ﰡ
أحدهما : أنه اسم من أسماء الله أقسم به، قاله ابن عباس.
الثاني : أنه اسم من أسماء القرآن، قاله قتادة.
الثالث : أنها حروف مقطعة من اسم الله الذي هو الرحمن، قاله سعيد بن جبير وقال : الر وحم ون هو الرحمن.
الرابع : هو محمد ﷺ، قاله جعفر بن محمد.
الخامس : فواتح السور، قاله مجاهد قال شريح بن أوفى العبسي :
يذكرني حاميم والرمح شاجر... فهلا تلا حاميم قبل التقدم
ويحتمل سادساً : أن يكون معناه حُم أمر الله أي قرب، قال الشاعر :
قد حُمّ يومي فسر قوم... قومٌ بهم غفلة ونوم
ومنه سميت الحمى لأنها تقرب منه المنية.
فعلى هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : أنه يريد به قرب قيام الساعة لقول النبي ﷺ :« بعثت في آخرها ألفاً
» الثاني : أنه يريد به قرب نصره لأوليائه وانتقامة من أعدائه يوم بدر.
قوله تعالى :﴿ غافر الذنب ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه غافره لمن استغفره، قاله النقاش.
الثاني : ساتره على من يشاء، قاله سهل بن عبد الله.
﴿ وقابل التوب ﴾ يجوز أن يكون جمع توبة، ويجوز أن يكون مصدراً من تاب يتوب توباً، وقبوله للتوبة إسقاط الذنب بها مع إيجاب الثواب عليها.
قوله تعالى :﴿ ذي الطول ﴾ فيه ستة تأويلات :
أحدها : ذي النعم، قاله ابن عباس.
الثاني : ذي القدرة، قاله ابن زيد.
الثالث : ذي الغنى والسعة، قاله مجاهد.
الرابع : ذي الخير، قاله زيد بن الأصم.
الخامس : ذي المن، قاله عكرمة.
السادس : ذي التفضيل، قاله محمد بن كعب.
والفرق بين المن والفضل أن المن عفو عن ذنب، والفضل إحسان غير مستحق والطول مأخوذ من الطول كأنه إنعامه على غيره وقيل لأنه طالت مدة إنعامه.
أحدهما : ما يماري فيها، قاله السدي.
الثاني : ما يجحد بها، قاله يحيى بن سلام.
وفي الفرق بين المجادلة والمناظرة وجهان :
أحدهما : ان المجادلة لا تكون إلا بين مبطلين أو مبطل ومحق، والمناظرة بين محقين.
الثاني : أن المجادلة فتل الشخص عن مذهبه محقاً أو مبطلاً، والمناظرة التوصل إلى الحق في أي من الجهتين كان.
وقيل إنه أراد بذلك الحارث بن قيس السهمي وكان أحد المستهزئين.
﴿ فلا يغررك تقلبهم في البلاد ﴾ قال قتادة : إقبالهم وإدبارهم وتقلبهم في أسفارهم، وفيه وجهان :
أحدهما : لا يغررك تقلبهم في الدنيا بغير عذاب، قاله يحيى.
الثاني : لا يغررك تقلبهم في السعة والنعمة قاله مقاتل وقيل إن المسلمين قالوا نحن في جهد والكفار في السعة، فنزل ﴿ فلا يغررك تقلبهم في البلاد ﴾ حكاه النقاش وفيه حذف تقديره : فلا يغررك تقلبهم في البلاد سالمين فسيؤخذون.
قولة تعالى :﴿ وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ليحبسوه ويعذبوه، حكاه ابن قتيبة.
الثاني : ليقتلوه، قاله قتادة والسدي. والعرب تقول : الأسير الأخيذ لأنه مأسور للقتل، وأنشد قطرب قول الشاعر :
فإما تأخذوني تقتلوني | ومن يأخذ فليس إلى خلود |
أحدهما : عند دعائه لهم.
الثاني : عند نزول العذاب بهم.
﴿ وجادلوا بالباطل ليُدْحضوا به الحقَّ ﴾ قال يحيى بن سلام : جادلوا الأنبياء بالشرك ليبطلوا به الإيمان.
﴿ فأخذتهم ﴾ قال السدي : فعذبتهم.
﴿ فكيف كان عقاب ﴾ في هذا السؤال وجهان :
أحدهما : أنه سؤال عن صدق العقاب، قال مقاتل وجدوه حقاً.
الثاني : عن صفته، قال قتادة : شديد والله.
قوله تعالى :﴿ وكذلك حقت كلمة ربِّك على الذين كفروا ﴾ أي كما حقت على أولئك حقت على هؤلاء. وفي تأويلها وجهان :
أحدهما : وكذلك وجب عذاب ربك.
الثاني : وكذلك صدق وعد ربك.
﴿ أنهم أصحاب النار ﴾ جعلهم أصحابها لأنهم يلزمونها وتلزمهم.
أحدهما : ملأت كل شيء رحمة وعلماً، أو رحمة عليه وعلماً به، وهو معنى قول يحيى بن سلام.
الثاني : معناه : وسعت رحمتك وعلمك كل شيء.
﴿ فاغفر للذين تابوا ﴾ قال يحيى : من الشرك.
﴿ واتبعوا سبيلك ﴾ قال الإسلام لأنه سبيل إلى الجنة.
﴿ وقهم عذاب الجحيم ﴾ بالتوفيق لطاعتك.
أحدهما : أنهم ينادون يوم القيامة، قاله قتادة.
الثاني : ينادون في النار، قاله السدي.
﴿ لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعوْن إلى الإيمان فتكفرون ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لمقت الله بكم في الدنيا إذا دعيتم إلى الإيمان فكفرتم أكبر من مقتكم لأنفسكم في الآخرة حين عاينتم العذاب وعلمتم أنكم من أهل النار، قاله الحسن وقتادة.
الثاني : معناه : إن مقت الله لكم إذ عصيتموه أكبر من مقت بعضكم لبعض حين علمتم أنهم أضلوكم، حكاه ابن عيسى.
فإن قيل : كيف يصح على الوجه الأول أن يمقتوا أنفسهم؟
ففيه وجهان :
أحدهما : أنهم أحلوها بالذنوب محل الممقوت.
الثاني : أنهم لما صاروا إلى حال زال عنهم الهوى وعلموا أن نفوسهم هي التي أوبقتهم في المعاصي مقتوها.
وفي اللام التي في ﴿ لمقت الله ﴾ وجهان :
أحدهما : أنها لام الابتداء كقولهم لزيد أفضل من عمرو، قاله البصريون.
الثاني : أنها لام اليمين تدخل على الحكاية وما ضارعها، قاله ثعلب.
قوله تعالى :﴿ قالوا ربّنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنه خلقهم أمواتاً في أصلاب آبائهم، ثم أحياهم بإخراجهم ثم أماتهم عند انقضاء آجالهم، ثم أحياهم للبعث، فهما ميتتان إحداهما في أصلاب الرجال، الثانية في الدنيا، وحياتان : إحداهما في الدنيا والثانية في الآخرة، قاله ابن مسعود وقتادة.
الثاني : أن الله أحياهم حين أخذ عليهم الميثاق في ظهر آدم قوله ﴿ وإذ أخذ رَبُكَ مِن ابني آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذرِيتَهُمْ ﴾ [ الأعراف : ١٧١ ] الآية. ثم إن اللَّه أماتهم بعد أخذ الميثاق عليهم، ثم أحياهم حين أخرجهم، ثم أماتهم عند انقضاء آجالهم، ثم أحياهم للبعث فتكون حياتان وموتتان في الدنيا وحياة في الآخرة، قاله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
الثالث : أن الله أحياهم حين خلقهم في الدنيا، ثم أماتهم فيها عند انقضاء أجالهم، ثم أحياهم في قبورهم للمساءلة، ثم أماتهم إلى وقت البعث. ثم أحياهم للعبث، قاله السدي.
﴿ فاعترفنا بذنوبنا ﴾ أنكروا البعث في الدنيا وأن يحيوا بعد الموت، ثم اعترفوا في الآخرة بحياتين بعد موتتين.
﴿ فهل إلى خروج مِن سبيل ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : فهل طريق نرجع فيها إلى الدنيا فنقر بالبعث، وهو معنى قول قتادة.
الثاني : فهل عمل نخرج به من النار، ونتخلص به من العذاب؟ قاله الحسن.
وفي الكلام مضمر تقديره : لا سبيل إلى الخروج.
قوله تعالى :﴿ ذلكم بأنه إذا دُعي الله وحده كفرتم ﴾ أي كفرتم بتوحيد الله.
﴿ وإن يُشرك به تؤمنوا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : معناه تصدقوا من أشرك به، قاله النقاش.
الثاني : تؤمنوا بالأوثان، قاله يحيى بن سلام.
﴿ فالحكم لله ﴾ يعني في مجازاة الكفار وعقاب العصاة.
﴿ العلي الكبير ﴾ إنما جاز وصفه بأنه علي ولم تجز صفته بأنه رفيع لأنها صفة قد تنقل من علو المكان إلى علو الشأن والرفيع لا يستعمل إلا في ارتفاع المكان.
أحدها : رفع السموات السبع، قاله سعيد بن جبير والكلبي.
الثاني : عظيم الصفات، قاله ابن زياد.
الثالث : هو رفعه درجات أوليائه، قاله يحيى.
﴿ ذو العرش ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن عرشه فوق سماواته، قاله سعيد بن جبير.
الثاني : أنه رب العرش، قاله يحيى.
﴿ يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده ﴾ فيه ستة تأويلات :
أحدها : أن الروح الوحي، قاله قتادة.
الثاني : النبوة، قاله السدي.
الثالث : القرآن، قاله ابن عباس.
الرابع : الرحمة، حكاه إبراهيم الجوني.
الخامس : أرواح عباده، لا ينزل ملك إلا ومعه منها روح، قاله مجاهد.
السادس : جبريل يرسله الله بأمره، قاله الضحاك.
﴿ لينذر يوم التلاق ﴾ فيه قولان :
أحدهما : لينذر الله به يوم القيامة، قاله الحسن.
الثاني : لينذر أنبياؤه يوم التلاق وهو يوم القيامة وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : لأنه يلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض، قاله السدي وابن زيد.
الثاني : لأنه يلتقي فيه الأولون والآخرون، وهو معنى قول ابن عباس.
الثالث : يلتقي فيه الخلق والخالق، قاله قتادة.
قوله تعالى :﴿ يومَ هم بارزون ﴾ يعني من قبورهم.
﴿ لا يخفى على الله منهم شَيْءٌ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه أبرزهم جميعاً لأنه لا يخفى على الله منهم شيء.
الثاني : معناه يجازيهم من لا يخفى عليه من أعمالهم شيء.
﴿ لمن الملك اليوم ﴾ هذا قول الله، وفيه قولان :
أحدهما : أنه قوله بين النفختين حين فني الخلائق وبقي الخالق فلا يرى - غير نفسه - مالكاً ولا مملوكاً : لمن الملك اليوم فلا يجيبه لأن الخلق أموات، فيجيب نفسه فيقول :﴿ لله الواحد القهار ﴾ لأنه بقي وحده وقهر خلقه، قاله محمد بن كعب.
الثاني : أن هذا من قول الله تعالى في القيامة حين لم يبق من يدَّعي ملكاً، أو يجعل له شريكاً.
وفي المجيب عن هذا السؤال قولان :
أحدهما : أن الله هو المجيب لنفسه وقد سكت الخلائق لقوله، فيقول : لله الواحد القهار، قاله عطاء.
الثاني : ان الخلائق كلهم يجيبه من المؤمنين. والكافرين، فيقولون : لله الواحد القهار، قاله ابن جريج.
أحدهما : يوم حضور المنية، قاله قطرب.
الثاني : يوم القيامة وسميت الآزفة لدنوها، وكل آزف دانٍ، ومنه قوله تعالى ﴿ أزفت الآزفة ﴾ [ النجم : ٥٧ ] أي دنت القيامة.
﴿ إذ القلوب لَدَى الحناجر ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن القلوب هي النفوس بلغت الحناجر عند حضور المنية، وهذا قول من تأول يوم الآزفة بحضور المنية، قاله قتادة. ووقفت في الحناجر من الخوف فهي لا تخرج ولا تعود في أمكنتها.
﴿ كاظمين ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : مغمومون قاله الكلبي.
الثاني : باكون، قاله ابن جريج.
الثالث : ممسكون بحناجرهم، ماخوذ من كظم القربة وهو شد رأسها.
الرابع : ساكتون، قاله قطرب، وأنشد قول الشماخ :
فظلت كأن الطير فوق رؤوسها | صيامٌ تنائي الشمس وهي كظوم |
أحدهما : انه القريب، قاله الحسن.
الثاني : الشفيق، قاله مجاهد، ومعنى الكلام : ما لهم من حميم ينفع ولا شفيع يطاع أي يجاب إلى الشفاعة، وسميت الإجابة طاعة لموافقتها إرادة المجاب.
قوله تعالى :﴿ يعلم خائنة الأعين ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : أنه الرمز بالعين، قاله السدي.
الثاني : هي النظرة بعد النظرة، قاله سفيان.
الثالث : مسارقة النظر، قاله ابن عباس.
الرابع : النظر إلى ما نهى عنه، قاله مجاهد.
الخامس : هو قول الإنسان ما رأيت وقد رأى، أو رأيت وما رأى، قاله الضحاك.
وفي تسميتها خائنة الأعين وجهان :
أحدهما : لأنها أخفى الإشارات فصارت بالاستخفاء كالخيانة.
الثاني : لأنها باستراق النظر إلى المحظور خيانة.
﴿ وما تُخفي الصدور ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : الوسوسة، قاله السدي.
الثاني : ما تضمره [ عندما ترى امرأة ] إذا أنت قدرت عليها أتزني بها أم لا، قاله ابن عباس.
الثالث : ما يسره الإنسان من أمانة أو خيانة، وعبر عن القلوب بالصدور لأنها مواضع القلوب.
أحدهما : يعني بطشاً، قاله يحيى.
الثاني : قدرة، قاله ابن عيسى.
﴿ وآثاراً في الأرض ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : أنها آثارهم من الملابس والأبنية، قاله يحيى.
الثاني : خراب الأرضين وعمارتها، قاله مجاهد.
الثالث : المشي فيها بأرجلهم، قاله ابن جريج.
الرابع : بُعْد الغاية في الطلب، قاله الكلبي.
الخامس : طول الأعمار، قاله مقاتل.
ويحتمل سادساً : ما سنوا فيها من خير وشر.
أحدها : معناه أشيروا عليّ بقتل موسى لأنهم قد كانوا أشاروا عليه بأن لا يقتله لأنه لو قتله منعوه، قاله ابن زياد.
الثاني : ذروني أتولى قتله، لأنهم قالوا إن موسى ساحر إن قتلته هلكت لأنه لو أمر بقتله خالفوه.
الثالث : أنه كان في قومه مؤمنون يمنعونه من قتله. فسألهم تمكينه من قتله.
﴿ وليدع ربه ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : وليسأل ربه فإنه لا يجاب.
الثاني : وليستعن به فإنه لا يعان.
﴿ إني أخاف أن يبدِّل دينكم ﴾ فيها وجهان :
أحدهما : يغير أمركم الذي أنتم عليه، قاله قتادة.
الثاني : معناه هو أن يعمل بطاعة الله، رواه سعيد بن أبي عروبة.
الثالث : محاربته لفرعون بمن آمن به، حكاه ابن عيسى.
الرابع : هو أن يقتلوا أبناءكم ويستحيوا نساءكم إذا ظهروا عليكم كما كنتم تفعلون بهم، قاله ابن جريج.
ويحتمل خامساً : أن يزول به ملككم لأنه ما تجدد دين إلا زال به ملك.
أحدهما : أنه كان ابن عم فرعون، قاله السدي، قال وهو الذي نجا مع موسى.
الثاني : أنه كان قبطياً من جنسه ولم يكن من أهله، قاله مقاتل.
قال ابن إسحاق : وكان أسمه حبيب.
وحكى الكلبي أن اسمه حزبيل، وكان مَلِكَا على نصف الناس وله الملك بعد فرعون، بمنزلة ولي العهد.
وقال ابن عباس : لم يكن من آل فرعون مؤمن غيره وامرأة فرعون وغير المؤمن الذي أنذر فقال ﴿ إن الملأ يأتمرون بك ﴾ [ القصص : ٢٠ ].
وفي إيمانه قولان :
أحدهما : أنه آمن بمجيء موسى وتصديقه له وهو الظاهر. الثاني : أنه كان مؤمناً قبل مجيء موسى وكذلك امرأة فرعون قاله الحسن، فكتم إيمانه، قال الضحاك كان يكتم إيمانه للرفق بقومه ثم أظهره فقال ذلك في حال كتمه.
﴿ أتقتلون رجلاً أن يقول ربي اللهُ ﴾ أي لقوله ربي الله.
﴿ وقد جاءَكم بالبينات من ربِّكم ﴾ فيها قولان :
أحدهما : أنه الحلال والحرام، قاله السدي.
الثاني : أنها الآيات التي جاءتهم : يده وعصاه والطوفان وغيرها، كما قال تعالى ﴿ ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقصٍ من الثمرات ﴾ [ الأعراف : ١٣٠ ] قاله يحيى.
﴿ وإن يك كَاذباً فعليه كَذِبُه ﴾ ولم يكن ذلك لشك منه في رسالته وصدقه ولكن تلطفاً في الاستكفاف واستنزالاً عن الأذى.
﴿ وإن يَكُ صادقاً يصبكم بعض الذي يعدُكم ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : أنه كان وعدهم بالنجاة إن آمنوا وبالهلاك إن كفروا، فقال ﴿ يصبكم بعض الذي يعدكم ﴾ لأنهم إذا كانوا على إحدى الحالتين نالهم أحد الأمرين فصار ذلك بعض الوعد لا كله.
الثاني : لأنه قد كان أوعدهم على كفرهم بالهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة، فصار هلاكهم في الدنيا بعض وما وعدهم.
الثالث : أن الذي يبدؤهم من العذاب هو أوله ثم يتوالى عليهم حالاً بعد حال حتى يستكمل فصار الذي يصيبهم هو بعض الذي وعدهم لأنه حذرهم ما شكوا فيه وهي الحالة الأولى وما بعدها يكونون على يقين منه.
الرابع : أن البعض قد يستعمل في موضع الكل تلطفاً في الخطاب وتوسعاً في الكلام كما قال الشاعر :
قد يُدْرِك المتأني بعض حاجته | وقد يكون مع المستعجل الزلل |
أحدهما : مسرف على نفسه كذاب على ربه إشارة إلى موسى، ويكون هذا من قول المؤمن.
الثاني : مسرف في عناده كذاب في ادعائه إشارة إلى فرعون [ ويكون ] هذا من قوله تعالى.
قوله تعالى :﴿ ويا قوم لكم الملك اليوم ظاهِرين في الأرض ﴾ قال السدي :
غالبين على أرض مصر قاهرين لأهلها، وهذا قول المؤمن تذكيراً لهم بنعم اللَّه عليهم.
﴿ فمن ينصرنا من بأس الله إِن جاءَنا ﴾ أي من عذاب الله، تحذيراً لهم من نقمة، فذكر وحذر فعلم فرعون ظهور محبته.
﴿ قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى ﴾ قال عبد الرحمن بن زيد : معناه ما أشير عليكم إلا بما أرى لنفسي.
﴿ وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ﴾ في تكذيب موسى والإيمان بي
وبث الخلق فيها إذ دحاها | فهم سكانها حتى التّنَادِ |
وفيما ينادي به بعضهم بعضاً قولان :
أحدهما : يا حسرتا، يا ويلتا، يا ثبوراه، قاله ابن جريج.
الثاني : ينادي أهلُ الجنة أهل النار أن ﴿ قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً ﴾ [ الأعراف : ٤٤ ] الآية.
وينادي أهل النار الجنة ﴿ أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم اللَّه ﴾ [ الأعراف : ٥٠ ] قاله قتادة.
وكان الكلبي يقرؤها : يوم التنادّ، مشدودة، أي يوم الفرار، قال يندّون كما يندّ البعير. وقد جاء في الحديث أن للناس جولة يوم القيامة يندون يطلبون أنهم يجدون مفراً ثم تلا هذه الآية.
﴿ يوم تولون مدبرين ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : مدبرين في انطلاقهم إلى النار، قاله قتادة.
الثاني : مدبرين في فِرارهم من النار حتى يقذفوا فيها، قاله السدي.
﴿ ما لكم من الله من عاصم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : من ناصر، قاله قتادة.
الثاني : من مانع، وأصل العصمة المنع، قاله ابن عيسى.
﴿ ومن يضلل الله فما له من هاد ﴾ وفي قائل هذا قولان :
أحدهما : أن موسى هو القائل له.
الثاني : أنه من قول مؤمن آلِ فرعون.
قوله تعالى :﴿ ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن يوسف بن يعقوب، بعثه الله رسولاً إلى القبط بعد موت الملك من قبل موسى بالبينات. قال ابن جريج : هي الرؤيا.
الثاني : ما حكاه النقاش عن الضحاك أن الله بعث اليهم رسولاً من الجن يقال له يوسف.
أحدها : يعني مجلساً، قاله الحسن.
الثاني : قصراً، قاله السدي.
الثالث : أنه الآجر ومعناه أوقد لي على الطين حتى يصير آجراً، قاله سعيد بن جبير.
الرابع : أنه البناء المبني بالآجر، وكانوا يكرهون أن يبنوا بالآجر ويجعلوه في القبر، قاله إبراهيم.
﴿ لعلّي أبلغ الأسباب ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : ما يسبب إلى فعل مرادي.
الثاني : ما أتوصل به إلى علم ما غاب عني، ثم بين مراده فقال :
﴿ أسباب السموات ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : طرق السموات، قاله أبو صالح.
الثاني : أبواب السموات، قاله السدي والأخفش، وأنشد قول الشاعر :
ومن هاب أسباب المنايا يَنَلنه | ولو نال أسباب السماء بِسلَّمِ |
﴿ فأطَّلعَ إلى إله موسى وإني لأظنه كاذباً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه غلبه الجهل على قول هذا أو تصوره.
الثاني : أنه قاله تمويهاً على قومه مع علمه باستحالته، قاله الحسن.
﴿ وما كَيْدُ فرعون إلا في تبابٍ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : في خسران قاله ابن عباس.
الثاني : في ضلال، قاله قتادة.
وفيه وجهان :
أحدهما : في الدنيا لما أطلعه الله عليه من هلاكه.
الثاني : في الآخرة لمصيره إلى النار، قاله الكلبي.
أحدها : معناه : لا بد، قاله المفضل.
الثاني : معناه : لقد حق واستحق، قاله المبرد.
الثالث : أنه لا يكون إلا جواباً كقول القائل : فعلوا كذا، فيقول المجيب : لا جرم انهم سيندمون، قاله الخليل.
﴿ أن ما تدعونني إليه ﴾ أي من عبادة ما تعبدون من دون الله.
﴿ ليس له دعوةٌ في الدنيا ولا في الآخرة ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : لا يستجيب لأحد في الدنيا ولا في الآخرة، قاله السدي.
الثاني : لا ينفع ولا يضر في الدنيا ولا في الآخرة، قاله قتادة.
الثالث : ليس له شفاعة في الدنيا ولا في الآخرة، قاله الكلبي.
﴿ وأن مردنا إلى الله ﴾ أي مرجعنا بعد الموت إلى الله ليجازينا على أفعالنا.
﴿ وأن المسرفين هم أصحاب النار ﴾ فيهم قولان :
أحدهما : يعني المشركين، قاله قتادة.
الثاني : يعني السفاكين للدماء بغير حق، قاله الشعبي، وقال مجاهد : سمى الله القتل سرفاً.
قوله تعالى :﴿ فستذكرون ما أقول لكم ﴾ فيه قولان :
أحدهما : يعني في الآخرة، قاله ابن زيد.
الثاني : عند نزول العذاب بهم، قاله النقاش.
﴿ وأفوّض أمري إلى الله ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : معناه : وأسلم أمري إلى الله، قاله ابن عيسى.
الثاني : أشهد عليكم الله، قاله ابن بحر.
الثالث : أتوكل على الله، قاله يحيى بن سلام.
﴿ إن الله بصير بالعباد ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : بأعمال العباد.
الثاني : بمصير العباد.
وفي قائل هذا قولان :
أحدهما : أنه من قول موسى.
الثاني : من قول مؤمن آل فرعون، فعلى هذا يصير بهذا القول مظهراً لإيمانه. قوله تعالى :﴿ فوقاه الله سيئات ما مكروا ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن موسى وقاه الله سيئات ما مكروا، فعلى هذا فيه قولان :
أحدهما : أن مؤمن آل فرعون نجاه الله مع موسى حتى عبر البحر واغرق الله فرعون، قاله قتادة، وقيل إن آل فرعون هو فرعون وحده ومنه قول أراكة الثقفي :
لا تبك ميتاً بعد موت أحبةٍ | عليّ وعباس وآل أبي بكر |
الثاني : أن مؤمن آل فرعون خرج من عنده هارباً إلى جبل يصلي فيه، فأرسل في طلبه، فجاء الرسل وهو في صلاته وقد ذبت عنه السباع والوحوش أن يصلوا إليه، فعادوا إلى فرعون فأخبروه فقتلهم فهو معنى قوله ﴿ فوقاه الله سيئات ما مكروا ﴾.
﴿ وحاق بآل فرعون سوء العذاب ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنهم قومه، وسوء العذاب هو الغرق، قاله الضحاك.
الثاني : رسله الذين قتلهم، وسوء العذاب هو القتل.
قوله تعالى :﴿ النار يعرضون عليها غُدُوّاً وعشيّاً ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه يعرض عليهم مقاعدهم من النار غدوة وعشية، فيقال : لآلِ فرعون هذه منازلكم، توبيخاً، قاله قتادة.
الثاني : أن أرواحهم في أجواف طير سود تغدو على جهنم وتروح فذلك عرضها، قاله ابن مسعود.
الثالث : أنهم يعذبون بالنار في قبرهم غدواً وعشياً، وهذا لآل فرعون خصوصاً. قال مجاهد : ما كانت الدنيا.
﴿ ويوم تقولم الساعةُ ﴾ وقيامها وجود صفتها على استقامة، ومنه قيام السوق وهو حضور أهلها على استقامة في وقت العادة.
﴿ أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ﴾ لأن عذاب جهنم مُخْتَلِف. وجعل الفراء في الكلام تقديماً وتأخيراً وتقديره : ادخلوا آل فرعون أشد العذاب النار يعرضون عليها غدواً وعشياً، وهو خلاف ما ذهب إليه غيره من انتظام الكلام على سياقه.
أحدهما : بإفلاج حجتهم، قاله أبو العالية.
الثاني : بالانتقام من أعدائهم قال السدي : ما قتل قوم قط نبياً أو قوماً من دعاة الحق من المؤمنين إلا بعث الله من ينتقم لهم فصاروا منصورين فيها وإن قُتلوا.
﴿ ويومَ يقَوم الأشْهاد ﴾ بمعنى يوم القيامة. وفي نصرهم قولان :
أحدهما : بإعلاء كلمتهم وإجزال ثوابهم.
الثاني : إنه بالانتقام من أعدائهم.
وفي ﴿ الأشهاد ﴾ ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم الملائكة شهدوا للأنبياء بالإبلاغ، وعلى الأمم بالتكذيب، قاله مجاهد والسدي.
الثاني : انهم الملائكة والأنبياء، قاله قتادة.
الثالث : أنهم أربعة : الملائكة والنبيون والمؤمنون والأجساد، قاله زيد بن أسلم ثم في ﴿ الأشهاد ﴾ أيضاً وجهان :
أحدهما : جمع شهيد مثل شريف، وأشراف.
الثاني : أنه جمع شاهد مثل صاحب وأصحاب.
قوله تعالى :﴿ فاصبر إنَّ وعد الله حق ﴾ فيه قولان :
أحدهما : هو ما وعد الله رسوله في آيتين من القرآن أن يعذب كفار مكة، قاله مقاتل.
الثاني : هو ما وعد الله رسوله أن يعطيه المؤمنين في الآخرة، قاله يحيى بن سلام.
﴿ واستغفر لذنبك ﴾ اي من ذنب إن كان منك. قال الفضيل : تفسير الاستغفار أقلني.
﴿ وسبح بحمد ربِّك ﴾ قال مجاهد : وصَلِّ بأمر ربك.
﴿ بالعشي والإبكار ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها صلاة العصر والغداة، قاله قتادة.
الثاني : أن العشي ميل الشمس إلى أن تغيب، والإبكار أول الفجر، قاله مجاهد.
الثالث : هي صلاة مكة قبل أن تفرض الصلوات الخمس ركعتان غدوة وركعتان عشية، قاله الحسن.
قوله تعالى :﴿ إنّ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم ﴾ أي بغير حجة جاءتهم.
﴿ إن في صدورهم إلا كبرٌ ما هم ببالغيه ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن اكبر العظمة التي في كفار قريش، ما هم ببالغيها، قاله مجاهد.
الثاني : ما يستكبر من الاعتقاد وفيه قولان :
أحدهما : هو ما أمله كفار قريش في النبي ﷺ وفي أصحابه أن يهلك ويهلكوا، قاله الحسن.
الثاني : هو أن اليهود قالوا إن الدجال منا وعظموا أمره، واعتقدوا أنهم يملكون، وينتقمون، قاله أبو العالية.
﴿ فاستعذ بالله ﴾ من كبرهم.
﴿ إنه هو السميع ﴾ لما يقولونه ﴿ البصير ﴾ بما يضمرونه.
أحدها : لخلق السموات والأرض أعظم من خلق الدجال حين عظمت اليهود شأنه، قاله أبو العالية.
الثاني : أكبر من إعادة خلق الناس حين أنكرت قريش البعث، قاله يحيى بن سلام.
الثالث : أكبر من أفعال الناس حين أذل الكفار بالقوة وتباعدوا بالقهر.
أحدها : معناه وحدوني بالربوبية أغفر لكم ذنوبكم، قاله ابن عباس.
الثاني : اعبدوني استجب لكم، قاله جرير بن عبد الله، أي اتبعكم على عبادتكم.
الثالث : سلوني أعطكم، قاله السدي. وإجابة الداعي عند صدق الرغبة مقيد بشرط الحكمة. وحكى قتادة أن كعب قال : أعطيت هذه الأمة ثلاثاً لم تعطهن أمّة قبلكم إلا نبي : كان إذا أرسل نبي قيل له : أنت شاهد على أمتك، وجعلكم شهداء على الناس، وكان يقال للنبي، ليس عليك في الدين من حرج، وقال لهذه الأمة : وما جعل عليكم في الدين من حرج، وكان يقال للنبي : ادعني أستجب لك، وقال لهذه الأمة : ادعوني أستجب لكم.
أحدها : لتستريحوا فيه من عمل النهار.
الثاني : لتكفوا فيه عن طلب الأرزاق.
الثالث : لتحاسبوا فيه أنفسكم على ما عملتم بالنهار.
﴿ والنهار مبصراً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : مبصراً لقدرة الله في خلقه.
الثاني : مبصراً لمطالب الأرزاق.
قوله تعالى :﴿ كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : كذلك يصرف، قاله يحيى.
الثاني : كذلك يكذب بالتوحيد، قاله مقاتل.
الثالث : كذلك يعدل عن الحق، قاله ابن زيد.
أحدهما : أن الفرح : السرور والمرح : البطر، فسرّوا بالإمهال وبطروا بالنعم
الثاني : الفرح والسرور، قاله الضحاك، والمرح العدوان.
روى خالد عن ثور عن معاذ قال : قال رسول الله ﷺ :« إن الله تعالى يبغض البذخين الفرحين المرحين، ويحب كل قلب حزين ويبغض أهل بيت لحمين، ويبغض كل حبر سمين » فأما أهل بيت لحمين فهم الذين يأكلون لحوم الناس بالغيبة، وأما الحبر السمين فالمتحبر بعلمه ولا يخبر به الناس، يعني المستكثر من علمه ولا ينفع به الناس.
أحدها : بقولهم نحن أعلم منهم لن نبعث لن نعذب، قاله مجاهد.
الثاني : بما كان عندهم أنه علم وهو جهل، قاله السدي.
الثالث : فرحت الرسل بما عندهم من العلم بنجاتهم وهلاك أعدائهم، حكاه ابن عيسى.
الرابع : رضوا بعلمهم واستهزأوا برسلهم، قاله ابن زيد.
﴿ وحاق بهم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أحاط بهم، قاله الكلبي.
الثاني : عاد عليهم.
﴿ ما كانوا به يستهزئون ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : محمد ﷺ أنه ساحر.
الثاني : بالقرآن أنه شِعْر.