تفسير سورة الأعراف

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة الأعراف من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة الأعراف مكية، إلا قوله تعالى :﴿ واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر... ﴾ ( آية : ١٦٣ ) إلى قوله :﴿... وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ﴾ ( آية : ١٧٢ )، هذه الآيات مدنيات، وهي مائتان وست آيات.

﴿ الۤمۤصۤ ﴾ [آية: ١].
﴿ كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ ﴾، يعني القرآن.
﴿ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ ﴾، يعني النبي صلى الله عليه وسلم.
﴿ حَرَجٌ مِّنْهُ ﴾، يقول: فلا يكن في قلبك شك من القرآن بأنه من الله.
﴿ لِتُنذِرَ بِهِ ﴾، بما في القرآن من الوعيد.
﴿ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٢]، يعني تذكرة للمصدقين بالقرآن بأنه من الله عز وجل.
ثم قال لأهل مكة: ﴿ ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾، يعني القرآن.
﴿ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ ﴾، يعني أرباباً، ثم أخبر عنهم، فقال: ﴿ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ﴾ [آية: ٣]، يعني بالقليل أنهم لا يعقلون فيعتبرون. ثم وعظهم، فقال: ﴿ وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا ﴾ بالعذاب.
﴿ فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً ﴾، وهم نائمون، يعني ليلاً.
﴿ أَوْ ﴾ جاءهم العذاب.
﴿ هُمْ قَآئِلُونَ ﴾ [آية: ٤]، يعني بالنهار.﴿ فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَآ ﴾، يقول: فما كان قولهم عند نزول العذاب بهم.
﴿ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ [آية: ٥]، لقولهم في حم المؤمن﴿ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ ﴾[غافر: ٨٤].
ثم قال: ﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ ﴾ في الآخرة ﴿ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ ﴾، يعني الأمم الخالية الذين أهلكوا في الدنيا: ما أجابوا الرسل في التوحيد؟ ﴿ وَلَنَسْأَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ [آية: ٦] ماذا أجيبوا في التوحيد؟
﴿ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم ﴾ أعمالهم ﴿ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ ﴾ [آية: ٧] عن أعمالهم، يعني عنهم في الدنيا.﴿ وَٱلْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ ﴾، يقول: وزن الأعمال يومئذ العدل في الآخرة.
﴿ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ﴾ من المؤمنين وزن ذرة على سيئاته.
﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾ [آية: ٨].
﴿ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ﴾، يعني الكفار.
﴿ فَأُوْلَـۤئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُم ﴾، يعني غبنوا أنفسهم، فصاروا إلى النار. ﴿ بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ ﴾ [آية: ٩]، يعني بالقرآن يجحدون بأنه ليس من الله.
﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي ٱلأَرْضِ ﴾، يقول: ولقد أعطيناكم يا أهل مكة من الخير والتمكين في الأرض.
﴿ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ ﴾ من الرزق لتشكروه فتوحدوه، فلم تفعلوا، فأخبر عنهم، فقال: ﴿ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ﴾ [آية: ١٠]، يعني بالقليل أنهم لا يشكرون رب هذه النعم فيوحدونه.﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ﴾، يعني آدم، عليه السلام.
﴿ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ﴾، يعني ذرية آدم، ذكراً وأنثى، وأبيض وأسود، سوياً وغير سوي.
﴿ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ﴾ الذين هم في الأرض، ومنهم إبليس عدو الله: ﴿ ٱسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُوۤاْ ﴾ له، ثم استثنى، فقال: ﴿ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ ﴾ [آية: ١١] لآدم مع الملائكة.﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴾ [آية: ١٢]، والنار تغلب الطين.﴿ قَالَ فَٱهْبِطْ مِنْهَا ﴾، قال: اخرج من صورة الملائكة إلى صورة الدمامة، فأخرج من الجنة يا إبليس.
﴿ فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا ﴾، فما ينبغي لك أن تتعظم فيها، يعني في الجنة.
﴿ فَٱخْرُجْ ﴾ منها ﴿ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّاغِرِينَ ﴾ [آية: ١٣]، يعني من المذلين.﴿ قَالَ ﴾ إبليس لربه: ﴿ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [آية: ١٤]، يعني النفخة الآخرة، يوم يبعث آدم، عليه السلام، وذريته.﴿ قَالَ ﴾ الله: ﴿ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ ﴾ [آية: ١٥]، فلا تموت إلى يوم الوقت المعلوم، يعني أجلاً معلوماً، وهي النفخة الأولى.
﴿ قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي ﴾، قال: أما إذ أضللتنى.﴿ لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ ﴾ [آية: ١٦]، يعني لأصدنهم عن دينك المستقيم، يعني الإسلام.﴿ ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ﴾، من قبل الآخرة، فأزين لهم التكذيب بالبعث، وبالجنة، وبالنار.
﴿ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ﴾، يعني من قبل الدنيا، فأزينها في أعينهم، وأرغبهم فيها، ولا يعطون فيها حقاً.
﴿ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ ﴾، يعني من قبل دينهم، فإن كانوا على هدى شبهته عليهم حتى يشكوا فيها، وإن كانوا على ضلالة زينتها لهم.
﴿ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ ﴾، يعني من قبل الشهوات واللذات من المعاصى وأشهيها إليهم.
﴿ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [آية: ١٧] لنعمتك، فلا يوحدونك.﴿ قَالَ ﴾ له: ﴿ ٱخْرُجْ مِنْهَا ﴾، يعني من الجنة.
﴿ مَذْءُوماً ﴾ منفياً.
﴿ مَّدْحُوراً ﴾، يعني مطروداً.
﴿ لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ ﴾ على دينك.
﴿ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [آية: ١٨]، يعني إبليس وذريته وكفار ذرية آدم منهم جميعاً.
﴿ وَيَا آدَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ ﴾، في التقديم ﴿ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ ﴾، وهي السنبلة الحنطة، وقالوا: هي الشجرة التى تحتك بها الملائكة للخلود.
﴿ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ١٩] لأنفسكم.﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ ﴾، يعني إبليس وحده.
﴿ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا ﴾، يعني ما غطى عنهما ﴿ مِن سَوْءَاتِهِمَا ﴾، يعني ليظهر لهما عورتهما.
﴿ وَقَالَ ﴾ إبليس لهما: إني خلقت قبلكما، وإني أعلم منكما، فأطيعانى ترشدا، وقال لهما: ﴿ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ ﴾ [آية: ٢٠]، يقول: إن لم تكونا ملكين، كنتما من الخالدين لا تموتان.﴿ وَقَاسَمَهُمَآ ﴾، يعني حلف بالله لهما.
﴿ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ ﴾ [آية: ٢١] إنها شجرة الخلد، من أكل منها لم يمت، فكان إبليس أول من يحلف بالله كاذباً.﴿ فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ ﴾، يعني زين لهما الباطل، لقوله: ﴿ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ ﴾، وحلف على قوله، فغرهما بهذه اليمين.
﴿ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا ﴾، يعني ظهرت لهما عوراتهما.
﴿ وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا ﴾، يقول: أخذا يغطيان عوراتهما ﴿ مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ ﴾، يعني ورق التين الذي في الجنة.
﴿ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ ﴾، يقول: وقال لهما ربهما يوحى إليهما: ﴿ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ ﴾، يعني آدم وحواء: ﴿ إِنَّ ٱلشَّيْطَآنَ ﴾، يعني إبليس ﴿ لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ ﴾ [آية: ٢٢].
﴿ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا ﴾ ذنوبنا ﴿ وَتَرْحَمْنَا ﴾ وتتجاوز عنا.
﴿ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ ﴾ [آية: ٢٣] في العقوبة، فتاب آدم، عليه السلام، يوم عاشوراء يوم الجمعة، فتاب الله عليه. وأوحى إليهما: ﴿ قَالَ ٱهْبِطُواْ ﴾ من الجنة، آدم، وحواء، وإبليس، والحية.
﴿ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ﴾، يقول: إبليس لهما عدو، وهما إبليس عدو.
﴿ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ﴾ [آية: ٢٤]، يعني إلى منتهى آجالكم، وإبليس في النفخة الأولى﴿ قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ ﴾، يعني في الأرض.
﴿ وَفِيهَا تَمُوتُونَ ﴾ عند منتهى آجالكم.
﴿ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴾ [آية: ٢٥] يوم القيامة.
﴿ يَابَنِيۤ آدَمَ ﴾، نزلت في ثقيف، وبني عامر بن صعصعة، وخزاعة، وبني مدلج، وعامر والحارث ابنى عبد مناة، قالوا: لا نطوف بالبيت الحرام في الثياب التي نقترف فيها الذنوب، ولا يضربون على أنفسهم خباء من وبر، ولا صوف، ولا شعر، ولا أدم، فكانوا يطوفون بالبيت عراة، ونساءهم يطفن بالليل، فأنزل الله: ﴿ يَابَنِيۤ آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً ﴾، يقول: من أمرى كان اللباس في الأرض.
﴿ يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ ﴾، يعني يغطي عوراتكم.
﴿ وَرِيشاً ﴾، يعني المال.
﴿ وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ﴾، يعني من العمل الصالح.
﴿ ذٰلِكَ خَيْرٌ ﴾، يقول: العمل الصالح خير من الثياب والمال، ثم قال: ﴿ ذٰلِكَ ﴾ الثياب والمال ﴿ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ ﴾ ومن صنعه.
﴿ لَعَلَّهُمْ ﴾، يعني لكي ﴿ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [آية: ٢٦] فيعتبروا في صنعه فيوحدوه. ثم قال: ﴿ يَابَنِيۤ آدَمَ ﴾، يعنيهم.
﴿ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ ﴾ في دينكم أمر الثياب، فيدعها عنكم فتبدى عوراتكم.
﴿ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ ﴾، يعني كما فعل بأبويكم آدم وحواء، فأخرجهما ﴿ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ ﴾، وبدت عوراتهما، فذلك قوله: ﴿ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا ﴾، يعني ثيابهما.
﴿ لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ ﴾، يعني عوراتهما.
﴿ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ ﴾، يقول: يراكم إبليس وجنوده من الشياطين من حيث لا ترونهم.
﴿ إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ٢٧]، يعني لا يصدقون. ثم قال: ﴿ وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً ﴾، يعني معصية فيما حرموا من الحرث، والأنعام، والثياب، والألبان، فنهوا عن تحريم ذلك.
﴿ قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ﴾، يعني بتحريم ذلك، ثم قال: ﴿ قُلْ ﴾ يا محمد: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ ﴾، يعني بالمعاصى فيحرم ذلك، وقل لهم: ﴿ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ﴾ ربكم إنه حرم عليكم ﴿ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٢٨] إنه حرمه. و ﴿ قُلْ ﴾ لهم: ﴿ أَمَرَ رَبِّي بِٱلْقِسْطِ ﴾، يعني بالعدل.
﴿ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ ﴾، يعني وأمر ربي أن تقيموا وجوهكم، يعني إلى القبلة.
﴿ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ في بيعة أو كنيسة أو غيرها، فصلوا قبل الكعبة، وأمرهم بالصلاة والتوحيد، فذلك قوله: ﴿ وَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ ﴾، يعني موحدين.
﴿ لَهُ ٱلدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ﴾ [آية: ٢٩]، يعني كما خلقكم سعداء وأشقياء كذلك تعودون.﴿ فَرِيقاً هَدَىٰ ﴾ لدينه.
﴿ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ ﴾، يعني أرباباً.
﴿ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ [آية: ٣٠]، أنهم على الهدى.
ثم قال يعنيهم: ﴿ يَابَنِيۤ آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ في كنيسة، أو بيعة، أو غيرها.
﴿ وكُلُواْ ﴾ من الحرث والأنعام.
﴿ وَٱشْرَبُواْ ﴾ من الألبان.
﴿ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ ﴾، يقول: ولا تشركوا الآلهة في تحريم الحرث، والأنعام، والثياب، والألبان، مما هو حل لكم.
﴿ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ ﴾ [آية: ٣١]، يعني المشركين.﴿ قُلْ ﴾ لهم: ﴿ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ﴾، يعني الثياب.
﴿ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ ﴾، يعني الحلال.
﴿ مِنَ ٱلرِّزْقِ ﴾، يعني الحرث، والأنعام، والألبان.
﴿ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ﴾، يقول: أشرك في الطيبات في الدنيا المؤمن والكافر، وهي خالصة للمؤمنين يوم القيامة.
﴿ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ﴾، يقول: هكذا نبين ﴿ ٱلآيَاتِ ﴾، يعني أمور ما ذكر في هذه الآية.
﴿ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٣٢] بتوحيد الله. ثم أخبرهم بما حرم الله، فقال: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ ﴾، يعني الزنا.
﴿ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾، يعني العلانية.
﴿ وَمَا بَطَنَ ﴾ في السر وكانوا يتكرمون عن الزنا في العلانية، ويفعلوه في السر، وحرم شرب الخمر.
﴿ وَٱلإِثْمَ ﴾ والمعاصى.
﴿ وَٱلْبَغْيَ ﴾، يعني ظلم الناس.
﴿ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ ﴾، إلا أن يقتص منه بحق.
﴿ وَ ﴾ حرم ﴿ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً ﴾، يعني كتاباً فيه حجتكم بأن معه شريكاً.
﴿ وَ ﴾ حرم ﴿ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ ﴾ بأنه حرم الحرث، والأنعام، والألبان، والثياب.
﴿ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٣٣] أنه حرمه. ثم خوفهم بالعذاب، فقال: ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ﴾ العذاب.
﴿ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [آية: ٣٤]، يقول: لا يتأخرون ولا يتقدمون حتى يعذبوا، وذلك حين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن العذاب. ثم قال: ﴿ يَابَنِيۤ آدَمَ ﴾، يعني مشركي العرب.
﴿ إِمَّا ﴾ فإن ﴿ يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم وحده.
﴿ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي ﴾، يعني يتلون عليكم القرآن.
﴿ فَمَنِ ٱتَّقَىٰ ﴾ الشرك ﴿ وَأَصْلَحَ ﴾ العمل وآمن بالله.
﴿ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [آية: ٣٥] من الموت.
﴿ وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ﴾، يعني بالقرآن أنه ليس من الله.
﴿ وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَآ ﴾، وتكبروا عن الإيمان بآيات القرآن.
﴿ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [آية: ٣٦].
﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ ﴾، يعني فلا أحد أظلم.
﴿ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً ﴾ بأن معه شريكاً وأنه أمر بتحريم الحرث، والأنعام، والألبان، والثياب.
﴿ أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ﴾، يعني بآيات القرآن.
﴿ أُوْلَـٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم ﴾، يعني حظهم.
﴿ مِّنَ ٱلْكِتَابِ ﴾، وذلك أن الله قال في الكتب كلها: إنه من افترى على الله كذباً، فإنه يسود وجهه، فهذا ينالهم في الآخرة، نظيرها في الزمر:﴿ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ ﴾[الزمر: ٦٠]، وقال: ﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ ﴾، يعني ملك الموت وحده، ثم قالت لهم خزنة جهنم قبل دخول النار في الآخرة: ﴿ قَالُوۤاْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ ﴾، يعني تعبدون.
﴿ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ من الآهلة، هل يمنعونكم من النار.
﴿ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا ﴾، يعني ضلت الآلهة عنا، يقول الله: ﴿ وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ ﴾ [آية: ٣٧]، وذلك حين قالوا:﴿ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾[الأنعام: ٢٣]، فشهدت عليهم الجوارح بما كتمت الألسن من الشرك والكفر، نظيرها في الأنعام.﴿ قَالَ ﴾، أى قالت الخزنة: ﴿ ٱدْخُلُواْ ﴾ النار ﴿ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ مِّن ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ فِي ٱلنَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ ﴾ النار ﴿ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ﴾، لعنت أهل ملتهم يلعن المشركون المشركين، ويلعن اليهود اليهود، ويلعن النصارى النصارى، ويلعن المجوس المجوس، ويلعن الصابئون الصابئين، ويلعن الأتباع القادة، يقولون: لعنكم الله أنتم ألقيتمونا في هذا الملقى حين أطعناكم، يقولون: ﴿ حَتَّىٰ إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا ﴾، يعني حتى إذا اجتمعوا في النار ﴿ جَمِيعاً ﴾ القادة، والأتباع، وقد دخلت القادة والأتباع.
﴿ قَالَتْ أُخْرَاهُمْ ﴾ دخولاً النار، وهم الأتباع ﴿ لأُولاَهُمْ ﴾ دخولاً النار، وهم القادة.
﴿ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ ﴾ القادة ﴿ أَضَلُّونَا ﴾ عن الهدى.
﴿ فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً ﴾، يعني أعطهم عذاباً مضاعفاً ﴿ مِّنَ ٱلنَّارِ ﴾ ﴿ قَالَ ﴾ يقول الله: ﴿ لِكُلٍّ ﴾، يعني الأتباع والقادة.
﴿ ضِعْفٌ ﴾ يضاعف العذاب.
﴿ وَلَـٰكِن لاَّ تَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٣٨].
﴿ وَقَالَتْ أُولاَهُمْ ﴾ دخولاً النار، وهم القادة.
﴿ لأُخْرَاهُمْ ﴾ دخولاً النار وهم الأتباع.
﴿ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ ﴾ في شىء، فقد ضللتم كما ضللنا.
﴿ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ ﴾ [آية: ٣٩]، يعني تقولون من الشرك والتكذيب.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ﴾، يعنى القرآن.
﴿ وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا ﴾، يعنى وتكبروا عن الإيمان بآيات القرآن.
﴿ لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ ﴾، يعنى لأرواحهم ولا لأعمالهم.
﴿ أَبْوَابُ ٱلسَّمَآءِ ﴾، كما تفتح أبواب السماء لأرواح المؤمنين ولأعمالهم إذا ماتوا، ثم قال: ﴿ وَلاَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ فِي سَمِّ ٱلْخِيَاطِ ﴾، يقول: حتى يدخل البعير فى خرق الإبرة.
﴿ وَكَذٰلِكَ ﴾، يعنى وهكذا.
﴿ نَجْزِي ٱلْمُجْرِمِينَ ﴾ [آية: ٤٠] لا يدخلون الجنة. ثم ذكر ما أعد لهم فى النار، فقال: ﴿ لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ ﴾، يعنى فراش من نار.
﴿ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ ﴾، يعنى لحفاً، يعنى ظللاً من النار، وذلك قوله فى الزمر:﴿ لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ﴾[الزمر: ١٦]، يقول: ﴿ وَكَذٰلِكَ ﴾، يعنى وهكذا.
﴿ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٤١] جهنم، وما فيها من العذاب. ثم ذكر المؤمنين، فقال: ﴿ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ﴾، يقول: لا نكلفها من العمل إلا ما تطيق.
﴿ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [آية: ٤٢] لا يموتون. ثم أخبر عنهم، فقال: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ ﴾، يعنى ما كان فى الدنيا فى قلوبهم من غش، يعنى بعضهم لبعض، وذلك أن أهل الجنة إذا هم بشجرة ينبع من ساقها عينان، فيميلون إلى أحدهما فيشربون منها، فيخرج الله ما كان فى أجوافهم من غل أو أقذار، فيطهر الله أجوافهم:﴿ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً ﴾[الإنسان: ٢١]، ثم يميلون إلى العين الأخرى، فيغتسلون فيها، فيطيب الله أجسادهم من كل درن، وجرت عليهم النظرة، فلا تشعث رءوسهم، ولا تغبر وجوههم، ولا تشحب أجسادهم، ثم تتلقاهم خزنة الجنة قبل أن يدخلوا الجنة، فينادونهم، يعنى قالوا لهم: ﴿ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا ﴾، يقول: هاكم الجنة أورثتموها ﴿ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾، فلما استقروا فى منازلهم.
﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا ﴾، أى للإسلام ولهذا الخير.
﴿ وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاۤ أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ ﴾ لدينه، ما كنا لنهتدى فى التقديم.
﴿ لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ ﴾، بأن هذا اليوم حق فصدقناهم.
﴿ وَنُودُوۤاْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٤٣].
﴿ وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً ﴾ من الخير والثواب فى الدنيا.
﴿ فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً ﴾ فى الدنيا من العذاب.
﴿ قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ ﴾، وهو مالك ينادى: ﴿ أَن لَّعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٤٤]، يعنى عذاب الله على المشركين. ثم نعت أعمالهم الخبيثة، فقال: ﴿ ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾، يعنى دين الإسلام.
﴿ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً ﴾ ويريدون بملة الإسلام زيفاً.
﴿ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ ﴾، يعنى بالبعث الذى فيه جزاء الأعمال.
﴿ كَافِرُونَ ﴾ [آية: ٤٥].
ثم قال: ﴿ وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ﴾، يقول: بين الجنة والنار سور.
﴿ وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ ﴾، يعنى على السور رجال ﴿ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ ﴾ من الفريقين ﴿ بِسِيمَاهُمْ ﴾، يعرفون أهل الجنة ببياض فى الوجوه، وأهل النار بسواد الوجوه.
﴿ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ﴾، يسلم أصحاب الأعراف على أهل الجنة، يقول الله: ﴿ لَمْ يَدْخُلُوهَا ﴾، يعنى أصحاب الأعراف لم يدخلوا الجنة.
﴿ وَهُمْ يَطْمَعُونَ ﴾ [آية: ٤٦] فى دخولها، وإنما طمعوا فى دخول الجنة من أجل النور الذى بين أيديهم وعلى أقدامهم مثل السراج. ثم قال: ﴿ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ ﴾، يعنى قلبت وجوههم.
﴿ تِلْقَآءَ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ ﴾، يقول: وإذا نظر أصحاب الأعراف قبل أهل النار.
﴿ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٤٧]، يعنى مع المشركين فى النار.
﴿ وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلأَعْرَافِ رِجَالاٍ ﴾، هم فى النار.
﴿ يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ ﴾، يعنى بسواد الوجوه من القادة والكبراء.
﴿ قَالُواْ مَآ أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ ﴾ فى الدنيا.
﴿ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [آية: ٤٨]، يعنى وما أغنى عنكم ما كنتم تستكبرون عن الإيمان، فأقسم أهل النار أن أهل الأعراف سيدخلون النار معهم. قالت الملائكة الذين حبسوا أصحاب الأعراف على الصراط: ﴿ أَهَـۤؤُلاۤءِ ﴾، يعنى أصحاب الأعراف.
﴿ ٱلَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ ﴾ يا أهل النار أنهم ﴿ لاَ يَنَالُهُمُ ٱللَّهُ بِرَحْمَةٍ ﴾، ثم قالت الملائكة: يا أصحاب الأعراف.
﴿ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ ﴾ من العذاب.
﴿ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ﴾ [آية: ٤٩] من الموت. فقال مقاتل: إن أصحاب الأعراف من أمة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة، وهم الذين استوت حسناتهم وسيئاتهم، فحبسوا على الصراط من أجل ذنوبهم، ثم دخلوا الجنة بعد ذلك بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم.
﴿ وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ ﴾، يقول: اسقونا من الماء نشرب.
﴿ أَوْ ﴾ أطعمونا ﴿ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ ﴾ من الطعام نأكل، فإن فينا معارفكم وفيكم معارفنا، فرد عليهم أهل الجنة.
﴿ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا ﴾، يعنى الطعام والشراب.
﴿ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ ﴾ [آية: ٥٠]، وذلك أن الله عز وجل رفع أهل الجنة لأهل النار، فرأوا ما فيهما من الخير والرزق، فنادوا عند ذلك: ﴿ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَو مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ ﴾ من الشراب والطعام، قال لهم أهل الجنة: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَافِرِينَ ﴾.
ثم نعتهم، فقال: ﴿ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ ﴾ الإسلام.
﴿ لَهْواً وَلَعِباً ﴾، يعنى لهوا عنه، ولعباً يعنى باطلاً، ودخلوا فى غير دين الإسلام ﴿ وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا ﴾ عن دينهم الإسلام.
﴿ فَٱلْيَوْمَ ﴾ فى الآخرة.
﴿ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ ﴾، يقول: فاليوم فى الآخرة نتركهم فى النار، كما تركوا الإيمان.
﴿ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَـٰذَا ﴾، يعنى بالبعث.
﴿ وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا ﴾، يعنى بالقرآن ﴿ يَجْحَدُونَ ﴾ [آية: ٥١] بأنه ليس من الله.
﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ ﴾، يعنى بيناه.
﴿ عَلَىٰ عِلْمٍ ﴾، وهو القرآن.
﴿ هُدًى ﴾ من الضلالة.
﴿ وَرَحْمَةً ﴾ من العذاب.
﴿ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ٥٢]، يعنى يصدقون بالقرآن بأنه من الله. ثم رجع فى التقديم إلى الذين جحدوا بالقرآن، فقال: ﴿ هَلْ يَنظُرُونَ ﴾، يخوفهم.
﴿ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ﴾، يعنى العاقبة، ما وعد الله فى القرآن من الوعد والوعيد، والخير والشر، على ألسنة الرسل.
﴿ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ ﴾، يعنى يقول فى الآخرة الذين تركوا الإيمان فى الدنيا بالبعث، فإذا ذكروه وعاينوا قول الرسل، قالوا: ﴿ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ ﴾، بأن هذا اليوم كائن، وهو حق.
﴿ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ ﴾ من الملائكة والنبيين وغيرها.
﴿ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ ﴾ إلى الدنيا.
﴿ فَنَعْمَلَ ﴾ من الخير ﴿ غَيْرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ﴾ من الشر، يعنى الشرك والتكذيب، يقول الله: ﴿ قَدْ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ﴾، يقول: قد غبنوا أنفسهم، فساروا إلى النار.
﴿ وَضَلَّ عَنْهُمْ ﴾ فى الآخرة ﴿ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾ [آية: ٥٣] فى الدنيا من التكذيب.
﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ﴾ قبل ذلك.
﴿ يُغْشِي ٱلْلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ ﴾، يقول: يغشى ظلمة الليل ضوء النهار.
﴿ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً ﴾، يعنى سريعاً.
﴿ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ﴾ لبنى آدم.
﴿ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ ﴾، يعنى كل شىء خلق.
﴿ وَٱلأَمْرُ ﴾، يعنى قضاءه، فى الخلق الذى فى اللوح المحفوظ، فله المشيئة فى الخلق والأمر.
﴿ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٥٤]، فيخبر بعظمته وقدرته. ثم بين كيف يدعونه، فقال: ﴿ ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً ﴾، يعنى مستكينين.
﴿ وَخُفْيَةً ﴾، يعنى فى خفض وسكون، كقوله:﴿ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا ﴾[الإسراء: ١١٠]، يعنى تسر بها، فادعوه فى حاجتكم ولا تدعوه فيما لا يحل لكم على مؤمن أو مؤمنة، تقول: اللهم اخزه والعنه، اللهم أهلكه، أو افعل به كذا وكذا، فذلك عدوان.
﴿ إِنَّهُ ﴾ الله.
﴿ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ ﴾ [آية: ٥٥].
﴿ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ﴾، وذلك أن الله إذا بعث نبياً إلى الناس فأطاعوه، صلحت الأرض وصلح أهلها، وأن المعاصى فساد المعيشة وهلاك أهلها، يقول: لا تعملوا فى الأرض بالمعاصى بعد الطاعة.
﴿ وَٱدْعُوهُ خَوْفاً ﴾ من عذابه.
﴿ وَطَمَعاً ﴾ فى رحمته، فمن فعل ذلك وهو محسن، فذلك قوله: ﴿ إِنَّ رَحْمَةَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [آية: ٥٦]، يعنى بالرحمة المطر، يقول: الرحمة لهم.
﴿ وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْرىً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ﴾، يقول: الرياح نشراً للسحاب، كقوله:﴿ يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً ﴾[الروم: ٤٨]، يسير السحاب قدام الرياح.
﴿ حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ ﴾، يعنى إذا حملت الريح ﴿ سَحَاباً ثِقَالاً ﴾ من الماء.
﴿ سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ ﴾، ليس فيه نبات.
﴿ فَأَنْزَلْنَا بِهِ ٱلْمَآءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ ﴾ بالماء من الأرض.
﴿ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ كَذٰلِكَ ﴾، يعنى هكذا.
﴿ نُخْرِجُ ﴾، يخرج الله ﴿ ٱلْموْتَىٰ ﴾ من الأرض بالماء، كما أخرج النبات من الأرض بالماء.
﴿ لَعَلَّكُمْ ﴾، يعنى لكى ﴿ تَذَكَّرُونَ ﴾ [آية: ٥٧] فتعتبروا فى البعث أنه كائن، نظيرها فى الروم والملائكة. ثم ضرب مثلاُ للمؤمنين والكفار، فقال: ﴿ وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ ﴾، يعنى الأرض العذبة إذا مطرت.
﴿ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ﴾، فينتفع به كما ينفع المطر البلد الطيب فينبت، ثم ذكر الكافر، فقال: ﴿ وَٱلَّذِي خَبُثَ ﴾ من البلد، يعنى من الأرض السبخة أصابها المطر، فلم ينبت.
﴿ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً ﴾، يعنى إلا عسراً رقيقاً يبس مكانه، فلم ينتفع به، فهكذا الكافر يسمع الإيمان ولا ينطق به ولا ينفعه، كما لا ينفع هذا النبات الذى يخرج رقيقاً فييبس مكانه.
﴿ كَذٰلِكَ ﴾، يعنى هكذا ﴿ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ ﴾ فى أمور شتى لما ذكره فى هاتين الآيتين.
﴿ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ﴾ [آية: ٥٨]، يعنى يوحدون ربهم.﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ ﴾، يعنى وحدوا الله.
﴿ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ ﴾، يقول: ليس لكم رب غيره، فإن لم تعبدوه.
﴿ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ ﴾ فى الدنيا ﴿ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [آية: ٥٩] لشدته.﴿ قَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ ﴾، وهم القادة والكبراء لنوح: ﴿ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ٦٠].
﴿ قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٦١] إليكم.﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي ﴾ فى نزول العذاب بكم فى الدنيا.
﴿ وَأَنصَحُ لَكُمْ ﴾ فيها وأحذركم من عذابه فى الدنيا.
﴿ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ ﴾ فى نزول العذاب بكم.
﴿ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٦٢] أنتم. وذلك أن قوم نوح لم يسمعوا بقوم قط عذبوا، وقد سمعت الأمم بعدهم بنزول العذاب على قوم نوح، ألا ترى أن هوداً قال لقومه:﴿ وَٱذكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ ﴾[الأعراف: ٦٩]، وقال صالح لقومه:﴿ وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ ﴾هلاك﴿ عَادٍ ﴾[الأعراف: ٧٤]، وحذر شعيب قومه، فقال: ﴿ أَن يُصِيبَكُم ﴾ من العذاب﴿ مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ ﴾[هود: ٨٩]، فمن ثم قال نوح لقومه: أعلم ما لا تعلمون. فقال بعضهم لبعض: الكبراء للضعفاء: ما هذا إلا بشر مثلكم، أفتتبعونه؟ فرد عليهم نوح: ﴿ أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾، يعنى بيان من ربكم.
﴿ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنْكُمْ ﴾، يعنى نفسه.
﴿ لِيُنذِرَكُمْ ﴾ العذاب فى الدنيا.
﴿ وَلِتَتَّقُواْ ﴾ الشرك وتوحدوا ربكم.
﴿ وَلَعَلَّكُمْ ﴾، يعنى لكى ﴿ تُرْحَمُونَ ﴾ [آية: ٦٣]، فلا تعذبوا.﴿ فَكَذَّبُوهُ ﴾ فى العذاب أنه ليس بنازل بنا، يقول الله: ﴿ فَأَنجَيْنَاهُ ﴾، يعنى نوحاً.
﴿ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ ﴾ من المؤمنين.
﴿ فِي ٱلْفُلْكِ ﴾، يعنى السفينة من الغرق برحمة منا.
﴿ وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ ﴾، يعنى نزول العذاب.
﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ ﴾ [آية: ٦٤]، عموا عن نزول العذاب بهم، وهو الغرق.
﴿ وَ ﴾ أرسلنا ﴿ وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً ﴾، ليس بأخيهم فى الدين، ولكن أخوهم فى النسب.
﴿ قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ ﴾، يعنى وحدوا الله.
﴿ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ ﴾، يقول: ما لكم رب غيره.
﴿ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ﴾ [آية: ٦٥]، يعنى الشرك، أفلا توحدون ربكم.﴿ قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ ﴾، وهم الكبراء لهود والقادة: ﴿ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ ﴾، يعنى فى حمق.
﴿ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ ﴾، يعنى لنحسبك ﴿ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ ﴾ [آية: ٦٦] فيما تقول فى نزول العذاب بنا.﴿ قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ ﴾، يعنى حمق.
﴿ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٦٧] إليكم.﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي ﴾ فى نزول العذاب بكم فى الدنيا.
﴿ وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ ﴾ فيما أحذركم من عذابه.
﴿ أَمِينٌ ﴾ [آية: ٦٨] فيما بينى وبينكم. فقال الكبراء للضعفاء: ما هذا إلا بشر مثلكم، أفتتبعونه؟ فرد عليهم هود: ﴿ أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾، يعنى بيان من ربكم.
﴿ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ ﴾، يعنى نفسه.
﴿ لِيُنذِرَكُمْ ﴾ العذاب فى الدنيا.
﴿ وَٱذكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ ﴾ فى الأرض.
﴿ مِن بَعْدِ ﴾ هلاك ﴿ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي ٱلْخَلْقِ بَسْطَةً ﴾ على غيركم، كان طول كل رجل منهم اثنى عشر ذراعاً ونصفاً.
﴿ فَٱذْكُرُوۤاْ آلآءَ ٱللَّهِ ﴾، يعنى نعم الله فوحدوه.
﴿ لَعَلَّكُمْ ﴾، يعنى لكى ﴿ تُفْلِحُونَ ﴾ [آية: ٦٩] ولا تعبدوا غيره.﴿ قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ ٱللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ﴾ عبادة ﴿ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ ﴾ من العذاب.
﴿ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ ﴾ [آية: ٧٠] إن العذاب نازل بنا.﴿ قَالَ ﴾ هود: ﴿ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ﴾، يعنى إثم وعذاب.
﴿ أَتُجَادِلُونَنِي فِيۤ أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنْتُمْ وَآبَآؤكُمُ ﴾ إنها آلهة.
﴿ مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ﴾، يعنى من كتاب لكم فيه حجة بأن معه شريكاً.
﴿ فَٱنْتَظِرُوۤاْ ﴾ العذاب ﴿ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ ﴾ [آية: ٧١] بكم العذاب.﴿ فَأَنجَيْنَاهُ ﴾، يعنى هوداً.
﴿ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ ﴾ من المؤمنين.
﴿ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا ﴾، يعنى بنعمة منا من العذاب.
﴿ وَقَطَعْنَا دَابِرَ ﴾، يعنى أصل القوم ﴿ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ﴾، يعنى بنزول العذاب.
﴿ وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٧٢]، يعنى مصدقين بالعذاب أنه نازل بهم، وهى الريح.
ثم ذكر الله ثمود قوم صالح، فقال: ﴿ وَ ﴾ أرسلنا ﴿ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً ﴾، ليس بأخيهم فى الدين، ولكن أخوهم فى النسب.
﴿ قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ ﴾، يعنى وحدوا الله.
﴿ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ ﴾، يقول: ليس لكم رب غيره.
﴿ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾، يعنى بالبينة الناقة، فقال: ﴿ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً ﴾، لتعتبروا فتوحدوا ربكم، وكانت من غير نسل، وكان الفصيل من نسل.
﴿ فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ ﴾، يقول: خلوا عنها فلتأكل حيث شاءت، ولا تكلفكم مؤونة.
﴿ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ ﴾، لا تصيبوها بعقر.
﴿ فَيَأْخُذَكُمْ ﴾، يعنى فيصيبكم ﴿ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آية: ٧٣]، يعنى وجيع فى الدنيا.﴿ وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ ﴾ هلاك ﴿ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ ٱلْجِبَالَ بُيُوتاً ﴾، يعنى تبنون فى الجبال من الحجارة بيوتاً.
﴿ فَٱذْكُرُوۤاْ آلآءَ ٱللَّهِ ﴾، يعنى نعم الله فى القصور والبيوت فتوحدوه.
﴿ وَلاَ تَعْثَوْا فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [آية: ٧٤]، يعنى ولا تسعوا فيها بالمعاصى.﴿ قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ ﴾، يعنى الذين تكبروا عن الإيمان، وهم الكبراء.
﴿ مِن قَوْمِهِ ﴾، أى من قوم صالح.
﴿ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ ﴾، يعنى لمن صدق منهم بالتوحيد.
﴿ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ٧٥].
﴿ قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا بِٱلَّذِيۤ آمَنتُمْ بِهِ ﴾، يعنى صدقتم به من العذاب والتوحيد ﴿ كَافِرُونَ ﴾ [آية: ٧٦].
﴿ فَعَقَرُواْ ٱلنَّاقَةَ ﴾ ليلة الأربعاء.
﴿ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ ﴾، يعنى التوحيد.
﴿ وَقَالُواْ يَاصَالِحُ ٱئْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ ﴾ من العذاب ﴿ إِن كُنتَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ [آية: ٧٧] الذادقين بأن العذاب نازل بنا.﴿ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ ﴾، يعنى فأصابهم العذاب بكرة السبت من صيحة جبريل، عليه السلام.
﴿ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ [آية: ٧٨]، يعنى فى منازلهم خامدين، أمواتاً.﴿ فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ ﴾، يعنى فأعرض عنهم حين كذبوا بالعذاب.
﴿ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي ﴾ فى نزول العذاب بكم فى الدنيا.
﴿ وَنَصَحْتُ لَكُمْ ﴾ فيما حذرتكم من عذابه.
﴿ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ ٱلنَّاصِحِينَ ﴾ [آية: ٧٩]، يعنى نفسه.
﴿ وَ ﴾ أرسلنا ﴿ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ ﴾، يعنى المعصية، يعنى إتيان الرجال، وأنتم تبصرون أنها فاحشة.
﴿ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٨٠] فيما مضى قبلكم.﴿ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ﴾ [آية: ٨١]، يعنى الذنب العظيم.﴿ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ ﴾، أى قوم لوط حين نهاهم عن الفاحشة.
﴿ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَخْرِجُوهُمْ ﴾، آل لوط.
﴿ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ﴾ [آية: ٨٢]، يعنى لوطاً وحده، يعنى يتنزهون عن إتيان الرجال.﴿ فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ ﴾ من العذاب.
﴿ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ ﴾ [آية: ٨٣]، يعنى من الباقين فى العذاب.﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ ﴾ الحجارة من فوقهم ﴿ مَّطَراً ﴾، ﴿ فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ ﴾[الشعراء: ١٧٣، النمل: ٥٨]، يعنى فبئس مطر الذين أنذروا العذاب.
﴿ فَٱنْظُرْ ﴾ يا محمد.
﴿ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ ﴾ [آية: ٨٤]، يعنى قوم لوط، كان عاقبتهم الخسف والحصب بالحجارة.
﴿ وَ ﴾ أرسلنا ﴿ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ ﴾ ابن إبراهيم لصلبه، وأرسلنا إلى مدين ﴿ أَخَاهُمْ شُعَيْباً ﴾، ليس بأخيهم فى الدين، ولكن أخوهم فى النسب.
﴿ قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ ﴾، يعنى وحدوا الله.
﴿ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ ﴾، ليس لكم رب غيره.
﴿ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾، يعنى بيان من ربكم.
﴿ فَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ﴾، يعنى لا تنقصوا الناس حقوقهم فى نقصان الكيل والميزان.
﴿ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ﴾، بعد الطاعة فى نقصان الكيل والميزان، فإن المعاصى فساد المعيشة وهلاك أهلها.
﴿ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾، يعنى وفاء الكيل والميزان خير لكم من النقصان.
﴿ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٨٥]، يقول: إن كنتم آمنتم، كان فى الآخرة خير لكم من نقصان الكيل والميزان فى الدنيا، نظيرها فى هود.﴿ وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ ﴾، يعنى ولا ترصدوا بكل طريق توعدون أهل الإيمان بالقتل.
﴿ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾، يعنى عن دين الإسلام.
﴿ مَنْ آمَنَ بِهِ ﴾، يعنى من صدق بالله وحده لا شريك له.
﴿ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً ﴾، يعنى تريدون بملة الإسلام زيفاً.
﴿ وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً ﴾، عددكم بعد عذاب الأمم الخالية، ثم ذكرهم النعم، فقال: ﴿ فَكَثَّرَكُمْ ﴾، يعنى فكثر عددكم، ثم وعظهم وخوفهم بمثل عذاب الأمم الخالية، فقال: ﴿ وَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ ﴾ [آية: ٨٦] فى الأرض بالمعاصى بعد عذاب قوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم لوط فى الدنيا، نظيرها فى هود.
﴿ وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مَّنكُمْ آمَنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُرْسِلْتُ بِهِ ﴾ من العذاب.
﴿ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ ﴾، يعنى لم يصدقوا بالعذاب.
﴿ فَٱصْبِرُواْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ ﴾، حتى يقضى الله ﴿ بَيْنَنَا ﴾ فى أمر العذاب.
﴿ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ ﴾ [آية: ٨٧]، يعنى وهو خير الفاصلين، فكان قضاؤه نزول العذاب بهم.﴿ قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ ﴾، يعنى الذين تكبروا عن الإيمان، وهم الكبراء.
﴿ لَنُخْرِجَنَّكَ يٰشُعَيْبُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ﴾، يعنون الشرك، أو لتدخلن فى ملتنا.
﴿ قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ ﴾ [آية: ٨٨].
ثم قال لهم شعيب: ﴿ قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ ﴾ الشرك، يعنى إن دخلنا فى دينكم.
﴿ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا ٱللَّهُ مِنْهَا ﴾، يقول: بعد إذ لم يجعلنا الله من أهل ملتكم الشرك.
﴿ وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ ﴾، وما ينبغى لنا أن ندخل فى ملتكم الشرك.
﴿ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَا ﴾، فيدخلنا فى ملتكم.
﴿ وَسِعَ ﴾، يعنى ملأ ﴿ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾، فعلمه.
﴿ عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا ﴾، لقولهم لشعيب: لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا، ثم قال شعيب: ﴿ رَبَّنَا ٱفْتَحْ ﴾، يعنى اقض ﴿ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ ﴾، يعنى بالعدل فى نزول العذاب بهم.
﴿ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ ﴾ [آية: ٨٩]، يعنى القاضين.﴿ وَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ ﴾، وهم الكبراء للضعفاء.
﴿ لَئِنِ ٱتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً ﴾ على دينه.
﴿ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ ﴾ [آية: ٩٠]، يعنى لعجزة، نظيرها فى يوسف:﴿ لَئِنْ أَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ ﴾[يوسف: ١٤]، يعنى لعجزة ظالمون.﴿ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ ﴾، يعنى العذاب.
﴿ فَأَصْبَحُواْ ﴾ من صيحة جبريل، عليه السلام.
﴿ فِي دَارِهِمْ ﴾، يعنى قريتهم.
﴿ جَاثِمِينَ ﴾ [آية: ٩١]، يعنى أمواتاً خامدين.﴿ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا ﴾، يعنى كأن لم يكونوا فيها قط.
﴿ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ ٱلْخَاسِرِينَ ﴾ [آية: ٩٢].
﴿ فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ ﴾، يعنى فأعرض عنهم حين كذبوا بالعذاب، نظيرها فى هود.
﴿ وَقَالَ يٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي ﴾، فى نزول العذاب بكم فى الدنيا.
﴿ وَنَصَحْتُ لَكُمْ ﴾ فيما حذرتكم من عذابه.
﴿ فَكَيْفَ آسَىٰ ﴾، يقول: فكيف أحزن بعد الصيحة.
﴿ عَلَىٰ قَوْمٍ كَافِرِينَ ﴾ [آية: ٩٣] إذا عذبوا.
﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ ﴾ فكذبوه.
﴿ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ ﴾، يعنى قحط المطر، فأصابهم البؤس، وهو الشدة، والضر يعنى البلاء.
﴿ لَعَلَّهُمْ ﴾، يعنى لكى.
﴿ يَضَّرَّعُونَ ﴾ [آية: ٩٤] إلى ربهم فيوحدونه فيرحمهم.﴿ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلْحَسَنَةَ ﴾، يقول: حولنا مكان الشدة الرخاء.
﴿ حَتَّىٰ عَفَوْاْ ﴾، يقول: حموا وسمتوا، فلم يشكروا ربهم، فقالوا من غيرتهم وجهلهم: ﴿ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا ﴾، يعنى أصاب آباءنا.
﴿ ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ ﴾، يعنى الشدة والرخاء مثل ما أصابنا، فلم يك شيئاً، يقول: ﴿ فَأَخَذْنَاهُمْ ﴾ بالعذاب ﴿ بَغْتَةً ﴾، فجأة.
﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ [آية: ٩٥] أعز ما كانوا حتى ينزل بهم، وقد أنذرتهم رسلهم العذاب من قبل أن ينزل بهم، فذلك قوله:﴿ ذٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ ﴾بالشرك،﴿ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ ﴾[الأنعام: ١٣١].
ثم أخبر عنهم، فقال: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ﴾ التى عذبت.
﴿ آمَنُواْ ﴾ بتوحيد الله.
﴿ وَٱتَّقَواْ ﴾ الشرك ما قحط عليهم المطر، و ﴿ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ﴾، يعنى المطر.
﴿ وَٱلأَرْضِ ﴾، يعنى النبات.
﴿ وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُمْ ﴾ بالعذاب.
﴿ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ [آية: ٩٦] من الشرك والتكذيب.﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً ﴾، يعنى عذابنا ليلاً.
﴿ وَهُمْ نَآئِمُونَ ﴾ [آية: ٩٧].
﴿ أَوَ أَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى ﴾، يعنى عذابنا نهاراً.
﴿ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾ [آية: ٩٨]، يعنى لا هون عنه، نظيرها فى طه:﴿ وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى ﴾[طه: ٥٩]، يعنى نهاراً.﴿ أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ ﴾، يعنى عذاب الله.
﴿ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَاسِرُونَ ﴾ [آية: ٩٩].
﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلأَرْضَ ﴾، يعنى ورثوا الأرض.
﴿ مِن بَعْدِ ﴾ هلاك ﴿ أَهْلِهَآ أَن لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ ﴾ بعذاب.
﴿ بِذُنُوبِهِمْ ﴾، يخوف كفار مكة.
﴿ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ ﴾ بالكفر.
﴿ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ ﴾ [آية: ١٠٠] بالإيمان. ثم رجع إلى القرى الخالية التى عذبت، فقال: ﴿ تِلْكَ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا ﴾، يعنى حديثها.
﴿ وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ ﴾، يعنى بيان العذاب، فإنه نازل بهم فى الدنيا، وذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم أخبر كفار مكة أن العذاب نازل بهم، فكذبوه بالعذاب، فأنزل الله: ﴿ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ ﴾، يقول: فما كان كفار مكة ليؤمنوا، يعنى ليصدقوا أن العذاب نازل بهم فى الدنيا بما كذبت به أوائلهم من الأمم الخالية من قبل كفار مكة حين أنذرتهم رسلهم العذاب، يقول الله: ﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ ﴾، يعنى هكذا يختم الله بالكفر ﴿ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْكَافِرِينَ ﴾ [آية: ١٠١].
﴿ وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ ﴾، وذلك أن الله أخذ ميثاق ذرية آدم على المعرفة، فأقروا بذلك، فلما بلغوا العمل نقضوا العهد.
﴿ وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ﴾ [آية: ١٠٢].
﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم ﴾، يعنى من بعد الرسل.
﴿ مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ﴾، يعنى اليد والعصا.
﴿ فَظَلَمُواْ بِهَا ﴾، يعنى فجحدوا بالآيات، وقالوا: ليست من الله فإنها سحر.
﴿ فَٱنْظُرْ ﴾ يا محمد ﴿ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ ﴾ [آية: ١٠٣] فى الأرض بالمعاصى، فكان عاقبتهم الغرق.﴿ وَقَالَ مُوسَىٰ يٰفِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ١٠٤].
﴿ حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ ﴾، فإنه بعثنى رسولاً.
﴿ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾، يعنى اليد والعصا بأنى رسول الله.
﴿ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ﴾ [آية: ١٠٥] إلى فلسطين.﴿ قَالَ ﴾ فرعون ﴿ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ ﴾ [آية: ١٠٦]، بأنك رسول رب العالمين، وفى يد موسى عصا، فزعم ابن عباس أن ملكاً من الملائكة دفعها إليه حين توجه إلى مدين، فقال موسى لفرعون: ما هذه بيدى؟ قال فرعون: عصا.﴿ فَأَلْقَىٰ ﴾ موسى ﴿ عَصَاهُ ﴾ من يده.
﴿ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ﴾ [آية: ١٠٧]، يعنى حية بينة، فقال فرعون: فهل من آية غيرها؟ قال: نعم، فأخرج يده، وقال لفرعون: ما هذه؟ قال: هذه يدك، فأدخل موسى يده فى جيبه وعليه مدرعة من صوف مضرية، ثم أخرجها. فذلك قوله: ﴿ وَنَزَعَ يَدَهُ ﴾، يعنى أخرج يده من جيبه.
﴿ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ ﴾ [آية: ١٠٨]، لها شعاع كشعاع الشمس يغشى البصر من شدة بياضها.﴿ قَالَ ٱلْمَلأُ ﴾، وهم الكبراء.
﴿ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـٰذَا ﴾، يعنى موسى.
﴿ لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ﴾ [آية: ١٠٩]، يعنى عالم بالسحر، وذلك أن فرعون بدأ بهذه المقالة فصدقه قومه، نظيرها فى الشعراء. ثم قال لهم فرعون: ﴿ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ ﴾، وهى مصر.
﴿ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ﴾ [آية: ١١٠]، يعنى تشيرون. فرد عليه كبراء قومه: ﴿ قَالُوۤاْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ ﴾، يقول: أرجئ أمرهم، يقول: أوقف أمرهم حتى ننظر فى أمرهما.
﴿ وَأَرْسِلْ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ ﴾ [آية: ١١١].
﴿ يَأْتُوكَ ﴾، يحشرون عليك.
﴿ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ﴾ [آية: ١١٢]، يعنون عالم بالسحر.﴿ وَجَآءَ ٱلسَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْوۤاْ إِنَّ لَنَا لأَجْراً ﴾، يعنى جعلاً.
﴿ إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ ﴾ [آية: ١١٣] لموسى.﴿ قَالَ ﴾ فرعون: ﴿ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ ﴾ [آية: ١١٤]، فى المنزلة سوى العظمة، كان هذا يوم السبت فى المحرم، والسحرة اثنان وسبعون رجلاً.﴿ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ﴾، فقالت السحرة لموسى: ﴿ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ ﴾ ما فى يدك، يعنى عصاه.
﴿ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ ٱلْمُلْقِينَ ﴾ [آية: ١١٥] ما فى أيدينا من الحبال والعصى.﴿ قَالَ ﴾ لهم موسى: ﴿ أَلْقَوْاْ ﴾ ما أنتم ملقون.
﴿ فَلَمَّآ أَلْقُوْاْ ﴾ الحبال والعصى.
﴿ سَحَرُوۤاْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسْتَرْهَبُوهُمْ ﴾، يعنى وخوفوهم.
﴿ وَجَآءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ﴾ [آية: ١١٦].
﴿ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ﴾، فصارت حية.
﴿ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ ﴾، يعنى تلقم.
﴿ مَا يَأْفِكُونَ ﴾ [آية: ١١٧ ]، يعنى ما جاءوا به من الكذب.﴿ فَوَقَعَ ٱلْحَقُّ ﴾، يعنى فظهر الحق بأنه ليس بسحر.
﴿ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ١١٨]، يعنى بطل ما كانوا يعملون من السحر.﴿ فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ ﴾، يعنى عند ذلك.
﴿ وَٱنقَلَبُواْ صَاغِرِينَ ﴾ [آية: ١١٩]، يعنى فرجعوا إلى منازلهم مذلين.﴿ وَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ﴾ [آية: ١٢٠] لله.﴿ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ١٢١]، قال السحرة: أمنا بـ ﴿ رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ ﴾ [آية: ١٢٢]، فبهت فرعون لردهم عليه. و ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ ﴾ للسحرة.
﴿ آمَنتُمْ بِهِ ﴾، يعنى صدقتم بموسى.
﴿ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَـٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي ٱلْمَدِينَةِ ﴾، يقول: إن هذا الإيمان لقول قلتموه فى المدينة، يعنى فى أهل مصر فى متابعتكم إياه، وذلك أن موسى قال للساحر الأكبر، واسمه شمعون: أتؤمن لى إن غلبتك؟ قال: لآتين بسحر لا يغلبه سحرك، ولئن غلبتنى لأؤمن لك، وفرعون ينظر، فمن ثم قال فرعون: ﴿ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا ﴾، من أرض مصر، يعنى موسى، وهارون، وشمعون رئيس السحرة.
﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ١٢٣] فأوعدهم.﴿ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ ﴾، يعنى اليد اليمنى والرجل اليسرى، أو الرجل اليمنى واليد اليسرى.
﴿ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [آية: ١٢٤].
فرد السحرة على فرعون.
﴿ قَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ ﴾ [آية: ١٢٥]، يعنى راجعين.﴿ وَمَا تَنقِمُ ﴾، يعنى وما نقمت ﴿ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا ﴾، يعنى صدقنا باليد والعصا آيتان من ربنا.
﴿ لَمَّا جَآءَتْنَا ﴾، ثم قالوا: ﴿ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا ﴾، يعنى ألقى علينا ﴿ صَبْراً ﴾ عند القطع والصلب.
﴿ وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ﴾ [آية: ١٢٦]، يعنى مخلصين لله حتى لا يردنا البلاء عن ديننا، فصلبهم فرعون من يومه، فكانوا أول النهار سحرة كفاراً، وآخر النهار شهداء مسلمين لما آمنت السحرة لموسى.﴿ وَقَالَ ٱلْمَلأُ ﴾، يعنى الأشراف ﴿ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ ﴾، بنى إسرائيل قد آمنوا بموسى.
﴿ لِيُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ ﴾، يعنى مصر، يعنى بالفساد أن يقتل أبناءكم، ويستحى نساءكم، يعنى ويترك بناتكم كما فعلتم بقومه يفعله بكم، نظيرها فى حم المؤمن.
﴿ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ﴾، يعنى ويترك عبادتك.
﴿ قَالَ ﴾ فرعون عند ذلك: ﴿ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَآءَهُمْ ﴾، يعنى بناتهم.
﴿ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴾ [آية: ١٢٧].
ثم أمرهم أن يقتلوا أبناء الذين معه، ويستحيوا نساءهم، فمنعهم الله من قتل الأبناء حين أغرقهم فى البحر، وكان فرعون قد كلفهم من العمل ما لم يطيقوا، فمر بهم موسى، عليه السلام، فـ ﴿ قَالَ ﴾ لهم ﴿ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ﴾ فى التقديم: ﴿ ٱسْتَعِينُوا بِٱللَّهِ ﴾ على فرعون وقومه.
﴿ وَٱصْبِرُوۤاْ ﴾ على البلاء.
﴿ إِنَّ ٱلأَرْضَ ﴾، أرض مصر.
﴿ للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَٱلْعَاقِبَةُ ﴾، يعنى الجنة ﴿ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آية: ١٢٨]، يعنى للموحدين. فـ ﴿ قَالُوۤاْ أُوذِينَا ﴾ فى سببك ﴿ مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا ﴾ الرسالة، يعنون الأذى قتل الأبناء وترك البنات.
﴿ وَ ﴾ أوذينا ﴿ وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ﴾ بالرسالة، يعنون حين كلفهم فرعون من العمل ما لم يطيقوا مضارة باتباعهم موسى، عليه السلام، قال موسى: ﴿ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ ﴾، يعنى فرعون وقومه.
﴿ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ ﴾ من بعد هلاكهم.
﴿ فِي ٱلأَرْضِ ﴾، يعنى أرض مصر.
﴿ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ١٢٩]، فإنما قال لهم موسى، عليه السلام، ذلك من قول الله تعالى فى القصص:﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي ٱلأَرْضِ... ﴾[القصص: ٥، ٦] إلى آيتين، ففعل الله ذلك بهم، فأهلك عدوهم واستخلفهم فى الأرض، فاتخذوا العجل.
﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ ﴾، يعني أهل مصر.
﴿ بِٱلسِّنِينَ، يعني قحط المطر.
{ وَنَقْصٍ مِّن ٱلثَّمَرَاتِ ﴾
، فأصابهم الجوع.
﴿ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [آية: ١٣٠]، يعني لعلهم يتذكرون.﴿ فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ ﴾، يعني الخير والخصب.
﴿ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ ﴾، يعنون نحن أحق بهذا.
﴿ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ ﴾، يعني الجوع، والبلاء، وقحط المطر، وهلاك الثمار والمواشى.
﴿ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ ﴾ على دينه، تسألوا أصابنا هذا الشر من سحر موسى، يقول الله: ﴿ أَلاۤ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهُ ﴾، يقول: إن الذي أصابهم هو من الله.
﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ ﴾، يعني أهل مصر.
﴿ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ١٣١] أنه من الله الذي أصابهم.﴿ وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا ﴾، يعني الآيات التسع.
﴿ فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ١٣٢]، يعني بمصدقين، يعني بأنك رسول رب العالمين.﴿ فَأَرْسَلْنَا ﴾، فلما قالوا ذلك أرسل الله ﴿ عَلَيْهِمُ ﴾ السنين، ونقص من الثمرات، والنبات، و ﴿ ٱلطُّوفَانَ وَٱلْجَرَادَ وَٱلْقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ آيَاتٍ مّفَصَّلاَتٍ ﴾، يعني باينات بعضها من بعض بين كل آيتين ثلاثين يوماً.
﴿ فَٱسْتَكْبَرُواْ ﴾، يعني فتكبروا عن الإيمان.
﴿ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ ﴾ [آية: ١٣٣].
فأما الطوفان، فهو الماء طغى فوق حروثهم وزروعهم مطرداً ثمانية أيام في ظلمة شديدة لا يرون فيها شمساً ولا قمراً، ولا يخرج منهم أحد إلى صنعته، فخافوا الغرق، فصرخوا إلى فرعون، فأرسل إلى موسى، فقال: يا أيها الساحر، ادع لنا ربك أن يكشف عنا هذا المطر، فإن يكشفه لنؤمنن لك، ولنرسلن معك بني إسرائيل، فقال: لا أفعل ما زعمتم أني ساحر فقالوا: يا موسى، ادع لنا ربك، فدعا ربه، فكشف عنهم المطر، فنبت من الزرع والعشب ما لم ير مثله قط، فقالوا: لقد جزعنا من أمر كان خيراً لنا، فنكثوا العهد، فأرسل الله عليهم الجراد ثمانية أيام، وملئت الأرض حتى كانوا لا يرون الأرض من كثرته، قدر ذراع، فأكل النبات، حتى خافوا ألا يبقى لهم شىء. فقال فرعون: يا موسى، ادع لنا ربك أن يكشف عنا فنؤمن لك، فدعا موسى ربه، فبعث الله ريحاً، فاحتملت الجراد فألقته في البحر، قالوا: قد بقى لنا ما نتبلغ به حتى يدركنا الغيث، فنكثوا، فأرسل الله عليهم القمل، وهو الدبى، فغشى كل شيء منهم، فلم يبق عوداً أخضر من الزرع والنبات إلا أكله، قال فرعون لموسى: ادع لنا ربك أن يكشفه عنا ونؤمن لك، فدعا ربه، فأمات القمل، وبقى لهم ما يتبلغون، فنكثوا، قالوا: يا موسى، هل يستطيع ربك أن يفعل بنا أشد من هذا؟ فأرسل الله عليهم الضفادع، فدبت في بيوتهم، وعلى ظهورهم، فكان يستيقظ الرجل من نومه وعليه منهم كثرة، فقال فرعون لموسى: ادع لنا ربك فيهلكه، فإنه لم يعذب أحد قط بالضفادع، فدعا موسى ربه، فأمات الضفادع، فأرسل الله مطراً جواداً، فجرى بهم الماء حتى قذفهم في البحر. فقالوا: إنما كان هذا الضفادع من المطر الذي كان أصابنا، فلن يعود إلينا أبداً، فنكثوا، فأرسل الله عليهم الدم، حتى صارت أنهارهم وركاباهم دماً، وأنهار بني إسرائيل ماء عذباً، فإذا دخل القبطى ليستقى من ماء بني إسرائيل، صار دماً ما بين يديه وما خلفه صاف، إذا تحول ليأخذ من الصافى، صار دماً وخلفه صاف، فمكثوا ثلاثة أيام لا يذوقون ماء صافياً، فقالوا لفرعون: هلكنا وهلكت مواشينا وذرارينا من العطش، فقال لموسى: ادع لنا ربك ليكشف عنا، ونعطيك ميثاقاً لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل، فدعا موسى ربه، فكشفه عنهم، ولما شربوا الماء نكثوا العهد. فذلك قوله: ﴿ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ ٱلرِّجْزُ ﴾، يعني العذاب الذي كان نزل بهم.
﴿ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا ٱلرِّجْزَ ﴾، يعني هذا العذاب كله.
﴿ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ ﴾ [آية: ١٣٤] إلى فلسطين. يقول الله: ﴿ فَلَماَّ كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ ﴾، يعني الغرق.
﴿ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ ﴾ [آية: ١٣٥] العهد الذي عاهدوا عليه موسى، عليه السلام، لقولهم: لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل إلى فلسطين. يقول الله: ﴿ فَٱنْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ ﴾ بلسان العبرانية، يعني به البحر، وهو نهر بمصر.
﴿ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ﴾، يعني الآيات التسع، قالوا: يا أيها الساحر، أنت الذي تعمل هذه الآيات، وإنها سحر، وليست من الله.
﴿ وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾ [آية: ١٣٦]، يعني معرضين، فلم يتفكروا فيها فيعتبرون. قال فرعون لموسى في حم الزخرف:﴿ يٰأَيُّهَا ٱلسَّاحِرُ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ ﴾[الزخرف: ٤٩]، فقال: لا أدعو وأنتم تزعمون أني ساحر، فقال في الأعراف: ﴿ يٰمُوسَىٰ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ ﴾ [الأعراف: ١٣٤]، يعني سل لنا ربك.
ثم قال: ﴿ وَأَوْرَثْنَا ﴾ الأرض ﴿ ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ ﴾، يعني بني إسرائيل، يعني بالاستضعاف قتل الأبناء، واستحياء النساء بأرض مصر، وورثهم ﴿ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ ﴾ المقدسة.
﴿ وَمَغَارِبَهَا ﴾، وهي الأردن وفلسطين.
﴿ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾، يعني بالبركة الماء، والثمار الكثيرة.
﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ ﴾، وهي النعمة.
﴿ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ ﴾، حين كلفوا بأرض مصر ما لا يطيقون من استعبادهم إياهم، يعني بالكلمة التي في القصص من قوله:﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ ﴾[القصص: ٥، ٦] إلى آيتين، وأهلك الله عدوهم، ومكن لهم في الأرض، فهي الكلمة، وهي النعمة التي تمت على بني إسرائيل.﴿ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ ﴾، يعني وأهلكنا عمل فرعون وقومه القبط في مصر.
﴿ وَ ﴾ أهلكنا ﴿ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ ﴾ [آية: ١٣٧]، يعني يبنون من البيوت والمنازل.﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ ٱلْبَحْرَ ﴾، يعني النيل، نهر مصر.
﴿ فَأَتَوْاْ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ ﴾، يعني فمروا على العمالقة يقيمون ﴿ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ ﴾ يعبدونها، فقالت بنو إسرائيل: ﴿ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً ﴾ نعبده.
﴿ كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ﴾ يعبدونها.
﴿ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ [آية: ١٣٨].
﴿ إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ مُتَبَّرٌ ﴾، يعني مدمر.
﴿ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ١٣٩].
﴿ قَالَ ﴾ لهم موسى: ﴿ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـٰهاً ﴾، يعني رباً.
﴿ وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ١٤٠]، يعني عالمى أهل مصر حين أنجاكم وأهلكهم.﴿ وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ ﴾، يعني بني إسرائيل.
﴿ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ ﴾، يعني يعذبونكم أشد العذاب.
﴿ يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ ﴾، يعني قتل الأبناء وترك البنات.
﴿ وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴾ [آية: ١٤١]، يعني بالعظم شدة ما نزل بهم من البلاء.
﴿ وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً ﴾ من ذي القعدة، واعدناه الجبل.
﴿ وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ ﴾ من ذي الحجة.
﴿ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ ﴾، يعني ربه.
﴿ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ﴾، وكان موسى ومن معه قد قطعوا البحر في عشر من المحرم يوم عاشوراء، ثم أعطى التوراة يوم النحر بينهما أحد عشر نهراً.
﴿ وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَارُونَ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ﴾، بني إسرائيل بخير حين خرج إلى الجبل.
﴿ وَأَصْلِحْ ﴾، يعني وأرفق بهم، نظيرها في القصص:﴿ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾[القصص: ٢٧]، يعني الرافقين بك.
﴿ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ ﴾ [آية: ١٤٢] منهم.﴿ وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ ﴾ الجبل ﴿ لِمِيقَاتِنَا ﴾، يعني لميعادنا لتمام الأربعين يوماً.
﴿ وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ﴾، فلما سمع كلام ربه، استحلاه واشتاق إلى رؤية ربه.
﴿ قَالَ ﴾: يا ﴿ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ ﴾ له ربه: إنك ﴿ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ ﴾، اجعل بيني وبينك علماً هو أقوى منك، يعني الجبل.
﴿ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ﴾، وإن لم يستقر الجبل مكانه، فإنك لن تطيق رؤيتي.
﴿ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً ﴾، يعني قطعاً، فصار الجبل دكاً، يعني قطعاً على ستة فرق، فوق ثلاثة بأجبل مكة: بثير، وغار ثور، وحزن، ووقع بالمدينة: رضوى، وورقان، وجبل أُحُد، فذلك قوله: ﴿ جَعَلَهُ دَكّاً ﴾.
﴿ وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً ﴾، يعني ميتاً.
﴿ فَلَمَّآ أَفَاقَ ﴾، يعني رد عليه نفسه.
﴿ قَالَ ﴾ موسى: ﴿ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ ﴾ من قولي: ﴿ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ ﴾ ﴿ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ١٤٣]، يعني أول المصدقين بأنك لن تُرى في الدنيا.﴿ قَالَ ﴾ له ربه: ﴿ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي ﴾، يقول: اخترتك من بني إسرائيل بالرسالة وبالكلام من غير وحى.
﴿ فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ ﴾ بقوة، يقول: ما أعطيتك من التوراة بالجد، والمواظبة عليه.
﴿ وَكُنْ مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ ﴾ [آية: ١٤٤] لله في هذه النعم، يعني الرسالة، والكلام من غير وحى.﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ ﴾ نقراً كنقش الخاتم، وهى تسعة ألواح.
﴿ مِن كُلِّ شَيْءٍ ﴾، فقال: ﴿ مَّوْعِظَةً ﴾ من الجهل.
﴿ وَتَفْصِيلاً ﴾، يعني بياناً ﴿ لِّكُلِّ شَيْءٍ ﴾ من الأمر، والنهى، والحد، وكتبه الله عز وجل بيده، فكتب فيها: إني أنا الله الذي لا إله إلا أنا الرحمن الرحيم، لا تشركوا بى شيئاً، ولا تقتلوا النفس، ولا تزنوا، ولا تقطعوا السبيل، ولا تسبوا الوالدين، ووعظهم في ذلك، والألواح من زمرد وياقوت، يقول: ﴿ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ ﴾، يعني التوراة بالجد والمواظبة عليه.
﴿ وَأْمُرْ قَوْمَكَ ﴾ بني إسرائيل.
﴿ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا ﴾، يعني بأحسن ما فيها، ثم قال قبل ذلك لبنى إسرائيل: ﴿ سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ ﴾ [آية: ١٤٥] سنة أهل مصر، فزعم ابن عباس، أن الله حين أغرق فرعون وقومه، أوحى إلى البحر أن يقذف أجسادهم على الساحل، ففعل البحر ذلك، فنظر إليهم بنو إسرائيل، فأراهم سنة الفاسقين. ثم قال: ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ ﴾، يعني يعملون فيها بالمعاصى الكبرياء والعظمة، يعني أهل مصر، يقول: سأصرف عن التفكير في خلق السموات والأرض وما بينهما من الآيات الشمس، والقمر، والنجوم، والسحاب، والرياح، والجبال، والفلك، والبحور، والشجر، والثمار، والنبات، عام بعام، يعني المتكبرين، فلا يتفكرون فتكون لهم عبرة، يعني لأهل مصر، ثم قال يعنيهم: ﴿ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ ﴾، يعني يروا مرة اليد ومرة العصا، ثم يرون الطوفان، ثم الجراد، ثم القمل، ثم الضفادع، ثم الدم، ثم السنين، ثم الطمس. فرأوا كل آية على حدة، فلم يؤمنوا.
﴿ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا ﴾، يعني لا يصدقون بأنها من الله.
﴿ وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ ﴾، يعني طريق الهدى.
﴿ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ﴾، يعني لا يتخذوه ديناً فيتبعونه.
﴿ وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلْغَيِّ ﴾، يعني طريق الضلالة.
﴿ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ﴾، يقول: اتخذه ديناً فيتبعونه.
﴿ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ﴾، يعني بالآيات التسع.
﴿ وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾ [آية: ١٤٦]، يعني معرضين، ولم يتفكروا فيها.﴿ وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ﴾، يعني القرآن.
﴿ وَلِقَآءِ ٱلآُخِرَةِ ﴾، وكذبوا بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال.
﴿ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ﴾ التي أرادوا بها وجه الله؛ لأنها كانت في غير إيمان.
﴿ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ١٤٧].
﴿ وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ ﴾، بني إسرائيل.
﴿ مِن بَعْدِهِ ﴾، حين انطلقوا إلى الطور.
﴿ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً ﴾، يعني صورة عجل جسد، يقول: ليس فيه روح.
﴿ لَّهُ خُوَارٌ ﴾، يعني له صوت البهائم، ثم لم يصوت غير مرة واحدة.
﴿ أَلَمْ يَرَوْاْ ﴾، يعني بني إسرائيل.
﴿ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ ﴾، يعني لا يقدر على أن يكلمهم.
﴿ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً ﴾، يعني طريقاً إلى الهدى، يعني العجل.
﴿ ٱتَّخَذُوهُ ﴾ العجل إلهاً.
﴿ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ ﴾ [آية: ١٤٨]، يعني مشركين.﴿ وَلَمَّا سُقِطَ فَيۤ أَيْدِيهِمْ ﴾، ندامة وندموا.
﴿ وَرَأَوْاْ ﴾ وعلموا ﴿ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ ﴾ عن الهدى.
﴿ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا ﴾، يعني ويتجاوز عنا.
﴿ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ ﴾ [آية: ١٤٩] في العقوبة، فلم يقبل الله توبتهم إلا بالقتل.﴿ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ ﴾ من الجبل.
﴿ غَضْبَانَ أَسِفاً ﴾، يعني حزيناً في صنع قومه في عبادة العجل، وكان أخبره الله على الطور بأمر العجل، ثم قال: ﴿ قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيۤ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ﴾، يقول: استعجلتم ميقات ربكم أربعين يوماً.
﴿ وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ ﴾ من عاتقه، فذهب منها خمس وبقيت أربعة.
﴿ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ ﴾ هارون ﴿ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ﴾، يعني إلى نفسه.
﴿ قَالَ ﴾ هارون لموسى: ﴿ ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ١٥٠].
﴿ قَالَ ﴾ موسى: ﴿ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي ﴾، يعني تجاوز عني.
﴿ وَلأَخِي ﴾ هارون.
﴿ وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ ﴾ [آية: ١٥١].
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ ﴾ إلهاً.
﴿ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ ﴾، يعني عذاب.
﴿ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ ﴾، يعني مذلة.
﴿ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا ﴾، فصاروا مقهورين إلى يوم القيامة، ثم قال: ﴿ وَكَذَلِكَ ﴾، يعني وهكذا ﴿ نَجْزِي ٱلْمُفْتَرِينَ ﴾ [آية: ١٥٢]، يعني الذين افتروا فزعموا أن هذا إلهكم، يعني العجل، وإله موسى. وكان السامري جمع الحلي بعد خمسة وثلاثين يوماً من يوم فارقهم موسى، عليه السلام، وكان السامري صائغاً، فصاغ لهم العجل في ثلاثة أيام، وقد علم السامري أنهم يعبدونه؛ لقولهم لموسى، عليه السلام، قبل ذلك: ﴿ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ﴾، فعبدوا العجل لتمام تسعة وثلاثين يوماً، ثم أتاهم موسى من الغد لتمام الأربعين يوماً.﴿ وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ ﴾، يعني الشرك الذين عبدوا العجل.
﴿ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا ﴾، أي بعد الشرك.
﴿ وَآمَنُوۤاْ ﴾، يعني صدقوا بالله أنه واحد لا شريك له.
﴿ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا ﴾، يعني من بعد الشرك.
﴿ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [آية: ١٥٣] بهم. قوله: ﴿ وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ ﴾، يعني سكن.
﴿ أَخَذَ ٱلأَلْوَاحَ ﴾ بعدما ألقاها.
﴿ وَفِي نُسْخَتِهَا ﴾ فيما بقي منها.
﴿ هُدًى ﴾ من الضلالة.
﴿ وَرَحْمَةٌ ﴾ من العذاب.
﴿ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ﴾ [آية: ١٥٤]، يعني يخافون الله، وأعطي موسى التوراة يوم النحر يوم الجمعة، فلم يطق حملها، فسجد لله، وجعل يدعو ربه ويتضرع، حتى خففت عليه، فحملها على عاتقه.﴿ وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا ﴾، من اثني عشر سبطاً، ستة ستة، فصاروا اثنين وسبعين رجلاً، قال موسى: إنما أمرنى ربى بسبعين رجلاً، فمن قعد عني فلم يجىء فله الجنة، فقعد يوشع بن نون، وكالب بن يوقنا.
﴿ لِّمِيقَاتِنَا ﴾، يعني لميعادنا، يعني الأربعين يوماً، فانطلق بهم، فتركهم في أصل الجبل، فلما نزل موسى إليهم، قالوا:﴿ أَرِنَا ٱللَّهِ جَهْرَةً ﴾[النساء: ١٥٣]، فأخذتهم الرجفة، يعني الموت عقوبة لما قالوا، وبقي موسى وحده يبكي.
﴿ فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ ﴾ ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقد أهلكت خيارهم، رب ﴿ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ ﴾، يعني أمتهم.
﴿ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ ﴾ معهم من قبل أن يصحبوني.
﴿ أَتُهْلِكُنَا ﴾ عقوبة ﴿ بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ ﴾، وظن موسى، عليه السلام، أنما عوقبوا باتخاذ بني إسرائيل العجل، فهم السفهاء، فقال موسى: ﴿ إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ ﴾، يعني ما هي إلا بلاؤك.
﴿ تُضِلُّ بِهَا ﴾ بالفتنة ﴿ مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي ﴾ من الفتنة ﴿ مَن تَشَآءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْغَافِرِينَ ﴾ [آية: ١٥٥]، قال: فلم يعبد العجل منهم إلا اثنا عشر ألفاً.
﴿ وَٱكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً ﴾، يعني المغفرة.
﴿ وَفِي ٱلآخِرَةِ ﴾ حسنة، يعني الجنة.
﴿ إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ ﴾، يعني تبنا إليك.
﴿ قَالَ ﴾ الله: ﴿ عَذَابِيۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾، يعني ملأت كل شيء، قال إبليس: فأنا من كل شيء، قال الله تعالى: ﴿ فَسَأَكْتُبُهَا ﴾، يعني الرحمة.
﴿ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ﴾، فعزل إبليس، يعني للذين يوحدون ربهم.
﴿ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـاةَ ﴾، يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
﴿ وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ١٥٦]، يعني بالقرآن يصدقون أنه من الله، قالت اليهود: فنحن نتقي الله، ونؤتي الزكاة، فعزل إبليس واليهود. ثم نعتهم، فقال: ﴿ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ﴾ على دينه، يعني محمداً صلى الله عليه وسلم، يعني بالأمي الذي لا يقرأ الكتب، ولا يخطها بيمينه.
﴿ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ ﴾، يعني بالإيمان.
﴿ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ ﴾، يعني الشرك.
﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ ﴾، يعني ما حرم الله من اللحوم والشحوم.
﴿ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ ٱلْخَبَآئِثَ ﴾، يعني الميتة، والدم، ولحم الخنزير.
﴿ وَيَضَعُ ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ ﴾، يعني مما عهد الله إليهم من تحريم اللحوم، والشحوم، ولحم كل ذى ظفر.
﴿ وَ ﴾ يضع محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ﴾ واجبة من التغليظ والتشديد، الذي منه أن يقتل قاتل العمد البتة، ولا يعفي عنه، ولا يؤخذ منه الدية، ويقتل قاتل الخطأ، إلا أن يشاء ولي المقتول فيعفو عنه ونحوه، ولو صدقوا النبي صلى الله عليه وسلم لوضع ذلك كله عنهم.
﴿ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ ﴾، يعني صدقوا النبي صلى الله عليه وسلم.
﴿ وَعَزَّرُوهُ ﴾، يعني أعانوه على أمره.
﴿ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ﴾، يعني القرآن.
﴿ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ ﴾، فمن فعل هذا فـ ﴿ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾ [آية: ١٥٧]، فقال موسى عند ذلك: اللهم اجعلني من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
﴿ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي ﴾ الأموات.
﴿ وَيُمِيتُ ﴾ الأحياء.
﴿ فَآمِنُواْ ﴾، يعني فصدقوا ﴿ بِٱللَّهِ ﴾ أنه واحد لا شريك له.
﴿ وَرَسُولِهِ ﴾، عليه السلام.
﴿ ٱلنَّبِيِّ ٱلأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ ﴾، يعني الذي يصدق بالله بأنه واحد لا شريك له، وبآياته، يعني القرآن.
﴿ وَٱتَّبِعُوهُ ﴾، يعني محمداً، عليه السلام.
﴿ لَعَلَّكُمْ ﴾، يعني لكي ﴿ تَهْتَدُونَ ﴾ [آية: ١٥٨] من الضلالة.﴿ وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ ﴾، يعني بني إسرائيل.
﴿ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ ﴾، يعني عصابة يدعون إلى الحق.
﴿ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴾ [آية: ١٥٩]، يعني الذين من وراء الصين اليوم، القوم الذين أسرى بهم تحت الأرض، وأخرج لهم نهراً من الأردن من رملٍ يسمى أردق من وراء الصين يجري كجري الماء، أسرى الله بهم تحت الأرض سنة ونصفاً، فإذا نزل عيسى ابن مريم كان معه يوشع بن نون، وهم من آمن من أهل الكتاب.﴿ وَقَطَّعْنَاهُمُ ﴾، يعني فرقناهم.
﴿ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً ﴾، يعني فرقاً.
﴿ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ ٱسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ ﴾ في التيه.
﴿ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ ﴾، ففعل وكان من الطور.
﴿ فَٱنبَجَسَتْ ﴾، يعني فانفجرت من الحجر.
﴿ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً ﴾ ماء بارداً فراتاً رواء بإذن الله، وكان الحجر خفيفاً، كل سبط من بني إسرائيل لهم عين تجرى لا يخالطهم غيرهم فيها، فذلك قوله: ﴿ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ﴾، يعني كل سبط مشربهم.
﴿ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْغَمَامَ ﴾ بالنهار، يعني سحابة بيضاء ليس فيها ماء تقيهم من حر الشمس وهم في التيه.
﴿ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْمَنَّ ﴾، يعني النرنجين.
﴿ وَٱلسَّلْوَىٰ ﴾ طير أحمر يشبه السمان.
﴿ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ ﴾، يعني من حلال.
﴿ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ من المن والسلوى، ولا تطغوا فيه، يعني لا ترفعوا منه لغد، فرفعوا وقددوا فدود عليهم، يقول الله: ﴿ وَمَا ظَلَمُونَا ﴾، يعني وما ضرونا، يعني وما نقصونا حين رفعوا وقددوا ودود عليهم.
﴿ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [آية: ١٦٠]، يعني يضرون وينقصون.﴿ وَ ﴾ اذكر ﴿ وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ ٱسْكُنُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ ﴾، بيت المقدس.
﴿ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ ﴾ أمرنا ﴿ حِطَّةٌ وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ ﴾، أي باب القرية.
﴿ سُجَّداً ﴾ سجود انحناء.
﴿ نَّغْفِرْ ﴾ بالنون والتاء مبنياً للمفعول.
﴿ لَكُمْ خَطِيۤئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [آية: ١٦١] بالطاعة ثواباً.﴿ فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ ﴾، فقالوا: حبة في شعرة، ودخلوا يزحفون على استاهم.
﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً ﴾ عذاباً ﴿ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ ﴾ [آية: ١٦٢].
﴿ وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ﴾، اسمها أيلة، على مسيرة يومين من البحر بين المدينة والشام، مسخوا على عهد داود، عليه السلام، قردة، يعني اليهود، وإنما أمر الله النبى صلى الله عليه وسلم أن يسألهم: أمسخ الله منكم قردة وخنازير؟ لأنهم قالوا: إنا أبناء الله وأحباؤه، وإن الله لا يعذبنا في الدنيا ولا في الآخرة؛ لأنا من سبط خليله إبراهيم، ومن سبط إسرائيل، وهو بكر نبيه، ومن سبط كليم الله موسى، ومن سبط ولده عزير، فنحن من أولادهم، فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ﴾ ﴿ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ ﴾، إما عذبهم الله بذنوبهم. ثم أخبر عن ذنوبهم، فقال: ﴿ إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ ﴾، يعني يعتدون.
﴿ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ ﴾، يعني السمك.
﴿ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً ﴾، يعني شارعة من غمرة الماء إلى قريب من الحذاء، يعني الشط أمنت أن يصدن.
﴿ وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ ﴾، يعني حين لا يكون يوم السبت.
﴿ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ ﴾، يعني هكذا.
﴿ نَبْلُوهُم ﴾، يعني نبتليهم بتحريم السمك في السبت.
﴿ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ [آية: ١٦٣]، جزاء منا، يعني بما كانوا يعصون.﴿ وَإِذَا قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ ﴾، يعني عصابة منهم، وهى الظلمة للواعظة.
﴿ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً ﴾، وذلك أن الواعظة نهوهم عن الحيتان، وخوفوهم فلم ينتبهوا، فردت عليهم الواعظة.
﴿ قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ ﴾، يعني ولكى ينتهوا فيؤخروا أو يعذبوا فينجوا.
﴿ وَلَعَلَّهُمْ ﴾، يعني ولكى ﴿ يَتَّقُونَ ﴾ [آية: ١٦٤] المعاصي.﴿ فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ ﴾، يعني فلما تركوا ما وعظوا به من أمر الحيتان.
﴿ أَنجَيْنَا ﴾ من العذاب ﴿ ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ ﴾، يعني المعاصي.
﴿ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾، يعني وأصبنا الذين ظلموا.
﴿ بِعَذَابٍ ﴾، يعني المسخ.
﴿ بَئِيسٍ ﴾، يعني شديد.
﴿ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ﴾ [آية: ١٦٥]، يعني يعصون.﴿ فَلَماَّ عَتَوْاْ ﴾، يعني عصوا.
﴿ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ ﴾ من الحيتان.
﴿ قُلْنَا لَهُمْ ﴾ ليلاً: ﴿ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾ [آية: ١٦٦]، يعني صاغرين بعدما أصابوا الحيتان سنين، ثم مسخوا قردة، فعاشوا سبعة أيام، ثم ماتوا يوم الثامن.
﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ ﴾، يعني قال ربك: ﴿ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ ﴾، يعني بنى إسرائيل من يسومهم سوء العذاب، فبعث الله المسلمين عليهم.
﴿ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ ﴾ ما دامت الدنيا.
﴿ مَن يَسُومُهُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ ﴾، يعني يعذبهم شدة العذاب، يعني القتل، والجزية.
﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [آية: ١٦٧].
﴿ وَقَطَّعْنَاهُمْ ﴾، يعني وفرقناهم ﴿ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً ﴾، يعني فرقاً، يعني بنى إسرائيل.
﴿ مِّنْهُمُ ٱلصَّالِحُونَ ﴾، يعني المؤمنين.
﴿ وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ ﴾، يعني دون الصالحين، فهم الكفار.
﴿ وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ ﴾، يقول: ابتليناهم بالخصب والشدة.
﴿ لَعَلَّهُمْ ﴾، يعني لكى ﴿ يَرْجِعُونَ ﴾ [آية: ١٦٨] إلى التوبة.﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ ﴾، يعني من بعد بنى إسرائيل.
﴿ خَلْفٌ ﴾ السوء وهم اليهود.
﴿ وَرِثُواْ ٱلْكِتَابَ ﴾، يعني ورثوا التوراة عن أوائلهم وآبائهم.
﴿ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ ﴾، وهي الدنيا؛ لأنها أدنى من الآخرة، يعني الرشوة في الحكم.
﴿ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا ﴾، فكانوا يرشون بالنهار، ويقولون: يغفر لنا بالليل.
﴿ وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ ﴾، يعني رشوة مثله ليلاً.
﴿ يَأْخُذُوهُ ﴾، ويقولون: يغفر لنا بالنهار، يقول الله: ﴿ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَاقُ ٱلْكِتَابِ ﴾، يعني بغير ما يقولون: لقد أخذ عليهم في التوراة أن لا يستحلوا محرماً، و ﴿ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ ﴾ في التوراة.
﴿ وَدَرَسُواْ ﴾، يعني وقرأوا ﴿ مَا فِيهِ ﴾، ما في التوراة.
﴿ وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ ﴾، يعني الجنة.
﴿ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ﴾، استحلال المحارم.
﴿ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ [آية: ١٦٩].
ثم ذكر مؤمنيهم، فقال: ﴿ وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَابِ ﴾، يعني يتمسكون بالتوراة ولا يحرفونه عن مواضعه، ولا يستحلون محرماً.
﴿ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ ﴾ [آية: ١٧٠]، نزلت في ابن شلام وأصحابه.﴿ وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ ﴾، يعني وإذ رفعنا الجبل ﴿ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ ﴾، وذلك أن موسى، عليه السلام، حين أتاهم بالتوراة، وجدوا فيها القتل، والرجم، والحدود، والتغليظ، أبوا أن يقبلوا التوراة، فأمر الله الجبل عند بيت المقدس، فانقطع من مكانه، فقام فوق رءوسهم، فأوحى الله إلى موسى أن قل لهم: إن لم يقروا بالتوراة، طرحت عليهم الجبل، وأرضخ به رءوسهم، فلما رأوا ذلك أقروا بالتوراة، ورجع الجبل إلى مكانه، فذلك قوله: ﴿ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ ﴾، يعني وأيقنوا أن الجبل واقع بهم، يعني عليهم.
﴿ خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ ﴾، ما أعطيناكم من التوراة بالجد والمواظبة.
﴿ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ ﴾، يقول: واحفظوا ما فيه من أمره ونهيه.
﴿ لَعَلَّكُمْ ﴾، يعني لكى ﴿ تَتَّقُونَ ﴾ [آية: ١٧١] المعاصي.﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ﴾، يقول: وقد أخذ ربك من بنى آدم بنعمان عند عرفات من ظهورهم.
﴿ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ﴾ بإقرارهم.
﴿ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ ﴾ أنت ربنا، وذلك أن الله عز وجل مسح صفحة ظهر آدم اليمنى، فأخرج منه ذرية بيضاء كهيئة الذر يتحركون، ثم مسح صفحة ظهره اليسرى، فأخرج منه ذرية سوداء كهيئة الذر، وهم ألف أمة، قال: يا آدم، هؤلاء ذريتك أخذنا ميثاقهم على أن يعبدوني ولا يشركوا بي شيئاً وعلىَّ رزقهم، قال آدم: نعم يا رب، فلما أخرجهم، قال الله: ألست بربكم؟ قالوا: بلى ﴿ شَهِدْنَآ ﴾ أنك ربنا، قال الله للملائكة: اشهدوا عليهم بالإقرار، قالت الملائكة: قد شهدنا، يقول الله في الدنيا لكفار العرب من هذه الأمة: ﴿ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا ﴾ الميثاق الذي أخذ علينا ﴿ غَافِلِينَ ﴾ [آية: ١٧٢]، وأشهدهم على أنفسهم.﴿ أَوْ تَقُولُوۤاْ ﴾ لئلا تقولوا: ﴿ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا ﴾ ونقضوا الميثاق.
﴿ مِن قَبْلُ ﴾ شركنا، ولئلا تقولوا: ﴿ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ ﴾، فاقتدينا بهم وبهداهم، لئلا تقولوا: ﴿ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ ﴾ [آية: ١٧٣]، يعني أفتعذبنا بما فعل المبطلون، يعني المكذبين بالتوحيد، يعنون آباءهم، كقوله:﴿ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ﴾[الزخرف: ٢٣].
ثم أفاضهم إفاضة القدح، فقال للبيض: هؤلاء في الجنة برحمتي، فهم أصحاب اليمين، وأصحاب الميمنة، وقال للسود: هؤلاء للنار، ولا أبالي، فهم أصحاب الشمال، وأصحاب المشأمة، ثم أعادهم جميعاً في صلب آدم، عليه السلام، فأهل القبور محبسون حتى يخرج الله أهل الميثاق كلهم من أصلاب الرجال وأرحام النساء، ثم تقوم الساعة، فذلك قوله:﴿ لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ ﴾يوم القيامة﴿ وَعَدَّهُمْ عَدّاً ﴾[مريم: ٩٤]، فمن مات منهم صغيراً، فله الجنة بمعرفته بربه، ومن بلغ منهم العقل أخذ أيضاً ميثاقه بمعرفته لربه، والطاعة له، فمن لم يؤمن إذا بلغ العقل لم يغن عنه الميثاق الأول شيئاً، وكان العهد والميثاق الأول حجة عليهم، وقال فيمن نقض العهد الأول:﴿ وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ ﴾يعنى من وفاء، يعني أكثر ولد آدم، عليه السلام،﴿ وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ﴾[الأعراف: ١٠٢]، يعني لعاصين.
﴿ وَكَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ ﴾، يعني هكذا نبين الآيات في أمر الميثاق.
﴿ وَلَعَلَّهُمْ ﴾، يعني لكى ﴿ يَرْجِعُونَ ﴾ [آية: ١٧٤] إلى التوبة.
﴿ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ ﴾، يعني أهل مكة ﴿ نَبَأَ ﴾، يعني حديث ﴿ ٱلَّذِيۤ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا ﴾، يعني أعطيناه الاسم الأعظم، يعني بلعام بن باعورا بن ماث بن حراز بن آزر، من أهل عمان، وهي البلقاء التي كان فيها الجبارون بالشام، فإنما سميت البلقاء من أجل أن ملكها رجل اسمه بالق، وذلك أن الملك، واسمه بانوس بن ستشروث، قال لبلعام: ادع على موسى، فقال بلعام: إنه من أهل دين لا ينبغي أن يدعي عليه، فأمر الملك أن تنحت خشبة ليصلبه عليها، فلما رأى ذلك، خرج على أتان له، ليدعو على موسى، عليه السلام، فلما عاين عسكره، قامت به الأتان فضربها، فقالت الأتان: لم تضربنى وهذه نار تتوقد قد منعتنى أن أمشى، فارجع، فرجع، فأخبر الملك، فقال له الملك: إما أن تدعو، وإما أن أصلبك، فدعا على موسى، عليه السلام، باسم الله الأعظم ألا يدخل المدينة، فاستجاب الله له، فبلغ موسى، عليه السلام، فدعا الله أن ينزع ذلك الاسم منه، فنزع منه الاسم الأعظم، فذلك قوله: ﴿ فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا ﴾، فنزعها الله منه، يعني الآيات.
﴿ فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ ﴾ [آية: ١٧٥]، يعني من الضالين.﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ ﴾ في الآخرة ﴿ بِهَا ﴾ بما علمناه من آياتنا، يعني الاسم الأعظم في الدنيا.
﴿ وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ ﴾، يعني رضي الدنيا، وركن إليها.
﴿ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾، أي هوى الملك مع هواه.
﴿ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ ﴾ بنفسك ودابتك تطرده.
﴿ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ ﴾، فلا تحمل عليه شيء ﴿ يَلْهَث ﴾ إذا أصابه الحر، فهذا مثل الكافر إن وعظته، فهو ضال، وإن تركته فهو ضال، مثل بلعام والكفار، يعني كفار مكة.
﴿ ذَّلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ﴾، يعني القرآن.
﴿ فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ ﴾، يعني القرآن عليهم ﴿ لَعَلَّهُمْ ﴾، يعني لكي ﴿ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [آية: ١٧٦] في أمثال الله فيعتبروا فيؤمنوا. ثم قال: ﴿ سَآءَ ﴾، يعني بئس ﴿ مَثَلاً ٱلْقَوْمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ﴾، يعني القرآن، يعني كفارة مكة.
﴿ وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ ﴾ [آية: ١٧٧]، يعني أنفسهم ضروا بتكذيبهم القرآن.
﴿ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ ﴾ لدينه.
﴿ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ ﴾ عن دينه.
﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ ﴾ [آية: ١٧٨]، يعنيهم. ثم قال: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ ﴾، لقول الله:﴿ خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ﴾[البقرة: ٧]، فلم تفقه قلوبهم، ولم تبصر أعينهم، ولم تسمع آذانهم الإيمان، ثم ضرب مثلاً، فقال: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ ﴾ يأكلون ويشربون ولا يلتفتون إلى الآخرة، كما تأكل الأنعام، ليس للأنعام همة غير الأكل والشرب والسفاد، فهي لا تسمع، ولا تعقل، كذلك الكفار، ثم قال: ﴿ بَلْ هُمْ ﴾، يعني كفار مكة ﴿ أَضَلُّ ﴾، يعني أضل سبيلاً، يعني الطريق من الأنعام، ثم قال: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ ﴾ [آية: ١٧٩]، لأن الأنعام تعرف ربها وتذكره، وهم لا يعرفون ربهم ولا يوحدونه.﴿ وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ ﴾، " وذلك أن رجلاً دعا الله في الصلاة، ودعا الرحمن، فقال رجل من مشركى مكة، وهو أبو جهل: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون رباً واحداً، فما بال هذا يدعو ربين اثنين، فأنزل الله: ﴿ وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ ﴾، يعني الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، ونحوها، يقول: ﴿ فَٱدْعُوهُ بِهَا ﴾، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الرجل، فقال: " ادع الله، وادع الرحمن، ورغماً لأنف المشركين، فإنك ما دعوت من هذه الأسماء، فله الأسماء الحسنى "، قال: ﴿ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ ﴾، يعني يميلون في أسمائه عن الحق، فيسمون الآلهة: اللات، والعزى، وهبل، ونحوها، وأساف، ونائلة، فمنعهم الله أن يسموا شيئاً من آلهتهم باسم الله، ثم قال: ﴿ سَيُجْزَوْنَ ﴾ بالعذاب في الآخرة ﴿ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ١٨٠].
﴿ وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ ﴾، يعني عصبة يدعون إلى الحق.
﴿ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴾ [آية: ١٨١]،" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذه لكم، وقد أعطى الله موسى، عليه السلام، مثلها. "﴿ وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ﴾، يعني بالقرآن.
﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ١٨٢]، يعني سنأخذهم بالعذاب من حيث يجهلون، نزلت في المستهزئين من قريش.﴿ وَأُمْلِي لَهُمْ ﴾، يعني لا أعجل عليهم بالعذاب.
﴿ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾ [آية: ١٨٣]، يعني إن أخذى شديد، قتلهم الله في ليلة واحدة.﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ ﴾، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، يعني من جنون، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد الصفا ليلاً، فدعا قريشاً إلى عبادة الله عز وجل، قال: ﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ ﴾ ﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾ [آية: ١٨٤]، يعني ما محمد إلا رسول بين. ثم وعظهم ليعتبروا في صنيعه فيوحدوه، فقال: ﴿ أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَ ﴾ إلى ﴿ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ ﴾ من الآيات التي فيها، فيعتبروا أن الذي خلق ما ترون لرب واحد لا شريك له.
﴿ وَأَنْ عَسَىۤ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ ﴾، يعني يكون قد دنا هلاكهم ببدر.
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ ﴾، أي بعد هذا القرآن ﴿ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ١٨٥]، يعني يصدقون.
﴿ مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ ﴾ عن الهدى ﴿ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [آية: ١٨٦]، يعني في ضلالتهم يترددون.
﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ ﴾، وذلك أن كفار قريش سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة.
﴿ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ﴾، يعني متى حينها.
﴿ قُلْ ﴾ لهم: ﴿ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي ﴾، وما لي بها من علم.
﴿ لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ ﴾، يعني لا يكشفها.
﴿ إِلاَّ هُوَ ﴾ إذا جاءت، ثم أخبر عن شأنها، فقال: ﴿ ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ﴾، يقول: ثقل على من فيهما علمها.
﴿ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً ﴾، يعني فجأة، ثم قال: ﴿ يَسْأَلُونَكَ ﴾ عنها في التقديم.
﴿ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ﴾، يقول: كأنك قد استحفيت عنها السؤال حتى علمتها،.
﴿ قُلْ ﴾: وما لي بها من علم.
﴿ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ١٨٧]، يعني أكثر أهل مكة لا يعلمون أنها كائنة.﴿ قُل ﴾ لهم يا محمد: ﴿ لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً ﴾، يقول: " لا أقدر على أن أسوق إليها خيراً، ولا أدفع عنها ضراً، يعني سوءاً، حين ينزل بي، فكيف أملك علم الساعة؟! " ثم قال: ﴿ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ ﴾، فيصيبنى ذلك.
﴿ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ ﴾، يعني أعلم غيب الضر والنفع إذا جاء.
﴿ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ ﴾، يعني من النفع.
﴿ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوۤءُ ﴾، يعني ما أصابني الضر.
﴿ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ ﴾ من النار.
﴿ وَبَشِيرٌ ﴾ بالجنة.
﴿ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ١٨٨]، يعني يصدقون.
قوله: ﴿ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾، يعني من نفس آدم، عليه السلام، وحده.
﴿ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾، يعني خلق من ضلع آدم زوجه حواء، يوم الجمعة وهو نائم، فاستيقظ آدم وهي عند رأسه، فقال لها: من أنت؟ فقالت بالسريانية: أنا امرأة، فقال آدم: فلم خلقت؟ قالت: لتسكن إليَّ، وكان وحده في الجنة، قالت الملائكة: يا آدم، ما اسمها؟ قال: حواء؛ لأنها خلقت من حي، وسمي آدم؛ لأنه خلق من أديم الأرض كلها، من العذبة، والسبخة من الطينة السوداء، والبيضاء، والحمراء، كذلك نسله طيب وخبيث، وأبيض، وأسود، وأحمر، فذلك قوله: ﴿ فَلَماَّ تَغَشَّاهَا ﴾، يعني جامعها آدم.
﴿ حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً ﴾، هان عليها الحمل.
﴿ فَمَرَّتْ بِهِ ﴾، يعني استمرت به بالولد، يقول: تقوم، وتقعد، وتلعب، ولا تكترث. فأتاها إبليس وغير صورته، واسمه الحارث، فقال: يا حواء، لعل الذي في بطنك بهيمة؟ فقالت: ما أدرى، ثم انصرف عنها.
﴿ فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ ﴾، يقول: فلما أثقل الولد في بطنها، رجع إبليس إليها الثانية، فقال: كيف نجدك يا حواء؟ وهي لا تعرفه، قالت: إني أخاف أن يكون في جوفي الذي خوفتنى به، ما أستطيع القيام إذا قعدت، قال: أفرأيت إن دعوت الله، فجعله إنساناً مثلك ومثل آدم، أتسمينه بي؟ قالت: نعم، ثم انصرف عنها، فقالت لآدم، عليه السلام: لقد أتاني آت، فزعم أن الذي في بطنى بهيمة، وإنى لأجد له ثقلاً، وقد خفت أن يكون مثل ما قال، فلم يكن لآدم وحواء هم غير الذي في بطنها، فجعلا يدعوان الله.
﴿ دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً ﴾، يقولان: لئن أعطيتنا هذا الولد سوياً صالح الخلق.
﴿ لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ ﴾ [آية: ١٨٩] في هذه النعمة، فولدت سوياً صالحاً.
فجاءها إبليس، وهى لا تعرفه، فقال: لم لا تسميه بي كما وعدتني، قالت: عبد الحرث فكذبها، فسمته عبد الحارث، فرضي به آدم، فمات الولد، فذلك قوله: ﴿ فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً ﴾، يعني أعطاهما الولد صالح الخلق.
﴿ جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ ﴾، يعني إبليس شريكاً في الاسم، سمته عبد الحارث، فكان الشرك في الطاعة من غير عبادة، ولم يكن شركاً في عبادة ربهم، ثم انقطع الكلام، فذكر كفار، فرجع إلى أول الآية، فقال الله: ﴿ فِيمَآ آتَاهُمَا فَتَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [آية: ١٩٠]، يقول: ارتفع عظمة الله عما يشرك مشركو مكة. ثم قال: ﴿ أَيُشْرِكُونَ ﴾ الآلهة مع الله، يعنى: اللات، والعزى، ومناة، والآلهة.
﴿ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً ﴾ ذباباً ولا غيره.
﴿ وَهُمْ يُخْلَقُونَ ﴾ [آية: ١٩١]، يعني الآلهة، يعني يصنعونها بأيديهم وينحتونها، فهى لا تخلق شيئاً. ثم قال: ﴿ وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً ﴾، يقول: لا تقدر الآلهة منع السوء إذا نزل بمن يعبدها من كفار مكة.
﴿ وَلاَ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ ﴾ [آية: ١٩٢]، يقول: ولا تمنع الآلهة من أراد بها سوءاً، فكيف تعبدون من هذه منزلته وتتركون عبادة ربكم؟ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَإِن تَدْعُوهُمْ ﴾، يعني كفار مكة.
﴿ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَتَّبِعُوكُمْ ﴾، يعني النبي صلى الله عليه وسلم وحده.
﴿ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ ﴾ إلى الهدى.
﴿ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ ﴾ [آية: ١٩٣]، يعني ساكتون، يعني النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم لا يتبعوكم. ثم أخبر عن الآلهة، فقال: قل لكفار مكة: ﴿ إنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ ﴾، يعني تعبدون ﴿ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ من الآلهة، إنهم ﴿ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ﴾، وليسوا بآلهة.
﴿ فَٱدْعُوهُمْ ﴾، يعني فاسألوهم.
﴿ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ ﴾ بأنهم آلهة.
﴿ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [آية: ١٩٤] بأنها آلهة. ثم أخبر عن الآلهة، فقال ﴿ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾، ثم قال لكفار مكة: ﴿ قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ﴾، يعني الآلهة.
﴿ ثُمَّ كِيدُونِ ﴾ أنتم الآلهة جميعاً بشر.
﴿ فَلاَ تُنظِرُونِ ﴾ [آية: ١٩٥].
﴿ إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ ﴾، يعني القرآن.
﴿ وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ ﴾ [آية: ١٩٦].
ثم قال لكفار مكة: ﴿ وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ ﴾، يعني يعبدون ﴿ مِن دُونِهِ ﴾ من الآلهة.
﴿ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ ﴾، يقدر الآلهة منع السوء إذا نزل بكم.
﴿ وَلاۤ أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ ﴾ [آية: ١٩٧]، يقول: ولا تمنع الآلهة من أرادها بسوء.
ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ ﴾، يعني كفار مكة: ﴿ لاَ يَسْمَعُواْ ﴾ الهدى ﴿ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ﴾ [آية: ١٩٨] الهدى. قوله: ﴿ خُذِ ٱلْعَفْوَ ﴾، يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: خذ ما أعطوك من الصدقة.
﴿ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ ﴾، يعني بالمعروف.
﴿ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ ﴾ [آية: ١٩٩]، يعني أبا جهل حين جهل على النبي صلى الله عليه وسلم، فنسخت العفو الآية التي في براءة، آية الصدقات، ونسخ الإعراض آية السيف. قوله: ﴿ وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ نَزْغٌ ﴾، يعني وإما يفتننك من الشيطان فتنة في أمر أبي جهل.
﴿ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ ﴾ بالاستعاذة ﴿ عَلِيمٌ ﴾ [آية: ٢٠٠] بها، نظيرها في حم السجدة.
ثم وعظ النبي صلى الله عليه وسلم في أمر أبي جهل، فأخبر عن مصير المؤمنين والكفار، فقال: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ ﴾ الشرك.
﴿ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ﴾ [آية: ٢٠١]، يقول: إن المتقين إذا أصابهم نزغ من الشيطان، تذكروا وعرفوا أنها معصية، ففزعوا منها من مخافة الله. ثم ذكر الكافر، فقال: ﴿ وَإِخْوَانُهُمْ ﴾، يعني وأصحابهم، يعني إخوان كفار مكة هم الشياطين في التقديم.
﴿ يَمُدُّونَهُمْ ﴾، يعني يلجونهم.
﴿ فِي ٱلْغَيِّ ﴾، يعني الشرك والضلالة والمعاصى.
﴿ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ ﴾ [آية: ٢٠٢] عنها ولا يبصرونها كما قصر المتقون عنها حين أبصروها.﴿ وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ ﴾، يعني بحديث من القرآن، وذلك حين أبطأ التنزيل بمكة.
﴿ قَالُواْ ﴾، قال كفار مكة: ﴿ لَوْلاَ ٱجْتَبَيْتَهَا ﴾، يعني هلا ابتدعتها من تلقاء نفسك يا محمد؛ لقولهم: ائت بقرآن غير هذا أو بدله من تلقاء نفسك.
﴿ قُلْ ﴾ لكفار مكة: ﴿ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يِوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي ﴾ إذا أمرت بأمر اتبعته.
﴿ هَـٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ ﴾، يعني برهان، يعني هذا القرآن بيان من ربكم.
﴿ وَ ﴾ القرآن ﴿ وَهُدًى ﴾ من الضلالة ﴿ وَرَحْمَةً ﴾ من العذاب ﴿ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ٢٠٣]، يعني يصدقون بأن القرآن من الله.
﴿ وَٱذْكُر رَّبَّكَ ﴾، يعني بالذكر القراءة في الصلاة.
﴿ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً ﴾ مستكيناً.
﴿ وَخِيفَةً ﴾، يعني وخوفاً من عذابه.
﴿ وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ ﴾، يعني دون العلانية.
﴿ بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ ﴾، يعني بالغداة والعشي.
﴿ وَلاَ تَكُنْ مِّنَ ٱلْغَافِلِينَ ﴾ [آية: ٢٠٥] عن القراءة في الصلاة.﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ ﴾ من الملائكة، وذلك حين قال كفار مكة:﴿ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا ﴾[الفرقان: ٦٠]، واستكبروا عن السجود، فأخبر الله أن الملائكة ﴿ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾، يعني لا يتكبرون ﴿ عَنْ عِبَادَتِهِ ﴾ كفعل كفار مكة، وأخبر عن الملائكة، فقال: ﴿ وَيُسَبِّحُونَهُ ﴾، يعني يذكرون ربهم.
﴿ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ﴾ [آية: ٢٠٦]، يقول: يصلون.
Icon