ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
١ - ﴿طه﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء: (يا رجل، يريد محمدً -صلى الله عليه وسلم- (١). وهو قول الحسن، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والضحاك، وقتادة، وابن أبي نجيح عن مجاهد، والكلبي (٢).قال عكرمة: (هي بلسان الحبشة) (٣).
وقال سعيد بن جبير والضحاك: (بالنبطية) (٤).
وقال قتادة: (بالسريانية) (٥).
(٢) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ١٤، "جامع البيان" ١٦/ ١٣٥، "الكشف والبيان" ٣/ ١٤ ب، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٥٧، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ١١/ ١٦٦.
(٣) "زاد المسير" ٥/ ٣٦٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٦٦، "الدر المنثور" ٤/ ٥١٧، "التفسير الكبير" ٢٢/ ٣.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ١٣٥، "النكت والعيون" ٣/ ٣٩٢، "زاد المسير" ٥/ ٣٦٩، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٥٧، "الدرر المنثور" ٤/ ٥١٧.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ١٣٥، "معالم التنزيل" ٥/ ١٣٥، "زاد المسير" ٥/ ٣٦٩، "التفسير الكبير" ٣/ ١٥٧.
وأنشد لشاعرهم (٣):
إِنَّ السّفَاهَة طَه من خَلائِقكُم | لاَ قَدسَ اللهُ أروَاحَ المَلاَعين |
وروى خصيف عن مجاهد قال: (هي من فواتح السور) (٥). وهو اختيار أبي إسحاق (٦).
وقال ابن عباس في رواية الوالبي: (هو قسم أقسم الله به) (٧). وهذا القول اختيار صاحب النظم (٨).
(٢) "النكت والعيون" ٣/ ٣٩٢، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٦٢، "القرطبي" ١١/ ١٦٥، "البحر المحيط" ٦/ ٢٢٤.
(٣) البيت ليزيد بن المهلهل. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١٣٧، "النكت والعيون" ٣/ ٣٩٢، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٢، "الكشاف" ٢/ ٥٢٨، ، "القرطبي" ١١/ ١٦٦، "البحر المحيط" ٦/ ٢٢٤، "أضواء البيان" ٤/ ٣٩٩، "مجمع البيان" ٧/ ٥.
(٤) "الكشف والبيان" ٣/ ١٤ ب، "ابن كثير" ٣/ ١٥٧، "للقرطبي" ١١/ ١٦٦.
(٥) "بحر العلوم" ٢/ ٣٣٦، "الدر المنثور" ٤/ ٥١٧، "تفسير سفيان الثوري" ١٩٢.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٤٩.
(٧) "جامع البيان" ١٦/ ١٣٦، "النكت والعيون" ٣/ ٣٩٣، "زاد المسير" ٥/ ٢٧٠، القرطبي "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٦٦، "الدر المنثور" ٤/ ٥١٧.
(٨) ذكرته كتب التفسير بلا نسبة. انظر: "النكت والعيون" ٣/ ٣٩٣، "زاد المسير" ٥/ ٢٧٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٦٦.
وقال مقاتل بن حيان: (معناه: طاء الأرض بقدميك، يريد به التهجد) (٢). ومال قوم إلى هذا التفسير، واحتجوا بما بعده، وبما ذكر في سبب النزول وهو: (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ابتداء الوحي ربما علق إحدى رجليه في الصلاة تخشعًا وشكرًا، فقيل له: طأها. أي: طاء الأرض برجلك وضعها عليها) (٣). وقالوا: أصله طأها من (٤) وطئ الأرض، والهاء كناية عن الأرض ثم لينت الهمزة فقيل: طه.
قال صاحب النظم: (ولو كان الأمر على ما ذهبوا إليه لما كتبت حرفين، ووجه الكتب أربعة أحرف، كمن تكتب الكلام المؤلف) (٥).
وروى الفراء بإسناده: (أن رجلاً قرأ على ابن مسعود: ﴿طه﴾ بالكسر. فقال له الرجل: يا أبا عبد الرحمن أليس إنما أمر أن يطأ قدمه؟ فقال له عبد الله: ﴿طه﴾ هكذا أقرأني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) (٦) (٧).
(٢) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٦٢، "زاد المسير" ٥/ ٢٧٠، "الكشف والبيان" ٣/ ١٤/ ب.
(٣) "بحر العلوم" ٢/ ٣٣٦، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٢ بدون نسبة، ، "الكشاف" ٢/ ٥٢٨، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٥٧، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٦٧.
(٤) في نسخة (س): أمر.
(٥) لم أقف عليه.
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٧٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٦٨، "الدر المنثور" ٤/ ٥١٧.
(٧) اختلف العلماء في الحروف الهجائية في فواتح السور وما المراد بها إلى أقوال كثيرة. والصواب -والله أعلم- أن علمها إلى الله عز وجل، وهذا ما ذهب إليه أكثر المحققين من المفسرين. قال ابن جرير الطبري في "تفسيره" ١/ ٩٣: (والصواب =
وذهب بعض العلماء إلى أن هذه الحروف إنما ذكرت في أوائل السور التي ذكرت فيها بيانًا لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها.
وقال الشوكاني -رحمه الله- في "فتح القدير" ٣/ ٤٦٤: (وكما وقع الخلاف في هذا وأمثاله بين الصحابة وقع بين من بعدهم، ولي يصح مرفوعًا في ذلك شيء، ومن روي عنه من الصحابة في ذلك شيء فقد روي عن غيره ما يخالفه، وقد يروى عن الصحابي نفسه التفاسير المتخالفة المتناقضة في هذه الفواتح، فلا يقوم شيء من ذلك حجة، بل الحق الوقف ورد العلم في مثلها إلى الله سبحانه).
وقال الدكتور محمد صالح في كتابه "تفسير سورة الرعد" ص ٤٣ بعد أن ذكر بعض الأقوال: (ولكن الأقوال المحكية، والنقول المروية لا تصح نقلاً، ولا تسلم عقلاً، فالله أعلم بحقيقة المراد).
انظر "المحرر الوجيز" ١/ ١٣٨، "الجامع لأحكام القرآن" ١/ ١٥٤، "تفسير القرآن العظيم" ١/ ٣٨، "التفسير الكبير" ٢/ ٥، "التحرير والتنوير" ١/ ٢٠٦، أضواء البيان ٤/ ٣٩٩، "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة ٢٩٩.
(١) قراء الحسن: (طه) بسكون الهاء من غير ألف قبلها. انظر: "القراءات الشاذة" للقاضي ص ٦٦، "إتخاف فضلاء البشر" ص ٣٠١.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٤٩.
فمن بني ﴿طه﴾ على يا رجل قال: موضعه رفع بالنداء المفرد. ووجه قول من قال: إنه قسم أن التأويل: وحق طه وحق حروف المعجم التي نزل القرآن بها، وأثنى على الباري وسبح ومجد بما انتظم من كلمها، وموضعه خفض بإضمار واو القسم، أو نصب على أنه حلت محل: حقًا ويقينًا، ويمينًا صادقة، وحلفًا بارًا. وقول من قال: إنه من فواتح السور أن يصرف طه إلى مثل ألا في افتتاح الكلام حين يقال: ألا إن عبد الله مقيم (٢).
٢ - قوله تعالى: ﴿مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾ أي: لتتعب وتبلغ من الجهد ما بلغت. قال أبو إسحاق: (أي لتصلي على إحدى رجليك فيشتد عليك) (٣).
قال الكلبي: (لما نزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الوحي بمكة اجتهد في العبادة واشتدت عبادته، فأمره الله أن يخفف على نفسه، وذكر له أنه ما أنزل عليه الوحي ليتعب كل ذلك التعب، وكان بعد نزول هذه الآية ينام بعض الليل ويصلي بعضه) (٤).
وذكر مقاتل في سبب النزول غير هذا وهو أنه قال: (قال أبو جهل
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٧٤، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٤٩، "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ١١٨، "البحر المحيط" ٦/ ٢٢٤.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٤٩.
(٤) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٦٣، "القرطبي" ١١/ ١٦٧ "الكشف والبيان" ٣/ ١٥ أ.
٣ - قوله تعالى: ﴿إِلَّا تَذْكِرَةً﴾ قال الفراء: (نصبها على قوله: ما أنزلناه إلا تذكرة) (٢). فأضمر ما أنزلناه لدلالة ما قبله عليه. قال المبرد: (لكن تذكرة أي: لكن أنزلناه تذكرة، كقوله تعالى: ﴿وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (١٩) إِلَّا ابْتِغَاءَ﴾ [الليل: ١٩ - ٢٠]، أي: لكن فعله ابتغاء وجه ربه) (٣).
وقال صاحب النظم: (﴿إِلّا﴾ هاهنا بمعنى بل، المعنى: بل أنزلناه تذكرة) (٤). وهذا أضعف الوجوه. ومعنى الآية: أنزلنا القرآن لتذكر به من يخشى الله، والتذكرة مصدر كالتذكير.
٤ - قوله تعالى: ﴿تَنْزِيلًا﴾ قال الزجاج: (المعنى أنزلناه تنزيلًا) (٥). فعلى هذا ينتصب على المصدر، وأنزلنا ونزلنا بمعنى واحد، فهو من باب المصدر على غير الصدر.
وقال المبرد: (تنزيلًا بدل من تذكرة) (٦).
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٧٤.
(٣) ذكره الطبري في "تفسيره" ٧/ ٥، وذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "المحرر الوجيز" ١٠/ ٣، "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ١١٨،"روح المعاني" ١٦/ ١٥١، "فتح القدير" ٣/ ٥٠٩.
(٤) ذكره بلا نسبة "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ١١٨، "الكشاف" ٢/ ٥٢٩، "البحر المحيط" ٦/ ٢٢٥.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٥٠.
(٦) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة.
مَا إِنْ يَمَسُّ الأَرْضَ إِلاَ مَنْكِبٌ | مِنْهُ وَحَرْفُ السَّاقِ طَيَّ المِحْمَلِ |
وأَلْقَى بِصَحْرَاءِ الغَبِيطِ بِقَاعَه | نُزُولَ اليَمَانِي ذِي العِيَابِ المُحَمَّلِ |
(١) انظر المراجع السابقة.
(٢) البيت لأبي كبير الهذلي.
المِحْمَلُ: مِحْمَلُ السيف. ويريد الشاعر: أنه إذا اضطجع لم يمس الأرض إلا منكبه وحرف ساقه، لأنه خميص البطن فلا يصيب بطنه الأرض. انظر: "شرح أشعار الهذليين" ٣/ ١٠٧٤، "خزانة الأدب" ٨/ ١٩٤، "شرح أبيات سيبويه" ١/ ٣٢٤، "شرح شواهد الإيضاح" ص ١٤٧، "الشعر والشعراء" ص ٤٤٧، "المقاصد النحوية" ٣/ ٥٤.
(٣) البيت لامرئ القيس في معلقته.
الغبيط: أكمة قد إنخفض وسطها وارتفع طرفاها، وسميت غبيطًا تشبيهًا بغبيط البعير، ويقال: إن صحراء الغبيط هي أرض بني يربوع. والبِعَاع: الثقل. ونزول اليماني: أي: نزول التاجر اليماني. العِيَاب: جمع عيبة الثياب. انظر: "ديوان امرئ القيس" ص ٦٢، "شرح القصائد العشر" للتبريزي ص ٧١، "شرح المعلقات السبع" للزورني ص ٥٩، "الخصائص" لابن جني ٢/ ١٢٦.
(٤) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة.
انظر: "القرطبي" ١١/ ١٦٩، "البحر المحيط" ٦/ ٢٢٦، "أنوار التنزيل" ٤/ ١٨.
٥ - قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنِ﴾ قال الأخفش: (هو الرحمن) (٣). [قال المبرد: (﴿الرَّحْمَنِ﴾ مرفوع على خبر المبتدأ المضمر) (٤). لأنه لما قال: ﴿تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَق﴾ بينه فكأنه قال: هو الرحمن] (٥)، كقوله: ﴿بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّار﴾ [الحج: ٧٢]، المعنى ففي النار.
قوله تعالى: ﴿عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ قال كثير من أهل التأويل: استوى معناه استولى (٦).
(٢) أورد نحوه بلا نسبة العبكري في "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ١١٨، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٦٩، والألوسي في "روح المعاني" ١٦/ ١٥٢.
(٣) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٢٩.
(٤) انظر: "الكشاف" ٢/ ٥٢٩، "البحر المحيط" ٦/ ٢٢٦، "فتح القدير" ٣/ ٥٠٩.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة: (ص).
(٦) تفسير الاستواء بالاستعلاء قول المعتزلة والجهمية والحرورية قالوا: إن استوى بمعنى استولى وملك وقهر. قال أبو الحسن الأشعري في "الإبانة عن أصول الديانة" ص ٤٩: (فلو كان الله مستويًا على العرش بمعنى الاستيلاء، وهو عز وجل مستول على الأشياء كلها، لكان مستويًا على العرش وعلى الأرض وعلى السماء.. لأنه قادر على الأشياء مستول عليها.. ، لم يجز أن يكون الاستواء على العرش: الاستيلاء الذي هو عام في الأشياء كلها، ووجب أن يكون معناه استواء يخص العرش دون الأشياء كلها).
وقال ابن تيمية -رحمه الله- في "مجموعة الفتاوى" ٥/ ١٤٤، في الرد على من فسر ﴿اسْتَوَى﴾ بـ (استولى): (ومن تلك الوجوه أنه لم يرد عن أحد من الصحابة ولا التابعين لهم، بل تفسير حدث من المبتدعة بعدهم، ثم هو ضعيف لغة).
وأخبرني العروضي عن الأزهري عن المنذري قال: (سئل أحمد بن يحيى عن قول الله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ فقال: الاستواء الإقبال على الشيء) (٢).
وقال الأخفش: (استوى أي علا تقول: استويت فوق الدابة وعلى ظهر البيت أي علوته) (٣). ونحو هذا قال أبو عبيدة (٤). وعلى هذا التفسير معنى الآية: أنه عز وجل علا على العرش بقدرته وقوته، وخص العرش بالذكر؛ لأنه أعظم المخلوقات. وعامة السلف أعرضوا عن الكلام في هذه الآية ونظائرها وذلك طريقة مالك، والشافعي، والأوزاعي، والثوري رحمهم الله (٥).
(٢) "تهذيب اللغة" (سواء) ٢/ ١٧٩٤.
(٣) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٣١، "تهذيب اللغة" (سواء) ٢/ ١٧٩٤.
(٤) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ١٥.
(٥) إن أريد إعراضهم عن معانيها؛ فهذا قول المفوضة لا قول أهل السنة، فإن أهل السنة يثبتون الأسماء والمعاني والصفات الثابتة اللائقة بالله عز وجل، وأما الإعراض في آيات الصفات فإنما يكون للكيفية فهي التي لا يعلمها إلا الله تعالى، ومثل هذا يقال في معنى الاستواء، فالمنهج السوي أن نثبت لله ما أثبته لنفسه، فهو سبحانه مستو على عرشه عال على خلقه، ولا يلزم لهذا أي: لازم باطل مما يلزم لاستواء المخلوقين.
قال ابن كثير -رحمه الله- في "تفسيره" ٢/ ٢٢٠: (وللناس في هذا المقام مقالات كثرة جدًّا يشير هذا موضع بسطها، وإنما نسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح مالك، والأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد وإسحاق بن راهوية وغيرهم من أئمة المسلمين قديمًا وحديثًا وهو: إمرارها كما =
وقال ابن الأعرابي: يقال: فلان قريب الثَّرَى بعِيد النَّبَط للذي يعد ولا وفاء له (٣). ويقال: إِني لأَرَى ثَرَى الغضب في وجه فلان أي: أَثَره، ومنه قول الشاعر (٤):
وإِنَّي لَتَرَّاكُ الضغَّينَةِ قَدْ أَرَى | ثَرَاهَا من المَوْلَى فَمَ أَسْتَثْيِرُهَا |
(١) ذكرته كتب التفسير بلا نسبة.
انظر: "التفسير الكبير" ٢٢/ ٨، "مجمع البيان" ٧/ ٥، "روح المعاني" ١٦/ ١٦١، وقال: ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ من الموجودات الكائنة في الجو كالهواء، والسحاب، وخلق لا نعلمهم هو سبحانه يعلمهم.
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (ثرا) ١/ ٤٧٨، "الصحاح" (ثرا) ٦/ ٢٢٩١، "اللسان" (ثرا) ١/ ٤٧٩، "المعجم الوسيط" (ثرى) ١/ ٩٥، "مختار الصحاح" (ثرى) ص٨٣.
(٣) "تهذيب اللغة" (ثرا) ١/ ٤٧٩، "لسان العرب" (ثرا) ١/ ٤٧٩.
(٤) نسبة في "الأغاني" إلى شبيب بن البرصاء، وذكرته كتب اللغة بدون نسبة. انظر: "تهذيب اللغة" (ثرى) ١/ ٤٧٩، "لسان العرب" (ثرا) ١/ ٤٧٩.
فَلاَ تُوبِسُوا بَيْنِي وبَيْنَكُمُ الثَّرَى | فإِنَّ الذِي بَيْنِي وبَيْنَكمُ مُثْرى |
٧ - قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرّ﴾ اختلفوا في وجه هذا النظم، ومعنى الآية، وكان من حق المقابلة أن يقول: وإن أسررت القول فإنه يعلم السر.
فقال المفضل: (﴿وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ﴾ أي: ترفع صوتك بالقراءة ﴿فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرّ وَأخْفَى﴾ فلا تجهد نفسك بالمبالغة في رفع الصوت؛ فإنك وإن لم تجهر [به وأسررته علم ذلك السر) (٤).
وقال صاحب النظم: (معناه وإن تجهر بالقول فتظهره] (٥) فهو يعلم
(٢) البيت لجرير. انظر: "ديوانه" ص ٢١٣، "الصحاح" (ثرى) ٦/ ٢٢٩٣، "لسان العرب" (ثرا) ١/ ٤٨٠.
(٣) "الكشف والبيان" ٣/ ١٥ أ، "بحر العلوم" ٢/ ٣٣٦، "النكت والعيون" ٣/ ٣٩٤، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٦٣، "زاد المسير" ٥/ ٢٧٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٦٩.
ود ذكر ابن كثير -رحمه الله- في "تفسيره" ٣/ ١٥٧ بعض هذه الروايات وضعفها وقال غريبة جدًّا، ورفعها فيه نظر.
(٤) ذكرته كتب التفسير بلا نسبة. انظر: "زاد المسير" ٥/ ٢٧٠، "التفسير الكبير" ٢٢/ ٨، "الفتوحات الإلهية" ٣/ ٨٢، "مجمع البيان" ٧/ ٦، "فتح القدير" ٣/ ٥١٠.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة: (س).
فأما معنى: (السر وأخفى) قال ابن عباس فيما روى عنه سعيد بن جبير: (السر ما علمت أنت مما أسررت في نفسك، وأخفى من السر ما لم يكن بعد وهو كائن) (٢).
وقال في رواية الوالبي: (السر: ما أسر ابن آدم في نفسه، وأخفى: ما خفي على ابن آدم مما هو فاعله قبل أن يعلمه، والله يعلم ذلك كله، فيعلمه فيما مضى من ذلك وما بقي علم واحد) (٣). وهو قول مجاهد، وقتادة، وسفيان، والضحاك، وسعيد بن جبير (٤). وأكثرهم قالوا: (السر ما أسره في نفسه، وأخفى: ما لم يحدث به نفسه مما يكون في غد) (٥).
وقال عكرمة: (السر: ما حدث به الرجل أهله، وأخفى: ما تكلمت به في نفسك) (٦).
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ١٤٠، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٦٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٧٠، "الدر المنثور" ٤/ ٥١٩.
(٣) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٦٤، "زاد المسير" ٥/ ٢٧١، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٧٠، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٥٨، "الدر المنثور" ٤/ ٥١٨.
(٤) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ١٤ "جامع البيان" ١٦/ ١٤٠ "بحر العلوم" ٢/ ٣٣٦ "النكت والعيون" ٣/ ٣٩٤، "الكشف والبيان" ٣/ ١٥ ب.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ١٤٠، "النكت والعيون" ٣/ ٣٩٤، "زاد المسير" ٥/ ٢٧١، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٧٠، "الدر المنثور" ٤/ ٥١٩.
(٦) "جامع البيان" ١٦/ ١٣٩، "بحر العلوم" ٢/ ٣٣٦، "الكشف والبيان" ٣/ ١٥ ب.
إِنَّ الذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا | بَيْتًا دَعَائِمُه أَعَزُّ وأَطْوَلُ |
قال المبرد: (لم يقل: وأخفى منه؛ لأنه قد ذكر السر فبان ما يتصل بأخفى، كقولك: فلان كالفيل أو أعظم، والعرب تحذف ما لا يبطل المعنى استخفافًا واختصارًا، ألا تراهم يقولون: أزيد أفضل أم عمرو، وتمام الكلام: أزيد أفضل من عمرو أم عمرو أفضل من زيد) (٤).
وقال زيد بن أسلم في قوله: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾: (يعلم أسرار العباد، وأخفى سره عنهم فلا يعلم) (٥). فعلى هذا لا يحتاج إلى تقدير محذوف؛ لأن أخفى على هذا القول أَفْعَل من الإخفاء. وعلى القول الأول أفعل من الخفاء، والألف للتفضيل.
وذهب قوم إلى أن (أخفى) هاهنا بمعنى الخفي، وأفعل يأتي في الكلام ولا يراد به التفضيل. كقول الشاعر:
(٢) لم أقف عليه.
(٣) البيت للفرزدق. انظر: "ديوانه" ٢/ ١٥٥، "الأشباه والنظائر" ٦/ ٥٠، "خزانة الأدب" ٦/ ٥٣٩، "شرح المفصل" ٦/ ٩٧، "المقاصد النحوية" ٤/ ٤٢، "لسان العرب" (كبر) ٦/ ٣٨٠٨.
(٤) ذكره نحوه بدون نسبة الطبرسي في "مجمع البيان" ٧/ ٦.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ١٤٠، "النكت والعيون" ٣/ ٣٩٤، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٦٤، "زاد المسير" ٥/ ٢٧١.
تَمَنَّى رِجَالٌ أَنْ أَمُوتَ وإنْ أَمُتْ | فَتِلْكَ سَبِيلُ لَسْتُ فِيهَا بأَوحَدِ (١) |
٨ - قوله تعالى: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ قال المبرد: يجوز أن يكون ﴿اللهُ﴾ ابتداء، وخبره ﴿لا إِلَهَ إِلا هُو﴾ ويجوز أن تكون خبر ابتداء على
انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١٤٠، "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ١٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٧٠.
(٢) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ١٦.
(٣) ذكره نحوه بلا نسبة في "الكشاف" ٢/ ١٦٢، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٦، "البحر المحيط" ٦/ ٢٢٧.
(٤) قال الطبري -رحمه الله- في "تفسيره" ١٦/ ١٤٠: (والصواب من القول في ذلك قول من قال: معناه يعلم السر وأخفى من السر: لأن ذلك هو الظاهر من الكلام، ولو كان معنى ذلك ما تأوله ابن زيد لكان الكلام وأخفى الله سره؛ لأن أخفى فعل واقع متعد إذ كان بمعنى فعل، على ما تأوله ابن زيد، وفي انفراد أخفى من مفعوله والذي يعمل فيه لو كان بمعنى فعل الدليل الواضح على أنه بمعنى أفعل وأن تأويل الكلام: فإنه يعلم السر وأخفى منه، فإذا كان ذلك تأويله فالصواب من القول في معنى (أخفى) من السر أن يقال: هو ما علم الله مما أخفى عن العباد ولم يعلموه مما هو كائن ولما يكن).
وانظر: "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ٢/ ٨، "غريب القرآن" لعبد الله بن المبارك ص ٢٤٣، "المحرر الوجيز" ١٦/ ٦.
٩ - قوله تعالى: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى﴾ روى سلمة عن الفراء:
(٢) وهو ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لله تسع وتسعون اسمًا من أحصاها دخل الجنة".
أخرجه البخاري في التوحيد، باب: لله عز وجل مائة اسم غير واحد ٨/ ١٦٩، ومسلم في الذكر والدعاء، باب: في أسماء الله تعالى ٤/ ٢٠٦٢.
والحديث الذي فيه ذكر الأسماء أخرجه ابن ماجه ٢/ ١٢٦٩، والحاكم في "المستدرك" ١/ ١٦، والبيهقي في "الأسماء والصفات" ص ١٥، والترمذي ٥/ ٥٣٠، وقال: هذا حديث غريب، وذكر الأسماء ليس له إسناد صحيح.
وقال ابن تيمية -رحمه الله- في "الفتاوى" ٦/ ٣٧٩: (وتعيينها ليس من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- باتفاق أهل المعرفة بالحديث، ولم يرد في تعيينها حديث صحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-).
وقال النووي في "شرح مسلم" ٧/ ١٧: (اتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى فليس معناه إنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنما مقصود الحديث: أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصرها).
انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي ٢/ ٨٠٢، "شرح أسماء الله الحسني" للرازي ص ٣٦، "القواعد المثلى" للشيخ محمد بن عثيمين ص ١٣.
(٣) "الكشاف" ٢/ ٥٣٠ "البحر المحيط" ٦/ ٢٢٧، "روح المعاني" ١٦/ ١٦٥.
وقال الكلبي: (لم يكن آتاه حديثه ثم أخبره) (٣). والصحيح أنه استفهام تقرير بمعنى الخبر (٤). وعلى هذا فسره ابن عباس، فقال: (يريد وقد أتاك) (٥).
قال أهل المعاني: (معنى ذكر قصة موسى عليه السلام هاهنا تسلية للنبي -صلى الله عليه وسلم- مما ناله من أذى قومه، وتثبيت بالصبر على ذلك، كما صبر أخوه موسى حتى نال الفوز في الدنيا والآخرة) (٦).
١٠ - قوله تعالى: ﴿إِذْ رَأَى نَارًا﴾ قال وهب: (استأذن موسى عليه السلام شعيبًا (٧) بالرجوع إلى والديه فأذن له، فخرج بأهله فولد له ابن في الطريق
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢١٣.
(٣) "الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ١٧١، "التفسير الكبير" ٢٢/ ١٤.
(٤) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٦٤، "البحر المحيط" ٦/ ٢٢٩.
(٥) "الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ١٧١، "التفسير الكبير" ٢٢/ ١٤، وذكره البغوي في "تفسيره" ٥/ ٢٦٤ بدون نسبة.
(٦) "الكشاف" ٢/ ٥٣١، "البحر المحيط" ٦/ ٢٢٩، "التفسير الكبير" ٢٢/ ١٤، "روح المعاني" ١٦/ ١٦٤.
(٧) لم يرد دليل صحيح في أن الذي صاهره موسى عليه السلام هو نبي الله شعيب، ولم ينقل عن أحد من الصحابة في ذلك شيء، وقد توسع شيخ الإسلام ابن تيمية في الرد =
وقال عطاء عن ابن عباس: (كان موسى رجلاً غيورًا لا يصحب الرفقة لئلا ترى امرأته، فأخطأ الطريق في ليلة مظلمة فرأى نارًا من بعيد) (٢) ﴿فَقَالَ لِأَهْلِهِ﴾ يريد امرأته بنت شعيب ﴿امْكُثُوا﴾ أقيموا مكانكم، الخطاب لامرأته ولكنه خرج على ظاهر لفظ الأهل، فإن الأهل يقع على الجماعة كما يقال: أهل البيت (٣).
﴿إِنِّي آنَسْتُ نَارًا﴾ قال المبرد: (ويقول الذي يبصر الشيء من بعيد مما تسكن إليه نفسه: آنست كذا أي رأيته لي أنسًا، ويقال: أنس الطائر إذا
(١) "جامع البيان" ١٦/ ١٤٢، "زاد المسير" ٥/ ٢٧٢، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٧١، "الكشف والبيان" ٣/ ١٦ أ، "الدر المنثور" ٤/ ٥١٩.
(٢) "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٧١، وذكره نحوه البغوي في "تفسيره" ٥/ ٢٦٥، بدون نسبة، وابن عطية في "تفسيره" ١٠/ ٧.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" (أهل) ١/ ٢٢٧، "الصحاح" (أهل) ٤/ ١٦٢٨، "القاموس المحيط" (أهل) ص ٩٦٣.
قال العجاج (٢):
أَنَسَ خِرْبَانَ فَضاَءٍ فَانْكَدَرْ
وذكرنا هذا الحرف عند قوله: ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا﴾ [النساء: ٦]، والأصل فيه ما ذكره المبرد. والمفسرون يقولون: (رأيت وأبصرت) (٣).
وقوله تعالى: ﴿آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ﴾ القبس: شعلة من نار يقتبسها من معظم النار (٤).
قال أبو زيد: (أقبست الرجل علمًا بالألف، وقبسته نارًا إذا جئته بها، فإن كان طلبها قال: أقبسته بالألف) (٥).
وقال الكسائي: (أقبسته نارًا وعلمًا سواء، وقد يجوز طرح الألف منهما) (٦). قال المبرد: (والأصل واحدة لأن كلاهما مستضاء به) (٧).
(٢) البيت للعجاج.
الخِرْب: ذكر الحبارى، وقيل: هو الحبارى كلها. انظر: "ديوانه" ص ١٧، "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٢٨٧.
(٣) "النكت والعيون" ٣/ ٣٩٥، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٦٥، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٨، "الكشاف" ٢/ ٥٣١، "زاد المسير" ٥/ ٢٧٢.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" (قبس) ٣/ ٢٨٧١، "مقاييس اللغة" (قبس) ٥/ ٤٨، "الصحاح" (قبس) ٣/ ٩٦٠، "لسان العرب" (قبس) ٦/ ٣٥١٠.
(٥) "تهذيب اللغة" (قبس) ٣/ ٢٨٧١.
(٦) "تهذيب اللغة" (قبس) ٣/ ٢٨٧١، "لسان العرب" (قبس) ٦/ ٣٥١٠.
(٧) انظر: "الفتوحات الإلهية" ٣/ ٨٣، "فتح القدير" ٣/ ٥١١.
قال الفراء: (أراد: هاديًا فذكره بلفظ المصدر) (٣).
قال الزجاج: (رجاء أن يجد عند النار من يهديه للطريق) (٤). لأن النار لا تخلو من أهل لها وناس عندها. قاله السدي (٥).
١١ - قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا﴾ قال ابن عباس: (لما توجه نحو النار فإذا النار في شجرة عناب، فوقف متعجبًا من حسن ضوء تلك النار، وشدة خضرة تلك الشجرة فلا شدة حر النار تغير حسن خضرة الشجرة ولا كثرة ماء الشجرة يغير حسن ضوء النار، فسمع النداء من الشجرة ﴿يَا مُوسَى﴾) (٦).
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ١٤٣، "الدر المنثور" ٤/ ٥١٩.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٧٥.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٥١.
(٥) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "الكشاف" ٢/ ٥٣١، "زاد المسير" ٥/ ٢٧٢، "التفسير الكبير" ٢٢/ ١٥، "مجمع البيان" ٧/ ١٠، "روح المعاني" ٥/ ٣٦٩.
(٦) "بحر العلوم" ٢/ ٣٣٧، "معالم التنزيل" ٥/ ٥١١، "القرطبي" ١١/ ١٧٢.
قال الشنقيطي -رحمه الله- في "أضواء البيان" ٤/ ٢٩٣: (والنداء المذكور في جمغ الآيات المذكورة نداء الله له، فهو كلام الله أسمعه نبيه موسى، ولا يعقل أنه كلام مخلوق ولا كلام خلقه الله في مخلوق كما يزعم بعض الملاحدة الجهلة، فالله هو المتكلم بذلك صراحة لا تحتمل غير ذلك كما هو معلوم عند من له أدنى معرفة بدين الإسلام.
وقال ابن تيمية -رحمه الله- في "العقيدة الواسطية" ص ٣٥: قول أهل السنة في كلام الله أنه صفة من صفاته لم يزل ولا يزال يتكلم بكلام حقيقي بصوت لا يشبه أصوات =
قال الزجاج: (من فتح كان المعنى نودي أني أنا ربك. وموضع أن نصب، ومن كسر فالمعنى: نودي، فقال الله له: إني ربك) هذا كلامه (٤) وشرحه أبو علي فقال: (من كسر فلأن هذا الكلام حكاية، كأنه نودي فقيل: يا موسى إني أنا ربك. ومن فتح كان المعنى: نودي بكذا، ونادى قد يوصل بحرف الجر) (٥). قال (٦):
نَادَيْتُ باسمِ رَبِيْعةَ بَنِ مُكْدَّمٍ | أَن المُنَوَّهَ باسْمِهِ المَوْثُوقُ |
(١) قوله: (قال نوف)، ساقط من نسخة: (س).
(٢) "أنوار التنزيل" ٤/ ١٩، "الفتوحات الإلهية" ٣/ ٨٤.
(٣) قرأ ابن كثير المكي، وأبو عمرو البصري: (أَنَّيَ) بفتح الألف والياء.
وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي، ونافع: (إِني) بكسر الألف.
انظر: "السبعة" ص ٤١٧، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢١٨، "المبسوط" في القراءات ص ٢٤٧، "التبصرة" ص ٢٥٨.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٥١.
(٥) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢١٨.
(٦) البيت للفرزدق يمدح فيه حمزة بن عبد الله بن الزبير. كما في أخباره في "الأغاني"، وذكرته كتب التفسير واللغة بدون نسبة. انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢١٨، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٩، "البحر المحيط" ٦/ ٢٣٠، "خزانة الأدب" ٢/ ٥٢١، "إيضاح الشعر" للفارسي ص ٤٢٩، "مجمع البيان" ٧/ ٧.
واختلفوا لم أمر بخلع النعل فروى ابن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه الآية قال: "كانتا من جلد حمار ميت" (٣). وهو [قول علي -رضي الله عنه-، وسفيان، وكعب والأكثرين (٤).
قال الكلبي: (كانت نعلاً، فقيل] (٥) له: لا تدخل الوادي وهما
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (نعل) ٤/ ٣٦١٤، "القاموس المحيط" (نعل) ص ١٠٦٣، "لسان العرب" (نعل) ٧/ ٤٤٧٧، "المفردات في غريب القرآن" (نعل) ص ٤٤٩.
(٣) أخرجه الترمذي في "جامعه" كتاب اللباس، باب: ما جاء في لبس الصوف ٧/ ٢٤٠، وقال: (حديث غريب، وحميد هو ابن علي الكوفي... منكر الحديث). وأخرجه مالك في "الموطأ" في ما جاء في الانتعال (٧٩٥) موقوفًا على كعب الأحبار، وذكره ابن عدي في "الكامل في الضعفاء" ٢/ ٦٨٨، في ترجمة حميد الأعرج، وابن جرير في "تفسيره" ١٦/ ١٤٤، وقال: (في إسناده نظر يجب التثبت فيه). والذهبي في "ميزان الاعتدال" ١/ ٦١٤، في ترجمة حميد الأعرج، والحاكم في "المستدرك" ٢/ ٣٧٩، وصححه، وقال الذهبي: (في الإسناد حميد بن قيس كذا وهو خطأ، إنما هو حميد الأعرج الكوفي أحد المتروكين). وأورده ابن حجر في "الكافي" ص ١٠٨، والبغوي في "معالم التنزيل" ٥/ ٢٦٦، وابن كثير في "تفسيره" ٣/ ١٥٩، والسيوطي في "تفسيره" ٤/ ٥٢٢.
وسبب إعلال العلماء لسند هذا الحديث وجود حميد الأعرج فقد ضعفه جمهور العلماء. انظر: "الجرح والتعديل" ٣/ ٢٢٦، "الكامل" لابن عدي ٢/ ٦٨٨، "ميزان الاعتدال" ١/ ٦١٤، "تهذيب التهذيب" ٣/ ٥٣.
(٤) "تفسير القرآن" للصنعاني ١/ ١٤، "جامع البيان" ١٦/ ١٤٤، "النكت والعيون" ٣/ ٣٩٦، "زاد المسير" ٥/ ٢٧٣، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٥٩.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (س).
وقال ابن عباس: (يريد: باشر الأرض بقدميك فإنك بواد مقدس) (٢)
وقال الحسن: (كانتا من جلد بقرة ذكية، ولكنه أمر بخلعها ليباشر تراب الأرض المقدسة فيناله بركتها) (٣). وهذا قول سعيد بن جبير، وقتادة، ومجاهد، وابن جريج (٤).
قال ابن أبي نجيح: (يقول: أفض بقدميك إلى بركة الوادي) (٥) (٦).
(٢) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١٤٤، "النكت والعيون" ٣/ ٣٩٦، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٦٦، "زاد المسير" ٥/ ٢٧٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٧٣.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ١٤٤، "زاد المسير" ٥/ ٢٧٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٧٣.
(٤) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ١٤، "جامع البيان" ١٦/ ١٤٤، "النكت والعيون" ٣/ ٣٩٦، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٦٦.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ١٤٤.
(٦) قال الطبري في "تفسيره" ١٦/ ١٤٤: (وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: أمره الله تعالى بخلع نعليه ليباشر بقدميه بركة الوادي إذ كان واديًا مقدسًا، وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالصواب؛ لأنه لا دلالة في ظاهر التنزيل على أنه أمر بخلعهما من أجل أنهما من جلد حمار، ولا لنجاستهما ولا خبر بذلك عمن يلزم بقوله الحجة، وإن قوله: (إنك بالواد المقدس) يعقبه دليلًا واضحًا على أنه إنما أمره بخلعهما لما ذكرنا، ولو كان الخبر الذي روي عن ابن مسعود صحيحًا لم نعده إلى غيره، ولكن في إسناده نظر يجب التثبت فيه).
وقال الشنقيطي في "أضواء البيان" ٤/ ١٩٢: (وأظهرها عندي والله تعالى أعلم: =
وقال في رواية الوالبي: (المقدس المبارك) (٤). وذكرنا الكلام في هذا عند قوله: ﴿ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ﴾ [المائدة: ٢١]. وقوله تعالى: (طوى) قال ابن عباس: (هو اسم الوادي) (٥). وهو قول جميع المفسرين (٦). وقال الحسن: (أي طوى بالبركة مرتين) (٧). فعلى هذا (طوى) مصدر من قولك: طويته طوى. قال عدي بن زيد (٨):
أُعَاذِلُ إِنَّ اللَّوْمَ في غَيْرِ كُنْهِه | عَليَّ طُوى مِنْ غَيَّك المُتَرَدَّدِ |
(١) "جامع البيان" ١٦/ ١٤٥، "بحر العلوم" ٢/ ٣٣٧، "النكت والعيون" ٣/ ٣٩٦، "المحرر الوجيز" ١٠/ ١٠.
(٢) "النكت والعيون" ٣/ ٣٩٦.
(٣) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة انظر: "الكشف والبيان" ٣/ ١٦ ب، "النكت والعيون" ٣/ ٣٩٦، "جامع البيان" ١٦/ ١٤٥، "معالم التنزيل" ٣/ ٢١٣، "المحرر الوجيز" ١٠/ ١٠، "الكشاف" ٢/ ٥٣١.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ١٤٥، "النكت والعيون" ٣/ ٣٩٦.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ١٤٥، "زاد المسير" ٥/ ٢٧٣، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٥٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٧٥، "الدر المنثور" ٤/ ٥٢٣.
(٦) "جامع البيان" ١٦/ ١٤٥، "ابن كثير" ٣/ ١٥٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٧٥.
(٧) "جامع البيان" ١٦/ ١٤٥، "النكت والعيون" ٣/ ٣٩٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٧٥، "الدر المنثور" ٤/ ٥٢٣.
(٨) البيت لعدي بن زيد التميمي.
انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١٤٥، "زاد المسير" ٥/ ٢٧٣، "مجمع البيان" ٧/ ٩، "روح المعاني" ١٦/ ١٧٠، "لسان العرب" (طوى) ٥/ ٢٧٣٠.
قال أبو إسحاق: ويجوز فيه أربعة أوجه، -يعني من القراءة -: ضم الطاء، وكسرها، والإجراء، وترك الإجراء (١)، فمن أجرى فلأنه مذكر سُمّيَ بمذكر على فُعَل نحو: حُطَم وصُرَد، ومن لم يجري ترك صرفه من جهتين أحدهما: أن يكون معدولًا عن طاء، فيصير مثل عُمَر. والآخر: أن يكون اسمًا للبقعة، كما قال الله عز وجل: ﴿فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ﴾ [القصص: ٣٠].
قال: وإذا كُسِرَ طِوى فهو مثل: مِعى، وضِلع. ومن لم ينون جعله اسمًا للبقعة) هذا كلامه (٢).
وقال أبو علي: (الصرف من وجهين أحدهما: أن يجعل اسم الوادي فيصرف؛ لأنه مذكر سمَّي بمذكر. والوجه الآخر: أن يجعل طوى صفة، وذلك في قول من قال: إنه قُدس مرتين، فيكون طِوى كقولك: ثنى، ويكون صفة كقوله: ﴿مَكَانًا سُوًى﴾ [طه: ٥٨]، وقومٌ على، وجاء في (طوى) الضم والكسر، ما جاء في قوله: (مكان سوى) الكسر والضم، وكذلك يقال: ثِنى وثُنى. قال: ومن لم يصرف احتمل أمرين أحدهما: أن يكون (طوى) اسمًا لبقعة أو أرض وهو مذكر، فهو بمنزلة امرأة أسميتها باسم مذكر فيجتمع التعريف والتأنيث. والثاني: أن يكون معدولًا كعمر، فإن قلت: إن عمر معدول عن عامر، وهذا الاسم لا يعرف عمَّ عُدل، فإنه
انظر: "السبعة" ص ٤١٧، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢١٩، "العنوان في القراءات" ص ١٢٩، "النشر" ٢/ ٣١٩، "القراءات الشاذة" للقاضي ص ٦٦.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٥١.
١٣ - قوله تعالى: ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ﴾ قال الكلبي: (أنا اخترتك برسالتي لكي تقوم بأمري) (٢). ﴿فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى﴾ أي: اعمل بما آمرك به وأنهاك عنه.
١٤ - وقوله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ فيه وجهان: أحدهما -وهو الذي عليه العامة-: أن معناه أقم الصلاة متى ذكرت أن عليك صلاة، كنت في وقتها أو لم تكن (٣).
وهذا المعنى ما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من نسي صلاة، أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها، إن الله عز وجل يقول: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ " (٤).
والثاني: معناه أقم الصلاة لأن تذكرني؛ لأن الصلاة لا تكون إلا بذكر الله. وهذا قول الحسن (٥).
(٢) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة.
انظر: "معالم التنزيل" ٥/ ٢٦٧، "الكشاف" ٢/ ٥٣٢، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٧٦، "روح المعاني" ١٦/ ١٧٠١، "فتح القدير" ٣/ ٥١٢.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ١١٢، "بحر العلوم" ٢/ ٣٣٨، "النكت والعيون" ٣/ ٣٩٧، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٦٧، "زاد المسير" ٥/ ٢٧٥، "ابن كثير" ٣/ ١٦٠.
(٤) أخرجه البخاري في المواقيت، باب: من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها ٢/ ٧٠، ومسلم في المساجد، باب: قضاء الصلاة الفائتة ١/ ٤٧٧، والترمذي في الصلاة ١/ ١١٤، وأبو داود في الصلاة ١/ ٢٥٠، والطبري في "جامع البيان" ١٦/ ١٤٨، والصنعاني في "تفسيره" ١/ ١٥، والإمام أحمد في "مسنده" ٣/ ١٠٠.
(٥) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١٤٨، "المحرر الوجيز" ١٠/ ١١، "النكت والعيون" ٣/ ٣٩٧، "الكشاف" ٢/ ٥٣٢، "زاد المسير" ٥/ ٢٧٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٧٧، "التفسير القيم" ص ٣٥٧.
١٥ - قوله تعالى: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ قال أكثر المفسرين: (أخفيها من نفسي)، وهذا قول سعيد بن جبير، ومجاهد، وعطاء بن السائب (٣). وهذا التفسير موافق لما روي: أن في مصحف أبي: (أكاد أخفيها من نفسي) (٤)، (فكيف يعلمها مخلوق)، وفي بعض القراءات: (أكاد أخفيها من نفسي فكيف أظهركم عليها) (٥).
قال أبو إسحاق: (والله أعلم بحقيقة هذا التفسير) (٦). وكأنه لم يعلم (معنى) (٧) هذا، وعلمه قطرب، والمبرد، وابن الأنباري، قال قطرب: (هذا على عادة مخاطبة العرب بعضهم بعضًا، إذا بالغوا في كتمان السر: كتمته حتى من نفسي، والمعنى لم أطلع عليه أحدًا) (٨). وأنشد (٩):
(٢) "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ٢/ ٨.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ١٤٩، "بحر العلوم" ٢/ ٣٣٨، "النكت والعيون" ٣/ ٣٩٧، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٦٧، "زاد المسير" ٥/ ٢٧٥.
(٤) "بحر العلوم" ٢/ ٣٣٨، "النكت والعيون" ٣/ ٣٩٧، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٦٧، "الكشاف" ٢/ ٥٣٢، "زاد المسير" ٥/ ٢٧٦.
(٥) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٦٧، "الكشاف" ٢/ ٥٣٢، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٨٥، "الكشف والبيان" ٣/ ١٦.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٥٢.
(٧) زيادة من (ص).
(٨) ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ٢٧٦، والقرطبي ١١/ ١٨٥.
(٩) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ١٦ ب بدون نسبة، وكذلك القرطبي في =
أيامَ تَصْحَبني هِنْد وَأخبرُها | ما أكتم النَّفْسَ مِنْ حَاجِي وأَسْرَارِي |
وقال المبرد: (هذا مستعمل في الكلام وجار على الأفواه أن يقول القائل -إذا أراد أن يستر شيئًا سترًا شديدًا-: أنا أسر هذا من نفسي، وأكاد أسره من نفسي. أي: أقارب ذلك، فيأتي على جهة المثل، وعلى المبالغة في ستر الشيء) هذا كلامه (١). وعلى هذا معنى الآية: إن الله تعالى بالغ في إخفاء الساعة، فذكره بأبلغ ما تعرفه العرب في مثله. وهذا موافق لما قال ابن عباس في تفسيره: (قد أخفها من الملائكة يقول: لا أظهر عليها أحداً). قاله في رواية سعيد بن جبير والوالبي (٢).
والمعنى: أنه لم يطلع على وقت قيام الساعة ملكًا مقربًا، ولا نبيًا، حتى لو جاز أن يخفيه عن نفسه أخفاها.
قال ابن الأنباري: (والمعنى في إخفائها التهويل والتخويف؛ لأن الناس إذا لم يعلموا متى تقوم الساعة كانوا على حذر منها كل وقت) (٣). هذا معنى قول المفسرين في هذه الآية (٤). وكاد -على قولهم- للمقاربة.
أيام تصحبني هند وأخبرها | ما كدت أكتمه عني من الخبر |
(٢) "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٦٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٨٥، "الدر المنثور" ٤/ ٥٢٥.
(٣) ذكرته كتب التفسير. انظر: "المحرر الوجيز" ١٠/ ١٥، "زاد المسير" ٥/ ٢٧٦، "البحر المحيط" ٦/ ٢٣٣.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ١٤٩، "النكت والعيون" ٣/ ٣٩٧، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٥.
وعلى هذا ﴿أَكَادُ﴾ لا يكون للمقاربة، ولا يحتاج أن يقال: من نفسي، يقول الله تعالى: أريد إخفاء الساعة.
قال أبو بكر: (ويجوز أن يكون ﴿أَكَادُ﴾ مزيدًا للتوكيد فيكون المعنى: إن الساعة آتية أخفيها) (٢). ونذكر جواز زيادة كاد عند قوله: ﴿لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾ [النور: ٤٠]، إن شاء الله.
وقال قطرب: (يقال: أخفيت الشيء: إذا كتمته، وأخفيته: إذا أظهرته، كما يقال: أسررت الشيء بالمعنيين) (٣).
وذكر أبو عبيد: أخفيت بالمعنيين جميعًا (٤).
وهذا أيضًا مذهب أبي عبيدة في هذه الآية قال: (أخفيها أظهرها) (٥). واحتج بقول الشاعر (٦):
فَإِنْ تَكْتِمُوا الدَّاءَ لاَ نُخْفِهِ | وَإِنْ تَبْعَثُوا الحَرْبَ لاَ نَقْعُدِ |
وقال أبو الفتح الموصلي: (﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ تأويله عند أهل النظر:
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" (خفي) ١/ ١٠٧٠، "لسان العرب" (خفا) ٢/ ١٢١٦.
(٤) "تهذيب اللغة" (خفى) ١/ ١٠٧٠.
(٥) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ١٦.
(٦) البيت لامرئ القيس. انظر: "ديوانه" ١/ ١٠٧٠، "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ١٧، "الأضداد" لابن الأنباري ص ٩٦، "تهذيب اللغة" (خفى) ١/ ١٠٧٠، "لسان العرب" (خفا) ٢/ ١٢١٦.
وهذا الذي ذهبوا إليه في معنى الآية يوافق قول ابن عباس في رواية عطاء قال: (يريد: أكاد أظهرها) (٢). وعلى هذا معنى الآية: إن الله تعالى أخبر عن إرادته إظهار الساعة كما قال: ﴿لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ﴾ [الأعراف: ١٨٧]. غير أن هذا المعنى أصح في قراءة من قرأ: (أَخفيها) بفتح الألف (٣)؛ لأن كلام العرب الجيد: خفيت الشيء: أظهرته، وأخفيته: سترته.
قال الأزهري: (هذه اللغة الجيدة) (٤). وقد روي: خفيت بالمعنيين المتضادين، كما روى أخفيت، وكتاب الله تعالى يفسر بأفصح اللغات. وروي عن بعض أهل اللغة في هذه الآية وجه آخر وهو أن المعنى: الساعة آتية أكاد، وتم الكلام هاهنا (٥). والمعنى: أكاد أن آتي بها، ثم ابتدأ فقال:
(٢) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة.
انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١٤٩، "الكشف والبيان" ٣/ ١٦ ب، "بحر العلوم" ٣/ ٣٣٨، "المحرر الوجيز" ١٠/ ١٥، "زاد المسير" ٥/ ٢٧٧، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٦٠.
(٣) قرأ سعيد بن جبير: (أكاد أخفيها) بفتح الألف.
انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١٥٠، "الكشاف" ٢/ ٤٣٠، "تهذيب اللغة" (خفى) ١/ ١٠٧٠، "المحتسب" ٢/ ٤٧.
(٤) "تهذيب اللغة" (خفي) ١/ ١٠٧٠.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ١٥٢، "النكت والعيون" ٣/ ٩٧٣، "المحور الوجيز" ١٠/ ١٥، "المكتفى في الوقف والابتداء" ص ٣٧٩.
وقوله تعالى: ﴿لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ﴾ قال ابن الأنباري: (من قال: أخفيها معناه: أظهرها، جعل اللام في ﴿لِتُجْزَى﴾ من صلة أخفيها، والمعنى: أظهرها للجزاء، ومن قال: أخفيها: أسترها، جعل اللام معلقة بقوله: إن الساعة آتية لتجزي كل نفس) (٢).
وبهذا قال الزجاج (٣).
وقوله تعالى: ﴿بِمَا تَسْعَى﴾ بما تعمل من خير وشر.
١٦ - قوله تعالى: ﴿فَلَا يَصُدَّنَّكَ﴾ الصد: الصرف عن الخير، يقال: صده عن الإيمان وعن الحق، ولا يقال: صده عن الشر. والمعنى لا يمنعنك ولا يصرفنك (٤).
(٢) "الأضداد" لابن الأنباري ص ٩٦.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٥٣.
(٤) انظر "تهذيب اللغة" (صد) ٢/ ١٩٨٤ "مقاييس اللغة" (صد) ٣/ ٢٨٢، =
وقال الزجاج: (عن التصديق بها) (٢). ﴿مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا﴾ أي: من لا يؤمن بأنها تكون.
﴿وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾ مراده وخالف أمر الله ﴿فَتَرْدَى﴾ فتهلك، يقال: رَدِيَ، يَرْدَى، رَدًى فهو رَدٍ، ومثله تَرَدَّى إذا هلك (٣)، قال الله تعالى: ﴿وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى﴾ [الليل: ١١]. والظاهر أن هذا خطاب لموسى، ثم هو نهي لجميع المكلفين عن ترك الإيمان بالساعة والتأهب لها، وإنذار بالهلاك لمن فعل ذلك (٤). وجعل أبو إسحاق هذا خطابًا لنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (وخطاب النبي -صلى الله عليه وسلم- هو خطاب سائر أمته) (٥).
ومعنى ﴿وَلَا يَصُدُّنَّكَ﴾: لا يصدنكم، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ﴾ [الطلاق: ١]، فَنُبِه النبي -صلى الله عليه وسلم- وخوطب هو وأمته بقوله: ﴿إِذَا طَلَّقْتُمُ﴾.
١٧ - قوله تعالى: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾ قال أبو إسحاق:
(١) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٧٧.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٥٣.
(٣) انظر: "القاموس المحيط" (ردى) ٤/ ١٢٨٧، "الصحاح" (ردي) ٦/ ٢٣٥٤، "لسان العرب" (ردى) ٥/ ١٦٣٠، "المفردات في غريب القرآن" (ردأ) ص ١٩٤.
(٤) "المحرر الوجيز" ١٠/ ١٦، "البحر المحيط" ٦/ ٢٣٣، "روح المعاني" ١٦/ ١٧٣.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٠٣٥٣ الراجح -والله أعلم- أن الخطاب لموسى عليه السلام، وهو ما عليه جمهور المفسرين.
انظر: "المحرر الوجيز" ١٠/ ١٦، "البحر المحيط" ٦/ ٢٣٣، "التفسير الكبير" ٢٢/ ٢٣.
وقال الفراء: (معنى: ﴿تِلْكَ﴾ هذه) (٢). و ﴿بِيَمِينِكَ﴾ في مذهب صلة لتلك؛ لأن تلك وهذه توصلان كما توصل الذي. فتلك على قول الزجاج بمعنى: التي، وعلى قول الفراء بمعنى: هذه، كما أن ذلك يكون بمعنى هذا، كما بينا في قوله: ﴿ذَلِكَ﴾ في قوله: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ [البقرة: ٢]. وقال أهل المعاني: (معنى سؤال موسى عما في يده من العصا التنبيه له عليها، ليقع المعجز بها بعد التثبيت فيها والتأمل لها) (٣).
وقد كشف أبو إسحاق عن هذا المعنى فقال: (هذا الكلام لفظه لفظ الاستفهام ومجراه في الكلام مجرى ما يسأل عنه، ويجيب المخاطب بالإقرار به لتثبت عليه الحجة بعد ما اعترف، فيستغنى بإقراره عن أن يجحد بعد وقوع الحجة، ومثله من الكلام أن تُرِي المخاطب ماءً فتقول: ما هذا؟ فيقول ماء. ثم تحيله بشيء من الصبْع فإن قال: إنه لم يزل هكذا، قلت: ألست قد اعترفت بأنه ماء) (٤).
١٨ - قوله تعالى: ﴿قَالَ هِيَ عَصَايَ﴾ جواب الاستفهام والسؤال عما في يده، قال وهب: (لما قال موسى: ﴿هِيَ عَصَايَ﴾، قال الله تعالى: وما تصنع بها) (٥). ولا أحد أعلم منه بذلك، قال موسى: ﴿أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا﴾؛ لأن
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٧٧.
(٣) "بحر العلوم" ٢/ ٣٣٩، "النكت والعيون" ٣/ ٣٩٩، "الكشاف" ٢/ ٥٣٣، "البحر المحيط" ٦/ ٢٣٣.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٥٤.
(٥) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة.
وقوله تعالى: ﴿وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي﴾ قال الأصمعي: (هَشَّ يَهِشُّ هَشَّاً: إذا خبط الشجر فألقاه لغنمه) (٣).
قال الفراء: (أي أضرب بها الشجر اليابس ليسقط ورقه فترعاه الغنم) (٤). قال الراجز (٥):
أَهُشُّ بالعَصا عَلَى أَغْنَامِي
مِنْ نَاعِمِ الأَرَاكِ وَالبَشَامِ
قال الزجاج: (واشتقاقه من أني أُحيلُ الشيء إلى الهشاشة والإمكان) (٦). وذلك أن الهش من كل شيء فيه رخاوة، يقال: رجل
(١) في (س): (التوكيد)، وهو تصحيف.
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (تكئ) ١/ ٤٤٥، "لسان العرب" (وكأ) ٨/ ٤٩٠٤، "المعجم الوسيط" (أوكأ) ٢/ ١٠٥٢، "المفردات في غريب القرآن" (وكأ) ص ٥٣٢، "القاموس المحيط" (توكأ) (٥٦).
(٣) "لسان العرب" (هش) ٨/ ٤٦٦٧، "الصحاح" (هشش) ٣/ ١٠٢٧.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٧٧.
(٥) لم أهتد إلى قائله. وذكرته كتب التفسير واللغة بدون نسبة. والأراك، والبَشَام: نوعان من الشجر تأكلهما الماشية، وفي أغصانهما لين، ولهما ريح طيب، ويستاك بهما. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١٥٤، "النكت والعيون" ٣/ ٣٩٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٨٧، "مجاز القرآن" ٢/ ١٧، "فتح القدير" ٣/ ٥١٧، "تهذيب اللغة" (بشم) ١/ ٣٤٠، "لسان العرب" (أرك) ١/ ٦٤.
(٦) "معانى القرآن" للزجاج ٣/ ٣٥٤.
قال عكرمة: (يقال: أضرب الشجر فيتساقط الورق على غنمي) (١).
وقوله: ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ المآرب: الحوائج، واحدتها مأرَبة بفتح الراء وضمها، حكاهما جميع أهل اللغة (٢).
وحكى ابن الأعرابي: (مأربِة بكسر الراء) (٣). ومنه المثل: مَأرُبَة لا حَفَاوة (٤). وكذلك الأرب والإربة ومنه قوله تعالى: ﴿غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ﴾ [النور: ٣١].
وقوله تعالى: ﴿أُخْرَى﴾ جاء على لفظ صيغه الواحدة؛ لأن مأرب في معنى جماعة، فكأنه جماعة من الحاجات أخرى. وقاله الزجاج (٥). وذكرنا مثل هذا في قوله: ﴿الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [طه: ٨]، قال مجاهد، وسفيان والمفسرون: (ولي فيها حاجات أخرى) (٦).
وقال عطاء، وقتادة: (منافع أخرى) (٧). وذكر المفسرون تلك
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (أرب) ١/ ١٤٢، "مقاييس اللغة" (أرب) ١/ ٨٩، "الصحاح" (أرب) ١/ ٨٧، "لسان العرب" (أرب) ١/ ٥٥، "المفردات في غريب القرآن" (أرب) ص ١٥.
(٣) "تهذيب اللغة" (أرب) ١/ ١٤٢، "لسان العرب" (أرب) ١/ ٥٥.
(٤) "مجمع الأمثال" للميداني، "فرائد اللآلي في مجمع الأمثال" ٢/ ٢٧٣. والمعنى: إنما يكرمك لأرب له فيك، لا لمحبته لك.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٥٥.
(٦) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ١٥، "جامع البيان" ١٦/ ١٥٤، "النكت والعيون" ٣/ ٣٩٩، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٦٨، "الدر المنثور" ٤/ ٥٢٦.
(٧) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ١٥، "الطبري" ١٦/ ١٥٤، "الدر المنثور" ٤/ ٥٢٦.
وقال وهب: (كان لها شعبتان ومحجن (٢) تحت الشعبتين، فإذا طال الغصن حناه بالمحجن، وإذا أراد كسره لواه بالشعبتين، وكان إذا شاء ألقاها على عاتقه، فعلق بها قوسه، وكنانته (٣)، ومَرْجونَته (٤)، ومِخْلاته (٥)، وثوبه وزادًا إن كان معه، وكان يقاتل بها السباع عن غنمه) (٦).
(٢) الحجن: اعوجاج الخشبة وغيرها. والمحجن: خشبة أو عصا معقفة الرأس. انظر: "تهذيب اللغة" (حجن) ١/ ٧٥٣، "مقاييس اللغة" (حجن) ٢/ ١٤١، "القاموس المحيط" (حجن) ٤/ ١١٨٨، "لسان العرب" (حجن) ١/ ٧٩١.
(٣) الكنانة: الجعبة تتخذ للنبل والسهام.
انظر: "تهذيب اللغة" (كن) ٤/ ٣١٩٦، "الصحاح" (كن) ٦/ ٢١٨٨، "لسان العرب" (كنن) ٧/ ٣٩٤٣، "المعجم الوسيط" (الكنانة) ٢/ ٨٠١.
(٤) المَرْجُونة: القفة، وهي الزبيل، لها معاليق تعلق بها في آخر الزاد يوضع فيها الزاد والتمر.
انظر: "تهذيب اللغة" (قفف) ٣/ ٣٠٢١، "القاموس المحيط" (رجن) ٤/ ١١٩٩، "لسان العرب" (قفف) ٦/ ٣٧٠٤.
(٥) المخلات: ما يوضع فيه الحشيش الرطب. وبه سميت المخلاة. والخلي: هو الحشيش الذي يحتش من بقول الربيع، وقد اختليته، وبه سميت المخلات، والواحدة خلاة، وأعطني مخلاة أخلي فيها. انظر: "القاموس المحيط" (الخلي) ٤/ ١٢٨١، "لسان العرب" (خلا) ٢/ ١٢٥٨، "الصحاح" (خلا) ٦/ ٢٣٣١.
(٦) "الدر المنثور" ٤/ ٥٢٠، "التفسير الكبير" ٢٢/ ٢٧، "روح المعاني" ١٦/ ١٧٦.
٢٠ - فذلك قوله: ﴿فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى﴾ تشد، وتمشي مسرعة على بطنها.
قال ابن عباس: (فابتلعت الصخور والشجر وكل ما مرت به) (٣).
٢١ - وخاف موسى فناداه ربه: ﴿خُذْهَا وَلَا تَخَفْ﴾ وذلك أن الله تعالى أراد أن يري موسى ما أعطاه من الآيات التي لا يقدر عليها مخلوق؛ لئلا يفزع منها إذا ألقاها عند فرعون ولا يولي مدبرًا. ولم يذكر خوف موسى في هذه السورة، وذكر في سورة القصص (٤). وقوله هاهنا: ﴿وَلَا تَخَفْ﴾ يدل على خوفه.
وقوله تعالى: ﴿سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى﴾ قال عطاء والسدي: (نردها عصا كما كانت) (٥).
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ١٥٦، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٦٩، "الدر المنثور" ٤/ ٥٢٠.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ١٥٦، "الكشاف" ٢/ ٥٣٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٩٠، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٦١، "الدر المنثور" ٤/ ٥٢٧.
(٤) عند قوله سبحانه في سورة [القصص: ٣١]: ﴿وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ﴾.
(٥) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١٥٧، "الكشف والبيان" ٣/ ١٧ أ، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٣٦، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٦٩، "زاد المسير" ٥/ ٢٧٠، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٦١.
وقال مجاهد. (هيئتها) (٢). وقال أبو عبيدة: (خلقتها الأولى) (٣). يقال لمن كان على شيء فتركه، ثم عاد فتحول إليه: عاد إلى سيرته. وقال المبرد: (أي يجعلها كما كانت) (٤). والسيرة: الهيئة (٥).
والمعنى في الآية: أنها تجري على ما كانت تجري عليه من قبل، من كونها عصا، ونحو هذا قال أبو إسحاق في السيرة: (أنها الهيئة، يقال إذا كان القوم مشتبهين: هم على سيرة واحدة. قال: و ﴿سِيرَتَهَا﴾ منصوبة على إسقاط الخافض، وأفضى الفعل إليها، والمعنى: إلى سيرتها، فلما حذفت (إلى) أفضى الفعل، وهو ﴿سَنُعِيدُهَا﴾ فنصب) (٦).
قال وهب: (لما أمره الله بأخذها أدنى طرف المدرعة (٧) على يده، فقال له مَلك: أرأيت يا موسى لو أذن الله بما تحاذر، أكانت المدرعة تغني عنك شيئًا؟ قال: لا، ولكني ضعيف ومن ضعف خلقت. فكشف عن يده ثم وضعها في فم الحية وقبض، فإذا عصاه التي عهدها، وإذا يده في موضعه
(٣) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ١٨.
(٤) ذكر بلا نسبة في "المحرر الوجيز" ١٠/ ٢١، "زاد المسير" ٥/ ١٨٠، "البحر المحيط" ٦/ ٢٣٥.
(٥) انظر: "القاموس المحيط" (السير) ٢/ ٤، "الصحاح" (سير) ٢/ ٦٩١، "لسان العرب" (سير) ٤/ ٢١٦٩، "المفردات في غريب القرآن" (سار) ص ٢٤٧.
(٦) "معاني القرآن" للزحاج ٣/ ٣٥٥.
(٧) المدرعة: ضرب من الثياب التي تلبس ولا تكون إلا من الصوف.
انظر: "تهذيب اللغة" (درع) ٢/ ١٧٥، "مقاييس اللغة" (درع) ٢/ ٢٦٨، "القاموس المحيط" (درع) ٤/ ٧، "الصحاح" (درع) ٣/ ١٢٠٦.
٢٢ - قوله تعالى: ﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ﴾ اختلفوا في الجناح هاهنا، فقال أبو عبيدة (كل ناحيتين جناحان) (٢).
وقال المبرد: (الجناح الجانب) (٣). فعلى هذا الجنب والإبط جناح، وهذا قول الكلبي، والسدي في هذه الآية (٤). واختيار ابن قتيبة (٥).
وقال الفراء، والزجاج: (جناح الإنسان عضده إلى أصل غبطه) (٦). وهذا قول مجاهد قال: (﴿إِلَى جَنَاحِكَ﴾ تحت عضدك) (٧). وهذا القول أشبه؛ لأن يدي الإنسان مشبهتان بجناح الطائرة ولأنه قال: ﴿تَخْرُجْ بَيْضَاءَ﴾ والمعنى: أدخل يدك تحت عضدك تخرج بيضاء، ولو كان المراد بالجناح الجنب والإبط لم يقل: تخرج.
وقال ابن عباس في رواية عطاء: (يريد إلى صدرك) (٨). ولا أدري كيف فسر الجناح بالصدر!.
(٢) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ١٨.
(٣) ورد نحوه بلا نسبة في "بحر العلوم" ٢/ ٣٣٩، "الكشف والبيان" ٣/ ١٧ أ، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٩١.
(٤) "بحر العلوم" ٢/ ٣٣٩، "الكشف والبيان" ٣/ ١٧ أ.
(٥) "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٧٨.
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٧٨، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٥٥.
(٧) "جامع البيان" ١٦/ ٢٥٧، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٣٦، "النكت والعيون" ٣/ ٤٠٠، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٠، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٦٢.
(٨) "التفسير الكبير" ٢٢/ ٣٠.
قال ابن عباس: (كان ليده نور ساطع يضيء بالليل والنهار، كضوء الشمس والقمر وأشد ضوءًا) (١). فذلك قوله: ﴿بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ من غير برص، في قول جميع المفسرين (٢).
قال الليث: (ويكنى بالسوء عن اسم البرص) (٣). وقال أبو عمرو: (﴿سُوءٍ﴾ أي: برص) (٤).
وقال المبرد: (السوء إذا أطلق فهو البرص، وإذا وصلوه بشيء فهو كل ما يسؤ، والأغلب عليه عند العرب من الأدواء البرص) (٥).
وقوله تعالى: (آية أخرى) قال الأخفش: (جعل ﴿آيَةً﴾ بدل من ﴿بَيْضَاءَ﴾) (٦).
(٢) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ١٥، "جامع البيان" ١٦/ ١٥٨، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٣٦، "بحر العلوم" ٢/ ٣٣٩، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٠.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" (ساء) ٢/ ١٥٨٣، "لسان العرب" (سوأ) ٤/ ٢١٦٠.
(٤) ذكرته كتب اللغة بدون نسبة.
انظر: "تهذيب اللغة" (ساء) ٢/ ١٥٨٣، "لسان العرب" (سوأ) ٤/ ٢١٦٠، "المفردات في غريب القرآن" (سوأ) ص ٢٥٢، "مختار الصحاح" (سوأ) ص ١٣٤.
(٥) ذكر نحوه بلا نسبة في: "المحرر الوجيز" ١٠/ ٢٢، "الكشف والبيان" ٣/ ١٧ أ، "زاد المسير" ٥/ ٢٨٠، "البحر المحيط" ٦/ ٢٣٦، "تهذيب اللغة" (ساء) ٢/ ١٥٨٣.
(٦) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٢٩.
٢٣ - قوله تعالى: ﴿لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى﴾ تأنيث الأكبر، وهي نعت الآيات، ولم يقل الأكبر لما ذكرنا في قوله: ﴿مَآرِبُ أُخْرَى﴾ [طه: ١٨]. ولو قيل الكبر لجاز وحسن، ولكن لوفاق رؤوس الآي جاءت الكبرى، ويجوز أن تكون ﴿الْكُبْرَى﴾ نعتًا لمنعوت محذوف على تقدير: لنريك من آياتنا الآية الكبرى، وهذا مذهب أبي عبيدة (٣). وبه قال جماعة من المفسرين (٤).
قال ابن عباس: (كانت يد موسى أكبر آياته) (٥).
وقال الكلبي: (يده أعظم ما رأى من الآيات) (٦).
(٢) ذكره القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" بلا نسبة ١١/ ١٩١، والرازي في "التفسير الكبير" ٢٢/ ٣٠.
(٣) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ١٨.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ١٥٨، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٠، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٢٢، "الكشاف" ٢/ ٥٣٤، "التفسير الكبير" ٢٢/ ٣٠.
(٥) "الكشف والبيان" ٣/ ١٧ أ، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٩١.
(٦) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "الكشف والبيان" ٣/ ١٧ أ، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٩١، "التفسير الكبير" ٢٢/ ٣٠، "فتح القدير" ٣/ ٥١٨.
٢٤ - قوله تعالى: ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾ أي: جاوز القدر في العصيان، وذلك أنه خرج من معصيته إلى فاحش تجاوز به معاصي الناس.
قال أهل المعاني: (وفي الآية محذوف؛ لأن المعنى: إذهب إلى فرعون فادعه إلى توحيد الله ﴿إِنَّهُ طَغَى﴾؛ لأنه أمر بالذهاب إليه، وأن يدعوه إلى التوحيد) (٢).
٢٥ - قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي﴾ ذكرنا الكلام في معنى شرح الصدر في سورة الأنعام (٣). يقول افتح صدري ووسعه لقبول الحق.
انظر: "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٠، "الكشف والبيان" ٣/ ١٧/ ب، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٩١، "التفسير الكبير" ٢٢/ ٣٠، "الفتوحات الإلهية" ٣/ ٨٨.
وقال أبو حيان في "البحر المحيط" ٦/ ٢٣٧: (ويبعد ما قيل من أن اليد أعظم في الإعجاز من العصا؛ لأنه ذكر عقيب اليد). ﴿لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى﴾ لأنه جعل الكبرى مفعولاً ثانيًا لنريك وجعل ذلك راجعًا إلى الآية القريبة وهي إخراج اليد بيضاء من غير سؤ، وقد ضعف قوله هذا؛ لأنه ليس في اليد إلا تغيير اللون، وأما العصا ففيها تغيير اللون، وخلق الزيادة في الجسم، وخلق الحياة، والقدرة، والأعضاء المختلفة، وابتلاع الشجر والحجر ثم عادت عصا بعد ذلك فقد وقع التغيير مرارًا فكانت أعظم من اليد).
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ١٥٨.
(٣) عند قوله سبحانه في سورة [الأنعام: ١٢٥]: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾.
٢٦ - قوله تعالى: ﴿وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي﴾ قال ابن عباس: (يريد سهل علي مابعثتني له) (٢).
٢٧ - ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي﴾ العقدة: الربطة في الحبل والخيط (٣). وأراد بالعقدة هاهنا رثة (٤) كانت في لسانه، تمنعه من الإنطلاق في الكلام. قال سعيد بن جبير، وهو قول العامة: (عجمة من جمرة نار أدخلها في فيه) (٥). والقصة في ذلك معروفة (٦). قال ابن عباس: (يريد أطلق عن لساني
(٢) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة.
انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١٥٩، "الكشف والبيان" ٣/ ١٧ ب، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٢٣، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧١، "زاد المسير" ٥/ ٢٨١.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" (قعد) ٣/ ٢٥١١، "مقاييس اللغة" (عقد) ٤/ ٨٦، "المعجم الوسيط" (عقد) ٢/ ٦١٣، "المفردات في غريب القرآن" (عقد) ص ٣٤١.
(٤) الرثة: عجلة في الكلام، وقلة أناة، وقلب لبعض الحروف، فتسمع الصوت ولا يبين لك تقطيع الكلام. والأرث: الذي في لسانه قعدة وحبسه، ويعجل في كلامه، فلا يطاوعه لسانه.
انظر: "تهذيب اللغة" (رث) ٢/ ١٣٥٩، "القاموس المحيط" (الرث) (١٦٩)، "لسان العرب" (رثت) ٣/ ١٥٨٠.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ١٥٩، "القرطبي" ١٦/ ١١، "الدر المنثور" ٤/ ٥٢٨.
(٦) "الكشف والبيان" ٣/ ١٧ ب، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٣٦، "بحر العلوم" ٢/ ٣٣٩، "النكت والعيون" ٣/ ٤٠٠، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧١. =
٢٩ - قوله تعالى: ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي﴾ قال المفسرون: (عونًا وظهيرًا من أهل بيتي) (٢).
قال أبو إسحاق: (الوزير في اللغة اشتقاقه من الوَزَرِ، وهو الجبل الذي يعتصم به لينجي من الهلكة، وزير الخليفة معناه: الذي يعتمد على رأيه في أموره ويلتجئ إليه. وقوله تعالى: ﴿كَلَّا لَا وَزَرَ﴾ [القيامة: ١١] معناه: لا شيء يعتصم به من أمر الله) (٣).
وقال غيره: (قيل لوزير السلطان: وزير؛ لأنه يَزِرُ عن السلطان أثقال ما أسند إليه من تدبير الولاية، أي: يحمل. وزَرْتُ الشيء أي: حملته، أَزِرُه وَزْرًا) (٤). وذكرنا هذا عند قوله: ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ)﴾ [الأنعام: ٣١]. الآية.
وقال الليث: (الوَزِيرُ الذي يَسْتَوزره الملك فيستعين به، وصناعته الوزارة، وهو يُوَازر الملك مُوَازَرة أي: يعاونه، والزرع يُوَازِر بعضه بعضًا إذا
(١) "الكشف والبيان" ٣/ ١٧ ب، "الكشاف" ٢/ ٥٣٥.
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ١٦٠، "الكشف والبيان" ٣/ ١٧ ب، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧١.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٥٧.
(٤) "البحر المحيط" ٦/ ٢٣٩، "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٧٨، "تهذيب اللغة" (وز) (٤/ ٣٨٨٣، "القاموس المحيط" (الوزر) ٢/ ٥٢٨، "لسان العرب" (وزر) ٨/ ٤٨٢٤.
٣٠ - قوله تعالى: ﴿هَارُونَ أَخِي﴾ يجوز في نصب ﴿هَارُونَ﴾ وجهان أحدهما: أنه مفعول الجعل على تقدير: اجعل هارون أخي وزيري. والثاني: على البدل من وزير. والوجهان ذكرهما الفراء، والزجاج (٣). و ﴿أَخِي﴾ نعت لهارون.
٣١ - قوله تعالى: ﴿اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي﴾ قال المفسرون: (قوي ظهري وأعني به) (٤).
قال ابن الأعرابي: (الأَزْرُ: القوة، والأزر: الظهر، والأزر: الضعف. وفسر قوله: ﴿اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي﴾ بالقوة، والظهر والضعف) (٥). وأنشد أبو عبيدة على أن الأزر في هذه الآية الظهر (٦)، قول ذي الرمة (٧):
انظر: "تهذيب اللغة" (وزر) ٤/ ٣٨٨٣، "الصحاح" (وزر) ٢/ ٨٤٥، "القاموس المحيط" (الوز) ص ٥٢٨، "لسان العرب" (وزر) ٨/ ٤٨٢٤.
(٢) ذكرت نحوه كتاب اللغة بدون نسبة.
انظر: "تهذيب اللغة" (وزر) ١٣/ ٢٤٣، "الصحاح" (وزر) ٢/ ٨٤٥، "القاموس المحيط" (الوزر) ٢/ ١٥٤، "لسان العرب" (وزر) ١٥/ ٢٨٤.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٧٨، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٥٦.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ١٦٠، "الكشف والبيان" ٣/ ١٧ ب، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧١، "زاد المسير" ٥/ ٢٨٢.
(٥) "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٧٨، "تفسير غريب القرآن" لابن الملقن ص ٢٤٥، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٨٣، "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٣٣٧.
(٦) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ١٨.
(٧) البيت لذي الرمة. المحافظة: الذب عن المحارم، والمنع لها عند الحروب. انظر: "ديوان ذي الرمة" ص ٢٢٠، "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ١٨.
إِذَا مُدَّت الأَيْدِي الكِرَام إِلى العُلَى | وشُدَّ لأَيَّامِ المُحَافَظَةِ الأَزْرُ |
٣٢ - ﴿وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾ أي: اجمع يبني وبينه في النبوة، فالمراد بالأمر هاهنا: النبوة، قاله ابن عباس، والكلبي (١).
وقراءة العامة: ﴿اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾ على الدعاء، وقرأ ابن عامر: (أَشدد به أزري وأُشركه) على الجواب والمجازاة (٢)، والوجه الدعاء؛ لأنه معطوف على ما تقدمه من قوله: ﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي﴾ [طه: ٢٦، ٢٥]، فكما أن ذلك كله دعاء فكذلك ما عطف عليه، وأما الاشتراك في النبوة لا يكون إلا من الله سبحانه، اللهم إلا أن يجعل أمره شأنه الذي هو غير النبوة، وإنما ينبغي أن يكون النبوة، كما فسره ابن عباس. فأما ﴿اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي﴾ فحمله على الإخبار وغير الدعاء أسهل، ولا يسوغ أن يحمل ﴿وَأَشْرِكْه﴾ في أمري على غير النبوة؛ لأنه قد
(٢) قرأ ابن عامر الشامي: (أَشدد به) بفتح الهمزة وجعلها ألف المتكلم، وقرأ: ﴿وَأَشْرِكْه﴾ بضم الهمزة على الجواب والمجازاة.
قرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وعاصم: ﴿اشْدُدْ بِهِ﴾ بوصل الألف والإبتداء بالضم، وقرأوا: ﴿وَأَشْرِكْهُ﴾ بفتح الهمزة على الدعاء.
انظر: "السبعة" ص ٤١٧، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٢١، "التبصرة" ص ٢٥٩، "حجة القراءات" ص ٤٥٢، "المبسوط في القراءات" ص ٢٤٧.
٣٣ - قوله تعالى: ﴿كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا﴾ [قال الكلبي: (يقول: نصلي لك كثيرًا] (٢).
٣٤ - ﴿وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا﴾ بحمدك والثناء عليك بما أوليتنا من نعمك، ومننت به علينا من تحميل رسالتك) (٣). فاستجاب الله دعاءه وقال: ﴿قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى﴾ أي: أعطيت ما سألت.
قال الكلبي: (فلق الله له صدره، وحل عقدة من لسانه، وبعث معه أخاه هارون) (٤).
قال الأزهري: (سُؤل الإنسان: أمنيته التي يطلبها، والتسويل تفعيل منه وهو تزين ذلك، وأصل السؤال مهموز، غير أن العرب استثقلوا فيه الهمز لما كثر في كلامهم) (٥).
وقال الراعي فلم يهمز السول (٦):
اخْتَرْتُكَ النَّاسُ إِذْ رَثَّتْ خَلاَئِقُهُم | واعْتَلَّ مَنْ كَانَ يُرْجَى عِنْدَه السُّولُ |
(٢) ما بين المعقوفين مكرر في نسخة (س).
(٣) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٢.
(٤) ذكره الطبري في "جامع البيان" ١٦/ ١٦١ بدون نسبة، وكذلك ابن عطية في "المحرر الوجيز" ١٠/ ٢٦.
(٥) "تهذيب اللغة" (سول) ٢/ ١٧٩١.
(٦) البيت للراعي. رثت: الرثأة قلة الفطنة، وضعف الفؤاد. والخليقة: الفطرة يقال: إنه لكريم الطبيعة، والخليقة، والسليقة بمعنى واحد.
انظر: "تهذيب اللغة" (سول) ٢/ ١٧٩١، "لسان العرب" (سول) ٤/ ٢١٥٧.
٣٨ - وقوله تعالى: ﴿مَرَّةً أُخْرَى﴾ تفسيره قوله: ﴿إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ﴾ قال المفسرون: (وحي إلهام) (٢). مثل: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ﴾ [النحل: ٦٨] أي: ألهمناها حين عيت بأمرك، بلطف إلهامنا إياها ما كان فيه سبب نجاتك من القتل.
وقوله تعالى ﴿مَا يُوحَى﴾ أي: ما يلهم، ثم فسر هذا الملهم بقوله:
٣٩ - ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ﴾. وذكر ابن الأنباري في قوله: ﴿مَا يُوحَى﴾ وجهين أحدهما: (أن معناه وأوحينا إلى أمك الذي يجوز أن يوحى إليها، والضرب الذي يمكن أن تكون مختصة به؛ لأنه ليس كل الأمور يصلح وحيها إليها، فكأنها اختصت بما يجوز أن يختص به أمثالها ممن ليس بنبي ولا رسول. والثاني: أن ﴿مَا يُوحَى﴾ أفاد في الآية توكيد أوحينا، كأنه قيل: أوحينا إلى أمك إيحاء) (٣). ومعنى: ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ﴾ اجعليه فيه بأن ترميه فيه، واستعمل لفظ القذف هاهنا للعجلة، كي تعجل قبل أن يطلع
(٢) "الكشف والبيان" ٣/ ١٧ ب، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٣٧، "بحر العلوم" ٢/ ٣٤٠، "معالم التزيل" ٥/ ٢٧٢، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٢٦.
(٣) ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ٢٨٣، والطبرسي في "مجمع البيان" ٥/ ١٧.
وقوله تعالى: ﴿فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ قال ابن عباس: (يريد النيل) (٢)
قال الليث: (﴿الْيَمِّ﴾: البحر الذي لا يدرك قعره ولا شطاه) (٣)
قال الأزهري: (﴿الْيَمِّ﴾: البحر، وهو معرب وأصله بالسريانية، فعربته العرب وأصله: يم، ويقع اسم اليم على ما كان ماؤه ملحًا زعاقًا، وعلى النهر الكبير العذب الماء كالذي في هذه الآية، وهو نهر النيل بمصر وماؤه عذب. قال الله تعالى: ﴿فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ﴾ فجعل له ساحلاً، وهذا كله دليل على بطلان قول الليث في اليم) (٤).
قال صاحب النظم: (اشترك في قوله: ﴿فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ﴾ الأمر والجزاء؛ لأنه جواب لقوله: ﴿فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ وهو أمر بالإلقاء، فصار كقوله: ﴿اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ﴾ [العنكبوت: ١٢]، فقوله: ﴿اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا﴾ أمر وله جواب، وجوابه في قوله: (نحمل)، ودخول الواو واللام دلالة على استئناف أمر لنفسه، كما قال الشاعر (٥):
ويشهد لهذا المعنى قوله سبحانه في سورة [النور: ٢٣]: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.
(٢) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١٦١، "الكشف والبيان" ٣/ ١٧ ب، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٩٥.
(٣) "تهذيب اللغة" (يم) ٤/ ٣٩٨٤.
(٤) نفسه.
(٥) اختلف في نسبة هذا البيت.
فَقُلْتُ ادْعِي وأَدْعُ فَإنَّ أَنْدَى | لِصَوْتِ أَنْ يُنَادِيَ دَاعِيَانِ |
وهذا الذي ذكره صاحب النظم شرح ما ذكره الفراء وبيانه (٢). والساحل: شاطئ البحر، والوادي سمي ساحلاً؛ لأن الماء يسحله أي: يقشره إذا علاه، وهو فاعل بمعنى مفعول هاهنا، ذكره الأزهري (٣). وذكر في التفسير: أن النيل ألقاه إلى مشرعة (٤) آل فرعون (٥).
ونسب للفرزدق في "آمالي القالي" ٢/ ٩٢، وليس في ديوانه.
ونسب لدثار بن شيبان النمري ذكر ذلك: "الأغاني" ٢/ ١٥٩، "سمط اللآلي" ص ٧٢٦، "لسان العرب" (ندى) ٧/ ٤٣٨٨.
وذكر بغير نسبة في: "الإنصاف" ٩/ ٤، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٩٢، "مجالس ثعلب" ص ٤٥٦، "معنى اللبيب" ١/ ٣٩٧.
(١) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة.
انظر: "المحرر الوجيز" ١٠/ ٢٦، "الكشاف" ٢/ ٥٣٦، "البحر المحيط" ٦/ ٢٤١، "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٣٢٦.
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٧٩.
(٣) "تهذيب اللغة" (سحل) ٢/ ١٦٤٥.
(٤) الْمَشْرَعةُ: التي يَشْرَعها الناس فيشربون منها ويستقون، وربما شرعوها دوابهم حتى تشرعها وتشرب منها، والعرب لا تسميها شريعة حتى يكون الماء عدّا لا انقطاع له، ويكون ظاهرًا معينًا لا يستقى منه بالرشاء. انظر: "تهذيب اللغة" (شرع) ٢/ ١٨٥٨، "القاموس المحيط" (الشريعة) ص ٧٣٢، "الصحاح" (شرع) ٣/ ١٢٣٦، "لسان العرب" (شرع) ٤/ ٢٢٣٨.
(٥) "الكشف والبيان" ٣/ ١٧ ب، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٢٦، "زاد المسير" ٥/ ٢٨٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٩٥.
وقال سلمة بن كهيل (٢): (حببتك إلى عبادي) (٣).
وقال عكرمة: (حسن وملاحة) (٤). فحيث أبصرت وجهه آسيه (٥)، قالت لفرعون: ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ﴾ وروي عن ابن عباس أنه قال: (أحبه وحببه إلى خلقه) (٦).
وقال العوفي: (جعل عليه مسحة من جمال لا يكاد يصبر عنه من
(٢) سلمة بن كهيل الحضرمي، التنعي، الكوفي أبو يحيى من كبار التابعين، روى له الستة، وروى عن سعيد بن جبير ومجاهد وغيرهما، وروى عنه الثوري وغيره، وهو ثقة، ثبت في الحديث، وكان فيه تشيع قليل، توفي -رحمه الله- سنة ١٢١ هـ، وقيل غير ذلك.
انظر: "طبقات ابن سعد" ٦/ ٢٢١، "الجرح والتعديل" ٢/ ١٧٠، "الكامل" ٥/ ٩٦، "تهذيب التهذيب" ٤/ ١١٥، "شذرات الذهب" ١/ ١٥٩.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ١٦١، "النكت والعيون" ٣/ ٤٠٢، "معالم التزيل" ٥/ ٢٧٢، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٦٤، "الدر المنثور" ٤/ ٥٢٩.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ١٦١، "النكت والعيون" ٣/ ٤٠٢، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٩٦، "الدر المنثور" ٤/ ٥٢٩.
(٥) آسية بنت مزاحم، زوجة الطاغية فرعون، وهي من أفضل النساء لإيمانها وصبرها، وقد ورد بذلك الخبر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما رواه الإمام أحمد ١/ ٣١٦، وأخرجه الحاكم في "مستدركه" ٢/ ٥٩٤ أنه قال: "أفضل نساء الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مز احم امرأة فرعون".
(٦) "الكشف والبيان" ٣/ ١٧ ب، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٩٦.
وقال قتادة: (ملاحة كانت في عيني موسى ما رآه أحد إلا عشقه) (٢).
وقال في رواية سعيد بن جبير: (ألقى عليه منها محبة لم يلق منها على أحد من البشر) (٣). وهذا كلام المفسرين.
فأما ظاهر اللفظ فإنه يقتضي أن الله تعالى أحبه، وحب الله تعالى إياه أعظم نعمة وأجمل إحسان (٤). ومن قال: إنه حببه إلى خلقه كان المعنى: ألقيت عليك محبة للعباد، وهي مني مخلوقة لي. ومن فسر هذه المحبة بالحسن والجمال كان المعنى: ألقيت عليك سبب محبة، فسمي سبب الحب حبًا، أو حذف المضاف.
وقال أبو عبيدة في هذه الآية: (يقول: جعلت لك محبة عندي وعند
(٢) "الكشف والبيان" ٣/ ١٧ ب، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٣، "زاد المسير" ٥/ ٢٨٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٩٦، "الدر المنثور" ٤/ ٥٢٩.
(٣) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١٦١، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٢٩، "التسهيل لعلوم التنزيل" ص ٤٠٣، "مجمع البيان" ٧/ ١٨، "روح المعاني" ١٦/ ١٨٩.
(٤) قال الإمام الطبري في "تفسيره" ١٦/ ١٦١: والذي هو أولى بالصواب من القول في ذلك أن يقال إن الله ألقى محبته على موسى كما قال جل ثناؤه: ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾ فحببه إلى آسية امرأة فرعون حتى تبنته وغذته وربته.
وقال ابن تيمية في "العقيدة الواسطية" ص ٢٠: (ومحبة الله صفة من صفاته الفعلية ودليلها قوله تعالى: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾.
ويشهد لهذا ما رواه البخاري في التوحيد، باب: كلام الرب مع جبريل قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أحب الله العبد نادى جبريل إني أحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء أن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ويوضع له القبول في الأرض".
وقوله تعالى: ﴿وَلِتُصْنَعَ﴾ قال المفسرون: (ولتربي تغذي) (٣). يقال: صنع الرجل جاريته، وصنعها إذا رباها، وصنع فرسه إذا داوم على علفه والقيام عليه، ومن هذا يقال: فلان صنيع فلان، وصنيعته، إذا رباه وأبه حتى يخرجه (٤).
وقوله تعالى: ﴿عَلَى عَيْنِي﴾ ذكر المفسرون في تفسيره: (مرآى مني) (٥). وهو جائز من حيث اللفظ، ولكن لا يكون في هذا تخصيص لموسى، فإن جميع الأشياء بمرآى من الله لا يغيب عن رؤيته شيء. والصحيح في هذا ما روى قتادة أنه قال: (لتغذى على محبتي وإرادتي) (٦). واختاره أبو عبيدة وذكره فقال: (أي لتربي وتغذي على محبتي وما أريد.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ١٦٢، "الكشف والبيان" ٣/ ١٧ ب، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٣٨، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٧٩.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" (صنع) ٢/ ٢٠٦٥، "القاموس المحيط" (صنع) ص ٧٣٨، "الصحاح" (صنع) ٣/ ١٢٤٥، "لسان العرب" (صنع) ٤/ ٢٥٠٨.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ١٦٣، "الكشف والبيان" ٣/ ١٧ ب، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٣، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٣٠.
(٦) "النكت والعيون" ٣/ ٤٠٢، وذكرته كتب التفسير بدون لفظ الإرادة.
انظر: "تفسير القرآن" للصنعاني ١/ ١٦، "جامع البيان" ١٦/ ١٦٢، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٧٩، "الدر المنثور" ٤/ ٥٢٩.
وقال ابن الأنباري: (العين في هذه الآية يقصد بها قصد الإرادة والاختيار، من قول العرب: غذى فلان على عيني أي على المحبة مني والإشفاق) (٢).
وأنشد لخفاف بن ندبة (٣):
إِن تَكُ خَيْلِي قَدْ أُصِيبَ صَمِيمُها | فَعَمْدًا عَلى عَيْنٍ تَيَمَّمْتُ مَالِكَا |
(٢) ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ٢٨٤، والألوسي في "روح المعاني" ١٦/ ١٩٠.
وقال ابن تيمية في "العقيدة الواسطية" ص ٢٢: (إن عيني الله من صفاته الذاتية الثابتة له حقيقة على الوجه اللائق به ينظر بهما ويبصر ويرى ودليل ذلك قوله: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ ولا يجوز تفسيرها بالعلم ولا بالرؤية مع نفي العين لأنه مخالف لظاهر اللفظ وإجماع السلف على ثبوت العين لله). وأولى ما حملت عليه هذه الآية أن يقال فيها: أي: على نظر مني ومرئ فأنت بحفظي ورعايتي.
انظر: "الفتاوى" لابن تيمية ٣/ ١٣٣، "تيسير الكريم الرحمن" ٥/ ١٥٦، "القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى" ص ٩٠.
(٣) البيت لخفاف بن ندبة، قاله بعد قتله لمالك بن حمار، سيد بني شمخ بن فزارة. انظر: " الشعر والشعراء" ص ٢١٢، "الخزانة" ٥/ ٤٤٣، "الأغاني" ١٣/ ١٣٥، "لسان العرب" (عين) ٦/ ٣١٩٩.
٤٠ - قوله تعالى: ﴿إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ﴾ [يعني حين قالت لها أم موسى: قصيه فاتبعت موسى على أثر الماء.
وقوله تعالى: ﴿فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ﴾ [القصص: ١٢] الآية. (٢)، قال الفراء: (كثير وهو من كلام العرب أن تجتزي بحذف كثير من الكلام إذا كان المعنى معروفًا) (٣).
وقوله تعالى: ﴿عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ﴾ أي: يرضعه ويضمه إليه (٤)، وذكرنا هذا عند قوله: ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ [آل عمران: ٣٧]. فقيل له: ثم رددناك إليها كي تقر عينها بك وبرؤيتك. وذكرنا الكلام في قراءة العين عند قوله: ﴿وَقَرِّي عَيْنًا﴾ [مريم: ٢٦].
وقوله تعالى: ﴿وَقَتَلْتَ نَفْسًا﴾ يعني: القبطي الذي وكزه موسى فقضى عليه (٥).
(٢) في (ص) قال: (حين تركت موسى المراضع).
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٧٩.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ١٦٣، "الكشف والبيان" ٣/ ١٨ أ، "بحر العلوم" ٢/ ٣٤٠، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٣، "زاد المسير" ٥/ ٢٨٥.
(٥) كما قال سبحانه في سورة [القصص: ١٥]: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا =
وقوله: ﴿وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا﴾ قال ابن عباس في رواية علي بن أبي طلحة: (أختبرناك اختبارًا) (٢). واختاره الزجاج، وابن قتيبة (٣).
وقال الفراء: (أبتليناك بغم القتل) (٤).
وتفسير ﴿وَفَتَنَّاكَ﴾ بالاختبار والابتلاء صحيح، إلا أنه لا يأتي بالمعنى هاهنا، والوجه ما ذكره ابن عباس في رواية عطاء قال: (يريد خلصناك إخلاصًا من الذبح وغيره) (٥). وهذا قول سعيد بن جبير حين سأله عن الفتون ما هو؟ في حديث طويل (٦).
(١) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة.
انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١٦٤، "زاد المسير" ٥/ ٢٨٥، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٦٤، "التفسير الكبير" ٢٢/ ٥٤، "ارشاد العقل السليم" ٦/ ١٦.
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ١٦٤، "الكشف والبيان" ٣/ ١٨ أ، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٣، "زاد المسير" ٥/ ٢٨٥، "الدر المنثور" ٤/ ٥٢٩.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٥٧، "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٧٩.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٧٩.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ١٦٤، "الكشف" ٢/ ٢٣٧، "زاد المسير" ٥/ ٢٨٥.
(٦) "جامع البيان" ١٦/ ١٦٤، "بحر العلوم" ٢/ ٣٤٠، "الكشف" ٢/ ٥٣٧، "ابن كثير" ٣/ ١٦٤، وقال -رحمه الله- بعد أن ساق الحديث بطوله: وهو موقوف من كلام ابن عباس، وليس مرفوع إلا قليل منه، وكأنه تلقاه ابن عباس -رضي الله عنه- مما أبيح =
قال ابن الأنباري في القول الأول: (معناه الامتحان الذي يبتلى معه صبر الممتحن، والأنبياء وأهل الخير يختبرهم الله تعالى ليسعدهم، ويجعل حسن العقبى لهم، فتفسير: ﴿وَفَتَنَّاكَ﴾ ابتليناك بغم القتل، يعني: قتل
انظر: "الدر المنثور" ٤/ ٥٣٠، "مجمع الزوائد" للهيثمي ٧/ ٦٦، وقال: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير أصبغ بن زيد، والقاسم بن أبي أيوب وهما ثقتان.
(١) "جامع البيان" ١٦/ ١٦٤، "النكت والعيون" ٣/ ٤٠٣، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٣، "زاد المسير" ٥/ ٢٨٥، "الجامع" ١١/ ١٩٨.
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ١٦٤، "بحر العلوم" ٢/ ٣٤١، "الكشاف" ٢/ ٥٣٧، "زاد المسير" ٥/ ٢٨٥، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٦٤، "الدر المنثور" ٤/ ٥٣٠.
(٣) "زاد المسير" ٥/ ٢٨٥.
(٤) انظر (فتن) في: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٧٤، "مقاييس اللغة" ٤/ ٤٧٢، "القاموس المحيط" (١٢٢٠)، "لسان العرب" ص ٣٣٤٤.
وقوله تعالى: ﴿فَلَبِثْتَ سِنِينَ﴾ [نظم الآية: وفتناك فتونًا، فخرجت خائفًا إلى أهل مدين، فلبثت سنين] (٤) ولكنه من الحذف الذي ذكره الفراء (٥).
وقوله تعالى: ﴿فِي أَهْلِ مَدْيَنَ﴾ يعني بلد شعيب، وكان على ثمان مراحل من مصر. ﴿ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى﴾ قال ابن عباس: (يريد موافقًا للنبوة؛ لأن الأنبياء لا يبعثون إلا أبناء أربعين سنة) (٦).
وقال قتادة: (على قدر الرسالة والنبوة) (٧).
وقال ابن كيسان: (على رأس أربعين سنة، وهو القدر الذي يوحى فيه إلى الأنبياء) (٨). والعرب تقول: جاء فلان على قدر، إذا جاء لميقات
(٢) قوله: (فتنه) ساقط من نسختي: (س، ص).
(٣) ذكر نحوه بلا نسبة في "الكشاف" ٢/ ٥٣٧، "زاد المسير" ٥/ ٢٨٥، "البحر المحيط" ٦/ ٢٤٣.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (س).
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ١٦٧، "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٧٩.
(٦) "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٩٨.
(٧) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ١٦، "جامع البيان" ١٦/ ١٦٧، "النكت والعيون" ٣/ ٤٠٣، "ابن كثير" ٣/ ١٦٤.
(٨) "الكشف والبيان" ٣/ ١٨ أ، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٤، "القرطبي" ١١/ ١٩٨.
نَالَ الخِلاَفَةَ إِذْ كَانَتْ لَه قَدَرًا | كَمَا أَتَى رَبَّهُ مُوسَى عَلَى قَدَرِ |
وقال الفراء: (يريد على ما أراد الله من تكليمه) (٧). يعنىِ على ذلك السن. وقال الكلبي: (وافق الكلام عند الشجرة) (٨).
(٢) البيت لجرير من قصيدة يمدح فيها عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-.
انظر: "ديوانه" ص ٢١١، "جامع البيان" ١٦/ ١٦٨، "النكت والعيون" ٣/ ٤٠٤، "الأضداد" ص ٢٧٩، "أمالي المرتضى" ٢/ ٥٧، "همع الهوامع" ١/ ١٦٧.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (س).
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٥٧.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ١٦٨، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٣٨، "النكت والعيون" ٣/ ٤٠٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٩٨، "ابن كثير" ٣/ ١٥٧.
(٦) "الكشف والبيان" ٣/ ١٨ أ، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٤، "القرطبي" ١١/ ١٩٨.
(٧) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٧٩.
(٨) "الكشف والبيان" ٣/ ١٨ أ.
٤١ - قوله تعالى: ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾ الاصطناع: اتخاذ الصنيعة وهي الخير تسديه إلى الإنسان، وهذا افتعال من الصنع (٤). قال الشاعر (٥):
فَإذا اصْطَنَعْتَ صَنِيعَة فَاقْصد بِها | الله ولِذَوي القَرَابة أَودَع |
وقال الكلبي (٧): (اخترتك بالرسالة لنفسي، لكي تحبني وتقوم بأمري) (٨).
(٢) مغيرة بن مقسم الضبي أبو هاشم، مولاهم، الكوفي، الأعمى أحد الأئمة الأعلام، ومن رواة السنة، روى عن إبراهيم النخعي، وروى عنه الثوري، وثقه العلماء وكان ذكيًا، حافظًا، صاحب سنة توفي -رحمه الله- سنة ١٣٦ هـ وقيل غير ذلك. انظر: "الطبقات لابن سعد" ٦/ ٢٣٥، "الجرح والتعديل" ٤/ ٢٢٨، "التذكرة" للذهبي ١/ ١٣٥، "ميزان الاعتدال" ٢/ ٤٩٦، "تهذيب التهذيب" ١٠/ ٢٦٩، "شذرات الذهب" ١/ ١٩١.
(٣) لم أهتد إليه.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" (صنع) ٢/ ٢٠٦٥، "القاموس المحيط" (صنع) ص ٧٣٨، "الصحاح" (صنع) ٣/ ١٢٤٥، "لسان العرب" (صنع) ٤/ ٢٥٠٨.
(٥) البيت لهذيل الأشجعي. انظر: "تهذيب اللغة" (صنع) ٢/ ٢٠٦٥، "الكامل" ٢/ ١٢٣.
(٦) "زاد المسير" ٥/ ٢٨٦، "القرطبي" ١١/ ١٩٨،"روح المعاني" ١٦/ ١٩٣.
(٧) في (س): (قال الكلبي: تقول اخترتك).
(٨) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١٦٨، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٤، "زاد المسير" ٥/ ٢٨٦، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٧٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٩٩.
وقال بعضهم: (معنى ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾: اخترتك بالإحسان إليك لإقامة حجتي) (٣). أي: لتتكلم عني وتبلغ عني وتقيم حجتي على خلفي. وهذا ظاهر في معنى لنفسي، وقد كشف عنه أبو إسحاق فقال: (تأويله: اخترتك لإقامة حجتي، وجعلتك بيني وبين خلقي حتى صرت في الخطاب عني والتبليغ عني بالمنزلة التي أكون أنا بها لو خاطبتهم واحتججت
(٢) قال ابن أبي العز في "شرح العقيدة الطحاوية" ١/ ٢٦٤: وأما لفظ الأركان والأعضاء والأدوات فيستدل بها النفاة على نفي بعض الصفات الثابتة بالأدلة القطعية كاليد والوجه قال أبو حنيفة: (له يد ووجه ونفس كما ذكر تعالى في القرآن من ذكر اليد والوجه والنفس فهو له صفة بلا كيف) فالألفاظ الشرعية صحيحة المعاني سالمة من الاحتمالات الفاسدة، فلذلك يجب أن لا يعدل عن الألفاظ الشرعية نفيًا ولا إثباتًا لئلا يثبت معنى فاسد أو ينفى معنى صحيح وكل هذه الألفاظ المجملة عرضة للمحق والمبطل.
وقال ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ١٧٠: أي: اصطفيتك واجتبيتك رسولاً لنفسي أي: كما أريد وأشاء.
انظر: "الفقه الأكبر" ص ٣٦، "تيسير الكريم الرحمن" ٥/ ١٥٨، "القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى".
(٣) "المحرر الوجيز" ١٠/ ٣٢، "روح المعاني" ١٦/ ١٩٣.
٤٢ - قوله تعالى: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي﴾ قال ابن عباس: (يعني الآيات التسع التي بعث بها موسى) (٢).
وقال آخرون: (بحججي) (٣).
وقال ابن الأنباري: (يجوز أن يريد ﴿بِآيَاتِي﴾ العصا، واليد، وأوقع عليهما اسم الجمع، ويجوز أن يريدهما مع حل العقدة من لسانه التي لم يزل موسى يعرف بها) (٤).
قال الكلبي: (وكان هارون يومئذ بمصر، فألهم أن يتلقى موسى، فتلقاه من مصر، فلما لقي موسى قال له موسى: إن الله أمرني أن آتي فرعون فسألت ربي أن يجعلك معي) (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَنِيَا﴾ أي: (لا تضعفا ولا تفترا)، قاله المفسرون (٦).
(٢) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٩٨، "روح المعاني" ١٦/ ١٩٣. ويشهد لذلك قوله سبحانه في سورة [الإسراء: ١٠١]: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا﴾.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ١٦٨، "زاد المسير" ٥/ ٢٨٦، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٧٠، "لباب التأويل" ٤/ ٢٧٠.
(٤) ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ٢٨٧، وذكر بلا نسبة في "الكشف والبيان" ٣/ ١٨ أ، "التفسير الكبير" ٢٢/ ٥٧، "البحر المحيط" ٦/ ٢٤٥.
(٥) "الكشف والبيان" ٣/ ١٨ أ، وذكره البغوي في "تفسيره" ٥/ ٢٧٤ بدون نسبة، وكذلك ابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ٢٨٧.
(٦) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ١٦، "جامع البيان" ١٦/ ١٦٩، "الكشف والبيان" ٣/ ١٨ أ، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٣٩، "بحر العلوم" ٢/ ٣٤٤.
فَمَا وَنَى مُحَمَد مُذْ أَنْ غَفَر | لَه الإِلَه مَا مَضَى ومَا غَبَر |
وقوله تعالى: ﴿فِي ذِكْرِي﴾ قال الفراء: (في ذكري، وعن ذكري سواء) (٣). والمعنى: لا تقصرا في ذكري بالإحسان إليكما والإنعام عليكما. وذكر النعمة شكرها.
٤٣ - قوله تعالى: ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ﴾ تكرير الأمر بالذهاب للتأكيد. ﴿إنه طغى﴾ قد مر في هذه السورة (٤).
٤٤ - ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا﴾ ذكر ابن عباس فيه قولين: أحدهما: (كنياه) (٥)، وهو قول عكرمة، والسدي (٦).
واختلفوا في كنيته فقيل: أبو العباس، وأبو الوليد، وأبو مرة (٧).
(٢) البيت لرؤبة بن العجاج. انظر: "ديوانه" ص ١٥، "جامع البيان" ١٦/ ١٦٩، "النكت والعيون" ٣/ ٤٠٤.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٧٩.
(٤) عند قوله سبحانه: ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾ [طه: ٢٤].
(٥) "زاد المسير" ٥/ ٢٨٨، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٠٠، "الدر المنثور" ٤/ ٥٣٦، "روح المعاني" ١٦/ ١٩٥.
(٦) "جامع البيان" ١٦/ ١٦٩، "الكشف والبيان" ١٨/ ٣ أ، "النكت والعيون" ٣/ ٤٠٥، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٤.
(٧) الكشف والبيان" ٣/ ١٨ أ، "النكت والعيون" ٣/ ٤٠٥، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٤، "زاد المسير" ٥/ ٢٨٨.
وقال مقاتل: يعني بالقول اللين: ﴿فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى﴾ [النازعات: ١٩، ١٨] (٣).
وقوله تعالى: ﴿لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ أي: ادعوه على الرجاء والطمع، لا على الناس من فلاحه، فوقع التعبد لهما على هذا الوجه؛ لأنه أبلغ في دعائه إلى الحق بالحرص الذي يكون من الراجي (٤).
وقد كشف أبو إسحاق عن هذا المعنى فقال: (خاطب الله العباد بما
(٢) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٤، "زاد المسير" ٥/ ٢٨٨.
(٣) "الكشف والبيان" ٣/ ١٨ أ، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٤، "تفسير مقاتل" ٢ أ. وقال القرطبي -رحمه الله- في "تفسيره" ١١/ ٢٠٠: القول اللين هو: القول الذي لا خشونة فيه، يقال: لان الشيء يلين لينا، وشيء لين ولين مخفف منه، والجمع أليناء، فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون قولاً لينا، فمن دونه أحرف بأن يقتدى بذلك في خطابه، وأمره بالمعروف في كلامه.
(٤) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٥، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٣٣، "القرطبي" ١١/ ٢٠٠.
وقال ابن الأنباري: (مذهب الفراء في ﴿لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ﴾ كي يتذكر ويخشى في تقديركما وما تمضيان عليه) (٣).
٤٥ - قوله تعالى: ﴿قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا﴾ أي: يبادر ويعجل بعقوبتنا. قاله ابن عباس، ومجاهد، والمفسرون (٤). وجميع أهل اللغة. [يقال: فَرَطَ علينا فلان إذا عجل بمكروه، وفَرَطَ منه أمرًا أي: بدر وسبق (٥).
وقال الكسائي] (٦): (يقال: فَرَطَ عليهم، يَفْرُطُ، فُرُوطًا، وفَرْطًا، وفُرطَانا) (٧).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٥٧.
(٣) ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ٢٨٨، "البحر المحيط" ٦/ ٢٤٦.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ١٧٠، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٣٩، "النكت والعيون" ٣/ ٤٠٥، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٥، "زاد المسير" ٥/ ٢٨٩.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٥٨، "تهذيب اللغة" (فرط) ٣/ ٢٧٧٣، "مقاييس اللغة" (فرط) ٤/ ٤٩٠، "القاموس المحيط" (فرط) ص ٦٨٠، "الصحاح" (فرط) ٣/ ١١٤٨، "المفردات في غريب القرآن" (فرط) ص ٣٧٦.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل ومن (ص).
(٧) ذكرت نحوه كتب اللغة بدون فسبة. انظر: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٧٧٣، "لسان العرب" ٦/ ٣٣٨٩، "المعجم الوسيط" (فرط) ٢/ ٦٨٣.
وقال ابن الأعرابي: (الفَرَطُ: العجلة، يقال: فَرَطَ يَفْرُطُ) (٢).
وقوله تعالى: (أو أن يطغى) أي: يجاوز الحد في الإساءة بنا.
قال الكلبي: (يقتلنا) (٣).
٤٦ - ﴿قَالَ لَا تَخَافَا﴾ جواب لقولهما: ﴿إِنَّنَا نَخَافُ﴾ [وقوله: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا﴾ وعد لهما في النصرة والمعونة والغلبة] (٤) (٥).
وقوله تعالى: ﴿أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ قال ابن عباس: (أسمع دعاءكما فأجيبه، وأرى ما يراد بكما فأمنع) (٦). والمعنى: لست بغافل عنكم فلا تهتما (٧).
(٢) "تهذيب اللغة" (فرط) ٣/ ٢٧٧٣.
(٣) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة انظر: "الكشف والبيان" ٣/ ١٨ ب، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٥، "لباب التأويل" ٤/ ٢٧٠، "روح المعاني" ٥/ ١٩.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل ومن (ص).
(٥) إن ما جاء في القرآن من ألفاظ المعية حق على حقيقته وظاهره، يقول الشيخ ابن عثيمين في "القواعد المثلى" ص ٧١: إن ظاهره وحقيقته أن الله تعالى مع خلقه معية تقتضي أن يكون محيطًا بهم علمًا وقدرة وسمعًا وبصرًا وتدبيرًا وسلطانًا وغير ذلك من معاني ربوبيته مع علوه على عرشه فوق جميع خلقه.
وقال ابن سعدي في "تفسيره" ٥/ ١٦٠: أي: أنتما بحفظي ورعايتي أسمع قولكما وأرى جميع أحوالكما فلا تخافا منه. انظر: "الفتاوي" لابن تيمية ٥/ ١٠٣، "العقيدة الواسطية" ص ٣٣.
(٦) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٥.
(٧) السمع والرؤية من صفات الله عز وجل الثابتة له على الوجه اللائق به عز وجل نثبتها له كما =
وقال ابن الأنباري: (أراد جميع (٣) آيات موسى، فذكرها بلفظ الواحد، كما تقع اللفظة على جماعة الألفاظ والكلمة على جملة الكلمات) (٤). ﴿وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى﴾ قال عطاء عن ابن عباس: (يريد من الله عز وجل على من اتبع البيان الذي جاء به موسى) (٥).
وقال أبو إسحاق: (ليس يعني به التحية، وإنما معناه: أن من اتبع الهدى يسلم من عذاب الله وسخطه، والدليل على أنه ليس سلام: أنه ليس ابتداء لقاء وخطاء) (٦). والذي ذكره عطاء يحتمل التحية ويحتمل ما قاله أبو إسحاق.
وقال الفراء: (يريد والسلامة على من أَتبع الهدى، ولمن ابتع الهدى
(١) "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٣٩، "بحر العلوم" ٢/ ٣٤٥، "زاد المسير" ٥/ ٢٩٠، "القرطبي" ١١/ ٢٠٣.
(٢) "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٣٩، "بحر العلوم" ٢/ ٣٤٥، "زاد المسير" ٥/ ٢٩٠.
(٣) قوله: (جميع) ساقط من نسخة (س).
(٤) ذكر نحوه بلا نسبة في "الكشاف" ٢/ ٥٣٩، "المحرر" ١٠/ ٣٥، "البحر المحيط" ٦/ ٢٤٦، "روح المعاني" ١٦/ ١٩٨، وقال: وتوحيد الآية مع تعددها لأن المراد إثبات الدعوى ببرهانها لا بيان الحجة فكأنه قيل: جئناك بما يثبت مدعانا.
(٥) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١٧١، "زاد المسير" ٥/ ٢٩٠، "الجامع لأححَام القرآن" ١١/ ٢٠٤.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٥٨.
٤٨ - قوله تعالى: ﴿إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾) (١). أي: إنما يعذب الله تعالى من كذب بما جئنا به، وأعرض عنه، فأما من اتبعه فإنه يسلم من العذاب.
وقيل: هذه أرجى آية (٢) في كتاب الله للمؤمنين، وذلك أن الله أوحى إليهما أن العذاب على من كذب أنبياء الله وأعرض عن الإيمان (٣). و ﴿الْعَذَابَ﴾ هاهنا اسم الجنس وظاهر هذا موجب أن من صدق وآمن لم يكن عليه شيء من العذاب.
٤٩ - وقوله تعالى: ﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا﴾ قال أبو إسحاق: (المعنى فأتياه فقالا له ما أخبر الله في كتابه، فقال لهما فرعون: ﴿فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى﴾ دليل على أنهما أتياه فقالا له) (٤). وفي قوله: ﴿فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى﴾ وجهان أحدهما: أن المعنى فمن ربك وربه يا موسى، فغلب الخطاب؛ لأن المخاطب كان موسى دون هارون. [الثاني: أن كليهما مخاطب، ترك ذكر هارون] (٥) اكتفاء بموسى ولموافقة رؤوس الآي (٦). ويدل على أن المخاطب موسى دون هارون قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبُّنَا﴾ ولم يقل: قالا ولو كان الخطاب لهما كان الجواب منهما.
(٢) في (س): (إنه)، وهو تصحيف.
(٣) "الكشف والبيان" ٣/ ١٨ ب، "القرطبي" ١١/ ٢٠٤، "البحر المحيط" ٦/ ٢٤٧.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٥٨.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (س).
(٦) "الكشف والبيان" ٣/ ١٨ ب، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٠٤.
وقال الحسن، وقتادة: (أعطى كل شيء صلاحه وما يصلحه) (٣). والمعنى ما يصلحه من الخلق والصورة، فكل شيء أعطي من الصورة ما يصلح لما خلق له.
وقوله تعالى: (ثم هدى) قالوا: هداه لما يصلحه من معيشته ومشربه ومنكحه إلى غير ذلك. وهذا القول اختيار أبي إسحاق وبينه فقال: (معناه: خلق كل شيء على الهيئة التي بها ينتفع، والتي هي أصلح الخلق له، ثم هداه لمعيشته) (٤). وقال عطاء عن ابن عباس: (يريد أتقن كل ما خلق) (٥). والمعنى على هذا: أعطى كل شيء تمام خلقه.
(٢) "الكشف والبيان" ٣/ ١٨ ب، "زاد المسير" ٥/ ٢٩١، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٠٥، "البحر المحيط" ٦/ ٢٤٧.
(٣) "تفسير القرآن" للصنعاني ١/ ١٦، "جامع البيان" ١٦/ ١٧٢، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٤٠، "بحر العلوم" ٢/ ٣٤٥، "النكت والعيون" ٣/ ٤٠٦.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٥٨.
(٥) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١٧٢، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٣٦، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٧٢.
وهو قول الكلبي (٤). والمعنى: ألهم كيف يأتي الذكر الأنثى في النكاح. وهذا القول اختيار ابن قتيبة (٥)، والفراء. قال الفراء: (أعطى الذكر من الناس امرأة مثله من صنفه، والشاة شاة، والثور بقرة (ثم هدى) ألهم الذكر المأتى) (٦).
قال أبو إسحاق: (وهذا التفسير جائز؛ لأنا نرى الذكر من الحيوان يأتي الأنثى، ولم يرى ذكرًا قد أتى أنثى قبله، فألهمه الله ذلك وهداه إلى المأتى. قال: والقول الأول ينتظم هذا المعنى؛ لأنه إذا هداه لمصلحته فهذا داخل في المصلحة) (٧).
وروي عن الضحاك قول آخر في ﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ﴾ قال: (يعني اليد: البطش، والرجل: المشي، واللسان: النطق، والعين: البصر،
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل ومن نسخة (ص).
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ١٧٢، "زاد المسير" ٥/ ٢٩١، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٠٤.
(٤) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ١٦، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٤٠.
(٥) "تفسير غريب القرآن" ص ٢٧٩.
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٨١.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٥٩.
٥١ - قال له فرعون: ﴿قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى﴾ قال ابن عباس: (يريد ما حال القرون التي مضت) (٣). ومعنى البال هاهنا: الحال والشأن (٤).
والمعنى: ما حالها فإنها لم تقر بالله وبما تدعو إليه، ولكنها عبدت
(٢) قال الشنقيطي -رحمه الله- في "أضواء البيان" ٤/ ٤١٩: ولا مانع من شمول الآية الكريمة لجميع الأقوال المذكورة، لأنه لا شك أن الله أعطى الخلائق كل شيء يحتاجون إليه في الدنيا ثم هداهم إلى طريق الانتفاع به، ولا شك أنه أعطى كل صنف شكله وصورته المناسبة له، وأعطى كل ذكر وأنثى الشكل المناسب له من جنسه في المناكحة والألفة والاجتماع، وأعطى كل عضو شكله الملائم للمنفعة المنوطة به فسبحانه جل وعلا.
(٣) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١٧٣، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٧، "زاد المسير" ٥/ ٢٩١، "لباب التأويل" ٤/ ٢٧١، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٠٥.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" (بال) ١/ ٢٦٣، "الصحاح" (بول) ٤/ ١٦٤٢، "لسان العرب" (بول) ١/ ٣٨٩، "المفردات في غريب القرآن" (بال) ص ٦٧، "مختار الصحاح" (بول) ص ٢٨.
٥٢ - فقال موسى: ﴿عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي﴾ قال أبو إسحاق: (أي أعمالهم محفوظة عند الله يجازي بها) (١). وعلى هذا يكون التقدير: علم أعمالها عند ربي ﴿فِي كِتَابٍ﴾ قال الكلبي: (اللوح المحفوظ) (٢). والمعنى: أن أعمالهم مكتوبة مثبتة. ومعنى هذا الجواب أنهم يجازون بما عملوا، وأنت تجازى بما تعمل، كما قال في آية أخرى: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: ١٣٤].
وقوله تعالى: ﴿لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾ تأكيد وتحقيق للجزاء بالأعمال. قال: يريد لا يترك من كفر به حتى ينتقم منه، ولا ينسى من وحده حتى يجازيه. وقال الكلبي: (لا يخطئ ربي ولا ينسى ما كان من أمرهم، حتى يوافيهم بأعمالهم بالحسن حسنًا وبالسيئ سيئًا) (٣).
قال الفراء: (يقال أضللت الشيء: إذا ضاع منك مثل: الدابة وما أشبهها إذا انفلت منك، وإذا أخطأت موضع الشيء الثابت مثل: الدار والمكان، قلت: ضللته ولا يقال أضللته) (٤).
(٢) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة.
انظر: "الكشف والبيان" ٣/ ١٩ أ، "بحر العلوم" ٢/ ٣٤٥، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٧، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٤٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٠٥.
(٣) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة.
انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١٧٣، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٧، "زاد المسير" ٥/ ٢٩٢، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٠٨.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٨١.
وقال أبو عمرو: (يقال أَضْلَلْتُ بعيري: إذا كان معقولاً فلم يهتد لمكانه، وأَضْلَلْتُه إِضْلاَلاً: إذا كان مطلقًا فذهب ولا يدري أين ذهب وأخذ، وكل ما جاء من الضَّلال من قِبَلِك قلت: ضَلَلْتُه، وما جاء من المفعول به قلت: أَضْلَلْته. قال: وأصل الضلال: من الغيبوبة، يقال: ضَلَّ الماء في اللبن إذا غاب، وضَلَّ الكافر غاب عن الحجة، وضَلَّ الناسي إذا غاب عن حفظه) (٤).
وقوله تعالى: ﴿لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾ أي: لا يغيب عن شيء ولا يغيب عنه شيء.
وقال ابن الأنباري: (مذهب مقاتل في هذه الآية: أن عدو الله فرعون كان قد قال له مؤمن آل فرعون: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (٣٠) مِثْلَ
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ١٧٣، "الكشف والبيان" ٣/ ١٩ أ، "بحر العلوم" ٢/ ٣٤٥، "الدر المنثور" ٤/ ٥٣٨.
(٣) "بحر العلوم" ٢/ ٣٤٥.
(٤) "تهذيب اللغة" (ضل) ٣/ ٢١٢٩، "لسان العرب" (ضلل) ٥/ ٢٦٠٢.
٥٣ - قوله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا﴾ وقرئ: مهدًا (٣). قال أبو علي: (المهد مصدر كالفرش، والمهاد مثل الفِراش والبِساط، وهما اسم ما يفرش ويبسط، ويجوز أن يكون المهد استعمل استعمال الأسماء فجمع كما يجمع فَعْل على فِعَال والأول أبين، قال: ويجوز أن يكون المعنى في قوله: ﴿مَهْدًا﴾ ذات مهد، فيكون في المعنى كقول من قال: مهادًا) (٤).
(٢) ذكر نحوه بلا نسبة في "الكشاف" ٢/ ٥٣٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٠٨، "البحر المحيط" ٦/ ٢٤٨، "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ١٢٢.
(٣) قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ونافع، وابن عامر: (مهادا) بالألف. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: (مهدا) بغير ألف.
انظر: "السبعة" ص ٤١٨، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٢٣ "التبصرة" ص ٢٥٩، "المبسوط في القراءات" ص ٢٤٨.
(٤) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٢٣.
ولما كانت الطرق المسلوكة ممتدة على الأرض ظاهرة عليها جعلت كأنها مسلوكة فيها، وإن كانت من الأرض تشبيهًا بالشيء الذي يسلك في الشيء. ﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ يعني: المطر ﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ﴾ قال صاحب النظم: (تم الإخبار والحكاية عن موسى عند قوله: ﴿مَاءً﴾ ثم أخبر الله تعالى عن نفسه متصلاً بالكلام الأول بقوله: ﴿فَأَخْرَجْنَا﴾ يدل على هذا قوله: ﴿كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ﴾ [طه: ٥٤]، قال: وقد قيل: إن معناه مضاف إلى موسى على تأويل: الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا نحن معاشر عباده ﴿بِهِ﴾ بذلك الماء ﴿أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى﴾ على الحراثة، أي: إنما حرثناه بذلك الماء، ولولا ذلك الماء ما نبت كما قال سبحانه: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ﴾ [الواقعة: ٦٣]، فأضاف الحراثة إليهم) (٣).
وقوله: ﴿أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى﴾ قال ابن عباس: (يريد أصنافًا من النبات مختلفة) (٤). وقال الكلبي: (﴿شَتَّى﴾ مختلفاً ألوانه أبيض وأحمر
(٢) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٨، وذكره الطبري في "تفسيره" ١٦/ ١٧٤ بدون نسبة.
(٣) لم أقف على قول صاحب النظم. وذكر نحوه "المحرر الوجيز" ١٠/ ٤٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٩، "التفسير الكبير" ٢٢/ ٦٨، "روح المعاني" ١٦/ ٢٠٦.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ١٧٤، "الدر المنثور" ٤/ ٥٣٩.
وقال الفراء: (﴿شَتَّى﴾ مختلف الألوان والطعوم) (٢). والزوج: اللون، والأزواج: الألوان، قال الأعشى (٣):
وَكُلُّ زَوْجٍ منْ الدَّيْبَاجٍ يَلْبَسُهُ | أَبُو قُدَامَةَ مَحْبُوا بِذَاكَ مَعَا |
وقوله تعالى: ﴿شَتَّى﴾ معناه: مختلف متفرق، ولا واحد له من لفظه، مثل: فوضى، يقال: شتَّ الشيء إذا تفرق، يَشِتُّه شَتَّا وشَتَاتًا وشَتّتَه إذا فرقه، وأَشَتَّه وشَتّتَه ويقال: وقعوا في أمرٍ شَتّ وشتَّى (٥). و ﴿شَتَّى﴾ في هذه الآية نعت للأزواج؛ لأن المراد ألوان مختلفة، ويجوز أن يكون من نبات (٦). قال الأخفش: (كل ذلك مستقيم) (٧).
ذكر ابن الأنباري القولين فقال: (النبات يقع على جمع لا ينفرد
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٨١.
(٣) البيت للأعشى. والديباج: ضرب من الثياب. والحبوة: الثوب الذي يحتبى به. انظر: "ديوانه" ص ١٠٨، "تهذيب اللغة" (زاج) ٢/ ١٤٩٧، "لسان العرب" (زوج) ٣/ ١٨٨٦.
(٤) عند قوله سبحانه ﴿وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الرعد: ٣].
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" (شت) ٢/ ١٨٢٥، "مقاييس اللغة" (شت) ٣/ ١٧٧، "القاموس المحيط" (شت) ص ١٥٤، "الصحاح" (شت) ١/ ٢٥٤، "لسان العرب" (شت) ٤/ ٢١٩٢، "المفردات في غريب القرآن" (شتت) ص ٢٥٥.
(٦) "الكشاف" ٢/ ٥٤٠، "البحر المحيط" ٦/ ٢٥١، "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ١٢٢.
(٧) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٣١.
٥٤ - قوله تعالى: ﴿كُلُوا وَارْعَوْا﴾ أي: مما أخرجنا بالمطر من النبات، ﴿وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ﴾ يقال: رعت الماشية الكلأ رعيًا، ورعاها صاحبها رعاية، إذا أسامها وسرحها وأراحها (٢).
والمعنى: أسيموا مواشيكم فيما أنبتناه بالمطر، وهذا أمر إباحة (٣) معناه التذكير بالنعمة، قال ابن عباس: هذا كقوله: ﴿فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا﴾ -إلى قوله- ﴿مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾ [عبس: ٢٧ - ٣٢]) (٤).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ معنى ما ذكر من الدلالة على توحيده ﴿لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى﴾ قال اللحياني: (النَّهْيَة: العقل، والنُّهَى جمع نُهْيَه، ورجل نَهٍ ونَهِىُّ من قوم نَهِين وأَنْهِياء، ولقد نَهُوَ ما شاء، كل ذلك من العقل. وسمي العقل نَهْيَة؛ لأنه يُنْتَهَى إلى ما أَمَر به، لا يُجَاوز أَمْرَه) (٥).
وقال أبو إسحاق: (يقال: فلان ذُو نُهْيةٍ، ومعناه ذُو عَقل يَنْتَهي به عن
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (رعى) ص ١٤٣٠، "القاموس المحيط" (الرعى) ص ١٢٨٩، "الصحاح" (رعى) ٦/ ٢٣٥٨، "لسان العرب" (رعى) ٣/ ١٦٧٦، "المفردات في غريب القرآن" (رعى) ص ١٩٨.
(٣) في (ص): (افاته)، وهو تصحيف.
(٤) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "الكشاف" ٢/ ٥٤٠، "الفتوحات الإلهية" ٣/ ٩٦، "أضواء البيان" ٤/ ٤٢٣.
(٥) "تهذيب اللغة" (نهى) ٤/ ٣٦٨٠.
وهذا معنى قول اللحياني في اشتقاق النهيه.
وقال أبو علي: (لا يخلو النُّهَى من أن يكون مصدرًا كالهدى، أو جمعًا كالظلم. وقوله تعالى: ﴿لِأُولِي النُّهَى﴾ يقوي أنه جمع لإضافة الجمع إليه، وإن كان المصدر يجوز أن يكون مفردًا في موضع الجمع؛ لأنه لا يثنى ولا يجمع، والنُّهى معناه في اللغة: الثبات والحبس، ومنه النهى والتنهية للمكان الذي ينتهي إليه الماء فيستنقع فيه لشغله ولمنعه بارتفاع ما حوله من أن يسيح فيذهب على وجه الأرض) (٢). هذا كلامه. وقد رجع القولان في اشتقاق النُّهية إلى قول واحد، وهو الحبس، والنُّهية هي التي تنهي وتحبس عن المقابح (٣).
قال ابن عباس في رواية عطاء: (﴿لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى﴾ يريد العبرة لذوي العقول) (٤). يريد للذين يتناهون بعقولهم عن معاصي الله. ونحو هذا قال الضحاك (٥).
(٢) لم أهتد إليه.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" (نهى) ٤/ ٣٦٨٠، "القاموس المحيط" (نهاه) ص ١٣٤١، "الصحاح" (نهى) ٦/ ٢٥١٧، "لسان العرب" (نهى) ٨/ ٤٥٦٤، "المفردات في غريب القرآن" (نهى) ص ٥٠٧.
(٤) "الدر المنثور" ٤/ ٥٣٩، "روح المعاني" ١٦/ ٢٠٧، وذكره الطبري في "تفسيره" ١٦/ ١٧٥ بدون نسبة.
(٥) "الكشف والبيان" ٣/ ١٩/ أ، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٨، "روح المعاني" ١٦/ ٢٠٧.
وقال قتادة: (لذوي الورع) (٢). وهذا معنى وليس بتفسير، وذلك أن ذا العقل يكون ورعًا تقيًا، ليس أن النهي تكون بمعنى الورع والتقى. وقال أهل المعاني: (إنما اختص أولو النهى؛ لأنهم أهل الفكر والاعتبار والتدبر والاتعاظ) (٣).
٥٥ - قوله تعالى: ﴿مِنْهَا﴾ أي: من الأرض، وجرى ذكرها عند قوله: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا﴾ [طه: ٥٣]، ﴿خَلَقْنَاكُمْ﴾ يعني خلق آدم من الأرض والبشر كلهم منه (٤).
﴿وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ﴾ أي: بعد الموت ﴿وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾ يريد عند البعث، يعني كما أخرجكم أولًا عند خلق آدم من الأرض. قال الزجاج: (لأن إخراجهم وهم تراب بمنزلة خلق آدم من تراب، فكأنه قال -والله أعلم-: ومنها نخلقكم تارة أخرى) (٥). ومضى الكلام في تارة عند قوله: ﴿أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى﴾ [الإسراء: ٦٩].
٥٦ - وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ﴾ يعني فرعون ﴿آيَاتِنَا كُلَّهَا﴾ يعني الآيات التسع ومضى تفصيلها (٦). ﴿فَكَذَّبَ﴾ نسب جميع ذلك إلى الكذب،
(٢) "الكشف والبيان" ٣/ ١٩ أ، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٨، "الدر المنثور" ٤/ ٥٣٩.
(٣) ذكره الفراء في "معاني القرآن" ٢/ ١٨١ والزجاج في "معاني القرآن" ٣/ ٣٥٩.
(٤) ويشهد لهذا قوله سبحانه ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: ٥٩].
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٠.
(٦) عند قوله سبحانه وتعالي: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا﴾ [الإسراء: ١٠١].
٥٧ - وهو قوله تعالى: ﴿قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا﴾ يعني: مصر ﴿بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى﴾ تريد أن تغلب على ديارنا بسحرك، فتمتلكها وتخرجنا منها.
٥٨ - ﴿فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ﴾ فلنقابلن ما جئتنا به من السحر بسحر مثله ﴿فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا﴾ الموعد في اللغة: يجوز أن يكون اسمًا للوعد فيكون مصدرًا، ويجوز أن يكون اسمًا لمكان الوعد (١). كقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ﴾ [الحجر: ٤٣]. فالموعد هاهنا ينبغي أن يكون مكانًا؛ لأن جهنم مكان، ويجوز أن يكون الموعد اسمًا لزمان الوعد، كقوله تعالى: ﴿إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ﴾ [هود: ٨١]، والذي في هذه الآية هو المصدر: اجعل بيننا وبينك وعدًا، ويدل على هذا قوله: ﴿لَا نُخْلِفُهُ﴾ أي: لا نخلف ذلك الوعد، والإخلاف: أن يعد العدة فلا ينجزها.
وقوله تعالى: ﴿مَكَانًا سُوًى﴾ ينتصب على الظرف للوعد (٢)، وعند البصريين لا يجوز أن يكون ظرفًا للوعد الظاهر في الآية ويتعلق به؛ لأنه قد وصف بالجملة التي هي ﴿لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ﴾ وإذا وصف لم يجز أن يتعلق به بعد الوصف له شيء منه؛ لأنه لا يوصف الاسم قبل تمامه،
(٢) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٢٤، "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ١٢٢، "إعراب القرآن" للنحاس٣/ ٤٢، "البحر المحيط" ٦/ ٢٥٣
إِذَا فاقِدٌ خَطْباءَ فَرْخَين رَجَّعَتْ | ذَكَرتُ سُلَيمَى في الخَلِيطِ المُباين |
انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٢٥، "المقرب" لابن عصفور ١/ ١٢٤، "المقاصد النحوية" ٣/ ٥٦٠، "شرح شاهد الألفية" للعيني ٣/ ٥٦٠، "لسان العرب" (فقد) ٦/ ٣٤٤٤، "مجمع البيان" ٧/ ٢٥.
(٢) في (ص): (والمظروف).
ومما جاء مثل هذا في التنزيل قوله تعالى: ﴿لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ﴾ [غافر: ١٠]، فالظرف الذي هو (إذ) يتعلق بالمقت الأول؛ لأن المعنى: لمقت الله إياكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون أكبر من مقتكم أنفسكم الآن، فقوله: ﴿إِذْ تُدْعَوْنَ﴾ يتعلق بالمقت الأول، وقد وقع بعد الاختلاف عنه بقوله أكبر من مقتكم الآن، وهذا يحمل على أحد الوجهين الذين ذكرناهما من تقدير الحذف، كأنه قيل: مقتكم إذ تدعون، أو على أنه ظرف يتجوز فيه.
قال أبو علي الفارسي: (ولم نعلم في التنزيل مجيء (٢) شيء من هذا إلا في الظرف) (٣). ويجوز أن يكون الموعد في هذه الآية اسمًا لزمان الوعد، كقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا﴾ [الكهف: ٥٩]، فيكون مجيء الموعد اسمًا للزمان، كقولهم: كان هذا مقدم الحاج، ومبعث الجيوش، ومضرب الشُّوْل (٤) أي: وقت قدومهم ووقت بعثهم، ووقت
(٢) في نسخة (س): (جيء).
(٣) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٢٦.
(٤) الشُّوْل من النوق: التي قد أتى عليها سبعة أشهر من يوم نتاجها، فلم يبق في ضروعها إلا شَول من اللبن، أي: بقية وأما الناقة الشائل بغير هاء: فهي التي ضربها الفحل فشالت بذنبها، أي: رفعته تري الفحل أنها لا قح، وذلك آية لقاحها.
انظر: "تهذيب اللغة" (شال) ٢/ ١٨١١، "مقاييس اللغة" (شول) ٣/ ٢٣٠، "القاموس المحيط" (شالت) (١٠٢١)، "الصحاح" (شول) ٥/ ١٧٤٢، "لسان العرب" (شول) ٤/ ٢٣٦٣.
كُلَّمَا قُلْتُ: غَدًا مَوعِدنا... غَضِبَتْ هِنْدٌ وَقالَت بَعْدَ غَدْ
والموعد في هذا البيت اسم للزمان، والكلام في انتصاب مكانًا على هذا الوجه يكون كما ذكرنا في الوجه الأول في موعد؛ لأن التقدير: اجعل بيننا وبينك وقت وعد، أو زمان وعد لا نخلفه نحن ولا أنت في مكان سوى. والذي يختاره أبو علي في وجه نصب ﴿مَكَانًا﴾: (أن يكون مفعولًا ثانيًا لجعلت بمنزلة قوله: ﴿جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ﴾ [الحجر: ٩١]، وقوله: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا﴾ [الزخرف: ١٩]، في أنه انتصب على أنه مفعول ثان لجعلت) (٢). وعلى هذا يجب أن يكون الموعد اسمًا للمكان، ويجوز أن يكون بدلًا منه. وأما معنى (سوى) قال الزجاج: (﴿مكانا سوى﴾ ويقرأ: سُوى بالضم (٣). ومعناه: مَنْصفًا أي مكانًا يكون النَّصفَ فيما بيننا وبينك، وقد جاء في اللغة سواء ممدود مفتوح بهذا المعنى تقول: هذا مكان سواء، أي متوسط بين المكانين) (٤).
وقال أبو عبيدة: (مكان سُوى وسِوى بضم أوله وبكسر، مثل: طُوى
انظر: "ديوانه" ص ٣٢٣، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٢٨.
(٢) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٢٨.
(٣) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، والكسائي: (مكانا سِوى) بكسر السين. وقرأ ابن عامر، وعاصم، وحمزة: (مكانا سُوى) بضم السين.
انظر: "السبعة" ص ٤١٨، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٢٣، "المبسوط في القراءات" ص ٢٤٨، "التبصرة" ٢٥٩.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٠.
وإِنَّ أَبانا كانَ حَلَّ بِبَلدَةٍ | سِوى بين قَيْسٍ عَيْلاَنَ والفِزْرِ |
فأما قول المفسرين فقال قتادة: (نصفا) (٦).
(٢) البيت لموسى بن جابر الحنفي.
انظر: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٢٠، "جامع البيان" ١٦/ ١٣٤، "النكت والعيون" ٣/ ٤٠٨، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٤٣، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٢٤، "الخزانة" ١/ ١٤٦، "الأغاني" ١٠/ ١٠٧، "لسان العرب" (سوى) ٤/ ٢١٦٣.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، ومثبت في بقية النسخ.
(٤) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٢٤.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٨١، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٠ ن "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٢٤، "تهذيب اللغة" (سوى) ٢/ ١٧٩٥، "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٧٩.
(٦) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ١٦، "جامع البيان" ١٦/ ١٧٦، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٠.
وقال مجاهد: (منصفا بيننا وبينك) (٣).
وقال ابن مسلم: (وسطًا بين القريتين) (٤). وهذه الأقوال بمعنى واحد.
وقال ابن زيد: (مكانًا مستويًا يتبين الناس ما بيننا فيه) (٥). وعلى هذا التسوية من صفة المكان، لا من صفة المسافة إليه، كأنه قيل: مكانًا لا يحجز الناظر إليه من (٦) انخفاض وارتفاع. وقيل (مكانا سوى) أي: تستوي حالنا في الرضا به (٧).
وقال الكلبي: ((سوى) يعني سوى هذا المكان) (٨). يعني الذي كان فرعون فيه وقت خطابه موسى. و (سوى) على هذا القول يكون بمعنى: غير، ويحتاج إلى تقدير محذوف.
وقال عطاء عن ابن عباس: ((مكانا سوى) يريد موضعًا معروفاً) (٩).
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ١٧٦، "بحر العلوم" ٢/ ٢٣٦، "النكت والعيون" ٣/ ٤٠٨، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٠.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ١٧٦، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٤٢، "بحر العلوم" ٢/ ٣٤٦، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢١٢.
(٤) "الكشف والبيان" ٣/ ١٩ ب، "بحر العلوم" ٢/ ٣٤٦، "النكت والعيون" ٣/ ٤٠٨، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٩، "زاد المسير" ٥/ ٢٠٥.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ١٧٦، "النكت والعيون" ٣/ ٤٠٨، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢١٢، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٠.
(٦) في (س): (شيء من الخفاء).
(٧) "التفسير الكبير" ٢٢/ ٧٢، "روح المعاني" ١٦/ ٢١٧.
(٨) "الكشف والبيان" ٣/ ١٩ ب، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٩، "القرطبي" ١١/ ٢١٢.
(٩) ذكرت نحوه كتب التفسير بدون نسبة.
انظر: "ابن كثير" ٣/ ١٧٣، "الفتوحات الإلهية" ٣/ ٩٧، "روح المعاني" ١٦/ ٢١٧.
٥٩ - قوله تعالى: ﴿قَالَ﴾ أي: موسى: ﴿مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ﴾ [إن جعلت الموعد اسمًا لزمان الوعد رفعت اليوم على خبر الابتداء، من حيث كان الثاني هو الأوّل كما ذكرنا في البيت الذي أنشده أبو الحسن] (١)، وإن جعلت الموعد بمعنى الوعد، فقال أبو إسحاق: (المعنى وقت موعدكم يوم الزينة) (٢).
وقال أبو علي: (اليوم ظرف أشبه فيه، فجعله الأوّل لما كان فيه، وأخرج من أن يكون ظرفًا ويدل على هذا قوله: ﴿وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ ألا ترى أن قوله: ﴿وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ﴾ ليس من الظروف في شيء، فلولا أن اليوم في قوله: ﴿مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ﴾ قد خرج من أن يكون ظرفًا لم يعطف عليه ما لا يكون ظرفًا) (٣).
ومن قرأ: يومَ الزينة بالنصب (٤)، فقال أبو إسحاق: (يوم منصوب على الظرف، المعنى: يقع يوم الزينة) (٥).
قال أبو علي: (وعلى هذه القراءة يضمر قوله: ﴿وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ ما يكون مبنيًا عليه، كأنه قيل: موعدكم يقع يوم الزينة، وموعدكم أن
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٠.
(٣) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٢٧.
(٤) قرا الحسن، والمطوعي: (يومَ الزينة) بنصب يوم.
انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٢٧، "القراءات الشاذة" للقاضي ص ٦٧.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٠.
واختلفوا في ﴿يَوْمُ الزِّينَةِ﴾ فقال الأكثرون: (كان ذلك يوم عيد لهم يتزينون فيه) هذا قول مجاهد، وقتادة، ومقاتل، وابن جريج، والسدي، وابن زيد، ومحمد بن إسحاق، والكلبي (٢).
قال الكلبي: (ويقال: يوم سوق كانت تكون لهم يتزينون فيها) (٣).
وقال سعيد بن جبير: (كان ذلك يوم عاشورا) (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ يعني ضحى ذلك اليوم، ويريد بالناس: أهل مصر.
قال الكلبي: (يقول: يحشرون إلى العيد ضحى فينظرون إلى أمري وأمرك) (٥).
(٢) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ١٦، "جامع البيان" ١٦/ ١٧٧، "الكشف والبيان" ٣/ ١٩ ب، "النكت والعيون" ٣/ ٤٠٩، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٩، "زاد المسير" ٥/ ٢٠٥، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٧٣، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٠، "تفسير مقاتل" ٣ ب.
(٣) ذكره القرطبي في "تفسيره" ١١/ ٢١٣، ونسبة لسعيد بن المسيب، وذكره ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ١٧٤، والسيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٠، ونسباه لسعيد بن جبير.
(٤) "الكشف والبيان" ٣/ ١٩ ب، "بحر العلوم" ٢/ ٣٤٦، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٩، "زاد المسير" ٥/ ٢٩٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢١٣.
(٥) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة.
انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١٧٧، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٩، "النكت والعيون" ٣/ ٤٠٩، "زاد المسير" ٥/ ٢٩٤، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٧٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢١٣.
قال الليث: (الضحو ارتفاع النهار، والضحى فوق ذلك) (٦).
وقال أبو الهيثم: (الضُّحَى على فُعَل: حين تطلع الشمس فيصفوا ضؤها، والضَحاء بالفتح والمد: إذا ارتفع النهار) (٧).
٦٠ - قوله تعالى: ﴿فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ﴾ يجوز أن أن يكون المعنى: تولى فرعون ذلك الأمر، أي: تولاه بنفسه (٨). ويجوز أن يكون المعنى: فرجع
(٢) في (ص): (النا)، وهو تصحيف.
(٣) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ١٦، "جامع البيان" ١٦/ ١٧٧، "الكشف والبيان" ٣/ ١٩ ب، "النكت والعيون" ٣/ ٤٠٩، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٩، "زاد المسير" ٥/ ٢٩٤، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٧٣، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٠.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٨٢.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٠.
(٦) "تهذيب اللغة" (ضحا) ٣/ ٢٠٩٤.
(٧) "تهذيب اللغة" (ضحا) ٣/ ٢٠٩٤.
(٨) "روح المعاني" ١٦/ ٢٢٠.
وقال مقاتل ابن سليمان: (﴿فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ﴾ أعرض من الحق، وعما يلزمه من الطاعة) (٢).
وقوله تعالى: ﴿فَجَمَعَ كَيْدَهُ﴾ أي: مكره وحيله، وذلك جمعه سحرته ﴿ثُمَّ أَتَى﴾ أي: حضر الموعد.
٦١ - ﴿قَالَ لَهُمْ مُوسَى﴾ أي: للسحرة الذين جمعهم فرعون ليغلبوا موسى، وهم المعنيون بقوله: ﴿فَجَمَعَ كَيْدَهُ﴾ ﴿وَيْلَكُمْ﴾ قال أبو إسحاق: (منصوب على ألزمهم الله ويلَا. قال: ويجوز أن يكون منصوبًا على النداء، كما قال: ﴿يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا﴾ [يس: ٥٢]) (٣). ﴿لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ﴾ قال ابن عباس: (لا تشركوا مع الله أحدًا) (٤).
وقال آخرون: (لا تقولوا اليد والعصا ليستا آيتين من قبل الله فإنكم عند هذا القول تكذبون على الله) (٥). ﴿فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ﴾ ويقرأ: فيُسحتكم بضم الياء (٦).
انظر: "زاد المسير" ٥/ ٢٩٥، "ابن كثير" ٣/ ١٧٤، "البحر المحيط" ٦/ ١٥٤.
(٢) "تفسير مقاتل" ٣ ب، "زاد المسير" ٥/ ٥٩٥.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٠.
(٤) "زاد المسير" ٥/ ٢٠٦.
(٥) "تفسير مقاتل" ٣ ب.
(٦) قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم في رواية أبي بكر، وأبو عمرو، وابن عمر: ﴿فَيُسْحِتَكُمْ﴾ بفتح الياء. وقرأ عاصم في رواية حفص، وحمزة، والكسائي: ﴿فَيُسْحِتَكُمْ﴾ بضم الياء.
انظر: "السبعة" ص ٤١٩، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٢٨، "النشر" ٢/ ٢٢٠.
وعَضُّ زَمانٍ يا بنَ مَرْوانَ لم يَدَع | مِنَ المالِ إِلا مُسْحَتًا أو مُجَلَّف |
وقال قتادة، وأبان بن تغلب (٦): (فيستأصلكم) (٧). وقال في رواية
(٢) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٢١، "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٨٢، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦١.
(٣) البيت للفرزدق من قصيدة يهجو فيها جريرًا، ويفخر بمآثر قومه.
السُّحت: ما خبث من المكاسب وحرم، وأَسْحَت الرجل: استأصل ما عنده.
مُجْلِف: الذي أتى عليه الدهر فأذهب ماله.
انظر: "ديوانه" ص ٣٨٦، "جامع البيان" ١٦/ ١٧٨، "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٢١، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٢٩، "شرح المفضليات" ص ٣٩٦، "الخزانة" ٢/ ٣٤٧، "لسان العرب" (جلف) ٢/ ٦٦٠.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ١٧٨.
(٥) "الكشف والبيان" ٣/ ١٩ ب، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٠، "تفسير مقاتل" ٣ ب.
(٦) أبان بن تغلب الربيعي، أبو سعد الكوفي، روى عن: أبي إسحاق السيعي، والحكم بن عتيبة، وفضيل بن عمر، وروى عنه: موسى بن عقبه، وشعبة، وحماد ابن زيد، وابن عيينة وغيرهم، وثقه أهل العلم، وهو من أهل الصدق في الروايات، ومن النساك الثقات، عرف بالفصاحة والبيان.
انظر: "الجرح والتعديل" ٢/ ٢٩٦، "الكاشف" ١/ ٧٤، "ميزان الاعتدال" ١/ ٥، "تهذيب التهذيب" ١٠/ ٨١.
(٧) "تفسير القرآن" الصنعاني ٢/ ١٧، "جامع البيان" ١٦/ ١٧٨، "الكشف والبيان" ٣/ ١٩ ب، "معالم التزيل" ٥/ ٢٨٠.
قال الليث: (يقال: سحتناهم بلغنا مجهودهم في المشقة عليهم. قال: وأسحتناهم لغة) (٢).
قال أهل المعاني: (السَّحت في اللغة معناه: استقصى الحلق، يقال: سَحَت الشَّعر إذا استقصى حَلقه، وسَحَت الحالق إذا استأصل، وأَسْحَت الخاتن في ختان الصبي إذا استأصله) (٣). والمعنى: إن العذاب إذا أتى من قبل الله أخذهم عن آخرهم.
وقوله تعالى: ﴿وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى﴾ قال ابن عباس: (خيب (٤) من ادعى مع الله إلهًا آخر) (٥). وقال قتادة: (خسر من كذب على الله ونسب إليه باطلًا) (٦).
٦٢ - قوله تعالى: ﴿فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ﴾ قال ابن عباس: (يريد فتشاوروا بينهم) (٧).
(٢) "تهذيب اللغة" (سحت) ٢/ ١٦٣٧.
(٣) انظر (سحت): "تهذيب اللغة" ٢/ ١٦٣٧، "مقاييس اللغة" ٣/ ١٤٣، "القاموس المحيط" ١/ ١٥٣، "الصحاح" ١/ ٢٥٢، "لسان العرب" ٤/ ١٩٤٩.
(٤) في (ص): (خسر).
(٥) "المحرر الوجيز" ١٠/ ٤٦، "لباب التأوبل" ٤/ ٢٧٣.
(٦) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة.
انظر: "بحر العلوم" ٢/ ٣٤٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢١٥، "لباب التأويل" ٤/ ٢٧٣، "مجمع البيان" ٧/ ٣٠، "فتح القدير" ٣/ ٥٣٣.
(٧) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة.
انظر: "معالم التنزيل" ٩/ ٢٨٠، "زاد المسير" ٥/ ٢٩٦، "الجامع لأحكام القرآن" =
وقال محمد بن كعب: (قال بعضهم لبعض: لو كان هذا سحرًا لعرفناه، كما أن الكاتب إذا كتب عرف الذي يعرف الكتاب بما كتب) (٣).
وقال الكلبي: (تكلم السحرة فيما بينهم سرًا من فرعون فقالوا: إن غلبنا موسى اتبعناه) (٤). وهذا القول اختيار الفراء، والزجاج (٥).
وقال محمد بن إسحاق: (لما قال موسى: ﴿وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ الآية، تراد السحرة بينهم، وقال بعضهم لبعض: ما هذا بقول (٦) ساحر، ثم قالوا وأسر بعضهم إلى بعض يتناجون: ﴿إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ (٧).
(١) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٠، "التفسير الكبير" ٢٢/ ٧٣، "روح المعاني" ١٦/ ٢٢٠.
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ١٧٨، "النكت والعيون" ٣/ ٤١٠، "زاد المسير" ٥/ ٢٠٧، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢١٥.
(٣) ذكرت نحوه كتب التفسير بدون نسبة.
انظر: "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٠، "مجمع البيان" ٧/ ٣٠، "روح المعاني" ١٦/ ٢٢١، "فتح القدير" ٣/ ٥٣٣.
(٤) "النكت والعيون" ٣/ ٤١٠، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢١٥.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٨٣، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦١.
(٦) في (ص). (يقال).
(٧) "جامع البيان" ١٦/ ١٧٨، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٠، "روح المعاني" ١٦/ ٢٢١.
٦٣ - بقولهم: ﴿إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾)] (١) (٢).
[وعلى قول السدي، وابن يسار نجواهم: ﴿إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾] (٣) إلى قوله: ﴿من استعلى﴾. وعلى قول الآخرين نجواهم ما ذكروا.
وقال أبو علي الفارسي: (التنازع إنما هو في أمر موسى وهارون هل هما ساحران؟ على ما ظنوه من أمرهما. وقد تقدم من قولهم ما نسبوهما فيه إلى السحر وهو قولهم: ﴿أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى﴾ [طه: ٥٧] (٤).
قوله تعالى: ﴿قَالُوا﴾ أي: السحرة قال بعضهم لبعض: ﴿إِنْ هَذَانِ﴾ يعنون موسى وهارون ﴿لَسَاحِرَانِ﴾.
واختلفوا في وجه ارتفاع ﴿هَذَانِ﴾ بعد قوله: ﴿إِنْ﴾ بعد اجتماعهم على أن هذا لغة حارثية، وذلك أن بالحارث بن كعب (٥)، وخثعما (٦)،
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ١٧٨، "النكت والعيون" ٣/ ٤١٠، "زاد المسير" ٥/ ٢٩٧، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢١٥.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ص).
(٤) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٣٠.
(٥) بالحارث بن كعب: ينسب إليه فخذ من القحطانية، وهم بنو الحارث بن كعب من مذحج.
انظر: "نهاية الأرب" ٢/ ٢٠٣، "معجم قبائل العرب" ١/ ١٠٢.
(٦) خثعم: قبيلة تنسب إلى خثعم بن أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث بن نبت بن ملكان بن زيد بن كهلان، وخثعم: جبل قيل أن هذه القبيلة سميت بذلك لنزولها إياه وتعاقدها عليه، وقيل: سموا بذلك من الخثعمة وهي: أن يدخل كل واحد من الرجلين إصبعه في منخر ناقته ينجو به ثم يتعاقدا، وقيل غير ذلك.
تَزَوَّدَ مِنَا بَيْنَ أُذْنَاهُ ضَرْبَةً | دَعَتْهُ إلى هابِي التُّرَابِ عَقِيمِ |
(١) زبيدًا: قبيلة قديمة من مذحج، أصلهم من اليمن، نزلوا الكوفة، وتنسب إلى زبيد واسمه: منبه بن صعب، وهو زبيد الأكبر، وإليه ترجع قبائل زبيد، ومن ولد منبه بن ربيعة، وهو زبيد الأصغر، وقيل لهم زبيد: لأن منبهًا الأصغر قال: من يزبدني رقده؟ فأجابه أعمامه كلهم من زبيد الأكبر، فقيل لهم جميعًا: زبيد. وقيل نسبة إلى موضع في اليمن.
انظر: "الأنساب" للسمعاني ٣/ ١٣٥، "معجم البلدان" ٣/ ١٣١.
(٢) البيت لهوبر الحارثي. هابي التراب: ما اختلط منه بالرماد.
انظر: "الكشف والبيان" ٣/ ٢٠ أ، "المحرر الوجيز" ١١/ ٨٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢١٧، "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٧٠٤، "جمهرة اللغة" ص ٧٠٧، "خزانة الأدب" ٧/ ٤٥٣، "شرح المفصل" ٣/ ١٢٨، "تاج العروس" (هبا) ١٠/ ٤٠٥، "لسان العرب" (صرع) ٤/ ٢٤٣٣.
(٣) البيت للمتلمس من قصيدة يعاتب فيها خاله الحارث اليثسكري. الشُّجَاع: الحية الذكر. المَسَاغ: المدخل. صَمَّم: عض ونيب فلم يرسل ما عض.
انظر: "ديوانه" ص ٣٤، "الأصمعيات" ص ٢٤٦، "الشعر والشعراء" ص ٨٠، "خزانة الأدب" ٧/ ٤٨٧، "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٨٤، "معاني القرآن" =
فَأَطْرَقَ إِطْراقَ الشُّجَاعِ وَلَو يَرَى | مَسَاغًا لِنَابَاه الشُّجَاعُ لَصَّمَمَا |
أَي قَلُوصٍ رَاكِب تَرَاهَا | طَارُوا عَلاَهُنَّ مطْر عَلاَهَا |
وحكى أبو إسحاق عن النحويين القدماء قولين أحدهما: (أن هنا هاء مضمرة، المعنى: إنه هذان لساحران، وهذه الهاء كناية عن الأمر والشأن فحذفت، و ﴿هَذَانِ﴾ ابتداء وخبره ﴿لَسَاحِرَانِ﴾. القول الثاني: أن معنى ﴿إِنْ﴾ نعم) (٣)، وينشدون (٤):
(١) البيت لرجل من بني الحارث ولم يذكر اسمه.
قَلوص: القَلوص بفتح القاف الناقة الفتية. طَاروا: نفروا مسرعين، وارتفعوا على إبلهم. انظر: "الكشف والبيان" ٢٠/ ٢٠ ب، "بحر العلوم" ٢/ ٣٤٧، "الإنصاف" ص ١٨، "تأويل مشكل القرآن" ص ٥٠، "الخصائص" ٢/ ٢٦٩، "التصريح على التوضيح" ١/ ٦٥، "همع الهوامع" ١/ ٣٩، "شرح المفصل" ٧/ ٦٨.
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٨٤، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٣، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٣٠، "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٣٤٤، "الإنصاف" ص ١٨ "التصريح على التوضيح" ١/ ٦٥، "همع الهوامع" ١/ ٣٩، "شرح المفصل" ٨/ ٦٨.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٣.
(٤) البيت لعبيد الله بن قيس الرقيات.
انظر: "ديوانه" ص ٦٦، "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة ص ٥٠، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٣، "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٣٤٥، "سر صناعة الإعراب" =
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلاَكَ | وَقَدْ كَبِرْتَ فَقلْتُ إِنَّه |
فأما معنى نعم هاهنا فقال أبو علي: (معنى نعم هاهنا وإن لم يتقدم سؤال يكون نعم جوابًا له، كما تقدم في قوله: ﴿فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ﴾ [الأعراف: ٤٤] فقد تقدم: (أجئتنا لتخرجنا من أرضنا) إلى قوله: ﴿بِسِحْرٍ مِثْلِهِ﴾ [طه: ٥٧، ٥٨] فيكون نعم منصرفًا إلى تصديق أنفسهم فيما ادعون من السحر، و ﴿إِنْ﴾ بمنزلة: نعم (١). وقد قال سيبويه: (نعم عدة وتصديق) (٢). هذا كلامه (٣).
وعلى هذين القولين أدخلت اللام على خبر المبتدأ وكان من حقها أن تدخل على المبتدأ دون خبره، وهذا قول النحويون فيه: أنه يجوز في الشعر على الضرورة (٤). وأنشدوا في ذلك (٥):
(١) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٣٠.
(٢) "الكتاب" ١/ ٤٧٥، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٣٠.
(٣) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٣٠، "أعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٣٤٣.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٨٤، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٣، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٣٠.
(٥) لم أهتد إلى قائله. وذكرته كتب اللغة بدون نسبة.
انظر: "خزانة الأدب" ١٠/ ٣٢٣، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٧٨، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٦٣، "شرح التصريح" ١/ ١٧٤، "المقاصد النحوية" ١/ ٥٥٦، "شرح ابن عقيل" ١/ ٢٣٧، "فوائد القلائد" ص ٨١، "شرح الأشموني" ١/ ١٠٠، "لسان العرب" (شهرب) ٤/ ٢٣٥٢.
خالِي لأَنْتَ وَمَنْ جَرِيرٌ خَالُهُ | يَنَلِ العُلاءَ ويَكْرُمِ الأَخوَالا |
أُمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ
ويقبح حمل كتاب الله على لغة لا تجوز في السعة ومختار الكلام. قال ابن الأنباري: (أنكر الكسائي والفراء هذا (٢)؛ لأن المبتدأ لا يحال بينه وبين خبره باللام، لا يقال: عبد الله لقائم؛ لأنّ اللام تحجز بين الحرفين، ومنع الذي بعدها من تقريب الذي قبلها) (٣).
وقال أبو إسحاق: (هذا أجود ما سمعنا إن ﴿أَن﴾ بمعنى: نعم، واللام وقعت موقعها المعنى: نعم هذان لهما ساحران. قال: وعرضت هذا القول على محمد بن يزيد، وعلى إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد (٤)
تَرْضى مِنَ اللحْمِ بِعظْمِ الرَقَبة
الحُلَيْس: تصغير حلس وهو كساء رقيق يوضع تحت البرذعة، وأصل هذه كنية الأتنان.
الشَّهْرَبَه: العجوز الكبيرة انظر: "ديوان رؤبة" ص ١٧٠، "شرح التصريح" ١/ ١٧٤، "شرح المفصل" ٣/ ١٣٠، "الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني" ص ١١٠٥، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٣، "الخزانة" ٣/ ١٣٠، "أوضح المسالك" ١/ ٢١٠، "المقاصد النحوية" ١/ ٥٣٥، "لسان العرب" (شهرب) ٤/ ٢٣٥٢.
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٨٤.
(٣) ذكر نحوه الفراء في "المعاني" ٢/ ١٨٤، والعكبري في "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ١٢٣، والثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٢٠ ب، ومكي في "الكشف" ٢/ ١٠٠
(٤) إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد القاضي، روى عن: عبد الله بن مسلمة القعقبي، وإسماعيل بن أبي أويس، وعمرو بن مرزوق، وحجاج بن المنهال وغيرهم كثير، وثقه العلماء وأثنوا عيه، اشتهر بصدقه وصلاحه، ولي القضاء ببغداد، توفي -رحمه الله- سنة ٢٨٣ هـ.
انظر: "الجرح والتعديل" ٢/ ١٥٨، "كتاب الثقات" ٨/ ١٠٥.
قال أبو علي: (ما ذكره أبو إسحاق من التقدير تأويل غير مرضي، وذلك أن هذه اللام للتأكيد، ويقبح أن يذكر التأكيد ويحذف نفس المؤكد، ألا ترى أن إظهار المؤكد وترك إضماره وحذفه أولى من أن يحذف ويذكر ما يؤكده، ولو كان المبتدأ محذوفًا من الآية كما ذهب إليه أبو إسحاق لم يحتج معه إلى التأكيد باللام، ويدلك على أن هذا ليس بالوجه أن النحويين أنشدوا (٢):
أُمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْربَه
وحملوا هذا على الضرورة، وعلى أنه أدخل اللام على خبر المبتدأ، وكان من حقها أن تدخل على المبتدأ، فلو كان ما ذكره وجهًا في الآية لكان النحويون لا يحملون هذا الكلام على الضرورة، ويقدرون فيه ما قدر من أنه دخل على مبتدأ محذوف، ولا يحملونه على الاضطرار إذا وجدوا له مصرفاً قريبًا إلى الاختيار والسعة، فحملهم ذلك على الضرورة دلالة على أنهم تجنبوا ما ذكر من التقدير؛ لأنه أذهب في باب الفتح والضرورة مما حملوه عليه) (٣).
وقال الفراء: (الوجه في هذه المسألة أن تقول وجدت الألف من هذا دعامة وليست بلام فعل، فلما ثنيت زدت عليها نونًا ثم تركت الألف ثابتة على حالها لا تزول في كل حال، كما قالت العرب: (الذي) ثم زادوا نونًا
(٢) سبق ذكر البيت وعزوه.
(٣) "الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني" ص ١٠١٣.
وحرر صاحب النظم هذا القول فقال: (هذا اسم منهوك؛ لأنه على حرفين أحدهما: حرف علة وهو الألف وهاء للتنبيه، وليس من الاسم فلما ثني واحتيج إلى ألف التثنية لم يوصل إليهما لسكون الألف الأصلية، واحتيج إلى حذف أحدهما فقالوا: إن حذفنا الألف الأصلية بقي الاسم على حرف واحد، وإن أسقطنا ألف التثنية كان في النون منها عوض ودلالة على معنى التثنية، فحذفوا ألف التثنية، فلما كانت الألف الباقية هي ألف الاسم واحتاجوا إلى إعراب التثنية لم يغيروا الألف عن صورتها؛ لأن الإعراب واختلافه في التثنية والجمع إنما يقع على الحرف الذي هو علامة التثنية والجمع، فتركوها على حالها في النصب والخفض، وعلى هذا القول الألف في هذان التي كانت في هذا ليس الذي جلبتها التثنية) (٢).
قال أبو علي: (لو كان الأمر على ما زعم لم تقلب هذا الألف في تثنيته فقط (٣)، كما أن الألف التي في هذا لا تنقلب على حال، وفي كون هذه الألف مرة ياء ومرة ألفًا دلالة على أنه كسائر التثنية، ويدل على أن هذا الألف للتثنية أن التي كانت في الواحد قد حذفت، كما حذفت الياء من الذي والتي إذا قلت: اللذان واللتان واللذين واللتين، فالياء كانت في الاسم قد حذفت وجيء بالتي للتثنية، كذلك تحذف من قولهم: هذا، ألفه،
(٢) ذكر نحوه مختصرًا بلا نسبة الفارسي في "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٣١.
(٣) في (ص): (قط).
وهذه الأقوال هي التي قالها المتقدمون من النحويين، ولم يسلم من هذه الأقوال على الاعتبار إلا قول من يقول: إنها لغة بلحارث. وقد قال ابن عباس في قوله: ﴿إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾: (هي لغة بلحارث بن كعب) ذكره عطاء عنه (٢).
وقال أبو إسحاق في ارتضاء هذا المذهب في هذه الآية: (حق الألف أن تدل على الاثنين وكان حقها ألّا تتغير كما لم تتغير ألف رحى وعصى، ولكن نقلها إلى الياء في النصب والخفض أبين وأفضل بين المرفوع والمنصوب والمجرور) (٣).
وقال الفراء في ارتضاء المذهب: (العرب جعلوا الواو تابعة للضمة والياء متابعة للكسرة نحو قولهم: مسلمون ومسلمين، فلما رأوا الياء من الاثنين لم يمكنهم كسر ما قبلها وثبت مفتوحًا تركوا الألف تتبعه فقالوا: رجلان في كل حال. وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في: كلا الرجلين في النصب والخفض وهما اثنان) (٤).
(٢) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة.
انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١٨٠، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨١، "النكت والعيون" ٣/ ٤١١، "زاد المسير" ٥/ ٢٩٧، "الكشاف" ٢/ ٥٤٣، "البحر المحيط" ٦/ ٢٥٥، "إرشاد العقل السليم" ٦/ ٢٥.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٤.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٨٤.
هذا الذي ذكرنا كله وجه قراءة العامة. وقرا أبو عمرو: إن هذين بالياء (٤). بخلاف المصحف، واحتجاجه في ذلك أنه روي: أنه غلط من الكتاب، وإن في الكتاب غلطًا ستقيمه العرب بألسنتها. يروي ذلك عن عثمان، وعائشة -رضي الله عنهما- (٥).
(٢) علي بن عيسى بن علي أبو الحسن النحوي، المعروف بالرماني، تقدمت ترجمته.
(٣) ذكره الألوسي في "روح المعاني" ١٦/ ٢٢٣.
(٤) قرأ نافع، وابن كثير، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وعاصم: (إن هذان لساحران). وقرا أبو عمرو البصري: (إن هذين لساحران). انظر: "السبعة" ص ٤١٩، "الحجة" ٥/ ٢٢٩، "التبصرة" ص ٢٦٠، "النشر" ٢/ ٣٢١.
(٥) "الكشف والبيان" ٣/ ٢٠ ب، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٠، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٢٩٧، "زاد المسير" ٥/ ٢٩٧، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢١٦، "البحر المحيط" ٦/ ٢٥٥، "الإتقان" ١/ ١٨٢.
وقد رد العلماء هذا الأثر المروي عن عائشة وعثمان -رضي الله عنهما- من جهة إسناده ومتنه، فلا يصح الاحتجاج به على رد القراءة المتواترة الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في "الفتاوى" ٢/ ٢٥٢: وقد زعم قوم أن قراءة من قرأ: ﴿إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ لحن وأن عثمان -رضي الله عنه- قال: إن في المصحف =
قال أبو إسحاق: (ولا أجيزها؛ لأنها خلاف المصحف، ولا أجيز مخالفته؛ لأن إتباعه سنة) (٢).
وقال في "تفسيره" ٥/ ٢٠٩: ومن زعم أن الكتاب غلط فهو الغالط غلطًا منكرًا، فإن المصحف منقول بالتواتر وقد كتبت عدة مصاحف وكلها مكتوبة بالألف فكيف يتصور في هذا غلط.
وقال الألوسي في "روح المعاني" ١٦/ ٢٢٤: والذي أجنح إليه تضعيف جميع ما ورد مما فيه طعن بالمتواتر، ولم يقبل تأويلاً ينشرح له الصدر ويقبله الذوق، وإن صححه من صححه، والطعن في الرواية أهون بكثير من الطعن بالأئمة الذين تلقوا القرآن الذي وصل إلينا بالتواتر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يألوا جهدًا في إتقانه وحفظه. وقال الدكتور عبد الحي الفرماوي في كتابه "رسم المصحف" ص ١٣١ بعد أن ضعف هذه الرواية: وقد ذكر بعض العلماء هذه الرواية في كتبهم بحسن قصد من غير تحر ولا دقة فاتخذها أعداء الإسلام من المارقين والمستشرقين للطعن في الإسلام وفي القرآن، لتوهين فقه المسلمين بكتاب ربهم -.. ثم قال-: ويجاب عن تصحيح السيوطي: بأن هذه الرواية على فرض صحتها، فهي رواية آحادية لا يثبت بها قرآن، وهي معارضة للقطعي الثابت بالتواتر فهي باطلة مردودة، فإن من قواعد المحدثين أن مما يدرك به وضع الخبر ما يؤخذ من حال المروي كأن يكون مناقضًا لنص القرآن أو السنة أو الإجماع أو صريح العقل، حيث لا يقبل شيء من ذلك التأويل أو لم يحتمل سقوط شيء منه يزول به المحذور، وهذه الرواية مخالفة للمتواتر القطعي الذي تلقته الأمة بالقبول فيها باطلة لا محالة.
انظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٠٦، "جامع البيان" ١٦/ ١٨٠، "الجامع لأحكام القرآن" ٦/ ١٤، "دقائق التفسير" ٥/ ٢٠٢، "الإتقان" ١/ ١٨٢، "مناهل العرفان" ١/ ١٨٦، "رسم المصحف بين المؤيدين والمعارضين" ص ١٣١.
(١) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦١، "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٣٤٣، "البحر المحيط" ٦/ ٢٥٥، "التفسير الكبير" ٢٢/ ٧٤.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٤.
قال أبو إسحاق: (أستحسن هذه القراءة، وفيها إمامان عاصم والخليل، وكان يقرا بهذه القراءة، والإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم من الخليل؛ ولأن هذه القراءة توافق قراءة أبي في المعنى، وإن خالفه اللفظ) (٢). وقراءته: إن ذان إلا ساحران (٣).
وقال الأخفش: (﴿إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ خفيفة في معنى ثقيلة، وهي لغة لقوم يرفعون بها، وإن ثقلت فهي لغة لبني الحارث بن كعب الاثنين في كل موضع) (٤). هذا كلامه.
وقد بأن أن القراءة الصحيحة في هذه الآية قراءة العامة، وقراءهَ من خفف ﴿أَن﴾ على التعليل (٥).
انظر: "السبعة" ص ٤١٩، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٢٩، "التبصرة" ص ٢٦٠، "المبسوط في القراءات" ص ٢٤٩.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٤.
(٣) "الكشف والبيان" ٣/ ٢٠ ب، "بحر العلوم" ٢/ ٣٤٨، "النكت والعيون" ٣/ ٤١٠، "الكشاف" ٢/ ٥٤٢، "التفسير الكبير" ٢٢/ ٧٥.
(٤) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٢٩.
(٥) وقوله المؤلف -رحمه الله-: (وقد بأن أن القراءة الصحيحة) لا يفهم منه أن =
وقال الحسن، وأبو صالح: (بأشرافكم) (٢).
وعن أبي صالح: (بسراة الناس) (٣).
وقال مجاهد: (أولوا العقل والشرف والأسنان) (٤). وهذه الأقوال معناها واحد، هو معنى قول ابن عباس في رواية الوالبي: (أمثلكم) (٥).
قال الزجاج: (معناه بجماعتكم الأشراف. قال: والعرب تقول للرجل الفاضل: هذا طَرِيقَة قَومِه، ونَظِيرة قَومِه، ونَظُورَة قَومِه، للرجل الفاضل،
قال أبو حيان في "البحر المحيط" ٦/ ٢٥٥: والذي نختاره في تخريج هذه القراءة بأنها جاءت على لغة بعض العرب من إجراء المثنى بالألف دائمًا، وهي لغة كنانة ولبني الحارث بن كعب وخثعم وزبيد وأهل تلك الناحية.
انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٨٤، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٤، "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٣٤٧، "التفسير الكبير" ٢٢/ ٧٥، "روح المعاني" ١٦/ ٢٢٣، "الفتاوى" لابن تيمية ٢/ ٢٥٢.
(١) "الكشف والبيان" ٣/ ٢٠ ب، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٧٥.
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ١٨٢، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٧٥، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤١.
(٣) "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٦٢، "تفسير سفيان الثوري" ص ١٩٥٤.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ١٨٦، "النكت والعيون" ٣/ ٤١١، زاد المسير" ٥/ ٣٠٠، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٧٤، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤١.
(٥) "زاد المسير" ٥/ ٢٠٨.
وقال الفراء: (العرب تقول للقوم: هؤلاء طَريقة قومهم، وطرائق قومهم لأشرافهم (٣)، ويقولون للواحد أيضًا: طَريقة قومه ونَظُورة قومه
ونَظيرة قومه، ويقولون للجمع بالتوحيد، والجميع يعني طريقه، وطرائق، قال: ومن ذلك قوله: ﴿طَرَائِقَ قِدَدًا﴾ [الجن: ١١]) (٤). وجعل الزجاج الآية من باب حذف المضاف، فقال: (المعنى عندي: يذهبا بأهل طريقتكم المثلى، قال: وكذلك قول العرب: هذا طريقة قومه، معناه هذا صاحب طَريقة قومه) (٥). هذا كلامه. وليس يحتاج إلى تقدير المضاف على ما ذكره الفراء، فإن الطريقة اسم للأفاضل على معنى أنهم الذين يقتدى بهم ويتبع آثارهم، كما تسلك الطريقة، فتقدير المضاف تكلف. و (المثلي) تأنيث الأمثل، والأمثل معناه في اللغة: الأفضل، يقال: فلان أَمْثَل قومه أي: أفضلهم، وهم الأماثل (٦).
ومنه قول الشاعر (٧):
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٤.
(٣) في نسخة (س): (أشرافهم).
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٨٥.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٥.
(٦) انظر: "تهذيب اللغة" (مثل) ٤/ ٣٣٤٢، "القاموس المحيط" (المثل) ٤/ ٤٨، " مقاييس اللغة" (مثل) ٥/ ٢٩٧، "المعجم الوسيط" (الأمثل) ٢/ ٨٥٤، "لسان العرب" (مثل) ٧/ ٤١٣٤، "المفردات في غريب القرآن" (مثل) ص ٤٦٣.
(٧) لم أهتد لقائله. وذكره نحوه: "تاج العروس" (نصف) ٦/ ٢٥٦، ونسبة لابن =
وَإِنْ أَتَوكَ فَقالوا إِنَّها نصَفٌ | فَإِنَ أَمْثَل نِصْفَها الذِي ذَهَبا |
قال الأخفش والكسائي: (يقال: قد مَثَلَ يَمْثُلُ مُثُولًا، أي: صار فاضلًا) (١).
واختلف لم قيل للأفضل أَمْثَل؟ فقال بعضهم: معنى الأمثل: الأشبه بالحق، ثم صار اسمًا للأفضل (٢). وقيل: معنى الأمثل في اللغة: الأظهر، من قولهم: مَثَلَ الشيء يَمْثُلُ مُثُولًا: إذا قام وانتصب فظهر للعيون (٣). قال لبيد (٤):
ثمَّ أَصدَرْناهُما في وارِدٍ | صادِرٍ وَهْمٍ صُواه قَدْ مَثَلْ |
وإن أتوك فقالوا إنها نصف | فإن أطيب نصفها الذي غبرا |
(٢) "القاموس المحيط" (المثل) ١٠٥٦، "لسان العرب" (مثل) ٧/ ٤١٣٤، "المفردات في غريب القرآن" (مثل) ص ٤٦٢.
(٣) انظر: "الصحاح" (مثل) ٧/ ٤١٣٤، "مقاييس اللغة" (مثل) ٥/ ٢٩٧، "المعجم الوسيط" (مثل) ٢/ ٨٥٣، "لسان العرب" (مثل) ٧/ ٤١٣٤، "المفردات في غريب القرآن" (مثل) ص ٤٦٢.
(٤) البيت للبيد بن ربيعة.
أصدرناهما في وارد: الصادر والوارد الطريق، يقال: طريق صادر أي: أنه يصدر بأهله عن الماء، أو طريق وارد يرد بهم. وَهْم: واسع ضخم. والصُوَى: أعلام من حجارة منصوبة في الفيافي المجهولة يستدل بها على طرقها، واحدتها صُوة.
انظر: "ديوان لبيد بن ربيعة" ص ١٤٣،"تهذيب اللغة" (صدر) ٢/ ١٩٨٧، "لسان العرب" (صدر) ٤/ ٢٤١١.
والمعنى: أن يغلبا بسحرهما، فتمثل إليهما السادة والأشراف منكم. وقال قتادة: (طريقتكم المثلى يومئذ بنو إسرائيل كانوا أكثر القوم عددا وأموالًا، فقالوا: إنما يريد أن يذهبا بهما لأنفسهم) (٢). فجعل قتادة هؤلاء الأفاضل من بني إسرائيل. وهذا قول ابن عباس في رواية الوالبي: (هم بنو إسرائيل) (٣). هذا الذي ذكرنا قول المفسرين، وأهل التأويل، وعلى هذا مقاتل، والكلبي (٤).
وقال ابن زيد: (ويذهبا بالطريقة التي أنتم عليها في السيرة) (٥). وهذا القول اختيار أبي عبيدة، والكسائي، قال أبو عبيدة: (﴿بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى﴾ [بسنتكم ودينكم وما أنتم عليه) (٦).
وقال الكسائي: (﴿بِطَرِيقَتِكُمُ﴾ يعني سنتكم وهداكم وسمتكم) (٧).
(٢) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ١٨، "جامع البيان" ١٦/ ١٨٣، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٠/ ب، "النكت والعيون" ٣/ ٤١١، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٢.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ١٨٢، "روح المعاني" ١٦/ ٢٢٤.
(٤) "الكشف والبيان" ٣/ ٢٠، "تفسير مقاتل" ٤ أ.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ١٨٣، "النكت والعيون" ٣/ ٤١٢، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٧٥، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤١.
(٦) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٢٣.
(٧) "الكشف والبيان" ٣/ ٢٠ ب.
٦٤ - قوله تعالى: ﴿فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ﴾ قال الفراء: (الإجماع: الأحكام والعزيمة على الشيء، تقول: أجمعت الخروج، وعلى الخروج، مثل: أزمعت، وأنشد (٣):
يا لَيْتَ شِعْرِي والمُنَى لا تَنْفَع | هَلْ أَغْدُون يَومًا وأَمْرِي مُجْمَعُ |
وقال أبو إسحاق: (معناه: ليكن عزمكم كلكم على الكيد مُجْمَعًا لا تختلفوا) (٥). ومضى الكلام معنى الإجماع عند قوله: ﴿فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ﴾ [يونس: ٧١]. وقرا أبو عمرو: فاجْمَعوا (٦)، موصولًا من الجمع، وحجته
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٨٥، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٤.
(٣) لم أهتد إلى قائله. وذكرته كتب التفسير واللغة بلا نسبة.
انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١٨٣، "النكت والعيون" ٣/ ٤١٢، "الجامع لأحكام القرآن" ١٢/ ١٢١، "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٥٨، "وضح البرهان في مشكلات القرآن" ٢/ ٦٤، "تهذيب اللغة" (جمع) ١/ ٦٥٢، "لسان العرب" (جمع) ٢/ ٦٨١، "نوادر أبي زيد" ص ١٣٣، "إصلاح المنطق" ص ٢٦٣.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٨٥.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٥.
(٦) قرأ: نافع، وابن كثير، وابن عامر، وحمزة، والكسائي وعاصم: (فَأجْمِعوا) بقطع الألف وكسر الميم. وقرا أبو عمرو البصري: (فَاجمَعوا) بوصل الألف وفتح الميم.
انظر: "السبعة" ص ٤١٩، "الحجة للقراء السبعة" ص ٢٣٢، "المبسوط في القراءات" ص ٢٤٩، "التبصرة" ص ٢٦٠.
قال الفراء: (معناه: فلا تَدعوا من كيدكم شيئًا إلا جئتم به) (١).
وقال الزجاج: (جيئوا بكل ما تقدرون عليه، ولا تبقوا منه شيئًا) (٢). واختار الأخفش هذه القراءة وقال: (إنما يقولون بالقطع إذا قالوا: أجمعنا على كذا وكذا، فأما إذا قالوا: أجمعوا أمركم، وأجمعوا شركأكم، فلا يقولون إلا بالوصل. والقطع أكثر القراءة، ولعله لغة في جمع؛ لأنّ داب فَعَلت وأَفْعلت كثير) (٣).
قال أبو علي: (يشبه أن يكون ذلك على لغتين، كما ظنه أبو الحسن، كقول الشاعر) (٤) (٥):
وأَنْتُمُ مَعْشَرٌ زيدٌ عَلَى مِائَةٍ | فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ طُرًّا فَكِيْدُوني |
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٥.
(٣) ذكر نحوه "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٥٧١، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٣٢.
(٤) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٣٢.
(٥) البيت لذي الإصبع العدواني.
مَعْشَر: المعشر الجمع ولا واحد له من لفظه، ومعشر الرجل أهله. طُرًّا: جمعًا. انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٣٣، "شرح المفصل" ١/ ٣٠، "لسان العرب" (عشر) ٥/ ١٢٩٥، "مجمع البيان" ٧/ ٢٩.
(٦) البيت لأبي ذؤيب الهذلي يصف حُمرًا.
الجَزْع، ونُبَاع، وأُولاَت ذِى العَرجَاء: أسماء أماكن. والنَّهَب المُجْمَع: إبل القوم التي أغار عليها اللصوص، وكانت متفرقة في مراعيها فجمعوها من كل ناحية حتى اجتمعت لهم ثم طردوها وساقوها.
انظر: "شرح أشعار الهذليين" ١/ ١٧، "المفصليات" ص ٤٢٣، "الجامع لأحكام =
فَكَأَنَّهَما بالجِزْعِ بَيْنَ نُبَايعٍ | وَأَولاَتِ ذِي العَرْجَاءِ نَهْبٌ مُجْمَعُ |
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا﴾ قال أبو عبيدة: (الصف: موضع الجمع، ويسمى المصلّى: الصف، يقال: هل أتيت الصف اليوم؟ أي: المصلّى الذي يصلى فيه. قال: وقد يكون على المصدر، كما تقول: جاءوني صفًا أي: مصطفين) (١).
وذكر أبو إسحاق الوجهين فقال: (معناه: ثم ائتوا الموضع الذي تجتمعون فيه لعيدكم وصلاتكم، يقال: أتيت صَفا بمعنى أتيت المصَلّى، قال: ويجوز أن يكون ﴿ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا﴾ أي: مصطفين مجتمعين ليكون أنظم (٢) لأموركم وأشد لهيئتكم) (٣).
والمفسرون يقولون في قوله: ﴿ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا﴾: (جميعًا)، قاله مقاتل، والكلبي، وابن عباس في رواية عطاء (٤). وهو بمعنى: مصطفين ﴿وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى﴾ قال ابن عباس: (يريد قد سعد اليوم من غلب) (٥).
(١) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٢٣.
(٢) قوله: (ليكون أنظم)، ساقط من نسخة (س).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٥.
(٤) "الكشف والبيان" ٣/ ٢١ أ، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٢١، "تفسير مقاتل" ٤ أ.
(٥) "زاد المسير" ٥/ ٣٠١، وذكره الطبري في "تفسيره" ١٦/ ١٨٤ بدون نسبة.
وقال الزجاج: ((استعلى) أي: علا بالغلبة) (٢).
٦٥ - قوله تعالى: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى﴾ قال الفراء: (المعنى: اختر أحد هذين الأمرين) (٣). والمراد بالإلقاء هاهنا: إلقاء العصا على الأرض، وكانت السحرة معهم عصي، وكان موسى قد ألقى عصاه يوم دخل على فرعون، كما قال الله تعالى: ﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ﴾ (٤)، ولما أراد السحرة معارضته قالوا له هذا القول.
٦٦ - فقال موسى: ﴿بَلْ أَلْقُوا﴾ أمرهم بالإلقاء أولًا، لتكون معجزته أظهر إذا ألقوا هم بم معهم، ثم يلقي هو عصاه فتبتلع كل ذلك على ما ذكر (٥).
وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ﴾ في الكلام محذوف تقديره: فألقوا فإذا حبالهم.
[قال أبو إسحاق: (وترك هاهنا؛ لأنه قد جاء في موضع آخر: ﴿فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ﴾ [الشعراء: ٤٤] (٦)] (٧).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٥.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٨٥.
(٤) وردت في سورة [الأعراف: ١٠٧]، وفي سورة [الشعراء: ٣٢].
(٥) ويشهد لذلك قوله سبحانه: ﴿فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾ [الشعراء: ٤٥].
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (س).
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٥.
وقال عكرمة، وابن جريج: (كانوا تسع مائة) (٢).
وقال محمد بن إسحاق: (كانوا خمسة عشر ألفًا) (٣).
وقوله تعالى: ﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ يقال خُيل على الرجل تخييلا: إذا أدخل عليه التهمة والشبهة، وأصل هذا الحرف: من الشَبَه والاشتباه الذي ينافي الحق والحقيقة، ومنه الخَيَال الذي يشبه الشيء وليس منه كخَيال الإنسان في المرآة، وخَياله في النوم، وأَخَال الشيء إذا اشتبه وأشكل فهو مخيل (٤)، ومنه قول الشاعر (٥):
والصَّدْقُ أَبْلَجُ لا يُخَيلُ سَبِيلُهُ | والصَّدقُ يَعْرِفُهُ ذَوُو الأَلبَابِ |
انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١٨٤، "النكت والعيون" ٣/ ٤١٣، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٥٢، "الكشاف" ٢/ ٥٤٣.
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ١٨٥، "النكت والعيون" ٣/ ٤١٣، "التفسير الكبير" ٢٢/ ٨٣.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ١٨٥، وذكره ابن عطية في "المحرر الوجيز" ١٠/ ٥٢ بدون نسبة.
وقال الألوسي في "روح المعاني" ١٦/ ٢٢٥ بعد ذكر هذه الأقوال: ولا يخفى حال الأخبار في ذلك، والقلب لا يميل إلى المبالغة والله تعالى أعلم.
وقال الشنقطي في "أضواء البيان" ٤/ ٤٣٨ بعد ذكر هذه الأقوال: وهذه الأقوال من الإسرائيليات.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" (خال) ١/ ٩٦٦، "القاموس المحيط" (خال) ص ٩٩٦، "الصحاح" (خيل) ٤/ ١٦٩٢، "لسان العرب" (خيل) ٣/ ١٣٠٤.
(٥) لم أهتد إلى قائله. وذكر في كتب اللغة بلا نسبة.
انظر: "تهذيب اللغة" (خال) ١/ ٩٦٨، "لسان العرب" (خيل) ٣/ ١٣٠٤.
قال الكلبي: (خُيل إلى موسى أن الأرض حيات كلها، وأنها تسعي على بطنها) (٢). وكثير من الكلام اللائق بهذه الآيات قد مضى في سورة الأعراف (٣).
٦٧ - قوله تعالى: ﴿فَأَوْجَسَ﴾ قال الفراء: (أحس (٤) ووجد) (٥).
وقال الزجاج: (أضمر) (٦). وقال في موضع آخر: (وقع في نفسه الخوف) (٧). وقد ذكرناه مستقصى في سورة هود (٨).
وقوله تعالى: ﴿خِيفَةً مُوسَى﴾ أي: خوفًا، وأصلها: خوفه فانقلبت
(٢) "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٢٢.
اختلف العلماء هل للسحر حقيقة أم لا؟ فقال الشنقيطي في "أضواء البيان" ٤/ ٤٣٧: والتحقيق الذي عليه جماهير العلماء من المسلمين: أن السحر منه ما هو أمر له حقيقة لا مطلق تخيل لا حقيقة له، ومنه ما هو تخيل لا حقيقة له.
انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ٢/ ٤٤، "التفسير الكبير" ٣/ ٢١٣، "أحكام السحر والسحرة" للرازي ص ١١٠، "السحر" للدكتور مسفر الدميني ص ٢٥، "السحر بين الحقيقة والخيال" للدكتور أحمد الحمد ص ٣٧.
(٣) وردت قصة موسى عليه السلام مع فرعون في سورة الأعراف (١٠٣ - ١٦٢).
(٤) في (س): (أجس).
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٨٢.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٦١.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٥٥٣.
(٨) عند قوله سبحانه: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾ [هود: ٣].
وقيل: (كان خوف طباع، لكثرة ما يخيل له من الحيات العظام)، وهذا معنى قول محمد بن إسحاق (٣).
٦٨ - فقال الله تعالى: ﴿لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى﴾ قال ابن عباس: (يريد أنت الغالب) (٤). والمعنى: أنت الأعلى عليهم بالظفر والغلبة.
٦٩ - ﴿وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ﴾ يعني العصا ﴿تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا﴾ قال الزجاج: (القراءة بالجزم (٥)، جواب الأمر، ويجوز الرفع على معنى الحال، كأنه قال: ألقها تلقفه) (٦)، هذا كلامه.
(٢) "الكشف والبيان" ٣/ ٢١ أ، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٣، "البحر المحيط" ٦/ ٢٦٠، "التفسير الكبير" ٢٢/ ٨٤، "تفسير مقاتل" ٤ أ.
(٣) "بحر العلوم" ٢/ ٣٤٩، وذكرته كتب التفسير بدون نسبة.
انظر: "النكت والعيون" ٣/ ٤١٣، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٣، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٥٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٢٢.
(٤) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة.
انظر: "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٤، "زاد المسير" ٥/ ٣٠٥، "القرطبي" ١١/ ٢٢٣.
(٥) قرأ نافع، وأبو عمرو، وابن كثير، وحمزة، والكسائي، وعاصم في رواية أبي بكر: (تَلقَّفْ مَا صَنعوا) بتشديد القاف وجزم الفاء. وقرأ عاصم في رواية حفص: (تَلْقَفُ مَا صَنعوا) بتخفيف القاف ورفع الفاء. وقرأ ابن عامر الشامي: (تَلْقَّفُ مَا صَنعوا) بتشديد القاف ورفع الفاء.
انظر: "السبعة" ص ٤٢٠، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٣٥، "المبسوط في القراءات" ص ٢٤٩، "النشر" ٢/ ٣٢١.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٧.
وقال: (﴿تَلْقَفْ﴾ على التأنيث، حملًا للكلام على المعنى؛ لأنه المراد بما في يمينه العصا. ومن قرأ: تلقفْ بالجزم، فعلى أن يكون جوابًا، كأنه: إن تُلْقِهِ تَلَقَّفْ، ويجوز أن يكون تَلْقَفْ خطابًا لموسى، كما ذكر في قراءة من رفع يجوز أن يكون حالًا للفاعل) (٢). وذكرنا معنى التلقف في سورة الأعراف مستقصى (٣).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ﴾ أي: الذي صنعوه كيد ساحر. وقرئ: كيد سحر (٤). وساحر أقوى؛ لأنّ الكيد للساحر في الحقيقة وليس
(٢) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٣٦.
(٣) عند قوله سبحانه: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾ [الأعراف: ١١٧].
(٤) قرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم: ﴿كَيْدُ سَاحِرٍ﴾ بالألف.
[وقوله: ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ قال ابن عباس: (ولا يسعد الساحر حيث ما كان) (٢).
وروى جندب بن عبد الله البجلي (٣): أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا أخذتم الساحر فاقتلوه، ثم قرأ: ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ قال: لا يأمن حيث وجد" (٤).
انظر: "السبعة" ص ٤٢١، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٣٧، "حجة القراءات" ص ٤٥٨، "الغاية في القراءات" ص ٣٢٣.
(١) ذكر بلا نسبة في "الكشاف" ٢/ ٥٤٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٢٤، "التفسير الكبير" ٢٢/ ٨٥، "البحر المحيط" ٦/ ٢٦٠.
(٢) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٤، "زاد المسير" ٥/ ٣٠٦.
(٣) جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي، ينسب إلى جده، أحد أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- روى عنه الحسن، وابن سيرين، وأخرج له الجماعة، توفي -رضي الله عنه- سنة ٦٤ هـ.
انظر: "الاستيعاب" ١/ ٢١٩، "أسد الغابة" ١/ ٣٠٣، "الإصابة" ١/ ٢٤٩، "تهذيب التهذيب" ٢/ ١١٨، "سير أعلام النبلاء" للذهبي ٣/ ١٧٤، "الكاشف" ١/ ١٣٢.
(٤) أورده ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ١٧٥، وقال: وقد روى أصله الترمذي موقوفًا ومرفوعًا. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٢/ ٥٤١، وعزاه لابن أبي حاتم وابن مردويه، وذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ٢١٠، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ٢/ ٤٨، والشوكاني في "نيل الأوطار" باب: ما جاء في حد السحر ٧/ ٦٣٢، والألوسي في "روح المعاني" ١٦/ ٢٣٠. =
٧٠ - وقوله تعالى: ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا﴾ ففعل ما أمر به موسى، ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا﴾ وترك ذكره؛ لأنه ذكر في سورة الأعراف (٤)، والشعراء (٥) أنه ألقى عصاه، فتلقفت ما صنعوا، وما يقع من الكلام في تفسير هذه الآية قد سبق في سورة الأعراف (٦).
(١) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٧.
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٨٦.
اختلف العلماء في حكم السحر والساحر، والصحيح -والله أعلم- أن السحر نوعان منه ما هو كفر، ومنه ما لا يبلغ درجة الكفر، فإن كان الساحر استعمل السحر الذي هو كفر فإنه يقتل كفرًا، وأما إن كان الساحر عمل السحر الذي لا يبلغ الكفر فهو محل خلاف بين العلماء، والراجح -والله أعلم- أنه لا يقتل.
انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ٢/ ٤٨، "أحكام القرآن" للجصاص ١/ ٦١، "أحكام القرآن" لابن العربي ١/ ٣١، "المبسوط" للسرخسي ١٠/ ٢٠٨، "الزواجر" ٢/ ١٠٤، "المغني" لابن قدامة ٨/ ١٥١.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل ومن نسخة (ص).
(٤) عند قوله سبحانه: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾ [الأعراف: ١١٧].
(٥) عند قوله سبحانه: ﴿فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾ [الشعراء: ٤٥].
(٦) سورة الأعراف الآيات: (١١٧ - ١٢٠).
قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾ قال ابن عباس: (يريد معلمكم) (٤). وقال: (ولذلك يقول أهل مكة: جئت (٥) من عند كبيري، [وحتى أستأذن كبيري) (٦).
وقال الكسائي: (الصبي بالحجاز إذا جاء من عند معلمه قال: جئت من عند كبيري) (٧)] (٨).
(٢) عند قوله سبحانه: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ﴾ [الأعراف: ١٢٣] الآية.
(٣) "الكشاف" ٢/ ٥٤٦، "البحر المحيط" ٦/ ٢٦١، "روح المعاني" ١٦/ ٢٣١.
(٤) "زاد المسير" ٥/ ٢٠٧.
(٥) في (ص) (حيث)، وهو تصحيف.
(٦) "الكشاف" ٢/ ٥٤٥، "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٢٣.
(٧) "زاد المسير" ٥/ ٢٠٧، "فتح القدير" ٣/ ٥٣٧.
(٨) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل ومن نسخة (ص).
والكبير في اللغة: الرئيس (٢)، ومنه قوله تعالى: ﴿قَالَ كَبِيرُهُمْ﴾ [يوسف: ٨٠]، يعني رئيسهم الذي هو أعلمهم، ولم يرد الكبير في السن، ولهذا يقال للمعلم: الكبير.
قال أهل المعاني: جعل نسبتهم إلى اتباع رئيسهم بالسجود علة لصرف الناس عن اتباع موسى.
وقوله تعالى: ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ قال المبرد: (المعنى على جذوع النخل، وإنما وقعت في ومعانيها الوعاء، كقولك: زيد في الدار، والمتاع في الوعاء؛ لأنّ الجذع جعل كأنه قد حل فيه، فصار الجذع له مكانًا كالبيت) (٣). كما قال الأسدي (٤):
تَداركت شَمْاسًا ويَحْيى وخالدِا | وقَد نصبت فَوقَ الجُذُوع قُبُورهَا |
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (كبر) ص ٣٠٩٠، "القاموس المحيط" (كبر) ص ٤٦٨، "لسان العرب" (كبر) ٦/ ٣٨٠٧.
(٣) ذكره مختصرًا في "المقتضب" ٢/ ٣١٨.
(٤) لم أهتد إليه.
(٥) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ١٢٣، "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٨٦، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٨.
(٦) اختلف في نسبة هذا البيت، فنسب لسويد بن أبي كأهل.
انظر: "الأزهية" ص ٢٧٨، "شرح شواهد المغني" ١/ ٤٧٩، "الكشف والبيان" ٣/ ٢١ "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٢٤، "السان العرب" (شمس) ٤/ ٢٣٢٤.=
وَهُم صَلَبُوا العَبدِيَّ في جِذْعِ نَخْلَةِ | فَلا عَطَستْ شَيْبَانُ إِلاَ بِأجْدَعا |
٧٢ - قوله تعالى: ﴿قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ﴾ أي: لن نفضلك ولن نختارك ﴿عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ﴾ قال ابن عباس: (يريد من اليقين والعلم) (١). وقال مقاتل: (يعني اليد والعصا) (٢).
وقال عكرمة: (هو أنهم حيث خروا سجدًا أراهم الله في سجودهم منازلهم في الجنة التي إليها يصيرون) (٣). ونحو هذا قال القاسم بن أبي بزة (٤): (ما رفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنار، ورأوا ثواب أهلها عند
وورد بلا نسبة في: "جامع البيان" ١٦/ ١١٨، "البحر المحيط" ٢/ ٢٦١، "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٢٤، "معاني القرآن" ٣/ ٣٦٨، "المقتضب" ٢/ ٣١٩، "أدب الكاتب" ص ٥٠٦.
(١) "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٢٥.
(٢) "الكشف والبيان" ٣/ ٢١ ب، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٥، "تفسير مقاتل" ٤ ب.
(٣) "النكت والعيون" ٣/ ٤١٤، "الكشاف" ٢/ ٥٤٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٢٥، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٧٦، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٢، "أضواء البيان" ٤/ ٤٧٢، وقال: والظاهر أن ذلك من نوع الإسرائيليات.
(٤) القاسم بن نافع بن أبي بزة، واسم أبي بزة: يسار، وقيل نافع، مولى عبد الله بن السائب بن صيفي المخزومي المكي، ويكنى القاسم بأبي عبد الله، وأصله من همدان، تابعي ثقة، روى عن: أبي الطفيل، وأبي معبد، ومجاهد، وسعيد بن =
وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِي فَطَرَنَا﴾ ذكر الفراء والزجاج فيه وجهين أحدهما: (لن نؤثرك على الله والذي خلقنا. والثاني: أنه قسم) (٢).
﴿فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ﴾ قال ابن عباس وجميع المفسرين: (فاصنع ما أنت صانع) (٣). ﴿إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ قال ابن عباس: (يريد إنما سلطانك وملكك في هذه الدنيا، فأما في الآخرة فليس لك فيها حظ ولا سلطان) (٤).
٧٣ - قوله تعالى: ﴿إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا﴾ قال ابن عباس: (الشرك الذي كنا فيه) (٥). ﴿وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ﴾ روي: (أن فرعون
(١) "الكشف والبيان" ٣/ ٢١ ب، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٥، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٧٦، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٢.
(٢) "معاني القرآن" ٢/ ١٨٧، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٨.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ١٨٩، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٢ أ، "النكت والعيون" ٣/ ٤١٥، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٢٦.
(٤) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة.
انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١٨٩، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٥، "النكت والعيون" ٣/ ٤١٥، "زاد المسير" ٥/ ٣٠٧، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٧٦.
(٥) ذكرت نحوه كتب التفسير بدون نسبة.
انظر: "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٠، "زاد المسير" ٥/ ٣٠٧، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٢٦، "مجمع البيان" ٧/ ٣٥.
وروي: (أنه أكرههم على معارضة موسى بالسحر) (٢). والقولان مرويان في التفسير.
﴿وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ قال ابن عباس: (يريد ثواب الله خير وأبقى) (٣). فعلى هذا المضاف محذوف.
وقال أبو إسحاق: (أي الله خير لنا منك وأبقى عذابًا) (٤). وهذا جواب قوله: ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى﴾ [طه: ٧١] وهذا معنى قول محمد بن إسحاق: (والله خير منك [ثوابًا وأبقى عقابًا) (٥).
وقال محمد بن كعب: (والله خير منك إن أطيع، وأبقى عذابًا منك] (٦) إن عصي) (٧).
٧٤ - قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا﴾ هذا ابتداء كلام من الله تعالى وانتهى الإخبار عن السحرة (٨).
(٢) "المحرر الوجيز" ٣/ ٥٨، "الكشاف" ٢/ ٥٤٦، "زاد المسير" ٥/ ٣٠٨، "التفسير الكبير" ٢٢/ ٨٩، "روح المعاني" ١٦/ ٢٣٣.
(٣) "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٢٦.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٩.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ١٩٠، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٥، "ابن كثير" ٣/ ١٧٦.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل ومن نسخة (ص).
(٧) المراجع السابقة، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٢، "فتح القدير" ٣/ ٥٣٨.
(٨) "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٠، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٦، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٥٩، "الكشاف" ٢/ ٥٤٦.
والكناية في قوله: ﴿إِنَّهُ﴾ الأمر والشأن، أي: بأن الأمر والشأن هذا، وهو أن المجرم يدخل النار، والمؤمن يدخل الجنة، ويجوز أن يكون هاء الإضمار على شريطة التفسير، وبينا ذلك في سورة يوسف [٩٠].
ومعنى ﴿مُجْرِمًا﴾ قال ابن عباس في رواية الضحاك: (المجرم الكافر) (٢).
وقال في رواية عطاء: (يريد أجرم، وفعل مثل ما فعل فرعون) (٣). ﴿فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾ قال: (يريد لا يموت فيستريح، ولا يحيي فيفتر عنه العذاب) (٤).
قال الكلبي: (ولا يحيي فيها حياة تنفعه) (٥).
(٢) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة.
انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١٩٠، "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٢٧، "مجمع البيان" ٧/ ٣٥، "البحر المحيط" ٦/ ٢٦٢.
(٣) "مجمع البيان" ٧/ ٣٥.
(٤) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة.
انظر: "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٠، "زاد المسير" ٥/ ٣٠٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٢٧، "مجمع البيان" ٧/ ٣٥، "البحر المحيط" ٦/ ٢٦٢، "فتح التقدير" ٥/ ٥٣٨.
(٥) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة.
انظر: "زاد المسير" ٥/ ٣٠٩، "البحر المحيط" ٦/ ٢٦٢، "فتح القدير" ٥/ ٥٣٨. ويشهد لذلك قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ﴾ [فاطر: ٣٦]
قال المبرد: (تأويل قوله: ﴿لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾ لا يموت ميتة مريحة، ولا يحيى حياة ممتعة، وهو يألم كما يألم الحي ليفهم ذلك، ويبلغ بهم حالة الموتى في المكروه، إلا أنه لا يبلغ الحالة التي يبطل فيها عن الفهم، والعرب تقول: فلان لا حي ولا ميت، إذا كان غير منتفع بحياته، وكذلك يقولون لمن يكلم ولم يبلغ حاجته: تكلمت ولم تتكلم، أي: لم
(٢) الضبائر: جماعات الناس، يقال: رأيتهم ضبائر أي: جماعات.
انظر: "تهذيب اللغة" (ضبر) ٣/ ٢٠٨٧، "مقاييس اللغة" (ضبر) ص٣٨٦، "الصحاح" (ضبر) ٢/ ٧١٨، "لسان العرب" (ضبر) ٤/ ٢٥٤٧.
(٣) حميل السيل: ما حمله السيل من الغثاء والطين، وكل محمول فهو حميل.
انظر: "تهذيب اللغة" (حمل) ١/ ٩٢٥، "الصحاح" (حمل) ٤/ ١٦٧٨، "القاموس المحيط" (حمله) (٩٨٧)، "لسان العرب" (حمل) ٢/ ١٠٠١.
(٤) أخرجه النسائي في "سننه" كتاب التطبيق، باب: موضع السجود ٢/ ١٦٣، والترمذي في صفة جهنم، باب: (١٠) ٤/ ٦١٥، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجة في الرقاق، باب: ما يخرج الله من النار برحمته ٢/ ٢٣٨، وأورده في "الدر المنثور" ٢/ ٥٤٢، وزاد نسبته لابن مردويه عن أبي سعيد.
وقَدْ كُنْتُ في الحَرْبِ ذا تُدْرَاءٍ | فَلَمْ أُعْطَ شَيْئًا ولَمْ أُمْنَعِ |
أَلاَ مَا لِنَفْسٍ لا تَمُوُت فَيَنْقَضِي | شَقاهَا ولا تَحْيَا حَياةً لَهَا طَعْمُ |
ويشهد له قوله سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ﴾ [فاطر: ٣٦].
(٢) عباس بن مرداس بن أبي عامر السلمي، أبو الهيثم، الصحابي، تقدم.
(٣) البيت لعباس بن مرداس.
ذا تدرأ: أي: ذو هجوم لا يتوقى ولا يهاب ففيه قوة على دفع أعدائه.
انظر: "ديوانه" ص ٨٤، "الشعر والشعراء" ٢/ ٧٥٢، "شرح التصريح" ٢/ ١١٩، "شرح شواهد المغني" ٢/ ٩٢٥، "المقاصد النحوية" ٤/ ٦٩، "همع الهوامع" ٢/ ١٢٠، "لسان العرب" (درأ) ٣/ ١٣٤٧.
(٤) ذكرته كتب التفسير واللغة بلا نسبة.
انظر: "النكت والعيون" ٣/ ٤١٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٢٧، "أضواء البيان" ٤/ ٤٧٨، "لسان العرب" (طعم) ٨/ ١٦٥.
(٥) ذكرته كتب التفسير بلا نسبة.
انظر: "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٠، "لباب التأويل" ٤/ ٢٧٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٢٦، "مجمع البيان" ٧/ ٣٥، "مدارك التنزيل" ٢/ ١٠١٦.
(٦) ذكرته كتب التفسير بلا نسبة. =
قال ابن عباس فيما روى عنه سعيد بن جبير: (لله عباد ولدوا في الإسلام ونشؤا في أعمال البر، لم يخالطوا المعاصي وأهلها حتى ماتوا على ذلك، إذا كان يوم القيامة نادى المنادي: أين من أتى ربه مؤمنًا فاضلًا قد عمل الصالحات بصدق النية، فعرف القوم صفتهم، فقالوا: لبيك دعوتنا، قال: فإن الله يقول: ﴿فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (٧٥) جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ الآية، وعقد لهم لواء فاتبع القوم لواءهم حتى دخلوا الجنة) (٣).
والآية دليل على أن الأمور بخواتيمها وأن الإيمان بالموافاة لقوله: ﴿وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا﴾ ودليل على أن الدرجات إنما تستحق بالأعمال الصالحة، وقد يدخل الجنة من لا ينال الدرجات العلى.
وهذا معنى قوله-عليه السلام-: "تدخلون الجنة برحمة الله وتقسمون الدرجات بأعمالكم" (٤).
(١) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل ومن نسخة (ص).
(٢) ذكر نحوه بدون نسبة "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٢٧، "فتح القدير" ٥/ ٥٣٩.
(٣) لم أقف عليه.
(٤) أخرج البخاري نحوه في "صحيحه" كتاب الرقائق، باب: القصد والمداومة على العمل ٥/ ٢٣٧٣، ومسلم في "صحيحه" كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب: لن يدخل الجنة أحد بعمله بل برحمة الله تعالى ٤/ ٢١٦٩، وابن ماجة كتاب الزهد، باب: التوفي على العمل ٢/ ١٤٠٥، والإمام أحمد في "مسنده"٢/ ٢٢٢، والدارمي في "سننه" كتاب الرقائق، باب: لن ينجي أحدكم عمله ٢/ ٢١٥.
ومعنى ﴿تَزَكَّى﴾ تطهير من الذنوب بالطاعة بدلًا من التدنس بالمعاصي. وقصد أن يكون زاكيا في الخير.
٧٧ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي﴾ سر بهم ليلًا من أرض مصر ﴿فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ﴾ أي: اجعل لهم طريقًا في البحر بالضرب بالعصا حتى ينفلق لهم البحر عن طريق (٣). فعدي الضرب إلى الطريق لما دخله هذا المعنى، وهو أنه أريد بضرب الطريق جعل الطريق بالضرب.
وقوله تعالى: ﴿يَبَسًا﴾ قال الليث: (طريق يبس: لا نداوة فيه ولا بلل) (٤). وقال أبو عبيدة: (يَبَسْ وَيبْس بمعنى: يَابس) (٥)، وأنشد لعلقمة بن عبدة (٦):
(٢) "الكشف والبيان" ٣/ ٢٢ أ، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٦.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ١٩١، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٤٥، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٦.
(٤) "تهذيب اللغة" (يبس) ٤/ ٣٩٧٣.
(٥) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٢٤.
(٦) البيت لعلقمة بن عبدة التميمي.
خَشْخَش: الخشخاش الجماعة عليهم سلاح ودروع. واليَبَس: بالفتح اليابس، وهو نقيض الرطوبة.
انظر: "ديوانه" ص ١٠٧، "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٢٤، "الاقتضاب" ص ٤٦٠، "لسان العرب" (خشخش) ٢/ ١١٦٤.
تَخَشْخَشُ أَبْدَانُ الحَدِيْدِ عَلَيهِمُ | كَمَا خَشْخَشَتْ يَبْسَ الحَصَاد جَنُوُب |
ولَمْ يَبْقَ بالخَلْصاءِ مِما عَنَتْ بِه | مِنَ الرُّطَبِ إلا يَبْسُهَا وهَجِيرُها |
وقوله تعالى: ﴿لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى﴾ قال ابن عباس وجميع المفسرين: (لا تخاف [أن يدركك فرعون، ولا أحد من خلفك، ولا تخشى البحر) (٥).
وقال سيبويه: (﴿لَا تَخَافُ دَرَكًا﴾] (٦) رفعه على وجهين أحدهما: على
(٢) البيت لذي الرمة.
والخلصاء: مكان. وعنت به: أنبتته نباتًا حسنًا. واليبس: ما يبس من العشب والبقول التي تتناثر إذا يبست. والهجير: يبيس الحمض الذي كسرته الماشية. وهجر: ترك. انظر: "ديوان ذي الرمه" ص ٣٠٥، "تهذيب اللغة" (يبس) ٤/ ٣٩٧٣، "لسان العرب" (هجر) ٨/ ٤٦١٦.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٩.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ١٤٣، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٣.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ١٩١، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٢ أ، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٤٥، "النكت والعيون" ١٦/ ١٩١، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٦.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (ص).
وقرأ حمزة: لا تخف جزمًا (٢). وله وجهان: أحدهما ما ذكره الزجاج وهو: (أنه نهي عن أن يخاف، معناه: ولا تخف أن يدرككم (٣) فرعون) (٤). والثاني: ما ذكره أبو علي وهو: (أنه جعله جواب الشرط على معنى إن تضرب لا تخف دركًا ممن خلفك) (٥).
قال أبان بن تغلب (٦) وأبو عبيد: (لو كان لا يخف لكان لا يخشى) (٧).
وهذا لا يلزم حمزة لوجوه أحدها: ما ذكره الفراء وغيره: (أنه نوى بقوله: (ولا تخشى) الاستئناف) (٨). كما قال الله تعالى: ﴿يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ﴾ [آل عمران: ١١١]، فاستأنف بثم، ويكون المعنى: لا تخف
(٢) قرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي، وعاصم: (لا تخافُ دركا) رفعًا بألف. وقرأ حمزة: (لا تخفْ دركا) جزمًا بغير ألف.
انظر: "السبعة" ص ٤٢١، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٣٩، "الغاية في القراءات" ص ٣٢٣، "النشر" ٢/ ٣٢١.
(٣) في نسخة (ص) يدكك.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧٠.
(٥) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٣٩.
(٦) هو الجريري، له كتاب في غريب القرآن توفي سنة (١٤١ هـ)
(٧) أورد نحوه الزجاج في "معاني القرآن" ٣/ ٣٧٠ بلا نسبة، والزمخشري في "الكشاف" ٢/ ٥٤٧، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٢٨.
(٨) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٨٧، "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ١٢٥.
هُزَّي إِلَيْكِ الجِذْعَ يُجْنِيْكِ الجَنَى
[وقال آخر (٣):
هَجَوْتَ زَبَّانَ ثمَّ جِئْتَ مُعْتَذِرًا | مِنْ هَجْمِ زَبَّانَ لَمْ تَهْجُو وَلَمْ تَدَعِ] (٤) |
(٢) لم أهتد إلى قائله. وذكرته كتب التفسير واللغة بلا نسبة.
الجَنَى: الرطب والعسل، وكل ثمر فهو جنى، والإجتناء أخذك إياه.
انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١٩٢، "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٨٧، "تهذيب اللغة" (جنى) ١/ ٦٧٤، "لسان العرب" (جنى) ٢/ ٧٠٧.
(٣) ينسب هذا البيت لأبي عمرو بن العلاء، يخاطب به الفرزدق عندما جاء إليه معتذرًا من أجل هجو بلغه عنه.
انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٤٠، "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٨٨، "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٣٥٢، "الإنصاف" ١٩، "خزانة الأدب" ٨/ ٣٥٩، "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٣٦٠، "معجم الأدباء" ١١/ ١٥٨، "شرح شواهد الشافية" ص ٤٠٦، "شرح المفصل" ١٠/ ١٠٤.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (س).
(٥) البيت لقيس بن زهير العبسي.
تنمي: تبلغ. لبون: اللبون من الشاة والإبل ذات اللبن.
انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٤٠ "الكتاب" ١/ ٣٢، "الخزانة" ٣/ ٥٣٤، "الخصائص" ١/ ٣٣٣، "الأغاني" ١٧/ ١٣١، "شرح شواهد الشافعية" ص ٤٠٨، "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٨٨، "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٣٥٢، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٧٨، "المحتسب" ١/ ٦٧.
أَلَمْ يَأتِيْكَ والأَنْبَاءُ تَنْمَي | بِمَا لاَقَتْ لَبُونُ بَنِي زِيَاد |
قال أبو علي: (وهذا لا يحمل على ما ذكره الفراء؛ لأن ذلك إنما يجيء في ضرورة الشعر كقوله (٣):
كَأَنْ لَمْ تَرَ قَبْلِي أَسِيرًا يَمَانِيَا
ولكن تقدر أنه حذف الألف المنقلبة عن اللام للجزم، تم أشبعت الفتحة؛ لأنها فاصلة، فأثبت الألف عن إشباع الفتحة [ومثل هذا مما يثبت في الفاصلة قوله: ﴿فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا﴾ [الأحزاب: ٦٧]، وقد جاء إشباع هذه الفتحة] (٤) في كلامهم) (٥)، قال (٦):
فَأَنْتَ مِنْ الغَوائِلِ حِينَ تُرْمَى | ومِن ذَمَّ الرِّجَالِ بِمُنْتَزَاحِ |
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٨٨.
(٣) هذا عجز بيت لعبد يغوث بن وقاص الحارثي، وصدره:
وتضحك مني شيخة عبشمية
انظر: "سر صناعة الإعراب" ١/ ٧٦، "الحجة" ٥/ ٢٣٩، "ذيل الأمالي" ص ١٣٤، "خزانة الأدب" ٢/ ٢٠١، "الأغاني" ١٦/ ٢٥٨، "شرح شواهد المغني" ٢/ ٦٧٥، "المحتسب" ١/ ٦٥، "شرح المفصل" ٥/ ٩٧، "لسان العرب" (شمس) ٢/ ١٩٢٦.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (ص).
(٥) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٤٠.
(٦) اليت لابن هرمة يرثي ابنه. والغوائل: نوازل الدهر. بمنتزاح: ببعد عنه.
انظر: "ديوان ابن هرمة" ٩٢، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٤٠، "المحتسب" ١/ ١٦٦، "المسائل الحلبيات" ١١٢، "الأشباه والنظائر" ٢/ ٣٠، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٢٥، "الخصائص" ٢/ ٣١٦، "شرح شواهد الشافية" ص ٢٥، "الإنصاف" ١/ ٢٥، "خزانة الأدب" ٧/ ٥٥٧، "لسان العرب" (نزح) ١٤/ ١٠٤.
فَبَيْنَا نَحْنُ نَرقُبُه أَتَانَا | عُلِّقَ وَفْضَةٍ وَزِنادَ راعِي |
قال الليث: (الدَّرَك: إدراك الحاجة يقال: بكر ففيه درك) (٤).
وقال شمر: قال أبو عدنان: (يقال: أدركوا ماء الرُّكَيَّةَ (٥) إِدْراكًا ودَرَكًا) (٦).
قال الأخفش: (ومعنى الآية: اضرب لهم طريقًا لا تخاف فيه دركا، وحذف فيه كما تقول: زيد أكرمت أي: أكرمته، وكما قال: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا
انظر: "الكتاب" ١/ ١٧١، "المحتسب" ٢/ ٧٨، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٢٣، "شرح شواهد المغني" ٢/ ٧٩٨، "خزانة الأدب" ٧/ ٧٤، "شرح المفصل" ٤/ ٩٧، "الأشباه والنظائر" ٢/ ٣٦، "لسان العرب" (بين) ١/ ٥٦١.
(٢) "سر صناعة الإعراب" ١/ ٢٣.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" (درك) ٢/ ١١٧٦، "لسان العرب" (درك) ٣/ ١٣٦٣، "المعجم الوسيط" (الدرك) ١/ ٢٨١.
(٤) "تهذيب اللغة" (درك) ٢/ ١١٧٦، "لسان العرب" (درك) ٣/ ١٣٦٣.
(٥) الرُكَية: بئر تحفر، وهي جنس للركية وهي البئر.
انظر: "تهذيب اللغة" (ركا) ٢/ ١٤٥٥، "لسان العرب" (ركا) ٣/ ١٧٢٢، "المعجم الوسيط" (الركية) ١/ ٣٧١.
(٦) "تهذيب اللغة" (درك) ٢/ ١١٧٦.
٧٨ - قوله تعالى: ﴿فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ﴾ أي: لحقهم كقوله. ﴿فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ﴾ [الأعراف: ١٧٥] وقوله: ﴿فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ﴾ [الصافات: ١٠]، والباء في ﴿بِجُنُودِهِ﴾ في موضع حال من الفاعل على معنى ومعه جنوده، كما يقال: ركب بسلاحه، وخرج بثيابه، وهذا اللحاق إنما كان أن أول مقدمة فرعون قرب من ساقة قوم موسى وهم يعبرون البحر، أو يحمل على الإشراف على اللحاق والقرب منه (٢). ويجوز أن كون اتبع مطاوع تبع كقوله: ﴿وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً﴾ [هود: ٩٩]، وقوله تعالى: ﴿وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً﴾ [القصص: ٤٢]، والباء على هذا تكون زائدة، كما يزاد في كثير من المفعولات نحو (٣):
لاَ يَقْرأَنَ بالسُّورِ
وروي عن أبي عمرو أنه قرأ: فأتبعهم موصولة (٤). وعلى هذا الباء للتعدية؛ لأن اتبع بمعنى تبع كما يقال: شوى واشتوى، وحفى واحتفى،
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧٠، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٤١.
(٣) هذا جزء من عجز بيت ينسب إلى الراعي النميري وتمامة:
هُنْ الحَرائِرُ لا رَبَاتُ أَحْمِرة | سُودُ المحَاجِر لا يَقْرأْنَ بالسُّوَرِ |
(٤) قرأ عبيد عن هارون عن أبي عمرو (فأتبعهم فرعون) موصولة.
انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٤٠.
وقوله تعالى: ﴿فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ﴾ قال ابن عباس: (يريد: الغرق) (٣).
وقال أبو إسحاق: فغشيهم من البحر ما غَرَّقَهم) (٤).
وشرح ابن الأنباري هذا فقال: (يسأل فيقال: ما الفائدة في قوله: ﴿مَا غَشِيَهُمْ﴾؟ فيقال: المعنى غشيهم من اليم البعض الذي غشيهم [لأنه لم يغشهم كل مائه، بل الذي غشيهم] (٥) بعضه فقال الله تعالى: ﴿مَا غَشِيَهُمْ﴾ ليدل على أن الذي غرقهم بعض الماء وأنهم لم يغرقوا بجميعه) (٦). هذا كلامه. وأجود منه ما ذكره محمد بن يزيد الثمالي وهو أنه قال: (معناه: غشيهم من اليم ما عرفتم أنه غشيهم) (٧). كما قال أبو النجم (٨):
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧٠.
(٣) ذكره كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١٩١، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٤٥، "النكت والعيون" ٣/ ٤١٦، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٧ "زاد المسير" ٥/ ٣١٦.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧٠.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل ومن نسخه: (ص)
(٦) ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ٣١١، وأورد نحوه بلا نسبة الزمخشري في "الكشاف" ٢/ ٥٤٧، "البحر المحيط" ٦/ ٢٦٤.
(٧) ذكر نحوه في "الكامل" ١/ ٤٤.
(٨) هذا الرجز لأبي النجم.
انظر: "الخزانة" ١/ ٤٣٩، "الأغاني" ٩/ ٧٥، "الكشاف" ٤/ ٥٩، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٧٨، "المصنف" ١/ ١٠، "الخصائص" ٣/ ٣٣٧.
أي: شعري ما قد عرفتم.
وقال سيبويه: (من كلام العرب: إن فعلت كذا وكذا فأنت أنت، أي: أنت كما تعرف، ويقولون: الناس ناس، أي: هم كما قد عرفتم) (١).
ومعنى ﴿غَشِيَهُمْ﴾ علاهم وسترهم.
٧٩ - ﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ﴾ حيث دعاهم إلى عبادته (وما هدى) ما هداهم إلى مراشدهم، وهذا تكذيب له إذا قال: ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ [غافر: ٢٩].
وقال ابن عباس: (يريد ما أرشد نفسه) (٢). وعلى هذا معنى (ما هدى) ما هدى نفسه. والمعنى: أنه أهلك نفسه وقومه بضلاله ودعائهم إلى الضلالة حتى أوردهم مواقع الهلكة.
٨٠ - قال ابن عباس: (ثم ذكر الله تعالى منته على بني إسرائيل فقال: ﴿بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ﴾ يعني فرعون أغرقه بمرآى منهم) (٣).
﴿وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ﴾ وذلك أن الله تعالى وعد موسى بعد أن أغرق فرعون التأني جانب الطور الأيمن، فيؤتيه التوراة فيها بيان ما يحتاجون إليه، وقد ذكرنا هذا المعنى عند قوله: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ
(٢) "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٢٩، وذكره بدون نسبة "بحر العلوم" ٣/ ٣٥٠، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٧.
(٣) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٧، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٧٨، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٢٣، "إرشاد العقل السليم" ٦/ ٢٣، "روح المعاني" ١٦/ ٢٣٨.
وزعم أبو الحسن الأخفش أن: (واعدنا لغة في وعدنا) (٣). وإذا كان كذلك، فمن قرأ بالألف لم يدل اللفظ على أن الفعل من الاثنين، كما أن استحر واستقر ونحو ذلك من بناء استفعل، لا يدل على استدعاء الفعل، والقراءة بوعد أحسن؛ لأنّ واعد هاهنا بمعنى وعد، ويعلم من وعد أنه فعل واحد لا محالة، وليس واعد كذلك فالأخذ بالأبين أولى (٤). وهذا الذي ذكرنا زيادة في توجيه القراءتين لم نذكرها في سورة البقرة (٥). وهذا الوعد إنما كان لموسى، ولكن خوطبوا به؛ لأن الوعد كان لأجلهم (٦). والمعنى: واعدناكم إتيان جانب الطور فحذف المضاف، والمراد بالأيمن الجانب الذي على يمين موسى (٧)، وقد مر (٨).
(٢) قرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم: (وواعدناكم) بالنون. وقرا أبو عمرو البصري: (ووعدناكم) بغير ألف. وقرأ حمزة والكسائي: (وواعتكم) بالتاء.
انظر: "السبعة" ٤٢٢، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٤١، "حجة القراءات" ٤٦٠، "الغاية في القراءات" ٣٢٣، "المبسوط في القراءات" ٢٤٩.
(٣) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٤٢.
(٤) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٤٢.
(٥) عند قوله سبحانه في سورة البقرة الآية رقم (٥١): ﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ﴾.
(٦) "الكشاف" ٢/ ٥٤٧، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٣٠، "البحر المحيط" ٦/ ٢٦٥، "التفسير الكبير" ٢٢/ ٩٥.
(٧) "القرطبي" ١١/ ٢٣٠، "البحر المحيط" ٦/ ٢٦٥، "التفسير الكبير" ٢٢/ ٩٦.
(٨) عند قوله سبحانه في سورة مريم الآية رقم (٥٢): ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾.
٨١ - قوله تعالى: ﴿كُلُوا﴾ أي: وقلنا لهم كلوا ﴿مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ وهذا أمر يقتضي التعديد بالنعم ﴿وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ﴾ قال ابن عباس في رواية الوالبي: (يقول لا تظلموا) (٢).
وقال مقاتل: (ولا تعصوا) (٣). والمعنى لا تبطروا فيما أنعمت عليكم فتظالموا. وهذا المعنى قول من قال: (لا تتقووا بنعمي على معاصي) (٤).
وقال الكلبي: (لا تجحدوا نعمة الله فيما رزقكم منه فتكونوا طاغين) (٥).
وقال مقاتل: (لا تتعدوا ما حد الله لكم في المن والسلوى فتتجاوزوا قدر ما يكفيكم وتدخروا، فمتى ادخرتم منهما شيئًا فأنتم في ذلك طاغون) (٦).
وقوله تعالى: ﴿فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي﴾ أي: يجب، قاله قتادة وغيره (٧).
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ١٤٤، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٢ ب، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٧، "البحر المحيط" ٦/ ٢٦٥.
(٣) "تفسير مقاتل" ٥ أ.
(٤) "الكشف والبيان" ٣/ ٢٢ ب، "النكت والعيون" ٣/ ٤١٦، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٧.
(٥) "الكشف والبيان" ٣/ ٢٢ ب، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٧، "البحر المحيط" ٦/ ٢٦٥.
(٦) "تفسير مقاتل" ٥/ أ، وذكر نحوه: "بحر العلوم" ٢/ ٣٥١، "النكت والعيون" ٣/ ٤١٦، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٧.
(٧) المروي في كتب التفسير عن قتادة: ينزل عليكم غضبي. انظر: "تفسير القرآن للصنعاني" ٢/ ١٧، "جامع البيان" ١٦/ ١٩٣.
قال الفراء: (والكسر أحب إلي من الضم؛ لأن الضم من الحلول بمعنى الوقوع، ويحل: يجب، وجاء التفسير بالوجوب لا بالوقوع) (٢).
وقال الزجاج: (﴿فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ﴾ معناه فيجب عليكم، ومن قرأ: بالضم، فمعناه التنزيل) (٣). هذا كلامه، ومعنى القراءتين قريب من السواء؛ لأن من قرأ بالكسر فمعناه: من حَل الشيء يَحِل حَلا وحَلال إذا حُلت عنه عقدة التحريم، وزال عنه الحظر والحجر والمنع، فمعنى يحل عليكم: ينزل بكم وينالكم بعدما كان ذا حظر وحجر ومنع عنكم، ومن فسر يحل يجب، فهو معنى وليس بتفسير، وذلك أنهم ما لم يطغوا كان العذاب ممنوعًا محظورًا عليهم، فإذا طغوا ارتفع ذلك الحظر فحل العذاب لهم، ومعنى غضب الله: عذابه إياهم (٤)، ويقوي هذه القراءة قوله: ﴿وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ [هود: ٣٩]، أي: ينزل به بعد أن لم يكن، وقوله: {أم
انظر: "السبعة" ص ٤٤٢، "الحجة" ٥/ ٢٤٣، "التبصرة" ٢٦٠، "النشر" ٢/ ٣٢١.
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٨٨.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧٠.
(٤) الغضب صفة من صفات الله سبحانه، نثبتها له سبحانه كما أثبتها لنفسه من غير تحريف ولا تعطيل ولا تشبيه، وتأويلها العذاب لا يصح؛ لأنه مخالف لظاهر اللفظ وإجماع السلف، وليس عليه دليل.
انظر: "شرح العقيدة الطحاوية" ٢/ ٦٨٤، "العقيدة الواسطية" ٢٣.
وقوله تعالى: (فقد هوى) يقال: هَوَى يَهْوِي هَوِيًا: إذا سقط من علو إلى أسفل، وهَوَتْ العُقَابُ تَهْوِى هُوِيًا: إذا سقطت على صيد، وهَوَى يَهْوِي هَوِيًا: إذا وقع مَهْواه، وهَوَى فُلان: إذا مات، قال النابغة (٢):
وقال الشامتون هوى زياد... لكل منية سبب مبين
وهَوَى: إذا هلك. ومنه قول كعب بن سعد (٣) (٤):
هَوَتْ أمُّه ما يَبْعَثُ الصُّبُح غادِيَا
أي: هلكت أمه. هذا معاني (هوى) في اللغة (٥). فأما التفسير فقيل:
(٢) البيت للنابغة الذبياني. الشماتة: فرح العدو. وقيل: الفرح ببلية تنزل بمن تعاديه. انظر: "تهذيب اللغة" (هوى) ٤/ ٣٨١٣، "لسان العرب" (هوا) ٨/ ٤٧٢٦.
(٣) تقدمت ترجمته في سورة البقرة.
(٤) هذا صدر بيت لكعب بن سعد الغنوي يرثي أخاه. وعجز البيت:
ومَاذَا يُودي الليلُ حِينَ يَؤُوبُ
انظر: "تهذيب اللغة" (هوى) ٤/ ٣٨١٣، "الصحاح" (هوى (٦/ ٣٩، "لسان العرب" (هوا) ١٥/ ١٦٩، "الأمالي" للقالي ٢/ ١٥٠، "التكملة" للصنعاني (هوى) ٦/ ٥٤٠.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" (هوى) ٤/ ٣٨١٣، "مقاييس اللغة" (هوى) ٦/ ١٥، "القاموس المحيط" (الهواء) ٤/ ٤٠٤، "الصحاح" (هوى) ٦/ ٢٥٣٧ "لسان العرب" (هوا) ٨/ ٤٧٢٦.
قال ابن عباس في رواية الوالبي: (يقول: فقد شقي) (٣).
قوله تعالى: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ﴾ قال ابن عباس في رواية الوالبي وعطاء: (تاب من الشرك) (٤). ﴿وَآمَنَ﴾: وحد الله وصدقه ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾: أدى فرائض الله، وعمل صالحًا فيما بينه وبين الله ﴿ثُمَّ اهْتَدَى﴾ قال في رواية عطاء: (علم أن ذلك بتوفيق من الله له) (٥).
وقال في رواية الوالبي: (لم يشكك) (٦).
وقال في رواية أبي صالح: (علم أن له ثوابًا بهذا) (٧)، هذا قول سفيان، والكلبي، والشعبي، ومقاتل (٨). واختيار الزجاج؛ لأنه يقول: (ثم أقام على إيمانه) (٩).
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ١٩٤، "بحر العلوم" ٢/ ٣٥١، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٨.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ١٩٤، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٧٨، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٤.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ١٩٤، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٨، "زاد المسير" ٥/ ٣١٢، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٤.
(٥) "معالم التنزيل" ٣/ ٢٢٧، "زاد المسير" ٥/ ٢١٤.
(٦) "جامع البيان" ١٦/ ١٩٤، "النكت والعيون" ٣/ ٤١٦، "زاد المسير"، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٣١، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٧٩، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٤.
(٧) "زاد المسير" ٥/ ٣١٢، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٤.
(٨) "جامع البيان" ١٦/ ١٩٥، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٣ أ، "بحر العلوم" ٢/ ٣٥١، "النكت والعيون" ٣/ ٤١٧، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٨، "تفسير مقاتل" ٥ ب.
(٩) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧٠.
وقال فضيل الناجي (٣): (اتبع السنة) (٤).
وقال زيد بن أسلم: (علم علما يحسن به عمله. قال: يقول: ﴿اهْتَدَى﴾ كيف يعمل) (٥). ونحو هذا قال ابنه: (أصاب العمل بالعلم) (٦).
٨٣ - قوله تعالى: ﴿وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى﴾، قال المفسرون: (كانت المواعدة أن يوافي موسى وجماعة من وجوه قومه، فسار موسى بهم، ثم عجل من بينهم شوقا إلى ربه، وخلف السبعين يلحقون به على أثره) (٧). فقال الله تعالى: ﴿وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى﴾
(٢) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٨، "زاد المسير" ٥/ ٣١٢، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٣١، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٧٩، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٤.
(٣) فضيل الناجي. ذكره ابن حجر في "التهذيب" وقال: مجهول، وعنه حفص بن حميد القمي.
انظر: "تهذيب التهذيب" ٨/ ٢٧٠، "تهذيب الكمال" ٢٣/ ٣١١، "تقريب التهذيب" ٢/ ١١٤.
(٤) "الكشف والبيان" ٣/ ٢٣ أ.
(٥) "الكشف والبيان" ٣/ ٢٣ أ، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٨، "زاد المسير" ٥/ ٣١٢.
(٦) "جامع البيان" ١٦/ ١٩٥، "النكت والعيون" ٣/ ٤١٧، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٣١.
(٧) "جامع البيان" ١٦/ ١٩٥، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٣ أ، "بحر العلوم" ٢/ ٣٥١، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٨، "زاد المسير" ٥/ ٣١٢.
٨٤ - فقال موسى: ﴿هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي﴾ وذكرنا معنى أولاء عند قول: ﴿هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ﴾ [آل عمران: ١١٩]، ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾ قال الكلبي: (لتزداد رضا) (٢).
٨٥ - قوله تعالى: ﴿قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ﴾ قال أبو إسحاق: (أي ألقيناهم في فتنة ومحنة من بعدك) (٣).
وقال ابن الأنباري: (صيرناهم مفتونين أشقياء بعبادة العجل لما سبق لهم في حكمنا من بعد انطلاقك من بينهم) (٤).
﴿وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ﴾ قال ابن عباس: (يريد أن الضلالة كانت على يدي السامري) (٥). يعني أنه كان سبب إضلالهم حين دعاهم إلى الضلالة، كما قال الكلبي: (فهم السامري إلى عبادة العجل) (٦).
(٢) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "بحر العلوم" ٢/ ٣٥١، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٣ أ، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٨، "زاد المسير" ٥/ ٣١٣.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧١.
(٤) ذكره الشوكاني في "فتح القدير"، وقال ابن سعدي في "تفسيره" ٥/ ١٨٠: ابتليناهم اختبرناهم فلم يصبرا وحين وصلت إليهم المحنة كفروا.
(٥) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "المحرر الوجيز" ١٠/ ٧، "معالم التزيل" ٥/ ٢٨٨، "النكت والعيون" ٣/ ٤١٨، "زاد المسير" ٥/ ٢١٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٣٣.
(٦) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٩، "روح المعاني" ١٦/ ٢٤٤، "روح البيان" ٥/ ٤١٤.
وقال في رواية عطاء: (كان السامري رجلًا من القبط، جارًا لموسى آمن به وصدقه وخرج معه فابتلي) (٣).
وقال أبو إسحاق: (الأكثر في التفسير: أنه كان عظيمًا من عظماء بني إسرائيل من قبيلة تعرف بالسَّامِرَة (٤) وهم إلى هذه الغاية في الشام تعرف بالسامريين) (٥).
وروي عن راشد بن سعد (٦) أنه قال: (قال الله لموسى: إن قومك
انظر: "معجم البلدان" ١/ ٣١٣.
(٢) "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٢، "الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٣٣، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٥، "التفسير الكبير" ٢٢/ ١٠١.
(٣) "الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٣٤، "التفسير الكبير" ٢٢/ ١٠١، "روح المعاني" ١٦/ ٢٤٤.
(٤) في (ص): (السامري).
(٥) "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٤٧، "الكشاف" ٢/ ٥٤٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٣٤، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧١، "التفسير الكبير" ٢٢/ ١٠١.
(٦) راشد بن سعد المقرائي، ويقال: الحيراني الحمصي، تابعي ثقة، كان من أثبت أهل الشام، شهد صفين مع معاوية -رضي الله عنه-، روى عن: ثوبان، وسعد بن أبي وقاص، وأبي الدرداء، وعمرو بن العاص وغيرهم، وروى عنه: صفوان بن عمرو، ومعاوية بن صالح، وعلي بن أبي طلحة، وغيرهم كثير، توفي -رحمه الله- سنة ١١٣ هـ. =
وقال عطاء عن ابن عباس: (قال موسى: يا رب هذا السامري أخرج لهم عجلًا من حليهم، فمن جعل له الجسد والخوار (٢)؟ قال الله تعالى: أنا. قال موسى: وعزتك، وجلالك، وارتفاعك، وعلو سلطانك ما أضلهم غيرك. قال: صدقت يا حكيم الحكماء) (٣).
٨٦ - قوله تعالى: ﴿فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا﴾ سبق الكلام في هذا في سورة الأعراف (٤). ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا﴾
(١) "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٥، "روح المعاني" ١٦/ ٢٤٧.
(٢) الخَوار: صوت الثور، وما اشتد من صوت البقرة والعجل، تقول: خَار يَخُور خَوارا.
انظر: "تهذيب اللغة" (خار) ١/ ٩٥٩، "القاموس المحيط" (الخوار) ٢/ ٢٥، "الصحاح" (خور) ٢/ ٦٥١، "لسان العرب" (خور) ٣/ ١٢٨٥.
(٣) "الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٣٥، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٤، "روح المعاني" ١٦/ ٢٤٧. ولعل هذه من الروايات الإسرائيلية التي رويت في هذا الباب.
(٤) عند قوله سبحانه في سورة الأعراف الآية رقم: (١٥٠): ﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا﴾.
وقال مجاهد: (﴿فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي﴾ قال عهدي) (٣). يعني ما عهد إليهم موسى وأوصاهم به من الإقامة على طاعة الله. وقيل في التفسير: (﴿فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي﴾ أي: تركتم السير على أثري) (٤). وهذا إنما يصح لو روي أن موسى وعدهم ذلك، ولم نر في شيء من الروايات أن موسى وعد قومه: أن يسيروا على أثره.
وقال ابن الأنباري: (﴿فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي﴾ أي: نسبتموه إلى الخلاف) (٥). يعني وعده بالرجوع إليهم.
٨٧ - قوله تعالى: ﴿قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا﴾ قال قتادة:
(٢) "الكشف والبيان" ٣/ ٢٣ أ، "بحر العلوم" ٢/ ٣٥١، "النكت والعيون" ٣/ ٤١٨، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٩، "زاد المسير" ٥/ ٣١٣.
(٣) "زاد المسير" ٥/ ٣١٣، "التفسير الكبير" ٢٢/ ٢٠٢، "تفسير مجاهد" ٤٦٤.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ١٩٦، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٤٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٣٤.
(٥) ذكر نحوه بلا نسبة القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٣٤، والرازي في "التفسير الكبير" ٢٢/ ١٠٢.
وقال مجاهد: (بأمر نملكه) (٤).
قال الفراء: (في التفسير إنا لم نملك الصواب وإنما أخطأنا) (٥).
وحكى الزجاج أيضًا: (﴿مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ﴾ بأن ملكنا الصواب) (٦). ومعنى هذا أنهم أقروا على أنفسهم بالخطأ، وقالوا: إنا لم نملك أمرنا حتى وقعنا بالذي وقعنا فيه من الفتنة، وهذا التفسير لا يطرد عليه نظم الآية، ولا يبقى معه معنى كقراءة من قرأ: بِمُلْكِنَا بالضم (٧). ولكان يجب أن يقولوا: فأخرج لنا عجلًا جسدًا، ولكن الصحيح ما ذكره بعض أهل التفسير: (أن هذا من قول المؤمنين الذين لم يعبدوا العجل) (٨). ولعل هذا أصح؛ لأن العتاب جرى معهم في سوء خلافتهم من ترك الإنكار على عبدة العجل، فقالوا له: ما أخلفنا موعدك الذي وعدناك من حسن الخلافة، ونحن نملك
(٢) "الكشف والبيان" ٣/ ٢٣ أ، "تفسير مقاتل" ٥ ب.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ١٩٧، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٧، "فتح القدير" ٣/ ٥٤٤.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ١٩٧، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٧.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٨٩.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧١.
(٧) قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر: (بمِلْكِنَا) بكسر الميم. وقرأ نافع، وعاصم: (بِمَلْكِنَا) بفتح الميم. وقرأ حمزة، والكسائي: (بِمُلْكِنَا) بضم الميم.
انظر: "السبعة" ٤٢٢، "الحجة" ٥/ ٢٤٤، "التبصرة" ٢٦١، "النشر" ٢/ ٣٢١.
(٨) "النكت والعيون" ٣/ ٤١٨، "زاد المسير" ٥/ ٣١٤، "التفسير الكبير" ٢٢/ ١٠٢، "أضواء البيان" ٤/ ٤٩٤.
وأكثر القراء: بِمِلْكِنَا بالكسر (٢). والتقدير: بملكنا أمرنا، فأضيف المصدر إلى الفاعل وحذف المفعول، كما أنه قد يضاف إلى المفعول، ويحذف الفاعل في نحو: ﴿دُعَاءِ الْخَيْرِ﴾ [فصلت: ٤٩]، ﴿بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ﴾ [ص: ٢٤]، ومن قرأ: بِمِلكنا فهو المصدر الحقيقي يقال: مَلَكْتُ الشيء أَمْلِكُه مَلْكًا، والمِلْكُ ما مُلِكَ مثل: الطَّحْن والطِّحْن، والسَّقي والسِّقي، وقد وضع الاسم موضع المصدر، كما قال (٣):
وَبَعْدَ عَطائِكَ المِائَةَ الرَّتَاعَا
(٢) قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر: (بِمِلْكِنَا) بكسر الميم.
انظر: "السبعة" ص ٤٢٢، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٤٤، "المبسوط في القراءات" ٢٥٠، "حجة القراءات" ٤٧١.
(٣) هذا عجز بيت للقطامي من قصيدة يمدح فيها زفر بن الحارث الكلابي، وصدر البيت:
أَكُفْرأَ بَعَدَ رَدِّ الموْتِ عِنِّي
الرتاع: الإبل الراعية. يقول: لا أكفر معروفك بعد أن أطلقتني من الأسر، وأعطيتني مائة من الإبل الرتاع. انظر: "ديوانه" ص ٣٧، "تذكرة النحاة" ص ٤٥٦، "خزانة الأدب" ٨/ ١٣٦، "الشعر والشعراء" ٢/ ٧٢٣، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٤٥، "الخصائص" ٢/ ٢٢١، "شرح المفصل" ١/ ٢٠، "همع الهوامع" ١/ ١٨٨، "لسان العرب" (عطا) ٥/ ٣٠٠١.
ومن قرأ: بِمُلكنا بضم الميم فمعناه بقدرتنا وسلطاننا، يعني لم نقدر على ردهم، وأنكر أبو عبيد هذه القراءة (٢)، فقال: (المُلْك إنما هو من السلطان والعزة، وأي مُلْك كان لبني إسرائيل يومئذ، وإنما كانوا بمصر مستضعفين) (٣). كما قال الله تعالى: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ﴾ [الأعراف: ١٣٧] وقال: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [القصص: ٥]. فليس الأمر كما ذهب إليه؛ لأنه ليس معنى الملك هاهنا: السلطان الشديد والكبرياء، وإنما معناه: القدرة فقط (٤). وأصل الملك راجع إلى معنى واحد ذكرناه عند قوله: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة: ٤].
على أن أبا الحسن الأخفش حكى: (أن الملك مصدر في المالك) (٥). وحكى الفراء: (مَالِي مُلْك أي: شيء أَمْلِكُه) (٦). وعلى هذا معنى الوجوه كلها واحد (٧).
(٢) لعل الإنكار للمعنى وليس للقراءة، فالقراءة ثابتة بالتواتر فلا يجوز إنكارها.
(٣) "غريب الحديث" لأبي عيدة ٣/ ١٣٦، "جامع البيان" ١٦/ ١٩٨، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٤٥.
(٤) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٤٥.
(٥) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٤٥.
(٦) "معاني الفراء" للفراء ٢/ ١٨٩.
(٧) قال ابن جرير الطبري "تفسيره" ١٦/ ١٩٩: وكل هذا الأقوال الثلاثة في ذلك متقاربات المعنى؛ لأن من لم يملك نفسه لغلبة هواه على ما أمر فإنه لا يمتنع في اللغة أن يقول فعل فلان هذا الأمر وهو لا يملك نفسه وفعله وهو لا يضبطها، =
وقال مجاهد: (أوزارًا من زينة الحلي الذي استعاروه من آل فرعون وهي الأثقال) (٤). وهذا قول ابن عباس، والسدي، وابن زيد (٥). والأكثرين: أن (الأوزار) هي الأحمال، و ﴿زِينَةِ الْقَوْمِ﴾ حلي آل فرعون استعارة بنو إسرائيل قبل خروجهم من مصر فبقي في أيديهم، وكان موسى قد أمرهم بذلك (٦).
وقال الزجاج: (يعنون بالأوزار: حليا كانوا أخذوها من آل فرعون،
(١) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ١٨، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٣، "جامع البيان" ١٦/ ١٩٩، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٤٧، "النكت والعيون" ٣/ ٤١٨.
(٢) العارية والعارة: ما تداولوه بينهم، وقد أعاره الشيء وأعاره منه، والمعاورة والتعاور: شبه المداولة والتداول في الشيء يكون بين اثنين، واستعار الشيء واستعاره منه: طلب منه أن يعيره إياه.
انظر: "تهذيب اللغة" (عار) ٣/ ٢٢٧٣، "القاموس المحيط" (العور) ٢/ ٩٧، "لسان العرب" (عور) ٥/ ٣١٦٥، "مختار الصحاح" (عور) ص ٤٦٢.
(٣) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ١٨، "جامع البيان" ١٦/ ١٩٩.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ١٩٩، "النكت والعيون" ٣/ ٤١٨، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٤٧.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ١٩٩، "النكت والعيون" ٣/ ٤١٨.
(٦) "جامع البيان" ١٦/ ١٩٩، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٣ ب، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٤٧، "النكت والعيون" ٣/ ٤١٨، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٩.
وقرئ: بالتشديد وضم الحاء (٥). المعنى: جعلونا نحمل، وحُمِلْنا على ذلك وأُردنا له وكلفنا حمله، ومن قرأ: حَمَلْنا أراد أنهم فعلوا ذلك. قال أبو عبيد: (وهو الاختيار؛ لأنّ التفسير قد جاء أنهم حملوا معهم ما كان في أيديهم من حلي آل فرعون) (٦).
وقوله تعالى: ﴿فَقَذَفْنَاهَا﴾ أي: طرحناها، واختلفوا أين طرحوها؟ وكيف فعلوا؟ فقال قتادة: (لما مضت ثلاثون يومًا ولم يرجع موسى قال السامري: هذه العقوبة التي أصابتكم بتخلف موسى عن الوقت الذي وقته
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٨٩.
(٣) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٩.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" (وزر) ٤/ ٣٨٨٣، "القاموس المحيط" (الوزر) ٢/ ١٥٤، "الصحاح" (وزر) ٢/ ٨٤٥، "لسان العرب" (وزر) ٨/ ٤٨٢٣.
(٥) قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم: (حُمِّلنا) بضم الحاء وتشديد الميم، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: (حَمَلنا) بفتح الحاء وتخفيف الميم. انظر: "السبعة" ص ٤٢٣، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٤٦، "حجة القراءات" ص ٤٦٢، "المبسوط في القراءات" ص ٢٥٠.
(٦) "تفسير القرآن" للصنعانى ٢/ ١٧.
وقال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير: (قال لهم هارون: إنكم تحملتم أوزارًا من زينة آل فرعون فتطهروا منها، فإنها نجسة، وأوقد لهم ناراً وقال: اقذفوا ما كان معكم من ذلك فيها. قالوا: نعم فجعلوا يأتون بما كان معهم من تلك الحلي فيقذفونها فيه، حتى استلب الحلي فيها) (٣). وعلى هذا معنى ﴿فَقَذَفْنَاهَا﴾ ألقيناها في النار. ونحو هذا ذكر الزجاج (٤).
وقال السدي: (قال هارون لهم: إن الحلي غنيمة ولا تحل لكم الغنيمة فاحفروا لهذا الحلي حفرة فاطرحوه فيها) (٥). وعلى هذا المعنى فقذفناها في الحفرة.
قوله تعالى: ﴿فَكَذَلِكَ﴾ أي: فكما ألقيت (ألقى السامري) قال ابن عباس في رواية عطاء: (يريد ألقى الحلي -وهو الذهب- في النار) (٦).
وهذا اختيار الزجاج والفراء، قالا: (وكذلك فعل السامري؛ أي:
(٢) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ١٧.
(٣) "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٢، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٩، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٦.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧٢.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٠، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٩، "روح المعاني" ١٦/ ٢٤٧.
(٦) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١٩٩، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٧٦، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٠ منسوب لابن عباس، "زاد المسير" ٥/ ٣١٥، "الكشاف" ٢/ ٥٥٠، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٨٠.
قال قتادة: (وقد كان صر في عمامته قبضة من أثر فرس جبريل يوم جاوز ببني إسرائيل فقذفها فيها) (٤). فهذا معنى قول ابن عباس في رواية السدي عن أبي مالك عنه (٥). وعلى هذا معنى ﴿أَلْقَى﴾ ألقى القبضة التي كانت معه من التراب. ولعل الأقرب هذا القول (٦)؛ لأن الله تعالى أتبعه.
٨٨ - بقوله: ﴿فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا﴾ قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: (لما أسبكت الحلي في النار أقبل السامري إلى النار، فقال لهارون: يا نبي الله ألقي ما في يدي؟ قال: نعم، ولا يظن هارون إلا أنه لبعض ما جاء به غيره من تلك الحلي والأمتعة، فقذفه فيها، وقال: كن عجلًا جسدًا له
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٣٥، "تفسير مجاهد" ٤٦٥.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ١٩٩، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٤٧، "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٢، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٣٥.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ١٩٩، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٠، وذكر نحوه الصنعاني في "تفسير القرآن" ٢/ ١٧.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٠، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٨٠، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٥.
(٦) قال ابن عطية ١٠/ ٧٢: وروي -وهو الأصح الأكثر-: (أنه ألقى الناس الحلي في حفرة أو نحوها وألقى هو عليه القبضة فتجسد العجل، وهذا وجه فتنة الله تعالى لهم، وعلى هذا انخرقت للسامري عادة، وأما على أن يصوغه فلم تنخرق له عادة وإنما فتنوا حينئذٍ بخواره فقط، وذلك الصوت قد تولد في الأجرام بالصنعة).
وقال السدي عن أبي مالك عن ابن عباس: (قال لهم هارون: اجمعوا هذا الحلي حتى يجيء موسى فيقضي فيه، قال: فجمع ثم أذيب، فلما ألقى السامري القبضة تحول عجلًا جسدًا له خوار) (٢).
وقال علي بن أبي طالب: (لما تعجل موسى إلى ربه، عمد السامري فجمع ما قدر عليه من حلي نساء بني إسرائيل، فضربه عجلًا ثم ألقى القبضة في جوفه فإذا هو عجل جسد له خوار) (٣).
وقال قتادة: (ضربها صورة بقرة، وقذف فيها القبضة فأخرج لهم عجلًا جسدًا له خوار، فجعل يخور خوار البقرة) (٤).
وقال ابن عباس في رواية عطاء: (﴿فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا﴾ يريد لحماً ودمًا ﴿لَهُ خُوَارٌ﴾ كما يخور الحي من العجول) (٥). وذكر في التفسير وحكاه الزجاج (٦). وهو قول ابن عباس في رواية عكرمة: (أن هارون مر بالسامري وهو يصنع العجل، فقال له: ما تصنع؟ قال: اصنع ما ينفع ولا يضر. وقال: ادع. فقال: اللهم أعطه ما يسأل كما يجب. فسأل الله أن
(٢) "النكت والعيون" ٣/ ٤١٩.
(٣) "بحر العلوم" ٢/ ١٥٢، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٥.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٠، "النكت والعيون" ٣/ ٤١٩، وذكر نحوه الصنعاني في "تفسير القرآن" ٢/ ١٧.
(٥) "بحر العلوم" ٢/ ١٥٢، "الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٣٥.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧٢.
وقال الحسن: (صور بقرة صاغها من الحلي الذي كان معهم ثم ألقى عليها من أثر فرس جبريل فانقلبت حيوانًا يخور) (٢).
وقال مجاهد: (خواره حفيف الريح إذا دخلت جوفه) (٣).
قال أبو إسحاق: (الذي قاله مجاهد من أن الخوار حفيف الريح، فيه أسوغ إلى القبول؛ لأنه شيء ممكن، والتفسير الآخر من: أنه خار، ممكن في محنة الله) (٤).
وقوله تعالى: ﴿فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى﴾ أكثر أهل التفسير: (فقال السامري هذا إلهكم [وإله موسى) (٥).
وروي عن علي -رضي الله عنه-: (فقال لهم السامري: هذا إلهكم)] (٦) (٧).
وقال قتادة: (فقال عدو الله: هذا إلهكم) (٨).
(٢) "النكت والعيون" ٣/ ٤١٩.
(٣) "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٤٨، "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٢، "النكت والعيون" ٣/ ٤١٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٣٥.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧٢.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ٢٠١ "زاد المسير" ٥/ ٣١٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٣٦، "روح المعاني" ١٦/ ٢٤٨.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (س).
(٧) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "النكت والعيون" ٢/ ٤١٢، "زاد المسير" ٥/ ٣١٥ "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٣٦، "لباب التأويل" ٤/ ٢٧٧، "إرشاد العقل السليم" ٦/ ٣٦.
(٨) "المحرر الوجيز" ١١/ ٩٩، "زاد المسير" ٥/ ٣١٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٣٦، روح المعانى ١٦/ ٢٤٨.
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: (عكفوا عليه وأحبوه حبًّا لم يحبوه شيئًا قط) (١).
وقوله تعالى: ﴿فَنَسِيَ﴾ روي السدي عن أبي مالك عن ابن عباس في قوله: ﴿فَنَسِيَ﴾ قال: (إن موسى ذهب يطلب ربه فضل ولم يعلم مكانه) (٢). ونحو هذا قال في رواية عطاء: (أي ضل وأخطأ الطريق) (٣).
وروى سماك بن حرب عنه قال: (نسي موسى أن يذكر لكم أن هذا إلهه وإلهكم) (٤). ونحو هذا روى عكرمة عنه (٥).
وقال السدي: (﴿فَنَسِيَ﴾ يقول: ترك موسى إلهه هاهنا وذهب يطلبه) (٦).
وقال قتادة: (يقول: إن موسى إنما طلب هذا، ولكنه نسيه وخالفه في طريق آخر) (٧). وعلى هذا قوله: ﴿فَنَسِيَ﴾ إخبار عن السامري [أنه قال ذلك.
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ٢٠١ "تفسير القرآن" ٣/ ١٨٠، وذكره "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٠ بدون نسبة، وكذلك "المحرر الوجيز" ١/ ٧٨.
(٣) "زاد المسير" ٥/ ٣١٥، "البحر المحيط" ٦/ ٢٦٩، "روح المعاني" ١٦/ ٢٤٨، وذكره "معالم التنزيل" ٣/ ٢٢٨ بدون نسبة، وكذلك "القرطبي"١١/ ٢٣٦.
(٤) "القرطبي" ١١/ ٢٣٦، "ابن كثير" ٣/ ١٨٠، وذكره نحوه "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٧.
(٥) "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٢، "زاد المسير" ٥/ ٣١٥، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٨٠، "أضواء البيان" ٤/ ٤٩٧.
(٦) "جامع البيان" ١٦/ ٢٠١ وذكره "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٣٦ بدون نسبة.
(٧) "جامع البيان" ١٦/ ٢٠١ "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٢، "النكت والعيون" ٣/ ٤١٩، "زاد المسير" ٥/ ٣١٥، "البحر المحيط" ٦/ ٢٦٩.
٨٩ - ﴿أَفَلَا يَرَوْنَ﴾ قال المبرد: (أفلا يعلمون؛ لأن رأيت على ضربين: على رؤية القلب، وعلى رؤية العين، وما كان من رؤية القلب فالمراد به العلم) (٤).
وقوله تعالى: ﴿أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا﴾ قال أبو إسحاق: (الاختيار الرفع ويكون المعنى: أنه لا يرجع، كما قال: ﴿أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ﴾ [الأعراف: ١٤٨]، قال: ويجوز أن لا يرجع ينتصب بأن) (٥).
قال المبرد: (﴿أَنَّ﴾ هاهنا مخففة من الثقيلة والمعنى: أنه لا يرجع، كقوله: ﴿عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ﴾ [المزمل: ٢٠]، ولا يكون بعد العلم إلا ثقيلة، ومخففة من الثقيلة، وتخفف إذا جئت بالعوض نحو: السنن وسوف، نحو:
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل ومن نسخة (ص).
(٣) قال ابن جرير في الطبري -رحمه الله- في "تفسيره" ١٦/ ٢٠١: (والذي هو أولى بتأويل ذلك القول الذي ذكرناه عن هؤلاء وهو أن ذلك خبر من الله عز ذكره عن السامري أنه وصف موسى بأنه نسي ربه، وأن ربه الذي ذهب يريده هو العجل الذي أخرجه السامري، لإجماع الحجة من أهل التأويل عيه وأنه عقيب ذكر موسى، وهو أن يكون خبرًا من السامري عنه بذلك أشبه من غيره).
(٤) ذكره نحوه في "المقتضب" ٢/ ٣١.
(٥) "معانى القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧٣
وهذا الفصل مستقصى عند قوله: ﴿وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [المائدة: ٧١]، ومعنى ﴿أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا﴾ لا يكلمهم ولا يرد لهم جوابًا، كما قال في هذا المعنى: ﴿أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ﴾ [الأعراف: ١٤٨].
وقوله تعالى: ﴿وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا﴾ توبيخ لهم إذا عبدوا من لا يملك ضرًا من ترك عبادته، ولا ينفع من عبده، وتركوا عبادة من يملكها.
٩٠ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ﴾ أي: من قبل أن يأتي موسى، وذلك أنه لما رأى ما وقعوا فيه قال لهم: ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ﴾ قال عطاء عن ابن عباس: (ضللتم به) (٣). وقيل: (ابتليتم به) (٤). ﴿وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ﴾ لا العجل ﴿فَاتَّبِعُونِي﴾ في عبادته ﴿وَأَطِيعُوا أَمْرِي﴾ ولا أمر السامري، فعصوه.
٩١ - وقالوا: ﴿لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ﴾ لن نزال مقيمين على عبادة العجل (٥). ﴿حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى﴾ فلما رجع موسى.
(٢) "المقتضب" ٣/ ٧.
(٣) ذكره القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٣٦ بدون نسبة.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٢، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٣ ب، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٧٨، "زاد المسير" ٥/ ٣١٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٣٦.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٢، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٠، "زاد المسير" ٥/ ٣١٦. "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٣٧.
٩٣ - ﴿أَلَّا تَتَّبِعَنِ﴾ لا زائدة (٢) أي: ما منعك من اتباعي واللحوق بي، وترك المقام بين أظهرهم ليرغبهم خروجك من بينهم (٣). وقيل: (من اتباعي في الإنكار عليهم) (٤).
﴿أفَعَصَيْتَ أَمْرِي﴾ هو قال ابن عباس: (يريد أن مقامك بينهم وقد عبدوا غير الله عصيان منك) (٥). وعلى هذا إنما عذله على المقام فيما بينهم وقد كفروا، ثم أخذ برأس أخيه غضبًا منه عليه. الكلبي: (أخذ شعره بيمينه ولحيته
(٢) قال ابن عطية في "المحرر الوجيز" ١٠/ ٨٠: (ذهب حذاق النحاة إلى أنها مؤكدة وأن في الكلام فعلًا مقدرًا كأنه قال ما منعك ذلك أو حضك أو نحو هذا على أن لا تتبعن وما قبل وما بعد يدل على هذا ويقتضيه). وقال الزركشي في "البرهان" ٣/ ٩٠: (وقيل ليست بزائدة من وجهين:
١ - أن التقدير ما دعاك إلى ألا تتبعني؛ لأن الصارف عن الشيء داع إلى تركه فيشتركان في كونهما من أسباب عدم الفعل.
٢ - إن التقدير: ما منعك من ألا تتبعني، وهذا أقرب مما قبله؛ لأن فيه إبقاء المنع على أصله، وعدم زيادتها أولى؛ لأن حذف حرف الجر مع أنه كثير لا تصل إلى المجاز، والزيادة في درجتها. قالوا: وفائدة زيادتها تأكيد الإثبات، فإن وضع ﴿لَا﴾ نفي ما دخلت عليه فهي معارضة للإثبات ولا يخفى أن حصول الحكم مع المعارض أثبت مما إذا لم يعترضه المعارض أو أسقط معنى ما كان من شأنه أن يسقط). وانظر: "النبأ العظيم" الدكتور محمد عبد الله دراز ١٣٠ - ١٣٦.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٢، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٣ ب، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩١.
(٤) "زاد المسير" ٥/ ٣١٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٣٨.
(٥) "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٣٧.
٩٤ - ﴿قَالَ ابْنَ أُمَّ﴾ أضافه إلى الأم دون الأب ترقيقًا واستعطافًا، هذا معنى قول الكلبي (٣).
وقال أبو إسحاق: (وقيل في هارون إنه لم يكن أخا موسى لأبيه وكان أخاه لأمه) (٤). وقرئ: (يابن أم) بالكسر والفتح (٥). وذكرنا الوجه في سورة الأعراف (٦).
(٢) عند قوله سبحانه: ﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ﴾ [الأعراف: ١٥٠] الآية.
(٣) "الكشف والبيان" ٣/ ٢٣ ب، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٨١، "روح المعاني" ١٦/ ٢٥ وقال: (فإن الجمهور على أنهما كان شقيقين).
(٤) ذكر هذا القول "الكشف والبيان" ٣/ ٢٣ ب، ولم أجده بهذا اللفظ عند الزجاج، والذي ورد في "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧٣ قوله: وقد قيل في هارون إنه لم يكن أخا موسى لأمه.
وقال ابن عطية في "المحرر الوجيز" ١٠/ ٨١: وقالت فرقة لم يكن هارون أخا موسى إلا من أمه، وهذا ضعيف.
(٥) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم: (يابن أمَّ) بفتح الميم، وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وعاصم في رواية أبي بكر: (يابن أمِّ) بكسر الميم. انظر: "السبعة" ٤٢٣، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٤٨، "العنوان في القراءات" ص ١٣٠.
(٦) عند قوله سبحانه في سورهَ الأعراف الآية رقم (١٥٠): ﴿قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾.
قال ابن الأنباري: (وقع في نفس موسى أن هارون (٣) عصى الله بترك اتباعه، فأخذ بلحيته ورأسه غضبًا لله، وتأديبًا لهارون) (٤).
وقوله تعالى: ﴿إِنِّي خَشِيتُ﴾ قال ابن عباس: (يريد إن أنا أتيتك) (٥) بمعنى: إن فارقتهم واتبعتك ﴿أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ قال ابن عباس: (يريد (٦): جماعتهم) (٧). وذلك أنه لو لحق بموسى لصاروا أحزابًا: حزب يسيرون معه، وحزب يتخلفون عنه مع الإيمان والإنكار على عبدة العجل، وحزب مع السامري، فلا يؤمن أن يصيروا في الخلاف إلى تسافك، فاعتذر بما مثله يقبل؛ لأنه وجه من وجوه الرأي (٨).
(٢) "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٥٥.
(٣) في (ص): (أن موسى)، وهو تصحيف.
(٤) ذكره ابن الجوزي بلا نسبة في "زاد المسير" ٥/ ٣١٧.
(٥) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة انظر: "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩١، "زاد المسير" ٥/ ٣١٧، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٣٩، "روح المعاني" ١٦/ ٢٥١.
(٦) قوله: (يريد)، ساقط من نسخة (س).
(٧) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٣، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩١، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٣٩، "لباب التأويل" ٤/ ٢٧٨.
(٨) "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٤، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٣ ب، "القرطبي" ١١/ ٢٣٩.
وقال ابن جريج في قوله: (ألا تتبعني) أي: في شدة الزجر لهم عن الكفر بالله وعبادة غير الله) (٢).
وقال في قوله: ﴿خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾: (خشيت من العنف بهم أن يتفرقوا أحزابًا فيقتل بعضهم بعضًا) (٣). فلما اعتذر هارون بهذا العذر.
٩٥ - قال موسى للسامري: ﴿فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ﴾ قال ابن عباس: (يريد ما قصتك) (٤).
قال المفسرون: (ما شأنك الذي دعاك إلى ما صنعت) (٥). وأصل الخطب: الجليل من الأمر، كأنه قيل له: ما هذا الأمر العظيم الذي صنعت (٦). وقال الزجاج: (ما أمرك الذي تخاطب به) (٧).
(٢) ذكرته كتب التفسير نحوه بدون نسبة انظر: "النكت والعيون" ٣/ ٤٢٠، "زاد المسير" ٥/ ٣١٧، "القرطبي" ١١/ ٢٣٧، "لباب التأويل" ٤/ ٢٧٨.
(٣) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩١، "زاد المسير" ٥/ ٣١٧، "القرطبي" ١١/ ٢٣٩.
(٤) ذكره "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٣٩ بدون نسبة.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٤، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٤ أ، "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٣، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩١، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٨٢.
(٦) انظر: "تهذيب اللغة" (خطب) ١/ ١٠٥٢، "القاموس المحيط" (الخطب) ١/ ٦٢، "لسان العرب" (خطب) ٢/ ١١٩٤، "المفردات في غريب القرآن" (خطب) ١٥٠.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧٤.
وقال ابن عباس: (عرفت مالم تعرفوا) (٣).
وقرئ: ﴿يَبْصُرُوا﴾ بالياء والتاء (٤). من قرأ بالياء فالمعنى: بصرت بما لم يبصر به بنو إسرائيل، ومن قرأ بالتاء: صرف الخطاب إلى الجميع. قال له موسى: وما الذي أبصرت دون بني إسرائيل؟ قال: ﴿فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ﴾ قال ابن عباس وجميع المفسرين: (يريد أثر فرس جبريل) (٥).
قال أبو إسحاق: (كان رأى فرس جبريل، فقبض قبضة من تراب حافر الفرس) (٦).
وروى السدي عن أبي عمارة (٧) عن علي -رضي الله عنه- قال: (إن جبريل لما نزل
(٢) مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٢٦.
(٣) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "الكشف والبيان" ٣/ ٢٤ أ، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩١، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٣٩، "التفسير الكبير" ٢٢/ ١١٣.
(٤) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم: (يبصروا) بالياء. وقرأ حمزة، والكسائي: (تبصروا) بالتاء.
انظر: "السبعة" ٤٢٤، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٤٩، "التبصرة" ٢٦١، "النشر" ٢/ ٣٢٢.
(٥) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ١٧، "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٥، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٤ أ، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٤٩.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧٤.
(٧) قيس أبو عمارة الفارسي مولى الأنصار، وقيل: مولى سودة بنت سعد مولاة بني =
انظر: "الجرح والتعديل" ٧/ ١٠٦، "الثقات" ٩/ ١٥، "تهذيب التهذيب" ٨/ ٤٠٦، "الكاشف" ٢/ ٤٠٣، "تهذيب الكمال" ٢٤/ ٨٩.
(١) "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٣٩، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٨١ وقال: غريب. "التفسير الكبير" ٢٢/ ١١٠، "روح المعاني" ١٦/ ٢٥٣.
(٢) ويشهد لهذا قوله سبحانه: ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٣٨].
(٣) ذكره الصنعاني مختصرًا في "تفسير القرآن" ٢/ ١٧، وذكره "القرطبي" ١١/ ٢٣٩ بدون نسبة، وأورد نحوه ابن كثير ٣/ ١٨٢. وقد ورد في حديث الفتون عن ابن عباس ما يخالف ذلك فقد قال: (اجتمع ما كان في الحفرة من متاع أو حلية أو نحاس أو حديد فصار عجلًا أجوف ليس فيه روح له خوار، ثم قال ابن عباس: والله ما كان له صوت قط إنما كانت الريح تدخل دبره فتخرج من فيه، وكان ذلك الصوت من ذلك).
انظر: "مجمع الزوائد" كتاب التفسير - سورة طه ٧/ ٦٤.
وقوله: إنها إذا جعلت في موات حي، فذلك قوله: ﴿بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ﴾ أي: من أثر فرسه يعني من حيث وضع عليه حافره ﴿فَنَبَذْتُهَا﴾ وألقيتها في صورة العجل ﴿وَكَذَلِكَ﴾ وكما حدثتك يا موسى ﴿سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي﴾ زينت لي نفسي من أخذ القبضة وإلقائها في صورة العجل.
٩٧ - قوله تعالى: ﴿قَالَ فَاذْهَبْ﴾ روي في التفسير: (أن موسى -عليه السلام- همَّ بقتل السامري، فنهاه الله عن ذلك وقال: لا تفعل، فإنه سخي) (٢) (٣).
ولعل هذا القول من الروايات الإسرائيلية التي ذكرت في هذا الباب.
(٢) السخاوة والسخاء: الجود، والسخي: الجواد. انظر: "تهذيب اللعة" (سخا) ٧/ ٤٨٧، "القاموس المحيط" (السخي) ٤/ ٣٤١، "لسان العرب" (سخا) ٩/ ٢٠٨، "مختار الصحاح" (سخا) ٢٩١.
(٣) "الكشف والبيان" ٣/ ٢٤ أ، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤١، "روح المعاني" ١٦/ ٢٥٦. وهذا القول من الروايات الإسرائيلية التي ذكرها أهل التفسير في هذه الآية.
قال الكلبي: (يقول: لا يخالط أحداً ولا يخالطك) (٤). وأمر موسى بني إسرائيل أن لا يخالطوه ولا يؤاكلوه ولا يقربوه (٥).
وقال أبو إسحاق: (التأويل: أن موسى حرم (٦) مخالطة السامري، والمعنى: أنك في الدنيا لا تخالط جزاء لفعلك) (٧). وعلى هذا كأن موسى صيره مهجورًا، وأمر قومه بمجانبته، وأن لا يخالطوه ولا يؤاكلوه ولا يبايعوه، هذا معنى ما ذكر في هذه الآية (٨). غير أن اللفظ لا يدل على هذا؛ لأنه إذا هجر لم يقل: لا مساس إنما يقال له ذلك (٩).
(٢) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٢، "روح المعاني" ١٦/ ٢٥٦.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" (مس) ٤/ ٣٣٩، "مقاييس اللغة" (مس) ٥/ ٢٧١، "لسان العرب" (مسس) ٧/ ٤٢٠١، "المفردات في غريب القرآن" (مسس) ص ٤٦٧.
(٤) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٦، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٤ أ، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٠.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٦، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٤ أ، "النكت والعيون" ٣/ ٤٢٤، "معالم التنزيل" ٣٥/ ٢٩٢.
(٦) قوله: (حرم)، ساقط من نسخة (ص).
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٧٣.
(٨) "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٦، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٤ أ، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٨٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٠.
(٩) قال الرازي -رحمه الله- في "تفسيره" ٢٢/ ١١٣: وهذا الإعتراض ضعيف؛ لأن الرجل إذا بقي طريدًا فريدًا فإذا قيل له كيف حالك؟ فله أن يقول: لا مساس. أي: =
والصحيح ما ذكر في التفسير من وجه آخر: أنه جعل يهيم في البرية مع الوحوش والسباع لا يمس أحدًا ولا يمسه أحد، عاقبه الله بذلك) (٢). وكان إذا لقى أحدًا يقول: لا مساس أي: لا تقربني ولا تمسني، وصار ذلك عقوبة له ولولده حتى أن بقاياهم اليوم يقولون ذلك (٣). وذكر: (أنه إن مس واحدًا من غيرهم أحدًا منهم حمَّ كلاهما في الوقت) (٤).
(١) ورد نحوه بلا نسبة في "زاد المسير" ٥/ ٣١٩، "البحر المحيط" ٦/ ٢٧٥، "روح المعاني" ١٦/ ٢٥٦.
(٢) "النكت والعيون" ٣/ ٤٢٣، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٢، "زاد المسير" ٥/ ٣١٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٤١.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٦، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٤، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٤٩. "زاد المسير" ٥/ ٣١٩.
قول المؤلف -رحمه الله-: (إن بقاياهم اليوم يقولون ذلك) قول يحتاج إلى دليل فليس في ظاهر الآية دليل على هذا القول. وقد قال سبحانه في سورة النجم: ﴿أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾.
(٤) "الكشف والبيان" ٣/ ٢٤ أ، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٢، "الكشاف" ٢/ ٥٥١ "زاد المسير" ٥/ ٣١٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤١.
قال أبو إسحاق: (أي يكافئك الله على ما فعلت في القيامة والله لا يخلف الميعاد. ومن قرأ: ﴿لَنْ تُخْلَفَهُ﴾ فالمعنى: أنك تبعث وتوافي القيامة لا تقدر على غير ذلك) (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا﴾ قال ابن عباس: (يريد الذي طفقت تعبده وظللت عليه مقيمًا) (٥). وظلْتَ أصله. ظلَلت.
(٢) ذكره القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٢ بدون نسبة.
(٣) قرأ نافع، وعاصم، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: (لن تخلَفه) بفتح اللام. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو: (لن تخلِفه) بكسر اللام. انظر: "السبعة" ص ٤٢٤، "الحجة" ٥/ ٢٤٩، "حجة القراءات" ص ٤٦٣، "التبصرة" ص ٢٦١.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧٥.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٧، "زاد المسير" ٥/ ٣١٩، "فتح القدير" ٣/ ٥٤٩.
مَسْنَا السَّمَاءَ فَنِلْنَاهَا وطَالَهُمُ | حَتَى رأَوا أُحُدًا يَمْشِي وَثَهْلانَا |
وقوله تعالى: ﴿لَنُحَرِّقَنَّهُ﴾ قال ابن عباس في رواية الوالبي: (يقول بالنار) (٤). وروي عنه: (فحرقه بالنار ثم ذراه في البحر) (٥) (٦).
وقال الكلبي: (أحرق العجل بالنار، ثم دق، ثم ذري في البحر) (٧). وهو النسف.
وقال السدي: (أخذ موسى العجل فذبحه، فسأل منه دمًا كما يسيل
(٢) أوس بن مغراء من بني ربيعة بن قريع بن عوف بن كعب بن سعد، شاعر اشتهر في الجاهلية، وعاش زمنًا في الإسلام، له شعر في الهجاء والمدح.
انظر: "الشعر والشعراء" ص ٤٥٧، "سمط اللآلي" ص ٧٩٥، "الأغاني" ٥/ ١٢، "الأعلام" ٢/ ٣١.
(٣) البيت لأوس بن مغراء السعدي.
انظر: "تهذيب اللغة" (مس) ٤/ ٣٣٩، "لسان العرب" (مسس) ١٧/ ٤٢٠١.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٨، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٨٢، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٩، "روح المعاني" ١٦/ ٢٥٧.
(٥) في (ص): (في اليم).
(٦) "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٨، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٤ أ، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٩، "روح المعاني" ١٦/ ٢٥٨.
(٧) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر. "جامع البيان" ١٦/ ١٥٣، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٣، "زاد المسير" ٥/ ٣١٩، "القرطبي" ١١/ ٢٤٢، "التفسير الكبير" ٢٢/ ١١٣.
وروى عطاء عن ابن عباس: (فبرد بالمبارد ثم ألقي في البحر) (٤).
وهذا يحمل على برد عظامه، إلا على قول مجاهد فإنه لم يجعله لحمًا ودمًا، وحينئذ برد العجل بالمبرد وهو من الذهب. والدليل على أن المبرد كان للعظام قول ابن مسلم في قوله: ﴿لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا﴾ (أي: لنطيرن تلك البرادة والرماد في البحر) (٥). والرماد يكون لما أحرق بالنار. ومعنى النسف: نقض الشيء لتذهب به الريح، وهو: التذرية (٦).
(٢) قرأ علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: ﴿لَنُحَرِّقَنَّهُ﴾ بفتح النون وضم الراء. وقرأ الحسن: ﴿لَنُحَرِّقَنَّهُ﴾ بضم النون وسكون الحاء وكسر الراء.
انظر: "جامع البيان" ١٦/ ٢٥٨، "المحتسب" ٢/ ٥٨، "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٥٧، "غريب القرآن" لابن قتيبة ٢٨١، "غريب القرآن" لابن الملقن ٢٤٩.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٨، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٤/ أ، "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٣، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٨٧، "الكشف" ٢/ ٥٥٢.
(٤) ذكر نحوه السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٩ وعزاه لابن أبي حاتم.
(٥) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٨، "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٣، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٣، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٤٣. "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٣.
(٦) انظر: "تهذيب اللغة" (نسف) ٤/ ٣٥٦١، "القاموس المحيط" (نسف) ٣/ ١٩٩.
٩٩ - ﴿كَذَلِكَ﴾ كما قصصنا عليك نبأ موسى وقومه ﴿نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا﴾ قال ابن عباس: (يريد القرآن) (١).
ثم أوعد على الإعراض عنه وترك الإيمان به
١٠٠ - فقال: ﴿مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا﴾ قال مجاهد: (إثمًا) (٢). قال أهل المعاني: (إثمًا عظيمًا) (٣). لأن الوزر معناه: الحمل الثقيل (٤)
١٠١ - ﴿خَالِدِينَ فِيهِ﴾ أي: في عذابه عذاب ذلك الوزر ﴿وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا﴾ قال الوالبي عن ابن عباس: (يقول: بئس ما حملوا) (٥). [وقال
(١) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٤.
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٩، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٥٠، "البحر المحيط" ٦/ ٢٧٨، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٩.
(٣) "القرطبي" ١١/ ٢٤٤، "البحر المحيط" ٦/ ٢٧٨، "روح المعاني" ١٦/ ٢٥٩.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" (وزر) ٤/ ٣٨٨٣، "القاموس المحيط" (الوزر) ٢/ ١٥٤، "الصحاح" (وزر) ٢/ ٨٤٥، "لسان العرب" (وزر) ٨/ ٤٨٢٣.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٩، " الدر المنثور" ٤/ ٥٤٩،"فتح القدير" ٣/ ٣٨٥.
وقال الكلبي: (بئس ما حملوا] (٢) على أنفسهم من المآثم كفرا بالقرآن) (٣).
قال أبو إسحاق: (المعنى. بئس الوزر لهم حملاً يوم القيامة، وحملاً منصوب على التمييز) (٤).
١٠٢ - قوله تعالى ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ﴾ وقرأ أبو عمرو (ننفخ) بالنون، والوجه قراءة العامة (٥) لقوله: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ (٦)، وقوله: ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا﴾ [النبأ: ١٨]، ولأن النفخ يكون من المَلَك الموكل بالصور بأمر الله، فالأجود أن يقرأ على غير تسمية الفاعل، ووجه قراءة أبي عمرو: أنه على معنى إضافة الأمر بالنفخ إلى الله تعالى، ويقوي ذلك ما عطف عليه من قوله: ﴿وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا﴾ يقال: زَرِقَت عينه، تَزْرَقُ، زَرَقًا، وزُرْقَةً، وازْرَاقَّت، ازرِقَاقًا (٧).
(٢) ما بين المعقوفين مكرر في نسخة (س).
(٣) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٣، "مجمع البيان" ٧/ ٤٧، "البحر المحيط" ٦/ ٢٧٨.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧٦.
(٥) قرأ نافع، وابن كثير، وابن عامر، وحمزة والكسائي، وعاصم: (ينفح) بالياء، وقرأ أبو عمرو البصري: (تنفخ) بالنون.
انظر: "السبعة" ص ٤٢٤، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٥٠، "حجة القراءات" ص ٤٦٣،"التبصرة" ٢٦١.
(٦) وردت هذه الآية في سور متعددة: في الكهف: (٩٩)، ويس: (٥١)، والزمر (٦٨)، وق: (٢٠).
(٧) انظر: "تهذيب اللغة" (زرق) ٢/ ١٥٢٥، "القاموس المحيط" (الزرق) ٣/ ٢٤٠،=
قال: (يريد: زرق العيون سود الوجوه) (٢). وإلى هذا ذهب جماعة من المفسرين: (أن معنى الزرق هاهنا أن في عيونهم زرقًا، وهي الخضرة في سواد العين) (٣). كعين السَّنَّوْرُ (٤) والعرب تتشاءم بالزرت وتذمه (٥). والمعنى في هذا: تشويه الخلق بسواد الوجوه وزرقة العيون.
وقال الكلبي: (زرقا: عميا) (٦).
وذكره الفراء وابن الأعرابي، والزجاج (٧)، قال الزجاج: (يخرجون من قبورهم بصراء ويعمون في المحشر. قال: وإنما قيل للعمى: زرق؛ لأن السواد يزرق إذا ذهب نواظرهم) (٨)، هذا كلامه، ولم يكشف عن المعنى.
(١) ذكر نحوه ابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ٣٢١ بدون نسبة.
(٢) "روح المعاني" ١٦/ ٢٦٠، وذكره البغوي في "تفسيره" ٥/ ٢٩٤ بدون نسبة.
(٣) "الكشف والبيان" ٣/ ٢٤ ب، "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٤، "عالم التنزيل" ٥/ ٢٩٤، "فتح القدير" ٣/ ٥٥١.
(٤) السَّنَّوْرُ: الهر، مشتق منه، وجمعه السَّنَانيِر. انظر: "لسان العرب" (سنر) ٤/ ٢١١٧، "المعجم الوسيط" (السنور) ١/ ٤٥٤.
(٥) قال الزمخشري في "تفسيره" ٢/ ٥٥٣: إن الزرقة أبغض شيء من ألوان العيون إلى العرب؛ لأن الروم أعداؤهم وهم زرق العيون، ولذلك قالوا في صفة العدو: أسود الكبد، أصهب السيال، أزرك العين.
(٦) "زاد المسير" ٥/ ٣٢١، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٤، "التفسير الكبير" ٢٢/ ١١٤، وذكرته بعض كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ٢١٠، "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٤، "النكت والعيون" ٣/ ٤٢٤.
(٧) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٩١، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧٦، "تهذيب اللغة" (زرق) ٢/ ١٥٢٥.
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٧.
فلَمَّا وَرَدْنَ المَاءَ زُرْقًا جِمَامهُ | وَضَعْنَ عِصيّ الحَاضِر المتَخَيَمِ |
ورواه أيضًا أبو العباس عن ابن الأعرابي (٥).
قال أبو إسحاق: (ومن قال: عطاشا فجيد أيضًا؛ لأنهم من شدة العطش يتغير سواد أعينهم، حتى يزرق) (٦). وهذا الذي ذكره صحيح؛ لأن
(٢) البيت لزهير بن أبي سلمى.
زرقاء: الزرقة: شدة الصفاء، يقال: ما أزرق إذا اشتد صفاؤه.
جِمَامَة: الجمام جمع جم الماء، وجمته وهو: ما اجتمع منه في البئر والحوض وغيرهما. وضع العصي: كناية عن الإقامة. الحاضر المتخيم: الحاضر النازل على الماء والمتخيم المقيم، وأصله من تخيم إذا نصب الخيمة.
انظر: "ديوان زهير" ص ٧٨، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٩١، "البحر المحيط" ٦/ ٢٧٩، "شرح القصائد العشر" للتبريزي ص ١٣٣، "شرح المعلقات السبع" للزوزني ص ١٤١، "تهذيب اللغة" (زرق) ٢/ ١٥٢٥، "لسان العرب" (زرق) ٣/ ١٨٠٢٧.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" (زرق) ٢/ ١٥٢٥، "القاموس المحيط" (الزرق) ٣/ ٢٤٠، "لسان العرب" (زرق) ٣/ ١٨٢٧.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٩١، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧٦.
(٥) "تهذيب اللغة" (زرق) ٢/ ١٥٢٥.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧٦.
١٠٣ - قوله تعالى: ﴿يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ﴾. قال ابن عباس والمفسرون: (يتسارون بينهم) (٣)، وذكرنا معنى هذا الحرف عند قوله: ﴿وَلَا تُخَافِتْ بِهَا﴾ [الإسراء: ١١٠]. ﴿إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا﴾ وذلك لهول ما عاينوا نسوا مقدار مدة لبثهم في الدنيا، فيقولون هذا القول (٤).
وقيل: (يذهب عنهم طول لبثهم في الدنيا فيقولون هذا القول) (٥).
وقيل: (يذهب عنهم طول لبثهم في قبورهم لشدة ما يرون من أحوالهم التي دهمتهم فكأنهم كانوا نيامًا فانتبهوا) (٦).
وقال عطاء عن ابن عباس: (﴿إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا﴾ يريد من النفخة
(٢) ويشهد لهذا قوله تعالى في سورة يوسف الآية رقم (٨٤): ﴿وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ٢١١، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٥١، "النكت والعيون" ٣/ ٤٢٥، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٤، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٩٢.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ٢١١، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٥١، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٤، "زاد المسير" ٥/ ٣٢١، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٥.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ٢١١، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٤ ب، "زاد المسير" ٥/ ٣٢١.
(٦) "الكشف والبيان" ٣/ ٢٤ ب، "النكت والعيون" ٣/ ٤٢٥، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٤، "زاد المسير" ٥/ ٣٢١.
١٠٤ - قال الله تعالى: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ﴾ أي: بالنجوى بينهم ﴿إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً﴾ هو قال ابن عباس في رواية عطاء: (أعدلهم) (٢). [وقال الكلبي: (أعدلهم] (٣) قولاً) (٤). وقال السدي: (أمثلهم حالاً) (٥).
وقال سعيد بن جبير: (أوفاهم عقلاً) (٦). وعنه أيضًا: (أعلمهم في نفسه) (٧). وهو اختيار الزجاج قال: (أعلمهم عند نفسه بما يقول) (٨).
وقال الفراء: (أجودهم قولاً في نفسه وعندهم) (٩). والمعنى في ﴿أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً﴾ أشبههم طريقة بأهل العقل. وذكرنا الكلام في هذا عند قوله: ﴿بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى﴾ [طه: ٦٣].
(٢) ذكره السمرقندي في "تفسيره" ٥/ ٢٩٤ بدون نسبة.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (س).
(٤) ذكره البغوي في "تفسيره" ٣/ ٢٣١ بدون نسبة.
(٥) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "الكشف والبيان" ٣/ ٢٤ ب، "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٤، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٥.
(٦) "جامع البيان" ١٦/ ٢١١، وذكره "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٤ بدون نسبة. وكذلك "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٤.
(٧) "جامع البيان" ١٦/ ٢١١، "الدر المنثور" ٤/ ٥٥٠.
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧٦.
(٩) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٦١.
١٠٥ - قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ﴾ قال ابن عباس: (سأل رجال من ثقيف (٢) رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: كيف تكون الجبال يوم القيامة؟ فأنزل الله هذه الآية) (٣).
وقوله تعالى: ﴿يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا﴾ قال الكلبي: (يقلعها قلعًا) (٤).
وقال الزجاج: (النسف: التذرية تصير الجبال كالهباء المنثور تذرى تذرية) (٥).
وقال المفسرون: (يصيرها الله رملاً يسيل سيلاً ثم يصيرها كالصوف المنفوش تطيرها الرياح هكذا وهكذا) (٦)
(٢) ثقيف: بطن من هوازن من العدنانية، وينسبون إلى ثقيف، وهو: ثقيف بن منبه بن بكر بن هوزان بن قيس بن عيلان بن مضر، وقيل إن اسم ثقيف: قيس. ونزلت هذه القبيلة بالطائف، وانتشرت منها في البلاد. انظر: "نهاية الأرب" ص ١٩٨، "الأنساب" ١/ ٥٥٨، "المنتخب في ذكر أنساب العرب" ص ٤١٢.
(٣) "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٤، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٦٤، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٩٢، "زاد المسير" ٥/ ٣٢٢، وذكر نحوه الهواري في "تفسيره" ٣/ ٥٢، "لباب النقول في أسباب النزول" ص ١٤٦، "جامع النقول في أسباب النزول" ص ٢١٦.
(٤) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ٢١١، "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٤، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٣٤٥، "لباب التأويل" ٤/ ٢٨٠.
(٥) "معانى القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧٦.
(٦) "النكت والعيون" ٣/ ٤٢٥، "الكشاف" ٢/ ٥٥٣، "زاد المسير" ٥/ ٣٢٢، =
وقال الليث، والأصمعي: (القَاع: أرض واسعة سهلة مطئنة قد انفرجت عنها الجبال والأكام) (٢). وقال: هذه قَاع، وثلث أَقْوَع، وأقْوَاع كثيرة، وتجمع القِيعَة والقِيعَان، وهو: ما استوى من الأرض وما حواليه أرفع منه، وهو مصب المياه، ويصغر: قُوَيْعَةً في قول من أنت، ومن ذكر قال: قُوَيْعٌ، ودلت هذه الواو أن ألفها واوا (٣). وقال رؤبة (٤):
وَوَدَّعْن أَقْوَاعَ الشَّمَالِيلِ بَعْدَمَا | ذَوَى بَقْلُهَا أَحْرَارُهَا وذُكُورُهَا |
الآية رقم: (٥): ﴿وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ﴾.
(١) "معاني الفراء" ٢/ ٢٥٤.
(٢) "تهذيب اللغة" (قاع) ٣/ ٢٨٥٨.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" (قاع) ٣/ ٢٨٥٨، "مقاييس اللغة" (قوع) ٥/ ٤٢، "القاموس المحيط" (قاع) ٣/ ٧٧، "الصحاح" (قوع) ٣/ ١٢٧٤، "لسان العرب" (قوع) ٦/ ٣٧٧٥، "المفردات في غريب القرآن" (قيع) ص ٤١٥.
(٤) هذا البيت ينسب لذي الرمة، ولم أقف عليه منسوبًا لرؤبة. الأقول: جمع قاع وهي الأرض المستوية حرة الطين لا رمل فيها ولا حجارة. الشماليل: مكان. أحرار البقل: ما روق منه وحلى، والذكر: ما خشن منه.
انظر: "ديوان ذي الرمة" ص ٣٠٥، "تهذيب اللغة" (قاع) ٣/ ٢٨٥٨، "لسان العرب" (قوع) ٦/ ٣٧٧٥.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٩١.
إِذَا رَكِبْتَ دَاوَّيةً مُدْلَهِمَّةً | وَغَرَّدَ حَادِيْهَا لَهَا بِالصَّفَاصِفِ |
١٠٧ - قوله تعالى: ﴿لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا﴾ العِوَج: بكسر العين في الدين، وفي الطرف، وفيما لا ينتصب. والعَوَج: بالفتح في العود (٦).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا أَمْتًا﴾ قال أبو عبيدة: (الأمت: إرتفاع وهبوط، يقال: مَدَّ حَبْلَه حتى ما ترك فيه [أَمَتًا، ومَلأَ سقاءه حتى لم يدع فيه أمتا) (٧).
(٢) "تهذيب اللغة" (صف) ٢/ ٢٠٢٨.
(٣) البيت ينسب لشمر. الدو: الفلاة الواسعة، وداوية: إذا كانت بعيدة الأطراف، مستوية واسعة. مدلهمة: المدلهم الأسود، وادلهم الليل والظلام، وفلاة مدلهمة: لا علامة فيها. غرد: طرب في الصوت والغناء، والتغريد الصوت. حاديها: حدى الإبل وحدابها زجرها وساقها، والحدو سوق الإبل والغناء لها.
انظر: "تهذيب اللغة" (صف) ٢/ ٢٥٢٨، "لسان العرب" (صفف) ٤/ ٢٤٦٢.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ٢١٢، "النكت والعيون" ٣/ ٤٢٦، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٦.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ٢١٢، "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٦، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٨٣.
(٦) انظر: "تهذيب اللغة" (عاج) ٣/ ٢٢٦٤، "مقاييس اللغة" (عوج) ٤/ ١٧٩، "القاموس المحيط" (عوج) ١/ ٢٠١، "لسان العرب" (عوج) ٥/ ٣١٥٥، "المفردات في غريب القرآن" (عوج) ص ٣٥١.
(٧) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٢٩. ومن قوله (أمتا) ساقط من (س) ينتهي ص ٥٥٨.
لَهَا صُوْرَةٌ كَالشَّمْس أَشْرَقَ ضَوؤهَا | لُبَاخِية هَيْفَاء لَيسَ بِهَا أَمْتُ |
وقال الليث: (الأَمت: أن يصب في السِّقا ماء فلا يمتلئ فينثني، فذلك الشيء هو الأَمْت. وتقول للقربة إذا امتلأت: لاَ أَمْتَ فيها) (٤).
وقال الفراء: (الأَمْتُ موضع النَّبْكُ (٥) من الأرض وهو ما ارتفع منها، وسمعت العرب يقولون: مَلأَ القِربة مَلأً لا أَمْتَ فيه) (٦).
انظر: "تهذيب الكمال" ٣٢/ ٣٥٠، "تهذيب التهذيب" ١١/ ٣١٧، "تقريب التهذيب" ١/ ٦٠٥.
(٢) ورد هذا البيت في "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٣٠.
(٣) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" (لبخ) ١٤/ ٤٢٣.
(٤) ذكرته كتب اللغة بدون نسبة. انظر: "تهذيب اللغة" (أمت) ١/ ١٩٤، "الصحاح" (أمت) ١/ ٢٤١، "لسان العرب" (أمت) ١/ ١٢٤.
(٥) النَّبْك هي: الأرض فيها صعود وهبوط، والجمع نَبَك بالتحريك، وقال الأصمعي: النبك: ما ارتفع من الأرض، وقيل: كل رابية من روابي الرمال كانت مسلكة الرأس ومحددته.
انظر. "تهذيب اللغة" (نبك) ٤/ ٣٤٩٩، "القاموس المحيط" (النبكة) ٣/ ٣٢١، "الصحاح" (نبك) ٤/ ٢٦١٢، "لسان العرب" (نبك) ٧/ ٣٤٢٨.
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٩١.
قال ابن عباس في رواية الوالبي: (﴿لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا﴾ يقول: واديا، ﴿وَلَا أَمْتًا﴾ يقول: رابية) (٢).
وقال قتادة: (﴿لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا﴾ أي: صدعا ﴿وَلَا أَمْتًا﴾ ولا أكمة) (٣). وهذا كقول ابن عباس سواء.
وقال الكلبي: (﴿لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا﴾ وهي الأودية ﴿وَلَا أَمْتًا﴾ يعني النَّبَاك) (٤). وقال مجاهد: (لا انخفاضا ولا ارتفاعا) (٥).
وقال عكرمة عن ابن عباس: (ليس فيها منخفض ولا مرتفع) (٦).
وقال في رواية بن الأزرق: (الأَمْت: الشيء الشاخص من الأرض) (٧). وقال في رواية عطاء: (﴿وَلَا أَمْتًا﴾ يريد نتوا) (٨).
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ٢١٣، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٥٢، "النكت والعيون" ٣/ ٤٢٦، "زاد المسير" ٥/ ٣٢٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٦، "الدر المنثور" ٤/ ٥٥٠.
(٣) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ١٩، "جامع البيان" ١٦/ ٢١٣، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٦، "الدر المنثور" ٤/ ٥٥٠.
(٤) ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ٣٢٣ بدون نسبة، وكذلك القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٣٤٦.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ٢١٣، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٤ ب، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٥٢، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٥، "زاد المسير" ٥/ ٣٢٣.
(٦) "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٦، "الدر المنثور" ٤/ ٥٥٠.
(٧) "الدر المنثور" ٤/ ٥٥٠، وعزاه لأبن الأنباري.
(٨) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "الكشاف" ٢/ ٥٥٣، "البحر المحيط" ٦/ ٢٨٠، "روح المعاني" ١٦/ ٢٦٣، "أنوار التنزيل" ٤/ ٣٠.
وروى أبو بكر الهذلي عن الحسن قال: (العوج: ما انخفض من الأرض، والأمت: ما نشز من الروابي) (٢).
١٠٨ - قوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ﴾ قال الفراء: (صوت الداعي للحشر) (٣).
قال المفسرون: (يتبعون صوت داعي الله تعالى الذي يدعوهم إلى موقف القيامة) (٤).
﴿لَا عِوَجَ لَهُ﴾ قال الفراء: (لا عوج لهم عن الداعي، وجاز أن يقول: ﴿لَهُ﴾؛ لأن المذهب إلى الداعي وصَوته، فهو كما تقول في الكلام: دَعَوتني دَعْوةً لا عوج لك عنها، أي: إني لا أعوج لك ولا عنك) (٥).
وقال أبو إسحاق: (المعنى لا عِوَج لهم عن دعُائة، لا يقدرون أن لا
(٢) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٥.
وقال الطبري -رحمه الله- في "جامع البيان" ١٦/ ٢١٣: (أصوب الأقوال في تأويله: ولا ارتفاع ولا انخفاض؛ لأن الانخفاض لم يكن إلا عن ارتفاع، فإذا كان ذلك كذلك فتأويل الكلام لا ترى فيها ميلا عن الاستواء ولا ارتفاعًا ولا انخفاضًا ولكنها مستوية ملساء كما قال جل ثناؤه: ﴿قَاعًا صَفْصَفًا﴾).
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٩٢.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ٢١٤، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٤، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٥٢، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٥.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٩٢.
﴿وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ﴾ قال الوالبي عنه: (يريد: سكنت) (٣).
وقال عطاء: (يريد: خضعت وذلت) (٤). وهو قول السدي: (ذلت) (٥). وهو قوله: ﴿فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا﴾ همس الأقدام أخفى ما يكون من الصوت، وقال أبو عبيدة: (الهمس والرِّكْز واحد وهو: الصوت الخفي. ويقال: همس لي بكذا، أي: أخفاه إلي) (٦). وذكر عن ابن عباس أنه تمثل بقول الراجز (٧):
وَهُنَّ يَمْشِيْنَ بِنَا هَمِيْسَا
يعني: صوت أخفاف الإبل في سيرها. وقال أبو الهيثم: (إذا مَضَغَ
(٢) ذكره الطبري في "جامع البيان" ١٦/ ٢١٤ بدون نسبة.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ٢١٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٧، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٨٤.
(٤) ذكره البغوي في "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٥ بدون نسبة.
(٥) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٥، "عالم التنزيل" ٥/ ٢٩٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٧.
(٦) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٣٠.
(٧) هذا صدر بيت من الرجز ذكرته كتب التفسير واللغة بلا نسبة. وعجزه:
إن يصدق الطير تبكي لميسا
انظر: "جامع البيان" ١٦/ ٢١٤، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٥ أ، "النكت والعيون" ٣/ ٤٢٧، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٧، "مجمع البيان" ٧/ ٤٩، "روح المعاني" ١٦/ ١٦٤، "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٩٢، "تهذيب اللغة" (همس) ٤/ ٣٧٩٣، "لسان العرب" (همس) ٨/ ٤٧٠٠.
يَأْكُلْنَ مَا في رَحْلِهِنَّ هَمْسَا
والهَمُوسُ من أسماء الأسد؛ لأنه يَهْمِس في الظلمة، أي: يطأ وطأً خفيا (٣). ومنه قول أبي زبيد (٤) (٥):
فَيَأتُوان يُدْلِجُون ويَأْتِ يَسرِي | بَصِيرٌ بِالدُّجَي هَادٍ هَمُوسُ |
قال ابن عباس في رواية الوالبي في قوله: ﴿إِلَّا هَمْسًا﴾ يقول: (الصوت الخفي) (٦).
وفسر ذلك الصوت في رواية سعيد بن جبير وعطاء فقال: (يريد
(٢) لم أهتد إلى قائله، وقد ذكرته كتب التفسي بلا نسبة. وقبله:
لقد رأيت عجبًا قد أمسا | عجائزًا مثل السعالي خمسا |
(٣) "تهذيب اللغة" (همس) ٤/ ٣٧٩٣
(٤) تقدمت ترجمته في سورة البقرة.
(٥) البيت لأبي زبيد الطائي. الدلجة: سير السحر، يقال: أدلج القوم: ساروا من آخر الليل. الدجى: سواد الليل. انظر: "تهذيب اللغة" (همس) ٤/ ٣٧٩٣، "لسان العرب" (همس) ١/ ٤٧٠٠.
(٦) "جامع البيان" ٦/ ٢١٥، "النكت والعيون" ٣/ ٤٢٧، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٧، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٨٤، "الدر المنثور" ٤/ ٥٥١.
وهذا قول أكثر المفسرين قالوا: (يعني: صوت ثقل الأقدام إلى الحشر). وهذا قول عكرمة، وسفيان، والحسن والسدي (٢)، واختيار الفراء، والزجاج (٣).
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس ﴿فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا﴾ (يعني: تحريك الشفاه بغير نطق) (٤). وهو قول مجاهد: (الكلام الخفي) (٥).
قال الليث: (الهمس: حس الصوت في الفم مما لا إشراب له من صوت الصدر، ولا جهارة في المنطق، ولكنه كلام مهموس في الفم كالسر) (٦). والمعنى على هذا التفسير: سكنت الأصوات ولا يجهر أحد بكلام إلا كالسر في الإشارة بالشفة وتحريك الفم بغير صوت.
١٠٩ - قوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ﴾ قال الفراء: (﴿مَنْ﴾ في موضع نصب، لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له أن يشفع فيه) (٧) هذا كلامه والمعنى: لا تنفع الشفاعة أحد من الناس إلا من أذن الله
(٢) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ١٨، "جامع البيان" ١٦/ ٢١٥، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٥ أ، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٥٣، "زاد المسير" ٥/ ٣٢٣.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٩٢، "معاني الزجاج" ٣/ ٣٧٧.
(٤) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٥، "زاد المسير" ٥/ ٣٢٣، "الدر المنثور" ٤/ ٥٥١.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ٢١٥، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٥ أ، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٥، "زاد المسير" ٥/ ٣٢٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٧.
(٦) "تهذب اللغة" (همس) ٤/ ٣٧٩٣.
(٧) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٩٢.
وقوله تعالى: ﴿وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا﴾ يعني قال: لا إله إلا الله. قاله ابن عباس، والكلبي (٢).
قال الفراء: (يقال: رضيت لك عملك، ورضيته منك) (٣). وهذا يدل على أنه لا حظ في الشفاعة لغير المؤمن، وذكر في الآية وجه آخر وهو: أن المعنى لا تنفع الشفاعة إلا شفاعة من أذن له الرحمن، فعلى هذا من أذن هو الشفيع لا المشفوع له ﴿وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا﴾ إن كان مؤمنا، فإن الكافر لا يؤذن له في الشفاعة، ولا يكون شفيعًا ولا مشفوعًا له، وعلى هذا التأويل الكنايتان تعود إلى الشفيع (٤). والآية تدل على أن الشفيع إنما يشفع بعد الإذن إذا كان مؤمنا.
قال الكلبي: (وذلك أن الأنبياء يشفعون، والملائكة يشفعون، والأباء والأبناء يشفعون) (٥).
(٢) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٧، "روح المعاني" ١٦/ ٢٦٥.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٩٢.
(٤) "المحرر الوجيز" ١٠/ ٩٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٧.
(٥) لم أقف عليه، ويشهد له ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أي سعيد الخدري -رضي الله عنه- مرفوعًا قال: (فيقول الله: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط).
قوله تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ الكناية راجعة إلى الذين ذكروا في قوله: ﴿يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ﴾ (٣) أي: يعلم ما يصيرون إليه من الثواب والعقاب. ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ ما قد وقع من أعمالهم. قال ابن عباس: (يريد ما قدموا وما خلفوا) (٤).
١١٠ - وقال الكلبي: (﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ من أمر الآخرة ﴿وَمَا
وفي إسناده عطية العوفي، وهو ضعيف مدلس، قال الذهبي في "الميزان" قال أحمد: بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير، وكان يكنيه بأبي سعيد، فيقول: قال أبو سعيد. قلت: يوهم أنه الخدري. وقال النسائي وجماعة: ضعيف.
(٢) والشفاعة نوعان: الأول: شفاعة نفاها القرآن وأخبر أنها لا تقبل وهي الشفاعة للكفار والمشركين فقال سبحانه في سورة المدثر الآية (٤٨): {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾.
النوع الثاني: شفاعة أثبتها القرآن وهي الشفاعة للمؤمنين الموحدين ولا تحصل إلا بشرطين: الأول: إذن الله للشافع بالشفاعة كما قال سبحانه في سورة البقرة الآية رقم (٢٥٥): ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ الآية.
الثاني: رضاه سبحانه عن المشفوع له بأن يشع له كما قال سبحانه في سورة الأنبياء الآية رقم: (٢٨): ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾.
انظر: "العقيدة الطحاوية" ص ٢٥٢، "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" ص ٢٠٤.
(٣) سورة طه الآية رقم: (١٠٨).
(٤) ذكرت نحوه كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٨، "التفسير الكبير" ٢٢/ ١١٩، "مجمع البيان" ٧/ ٥٠.
وقال مجاهد: (﴿مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ ما مضى من الدنيا ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ الآخرة) (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ الظاهر أن الكناية في قوله ﴿بِهِ﴾ تعود إلى ﴿مَا﴾ في قوله: ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ أي: هو يعلم ذلك وهم لا يعلمونه (٣). وعلى هذا كلام ابن عباس حيث قال: (يريد ولا يحيطون بشيء من علمه أي: بما علمه) (٤). ويجوز أن تعود الكناية إلى الله تعالى؛ لأن عباده لا يحيطون به علمًا (٥).
١١١ - قوله تعالى: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ﴾ قال ابن عباس في رواية الوالبي، وقتادة: (ذلت) (٦).
(٢) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة انظر: "التفسير الكبير" ٢٢/ ١١٩، "مجمع البيان" ٧/ ٥٠، "روح المعاني" ١٦/ ٢٦٥.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ٢١٥، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٨.
(٤) ذكرت نحوه كتب التفسير بدون نسبة انظر: "جامع البيان" ١٦/ ٢١٦، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٨، "التفسير الكبير" ٢٢/ ١١٩.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ٢١٦، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٨، "الدر المنثور" ٤/ ٥٥١.
(٦) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ١٨، "جامع البيان" ١٦/ ٢١٦، "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٥، "النكت والعيون" ٣/ ٤٢٧، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٨، "الدر المنثور" ٤/ ٥٥٢.
قال عطاء عن ابن عباس: (خضعت) (٣).
قال أبو إسحاق: (معنى ﴿وَعَنَتِ﴾ مهو في اللغة: خضعت، يقال: عَنَا يَعْنُوا إذا خَضعَ، ومنه يقال: أخذت البلاد عَنْوَةً إذا أخذت غَلَبَة، وأُخِذت بِخِضوعٍ من أهلها) (٤).
وقال أهل المعاني: (معنى ﴿وَعَنَتِ﴾ خضعت وذلت خضوع الأسير في يد المالك القاهر له، والعاني: الأسير لخضوعه وذله) (٥).
قال أبو عبيدة: (وكل من ذل واستكان فقد عَنَا، والاسم منه العنوة (٦).
وأنشد للقطامي (٧):
وَنأَتْ بِحَاجَتِنَا وَرُبَّتَ عَنْوَةٍ | لَكَ مِن مَوَاعِدِها التي لَمْ تَصْدُقِ |
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٣/ ٢٥ بدون نسبة.
(٣) "الدر المنثور" ٤/ ٥٥٢، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٥٢ بدون نسبة، وذكره ابن الملقن في "تفسير غريب القرآن" ص٢٥٠.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧٧.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" (عنا) ٣/ ٢٥٨٠، "مقاييس اللغة" (عني) ٤/ ١٤٦، "القاموس المحيط" (عنوت) ٤/ ٢٦٧، "الصحاح" (عنا) ٦/ ٢٤٤٠، "لسان العرب" (عنت) ٥/ ٣١٢٠، "المفردات في غريب القرآن" (عنت) ٣٤٩.
(٦) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" (عنا) ٣/ ٢٥٨٥، وورد نحوه مختصرًا في "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٣٠.
(٧) البيت لعمر القطامي. انظر: "ديوانه" ص ٣٥، "تهذيب اللغة" (عنا) ٣/ ٢٥٨٠، "معجم مقاييس اللغة" (عني) ٤/ ١٤٦، "لسان العرب" (عنن) ٥/ ٣١٣٩.
مَلِيكٌ عَلَى عَرْشِ السَّمَاء مُهَيْمِنٌ | لِعِزَّته تَعْنُو الوجُوهُ وتَسْجُدُ |
واختاره الفراء فقال في تفسيره: (يقال: نصبت به، وعملت له) (٧). وعلى هذا عَنَت من العَنَا بمعنى التعب، والعَنَا: الحبس في شدة وذل، هذا أصل معناه، ثم قيل لكل تعب: عَنَا، يقال: لقيت من فلان عَنْيَة وعَنَاء أي: تَعَبا، وعَنَّيْتُه أُعَنِّيه تَعْنِية إذا أسرته فحبسته مضيقا عليه في الشدة، وكل حبس
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٩٢.
(٣) البيت لأمية بن أبي الصلت. انظر: "الكشف والبيان" ٣/ ٢٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٨.
(٤) تقدمت ترجمته في سورة الإسراء.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ٢١٦، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٥ أ، "النكت والعيون" ٣/ ٤٢٨، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٦، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٩٦، "الدر المنثور" ٤/ ٥٥٢.
(٦) "النكت والعيون" ٣/ ٤٢٧، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٨.
(٧) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٩٢.
قَطَعْتَ الدَّهْرَ كَالسَّدِمِ المُعَنَّى | تُهَدِّرُ في دِمَشْقَ ومَا تَرِيمُ |
وقوله تعالى: ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾ قال ابن عباس: (يريد حْسر من أشرك بالله -عز وجل-) (٤).
١١٢ - قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ﴾ يجوز أن تكون ﴿مِن﴾ هو للتبعيض فيكون المعنى: شيئًا من الصالحات، ويجوز أن تكون للجنس فيكون المعنى: ومن يعمل الصالحات ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ جملة في موضع نصب على الحال.
(٢) البيت للوليد بن عقبة يخاطب فيه معاوية رضي الله عنهما.
السَّدِمُ: الذي يرغب عن فحلته فيحال بينه وبين الافه ويقيد إذا هاج، فيرعى حوالي الدار، وإن سأل جعل له حجام يمنعه عن فتح فمه. الهدير: تردد صوت البعير في حنجرته. الريم: البراح يقال: ما يريم يفع ذلك أي: ما يبرح، وريم المكان: أقام به.
انظر: "تهذيب اللغة" (عني) ٣/ ٢٥٨٠، "الصحاح" (عنا) ٦/ ٢٤٤١، "لسان العرب" (سدم) ٤/ ١٩٧٦.
(٣) "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ٢٨٢.
(٤) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٦، "زاد السير" ٥/ ٣٢٤، "روح المعاني" ١٦/ ٢٦٦.
وقرأ ابن كثير: فلا يخف على النهي (٢). وهو حسن؛ لأن المعنى: ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فيأمن؛ لأنه لم يفرط فيما وجب عليه، ونهيه عن الخوف أمر بالأمن، ولفظ الآية في قوله: فلا تخف على النهي، والمراد الخبر بأن المؤمن الصالح لا خوف عليه، وإذا كان كذلك كان معنى القراءتين واحد (٣).
وقوله تعالى: ﴿ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾ قال الفراء: (تقول العرب: هضمت لك من حقي أي: تركته) (٤).
وقال المبرد، والزجاج: (الهضم النقص، يقال: فلان هضمني حقي، أي: نقصني، وكذلك هذا يهضم الطعام أي: ينقص ثقله) (٥). ومنه للدواء هَاضوم؛ لأنه يقع في الطعام الذي كظ فيهضمه، وقيل للخميص
(٢) قرأ نافع، وابن عامر، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي: (فلا يخاف) بالألف على الخبر. وقرأ ابن كثير المكي: (فلا يخف) على النهي.
انظر: "السبعة" ص ٤٢٤، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٥١، "حجة القراءات" ص ٤٦٤، "المبسوط في القراءات" ص٢٥٠.
(٣) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٥٢.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٩٣.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٢/ ٣٧٧.
ومُقَسِّمٌ يُعْطِي العَشِيْرَةَ حَقَّهَا | ومُغَذْمِرٌ لِحُقُوقِهَا هَضَّامُهَا |
وقال في رواية عطاء: (لا ينتقص من ثوابه، ولا يحط من حسناته) (٦). وأجاد الضحاك في قوله: (لا يخاف ظلما): (لا يؤخذ بذنب لم يعمله {وَلَا
(٢) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٣١.
(٣) البيت للبيد بن ربيعة العامري.
غَذْمَر: المغذمر الذي يركب الأمور فيأخذ من هذا ويعطي هذا ويدع لهذا من حقه، ويقال للرئيس الذي يسوس عشيرته بما شاء من عدل وظلم: مغذمر.
انظر: "ديوانه" ص ١٧٩، "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٣١، "شرح القصائد العشر" للتبريزي ص ٢٠٥، "شرح المحلقات السبع" للزوزني ص ٢٥٠، "تهذيب اللغة" (غذمر) ٣/ ٢٦٤٢، "لسان العرب" (غذمر) ٦/ ٣٢٢٢.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ٢١٨، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٥/ ب، "النكت والعيون" ٣/ ٤٢٨، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٦، "زاد المسير" ٥/ ٣٢٤، " الدر المنثور" ٤/ ٥٥٢.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ٢١٧، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٥ ب، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٥٣، "النكت والعيون" ٣/ ٤٢٨.
(٦) ذكرت نحوه كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ٢١٨، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٩٧، "النكت والعيون" ٣/ ٤٢٨، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٧، "زاد المسير" ٥/ ٣٢٤.
وقال الكلبي: (﴿فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا﴾ يعنىِ ذهابا لعمله كله ﴿وَلَا هَضْمًا﴾ يقول: لا ينتقص من عمله شيء) (٢).
١١٣ - قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ﴾ أي: وكما بينا في هذه السورة ﴿أَنْزَلْنَاهُ﴾ أنزلنا هذا الكتاب ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ﴾ أي: بينا فيه ضروب الوعيد وما فيه العقاب.
قال قتادة: (يعني: عذابه ووقائعه في الأمم قبلكم) (٣). ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون﴾ ليكون سببا لاتقائهم الشرك بالاتعاظ من قبلهم. ﴿أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا﴾ قال ابن عباس: (موعظة فينتفعون بها) (٤). يعني: يحدد لهم القرآن ذكرًا واعتبارًا واتعاظًا فيتذكروا به عقاب الله للأمم المكذبة فيعتبروا ويتفكروا، وهذا معنى قول قتادة في قوله: ﴿ذِكْرًا﴾: (جدا وورعا) (٥).
وذكر الفراء قولين هما للكلبي ﴿أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا﴾ يقول: (لو أخذوا
(٢) ذكرت نحوه كتب التفسير بدون نسبة انظر: "جامع البيان" ١٦/ ٢١٦، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٩٧، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٧، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٨٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٩.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ٢١٨.
(٤) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "المحرر الوجيز" ١٠/ ٩٧، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٧، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٥٠، "روح المعاني" ١٦/ ٢٦٧.
(٥) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ١٨، "جامع البيان" ١٦/ ٢١٩، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٥ ب، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٥٥، "الدر المنثور" ٤/ ٥٥٢.
١١٤ - قوله تعالى: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ﴾ أي: جل عن إلحاد الملحدين، ونزه عما يقول المشركون في صفته (٣). ويجوز أن يكون المعنى: تعالى استحق في المدح صفات لا تساوى؛ لأنه أقدر من كل قادر، وأعلم من كل عالم، وقادر سواه محتاج إليه وهو غني عنه. ﴿الْمَلِكُ الْحَقُّ﴾ قال ابن عباس: (يريد الذي بيده الثواب والعقاب) (٤). يعني أنه يملكها. و ﴿الْحَقُّ﴾ معناه: ذو الحق، وقد مر وتقدم الكلام فيه (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء وأبي صالح: (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبادر جبريل فيقرأ قبل أن يفرغ جبريل من الوحي، ولا يفرغ جبريل مما يريد من التلاوة حتى يتكلم النبي -صلى الله عليه وسلم- بأوله حرصًا منه على ما كان ينزل عليه، وشفقة على القرآن مخافة الإنفلات
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٩٣، وذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٥، "المحرر الوجيز" ١٥/ ٩٧، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٥٠.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ٢١٩، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٧، "زاد المسير" ٥/ ٣٢٥، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٨٥.
(٤) ذكر نحوه الألوسي في "روح المعاني" ١٦/ ٢٦٧ بدون نسبة. وكذلك الشوكاني في "فتح القدير" ٣/ ٣٨٩.
(٥) عند قوله سبحانه في سورة الأنعام الآية رقم (٦٢): ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾.
وقال السدي: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا نزل عليه جبريل بالقرآن أتعب نفسه في حفظه حتى يستوعبه يتخوف أن يصعد جبريل ولم يحفظه فينسى ما علمه، فأنزل الله هذه الآية) (٣). قال عطاء عن ابن عباس: (وهذا كقوله: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾) [القيامة: ١٦] (٤). وهذا قول الكلبي، واختيار الفراء، وابن قتيبة (٥).
وقال مجاهد، وقتادة: (لا تتله على أحد حتى نبينه لك) (٦). وعلى
(٢) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "الكشف والبيان" ٣/ ٢٥ ب، "النكت والعيون" ٣/ ٤٢٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٥٠، "التفسير الكبير" ٢٢/ ١٢٢.
(٣) "الدر المنثور" ٤/ ٥٥٢، وعزاه لابن أبي حاتم.
(٤) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ٢١٩، "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٦، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٥٤، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٧، "المحرر الوجيز" ١٥/ ٩٨.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ١٢/ ٩٣، "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ٢٨٣.
(٦) "جامع البيان" ١٦/ ٢٢٥، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٥ ب، "معالم التزيل" ٥/ ٢٩٧، "زاد المسير" ٥/ ٣٢٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٥٠.
وهذا معنى رواية عطية عن ابن عباس قال: (لا تلقه إلى الناس قبل أن يأتيك بيان تأويله) (١).
وذكر بعض أهل التفسير أن معنى هذه الآية: (لا تسأل إنزال القرآن من قبل أن يأتيك وحيه) (٢). وروى جرير (٣) عن الحسن في سبب نزول هذه الآية: (أن رجلاً لطم امرأته، فجاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تطلب القصاص فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- بينهما القصاص، فأنزل الله هذه الآية، فوقف النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى نزلت: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٣٤]) (٤). ولا تعلق لهذه الآية في القصة التي ذكرها الحسن حتى يقال إنها نازلة فيها، إلا لقوله: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ وذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حكم بالقصاص، وأبى الله ذلك وأنزل: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ وقد تقدم بيانه (٥). وأمره في هذه الآية
(٢) "النكت والعيون" ٢/ ٤٢٩، "زاد المسير" ٥/ ٣٢٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٥٠.
(٣) جرير بن حازم بن زيد بن عبد الله بن شجاع الأزدي، البصري أحد التابعين وعد من صغارهم، روى عن: الحسن وابن سيرين وقتادة وغيرهم وروى عنه: ابنه وابن المبارك وغيرهما، وثقة أكثر العلماء، توفي -رحمه الله- سنة ١٧٥.
انظر: "الجرح والتعديل" ٢/ ٥٠٤، "ميزان الاعتدال" ١/ ٣٩٢، "تهذيب التهذيب" ٢/ ٦٩.
(٤) "بحر العلوم" ٣٥٦/ ٢، "زاد المسير" ٥/ ٣٢٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٥٠، "الدر المنثور" ٤/ ٥٥٣، "لباب النقول في أسباب النزول" ٦٨.
(٥) عند قوله سبحانه في سورة النساء الآية رقم (٣٤): ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ الآية.
وقيل معناه: (زدني علمًا بالقرآن ومعانيه) (٢). وهذا موافق للتفسير الأول في الآية.
١١٥ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ﴾ أي: أمرناه وأوصينا إليه. قال الكلبي والسدي: (عهدنا إليه ألا يأكل من الشجرة) (٣).
وقال ابن عباس: (ألا يقرب الشجرة) (٤). ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ قال الكلبي: (من قبل أن يأكل من الشجرة) (٥). وقال غيره: (من قبل هؤلاء الذين فقضوا عهدي وتركوا الإيمان بي) (٦). وهم الذين ذكرهم في قوله: {وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ
(٢) "الكشف والبيان" ٣/ ٢٥ ب، "النكت والعيون" ٣/ ٤٢٩، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٧.
(٣) ذكره "زاد المسير" ٥/ ٣٢٧ بدون نسبة.
(٤) "الدر المنثور" ٤/ ٥٥٣، "التفسير الكبير" ٢٢/ ١٢٤.
(٥) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٥٤، "المحرر الوجيز" ١٠/ ١٠٠، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٧، "لجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٥١.
(٦) "جامع البيان" ١٦/ ٢٢٠، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٥ ب، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٧، "زاد المسير" ٥/ ٣٢٧، وقال ابن عطية -رحمه الله- في "المحرر الوجيز" ١٠/ ١٠٠: (وهذا التأويل ضعيف وذلك أن يكون آدم مثالا للكفار الجاحدين بالله ليس بشيء وآدم إنما عصى بتأويل ففي هذا غضاضة عليه وأما الظاهر في هذه الآية إما أن يكون ابتداء قصص لا تعلق له بما قبله وإما أن يجعل تعلقه أنه لما عهد إلى محمد أن لا يعجل القرآن مثل له بنبي قبله عهد إليه فنسي نحوف لتكون أشد في التحذير وأبلغ في العهد إلى محمد).
وقال السدي: (ترك عهدنا) (٣).
وقال أبو إسحاق: (﴿فَنَسِيَ﴾ هاهنا فترك؛ لأن الناسي لا يؤاخذ بنسيانه) (٤). هذا قول الجميع في أن نسي هاهنا: ترك. وحمل ابن زيد النسيان هاهنا على الذي هو ضد الذكر (٥). ولا يصح هذا؛ لأن الناسي لا يؤاخذ بنسيانه، ولأن إبليس حين استغواهما ذكرهما النهي فقال: ﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا﴾ [الأعراف: ٢٠].
وقوله تعالى: ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ معنى العزم: عقد القلب على أمر يفعله، وهو توطين النفس على الفعل، هذا معناه في اللغة (٦).
قال ابن عباس في رواية عطاء: (يريد صبرًا عن أكل الشجرة) (٧).
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ٢٢٥، "النكت والعيون" ٣/ ٤٣٠، "زاد المسير" ٥/ ٣٢٨، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٥١، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٨٥.
(٣) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ٢٢٠، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٥ ب، "المحرر الوجيز" ١٠/ ١٥٠، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٧، "زاد المسير" ٥/ ٣٢٨، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٨٥.
(٤) "معاني القرآن للزجاج" ٣/ ٣٧٨.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ٢٢١، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٥ ب، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٥١.
(٦) انظر (عزم): "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٤٢٥، "القاموس المحيط" ٤/ ١٤٩، "الصحاح" ٥/ ١٩٨٥، "لسان العرب" ٥/ ٢٩٣٢، "المفردات في غريب القرآن" ٣٣٤.
(٧) "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٥٠، "روح المعاني" ١٦/ ٢٦٩.
وقال عطية العوفي: (عن ما حفظنا لما أمر به) (٢).
وقال السدي: (صبرًا على الذنوب) (٣). وقال عبد الله بن مسلم: (رأيا معزوما عليه) (٤). وقيل: (عقدًا ثابتًا حيث أطاع عدوه إبليس الذي حسده وأبى أن يسجد له) (٥).
١١٧ - قوله تعالى: ﴿فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء: (يريد شقاء الدنيا ونصبها) (٦).
وقال الحسن: (عني به شقاء الدنيا، ألا ترى ابن آدم إلا ناصبا شقيا) (٧).
وقال سعيد بن جبير: (أهبط إلى آدم ثورا أحمر كان يعتمل عليه، ويمسح العرق عن جبينه، فكان ذلك شقاؤه) (٨).
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ٢٢١، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٥ ب، "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٦، "النكت والعيون" ٣/ ٤٣٠، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٧، "الدر المنثور" ٤/ ٥٥٤.
(٣) "بحر العلوم" ٢/ ٢٥٦.
(٤) "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ٢٨٣.
(٥) "زاد المسير" ٥/ ٣٢٨.
(٦) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "المحرر الوجيز" ١٠/ ١٥١، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٨، "زاد المسير" ٥/ ٣٢٨، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٥٣.
(٧) "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٥٣، "الدر المنثور" ٤/ ٥٥٥.
(٨) "جامع البيان" ١٦/ ٢٢٢، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٥ ب، "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٧، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٨، "المحرر الوجيز" ١٠/ ١٠١، "الدر المنثور" ٤/ ٥٥٥.
وقال زيد بن علي: (فتشقى في كد المعيشة) (٢).
قال الفراء: (ولم يقل: فتشقيا، لأن آدم المخاطب وفي فعله اكتفاء من فعل المرأة) (٣). يعني: أن أول الآية خطاب لآدم، وصرف الخطاب في آخرها إلى آدم لوفاق الفواصل، وكان في خطابه اكتفاء عن خطاب حواء كما قال: ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ﴾ اكتفى بالقعيد عن صاحبه.
١١٨ - قوله تعالى: ﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ﴾ ﴿إِنَّ﴾ في موضع نصب بأن، كما تقول: إن لك مالا (٤). و ﴿أَلَّا تَجُوعَ﴾ بمعنى الشبع، كأنه قيل: إن لك الشبع فيها والاكتساء. قال الكلبي: (من لباس الثور) (٥).
قال ابن عباس: (يريد أن لك ما دمت في الجنة ألا تجوع فيها) (٦). (ولا تعرى) يقال: عَرِيَ فلان من ثوبه يَعْرَى عُرْيًا فهو عَارٍ وعُرْيَانٌ، والأنثى عُرْيَانَةٌ وعَرِيَةٌ والمصدر العُرِي وسمي العُرْيَان العُرِي (٧). ومنه الحديث: (أن
(٢) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ٢٢٢، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٨، "زاد المسير" ٥/ ٣٢٨، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٨٦.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٩٣.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٩٣. "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧٨، "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٥٩.
(٥) ذكر نحوه الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٢٥ ب.
(٦) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ٢٢٢، "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٧، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٩، "القرطبي" ١١/ ٢٥٣، "ابن كثير" ٣/ ١٨٦.
(٧) فرس عري، أي: لا سرج عليه ولا غيره. يقال: دابة عري، وخيل أعراء، ورجل عريان، وامرأة عريانه إذا عريا من أثوابهما. =
قال الأزهري: (والعرب تقول: فَرَس عُرْيٌ. وخَيل أَعْرَاءٌ ولا يقال رَجل عُرْيٌ)] (٢) (٣).
١١٩ - قوله: ﴿وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا﴾ قال أبو إسحاق: ﴿وَأَنَّكَ﴾ في موضع نصب نسقا على قوله: ﴿أَلَّا تَجُوعَ﴾ ويجوز أن تكون في موضع رفع، وإن كان معطوفًا على اسم إن؛ لأن معنى إن زيدًا قائم زيد قائم، فيكون المعنى ذلك أنك لا تظمأ) (٤). يعني كأنه لم يذكر أن في أول الآية الأولى. ومن قرأ: وإنك بالكسر على الاستئناف، وعطف جملة كلام على جملة (٥).
وقوله تعالى: (ولا تضحى) يقال: ضَحَا الرجل إذا برز للشمس فأصابه حرها، ضَحَا، وضُحِيًّا (٦). وقال النضر: (ضَحَا للشمس يَضْحَى،
(١) أخرج نحوه البخاري في الجهاد، باب مبادرة الإمام عند الفزع ٣/ ١٠٨٤، ومسلم، في الفضائل، باب في شجاعة النبي وتقدمه في العرب، والترمذي في "جامعه"، في الجهاد، باب ما جاء في الخروج عند الفزع ٤/ ١٧١، وابن ماجه في الجهاد باب الخروج في النفير ٢/ ٩٩٦، والإمام أحمد في "مسنده" ٢/ ١٤٧.
(٢) "تهذيب اللغة" (عرا) ٣/ ٢٣٧٣.
(٣) من قوله: (أمت وملأ سقاءه..) ص ٥٢٣ إلى هنا ساقط من نسخة (ش).
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧٨.
(٥) قرأ نافع، وعاصم في رواية أبي بكر: (وإِنك) بكسر الألف، وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: (وأَنك) مفتوحة الألف.
انظر: "السبعة" ص ٤٢٤، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٥١، "المبسوط في القراءات" ص ٢٥١، "حجة القراءات" ص ٤٦٤.
(٦) انظر: "تهذيب اللغة" (ضحا) ٣/ ٢٠٩٣، "مقاييس اللغة" (ضحى) ٣/ ٢٩١، =
وقال ابن الأعرابي: (ضَحِيْتُ للشمس، وضحَيْتُ، أَضْحَى منهما جميعًا) (٢). وحكى شمر: (ضَحِي، يَضْحَى، ضُحِيًا، وضَحَا، يَضْحُو، ضُحُوًّا) (٣). وأنشد الزجاج (٤):
رَأَتْ رَجُلاً أَمَّا إِذَا الشَّمْسُ عَارَضَتْ | فَيَضحَى وأَمَّا بِالعَشِّي فَيَخْصَر |
وقال في رواية عكرمة: (لا تصيبك الشمس) (٦). وقال في رواية الوالبي، وعطاء: (لا يصيبك فيها حر ولا عطش) (٧). والمعنى: لا تبرز
(١) "تهذيب اللغة" (ضحا) ٣/ ٢٠٩٣.
(٢) "تهذيب اللغة" (ضحا) ٣/ ٢٠٩٣، "لسان العرب" (ضحا) ٥/ ٢٥٥٩.
(٣) "تهذيب اللغة" (ضحا) ٣/ ٢٠٩٣، "لسان العرب" (ضحا) ٢٥٥٩.
(٤) البيت لعمرو بن أبي ربيعة.
انظر: "ديوانه" ص ٩٤، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧٨، "الأغاني" ١/ ٨١، "خزانة الأدب" ٥/ ٣١٥، "المحتسب" ١/ ٢٨٤، "مغني اللبيب" ١/ ٥٥، "الممتع في التصريف" ١/ ٣٧٥، "تهذيب اللغة" (ضحا) ٣/ ٢٠٩٣، "لسان العرب" (ضحا) ٥/ ٢٥٥٩.
(٥) ذكر نحوه الطبري ١٦/ ٢٢٣ بدون نسبة، وكذلك السيوطي في "الدر" ٤/ ٥٥٥.
(٦) "جامع البيان" ١٦/ ٢٢٣، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٥ ب، "عالم التنزيل" ٥/ ٢٩٩، "الدر المنثور" ٤/ ٥٥٥.
(٧) "جامع البيان" ١٦/ ٢٢٣.
١٢٠ - وقوله تعالى: ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ﴾ كقوله: ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ﴾ في سورة الأعراف [٢٠] ﴿قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ﴾ قال الكلبي: (على شجرة من أكل منها لم يمت) (١). (وملك لا يبلى) لا يفنى. قال ابن عباس: (وهذا كقوله: ﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ﴾ [الأعراف: ٢٠]) (٢).
١٢١ - قوله تعالى: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ﴾ قال الكلبي: (بأكله من الشجرة) (٣). (فغوى) أي: فعل ما لم يكن له فعله (٤). وقيل: (ظل حيث طلب الخلد والملك بأكل ما نهي عن أكله) (٥). هذان قولان حكاهما المفسرون.
وقال ابن الأعرابي: (الغي: الفساد) (٦).
وقوله تعالى: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ أي: فسد عليه عيشه، وقال ابن قتيبة: (الغي ضد الرشد، كما أن المعصية ضد الطاعة) (٧).
(٢) وذكر القول ابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ٣٢٩، بدون نسبة.
(٣) ذكره البغوي في "تفسيره" ٥/ ٢٢٣ بدون نسبة، وكذلك السمرقندي في "تفسيره" ٢/ ٣٥٧.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ٢٢٤، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٥ ب، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٢٩.
(٥) "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٧، "عالم التنزيل" ٥/ ٢٢٣.
(٦) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٢٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٥٧، "تهذيب اللغة" (غوى) ٨/ ٢١٨، وذكره الشنقيطي في "أضواء البيان" ٤/ ٥٣٥، وقال: وهذا خلاف الظاهر.
(٧) قال القرطبي في "تفسيره" ١١/ ٢٥٧: (فغوى) فسد عليه عيشه بنزوله إلى الدنيا، والغي الفساد، وهو تأويل حسن، وهو أولى من تأويل من يقول (غوى) معناه ضل، من الغي الذي هو ضد الرشد.
١٢٢ - وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ﴾ قال ابن عباس: (اصطفاه وتاب عليه) (٣). عاد عليه بالعفو.
﴿هَدَى﴾ قال الكلبي: (هداه بالتوبة) (٤).
١٢٣ - ﴿قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا﴾ قال ابن عباس: (يريد آدم وإبليس) (٥).
(٢) قال أبو بكر بن العربي في "أحكام القرآن" ٣/ ١٢٦١: "لا يجوز لأحد منا اليوم أن يخبر بذلك عن آدم إلا إذا ذكرناه في أثناء قوله تعالى عنه، أو قول نبيه، فأما أن يتبدئ ذلك من قبل نفسه فليس بجائز في آبائنا الأدنين إلينا، المماثلين لنا، فكيف في أبينا الأقدم الأعظم الأكرم النبي المقدم، الذي عذره الله -عز وجل- وتاب عليه وغفر له). وانظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٥٥، "التفسير الكبير" ٢٢/ ١٢٨، "أضواء البيان" ٤/ ٥٣٨.
(٣) ذكره الطبري في "جامع البيان" ١٦/ ٢٢٤، بدون نسبة، وكذلك البغوي في "معالم التنزيل" ٥/ ٣٠٠.
(٤) ذكر هـ السمرقندي في "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٧ بدون نسبة. وكذلك البغوي ٥/ ٣٠٠.
(٥) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ٢٢٤، "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٧، "زاد المسير" ٥/ ٣٣٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٥٨. =
وقوله تعالى: ﴿فَلَا يَضِلُّ﴾ أي: في الدنيا (ولا يشقى) [في الآخرة. قال ابن عباس: (أجار الله تابع القرآن من أن يضل في الدنيا أو يشقى في الآخرة ثم قرأ: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾] (٢) (٣).
١٢٤ - ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي﴾ قال ابن عباس: (يريد عن موعظتي) (٤). وقال الكلبي: (عن القرآن فلم يؤمن به ولم يتبعه) (٥).
﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ الضَّنْك أصله في اللغة: الضيق والشدة، وكل ما ضاق فهو ضَنْك يقال: منزل ضَنْك، وعيش ضَنْك، وضَنُك عيشه يَضْنَك ضَنَاكَة وضَنْكًا (٦).
وأنشد أبو عبيدة قول عنترة (٧):
(١) عند قوله سبحانه في سورة البقرة الآية رقم: (٣٨): ﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (ص).
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ٢٢٤، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٦ أ، "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٧، "النكت والعيون" ٣/ ٤٣١، "معالم التنزيل" ٥/ ٣٠٠، "الدر المنثور" ٤/ ٥٥٦.
(٤) "زاد المسير" ٥/ ٣٣٠.
(٥) "زاد المسير" ٥/ ٣٣٠، وذكره السمرقندي ٢/ ٣٥٧، والبغوي في "معالم التنزيل" ٥/ ٣٠١ بدون نسبة.
(٦) انظر (ضنك) في: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢١٣٨، "مقاييس اللغة" ٣/ ٣٧٣، "القاموس المحيط" (الضنك) ٤/ ٣١١، "الصحاح" ٤/ ١٥٩٨، "لسان العرب" ٥/ ٢٦١٣، "المفردات في غريب القرآن" ٢٩٩.
(٧) البيت لعنترة. =
إِنَّ المَنِيةَ لَو تُمَثَّلُ مُثِّلَتْ | مِثلي إِذَا نَزَلُوا بِضَنْكِ المَنْزِلِ |
وأكثر ما جاء في التفسير المعيشة الضَنْك: (أنه عذاب القبر) عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعن أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وابن مسعود (٢).
وقال الحسن، والكلبي، وابن زيد، وقتادة: (هو عذاب النار، وأكل الزقوم، والغسلين، والضريع) (٣).
(١) "تهذيب اللغة" (ضنك) ٣/ ٢١٣٨.
(٢) أخرجه الطبري في "جامع البيان" ١٦/ ٢٢٧، والصنعاني في "تفسيره" ٢/ ٢١، والثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٢٦ أ، والهواري في "تفسيره" ٣/ ٧٥، والسمرقندي في "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٧، والماوردي في "النكت" ٢/ ٤١٣، والبغوي في "معالم التنزيل" ٥/ ٣٠١، والسيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ٥٥٧، والحاكم في "المستدرك"، كتاب التفسير- سورة طه ٢/ ٣٨١ وقال: هذا الحديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وذكره "مجمع الزوائد" في "كتاب التفسير" سورة طه ٧/ ٦٧ وقال: رواه الطبراني، وفيه المسعودي وقد اختلط وبقية رجاله ثقات.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ٢٢٦، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٦ أ، "النكت والعيون" ٣/ ٤٣١، "معالم التنزيل" ٥/ ٣٠١ "الكشف" ٢/ ٥٥٨، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ١١/ ٢٥٩، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٨٧، "الدر المنثور" ٤/ ٥٥٨، ولعل المراد ما جاء في الآيات التالية: =
وقال في رواية الوالبي: (الشقي) (٢) (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ قيل في التفسير: (أعمى البصر) (٤). وقيل: (أعمى الحجة) (٥).
قال أبو إسحاق: (وتأويله أنه لا حجة له يهتدي إليها، أن له حجة
والغسلين ورد في قوله سبحانه في سورة الحاقة: ﴿وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ﴾.
والضريح ورد في قوله سبحانه في سورة الغاشية: ﴿لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ﴾.
(١) "زاد المسير" ٥/ ٢٢٨، "روح المعاني" ١٦/ ٢٧٧. وذكره الطبري في "جامع البيان" ١٦/ ٢٢٦ ونسبة لأبي سعيد الخدري، وكذلك البغوي في "تفسيره" ٥/ ٣٠١.
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ٢٢٦، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٦ أ، "معالم التنزيل" ٥/ ٣٠١، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٨٧، "الدر المنثور" ٤/ ٥٥٧.
(٣) قال الشنقيطي في "أضواء البيان" ٤/ ٥٤٨: (قد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي هريرة أن المعيشة الضنك في الآية: عذاب القبر. وبعض طرقه بإسناد جيد كما قاله ابن كثير في تفسير هذه الآية، ولا ينافي ذلك شمول المعيشة الضنك لمعيشته في الدنيا، وطعام الضريع، والزقوم، فتكون معيشته ضنكًا في الدنيا والبرزخ والآخرة، والعياذ بالله تعالى).
وانظر: "جامع البيان" ١٦/ ٢٢٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٥٩، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٨٧.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ٢٢٩، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٦ أ، "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٨، "النكت والعيون" ٣/ ٤٣١، "معالم التنزيل" ٥/ ٣٠١، "المحرر الوجيز" ١٥/ ١٠٧.
(٥) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ٢٠، "جامع البيان" ١٦/ ١٦٥، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٦ أ، "تفسيركتاب الله العزيز" ٣/ ٥٨، "معالم التنزيل" ٥/ ٣٠١، "الدر المنثور" ٤/ ٥٥٨.
وقال غيره: (العمى إذا أطلق كان الظاهر عمى البصر) (٢). وعلى هذا يدل ما بعده من.
١٢٥ - قوله: ﴿قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى﴾ عن حجتي ﴿وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا﴾ بها في الدنيا، ولا أدري كيف وجه هذا، ومتى كان الكافر بصيرًا بحجته، ولا حجة له في الدنيا ولا في الآخرة (٣).
١٢٦ - قوله تعالى: ﴿قَالَ كَذَلِكَ﴾ أي: قال الله مجيبًا لهذا الكافر كذلك الأمر كما ترى.
﴿أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا﴾ تركتها ولم تؤمن بها ﴿وَكَذَلِكَ﴾ وكما تركتها ﴿الْيَوْمَ تُنْسَى﴾ تترك في النار. هذا قول ابن عباس، والكلبي، وأهل التفسير (٤).
(٢) ذكرت نحوه كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "المحرر الوجيز" ١٠/ ١٠٧، "البحر المحيط" ٦/ ٢٨٧، "روح المعاني" ١٦/ ٢٨٧، "إرشاد العقل السليم" ٦/ ٤٨.
(٣) قال الطبري -رحمه الله- في "تفسيره" ١٦/ ٢٢٩: (والصواب من القول في ذلك عندنا أن الله عز شأنه وجل ثناؤه عم بالخبر عنه بوصفه نفسه بالبصر ولم يخصص منه معنى دون معنى فذلك على ما عمه فإذا كان ذلك كذلك فتأويل الآية: قال رب لم حشرتني أعمى عن حجتي ورؤية الأشياء وقد كنت في الدنيا ذا بصر بذلك كله). وانظر: "المحرر الوجيز" ١٥/ ١٥٨، "البحر المحيط" ٦/ ٢٨٧، "أضواء البيان" ٤/ ٥٤٨.
ويشهد لهذا قوله تعالى في سورة بني إسرائيل الآية رقم (٩٧): ﴿وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا﴾.
(٤) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ٢٠، "جامع البيان" ١٦/ ٢٣٠، "الكشف والبيان" =
١٢٨ - قوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ﴾ نبين لهم إذا نظروا يعني لكفار مكة ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا﴾ قال الفراء: (﴿كَمْ﴾ في موضع نصب بأهلكنا، ومثله من الكلام: أو لم يتبين لكم من يعمل خيرًا يجز به، فجملة الكلام فيها معنى رفع، ومثله أن تقول: قد تبين لي أقام عبد الله أم زيد) (٢).
قال أبو إسحاق: (والمعنى أفلم يتبين لهم الأمر بإهلاك من قبلهم من القرون) (٣).
(١) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١٦/ ٢٣١ بدون نسبة، وذكره "الدر المنثور" ٤/ ٥٥٩ ونسبة لسفيان.
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٩٥.
قال ابن جرير الطبري في "تفسيره" ١٦/ ١٦٧ بعد أن ذكر قول الفراء: (وليس الذي قال الفراء من ذلك كما قال: لأن كم وإن كانت من حروف الاستفهام فإنها لم تجعل في هذا الموضع للإستفهام بل هي واقعة موقع الأسماء الموصوفة، ومعنى الكلام ما قد ذكر قبل وهو أفلم يتبين لهم كثرة إهلاكنا قبلهم القرون التي يمشون في مساكنهم، أو أفلم تهدهم القرون الهالكة، وقد ذكر أن ذلك في قراءة عبد الله: أفلم يهد لهم من أهلكنا، فكم واقعة موقع من في قراءة عبد الله هي في موضع رفع بقوله: يهد لهم، وهو أظهر وجوهه وأصح معانيه، وإن كان للذي قاله وجه ومذهب على بعد).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧٩.
١٢٩ - وقوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ﴾ أي: في تأخير العذاب عن هؤلاء الكفار إلى يوم القيامة وهو قوله: ﴿وَأَجَلٌ مُسَمًّى﴾ يعني القيامة وهو عطف على الكلمة، وقد أخر عن موضعه والتقدير: ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان لزامًا (٢). هذا قول الجميع.
وقال مجاهد: [﴿وَأَجَلٌ مُسَمًّى﴾ يعني الدنيا (٣). وعلى هذا الأجل في تركهم عن العذاب، ومن قال: هو القيامة] (٤) فهو أجل تعذيبهم، واللِزَام يجوز أن يكون فعالا من الملازمة، ويجوز أن يكون مصدرًا كاللزوم، والمعنى: لكان العذاب لازمًا لهم، فهو مصدر وصف به، وأضمر اسم كان، وهو العذاب لتقدم ذكره وللعلم به (٥)، والمعنى: لعذبوا في الدنيا ولزمهم العذاب كما لزم القرون الماضية لما كذبوا الرسل، هذا معنى الآية.
ويشهد لهذا قوله سبحانه في سورة إبراهيم الآية رقم: (٤٥): ﴿وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ﴾.
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ٢٣٢، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٦ أ، "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٨، "النكت والعيون" ٢/ ٤٣٢، "الدر المنثور" ٤/ ٥٥٩.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ٢٣٢.
(٤) ما بين المعقوفين مكرر في الأصل وفي نسخة (س).
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" (لزم) ٤/ ٣٢٦٠، "القاموس المحيط" (لزم) ٤/ ١٧٥، "الصحاح" (لزم) ٥/ ٢٠٢٩، "لسان العرب" (لزم) ٧/ ٤٠٢٧.
ونحو هذا روى ثعلب عن ابن الأعرابي: (اللَّزْمُ: فصل الشيء من قوله تعالى: ﴿لَكَانَ لِزَامًا﴾ أي: فيصلاً) (٢). وعلى هذا معنى الآية: لكان العذاب فصلاً بينك وبين قومك، أي: لوقع الفصل بتعذيبهم، وتخبط المفسرون في تفسير اللِّزَام فقالوا: (أخذا وموتًا، وعذاب يوم بدر) (٣) (٤). وكلل ذلك وَهْم لا يصح تفسير اللزام به، وتصحيحه أن يقال: لكان الأخذ أو الموت أو القتل كما وقع ببدر لزامًا، أي: لازما لهم فالذي ذكروا في تفسير اللزام هو تفسير المضمر من اسم كان لا تفسير اللزام (٥).
(٢) "تهذيب اللغة" (لزم) ٤/ ٣٢٦٠.
(٣) بدر: هو ماء مشهور بين مكة والمدينة، أسفل وادي الصفراء، بينه وبين المدينة ثمانية وعشرون فرسخًا، وفيه حصلت الموقعة المشهورة بين المسلمين وكفار قريش في رمضان سنة ٢ للهجرة، وبدر الآن فيها إمارة متابعة لإمارة المدينة المنورة، وغالب سكانها بنو سالم بن حرب.
انظر: "معجم ما استعجم" ١/ ٢٣١، "معجم البلدان" ١/ ٣٥٧، "معجم المعالم الجغرافية" ٤١، "مراصد الاطلاع" ١/ ١٧٠، "قاموس الأمكنة والبقاع" ص ٤٦.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ٢٣٢، "النكت والعيون" ٣/ ٤٣٢، "المحرر الوجيز" ١٠/ ١١١، "زاد المسير" ٥/ ٣٣٣، "الدر المنثور" ٤/ ٥٥٩.
(٥) قال ابن جرير الطبري -رحمه الله- في "تفسيره" ١٦/ ٢٣٢: (ولولا كلمة سبقت من ربك يا محمد أن كل من قضى له أجلاً فإنه لا يخترمه قبل بلوغه أجله ﴿وَأَجَلٌ مُسَمًّى﴾ يقول وقت مسمى عند ربك سماه لهم في أم الكتاب وخطه فيه هم بالغوه ومستوفوه لكان لزامًا يقول للازمهم الهلاك عاجلاً).
وانظر: "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة ٢٠٩، "غريب القرآن" ٢٨٣، "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٩٥، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٨٠.
والذي يظهر لي والله أعلم أنه لا نسخ في هذه الآية، فالآية تأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالصبر على ما كان يفعله كفار قريش وما يقولونه ويتهمونه به، وفي نفس الوقت تتوعد المشركين بعقاب الله الشديد في الآخرة، فلا تعارض بين الأمر بالصبر وقتالهم. انظر: "الناسخ والمنسوخ" للنحاس ٢٥١، "نواسخ القرآن" لابن الجوزي ٣٩٩، "قلائد المرجان في بيان الناسخ والمنسوخ" ١٤٠، "ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه" ٤٠.
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ٢٣٣، "معالم التنزيل" ٥/ ٣٠٢، "زاد المسير" ٥/ ٣٣٣.
(٣) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ٢٠، "جامع البيان" ١٦/ ١٦٨، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٦/ أ، "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٨، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٨٨.
(٤) في نسخة (ص): أناء الليل ساعاته.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" (أنى) ١/ ٢٢٥، "القاموس المحيط" (أنى) ٤/ ٣٠١، "الصحاح" (أنا) ٦/ ٢٢٧٣، "لسان العرب" (أنى) ١/ ١٦٧.
(٦) هذا عجز بيت ينسب لأبي أثيلة المتنخل الهذلي، ولم أقف عليه منسوبًا للأعشى. وصدر البيت:
حُلْو وَمْر كَعَطْفِ الاقِدْح مِرَتُهُ
انظر: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ١٠٢، "شرح أشعار الهذليين" ٣/ ١٢٨٣، "الشعر والشعراء" ٢/ ٦٦٦، "المنصف" ٧/ ١٠٧، "كتاب حروف المدود والقصور" ٦٤، "تهذيب اللغة" (أنى) ١/ ٢٢٥، "لسان العرب" (أنى) ١/ ١٦١، "الصحاح" (أنا) ٦/ ٢٢٧٣.
وأنشد بن الأعرابي في الإنى (١):
أَتَمَّتْ حَمْلَهَا في نِصْف شَهر | وَحَمْلُ الحَامِلاَتِ إِنىً طَويلُ |
وقوله تعالى: ﴿لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾ قال ابن عباس: (يريد: الثواب
(٢) "معالم التنزيل" ٥/ ٣٠٢، "زاد المسير" ٥/ ٢٣٠.
(٣) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ٢٠، "جامع البيان" ١/ ٢٣٣٦، "زاد المسير" ٥/ ٣٣٣، "الدر المنثور" ٤/ ٥٥٩.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٩٥.
(٥) "تهذيب اللغة" (طرف) ٣/ ٢١٨١.
(٦) "جامع البيان" ١٦/ ٢٣٣، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٥٩.
(٧) "تهذيب اللغة" (طرف) ٣/ ٢١٨١.
ضم التاء وفتحها (٢). فمن فتح التاء وهو الذي فسره ابن عباس فحجته قوله: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ [الضحى: ٥]. ومن ضم التاء فحجته قوله: ﴿وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ [مريم: ٥٥] ويكون المعنى لعلك ترضى بفعل ما أمرك به من الأفعال التي يرضاها الله، أو ترضى بما تعطاه من الدرجة الرفيعة (٣). واختار أبو عبيد هذه القراءة لاحتمالها معنيين أحدهما: ترضى: تعطى الرضى، والآخر: يرضاك الله، قال: (وتصديقها قوله: ﴿وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ [مريم: ٥٥] قال: وليس في الآخرة إلا وجه واحد) (٤). هذا كلامه.
١٣١ - قوله تعالى: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ﴾ الآية، قال أبو رافع (٥): (نزل
(٢) قرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، وعا صم في رواية حفص: (لعلك تَرضى) بفتح التاء، وقرأ الكسائي، وعاصم في رواية أبي بكر: (لعلك تُرضى) بضم التاء.
انظر: "السبعة" ص ٤٢٥، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٥٢، "المبسوط في القراءات" ص ٢٥١، "التبصرة" ص ٢٦١
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ٢٣٤، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٦، "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٩.
(٤) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٥٣، "حجة القراءات" ص ٤٦٤.
(٥) أبو رافع، مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، اشتهر بكنيتته، واسمه على المشهور أسلم، دخل في الإسلام قبل بدر ولم يشهدها، وشهد أحدًا وما بعدها، وروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- =
انظر: "الاستيعاب" ١/ ٦١، "الإصابة" ١/ ٥٤، "الكاشف" ٣/ ٢٩٤.
(١) الرهن: ما وضع عند الإنسان مما ينوب مناب ما أخذ منه. يقال: رهنت فلانًا دارًا رهنًا، وارتهنته إذا أخذه رهنًا.
انظر: "تهذيب اللغة" (رهن) ٢/ ١٤٩١، "القاموس المحيط" (رهن) ٤/ ٢٣٠، "الصحاح" (رهن) ٥/ ٢١٢٨، "لسان العرب" (رهن) ٣/ ١٧٥٧.
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ٢٣٥، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٦ ب، "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٩، "النكت والعيون" ٣/ ٤٣٣، "معالم التنزيل" ٥/ ٣٠٣، "الدر المنثور" ٤/ ٥٦٠، "أسباب النزول" للواحدي ص ٣١٣، "لباب القول في أسباب النزول" ص ١٤٧، "جامع النقول في أسباب النزول" ص ٢١٧. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" ١٠/ ١٢٦، "كتاب البيوع"، باب البيع إلى أجل. وقال: رواه الطبراني في "الكبير" والبزار وفيه موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف.
وذكره ابن حجر في "الكافي الشاف" ص ١٠٩ وقال: (وفيه موسى بن عبيدة وهو متروك).
وقال ابن عطية -رحمه الله- في "تفسيره" ١٠/ ١١٦ بعد ذكر هذا القول: (وهذا معترض أن يكون سببا لأن السورة مكية والقصة المذكورة مدنية في آخر عمر النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنه مات ودرعه مرهونة بهذه القصة اقي ذكرت، وإنما الظاهر أن الآية متناسقة مع ما قبلها وذلك أن الله تعالى وبخهم على ترك الاعتبار بالأمم السالفة ثم توعدهم بالعذاب المؤجل ثم أمر نبيه بالاحتقار لشأنهم والصبر على أقوالهم والإعراض عن أموالهم وما في أيديهم من الدنيا إذ ذاك منحصر عندهم صائر بهم إلى خزي).
وقوله تعالى: ﴿زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ قال ابن عباس، والسدي: (زينة الدنيا) (٤). وقال أهل اللغة: (زهرة الدنيا بهجتها ونضارتها وحسنها، وأصلها من زهرة الشجرة، وهي الأنوار التي تروق عند الرؤية) (٥). قال أبو إسحاق: (و ﴿زَهْرَةَ﴾ منصوب بمعنى متعنا؛ لأن معناه جعلنا لهم ما متعناهم به زهرة الحياة الدنيا) (٦).
(٢) عند قوله سبحانه في سورة الحجر الآية رقم: (٨٨): ﴿لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾.
(٣) "معالم التنزيل" ٣/ ٢٣٧.
(٤) "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٨٩، وذكره الطبري في "تفسيره" ١٦/ ٢٣٥ ونسبة لقتادة، وكذلك الماوردي في "النكت والعيون" ٣/ ٤٣٣، والسيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ٥٦٠.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" (زهر) ٢/ ١٥٦٩، "مقاييس اللغة" (زهر) ٣/ ٣١، "القاموس المحيط" (الزهرة) ٢/ ٤٣، "الصحاح" (زهر) ٢/ ٦٧٤، "لسان العرب" (زهر) ٣/ ١٨٧٧.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٨٠.
وقال أبو إسحاق: (لنجعل ذلك فتنة لهم) (٢).
قال ابن عباس: (ضلالة مني لهم) (٣). وعلى هذا معنى لنفتنهم فيه لنضلهم بأن أقلد لهم النعمة فيزيدوا كفرًا وطغيانًا. وهذا تفسير أشبه بحال الكفار وبمعاملة الله معهم.
﴿وَرِزْقُ رَبِّكَ﴾ قال ابن عباس: (يريد: في المعاد) (٤). وقال السدي وعْيره: (يعني الجنة) (٥) ﴿خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ أكبر وأدوم.
١٣٢ - قوله تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ﴾ روي: (أنه لما نزلت هذه الآية كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذهب إلى علي وفاطمة كل صباح فيقول: "الصلاة" فكان يفعل ذلك أشهر متوالية) (٦).
ومعنى الأهل هاهنا: قومه ومن كان على دينه (٧). وذكرنا هذا عند
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٨١.
(٣) "التفسير الكبير" ٢٢/ ١٣٦.
(٤) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "المحرر الوجيز" ١٠/ ١١٩، "معالم التنزيل" ٥/ ٣٥٤، "زاد المسير" ٥/ ٣٣٥، "الكشاف" ٢/ ٥٦٠، "الباب التأويل" ٤/ ٢٨٧.
(٥) "الدر المنثور" ٤/ ٥٦٠، وذكره السمرقندي في "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٩ بدون نسبة.
(٦) "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٦٣، "التفسير الكبير" ٢٢/ ٧١٣٧، "روح المعاني" ١٦/ ٢٨٤، "فتح القدير" ٣/ ٥٦٤.
(٧) "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٦١، "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٩، "النكت والعيون" ٣/ ٤٣٤، "معالم التنزيل" ٥/ ٣٠٤، "زاد المسير" ٥/ ٣٣٥
﴿وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ للاستعانة على الصبر عن محارم الله -عز وجل-؛ لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر (١). ﴿لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا﴾ قال ابن مسلم: (لا نسألك رزقا لخلقنا، ولا رزقا لنفسنا) (٢). ﴿نَحْنُ نَرْزُقُكَ﴾ قال عبد الله بن سلام: (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أنزل بأهله ضيق أو قال شدة أمرهم بالصلاة ثم تلا هذه الآية) (٣).
وقوله: ﴿وَالْعَاقِبَةُ﴾ قال ابن عباس، والسدي: (يريد: بالعاقبة الجنة) (٤).
وقوله تعالى: ﴿لِلتَّقْوَى﴾ قال الأخفش: (أي لأهل التقوى) (٥). قال ابن عباس: (يريد: الذين صدقوك واتبعوك واتقوني) (٦).
١٣٣ - قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا﴾ يعني المشركين ﴿لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ هلا يأتينا محمد بآية من ربه كما أتى بها الأنبياء نحو الناقة والعصا (٧). قال أبو إسحاق: (وقد أتتهم الآيات ولكنهم طلبوا أن يأتيهم ما
(٢) ذكرته كتب التفسير من غير نسبة. انظر: "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٩، "معالم التزيل" ٥/ ٣٠٤، "زاد المسير" ٥/ ٣٣٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٦٣.
(٣) "معالم التزيل" ٥/ ٣٠٤، "الدر المنثور" ٥/ ٥٦١، "التفسير الكبير" ٢٢/ ١٣٧، "روح المعاني" ١٦/ ٢٨٥، "فتح القدير" ٣/ ٥٦٤.
(٤) "الدر المنثور" ٤/ ٥٦١، "التفسير الكبير" ٢٢/ ١٣٧.
(٥) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٣١.
(٦) "معالم التزيل" ٥/ ٣٠٤.
(٧) "جامع البيان" ١٦/ ٢٣٧، "زاد المسير" ٥/ ٣٣٦، "الجامع لأحكام القرآن" =
قال الله: ﴿أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى﴾ يعني: أو لم تأتيهم بالقرآن ببيان ما في التوراة والإنجيل والكتب المتقدمة، وذلك أعظم آية إذ أخبر أُمِّي بما فيها من غير قراءة كتاب على ما تصدقه أهل الكتب. هذا معنى قول الكلبي وغيره (٢).
وفيه قول آخر وهو: (أن المعنى أولم تأتهم ببيان ما في الكتب من أنباء الأمم التي أهلكناهم لما سألوا الآيات ثم كفروا بها فماذا يؤمنهم أن يكون حالهم في سؤال الآية كحال أولئك، وإنما أتاهم هذا البيان في القرآن) (٣). وقال بعض أهل التفسير: ﴿بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى﴾ ما تقدم من البشارة بمحمد -صلى الله عليه وسلم- في الكتب المتقدمة وبيان نعته وصفته) (٤).
وقوله سبحانه في سورة الشعراء: ﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ﴾.
(١) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٨١.
(٢) "الكشف والبيان" ٣/ ٢٧، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٩٥، "التفسير الكبير" ٢٢/ ١٣٧.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ٢٣٧، "معالم التنزيل" ٥/ ٣٠٤، "زاد المسير" ٥/ ٣٣٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٦٤.
(٤) "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٦٤، "التفسير الكبير" ٢٢/ ١٣٧.
كما قال سبحانه في سورة الصف الآية رقم (٦): ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾.
١٣٥ - قوله تعالى: ﴿قُلْ﴾ أي: قل لهم يا محمد ﴿كُلٌّ﴾ منا ومنكم ﴿مُتَرَبِّصٌ﴾ مهو نحن نتربص بكم وعدا لنا فيكم، وأنتم تتربصون بنا الدوائر فتستريحوا منا (١). ﴿فَتَرَبَّصُوا﴾ أي: فانتظروا.
﴿فَسَتَعْلَمُونَ﴾ إذا جاء أمر الله وقامت القيامة ﴿مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ﴾ قال ابن عباس: (يريد الدين المستقيم) (٢).
﴿مَنِ اهْتَدَى﴾ أي: من الضلالة أنحن أم أنتم.
(٢) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "النكت والعيون" ٣/ ٤٣٤، "معالم التنزيل" ٥/ ٣٠٥، "زاد المسير" ٥/ ٣٣٧، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٦٥، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٩٠.
وزارة التعليم العالي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
عمادة البحث العلمي
التَّفْسِيرُ البَسِيْط
لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
من أول سورة الأنبياء إلى آية (٥٦) من سورة المؤمنون
تحقيق
د. عبد الله بن عبد العزيز بن محمد المديميغ
أشرف على طباعته وإخراجه
د. عبد العزيز بن بسطام آل سعود | أ. د. تركي بن سهو العتيبي |
لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
[١٥]
فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر
الواحدي، علي بن أحمد
التفسير البسيط لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨)./ عبد الله بن عبد العزيز بن محمد المديميغ، الرياض
١٤٣٠ هـ.
٢٥ مج. (سلسلة الرسائل الجامعية)
ردمك: ٤ - ٨٥٧ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (مجموعة)
٧ - ٨٧٢ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (ج ١٥)
١ - القرآن تفسير... ٢ - الواحدي، علي بن أحمد
أ- العنوان... ب- السلسلة
ديوي ٢٢٧. ٣... ٨٦٨/ ١٤٣٠
رقم الإيداع: ٨٦٨/ ١٤٣٠ هـ
ردمك: ٤ - ٨٥٧ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (مجموعة)
٧ - ٨٧٢ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (ج ١٥)
وزارة التعليم العالي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
عمادة البحث العلمي
التَّفْسِيرُ البَسِيْط
لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
من أول سورة الأنبياء إلى آية (٥٦) من سورة المؤمنون
تحقيق
د. عبد الله بن عبد العزيز بن محمد المديميغ
أشرف على طباعته وإخراجه
د. عبد العزيز بن بسطام آل سعود | أ. د. تركي بن سهو العتيبي |
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(٢٢) الحج
(٢٣) المؤمنون
حتى آية ٥٦