- أزواجا- بتقدير مضاف أي ذوي أو أهل زهرة، وقيل: بدون تقدير على كون- أزواجا- حالا بمعنى أصناف التمتعات أو على جعلهم نفس الزهرة مبالغة. وضعف هذا بأن مثله يجري في النعت لا في البدل لمشابهته لبدل الغلط حينئذ أو على أنه تمييز لما أو لضمير به، وحكي عن الفراء أو صفة- أزواجا- ورد ذلك لتعريف التمييز وتعريف وصف النكرة، وقيل: على أنه حال من ضمير به أو من ما وحذف التنوين لالتقاء الساكنين وجر الحياة على البدل من ما واختاره مكي ولا يخفى ما فيه، وقيل:
نصب على الذم أي اذم زهرة إلخ واعترض بأن المقام يأباه لأن المراد أن النفوس مجبولة على النظر إليها والرغبة فيها ولا يلائمه تحقيرها ورد بأن في إضافة الزهرة إلى الحياة الدنيا كل ذم وما ذكر من الرعبة من شهوة النفوس الغبية التي حرمت نور التوفيق.
وقرأ الحسن وأبو حيوة وطلحة وحميد وسلام ويعقوب وسهل وعيسى والزهري- «زهرة» - بفتح الهاء وهي لغة كالجهرة في الجهرة، وفي المحتسب لابن جني مذهب أصحابنا في كل حرف حلق ساكن بعد فتحة أنه لا يحرك إلا على أنه لغة كنهر ونهر وشعر وشعر ومذهب الكوفيين أنه يطرد تحريك الثاني لكونه حرفا حلقيا وإن لم يسمع ما لم يمنع منه مانع كما في لفظ- نحو- لأنه لو حرك قلب الواو ألفا، وجوز الزمخشري كون زهرة بالتحريك جمع زاهر ككافر وكفرة وهو وصف لأزواجا أي أزواجا من الكفرة زاهرين بالحياة الدنيا لصفاء ألوانهم مما يلهون ويتنعمون وتهلل وجوههم وبهاء زيهم بخلاف ما عليه المؤمنون والصلحاء من شحوب الألوان والتقشف في الثياب، وجوز على هذا كونه حالا لأن إضافته لفظية.
وأنت تعلم أن المتبادر من هذه الصفة قصد الثبوت لا الحدوث فلا تكون إضافتها لفظية على أن المعنى على تقدير الحالية ليس بذاك لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ متعلق بمتعنا أي لنعاملهم معاملة من يبتليهم ويختبرهم فيه أو لنعذبهم في الآخرة بسببه وفيه تنفير عن ذلك ببيان سوء عاقبته مآلا أثر بهجته حالا، وقرأ الأصمعي عن عاصم لنفتنهم بضم النون من أفتنه إذا جعل الفتنة واقعة فيه على ما قال أبو حيان وَرِزْقُ رَبِّكَ أي ما ادخر لك في الآخرة أو ما رزقك في
591
الدنيا من النبوة والهدى، وادعى صاحب الكشف أنه أنسب بهذا المقام أو ما ادخر لك فيها من فتح البلاد والغنائم، وقيل: القناعة خَيْرٌ مما متع به هؤلاء لأنه مع كونه في نفسه من أجل ما يتنافس فيه المتنافسون مأمون الغائلة بخلاف ما متعوا به وَأَبْقى فإنه نفسه أو أثره لا يكاد ينقطع كالذي متعوا به.
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ أمر صلّى الله عليه وسلّم أن يأمر أهله بالصلاة بعد ما أمر هو عليه الصلاة والسلام بها ليتعاونوا على الاستعانة على خصاصتهم ولا يهتموا بأمر المعيشة ولا يلتفتوا لفت ذوي الثروة، والمراد بأهله صلّى الله عليه وسلّم قيل أزواجه وبناته وصهره علي رضي الله تعالى عنهم، وقيل: ما يشملهم وسائر مؤمني بني هاشم والمطلب، وقيل: جميع المتبعين له عليه الصلاة والسلام من أمته، واستظهر أن المراد أهل بيته صلّى الله عليه وسلّم، وأيد بما أخرجه ابن مردويه وابن عساكر وابن النجار عن أبي سعيد الخدري قال: لما نزلت وَأْمُرْ أَهْلَكَ إلخ كان عليه الصلاة والسلام يجيء إلى باب علي كرم الله تعالى وجهه صلاة الغداة ثمانية أشهر يقول: الصلاة رحمكم الله تعالى إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويطهركم تطهيرا، وروى نحو ذلك الإمامية بطرق كثيرة.
والظاهر أن المراد بالصلاة الصلوات المفروضة ويؤمر بأدائها الصبي وإن لم تجب عليه ليعتاد ذلك
فقد روى أبو داود بإسناد حسن مرفوعا «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع»
وَاصْطَبِرْ عَلَيْها أي وداوم عليها فالصبر مجاز مرسل عن المداومة لأنها لازم معناه. وفيه إشارة إلى أن العبادة في رعايتها حق الرعاية مشقة على النفس، والخطاب عام شامل للأهل وإن كان في صورة الخاص وكذا فيما بعد، ولا يخفى ما في التعبير بالتسبيح أولا والصلاة ثانيا مع توجيه الخطاب بالمداومة إليه عليه الصلاة والسلام من الإشارة إلى مزيد رفعة شأنه صلّى الله عليه وسلّم، وقوله تعالى: لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ دفع لما عسى أن يخطر ببال أحد من أن المداومة على الصلاة ربما تضر بأمر المعاش فكأنه قيل داوموا على الصلاة غير مشتغلين بأمر المعاش عنها إذ لا نكلفكم رزق أنفسكم إذ نحن نرزقكم، وتقديم المسند إليه للاختصاص أو لإفادة التقوى، وزعم بعضهم أن الخطاب خاص وكذا الحكم إذ لو كان عاما لرخص لكل مسلم المداومة على الصلاة وترك الاكتساب وليس كذلك، وفيه أن قصارى ما يلزم العموم سواء كان الأهل خاصا أو عاما لسائر المؤمنين أن يرخص للمصلي ترك الاكتساب المانع من الصلاة وأي مانع عن ذلك بل ترك الاكتساب لأداء الصلاة المفروضة فرض وليس المراد بالمداومة عليها إلا أداؤها دائما في أوقاتها المعينة لها لا استغراق الليل والنهار بها وكان الزاعم ظن أن المراد بالصلاة ما يشمل المفروضة وغيرها وبالمداومة عليها فعلها دائما على وجه يمنع من الاكتساب وليس كذلك، ومما ذكرنا يعلم أنه لا حاجة في رد ما ذكره الزاعم إلى حمل العموم على شمول خطاب النبي صلّى الله عليه وسلّم لأهله فقط دون جميع الناس كما لا يخفى، نعم قد يستشعر من الآية أن الصلاة مطلقا تكون سببا لإدرار الرزق وكشف الهم وعلى ذلك يحمل ما جاء في الأخبار،
أخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن المنذر والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في لحلية والبيهقي في شعب الإيمان بسند صحيح عن عبد الله بن سلام قال: «كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا نزلت بأهله شدة أو ضيق أمرهم بالصلاة وتلا وأمر أهلك بالصلاة»
وأخرج أحمد في الزهد وغيره عن ثابت قال «كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا أصابت أهله خصاصة نادى أهله بالصلاة صلوا صلوا
قال ثابت: وكانت الأنبياء عليهم السلام إذا نزل بهم أمر فزعوا إلى الصلاة، وأخرج مالك والبيهقي عن أسلم قال كان عمر بن الخطاب يصي من الليل ما شاء الله تعالى أن يصلي حتى إذا كان آخر الليل أيقظ أهله للصلاة ويقول لهم: الصلاة الصلاة ويتلو هذه الآية وَأْمُرْ أَهْلَكَ إلخ، وجوز لظاهر الأخبار أن يراد بالصلاة مطلقها فتأمل، وقرأ ابن وثاب وجماعة «نرزقك» بإدغام القاف في الكاف، وجاء ذلك عن يعقوب وَالْعاقِبَةُ الحميدة أعم من الجنة وغيرها وعن السدي
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ أمر صلّى الله عليه وسلّم أن يأمر أهله بالصلاة بعد ما أمر هو عليه الصلاة والسلام بها ليتعاونوا على الاستعانة على خصاصتهم ولا يهتموا بأمر المعيشة ولا يلتفتوا لفت ذوي الثروة، والمراد بأهله صلّى الله عليه وسلّم قيل أزواجه وبناته وصهره علي رضي الله تعالى عنهم، وقيل: ما يشملهم وسائر مؤمني بني هاشم والمطلب، وقيل: جميع المتبعين له عليه الصلاة والسلام من أمته، واستظهر أن المراد أهل بيته صلّى الله عليه وسلّم، وأيد بما أخرجه ابن مردويه وابن عساكر وابن النجار عن أبي سعيد الخدري قال: لما نزلت وَأْمُرْ أَهْلَكَ إلخ كان عليه الصلاة والسلام يجيء إلى باب علي كرم الله تعالى وجهه صلاة الغداة ثمانية أشهر يقول: الصلاة رحمكم الله تعالى إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويطهركم تطهيرا، وروى نحو ذلك الإمامية بطرق كثيرة.
والظاهر أن المراد بالصلاة الصلوات المفروضة ويؤمر بأدائها الصبي وإن لم تجب عليه ليعتاد ذلك
فقد روى أبو داود بإسناد حسن مرفوعا «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع»
وَاصْطَبِرْ عَلَيْها أي وداوم عليها فالصبر مجاز مرسل عن المداومة لأنها لازم معناه. وفيه إشارة إلى أن العبادة في رعايتها حق الرعاية مشقة على النفس، والخطاب عام شامل للأهل وإن كان في صورة الخاص وكذا فيما بعد، ولا يخفى ما في التعبير بالتسبيح أولا والصلاة ثانيا مع توجيه الخطاب بالمداومة إليه عليه الصلاة والسلام من الإشارة إلى مزيد رفعة شأنه صلّى الله عليه وسلّم، وقوله تعالى: لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ دفع لما عسى أن يخطر ببال أحد من أن المداومة على الصلاة ربما تضر بأمر المعاش فكأنه قيل داوموا على الصلاة غير مشتغلين بأمر المعاش عنها إذ لا نكلفكم رزق أنفسكم إذ نحن نرزقكم، وتقديم المسند إليه للاختصاص أو لإفادة التقوى، وزعم بعضهم أن الخطاب خاص وكذا الحكم إذ لو كان عاما لرخص لكل مسلم المداومة على الصلاة وترك الاكتساب وليس كذلك، وفيه أن قصارى ما يلزم العموم سواء كان الأهل خاصا أو عاما لسائر المؤمنين أن يرخص للمصلي ترك الاكتساب المانع من الصلاة وأي مانع عن ذلك بل ترك الاكتساب لأداء الصلاة المفروضة فرض وليس المراد بالمداومة عليها إلا أداؤها دائما في أوقاتها المعينة لها لا استغراق الليل والنهار بها وكان الزاعم ظن أن المراد بالصلاة ما يشمل المفروضة وغيرها وبالمداومة عليها فعلها دائما على وجه يمنع من الاكتساب وليس كذلك، ومما ذكرنا يعلم أنه لا حاجة في رد ما ذكره الزاعم إلى حمل العموم على شمول خطاب النبي صلّى الله عليه وسلّم لأهله فقط دون جميع الناس كما لا يخفى، نعم قد يستشعر من الآية أن الصلاة مطلقا تكون سببا لإدرار الرزق وكشف الهم وعلى ذلك يحمل ما جاء في الأخبار،
أخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن المنذر والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في لحلية والبيهقي في شعب الإيمان بسند صحيح عن عبد الله بن سلام قال: «كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا نزلت بأهله شدة أو ضيق أمرهم بالصلاة وتلا وأمر أهلك بالصلاة»
وأخرج أحمد في الزهد وغيره عن ثابت قال «كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا أصابت أهله خصاصة نادى أهله بالصلاة صلوا صلوا
قال ثابت: وكانت الأنبياء عليهم السلام إذا نزل بهم أمر فزعوا إلى الصلاة، وأخرج مالك والبيهقي عن أسلم قال كان عمر بن الخطاب يصي من الليل ما شاء الله تعالى أن يصلي حتى إذا كان آخر الليل أيقظ أهله للصلاة ويقول لهم: الصلاة الصلاة ويتلو هذه الآية وَأْمُرْ أَهْلَكَ إلخ، وجوز لظاهر الأخبار أن يراد بالصلاة مطلقها فتأمل، وقرأ ابن وثاب وجماعة «نرزقك» بإدغام القاف في الكاف، وجاء ذلك عن يعقوب وَالْعاقِبَةُ الحميدة أعم من الجنة وغيرها وعن السدي
592
تفسيرها بالجنة لِلتَّقْوى أي لأهلها كما في قوله تعالى وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف: ١٢٨] ولو لم يقدر المضاف صح وفيما ذكر تنبيه على أن ملاك الأمر التقوى وَقالُوا لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ حكاية لبعض أقاويلهم الباطلة التي أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بالصبر عليها أي هلا يأتينا بآية تدل على صدقه في دعوى النبوة أو بآية من الآيات التي اقترحوها لا على التعيين بلغوا من المكابرة والعناد إلى حيث لم يعدوا ما شاهدوا من المعجزات التي تخر لها صم الجبال من قبيل الآيات حتى اجترءوا على التفوه بهذه العظيمة الشنعاء.
وقوله تعالى أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى رد من جهته تعالى لمقالتهم القبيحة وتكذيب لهم فيما دسوا تحتها من إنكار إتيان الآية بإتيان القرآن الكريم الذي هو أم الآيات وأس المعجزات وأرفعها وأنفعها لأن حقيقة المعجزة الأمر الخارق للعادة يظهر على يد مدعي النبوة عند التحدي أي أمر كان ولا ريب في أن العلم أجل الأمور وأعلاها إذ هو أصل الأعمال ومبدأ الأفعال وبه تنال المراتب العلية والسعادة الأبدية، ولقد ظهر مع حيازته لجميع علوم الأولين والآخرين على يد من لم يمارس شيئا من العلوم ولم يدارس أحدا من أهلها أصلا فأي معجزة تراد بعد وروده، وأية آية تطلب بعد وفوده، فالمراد بالبينة القرآن الكريم، والمراد بالصحف الأولى التوراة والإنجيل وسائر الكتب السماوية وبما فيها العقائد الحقة وأصول الأحكام التي اجتمعت عليها كافة الرسل عليهم السلام، ومعنى كونه بينة لذلك كونه شاهدا بحقيته، وفي إيراده بهذا العنوان ما لا يخفى من التنويه بشأنه والإنارة لبرهانه حيث أشار إلى امتيازه وغناه عما يشهد بحقية ما فيه باعجاره. وإسناد الإتيان إليه مع جعلهم إياه مأتيا به للتنبيه على أصالته فيه مع ما فيه من المناسبة للبينة، والهمزة لإنكار الوقوع والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام كأنه قيل: ألم يأتهم سائر الآيات ولم يأتهم خاصة بينة ما في الصحف الأولى تقريرا لإتيانه وإيذانا بأنه من الوضوح بحيث لا يتأتى منهم إنكار أصلا وإن اجترءوا على إنكار سائر الآيات مكابرة وعنادا، وتفسير الآية بما ذكر هو الذي تقتضيه جزالة التنزيل.
وزعم الإمام والطبرسي أن المعنى أو لم يأتهم في القرآن بيان ما في الكتب الأولى من أنباء الأمم التي أهلكناهم لما اقترحوا الآيات ثم كفروا بها فماذا يؤمنهم أن يكون حالهم في سؤال الآية بقولهم لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ كحال أولئك الهالكين اه. وهو بمعزل عن القبول كما لا يخفى على ذوي العقول. وقرأ أكثر السبعة وأبو بحرية وابن محيصن وطلحة وابن أبي ليلى وابن مناذر وخلف وأبو عبيد وابن سعدان وابن عيسى وابن جبير الأنطاكي «يأتهم» بالياء التحتانية لمجاز تأنيث الآية والفصل.
وقرأت فرقة منهم أبو زيد عن أبي عمرو «بينة» بالتنوين على أن ما بدل، وقال صاحب اللوامح: يجوز أن تكون ما على هذه القراءة نافية على أن يراد بالآتي ما في القرآن من الناسخ والفضل مما لم يكن في غيره من الكتب وهو كما ترى. وقرأت فرقة بنصب «بينة» والتنوين على أنه حال، وما فاعل. وقرأت فرقة منهم ابن عباس «الصحف» بإسكان الحاء للتخفيف، وقوله تعالى وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ إلى آخر الآية جملة مستأنفة لتقرير ما قبلها من كون القرآن آية بينة لا يمكن إنكارها ببيان أنهم يعترفون بها يوم القيامة، والمعنى ولو أنا أهلكناهم في الدنيا بعذاب مستأصل مِنْ قَبْلِهِ متعلق بأهلكنا أو بمحذوف هو صفة لعذاب أي بعذاب كائن من قبله، والضمير للبينة والتذكير باعتبار أنها برهان ودليل أو للإتيان المفهوم من الفعل أي من قبل إتيان البينة، وقال أبو حيان: إنه للرسول بقرينة ما بعد من ذكر الرسول وهو مراد من قال: أي من قبل إرسال محمد صلّى الله عليه وسلّم لَقالُوا أي يوم القيامة رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ في الدنيا إِلَيْنا رَسُولًا مع آيات فَنَتَّبِعَ آياتِكَ التي جاءنا بها مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ بالعذاب في الدنيا وَنَخْزى بدخول النار اليوم، وقال أبو حيان: الذل والخزي كلاهما بعذاب الآخرة. ونقل تفسير الذل بالهوان
وقوله تعالى أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى رد من جهته تعالى لمقالتهم القبيحة وتكذيب لهم فيما دسوا تحتها من إنكار إتيان الآية بإتيان القرآن الكريم الذي هو أم الآيات وأس المعجزات وأرفعها وأنفعها لأن حقيقة المعجزة الأمر الخارق للعادة يظهر على يد مدعي النبوة عند التحدي أي أمر كان ولا ريب في أن العلم أجل الأمور وأعلاها إذ هو أصل الأعمال ومبدأ الأفعال وبه تنال المراتب العلية والسعادة الأبدية، ولقد ظهر مع حيازته لجميع علوم الأولين والآخرين على يد من لم يمارس شيئا من العلوم ولم يدارس أحدا من أهلها أصلا فأي معجزة تراد بعد وروده، وأية آية تطلب بعد وفوده، فالمراد بالبينة القرآن الكريم، والمراد بالصحف الأولى التوراة والإنجيل وسائر الكتب السماوية وبما فيها العقائد الحقة وأصول الأحكام التي اجتمعت عليها كافة الرسل عليهم السلام، ومعنى كونه بينة لذلك كونه شاهدا بحقيته، وفي إيراده بهذا العنوان ما لا يخفى من التنويه بشأنه والإنارة لبرهانه حيث أشار إلى امتيازه وغناه عما يشهد بحقية ما فيه باعجاره. وإسناد الإتيان إليه مع جعلهم إياه مأتيا به للتنبيه على أصالته فيه مع ما فيه من المناسبة للبينة، والهمزة لإنكار الوقوع والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام كأنه قيل: ألم يأتهم سائر الآيات ولم يأتهم خاصة بينة ما في الصحف الأولى تقريرا لإتيانه وإيذانا بأنه من الوضوح بحيث لا يتأتى منهم إنكار أصلا وإن اجترءوا على إنكار سائر الآيات مكابرة وعنادا، وتفسير الآية بما ذكر هو الذي تقتضيه جزالة التنزيل.
وزعم الإمام والطبرسي أن المعنى أو لم يأتهم في القرآن بيان ما في الكتب الأولى من أنباء الأمم التي أهلكناهم لما اقترحوا الآيات ثم كفروا بها فماذا يؤمنهم أن يكون حالهم في سؤال الآية بقولهم لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ كحال أولئك الهالكين اه. وهو بمعزل عن القبول كما لا يخفى على ذوي العقول. وقرأ أكثر السبعة وأبو بحرية وابن محيصن وطلحة وابن أبي ليلى وابن مناذر وخلف وأبو عبيد وابن سعدان وابن عيسى وابن جبير الأنطاكي «يأتهم» بالياء التحتانية لمجاز تأنيث الآية والفصل.
وقرأت فرقة منهم أبو زيد عن أبي عمرو «بينة» بالتنوين على أن ما بدل، وقال صاحب اللوامح: يجوز أن تكون ما على هذه القراءة نافية على أن يراد بالآتي ما في القرآن من الناسخ والفضل مما لم يكن في غيره من الكتب وهو كما ترى. وقرأت فرقة بنصب «بينة» والتنوين على أنه حال، وما فاعل. وقرأت فرقة منهم ابن عباس «الصحف» بإسكان الحاء للتخفيف، وقوله تعالى وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ إلى آخر الآية جملة مستأنفة لتقرير ما قبلها من كون القرآن آية بينة لا يمكن إنكارها ببيان أنهم يعترفون بها يوم القيامة، والمعنى ولو أنا أهلكناهم في الدنيا بعذاب مستأصل مِنْ قَبْلِهِ متعلق بأهلكنا أو بمحذوف هو صفة لعذاب أي بعذاب كائن من قبله، والضمير للبينة والتذكير باعتبار أنها برهان ودليل أو للإتيان المفهوم من الفعل أي من قبل إتيان البينة، وقال أبو حيان: إنه للرسول بقرينة ما بعد من ذكر الرسول وهو مراد من قال: أي من قبل إرسال محمد صلّى الله عليه وسلّم لَقالُوا أي يوم القيامة رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ في الدنيا إِلَيْنا رَسُولًا مع آيات فَنَتَّبِعَ آياتِكَ التي جاءنا بها مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ بالعذاب في الدنيا وَنَخْزى بدخول النار اليوم، وقال أبو حيان: الذل والخزي كلاهما بعذاب الآخرة. ونقل تفسير الذل بالهوان
593
والخزي بالافتضاح والمراد أنا لو أهلكناهم قبل ذلك لقالوا ولكنا لم نهلكهم قبله فانقطعت معذرتهم فعند ذلك قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ [الملك: ٩].
وقرأ ابن عباس ومحمد بن الحنفية وزيد بن علي والحسن في رواية عباد والعمري وداود والفزاري وأبو حاتم ويعقوب «نذلّ ونخزى» بالبناء للمفعول، واستدل الأشاعرة بالآية على أن الوجوب لا يتحقق إلا بالشرع والجبائي على وجوب اللطف عليه عز وجل وفيه نظر قُلْ لأولئك الكفرة المتمردين كُلٌّ أي كل واحد منا ومنكم مُتَرَبِّصٌ أي منتظر لما يؤول إليه أمرنا وأمركم وهو خبر كُلٌّ وإفراده حملا له على لفظه فَتَرَبَّصُوا وقرىء «فتمتعوا» فَسَتَعْلَمُونَ عن قريب مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ أي المستقيم. وقرأ أبو مجلز وعمران بن حدير «السواء» أي الوسط، والمراد به الجيد.
وقرأ الجحدري وابن يعمر «السوأى» بالضم والقصر على وزن فعلى وهو تأنيث الأسوأ وأنث لتأنيث الصراط وهو مما يذكر ويؤنث. وقرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما «السوء» بفتح وسكون وهمزة آخره بمعنى الشر. وقرىء «السوي» بضم السين وفتح الواو وتشديد الياء وهو تصغير سوء بالفتح، وقيل: تصغير سوء بالضم، وقال أبو حيان:
الأجود أن يكون تصغير سواء كما قالوا في عطا عطي لأنه لو كان تصغير ذلك لثبتت همزته، وقيل: سوئي وتعقب بأن إبدال مثل هذه الهمزة ياء جائز، وعن الجحدري وابن يعمر أنهما قرأ «السوي» بالضم والقصر وتشديد الواو، واختير في تخريجه أن يكون أصله السوأى كما في الرواية الأولى فخففت الهمزة بإبدالها واوا وأدغمت الواو في الواو، وقد روعيت المقابلة على أكثر هذه القراءات بين ما تقدم وقوله تعالى وَمَنِ اهْتَدى أي من الضلالة ولم تراع على قراءة الجمهور والأولى من الشواذ.
ومن في الموضعين استفهامية في محل رفع على الابتداء والخبر ما بعد العطف من عطف الجمل ومجموع الجملتين المتعاطفتين ساد مسد مفعولي العلم أو مفعوله إن كان بمعنى المعرفة، وجوز كون من الثانية موصولة فتكون معطوفة على محل الجملة الأولى الاستفهامية المعلق عنها الفعل على أن العلم بمعنى المعرفة المتعدية لواحد إذ لولاه لكان الموصول بواسطة العطف أحد المفعولين وكان المفعول الآخر محذوفا اقتصارا وهو غير جائز.
وجوز أن تكون معطوفة على أَصْحابُ فتكون في حيز من الاستفهامية أي ومن الذي اهتدى أو على «الصراط» فتكون في حيز أصحاب أي ومن أَصْحابُ الذي اهتدى يعني النبي صلّى الله عليه وسلّم، وإذا عنى بالصراط السوي النبي عليه الصلاة والسلام أيضا كان العطف من باب عطف الصفات على الصفات مع اتحاد الذات.
وأجاز الفراء أن تكون من الأولى موصولة أيضا بمعنى الذين وهي في محل النصب على أنها مفعول للعلم بمعنى المعرفة وأَصْحابُ خبر مبتدأ محذوف وهو العائد أي الذين هم أصحاب الصراط وهذا جائز على مذهب الكوفيين فإنهم يجوزون حذف مثل هذا العائد سواء كان في الصلة طول أو لم يكن وسواء كان الموصول أيا أو غيره بخلاف البصريين، وما أشد مناسبة هذه الخاتمة للفاتحة. وقد ذكر الطيبي أنها خاتمة شريفة ناظرة إلى الفاتحة وأنه إذا لاح أن القرآن أنزل لتحمل تعب الإبلاغ ولا تنهك نفسك فحيث بلغت وبلغت جهدك فلا عليك وعليك بالإقبال على طاعتك قدر طاقتك وأمر أهلك وهم أمتك المتبعون بذلك ودع الذين لا ينجع فيهم الإنذار فإنه تذكرة لمن يخشى وسيندم المخالف حين لا ينفعه الندم انتهى.
«ومن باب الإشارة في الآيات» فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى قيل: إنه عليه السلام رأى أن الله تعالى
وقرأ ابن عباس ومحمد بن الحنفية وزيد بن علي والحسن في رواية عباد والعمري وداود والفزاري وأبو حاتم ويعقوب «نذلّ ونخزى» بالبناء للمفعول، واستدل الأشاعرة بالآية على أن الوجوب لا يتحقق إلا بالشرع والجبائي على وجوب اللطف عليه عز وجل وفيه نظر قُلْ لأولئك الكفرة المتمردين كُلٌّ أي كل واحد منا ومنكم مُتَرَبِّصٌ أي منتظر لما يؤول إليه أمرنا وأمركم وهو خبر كُلٌّ وإفراده حملا له على لفظه فَتَرَبَّصُوا وقرىء «فتمتعوا» فَسَتَعْلَمُونَ عن قريب مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ أي المستقيم. وقرأ أبو مجلز وعمران بن حدير «السواء» أي الوسط، والمراد به الجيد.
وقرأ الجحدري وابن يعمر «السوأى» بالضم والقصر على وزن فعلى وهو تأنيث الأسوأ وأنث لتأنيث الصراط وهو مما يذكر ويؤنث. وقرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما «السوء» بفتح وسكون وهمزة آخره بمعنى الشر. وقرىء «السوي» بضم السين وفتح الواو وتشديد الياء وهو تصغير سوء بالفتح، وقيل: تصغير سوء بالضم، وقال أبو حيان:
الأجود أن يكون تصغير سواء كما قالوا في عطا عطي لأنه لو كان تصغير ذلك لثبتت همزته، وقيل: سوئي وتعقب بأن إبدال مثل هذه الهمزة ياء جائز، وعن الجحدري وابن يعمر أنهما قرأ «السوي» بالضم والقصر وتشديد الواو، واختير في تخريجه أن يكون أصله السوأى كما في الرواية الأولى فخففت الهمزة بإبدالها واوا وأدغمت الواو في الواو، وقد روعيت المقابلة على أكثر هذه القراءات بين ما تقدم وقوله تعالى وَمَنِ اهْتَدى أي من الضلالة ولم تراع على قراءة الجمهور والأولى من الشواذ.
ومن في الموضعين استفهامية في محل رفع على الابتداء والخبر ما بعد العطف من عطف الجمل ومجموع الجملتين المتعاطفتين ساد مسد مفعولي العلم أو مفعوله إن كان بمعنى المعرفة، وجوز كون من الثانية موصولة فتكون معطوفة على محل الجملة الأولى الاستفهامية المعلق عنها الفعل على أن العلم بمعنى المعرفة المتعدية لواحد إذ لولاه لكان الموصول بواسطة العطف أحد المفعولين وكان المفعول الآخر محذوفا اقتصارا وهو غير جائز.
وجوز أن تكون معطوفة على أَصْحابُ فتكون في حيز من الاستفهامية أي ومن الذي اهتدى أو على «الصراط» فتكون في حيز أصحاب أي ومن أَصْحابُ الذي اهتدى يعني النبي صلّى الله عليه وسلّم، وإذا عنى بالصراط السوي النبي عليه الصلاة والسلام أيضا كان العطف من باب عطف الصفات على الصفات مع اتحاد الذات.
وأجاز الفراء أن تكون من الأولى موصولة أيضا بمعنى الذين وهي في محل النصب على أنها مفعول للعلم بمعنى المعرفة وأَصْحابُ خبر مبتدأ محذوف وهو العائد أي الذين هم أصحاب الصراط وهذا جائز على مذهب الكوفيين فإنهم يجوزون حذف مثل هذا العائد سواء كان في الصلة طول أو لم يكن وسواء كان الموصول أيا أو غيره بخلاف البصريين، وما أشد مناسبة هذه الخاتمة للفاتحة. وقد ذكر الطيبي أنها خاتمة شريفة ناظرة إلى الفاتحة وأنه إذا لاح أن القرآن أنزل لتحمل تعب الإبلاغ ولا تنهك نفسك فحيث بلغت وبلغت جهدك فلا عليك وعليك بالإقبال على طاعتك قدر طاقتك وأمر أهلك وهم أمتك المتبعون بذلك ودع الذين لا ينجع فيهم الإنذار فإنه تذكرة لمن يخشى وسيندم المخالف حين لا ينفعه الندم انتهى.
«ومن باب الإشارة في الآيات» فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى قيل: إنه عليه السلام رأى أن الله تعالى
594
ألبس سحر السحرة لباس القهر فخاف من القهر لأنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.
وسئل ابن عطاء عن ذلك فقال: ما خاف عليه السلام على نفسه وإنما خاف على قومه أن يفوتهم حظهم من الله تعالى قلنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى أي إنك المحفوظ بعيون الرعاية وحرس اللطف أو أنت الرفيع القدر الغالب عليهم غلبة تامة بحيث يكونون بسببها من أتباعك فلا يفوتهم حظهم من الله تعالى فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً إلى آخر ما كان منهم فيه إشارة إلى أن الله تعالى يمن على من يشاء بالتوفيق والوصول إليه سبحانه في أقصر وقت فلا يستبعد حصول الكمال لمن تاب وسلك على يد كامل مكمل في مدة يسيرة. وكثير من الجهلة ينكرون على السالكين التائبين إذا كانوا قريبي العهد بمقارفة الذنوب ومفارقة العيوب حصول الكمال لهم وفيضان الخير عليهم ويقولون كيف يحصل لهم ذلك وقد كانوا بالأمس كيت وكيت، وقولهم: لَنْ نُؤْثِرَكَ إلخ كلام صادر من عظم الهمة الحاصل للنفس بقوة اليقين فإنه متى حصل ذلك للنفس لم تبال بالسعادة الدنيوية والشقاوة البدنية واللذات العاجلة الفانية والآلام الحسية في جنب السعادة الأخروية واللذة الباقية الروحانية وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إلخ فيه إشارة إلى استحباب مفارقة الأغيار وترك صحبة الأشرار وَلا تَطْغَوْا فِيهِ عد من الطغيان فيه استعماله مع الغفلة عن الله تعالى وعدم نية التقوى به على تقواه عز وجل وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى الإشارة فيه أنه ينبغي للرئيس رعاية الأصلح في حق المرءوس وللشيخ عدم فعل ما يخشى منه سوء ظن المريد لا سيما إذا لم يكن له رسوخ أصلا قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ.
قال ابن عطاء: إن الله تعالى قال لموسى عليه السلام بعد أن أخبره بذلك: أتدري من أين أتيت؟ قال: لا يا رب قال سبحانه: من قولك لهارون: اخلفني في قومي وعدم تفويض الأمر إلي والاعتماد في الخلافة علي.
وذكر بعضهم أن سر إخبار الله تعالى إياه بما ذكر مباسطته عليه السلام وشغله بصحبته عن صحبة الأضداد وهو كما ترى وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ صار سبب ضلالهم بما صنع قال بعض أهل التأويل: إنما ابتلاهم الله تعالى بما ابتلاهم ليتميز منهم المستعد القابل للكمال بالتجريد من القاصر الاستعداد المنغمس في المواد الذي لا يدرك إلا المحسوس ولا يتنبه للمجرد المعقول. ولهذا قالوا: ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا أي برأينا فإنهم عبيد بالطبع لا رأي لهم ولا ملكة وليسوا مختارين لا طريق لهم إلا التقليد والعمل لا التحقيق والعلم وإنما استعبدهم السامري بالطلسم المفرغ من الحلي لرسوخ محبة الذهب في نفوسهم لأنها سفلية منجذبة إلى الطبيعة الجسمانية وتزين الطبيعة الذهبية وتحلي تلك الصورة النوعية فيها للتناسب الطبيعي وكان ذلك من باب مزج القوى السماوية التي هي أثر النفس الحيوانية الكلية السماوية المشار إليها بحيزوم وفرس الحياة وهي مركب جبريل عليه السلام المشار به إلى العقل الفعال بالقوى الأرضية ولذلك قال: بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ أي من العلم الطبيعي والرياضي اللذين يبتنى عليهما علم الطلسمات والسيمياء قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ قال ذلك عليه السلام غضبا على السامري وطردا له وكل من غضب عليه الأنبياء وكذا الأولياء لكونهم مظاهر صفات الحق تعالى وقع في قهره عز وجل وشقي في الدنيا والآخرة وكانت صورة عذاب هذا الطريد في التحرز عن المماسة نتيجة بعده عن الحق في الدعوة إلى الباطل وأثر لعن موسى عليه السلام إياه عند إبطال كيده وإزالة مكره وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً قال أهل الوحدة: أي يسألونك عن وجودات الأشياء فقل ينسفها ربي برياح النفحات الإلهية الناشئة من معدن الأحدية فيذرها في القيامة الكبرى قاعا صفصفا وجودا أحديا لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً اثنينية ولا غيرية
وسئل ابن عطاء عن ذلك فقال: ما خاف عليه السلام على نفسه وإنما خاف على قومه أن يفوتهم حظهم من الله تعالى قلنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى أي إنك المحفوظ بعيون الرعاية وحرس اللطف أو أنت الرفيع القدر الغالب عليهم غلبة تامة بحيث يكونون بسببها من أتباعك فلا يفوتهم حظهم من الله تعالى فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً إلى آخر ما كان منهم فيه إشارة إلى أن الله تعالى يمن على من يشاء بالتوفيق والوصول إليه سبحانه في أقصر وقت فلا يستبعد حصول الكمال لمن تاب وسلك على يد كامل مكمل في مدة يسيرة. وكثير من الجهلة ينكرون على السالكين التائبين إذا كانوا قريبي العهد بمقارفة الذنوب ومفارقة العيوب حصول الكمال لهم وفيضان الخير عليهم ويقولون كيف يحصل لهم ذلك وقد كانوا بالأمس كيت وكيت، وقولهم: لَنْ نُؤْثِرَكَ إلخ كلام صادر من عظم الهمة الحاصل للنفس بقوة اليقين فإنه متى حصل ذلك للنفس لم تبال بالسعادة الدنيوية والشقاوة البدنية واللذات العاجلة الفانية والآلام الحسية في جنب السعادة الأخروية واللذة الباقية الروحانية وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إلخ فيه إشارة إلى استحباب مفارقة الأغيار وترك صحبة الأشرار وَلا تَطْغَوْا فِيهِ عد من الطغيان فيه استعماله مع الغفلة عن الله تعالى وعدم نية التقوى به على تقواه عز وجل وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى الإشارة فيه أنه ينبغي للرئيس رعاية الأصلح في حق المرءوس وللشيخ عدم فعل ما يخشى منه سوء ظن المريد لا سيما إذا لم يكن له رسوخ أصلا قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ.
قال ابن عطاء: إن الله تعالى قال لموسى عليه السلام بعد أن أخبره بذلك: أتدري من أين أتيت؟ قال: لا يا رب قال سبحانه: من قولك لهارون: اخلفني في قومي وعدم تفويض الأمر إلي والاعتماد في الخلافة علي.
وذكر بعضهم أن سر إخبار الله تعالى إياه بما ذكر مباسطته عليه السلام وشغله بصحبته عن صحبة الأضداد وهو كما ترى وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ صار سبب ضلالهم بما صنع قال بعض أهل التأويل: إنما ابتلاهم الله تعالى بما ابتلاهم ليتميز منهم المستعد القابل للكمال بالتجريد من القاصر الاستعداد المنغمس في المواد الذي لا يدرك إلا المحسوس ولا يتنبه للمجرد المعقول. ولهذا قالوا: ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا أي برأينا فإنهم عبيد بالطبع لا رأي لهم ولا ملكة وليسوا مختارين لا طريق لهم إلا التقليد والعمل لا التحقيق والعلم وإنما استعبدهم السامري بالطلسم المفرغ من الحلي لرسوخ محبة الذهب في نفوسهم لأنها سفلية منجذبة إلى الطبيعة الجسمانية وتزين الطبيعة الذهبية وتحلي تلك الصورة النوعية فيها للتناسب الطبيعي وكان ذلك من باب مزج القوى السماوية التي هي أثر النفس الحيوانية الكلية السماوية المشار إليها بحيزوم وفرس الحياة وهي مركب جبريل عليه السلام المشار به إلى العقل الفعال بالقوى الأرضية ولذلك قال: بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ أي من العلم الطبيعي والرياضي اللذين يبتنى عليهما علم الطلسمات والسيمياء قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ قال ذلك عليه السلام غضبا على السامري وطردا له وكل من غضب عليه الأنبياء وكذا الأولياء لكونهم مظاهر صفات الحق تعالى وقع في قهره عز وجل وشقي في الدنيا والآخرة وكانت صورة عذاب هذا الطريد في التحرز عن المماسة نتيجة بعده عن الحق في الدعوة إلى الباطل وأثر لعن موسى عليه السلام إياه عند إبطال كيده وإزالة مكره وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً قال أهل الوحدة: أي يسألونك عن وجودات الأشياء فقل ينسفها ربي برياح النفحات الإلهية الناشئة من معدن الأحدية فيذرها في القيامة الكبرى قاعا صفصفا وجودا أحديا لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً اثنينية ولا غيرية
595
يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ الذي هو الحق سبحانه لا عوج له إذ هو تعالى آخذ بنواصيهم وهو على صراط مستقيم وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ إذ لا فعل لغيره عز وجل فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً أمرا خفيا باعتبار الإضافة إلى المظاهر انتهى.
ولكم لهم مثل هذه التأويلات والله تعالى العاصم يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا قيل: هو من صحح فعله وعقده ولم ينسب لنفسه شيئا ولا رأى لها عملا وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً لكمال تقدسه وتنزهه وجلاله سبحانه عز وجل فهيهات أن تحلق بعوضة الفكر في جو سماء الجبروت ومن أين لنحلة النفس الناطقة أن ترعى أزهار رياض بيداء اللاهوت، نعم يتفاوت الخلق في العلم بصفاته عز وجل على قدر تفاوت استعداداتهم وهو العلم المشار إليه بقوله تعالى: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً وقيل: هذا إشارة إلى العلم اللدني، والإشارة في قصة آدم عليه السلام إلى أنه ينبغي للإنسان مزيد التحفظ عن الوقوع في العصيان، ولله تعالى در من قال:
وروى الضحاك عن ابن عباس قال: بينا آدم عليه السلام يبكي جاءه جبريل عليه السلام فبكى آدم وبكى جبريل لبكائه عليهما السلام وقال: يا آدم ما هذا البكاء؟ قال: يا جبريل وكيف لا أبكي وقد حولني ربي من السماء إلى الأرض ومن دار النعمة إلى دار البؤس فانطلق جبريل عليه السلام بمقالة آدم فقال الله تعالى: يا جبريل انطلق إليه فقل له: يا آدم يقول لك ربك ألم أخلقك بيدي ألم أنفخ فيك من روحي ألم أسجد لك ملائكتي ألم أسكنك جنتي ألم آمرك فعصيتني فوعزتي وجلالي لو أن ملء الأرض رجالا مثلك ثم عصوني لأنزلتهم منازل العاصين غير أنه يا آدم قد سبقت رحمتي غضبي وقد سمعت تضرعك ورحمت بكاءك وأقلت عثرتك.
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي أي بالتوجه إلى العالم السفلي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً لغلبة شحه وشدة بخله فإن المعرض عن جناب الحق سبحانه انجذبت نفسه إلى الزخارف الدنيوية والمقتنيات المادية لمناسبتها إياه واشتد حرصه وكلبه عليها وشغفه بها للجنسية والاشتراك في الظلمة والميل إلى الجهة السفلية فيشح بها عن نفسه وغيره وكلما استكثر منها ازداد حرصه عليها وشحه بها وتلك المعيشة الضنك.
ولهذا قال بعضهم: لا يعرض أحد عن ذكر ربه سبحانه إلا أظلم عليه وقته وتشوش عليه رزقه بخلاف الذاكر المتوجه إليه تعالى فإنه ذو يقين منه عز وجل وتوكل عليه تعالى في سعة من عيشه ورغد ينفق ما يجد ويستغني بربه سبحانه عما يفقد وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى أي العاقبة التي تعتبر وتستأهل أن تسمى عاقبة لأهل التقوى المتخلين عن الرذائل النفسانية المتحلين بالفضائل الروحانية، نسأل الله تعالى أن يمن علينا بحسن العاقبة وصفاء العمر عن المشاغبة ونحمده سبحانه على آلائه ونصلي ونسلم على خير أنبيائه وعلى آله خير آل ما طلع نجم ولمع آل.
ولكم لهم مثل هذه التأويلات والله تعالى العاصم يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا قيل: هو من صحح فعله وعقده ولم ينسب لنفسه شيئا ولا رأى لها عملا وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً لكمال تقدسه وتنزهه وجلاله سبحانه عز وجل فهيهات أن تحلق بعوضة الفكر في جو سماء الجبروت ومن أين لنحلة النفس الناطقة أن ترعى أزهار رياض بيداء اللاهوت، نعم يتفاوت الخلق في العلم بصفاته عز وجل على قدر تفاوت استعداداتهم وهو العلم المشار إليه بقوله تعالى: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً وقيل: هذا إشارة إلى العلم اللدني، والإشارة في قصة آدم عليه السلام إلى أنه ينبغي للإنسان مزيد التحفظ عن الوقوع في العصيان، ولله تعالى در من قال:
يا ناظرا يرنو بعيني راقد | ومشاهدا للأمر غير مشاهد |
منيت نفسك ضلة وأبتها | طرق الرجاء وهن غير قواصد |
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي | درج الجنان بها وفوز العابد |
ونسيت أن الله أخرج آدما | منها إلى الدنيا بذنب واحد |
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي أي بالتوجه إلى العالم السفلي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً لغلبة شحه وشدة بخله فإن المعرض عن جناب الحق سبحانه انجذبت نفسه إلى الزخارف الدنيوية والمقتنيات المادية لمناسبتها إياه واشتد حرصه وكلبه عليها وشغفه بها للجنسية والاشتراك في الظلمة والميل إلى الجهة السفلية فيشح بها عن نفسه وغيره وكلما استكثر منها ازداد حرصه عليها وشحه بها وتلك المعيشة الضنك.
ولهذا قال بعضهم: لا يعرض أحد عن ذكر ربه سبحانه إلا أظلم عليه وقته وتشوش عليه رزقه بخلاف الذاكر المتوجه إليه تعالى فإنه ذو يقين منه عز وجل وتوكل عليه تعالى في سعة من عيشه ورغد ينفق ما يجد ويستغني بربه سبحانه عما يفقد وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى أي العاقبة التي تعتبر وتستأهل أن تسمى عاقبة لأهل التقوى المتخلين عن الرذائل النفسانية المتحلين بالفضائل الروحانية، نسأل الله تعالى أن يمن علينا بحسن العاقبة وصفاء العمر عن المشاغبة ونحمده سبحانه على آلائه ونصلي ونسلم على خير أنبيائه وعلى آله خير آل ما طلع نجم ولمع آل.
596