تفسير سورة التوبة

تفسير ابن خويز منداد
تفسير سورة سورة التوبة من كتاب تفسير ابن خويز منداد .
لمؤلفه ابن خويزمنداد . المتوفي سنة 390 هـ
٦٠- قوله تعالى :﴿ فَإِذَا اَنسَلَخَ اَلاَشْهُرُ الحُرُمُ فَاقْتُلُواْ المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَوةَ وَءَاتَوُاْ الزَّكَوةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمُ إِنَّ اَللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ ( ٥ ).
٦٨- قوله تعالى :﴿ فَإِن تَاُبواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَوةَ وَءَاتَوُاْ الزَّكَوةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمُ ﴾ :( قال ابن خويز منداد : واختلف أصحابنا متى يقتل تارك الصلاة ؛ فقال بعضهم في آخر الوقت المختار، وقال بعضهم آخر وقت الضرورة، وهو الصحيح من ذلك. وذلك أن يبقى من وقت العصر أربع ركعات إلى مغيب الشمس، ومن الليل أربع ركعات لوقت العشاء، ومن الصبح ركعتان قبل طلوع الشمس )١.
١ - الجامع لأحكام القرآن: ٨/٧٥.
٦١- قوله تعالى :﴿ يَأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ اَلاَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَاكُلُونَ أَمْوَالَ اَلنَّاسِ بِالْبَطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اِللَّهِ، وَالذِينَ يَكْنِزُونَ اَلذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اِللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ اَلِيمٍ ﴾ ( ٣٤ ).
٦٩- ( قال ابن خويز منداد : تضمنت هذه الآية زكاة العين، وهي تجب بأربعة شروط : حرية، وإسلام، وحول، ونصاب سليم من الدين. والنصاب مائتا درهم أو عشرون دينارا. أو يكمل نصاب أحدهما من الآخر، وأخرج ربع العشر من هذا وربع العشر من هذا. وإنما قلنا إن الحرية شرط، فلأن العبد ناقص الملك. وإنما قلنا إن الإسلام شرط، فلأن الزكاة طهرة والكافر لا تلحقه طهرة ؛ ولأن الله تعالى قال :﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَوةَ وَءَاتُواْ الزَّكَوةَ ﴾ ١، فخوطب بالزكاة من خوطب بالصلاة. وإنما قلنا إن الحول شرط، فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول " ٢. وإنما قلنا إن النصاب شرط ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليس في أقل من مائتي درهم زكاة، وليس في أقل من عشرين دينارا زكاة " ٣. ولا يراعى كمال النصاب في أول الحول، وإنما يراعى عند آخر الحول، لاتفاقهم أن الربح في حكم الأصل، يدل على هذا أن من كانت معه مائتا درهم فَتَجر فيها فصارت آخر الحول ألفا، أنه يؤدي زكاة الألف، ولا يستأنف للربح حولا. فإذا كان كذلك لم يختلف حكم الربح، كان صادرا عن نصاب أو دونه. وكذلك اتفقوا أنه لو كان له أربعون من الغنم، فتوالدت له رأس الحول ثم ماتت الأمهات إلا واحدة منها، وكانت السخال تتمة النصاب فإن الزكاة تخرج عنها )٤.
١ - البقرة: ٤٢..
٢ - أخرجه ابن ماجة في كتاب الزكاة باب من استفاد مالا: ١/٥٧١ بنحوه. وأحمد في مسنده موقوف على علي: ١/٣١٢. وانظر التمهيد: ٢٠/١٥٦..
٣ - لم أقف على هذا الحديث بهذا اللفظ..
٤ - الجامع لأحكام القرآن: ٨/١٢٤..
٦٢- قوله تعالى :﴿ إَنَّمَا اَلصَّدَقَتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَكِينِ وَالْعَمِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُوَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي اِلرِّقَابِ وَالْغَرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اِللَّهِ وَابْنِ اِلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اَللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ ( ٦٠ ).
٧٠- قوله تعالى :﴿ إَنَّمَا اَلصَّدَقَتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَكِينِ ﴾ : قال القرطبي :( روى أبو داود عن عبد الله بن عَدِيّ بن الخيار قال : أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة فسألاه منها، فرفع فينا النظر وخفضه، فرآنا جَلْدَين فقال : " إن شئتما أعطيتكما ولا حظّ فيها لغني ولا لقويّ مكتسب " ١. ولأنه قد صار غنيّا بكسبه كغِنى غيره بما له فصار كل واحد منهما غنيا عن المسألة. وقاله ابن خويز منداد، وحكاه عن المذهب... ٢ وهل المعتبر مكان المال وقت تمام الحول فتفرق الصدقة فيه، أو مكان المالك إذ هو المخاطب ؛ قولان. واختار الثاني أبو عبد الله محمد بن خويز منداد في أحكامه قال : لأن الإنسان هو المخاطب بإخراجها فصار المال تبعا له ؛ فيجب أن يكون الحكم فيه بحيث المخاطب. كابن السبيل فإنه يكون غنيا في بلده فقيرا في بلد آخر، فيكون الحكم له حيث هو... ٣ وقال ابن الماجشون٤ ومطرف٥ وأصبغ٦ وابن حبيب٧ : لا يعطى بنو هاشم من الصدقة المفروضة ولا من التطوع. وقال ابن القاسم٨ : يعطى بنو هاشم من صدقة التطوع. قال ابن القاسم : والحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تحل الصدقة لآل محمد " إنما ذلك في الزكاة لا في التطوع. واختار هذا القول ابن خويز منداد، وبه قال أبو يوسف ومحمد )٩.
١ - أخرجه أبو داود في كتاب الزكاة باب ما يعطى من الصدقة؟؟ وحد الغني ٢/١١٨. والنسائي في كتاب الزكاة باب مسألة القوي المكتسب، ولم يذكر فيه "اعطيتكما" ٥/١٠٢. وأحمد في مسنده ٦/٢٨٥، بلفظه وانظر تفسير ابن كثير: ٢/٤٤٤..
٢ - بناء الكلام كله في (الجامع لأحكام القرآن ٨/١٧٦-١٧٧) هكذا »الخامسة.. روى أبو داود عن عبد الله... السابعة - وهل المعتبر مكان المال وقت تمام الحول... «..
٣ - بناء الكلام كله في الأصل (الجامع لأحكام القرآن: ٨/١٧٦-١٩١) هكذا: »
السابعة.. واختار الثاني أبو عبد الله محمد بن خويز منداد في أحكامه... التاسعة والعشرون. وقال ابن الماجشون ومطرف وأصبغ... «..
٤ - هو أبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، الفقيه المالكي، تفقه على الإمام مالك ( وعلى والده عبد العزيز وغيرهما (ت٢١٣هـ). انظر عنه: وفيات الأعيان: ٩/١٦٦، ميزان الاعتدال: ٢/٦٢٩، شذرات الذهب: ٢/٢٨..
٥ - هو أبو عبد الله، مطرف بن الشخير الحرشي العامري البصري، حدث عن أبيه وعلي، وعمار، وأبي ذر وعثمان، وعائشة وغيرهم. حدث عنه: الحسن البصري، وقتادة، وغيلان بن جرير ومحمد بن واسع كان ذو فضل وورع وأدب، كان ثقة (ت ٨٦هـ). انظر عنه: تهذيب الكمال: ١٨/١٤٣-١٤٤، شذرات الذهب: ١/١١٠..
٦ - هو أبو عبد الله أصبع بن الفرج بن سعيد بن نافع، الفقيه المالي المصري تفقه بابن القاسم وابن وهب وأشهب، وحدث عنه عبد الرحمان بن زيد. كان من كبار المالكية بمصر. قال ابن الماجشون: ما أخرجت مصر مثل أصبع (ت ٢٢٥هـ).
انظر عنه: وفيات الأعيان: ١/٢٤٠، شذرات الذهب: ٢/٥٦..

٧ - هو أبو مروان عبد الملك بن حبيب بن سليمان الألبيري القرطبي، عالم الأندلس وفقيهها كان رأس المالكية في عصره أخذ عن ابن الماجشون وصعصعة بن سلام والغازي بن قيس له كما كتب كثيرة منها "الواضعة" (ت ٢٣٨هـ)..
٨ - هو أبو عبد الله، عبد الرحمان بن القاسم بن خالد بن جنادة العتقي بالولاء المصري، صاحب مالك عشرين سنة وروى عنه وعن الليث وابن الماجشون وغيرهم وعنه أصبغ وسحنون وعيسى بن دينار وغيرهم كان فقيها محنكا يجمع بين الزهد والعلم. من آثاره العلمية "المدونة" (ت ١٩١هـ). انظر عنه: طبقات الفقهاء ص: ١٥٥، وفيات الأعيان: ٣/١٢٩، الديباج ص: ١٤٦-١٤٧، شذرات الذهب: ١/٣٢١..
٩ - الجامع لأحكام القرآن: ٨/١٧٣-١٧٦-١٩١..
٦٣- قوله تعالى :﴿ وَالسَّبِقُونَ اَلاَوَّلُونَ مِنَ اَلْمُهَجِرِينَ وَالاَنصَارِ وَالذِينَ اَتَّبَعُوهُم بِإِحْسَنٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا اَلاَنْهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ اَلْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ ( ١٠٠ ).
٧١- ( قال ابن خويز منداد : تضمنت هذه الآية تفضيل السابقين إلى كل منقبة من مناقب الشريعة، في علم أو دين أو شجاعة أو غير ذلك، من العطاء في المال والرتبة في الإكرام. وفي هذه المسألة خلاف بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، واختلف العلماء في تفضيل السابقين بالعطاء على غيرهم ؛ فروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان لا يفضل بين الناس في العطاء بعضهم على بعض بحسب السابقة. وكان عمر يقول له : أتجعل ذا السابقة كمن لا سابقة له ؟ فقال أبو بكر : إنما عملوا لله وأجرهم عليه. وكان عمر يفضل في خلافته ؛ ثم قال عند وفَاتِهِ : لئن عشت إلى غد لألحقن أسفل الناس، أعلاهم ؛ فمات من ليلته، والخلافة إلى يومنا هذا على هذا الخلاف )١.
١ - الجامع لأحكام القرآن: ٨/٢٣٨..
Icon