ﰡ
(غَافِرٍ)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
قَالَ تَعَالَى: (حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ) : هُوَ مِثْلُ: (الم تَنْزِيلُ) [السَّجْدَةِ: ١، ٢].
قَالَ تَعَالَى: (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ) : كِلْتَاهُمَا صِفَةٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَالْإِضَافَةُ مَحْضَةٌ.
وَأَمَّا (شَدِيدِ الْعِقَابِ) فَنَكِرَةٌ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ: شَدِيدٌ عِقَابُهُ؛ فَيَكُونُ بَدَلًا؛ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «شَدِيدِ» بِمَعْنَى مُشَدَّدٍ، كَمَا جَاءَ أَذِينٌ بِمَعْنَى مُؤَذِّنٍ؛ فَتَكُونُ الْإِضَافَةُ مَحْضَةً فَيَتَعَرَّفُ، فَيَكُونُ وَصْفًا أَيْضًا. وَأَمَّا (ذِي الطَّوْلِ) : فَصِفَةٌ أَيْضًا. (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً، وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا.
قَالَ تَعَالَى: (وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنَّهُمْ) : هُوَ مِثْلُ الَّذِي فِي يُونُسَ.
قَالَ تَعَالَى: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ) : مُبْتَدَأٌ، وَ «يُسَبِّحُونَ» : خَبَرُهُ.
قَالَ تَعَالَى: (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَنْ صَلَحَ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ فِي «أَدْخِلْهُمْ» أَيْ وَأَدْخِلْ مَنْ صَلَحَ.
وَقِيلَ: هُوَ عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي «وَعَدْتَهُمْ».
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (١٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ مَقْتِكُمْ) : هُوَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إِلَى الْفَاعِلِ. وَ (أَنْفُسَكُمْ) : مَنْصُوبٌ بِهِ. وَ «إِذْ» : ظَرْفٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: مَقَتَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ؛ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ «مَقْتُ اللَّهِ» لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ قَدْ أُخْبِرَ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: أَكْبَرُ مِنْ. وَلَا «مَقْتِكُمْ» لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْقُتُوا أَنْفُسَهُمْ حِينَ دَعَوْا إِلَى الْإِيمَانِ، وَإِنَّمَا مَقَتُوهَا فِي النَّارِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يَدْعُونَ إِلَى الْإِيمَانِ.
قَالَ تَعَالَى: (ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (١٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَحْدَهُ) : هُوَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ اللَّهِ؛ أَيْ دُعِيَ مُفْرَدًا.
وَقَالَ يُونُسُ: يَنْتَصِبُ عَلَى الظَّرْفِ؛ تَقْدِيرُهُ: دُعِيَ حِيَالُهُ وَحْدَهُ، وَهُوَ مَصْدَرٌ مَحْذُوفُ الزِّيَادَةِ، وَالْفِعْلُ مِنْهُ أَوْحَدْتُهُ إِيحَادًا.
قَالَ تَعَالَى: (رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (١٥)).
وَ (مِنْ أَمْرِهِ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الرُّوحِ، وَأَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِـ «يُلْقِي».
قَالَ تَعَالَى: (يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (١٧))
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَوْمَ هُمْ) :«يَوْمَ» بَدَلٌ مِنْ (يَوْمَ التَّلَاقِ) : وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: اذْكُرْ يَوْمَ، وَأَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِلتَّلَاقِي. وَ «هُمْ» مُبْتَدَأٌ؛ وَ «بَارِزُونَ» خَبَرُهُ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ بِإِضَافَةِ «يَوْمَ» إِلَيْهَا
وَ (لَا يَخْفَى) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا آخَرَ، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي «بَارِزُونَ» وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا. (الْيَوْمَ) : ظَرْفٌ، وَالْعَامِلُ فِيهِ «لِمَنْ» أَوْ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَارُّ. وَقِيلَ: هُوَ ظَرْفٌ لِلْمُلْكِ. (لِلَّهِ) : أَيْ: هُوَ لِلَّهِ. وَقِيلَ: الْوَقْفُ عَلَى الْمُلْكِ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقَالَ: هُوَ الْيَوْمُ لِلَّهِ الْوَاحِدِ؛ أَيِ اسْتَقَرَّ الْيَوْمُ لِلَّهِ. وَ (الْيَوْمَ) الْآخَرُ: ظَرْفٌ لِـ «تُجْزَى». وَ (الْيَوْمَ) الْأَخِيرُ: خَبَرُ «لَا» أَيْ لَا ظُلْمَ كَائِنٌ الْيَوْمَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (١٨)).
(إِذِ) بَدَلٌ مِنْ يَوْمِ الْآزِفَةِ.
وَ (كَاظِمِينَ) : حَالٌ مِنَ الْقُلُوبِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَصْحَابُهَا.
وَقِيلَ: هِيَ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي «لَدَى». وَقِيلَ: هِيَ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي «أَنْذِرْهُمْ». (
قَالَ تَعَالَى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (٢٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَوْ أَنْ يُظْهِرَ) : هُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ؛ أَيْ أَخَافُ الْأَمْرَيْنِ.
وَيُقْرَأُ «أَوْ أَنْ يُظْهِرَ» أَيْ أَخَافُ أَحَدَهُمَا، وَأَيُّهُمَا وَقَعَ كَانَ مَخُوفًا.
قَالَ تَعَالَى: (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (٢٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) : هُوَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ نَعْتًا لِمُؤْمِنٍ.
وَقِيلَ: يَتَعَلَّقُ بِـ «يَكْتُمُ» أَيْ يَكْتُمُهُ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ. (أَنْ يَقُولَ) : أَيْ لِأَنْ يَقُولَ.
(وَقَدْ جَاءَكُمْ) : الْجُمْلَةُ حَالٌ.
قَالَ تَعَالَى: (يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (٢٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (ظَاهِرِينَ) : حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْجَمْعِ فِي «لَكُمْ».
وَ (أُرِيكُمْ) : مُتَعَدٍّ إِلَى مَفْعُولَيْنِ، الثَّانِي «مَا أَرَى» وَهُوَ مِنَ الرَّأْيِ الَّذِي بِمَعْنَى الِاعْتِقَادِ.
(سَبِيلَ الرَّشَادِ) : الْجُمْهُورُ عَلَى التَّخْفِيفِ، وَهُوَ اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ، إِمَّا الرُّشْدُ أَوِ الْإِرْشَادُ، وَقُرِئَ بِتَشْدِيدِ الشِّينِ، وَهُوَ الَّذِينَ يَكْثُرُ مِنْهُ الْإِرْشَادُ أَوِ الرُّشْدُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَوْمَ التَّنَادِ) : الْجُمْهُورُ عَلَى التَّخْفِيفِ؛ وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ، وَهُوَ مَصْدَرُ تَنَادَ الْقَوْمُ إِذَا تَفَرَّقُوا؛ أَيْ يَوْمَ اخْتِلَافِ مَذَاهِبِ النَّاسِ.
وَ (يَوْمَ تُوَلُّونَ) : بَدَلٌ مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ. وَ (مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ.
قَالَ تَعَالَى: (الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (٣٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (الَّذِينَ يُجَادِلُونَ) : فِيهِ أَوْجُهٌ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ هُمُ الَّذِينَ، وَ «هُمْ» يَرْجِعُ عَلَى قَوْلِهِ: (مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً، وَالْخَبَرُ: «يَطْبَعُ اللَّهُ» وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ مِنْهُمْ. وَ (كَذَلِكَ) : خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَمَا بَيْنَهُمَا مُعْتَرِضٌ مُسَدَّدٌ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ «كَبُرَ مَقْتًا» أَيْ كَبُرَ قَوْلُهُمْ مَقْتًا.
وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ مَحْذُوفًا؛ أَيْ مُعَانِدُونَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
وَالْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِإِضْمَارِ أَعْنِي.
قَالَ تَعَالَى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (٣٦) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (٣٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ) : هُوَ بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ.
(فَأَطَّلِعَ) - بِالرَّفْعِ - عَطْفًا عَلَى أَبْلَغُ، وَبِالنَّصْبِ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ؛ أَيْ إِنْ تَبْنِ لِي أَطَّلِعَ. وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ جَوَابُ لَعَلِّي؛ إِذْ كَانَ فِي مَعْنَى التَّمَنِّي.
قَالَ تَعَالَى: (وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (٤١) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (٤٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (تَدْعُونَنِي) : الْجُمْلَةُ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا بَدَلٌ، أَوْ تَبْيِينٌ لِتَدْعُونَنِي الْأَوَّلِ.
قَالَ تَعَالَى: (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (٤٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ) : الْجُمْلَةُ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي «أَقُولُ».
قَالَ تَعَالَى: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (٤٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا) : فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: هُوَ مُبْتَدَأٌ وَ «يُعْرَضُونَ» : خَبَرُهُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ «سُوءِ الْعَذَابِ».
وَيَقْرَأُ بِالنَّصْبِ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ يُفَسِّرُهُ «يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا» تَقْدِيرُهُ: يُصْلَوْنَ النَّارَ وَنَحْوَ
(أَدْخِلُوا) : يُقْرَأُ بِوَصْلِ الْهَمْزَةِ؛ أَيْ يُقَالُ: لِآلِ فِرْعَوْنَ؛ فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ: يَا آلَ فِرْعَوْنَ. وَيُقْرَأُ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْخَاءِ؛ أَيْ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (٤٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَطُوفًا عَلَى «غُدُوًّا» وَأَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: وَاذْكُرْ. وَ (تَبَعًا) : مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ اسْمِ الْفَاعِلِ. وَ (نَصِيبًا) مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ مُغْنُونَ، تَقْدِيرُهُ: هَلْ أَنْتُمْ دَافِعُونَ عَنَّا أَوْ مَانِعُونَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ الْمَصْدَرِ، كَمَا كَانَ شَيْءٌ كَذَلِكَ؛ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا) [آلِ عِمْرَانَ: ١٠] فَشَيْئًا فِي مَوْضِعِ غَنَاءٍ؛ فَكَذَلِكَ نَصِيبًا.
قَالَ تَعَالَى: (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوَا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (٤٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا؛ أَيْ يُخَفِّفْ عَنَّا فِي يَوْمٍ شَيْئًا مِنَ الْعَذَابِ؛ فَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ. وَعَلَى قَوْلِ الْأَخْفَشِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ «مِنْ» زَائِدَةً؛ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا؛ أَيْ عَذَابَ يَوْمٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا) :[الْبَقَرَةِ: ٤٨] أَيْ عَذَابَ يَوْمٍ.
قَالَ تَعَالَى: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٥٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا يَنْفَعُ) : هُوَ بَدَلٌ مِنْ «يَوْمَ يَقُومُ».
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ (٥٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَا الْمُسِيءُ) :«لَا» زَائِدَةٌ.