تفسير سورة الأنبياء

التيسير في أحاديث التفسير
تفسير سورة سورة الأنبياء من كتاب التيسير في أحاديث التفسير .
لمؤلفه المكي الناصري . المتوفي سنة 1415 هـ
الربع الأول من الحزب الثالث والثلاثين في المصحف الكريم
هذه السورة مكية باتفاق، وهي من سور القرآن الأول العتاق، روى البخاري من حديث عبد الرحمن بن زيد عن عبد الله بن مسعود أنه قال : " الكهف، ومريم، وطه، والأنبياء، من العتاق الأولى، وهن من تلادي ". يعني أنها من قديم ما كسب وحفظ من القرآن الكريم، كالمال التلاد.
ومن دقق النظر في خاتمة سورة ( طه ) التي فرغنا من تفسيرها، وفاتحة هذه السورة سورة الأنبياء التي نحن بصدد تفسيرها الآن يجد بين هذه الفاتحة وتلك الخاتمة تناسبا تاما، حتى إن قارئهما لا يشعر بأنه فارق الجو الذي كان فيه بالمرة، فقوله تعالى هناك :﴿ قل كل متربص فتربصوا، فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى ﴾ يتضمن إنذار المشركين والكافرين وتهديدهم بما ينتظرهم في دار الجزاء من عذاب وشقاء، وقوله هنا :﴿ اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ﴾ استمرار في نفس التهديد والإنذار، الموجهين من قبل إلى المشركين والكفار.
وبما أن " سورة الأنبياء " سورة مكية، والشأن في السورة المكية على العموم حسبما دل عليه الاستقراء أن تعنى قبل كل شيء بالدعامة الأولى للدين، وهي ( العقيدة ) بكل ما تتضمنه من توحيد ونبوة وساعة وبعث، فقد تركز الحديث في هذه السورة حول نفس الموضوع، وتخلل هذا الحديث وصف السنن الإلهية، والنواميس الكونية، التي يسير الكون بمقتضاها سيرا محكما منظما، مما هو برهان ناطق على وحدانية الله، وعنوان صادق على قدرته وحكمته.
وقبل أن نواصل تفسير الآيات البينات الواردة في هذه السورة، نرى من المفيد أن نعطي فكرة ولو مختصرة عن " الطريقة القرآنية " في معرفة وجود الخالق، التي نبه كتاب الله عليها، ودعا كل من أراد معرفة وجوده إليها، وذلك طبقا لما حققه فقيه المغرب والأندلس وحكيم الإسلام أبو الوليد الحفيد ابن رشد في كتابه ( الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة )، فقد اهتدى رحمه الله عن طريق استقراء الكتاب العزيز، إلى أن " الطريقة القرآنية " في هذا المجال تنحصر في نوعين اثنين :
النوع الأول أن جميع الموجودات موافقة لوجود الإنسان، ملائمة لحياته، وهذه الموافقة والملاءمة لا يمكن أن تكون بنت الصدفة ومجرد اتفاق محض، وإنما هي بالضرورة صادرة من قبل فاعل قاصد لذلك مريد له، وهو الله تعالى، ولنسم هذا النوع " دليل العناية ". فواجب على من أراد أن يعرف الله حق معرفته ويقدره حق قدره أن يفحص عن منافع الموجودات، ويتتبع الحكمة في كل موجود، ليعرف السبب الذي خلق من أجله، والغاية المقصودة به، وبذلك يكون وقوفه على دليل العناية أتم وأكمل. ومن أمثلة هذا النوع : موافقة المكان الذي يوجد فيه الإنسان وهو الأرض، وموافقة الليل والنهار والشمس والقمر، وموافقة الفصول الأربعة، وموافقة كثير من الحيوان والنبات والجماد، لقضاء ضروراته والحصول على حاجياته، وما يستفيده الإنسان وينتفع به من الأمطار والأنهار والبحار، إلى غير ذلك من الأشياء، من كل ما هو موافق لحياته، وملائم لوجوده.
النوع الثاني أن جميع الموجودات وجواهر الأشياء مخترعة مخلوقة، بما فيها النبات والحيوان والإنسان والجماد والأجرام، والأفلاك، وغيرها مما لا يعلمه إلا الله، وبديهي أن كل مخترع مخلوق إنما هو صادر من قبل فاعل مخترع خالق وهو الله تعالى، ولنسم هذا النوع " دليل الاختراع ". فواجب على من أراد أن يعرف الله حق معرفته، ويقدره حق قدره، أن يتعرف على جواهر الأشياء، ليقف على الاختراع الإلهي والحقيقي في جميع الموجودات، لأن من لم يعرف حقيقة الشيء لم يعرف حقيقة الاختراع، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى ﴿ أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء ﴾ [ الأعراف : ١٨٥ ]. ومن أمثلة هذا النوع : الجمادات التي تحدث فيها الحياة بعد أن لم تكن، فهي شهادة على أن هناك موجدا للحياة ومنعما بها، وهو الله تبارك وتعالى، والأفلاك التي لا تفتر لها حركة ولا يختل لها نظام، فهي ناطقة بأن هناك مسخرا يسخرها وهو الله تبارك وتعالى.
ومسند أبي الوليد ابن رشد فيما اهتدى إليه من " دليل العناية " و " دليل الاختراع " هو كتاب الله قبل كل شيء، ذلك أن آيات الذكر الحكيم الواردة في هذا المعنى إما آيات تتضمن التنبيه على " دلالة العناية "، وإما آيات تتضمن التنبيه على " دلالة الاختراع "، وإما آيات تجمع الأمرين معا، وهذا النوع هو الأكثر ورودا في القرآن :
مثال الآيات التي تتضمن " دلالة العناية " وحدها قوله تعالى :﴿ ألم نجعل الأرض مهادا * والجبال أوتادا * وخلقناكم أزواجا * وجعلنا نومكم سباتا * وجعلنا الليل لباسا * وجعلنا النهار معاشا * وبنينا فوقكم سبعا شدادا *وجعلنا سراجا وهاجا * وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا * لنخرج به حبا ونباتا * وجنات ألفافا ﴾ [ النبأ : ٦، ٧، ٨، ٩، ١٠، ١١، ١٢، ١٣، ١٤، ١٥، ١٦ ]. ومثله قوله تعالى :﴿ تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا ﴾ [ الفرقان : ٦١ ] ومثلهما قوله تعالى :﴿ فلينظر الإنسان إلى طعامه ﴾ [ عبس : ٢٤ ]، ومثل هذا كثير في القرآن.
ومثال الآيات التي تتضمن " دلالة الاختراع " وحدها قوله تعالى :﴿ فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماء دافق ﴾ [ الطارق : ٥، ٦ ] ومثل قوله تعالى :﴿ إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له ﴾ [ الحج : ٧٣ ]، ومثل قوله تعالى :﴿ أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ﴾ [ الغاشية : ١٧ ]، إلى غير ذلك من الآيات التي لا تحصى.
ومثال الآيات التي تجمع الدلالتين معا قوله تعالى ﴿ يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون * الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون ﴾ [ البقرة : ٢١، ٢٢ ]، فإن قوله :﴿ الذي خلقكم والذين من قبلكم ﴾ تنبيه على " دلالة الاختراع "، وقوله :﴿ الذي جعل لكم الأرض فراشا ﴾ إلى تمام الآية تنبيه على " دلالة العناية " قال ابن رشد : " فهذه الطريق هي الصراط المستقيم التي دعا الله الناس منها إلى معرفة وجوده، ونبههم على ذلك بما جعل في فطرتهم من إدراك هذا المعنى ".
ومجمل القول أن آيات التوحيد في كتاب الله تتجه إلى إبراز العناية والرعاية التي خص الله بها الإنسان، وإلى إبراز الإبداع والاختراع الذي أنشأ الله به الأكوان، ولا برهان على وجوده أوضح وأقرب إلى الأذهان، من مثل هذا البرهان.
والآن فلنمض على بركة الله في تفسير سورة الأنبياء.

يقول الله تعالى ردا على منكري البعث :﴿ اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ﴾، فالمراد باقتراب الحساب اقتراب وقته، ومن أجل هذا الاقتراب ينبغي لعقلاء الناس أن يعدوا العدة ويتأهبوا ليوم الحساب، حتى لا يرجعوا من الغنيمة بالإياب، وبنفس المعنى جاء قوله تعالى :﴿ اقتربت الساعة وانشق القمر ﴾ [ القمر : ١ ]، والقرب والبعد أمران نسبيان، فقد يكون قرب يوم الحساب، بالنسبة إلى علم الله وتقديره، على حد قوله تعالى :﴿ وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ﴾ [ الحج : ٤٧ ]، وقد يكون قرب يوم الحساب، بالنسبة لبقاء العالم، على اعتبار أن ما بقي من مدته أقصر مما مضى، على حد قوله صلى الله عليه وسلم : " بعثت أنا والساعة كهاتين ". ومهما يكن من أمر فإن كل ما هو آت قريب، وإن طال انتظاره قرونا وأجيالا.
يقول الله تعالى نعيا على الغافلين اللاهين :﴿ ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون * لاهية قلوبهم ﴾، والمراد بالذكر هنا كتاب الله، ووصفه ( بالمحدث ) يصدق بمعنيين اثنين : المعنى الأول أن القرآن إنما أنزل منجما سورة بعد سورة، وآية بعد آية، فكان نزوله يتجدد من وقت لآخر، ولم ينزل دفعة واحدة كما هو معلوم، على حد قوله تعالى :﴿ وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ﴾ [ الإسراء : ١٠٦ ]. والمعنى الثاني أن القرآن هو أحدث الكتب الإلهية نزولا وخاتمها بالمرة، على حد قول ابن عباس فيما روى عنه البخاري : " وكتابكم أحدث الكتب بالله، تقرأونه محضا لم يشب ".
يقول الله تعالى كشفا عما أصاب المشركين من حيرة وتناقض :﴿ وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون ﴾ ﴿ قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ﴾ فها هم حيارى مرتبكون، لا يدرون أي وصف يصفون به القرآن العظيم، شأن المبطلين الضالين الذين لا يثبتون على رأي، فتارة يجعلونه سحرا، وتارة يجعلونه شعرا، وتارة يجعلونه أضغاث أحلام، وتارة يجعلونه فرية من مفتريات الكلام، مصدقا لقوله تعالى في آية أخرى :﴿ انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا، فلا يستطيعون سبيلا ﴾ [ الإسراء : ٤٨ ] قال جار الله الزمخشري : " ويجوز أن يكون ذلك تنزيلا من الله لأقوالهم في درج الفساد، وان قولهم الثاني أفسد من الأول، والثالث أفسد من الثاني، والرابع أفسد من الثالث ". وهذه الحيرة والتناقض هما شعار أعداء القرآن في كل مكان، إلى الآن وحتى الآن. وقوله تعالى في أول هذه الآية حكاية عنهم :﴿ وأسروا النجوى ﴾ معناه بالغوا في إخفاء النجوى، إذ " النجوى " من التناجي وهو لا يكون إلا خفية، وإنما بالغوا في الإخفاء، مبالغة في كتمان سرهم عن جمهرة المسلمين، فكشف كتاب الله سرهم، وفضح أمرهم.
يقول الله تعالى زجرا للمشركين والكافرين، وإنذارا لهم بسوء العاقبة، إن أصروا على الشرك والكفر :﴿ وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين * فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون * لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون * قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين * فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين * ﴾، وبهذه الآيات استحضر كتاب الله أمام الأنظار مشهد الظالمين الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، ولم يؤدوا حقوق الله ولا حقوق العباد، مؤكدا أنه إذا حان مصرع الظالمين لم يفلتوا مهما حاولوا أن يفروا من العذاب، ولم ينفعهم الندم ولا العتاب، فما أكثر عدد الظالمين الذين هلكوا وبادوا، فألقي عليهم رداء النسيان، وباستئصالهم التام، وحصدهم كما يحصد الزرع، دخلوا في خبر كان.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:يقول الله تعالى زجرا للمشركين والكافرين، وإنذارا لهم بسوء العاقبة، إن أصروا على الشرك والكفر :﴿ وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين * فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون * لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون * قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين * فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين * ﴾، وبهذه الآيات استحضر كتاب الله أمام الأنظار مشهد الظالمين الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، ولم يؤدوا حقوق الله ولا حقوق العباد، مؤكدا أنه إذا حان مصرع الظالمين لم يفلتوا مهما حاولوا أن يفروا من العذاب، ولم ينفعهم الندم ولا العتاب، فما أكثر عدد الظالمين الذين هلكوا وبادوا، فألقي عليهم رداء النسيان، وباستئصالهم التام، وحصدهم كما يحصد الزرع، دخلوا في خبر كان.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:يقول الله تعالى زجرا للمشركين والكافرين، وإنذارا لهم بسوء العاقبة، إن أصروا على الشرك والكفر :﴿ وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين * فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون * لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون * قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين * فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين * ﴾، وبهذه الآيات استحضر كتاب الله أمام الأنظار مشهد الظالمين الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، ولم يؤدوا حقوق الله ولا حقوق العباد، مؤكدا أنه إذا حان مصرع الظالمين لم يفلتوا مهما حاولوا أن يفروا من العذاب، ولم ينفعهم الندم ولا العتاب، فما أكثر عدد الظالمين الذين هلكوا وبادوا، فألقي عليهم رداء النسيان، وباستئصالهم التام، وحصدهم كما يحصد الزرع، دخلوا في خبر كان.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:يقول الله تعالى زجرا للمشركين والكافرين، وإنذارا لهم بسوء العاقبة، إن أصروا على الشرك والكفر :﴿ وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين * فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون * لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون * قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين * فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين * ﴾، وبهذه الآيات استحضر كتاب الله أمام الأنظار مشهد الظالمين الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، ولم يؤدوا حقوق الله ولا حقوق العباد، مؤكدا أنه إذا حان مصرع الظالمين لم يفلتوا مهما حاولوا أن يفروا من العذاب، ولم ينفعهم الندم ولا العتاب، فما أكثر عدد الظالمين الذين هلكوا وبادوا، فألقي عليهم رداء النسيان، وباستئصالهم التام، وحصدهم كما يحصد الزرع، دخلوا في خبر كان.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:يقول الله تعالى زجرا للمشركين والكافرين، وإنذارا لهم بسوء العاقبة، إن أصروا على الشرك والكفر :﴿ وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين * فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون * لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون * قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين * فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين * ﴾، وبهذه الآيات استحضر كتاب الله أمام الأنظار مشهد الظالمين الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، ولم يؤدوا حقوق الله ولا حقوق العباد، مؤكدا أنه إذا حان مصرع الظالمين لم يفلتوا مهما حاولوا أن يفروا من العذاب، ولم ينفعهم الندم ولا العتاب، فما أكثر عدد الظالمين الذين هلكوا وبادوا، فألقي عليهم رداء النسيان، وباستئصالهم التام، وحصدهم كما يحصد الزرع، دخلوا في خبر كان.
يقول الله تعالى تنويها بعدله وحكمته، وتنبيها إلى أنه لم يخلق الإنسان ولا الأكوان عبثا :﴿ وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين ﴾ على غرار قوله تعالى في سورة الدخان :﴿ وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ﴾ [ الآية : ٣٨ ]،
ثم قال تعالى موضحا هذا المعنى أكمل توضيح :﴿ لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين * بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون * وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون * يسبحون الليل والنهار لا يفترون ﴾.
وواضح من السياق الذي وردت فيه هذه الآيات أنها ترمي إلى إثبات حقيقة واقعية لا جدال فيها، ألا وهي أن الله الذي طبع الطبيعة هو الذي شرع الشريعة، وكما أن نواميس الطبيعة التي أبدعها تضبط سير الأكوان، لأن قوانين الشريعة التي أنزها تضبط سلوك الإنسان، فما على الإنسان إلا أن يتحمل مسؤوليته كاملة ويطبق على سلوكه قوانين الشريعة، كما تطبق كافة الأكوان على سيرها نواميس الطبيعة، ولينظر الإنسان إلى حكمة الله السارية في الوجود، وإلى عنايته البارزة في كل موجود، فلا لعب ولا عبث في أفعال الحكيم العليم، ولا لهو ولا لغو في تصرفات الله العلي العظيم، وتعالى الله الملك الحق، الذي يبطل الباطل ويحق الحق. أما قوله تعالى في خلال هذه الآيات :﴿ إن كنا فاعلين ﴾ فقد قال قتادة ومقاتل وابن جرير والحسن : " إن معناه ( ما كنا فاعلين ) ف ( إن ) هنا نافية لا شرطية ".
يقول الله تعالى إشارة لوحدة العقيدة التي جاء بها كافة الأنبياء والرسل :﴿ هذا ذكر من معي وذكر من قبلي ﴾ ويقول ﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا يوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ﴾، فما تضمنه كتاب الله من الدعوة إلى الإيمان بوجود الله ووحدانيته، ، والاعتراف بقدرته وحكمته، والدعوة إلى عبادته وطاعته، تضمنته جميع الكتب الإلهية، ما تقدم منها وما تأخر، وجاء به جميع الأنبياء والمرسلين، الأولين منهم والآخرين :﴿ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا ﴾ [ الشورى : ١٣ ]،
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧:ثم قال تعالى موضحا هذا المعنى أكمل توضيح :﴿ لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين * بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون * وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون * يسبحون الليل والنهار لا يفترون ﴾.
وواضح من السياق الذي وردت فيه هذه الآيات أنها ترمي إلى إثبات حقيقة واقعية لا جدال فيها، ألا وهي أن الله الذي طبع الطبيعة هو الذي شرع الشريعة، وكما أن نواميس الطبيعة التي أبدعها تضبط سير الأكوان، لأن قوانين الشريعة التي أنزها تضبط سلوك الإنسان، فما على الإنسان إلا أن يتحمل مسؤوليته كاملة ويطبق على سلوكه قوانين الشريعة، كما تطبق كافة الأكوان على سيرها نواميس الطبيعة، ولينظر الإنسان إلى حكمة الله السارية في الوجود، وإلى عنايته البارزة في كل موجود، فلا لعب ولا عبث في أفعال الحكيم العليم، ولا لهو ولا لغو في تصرفات الله العلي العظيم، وتعالى الله الملك الحق، الذي يبطل الباطل ويحق الحق. أما قوله تعالى في خلال هذه الآيات :﴿ إن كنا فاعلين ﴾ فقد قال قتادة ومقاتل وابن جرير والحسن :" إن معناه ( ما كنا فاعلين ) ف ( إن ) هنا نافية لا شرطية ".
يقول الله تعالى إشارة لوحدة العقيدة التي جاء بها كافة الأنبياء والرسل :﴿ هذا ذكر من معي وذكر من قبلي ﴾ ويقول ﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا يوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ﴾، فما تضمنه كتاب الله من الدعوة إلى الإيمان بوجود الله ووحدانيته، ، والاعتراف بقدرته وحكمته، والدعوة إلى عبادته وطاعته، تضمنته جميع الكتب الإلهية، ما تقدم منها وما تأخر، وجاء به جميع الأنبياء والمرسلين، الأولين منهم والآخرين :﴿ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا ﴾ [ الشورى : ١٣ ]،

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧:ثم قال تعالى موضحا هذا المعنى أكمل توضيح :﴿ لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين * بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون * وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون * يسبحون الليل والنهار لا يفترون ﴾.
وواضح من السياق الذي وردت فيه هذه الآيات أنها ترمي إلى إثبات حقيقة واقعية لا جدال فيها، ألا وهي أن الله الذي طبع الطبيعة هو الذي شرع الشريعة، وكما أن نواميس الطبيعة التي أبدعها تضبط سير الأكوان، لأن قوانين الشريعة التي أنزها تضبط سلوك الإنسان، فما على الإنسان إلا أن يتحمل مسؤوليته كاملة ويطبق على سلوكه قوانين الشريعة، كما تطبق كافة الأكوان على سيرها نواميس الطبيعة، ولينظر الإنسان إلى حكمة الله السارية في الوجود، وإلى عنايته البارزة في كل موجود، فلا لعب ولا عبث في أفعال الحكيم العليم، ولا لهو ولا لغو في تصرفات الله العلي العظيم، وتعالى الله الملك الحق، الذي يبطل الباطل ويحق الحق. أما قوله تعالى في خلال هذه الآيات :﴿ إن كنا فاعلين ﴾ فقد قال قتادة ومقاتل وابن جرير والحسن :" إن معناه ( ما كنا فاعلين ) ف ( إن ) هنا نافية لا شرطية ".
يقول الله تعالى إشارة لوحدة العقيدة التي جاء بها كافة الأنبياء والرسل :﴿ هذا ذكر من معي وذكر من قبلي ﴾ ويقول ﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا يوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ﴾، فما تضمنه كتاب الله من الدعوة إلى الإيمان بوجود الله ووحدانيته، ، والاعتراف بقدرته وحكمته، والدعوة إلى عبادته وطاعته، تضمنته جميع الكتب الإلهية، ما تقدم منها وما تأخر، وجاء به جميع الأنبياء والمرسلين، الأولين منهم والآخرين :﴿ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا ﴾ [ الشورى : ١٣ ]،

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧:ثم قال تعالى موضحا هذا المعنى أكمل توضيح :﴿ لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين * بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون * وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون * يسبحون الليل والنهار لا يفترون ﴾.
وواضح من السياق الذي وردت فيه هذه الآيات أنها ترمي إلى إثبات حقيقة واقعية لا جدال فيها، ألا وهي أن الله الذي طبع الطبيعة هو الذي شرع الشريعة، وكما أن نواميس الطبيعة التي أبدعها تضبط سير الأكوان، لأن قوانين الشريعة التي أنزها تضبط سلوك الإنسان، فما على الإنسان إلا أن يتحمل مسؤوليته كاملة ويطبق على سلوكه قوانين الشريعة، كما تطبق كافة الأكوان على سيرها نواميس الطبيعة، ولينظر الإنسان إلى حكمة الله السارية في الوجود، وإلى عنايته البارزة في كل موجود، فلا لعب ولا عبث في أفعال الحكيم العليم، ولا لهو ولا لغو في تصرفات الله العلي العظيم، وتعالى الله الملك الحق، الذي يبطل الباطل ويحق الحق. أما قوله تعالى في خلال هذه الآيات :﴿ إن كنا فاعلين ﴾ فقد قال قتادة ومقاتل وابن جرير والحسن :" إن معناه ( ما كنا فاعلين ) ف ( إن ) هنا نافية لا شرطية ".
يقول الله تعالى إشارة لوحدة العقيدة التي جاء بها كافة الأنبياء والرسل :﴿ هذا ذكر من معي وذكر من قبلي ﴾ ويقول ﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا يوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ﴾، فما تضمنه كتاب الله من الدعوة إلى الإيمان بوجود الله ووحدانيته، ، والاعتراف بقدرته وحكمته، والدعوة إلى عبادته وطاعته، تضمنته جميع الكتب الإلهية، ما تقدم منها وما تأخر، وجاء به جميع الأنبياء والمرسلين، الأولين منهم والآخرين :﴿ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا ﴾ [ الشورى : ١٣ ]،

لولا أن المشركين والكافرين أعرضوا عن الحق، ولم يلتفتوا إليه، لعرفوه من تلقاء أنفسهم ووقفوا عليه، ﴿ بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون ﴾، وهذا دليل على أنهم لو أعطوه ما يستحق من العناية والاهتمام، لوجدوه منهم على طريق التمام،
وما داموا لم يبذلوا في التماس الحق أي مجهود، فلينتظروا اليوم الموعود ﴿ ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين ﴾.
الربع الثاني من الحزب الثالث والثلاثين في المصحف الكريم
من المشاهدات والبديهيات أن قوام الإنسان على خلاف قوام الحيوان، فقوام الحيوان ( أفقي ) تضطر عينه إلى أن تتجه دائما إلى الأسفل، وقوام الإنسان ( رأسي ) يسمح له بأن تتجه عينه إلى أعلى وأن يحني رأسه إلى أسفل، كما قال الدكتور أحمد زكي في كتابه ( مع الله في السماء ) : " فالذي صمم جسم الحيوان وركب هيكله كأنه لم يرد في هذا التصميم أن يتمكن الحيوان من النظر إلى السماء، لأن الحيوان لا يستفيد من هذا النظر شيئا، وعلى غير هذا الطراز صمم المصمم جسم الإنسان وركب هيكله، فالإنسان له عقل واع، كثير الوعي، وهو قادر، كثير القدرة، فهو يستفيد من النظر إلى السماء أكبر استفادة، لا سيما والأرض بالنسبة للسماء، كقطرة في محيط ماء، وساكن المحيط لا يكاد يتعرف على قطرات مائه، أو هي كحصاة في رمال صحراء، وساكن الصحراء لا يكاد يتعرف على حصوات رماله، وهذا الكون بسمائه وأرضه، على اختلاف أشيائه وتباعد أشيائه شيء واحد، أبدعه مبدع واحد، وأجراه مجر واحد، ونسق بين سننه منسق واحد، وهندسه مهندس واحد ".
وعليه فالإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم، وسخر له ما في السموات وما في الأرض، مطالب من ربه بالنظر في عالم الملك والملكوت، مسؤول عن تقصيره في هذا النظر، لأنه بتقصيره فيه يكون عاصيا لله، جاهلا أو متجاهلا لحكمة الله، إذ لا عذر له يعتذر به في هذا الصدد، بعدما أمده الله بكل ما يلزمه للنظر، من أدوات ومدد، وحول هذا المعنى يدور قول الله تعالى في هذا الربع :﴿ أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ﴾، وقوله تعالى :﴿ وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون * وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون ﴾.
ويفهم من " الرتق والفتق " الواردين في الآية الأولى أن الجميع كان في بدء الخلق متصلا بعضه ببعض، متراكما بعضه فوق بعض، ثم وقع الفتق والفرق، وفصلت السماوات عن الأرض بأمر الملك الحق. قال ابن عباس والحسن وعطاء والضحاك وقتادة : " يعني أنهما كانا شيئا واحدا ملتزقتين، ففصل الله بينهما بالهواء " وروى ابن أبي حاتم في كتابه عن ابن عباس أنه قال : " كانت السماوات رتقا لا تمطر، وكانت الأرض رتقا لا تنبت، فلما خلق الله للأرض أهلا فتق هذه بالمطر، وفتق هذه بالنبات " على حد قوله تعالى في آية أخرى :﴿ والسماء ذات الرجع، والأرض ذات الصدع ﴾ [ الطارق : ١١، ١٢ ]. ونبه ابن عطية إلى المناسبة الموجودة بين قوله تعالى :﴿ وجعلنا من الماء كل شيء حي ﴾ وقوله تعالى قبله :﴿ كانتا رتقا ففتقناهما ﴾ وهي أن الماء الذي هو أصل الأحياء، نتيجة من نتائج فتق السماء، ويتصل بمعنى هذه الآية قوله تعالى في سورة النور :﴿ والله خلق كل دابة من ماء ﴾ [ الآية : ٤٥ ].
ويرى المؤمنون بكتاب الله من الباحثين المعاصرين في العلم الحديث، أن هذه الآية الكريمة هي إحدى الآيات البينات التي تثبت لكل منكر أن القرآن العظيم كتاب منزل من عند الله، وأنه لا مجال للشك في وجود الله، فقد سبقت هذه الآية بعدة قرون ما اهتدى إليه العم الحديث، من أن الأرض والشمس ومختلف الكواكب والأجرام إنما كانت سديما في الفضاء، وأن الأرض انفصلت عن هذا السديم عندما انقسم إلى عدة أجزاء، بدليل ما يوجد في باطن الأرض من حرارة شديدة، وما يقذف به جوف الأرض من براكين عديدة، وما يجري من المياه الساخنة في عدة عيون، مما لا يرقى إليه الشك ولا تختلط به الظنون، يضاف إلى ذلك أن تحليل طيف الشمس أدى إلى التأكد من أن هذه العناصر التي تتكون منها الشمس نفسها هي نفس العناصر التي تتكون منها الأرض، وهذه النظرية تعتبر عند القائلين بها رأيا مسلما لا يقبل الرفض، وهي على كل حال، وعلى وجه الإجمال، لا تعارض الآية الكريمة التي سبقتها بأجيال. ووصف السماء بكونها سقفا محفوظا في قوله تعالى هنا :﴿ وجعلنا السماء سقفا محفوظا ﴾ يفسره قوله تعالى في سورة الرعد :﴿ الله الذي رفع السموات بغير عمد، ترونها ﴾ [ الآية : ٢ ] إذ إن السماء في تصور سكان الأرض هي منزلة سقف الأرض، لكنه سقف محفوظ من كل تصدع وخلل، إلى أن يحل الأجل.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٠:الربع الثاني من الحزب الثالث والثلاثين في المصحف الكريم
من المشاهدات والبديهيات أن قوام الإنسان على خلاف قوام الحيوان، فقوام الحيوان ( أفقي ) تضطر عينه إلى أن تتجه دائما إلى الأسفل، وقوام الإنسان ( رأسي ) يسمح له بأن تتجه عينه إلى أعلى وأن يحني رأسه إلى أسفل، كما قال الدكتور أحمد زكي في كتابه ( مع الله في السماء ) :" فالذي صمم جسم الحيوان وركب هيكله كأنه لم يرد في هذا التصميم أن يتمكن الحيوان من النظر إلى السماء، لأن الحيوان لا يستفيد من هذا النظر شيئا، وعلى غير هذا الطراز صمم المصمم جسم الإنسان وركب هيكله، فالإنسان له عقل واع، كثير الوعي، وهو قادر، كثير القدرة، فهو يستفيد من النظر إلى السماء أكبر استفادة، لا سيما والأرض بالنسبة للسماء، كقطرة في محيط ماء، وساكن المحيط لا يكاد يتعرف على قطرات مائه، أو هي كحصاة في رمال صحراء، وساكن الصحراء لا يكاد يتعرف على حصوات رماله، وهذا الكون بسمائه وأرضه، على اختلاف أشيائه وتباعد أشيائه شيء واحد، أبدعه مبدع واحد، وأجراه مجر واحد، ونسق بين سننه منسق واحد، وهندسه مهندس واحد ".
وعليه فالإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم، وسخر له ما في السموات وما في الأرض، مطالب من ربه بالنظر في عالم الملك والملكوت، مسؤول عن تقصيره في هذا النظر، لأنه بتقصيره فيه يكون عاصيا لله، جاهلا أو متجاهلا لحكمة الله، إذ لا عذر له يعتذر به في هذا الصدد، بعدما أمده الله بكل ما يلزمه للنظر، من أدوات ومدد، وحول هذا المعنى يدور قول الله تعالى في هذا الربع :﴿ أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ﴾، وقوله تعالى :﴿ وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون * وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون ﴾.
ويفهم من " الرتق والفتق " الواردين في الآية الأولى أن الجميع كان في بدء الخلق متصلا بعضه ببعض، متراكما بعضه فوق بعض، ثم وقع الفتق والفرق، وفصلت السماوات عن الأرض بأمر الملك الحق. قال ابن عباس والحسن وعطاء والضحاك وقتادة :" يعني أنهما كانا شيئا واحدا ملتزقتين، ففصل الله بينهما بالهواء " وروى ابن أبي حاتم في كتابه عن ابن عباس أنه قال :" كانت السماوات رتقا لا تمطر، وكانت الأرض رتقا لا تنبت، فلما خلق الله للأرض أهلا فتق هذه بالمطر، وفتق هذه بالنبات " على حد قوله تعالى في آية أخرى :﴿ والسماء ذات الرجع، والأرض ذات الصدع ﴾ [ الطارق : ١١، ١٢ ]. ونبه ابن عطية إلى المناسبة الموجودة بين قوله تعالى :﴿ وجعلنا من الماء كل شيء حي ﴾ وقوله تعالى قبله :﴿ كانتا رتقا ففتقناهما ﴾ وهي أن الماء الذي هو أصل الأحياء، نتيجة من نتائج فتق السماء، ويتصل بمعنى هذه الآية قوله تعالى في سورة النور :﴿ والله خلق كل دابة من ماء ﴾ [ الآية : ٤٥ ].
ويرى المؤمنون بكتاب الله من الباحثين المعاصرين في العلم الحديث، أن هذه الآية الكريمة هي إحدى الآيات البينات التي تثبت لكل منكر أن القرآن العظيم كتاب منزل من عند الله، وأنه لا مجال للشك في وجود الله، فقد سبقت هذه الآية بعدة قرون ما اهتدى إليه العم الحديث، من أن الأرض والشمس ومختلف الكواكب والأجرام إنما كانت سديما في الفضاء، وأن الأرض انفصلت عن هذا السديم عندما انقسم إلى عدة أجزاء، بدليل ما يوجد في باطن الأرض من حرارة شديدة، وما يقذف به جوف الأرض من براكين عديدة، وما يجري من المياه الساخنة في عدة عيون، مما لا يرقى إليه الشك ولا تختلط به الظنون، يضاف إلى ذلك أن تحليل طيف الشمس أدى إلى التأكد من أن هذه العناصر التي تتكون منها الشمس نفسها هي نفس العناصر التي تتكون منها الأرض، وهذه النظرية تعتبر عند القائلين بها رأيا مسلما لا يقبل الرفض، وهي على كل حال، وعلى وجه الإجمال، لا تعارض الآية الكريمة التي سبقتها بأجيال. ووصف السماء بكونها سقفا محفوظا في قوله تعالى هنا :﴿ وجعلنا السماء سقفا محفوظا ﴾ يفسره قوله تعالى في سورة الرعد :﴿ الله الذي رفع السموات بغير عمد، ترونها ﴾ [ الآية : ٢ ] إذ إن السماء في تصور سكان الأرض هي منزلة سقف الأرض، لكنه سقف محفوظ من كل تصدع وخلل، إلى أن يحل الأجل.


وإمعانا في إقامة الحجة على الكافرين والمشركين، والمنكرين والشاكين، عرض كتاب الله جملة من مظاهر عنايته بالإنسان، ورعايته له في كل آن، فقال تعالى :﴿ وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون ﴾،
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٠:الربع الثاني من الحزب الثالث والثلاثين في المصحف الكريم
من المشاهدات والبديهيات أن قوام الإنسان على خلاف قوام الحيوان، فقوام الحيوان ( أفقي ) تضطر عينه إلى أن تتجه دائما إلى الأسفل، وقوام الإنسان ( رأسي ) يسمح له بأن تتجه عينه إلى أعلى وأن يحني رأسه إلى أسفل، كما قال الدكتور أحمد زكي في كتابه ( مع الله في السماء ) :" فالذي صمم جسم الحيوان وركب هيكله كأنه لم يرد في هذا التصميم أن يتمكن الحيوان من النظر إلى السماء، لأن الحيوان لا يستفيد من هذا النظر شيئا، وعلى غير هذا الطراز صمم المصمم جسم الإنسان وركب هيكله، فالإنسان له عقل واع، كثير الوعي، وهو قادر، كثير القدرة، فهو يستفيد من النظر إلى السماء أكبر استفادة، لا سيما والأرض بالنسبة للسماء، كقطرة في محيط ماء، وساكن المحيط لا يكاد يتعرف على قطرات مائه، أو هي كحصاة في رمال صحراء، وساكن الصحراء لا يكاد يتعرف على حصوات رماله، وهذا الكون بسمائه وأرضه، على اختلاف أشيائه وتباعد أشيائه شيء واحد، أبدعه مبدع واحد، وأجراه مجر واحد، ونسق بين سننه منسق واحد، وهندسه مهندس واحد ".
وعليه فالإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم، وسخر له ما في السموات وما في الأرض، مطالب من ربه بالنظر في عالم الملك والملكوت، مسؤول عن تقصيره في هذا النظر، لأنه بتقصيره فيه يكون عاصيا لله، جاهلا أو متجاهلا لحكمة الله، إذ لا عذر له يعتذر به في هذا الصدد، بعدما أمده الله بكل ما يلزمه للنظر، من أدوات ومدد، وحول هذا المعنى يدور قول الله تعالى في هذا الربع :﴿ أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ﴾، وقوله تعالى :﴿ وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون * وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون ﴾.
ويفهم من " الرتق والفتق " الواردين في الآية الأولى أن الجميع كان في بدء الخلق متصلا بعضه ببعض، متراكما بعضه فوق بعض، ثم وقع الفتق والفرق، وفصلت السماوات عن الأرض بأمر الملك الحق. قال ابن عباس والحسن وعطاء والضحاك وقتادة :" يعني أنهما كانا شيئا واحدا ملتزقتين، ففصل الله بينهما بالهواء " وروى ابن أبي حاتم في كتابه عن ابن عباس أنه قال :" كانت السماوات رتقا لا تمطر، وكانت الأرض رتقا لا تنبت، فلما خلق الله للأرض أهلا فتق هذه بالمطر، وفتق هذه بالنبات " على حد قوله تعالى في آية أخرى :﴿ والسماء ذات الرجع، والأرض ذات الصدع ﴾ [ الطارق : ١١، ١٢ ]. ونبه ابن عطية إلى المناسبة الموجودة بين قوله تعالى :﴿ وجعلنا من الماء كل شيء حي ﴾ وقوله تعالى قبله :﴿ كانتا رتقا ففتقناهما ﴾ وهي أن الماء الذي هو أصل الأحياء، نتيجة من نتائج فتق السماء، ويتصل بمعنى هذه الآية قوله تعالى في سورة النور :﴿ والله خلق كل دابة من ماء ﴾ [ الآية : ٤٥ ].
ويرى المؤمنون بكتاب الله من الباحثين المعاصرين في العلم الحديث، أن هذه الآية الكريمة هي إحدى الآيات البينات التي تثبت لكل منكر أن القرآن العظيم كتاب منزل من عند الله، وأنه لا مجال للشك في وجود الله، فقد سبقت هذه الآية بعدة قرون ما اهتدى إليه العم الحديث، من أن الأرض والشمس ومختلف الكواكب والأجرام إنما كانت سديما في الفضاء، وأن الأرض انفصلت عن هذا السديم عندما انقسم إلى عدة أجزاء، بدليل ما يوجد في باطن الأرض من حرارة شديدة، وما يقذف به جوف الأرض من براكين عديدة، وما يجري من المياه الساخنة في عدة عيون، مما لا يرقى إليه الشك ولا تختلط به الظنون، يضاف إلى ذلك أن تحليل طيف الشمس أدى إلى التأكد من أن هذه العناصر التي تتكون منها الشمس نفسها هي نفس العناصر التي تتكون منها الأرض، وهذه النظرية تعتبر عند القائلين بها رأيا مسلما لا يقبل الرفض، وهي على كل حال، وعلى وجه الإجمال، لا تعارض الآية الكريمة التي سبقتها بأجيال. ووصف السماء بكونها سقفا محفوظا في قوله تعالى هنا :﴿ وجعلنا السماء سقفا محفوظا ﴾ يفسره قوله تعالى في سورة الرعد :﴿ الله الذي رفع السموات بغير عمد، ترونها ﴾ [ الآية : ٢ ] إذ إن السماء في تصور سكان الأرض هي منزلة سقف الأرض، لكنه سقف محفوظ من كل تصدع وخلل، إلى أن يحل الأجل.

وقال تعالى :﴿ وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون ﴾ مشيرا بذلك إلى أنه قد سخر للإنسان كلا من المكان والزمان، فجعل طبيعتهما ملائمة لطبيعته، وجعل أحوالهما موافقة لمصلحته، فما بال الناس لا يزالون يشركون بالله ويكفرون، ويشكون في وجوده وينكرون ؟ ﴿ قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون ﴾.
ويذكر كتاب الله الناسين والغافلين بأن الدنيا ليست دار إقامة وقرار، وإنما هي دار سباق بين الرفاق، وقنطرة عبور يمر بها الأبرار والفجار :﴿ كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ﴾ فالعاقل كل العاقل من اغتنم شبابه قبل هرمه، وصحته قبل سقمه، وفراغه قبل شغله، وحياته قبل موته، كما جاء في الحديث الشريف، وبذلك يحق له أن يقول مع القائلين من المؤمنين الصادقين :﴿ ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ﴾ [ البقرة : ٢٠١ ].
ويكشف كتاب الله النقاب عما يندفع إليه الإنسان من العجلة وعدم التأني في كثير من المواقف والتصرفات، بدلا من الأناة والتثبت في تحديد الوسائل والغايات، حتى إذا ما أنذر بعقاب إلهي آجل، تحدى القدرة الإلهية في أن تنزل به ذلك العقاب حالا وفي العاجل، كأن قدرة الله ينبغي أن تكون طوع يديه، وينسى أنها لو واجهت تحديه بتحد مثله لأبادته وقضت عليه، وذلك قوله تعالى هنا :﴿ خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون * ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ﴾. ونفس المعنى ورد في قوله تعالى :﴿ وكان الإنسان عجولا ﴾ [ الإسراء : ١١ ]، وقوله تعالى :﴿ ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم ﴾ [ يونس : ١١ ].
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٧:ويكشف كتاب الله النقاب عما يندفع إليه الإنسان من العجلة وعدم التأني في كثير من المواقف والتصرفات، بدلا من الأناة والتثبت في تحديد الوسائل والغايات، حتى إذا ما أنذر بعقاب إلهي آجل، تحدى القدرة الإلهية في أن تنزل به ذلك العقاب حالا وفي العاجل، كأن قدرة الله ينبغي أن تكون طوع يديه، وينسى أنها لو واجهت تحديه بتحد مثله لأبادته وقضت عليه، وذلك قوله تعالى هنا :﴿ خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون * ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ﴾. ونفس المعنى ورد في قوله تعالى :﴿ وكان الإنسان عجولا ﴾ [ الإسراء : ١١ ]، وقوله تعالى :﴿ ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم ﴾ [ يونس : ١١ ].
ويصور كتاب الله للكافرين والشاكين بكل دقة ووضوح ما ينتظرهم يوم القيامة من الأهوال والمفاجآت، مما ستذهب نفوسهم عليه حسرات، فيقول الحق سبحانه وتعالى :﴿ لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون ﴾
ويصف كتاب الله ما يكون عليه الطغاة الظالمون، الغافلون عن مجرى سنن الله في الأرض، وأنه قد يمهل الظالمين، حتى إذا ما حان مصرعهم لم يفلتهم، وأخذهم أخذ عزيز مقتدر، وذلك قوله تعالى هنا :﴿ بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون ﴾. والنقص من أطرافها يصدق بالنقص من الأموال والأنفس والثمرات، كما يصدق بالاستئصال والإبادة، والاستعباد وفقدان الحريات، وهكذا يصبح الطاغية مستضعفا، وينقلب الغالب مغلوبا. ومن ذلك أيضا تقلص اليابسة والخضرة أمام زحف البحار والصحارى.
ويجدد كتاب الله الدعوة إلى الخلق أجمعين، مبينا لهم ما جاء به خاتم الأنبياء والمرسلين، من هدايتهم إلى الله، وإنذارهم سوء العاقبة حتى لا يحل عليهم غضب الله، داعيا إياهم إلى أن يسمعوا ويعوا، حتى يهتدوا وينتفعوا، وذلك قوله تعالى هنا :﴿ قل إنما أنذركم بالوحي ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون ﴾، فالله تعالى هو الذي ينذرهم، والرسول إنما يبلغهم ﴿ ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى ﴾ [ النجم : ٢، ٣، ٤ ].
ويذكر كتاب الله ما يصيب الظالمين الذين كانوا يستعجلون العذاب، من هلع وجزع، بمجرد ما يتعرضون لأقل امتحان، إذ ينزل بهم من الحسرة والندم والانهيار ما لم يكن في الحسبان، وذلك قوله تعالى هنا :﴿ ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين ﴾، و( النفحة ) في قوله تعالى " نفحة من عذاب " هي الدفعة اليسيرة منه، قال أبو حيان في تفسيره : " وفي قوله ولئن مستهم نفحة ثلاث مبالغات، لفظ المس، وما في مدلول النفح من القلة، وبناء المرة منه، فالمعنى أنه بأدنى إصابة من أقل العذاب أذعنوا وخضعوا، وأٌروا بأن سبب ذلك ظلمهم السابق ".
ويسجل كتاب الله في هذا المقام ما يقوم عليه حساب الخلق وجزاؤهم عند الله، من مبالغة في العدل التام، دون أي اعتبار خارج عن حدود الطاعة والعصيان، مما يؤثر غالبا في عدالة الإنسان، وذلك قوله تعالى :﴿ ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ﴾.
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ ﴾
وختم هذا الربع بالتنويه برسالة موسى وهارون، ورسالة خاتم الأنبياء والمرسلين، صلوات الله عليهم أجمعين، وبهذه المناسبة حدد كتاب الله الصفات الجوهرية التي خص الله بها وحيه الإلهي المنزل على أنبيائه ورسله، وهذه الصفات تتلخص في أن الوحي الإلهي ( فرقان ) يفرق به الناس بين الحق والباطل، و ( ضياء ) يضيء عقولهم وقلوبهم فيخرجهم من الظلمات إلى النور، و ( ذكر ) تخشع له الجوارح وتطمئن به القلوب، و ( بركة ) تنمو بها الإنسانية وتزدهر دينا ودنيا، روحا ومادة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين * الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون * وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون ﴾.
الربع الثالث من الحزب الثالث والثلاثين في المصحف الكريم
في نهاية الربع الماضي نوه كتاب الله بموسى وهارون عليهما السلام، وفي هذا الربع وما بعده قص كتاب الله على خاتم أنبيائه ورسله جملة من قصص بقية الأنبياء والرسل الكرام، فتحدث خلالها عن إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، ولوط، ونوح، وداود، وسليمان، وأيوب، وإسماعيل، وإدريس، وذي الكفل، وذي النون، وزكريا، ويحيى، بأسمائهم وصفاتهم، وأشار إلى عيسى ابن مريم وأمه العذراء بتلويح أغنى عن التصريح، إذ قال عنه وعنها :﴿ والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين ﴾. وبهذا العرض الجامع طابق اسم هذه السورة ( سورة الأنبياء ) مسماه، واتضح المراد من معناه، ﴿ وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين ﴾.
وما دام محور الحديث الرئيسي في هذه السورة هو موضوع " العقيدة " التي هي أصل الدين وأساسه، فإن قصة إبراهيم مع قومه يجب أن تحتل الصدارة في هذا الميدان، وذلك هو ما تصدى له كتاب الله هنا بالشرح والبيان، إذ إن اسم ( إبراهيم ) أصبح منذ قرون طويلة، وفي جميع الأديان الكتابية، رمزا إلى مكافحة الوثنية، ومجابهة الشرك، وإعلان التوحيد ونشره بين الناس، حتى إنه ليعتبر بحق ( إمام الموحدين )، مصداقا لقوله تعالى :﴿ إن إبراهيم كان أمة ﴾.
وقبل أن يتولى كتاب الله في هذا الربع وصف ما دار بين إبراهيم وأبيه وقومه من حوار وصراع حول عقيدة التوحيد التي اهتدى إليها، ومعتقدات الشرك التي تلقوها أبا عن جد، أوجز القول في وصف مزايا إبراهيم، وما آتاه الله من رشد بلغ الغاية القصوى، عندما اختاره رسولا خليلا قبل موسى وهارون، فقال تعالى :﴿ ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين ﴾ ولولا ما ألهمه الله من رشد وثبات، وآتاه من حكمة وحجة بالغة، لما استطاع أن يواجه بمفرده مشركي قومه، على كثرة عددهم وقوتهم، وأن يفوز عليهم في الرهان، ويغلبهم بالحجة والبرهان.
ثم شرع كتاب الله يفصل المحاورة التي دارت بين إبراهيم وأبيه وقومه على الوجه الآتي :﴿ إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ﴾.
ومن هذه المقالة يتجلى أولا حرص إبراهيم الخليل بشكل خاص، على انتشال أبيه قبل غيره من حضيض الشرك، لما بين الأب والابن من علاقة خاصة لا تقوى قوتها بقية العلاقات، وفي نفس الوقت اهتم إبراهيم بانتشال بقية قومه من نفس الهوة التي تردوا فيها جميعا، وهذا الاتجاه الرامي إلى إنقاذ العشيرة الأقربين من الضلال قبل غيرهم أكده كتاب الله في خطابه لخاتم الرسل، إذ قال تعالى :﴿ وأنذر عشيرتك الأقربين ﴾ [ الشعراء : ٢١٤ ].
ومن هذه المقالة يتجلى ثانيا رشد إبراهيم عليه السلام، وحذره من إلقاء الكلام على عواهنه، ولذلك لم يطلق على الأصنام التي كان يعبدها أبوه وقومه اسم ( الآلهة ) كما كانوا يعبرون عنها، وإنما أطلق عليها مجرد لفظ ( التماثيل )، والتمثال اسم موضوع للشيء المصنوع باليد، الممثل بغيره، أي المشبه به، تقول مثلث الشيء بالشيء، إذا شبهته به، قال أبو حيان : " وفي قوله ( ما هذه التماثيل )، تحقير لها، وتصغير لشأنها، مع علمه بتعظيمهم لها. وفي خطابه لهم بقوله ( أنتم ) استهانة بهم، وتوقيف على سوء صنيعهم ". وهكذا استنكر إبراهيم عكوفهم على عبادة الأصنام، وملازمتهم لتعظيمها دون نفع ولا جدوى.
ويحكي كتاب الله جواب قومه إذ يقول :﴿ قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين ﴾، وليس في هذا الجواب أدنى حجة أو إقناع، وإنما مرده إلى التقليد الأعمى ومجرد الاتباع،
فيرد عليهم إبراهيم قائلا :﴿ قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين ﴾، وبهذا الرد يطعن في حجتهم، ويصم بالضلال قومه عن بكرة أبيهم، وهنا تتجلى معالم " الفتوة " التي امتاز بها إبراهيم عليه السلام، من جرأته في نصرة الحق، ومهاجمته للباطل، وتحديه للتقاليد البالية، مهما كلفه ذلك من التضحيات الغالية،
ولا يلبث قومه أن يسألوه مستفسرين وهم مترددون :﴿ قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين ﴾ يريدون أن يعرفوا هل هو جاد فيما يقول، أم أن كلامه مجرد لعب وهزل،
لكن إبراهيم ينفي هذا الاحتمال، ويرفع في الحين كل إشكال، ﴿ قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين ﴾، وبهذا أفهم قومه أن الإله الوحيد الذي يجب أن يعبدوه هو رب السموات والأرض الذي خلقهن، فهو ربهم الحق وحده لا شريك له، وزكى هذه الدعوى بشهادته عليها، إذ هو رسول الله وخليل الرحمن، وكفى بشهادته حجة وبرهانا، على غرار قوله تعالى في سورة آل عمران :﴿ شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط، لا إله إلا هو، العزيز الحكيم ﴾ [ الآية : ١٨ ]، فلفظ ﴿ الشاهدين ﴾ في هذه الآية مأخوذ من ( الشهادة ) بمعناها المعروف، لا من ( المشاهدة ) بمعنى مجرد الرؤية والحضور.
ويفكر إبراهيم في وسيلة فعالة توقظ قومه، وتثير انتباههم، وتقنعهم بأن عبادة الأصنام لا جدوى لها ولا فائدة منها، لأن الأصنام لا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا، بل هي أضعف من الضعف، وأعجز من العجز، فيعقد العزم على إهانتها، مقسما على ذلك بالله العظيم، ويحدث نفسه قائلا :﴿ وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين ﴾،
ثم لا يلبث أن ينتهز فرصة ذهابهم وغيابهم، ليحمل معوله فيحطم به الأصنام المقدسة عندهم صنما بعد صنم، حتى تتطاير شظاياها ولا يبقى منها إلا الفتات، ويهديه الرشد الذي أكرمه الله به إلى أن يستبقي بالخصوص كبير تلك الأصنام، الذي هو أضخمها حجما، وأكبرها منزلة، ويقال إنه كان مصوغا من ذهب، وفي عينيه جوهرتان تضيئان بالليل ﴿ فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٢:وإنما استبقى إبراهيم صنمهم الأكبر حسبما يوضحه السياق، لإقامة الحجة عليهم عندما يفاجأون بانتهاك حرمة أصنامهم وتحطيمها، فلا يجدون ملجئا إلا ذاك الصنم الكبير، يسألونه ويستفسرونه عن هذه الكارثة، فيبدو إذ ذاك عجز الأصنام التام كبيرها وصغيرها، إذ لا ترد على سؤالهم بأدنى جواب، ولا تنزل بمن فعل هذه الفعلة الكبرى أي عقاب، وتصر على صمتها المطبق دون أن تقدم أي جواب، وبذلك تسقط حرمة الأصنام وهيبتها من القلوب، ويصل إبراهيم إلى الغرض المطلوب، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى حكاية عن قوم إبراهيم :﴿ قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم * قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون * فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ﴾.
وها هنا يبدو نوع من التحول والتطور في الموقف، فقد حكى كتاب الله عن قوم إبراهيم من قبل أنهم استنكروا ما حدث بأصنامهم من التحطيم والتهشيم، ووصفوا فاعل ذلك من قبل أن يعرفوه بأنه من الظالمين ﴿ قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين ﴾

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٢:وإنما استبقى إبراهيم صنمهم الأكبر حسبما يوضحه السياق، لإقامة الحجة عليهم عندما يفاجأون بانتهاك حرمة أصنامهم وتحطيمها، فلا يجدون ملجئا إلا ذاك الصنم الكبير، يسألونه ويستفسرونه عن هذه الكارثة، فيبدو إذ ذاك عجز الأصنام التام كبيرها وصغيرها، إذ لا ترد على سؤالهم بأدنى جواب، ولا تنزل بمن فعل هذه الفعلة الكبرى أي عقاب، وتصر على صمتها المطبق دون أن تقدم أي جواب، وبذلك تسقط حرمة الأصنام وهيبتها من القلوب، ويصل إبراهيم إلى الغرض المطلوب، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى حكاية عن قوم إبراهيم :﴿ قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم * قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون * فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ﴾.
وها هنا يبدو نوع من التحول والتطور في الموقف، فقد حكى كتاب الله عن قوم إبراهيم من قبل أنهم استنكروا ما حدث بأصنامهم من التحطيم والتهشيم، ووصفوا فاعل ذلك من قبل أن يعرفوه بأنه من الظالمين ﴿ قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين ﴾


ومما يحسن التنبيه إليه في هذا المقام اختيار كلمة ( فتى ) في وصف إبراهيم ﴿ قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ﴾، واستعمال كلمة ( فتية ) جمع فتى في أصحاب الكهف ﴿ إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا ﴾ [ الآية : ١٠ ] ﴿ إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى، وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا ﴾ [ الآيتان : ١٣ ١٤ ] ففي كلا المقامين يتعلق الأمر بمؤمنين صادقين آمنوا بوجود الله ووحدانيته، وقدرته وحكمته، وتبرأوا من الشرك والمشركين، واعتزلوا قومهم بعدما تحدوهم بالحق المبين، مما أعطوا به الدليل على منتهى الثبات وقوة الشخصية، ونهاية الإخلاص والصبر والتضحية، فضربوا بذلك المثل الأعلى للفتوة، واستحقوا الذكر العاطر في آيات الله المتلوة. روى ابن أبي حاتم في كتابه عن ابن عباس قال : " ما بعث الله نبيا إلا شابا، ولا أوتي العلم عالم إلا وهو شاب " وتلا هذه الآية ﴿ قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ﴾.
وإنما استبقى إبراهيم صنمهم الأكبر حسبما يوضحه السياق، لإقامة الحجة عليهم عندما يفاجأون بانتهاك حرمة أصنامهم وتحطيمها، فلا يجدون ملجئا إلا ذاك الصنم الكبير، يسألونه ويستفسرونه عن هذه الكارثة، فيبدو إذ ذاك عجز الأصنام التام كبيرها وصغيرها، إذ لا ترد على سؤالهم بأدنى جواب، ولا تنزل بمن فعل هذه الفعلة الكبرى أي عقاب، وتصر على صمتها المطبق دون أن تقدم أي جواب، وبذلك تسقط حرمة الأصنام وهيبتها من القلوب، ويصل إبراهيم إلى الغرض المطلوب، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى حكاية عن قوم إبراهيم :﴿ قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم * قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون * فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ﴾.
وها هنا يبدو نوع من التحول والتطور في الموقف، فقد حكى كتاب الله عن قوم إبراهيم من قبل أنهم استنكروا ما حدث بأصنامهم من التحطيم والتهشيم، ووصفوا فاعل ذلك من قبل أن يعرفوه بأنه من الظالمين ﴿ قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٢:وإنما استبقى إبراهيم صنمهم الأكبر حسبما يوضحه السياق، لإقامة الحجة عليهم عندما يفاجأون بانتهاك حرمة أصنامهم وتحطيمها، فلا يجدون ملجئا إلا ذاك الصنم الكبير، يسألونه ويستفسرونه عن هذه الكارثة، فيبدو إذ ذاك عجز الأصنام التام كبيرها وصغيرها، إذ لا ترد على سؤالهم بأدنى جواب، ولا تنزل بمن فعل هذه الفعلة الكبرى أي عقاب، وتصر على صمتها المطبق دون أن تقدم أي جواب، وبذلك تسقط حرمة الأصنام وهيبتها من القلوب، ويصل إبراهيم إلى الغرض المطلوب، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى حكاية عن قوم إبراهيم :﴿ قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم * قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون * فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ﴾.
وها هنا يبدو نوع من التحول والتطور في الموقف، فقد حكى كتاب الله عن قوم إبراهيم من قبل أنهم استنكروا ما حدث بأصنامهم من التحطيم والتهشيم، ووصفوا فاعل ذلك من قبل أن يعرفوه بأنه من الظالمين ﴿ قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين ﴾

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٢:وإنما استبقى إبراهيم صنمهم الأكبر حسبما يوضحه السياق، لإقامة الحجة عليهم عندما يفاجأون بانتهاك حرمة أصنامهم وتحطيمها، فلا يجدون ملجئا إلا ذاك الصنم الكبير، يسألونه ويستفسرونه عن هذه الكارثة، فيبدو إذ ذاك عجز الأصنام التام كبيرها وصغيرها، إذ لا ترد على سؤالهم بأدنى جواب، ولا تنزل بمن فعل هذه الفعلة الكبرى أي عقاب، وتصر على صمتها المطبق دون أن تقدم أي جواب، وبذلك تسقط حرمة الأصنام وهيبتها من القلوب، ويصل إبراهيم إلى الغرض المطلوب، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى حكاية عن قوم إبراهيم :﴿ قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم * قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون * فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ﴾.
وها هنا يبدو نوع من التحول والتطور في الموقف، فقد حكى كتاب الله عن قوم إبراهيم من قبل أنهم استنكروا ما حدث بأصنامهم من التحطيم والتهشيم، ووصفوا فاعل ذلك من قبل أن يعرفوه بأنه من الظالمين ﴿ قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين ﴾


وها هم بعد أن تبين لهم صمت الأصنام المنطبق، وعجزها التام عن أي دفاع أو انتقام، يعودون على أنفسهم باللائمة، ويدركون لأول مرة أنهم في الحقيقة هم الظالمون، ﴿ فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ﴾.
لكن هذه الومضة من النور لم تلبث أن انطفأت وأعقبها ظلام دامس، وإذا بفكرهم الذي بدأ يتفتح ينتكس من جديد، ويعود أدراجه إلى ما كان عليه من متابعة وتقليد ﴿ ثم نكسوا على رءوسهم ﴾ ويدركون أن إبراهيم عندما اقترح عليهم أن يسألوا الأصنام من فعل بها ما فعل ؟ إنما كان يقصد تبكيتهم وتوبيخهم، فيقولون له :﴿ لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ﴾
فما كان من إبراهيم إلا أن انتهز الفرصة وأعلنها صيحة مدوية، معربا عن تضجره منهم ومن معبوداتهم، داعيا إياهم إلى تحرير عقولهم، للوصول إلى معرفة الله ﴿ قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٦:فما كان من إبراهيم إلا أن انتهز الفرصة وأعلنها صيحة مدوية، معربا عن تضجره منهم ومن معبوداتهم، داعيا إياهم إلى تحرير عقولهم، للوصول إلى معرفة الله ﴿ قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم ﴾
وهنا ثارت ثائرتهم، وقرروا التخلص من إبراهيم، ومعاقبته بأشنع العقوبات وأقساها ﴿ قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ﴾.
غير ان الحق سبحانه وتعالى الذي طبع النار على الحرارة والإحراق نزع عنها ذلك الطبع وأبقاها على الإضاءة والإشراق :﴿ قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ﴾ فلما قال ﴿ بردا ﴾ لم يحرقه لهيبها، ولما ﴿ سلاما ﴾ لم يهلكه زمهريرها، إذ معنى ( السلام ) هنا السلامة،
قال أبو العالية : " لو لم يقل " بردا وسلاما " لكان بردها أشد عليه من حرها، ولو لم يقل " على إبراهيم " لكان بردها باقيا إلى الأبد "، وإنما كانت النار على إبراهيم دون غيره بردا وسلاما، لأنه عند الله أعظم منزلة وأعلى مقاما، ﴿ واتخذ الله إبراهيم خليلا ﴾. وقد تحدث كتاب الله مرة أخرى عن عقوبة الإحراق بالنار في سورة البروج، إذ قال تعالى :﴿ قتل أصحاب الأخذود، النار ذات الوقود، إذ هم عليها قعود، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود، وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد، الذي له ملك السموات والأرض ﴾ [ الآيات : ٤، ٥، ٦، ٧، ٨، ٩ ]، وفي هذه الواقعة آتت النار أكلها، وفعلت فعلها.
وبذلك أفسد الله رأيهم، وخيب سعيهم، مصداقا لقوله تعالى هنا :﴿ وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين ﴾
وأشار كتاب الله إلى رابطة الدم والعقيدة التي كانت تجمع بين إبراهيم ولوط، فقد كان الأول عما للثاني، وإلى ما من الله به على إبراهيم إذ خرج سالما من نار قومه واعتزلهم فلم يبق بين أظهرهم، كما أشار إلى نجاة لوط مما أصاب قومه من العذاب الأليم، وتحدث عن هجرتهما إلى الأرض المقدسة التي بارك الله فيها، إذ جعلها مهد كثير من الأنبياء ومثواهم الأخير، فقال تعالى :﴿ ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ﴾،
وقوله تعالى هنا :﴿ ووهبنا له إسحاق، ويعقوب نافلة، وكلا جعلنا صالحين ﴾ يفسره قوله تعالى في سورة هود :﴿ فبشرناها بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب ﴾ [ الآية : ٧١ ]، فيعقوب على هذا ولد إسحاق، و " النافلة " ولد الولد كما قال ابن عباس وغيره.
وقال تعالى :﴿ ولوطا آتيناه حكما وعلما ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين ﴾
وذكر كتاب الله هنا بمنتهى الإيجاز قصة نوح عليه السلام فقال :﴿ ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له ﴾ إلى آخر القصة.
كما أشار إلى ما من الله به على داود وسليمان من الحكمة والعلم، والسلطان النافذ والحكم، فقال :﴿ وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث ﴾
﴿ وكلا آتينا حكما وعلما ﴾ إلى آخر الآيات الواردة في شأنهما.
ووصف كتاب الله ما كان عليه أيوب عليه السلام من الرضا بالقضاء والقدر، وما أنعم الله به عليه من الشفاء وقضاء الوطر، فقال :﴿ وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٣:ووصف كتاب الله ما كان عليه أيوب عليه السلام من الرضا بالقضاء والقدر، وما أنعم الله به عليه من الشفاء وقضاء الوطر، فقال :﴿ وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ﴾
وكان مسك الختام في هذا الربع هو الحديث عن إسماعيل ابن إبراهيم الخليل وإدريس وذي الكفل، فقال تعالى منوها بهم وبخصالهم، ومثنيا على جليل أعمالهم :﴿ وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٥:وكان مسك الختام في هذا الربع هو الحديث عن إسماعيل ابن إبراهيم الخليل وإدريس وذي الكفل، فقال تعالى منوها بهم وبخصالهم، ومثنيا على جليل أعمالهم :﴿ وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين ﴾
الربع الأخير من الحزب الثالث والثلاثين في المصحف الكريم
﴿ وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين * فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين * وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين * فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين * والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين * إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون * وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون * فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون * وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون * حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون * واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين* إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون * لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون * لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون * إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون * لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون * لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون * يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين* ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون * إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين * وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين * قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون * فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون * إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون * وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين * قال رب احكم ‎بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون ﴾.
الربع الأخير من الحزب الثالث والثلاثين في المصحف الكريم
في بداية الحديث الماضي بينا وجه المطابقة بين الاسم والمسمى في ( سورة الأنبياء ) التي تضمنت ذكر سبعة عشر نبيا ورسولا، بالإضافة إلى خاتم الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وبديهي أن حكمة الله في ذكرهم وذكر أحوالهم هي ضرب المثل بهم لرسوله والمؤمنين، ففي حياتهم وجهادهم عبرة لمن اعتبر، وفي سيرتهم وسلوكهم نموذج مثالي لأفضل السير. وها هو كتاب الله يواصل الحديث في هذا الربع عن تلك السلسلة الذهبية، التي هي خير البرية :
يقول الله تعالى عن نبيه يونس بن متى الذي ضاق ذرعا بأعباء النبوة بعد أن لم تفلح دعوته في قومه، ففارقهم مغاضبا لهم من أجل ربه، ثم ندم على مفارقتهم ورجع إليهم امتثالا لأمر الله، بعد ما تابوا إلى الله ورفع عنهم العذاب، ﴿ وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين * فاستجبنا له ونجيناه من الغم ﴾.
ومجمل قصته التي ستأتي بتفصيل في سورة الصافات، وبإيجاز في سورة القلم : أن يونس فارق قومه ساخطا عليهم، وكان فراقه لهم عن اجتهاد من عنده، لا بإذن من ربه، ظنا منه أنه يستطيع أن يؤدي واجبه حيثما حل وارتحل، وأن دعوته التي لم ينتفع بها قومه يمكن أن تجد آذانا صاغية عند قوم آخرين، لكنه بمجرد ما فارق قومه وأظلهم العذاب تضرعوا إلى الله وتابوا إليه، وسرعان ما عادوا إلى الصواب، فرفع عنهم العذاب، غير أن يونس عليه السلام لم يعلم بتوبتهم في هذه الأثناء، وكان قد انتهى به المطاف إلى شاطئ البحر فركب سفينة مع ركاب آخرين، وما لبثت السفينة أن أشرفت على الغرق، فاضطر ربانها إلى أن يقرع بين ركابها، ليلقي أحدهم في البحر تخفيفا عنها، وإنقاذا لها ولبقية الركاب، فكانت نتيجة القرعة إلقاء يونس في البحر دون غيره، فالتقمه الحوت، ومن هنا أطلق عليه كتاب الله هذا اللقب ( ذا النون ).
وهنا بدأ تمحيص الله لنبيه يونس على ما أقدم عليه من فراق قومه دون إذن من ربه، زجرا له عن المعاودة ﴿ وليمحص الله الذين آمنوا ﴾، لكن الله كان رحيما كريما عندما حفظه في بطن الحوت، فلم يمسسه سوء، وكما التقمه الحوت بأمر الله عند التقائه في البحر فحفظه من الغرق امتثل الحوت أمر ربه فأخرجه من بطنه دون أن يلحق به أي أذى، وأعاده إلى نفس الشاطئ الذي أقلع منه، عندما استجاب الله دعاء يونس، ونجاه من الغم الذي كان فيه، طيلة القترة التي التقمه فيها الحوت وبقي في بطنه، وهكذا أعاده الله إلى قومه سالما، ليرى أن شجرة الحق التي غرسها قد أينعت وآتت أكلها بإذن ربها، مصداقا لقوله تعالى في آية أخرى :﴿ فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها، إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين ﴾ [ يونس : ٩٨ ].
وقوله تعالى :﴿ فظن أن لن نقدر عليه ﴾ إشارة إلى أن يونس عليه السلام كان قد غلب على ظنه أنه إذا فارق قومه سيخرج من الضيق الذي هو فيه إلى سعة من أمره، وانه سيستبدل بعسرهم يسرا، لكن الأمر جرى على خلاف ذلك، لحكمة يعلمها الله، فمعنى ( لن نقدر عليه ) في هذا السياق لن نضيق عليه، على غرار قوله تعالى :﴿ وأما إذا ما ابتلاه فقدر علي رزقه ﴾ [ الفجر : ١٦ ] أي ضيقه عليه.
وقوله تعالى هنا :﴿ فنادى في الظلمات ﴾ بالجمع، إشارة إلى ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة الحوت، حسبما روي عن ابن مسعود وابن عباس وقتادة، وغيرهم، أو إلى ظلمة الخطيئة، وظلمة الشدة، وظلمة الوحدة، حسبما يراه الماوردي، أو مجرد إشارة إلى شدة تكاثف الظلمات، فكأنها ظلمة فوق ظلمة، حسبما يراه أبو حيان.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تفضلوني على يونس بن متى " معناه انه عليه السلام عندما وصل إلى سدرة المنتهى ليلة الإسراء والمعراج لم يكن بأقرب إلى الله تعالى من يونس، عندما كان في قعر البحر وهو في بطن الحوت، مصداقا لقوله تعالى :﴿ وإذا سألك عبادي عني فإني قريب، أجيب دعوة الداعي إذا دعان ﴾ [ البقرة : ١٨٦ ].
وقوله تعالى هنا :﴿ وكذلك ننجي المؤمنين ﴾ تعهد من الله تعالى على وجه التفضل والإحسان لكل مؤمن صادق التجأ إلى الله وأناب إليه، متبرئا من حوله وقوته، لحول الله وقوته، بأن ينجيه من الشدائد ويفتح في وجهه باب الفرج، ولا سيما إذا اقتدى بيونس عليه السلام، في التوجه إلى الله بنفس الدعاء، عند الامتحان والابتلاء. روى أبو داود في سننه عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :( دعاء ذي النون في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع به رجل مسلم في شيء قط إلا استجيب له " ورواه أحمد في مسنده، والترمذي والنسائي في ( اليوم والليلة )، وواضح أن إجابة الدعاء، والنجاة من الابتلاء، إنما ينالهما من كان من المؤمنين الصادقين، بمقتضى قوله تعالى :﴿ وكذلك ننجي المؤمنين ﴾.
والحكمة فيما تحدث به كتاب الله عن يونس عليه السلام إلى خاتم الأنبياء والرسل هي والله أعلم تحذيره من أن يسلك مسلكه، وخصه على أن يعتصم بالصبر في دعوته، ولا يضيق ذرعا بجحود قومه ومعاناة أمته، ولذلك خاطبه الحق سبحانه وتعالى بقوله في سورة القلم :﴿ فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم، لولا أن تدركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم ﴾ [ الآيتان : ٤٨، ٤٩ ].
وانتقل كتاب الله إلى الحديث عن زكريا حين سأل الله أن يهبه ولدا يكون نبيا من بعده، فقال تعالى :﴿ وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين ﴾ أي لا تذرني منفردا وحيدا، وارزقني وارثا يرثني، ويبقى القيام بأمر الدين على يده في عقبي، ثم رد أمره إلى الله، سواء رزقه من يرثه أو لم يرزقه، إذ أنه سبحانه هو خير من يرث الأرض ومن عليها، وهو لدينه خير الحافظين،
فحقق الله أمنيته، ولبى رغبته ﴿ فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه ﴾، وإصلاحها أن الله جعلها ولودا بعد أن كانت لا تلد،
وكما اثنى الله في الربع الماضي من سورة الأنبياء على أنبيائه ورسله فقال :﴿ وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا، وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وكانوا لنا عابدين ﴾ أثنى عليهم سبحان وتعالى في هذا الربع من نفس السورة، فقال تعالى :﴿ إنهم كانوا يسارعون في الخيرات، ويدعوننا رغبا ورهبا، وكانوا لنا خاشعين ﴾.
وقوله تعالى هنا :﴿ رغبا ورهبا ﴾ أي يدعونه وقت الرغبة ووقت الرهبة، في حال الشدة وحال الرخاء، ويمكن أن يكون المراد به أنهم في حالة دعائهم يجمعون بين الرغبة والرهبة وبين الخوف والرجاء، إذ لا مانع يمنع من ذلك، عند العارفين والسالكين لهذه المسالك، وإذا كان كتاب الله يثني على الأنبياء والرسل السابقين، ويصف أحوالهم وأخلاقهم للمؤمنين اللاحقين، فإنما يضرب المثل بهم، ويلفت النظر إليهم، ليتأكد من جاء بعدهم من الخلف، أن أحسن قدوة يقتدون بها هي سيرة السلف ﴿ أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ﴾ [ الأنعام : ٩٠ ]. وهكذا يكون ثناء الله على أنبيائه ورسله في هذه السورة دعوة ملحة إلى ممارسة ما كانوا عليه من فعل الخيرات، والمسارعة على المبرات، ومن إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والتزام العبادة والخشوع، بشكل متواصل غير مقطوع.
وكما سبقت قصة زكريا وزوجه وابنه يحيى في سورة آل عمران وفي أول سورة مريم، قبل الشروع في الحديث عن عيسى ابن مريم وأمه العذراء يتكرر نفس الموقف في هذه السورة أيضا، فيأتي الحديث عنه وعنها بعد الحديث عن زكريا، للقرابة التي كانت بينهم، وذلك قوله تعالى :﴿ والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين ﴾، على غرار قوله تعالى في سورة التحريم :﴿ ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتابه وكان من القانتين ﴾ [ الآية : ١٢ ]. والمراد " بالإحصان " هنا العفاف والصون والزهد في كل " مباشرة " كيفما كانت حتى ولو كانت حلالا، على غرار ما حكاه كتاب الله في آية أخرى على لسان مريم عليها السلام إذ قال :﴿ ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ﴾ [ مريم : ٢٠ ]، وإضافة " الروح " إليه تعالى في قوله :﴿ من روحنا ﴾ إنما هي على جهة التشريف، وقد أوضح كتاب الله المراد بذلك في آية أخرى، إذ قال تعالى :﴿ فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا ﴾ [ مريم : ١٧ ].
وقوله تعالى هنا :﴿ آية للعالمين ﴾ جاء بالإفراد لا بالجمع، وإن كان في مريم آيات، وفي عيسى آيات، لأن أمر الولادة من غير ذكر، الذي هو محور هذه القصة، هو في الواقع آية واحدة حسبما نبه على ذلك أبو حيان، والمراد " بالعالمين " من اعتبر بهذه القصة من عالم زمانها ثم عالم بقية الأزمان، دلالة على أن الله قادر على كل شيء، وما يشاء الله كان.
﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾
وكما قال تعالى في الربع الأول من سورة الأنبياء :﴿ هذا ذكر من معي وذكر من قبلي ﴾ [ الآية : ٢٤ ]، ﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا يوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ﴾ [ الآية : ٢٥ ]، أكد كتاب الله نفس المعنى وزاده بيانا وتوضيحا في هذا الربع، فقال تعالى :﴿ إن هذه أمتكم امة واحدة، وأنا ربكم فاعبدون ﴾، منبها بذلك إلى أن جميع أنبياء الله ورسله مجمعون على التوحيد مجتمعون عليه، لا يعرفون لهم دينا سواه، منذ بدأت النبوات والرسالات إلى أن ختمت، وكذلك الأمر بالنسبة لكافة المومنين الموحدين من أتباع الأنبياء والرسل جميعا، في أي عصر كانوا، وفي أي مكان وجدوا، فإنهم يكونون أمة واحدة على تعدد طبقاتهم وحلقاتهم، فأمة التوحيد هي بحق الأمة الوحيدة التي لا تعدد فيها ولا افتراق، لأنها اتحدت بأجمعها في عبادة الله الواحد الأحد، والتفت على الإيمان به خير تلاق،
وعلى العكس من ذلك من أشركوا بالله أو شوهوا عقيدة التوحيد، فانحرفوا عن الصراط السوي والقول السديد ﴿ وتقطعوا أمرهم بينهم، كل إلينا راجعون ﴾.
ويحمل كتاب الله البشرى والطمأنينة إلى قلوب المومنين الصادقين إذ يقول :﴿ فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون ﴾،
وانتقل كتاب الله إلى استخلاص العبرة من كل ما قصه عن الأنبياء والمرسلين، لافتا نظر المشركين والكافرين، والشاكين والمنكرين، إلى مصرع الظالمين الذين لا يودعهم الهلاك في الدنيا حتى يستقبلهم العذاب في الآخرة ﴿ وحرم على قرية أهلكنا أنهم لا يرجعون ﴾،
كما لفت نظرهم إلى أن قيام الساعة وهو الوعد الحق قريب غير بعيد، واستعرض أمامهم للعبرة والتدبر، صورا ومشاهد من أشراط الساعة وأهوالها، مع ما يرافقها من مفارقات ومفاجآت ﴿ حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ﴾
﴿ لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون ﴾ ﴿ يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين ﴾.
ويحمل كتاب الله البشرى والطمأنينة إلى قلوب المومنين الصادقين إذ يقول :﴿ فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون ﴾، ويقول ﴿ إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ﴾
ويقول :﴿ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ﴾ على غرار قوله تعالى في آية أخرى، حكاية عن أهل الجنة :﴿ وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العالمين ﴾ [ الزمر : ٧٤ ].
ويعيد كتاب الله الكرة، وكأنه يقول لمشركي قريش : من أنذر فقد أعذر ﴿ إن في هذا لبلاغ لقوم عابدين ﴾،
ويدعوهم إلى التماس رحمة الله وهدايته على يد خاتم رسله الذي هو أولى بالمومنين من أنفسهم ﴿ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ﴾
ويؤكد لهم كتاب الله على لسان رسوله أنه قد بلغهم عن الله كل شيء لم يكتمهم شيئا، ولذلك سقط في أيديهم، ولا يمكنهم أن يؤاخذوه، إذا ضاعت عليهم هذه الفرصة ﴿ فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون ﴾
وختم هذا الربع بالالتجاء إلى الله والاحتكام إليه، حتى ينصر عبده، ويهزم الأحزاب وحده، ويظهر دينه ولو كره المشركون ﴿ قال رب احكم ‎بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون ﴾.
Icon