٦٥٣- إن قول الله تعالى :﴿ فاقتلوا المشركين ﴾ يقتضي وجوب القتل، وهو الحكم الذي حصل به العموم في هذه الصيغة شامل لما لا يتناهى عند ورود الصيغة، وقد لا يكون في الوجود ذلك الوقت مشرك البتة. ألا ترى إلى قولنا : " اقتلوا العنقاء١ والآدمي الذي له رأس " لفظ عام في المذكور، وحكم مقر عند السماع في أفراد غير متناهية وليس له في الخارج فرد واحد منه البتة، ولم يناف عدم الوقوع في الخارج ثبوت الحكم للعموم على عمومه من غير تخصيص، وإنما علمنا وجود المشركين من الخارج بالوجدان الحسي لا من جهة أن الصيغة عامة، والعموم متحقق وإن لم يكون في الخارج منه فرد البتة، فعلمنا أن الحكم الذي يقع به التعميم إنما تعلق بذلك العدد فقط. ( العقد المنظوم : ١/٣٣١ )
٦٥٤- قوله تعالى :﴿ فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ﴾ لا يفهم منه إلا الأمر بقتلهم في جميع البقاع. ( الفروق : ١/٩٧ )
٦٥٥- إن الله تعالى إذا قال :﴿ فاقتلوا المشركين ﴾ فلم نجد في الأرض إلا مشركا واحدا فقتلناه، فإنا نكون قائمين بما توجه عليها من حكم ذلك العموم، مع أن الواحد ليس بعموم، ما ذاك إلا أن الوقوع غير وجوب القتل، فالعموم إنما هو باعتبار أن الله تعالى أوجب قتل كل من يتوهم وجوده في العالم من المشركين، فهذا هو العام. أما الواقع من ذلك فقد يكون واحدا أو أكثر أو لا يوجد مشرك البتة، وذلك لا يقدح في العموم ولا في حكمه، فما حصل به العموم غير ما به يخرج عن عهدة العموم. ( شرح التنقيح : ٢٠٠ )
٦٥٦- يلزم أن يكون قوله تعالى :﴿ فاقتلوا المشركين ﴾ غير مخصوص، أما بالنساء فلأنهن لم يندرجن في الصيغة لأنها صيغة المذكر، وأما الصبيان فلأنهم يقتلون في حالة ما وهي إذا كبروا، وكذلك الرهبان يقتلون إذا قاتلوا، وهي حالة ما، وكذلك أهل الذمة. فلا يتصور فيه تخصيص بناء على هذه القاعدة، فإنا لم نجد فردا من هذا العموم لا يقتل في حالة ما. ( شرح التنقيح : ٢٠٧-٢٠٨ )
٦٥٧- إن الله تعالى لم يحكم في هذه الآية بشرك أحد ولا بأن أحدا مشرك، بل حكم بوجوب القتل، والمشركون متعلق هذا الحكم. ( نفسه : ٥٠ )
٦٥٨- قوله تعالى :﴿ فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ﴾، اشترط في ترك القتل بعد التوبة إقامة الصلاة. ( الذخيرة : ٢/٤٨٣ )
وقد يكون الخوف من غير الله تعالى ليس محرما كالخوف من الأسود والحيات والعقارب والظلمة. وقد يجب الخوف من غير الله تعالى كما أمرنا بالفرار من أرض الوباء والخوف منها على أجسامنا من الأمراض والأسقام. وفي الحديث : " فر من المجذوم فرارك من الأسد " ٣. فصون النفس والأجسام والمنافع والأعضاء والأموال والأعراض عن الأسباب المفسدة واجب. وعلى هذه القواعد فقس يظهر لك ما يحرم من الخوف من غير الله، وما لا يحرم، وحيث تكون الخشية من الخلق محرمة، وحيث لا تكون. فاعلم ذلك. ( الفروق : ٤/٢٣٧ )
٢ - سورة الأحزاب: ٣٧..
٣ - خرجه أحمد في مسنده المكثرين عن أبي هريرة. ح: ٩٣٤٥..
٦٦٣- الأصل في عقد الجزية قوله تعالى :﴿ قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ حتى يُعطوا الجزية ﴾. ( الذخيرة : ٣/٤٥١ )
٦٦٤- الجزية مأخوذة من الجزاء الذي هو المقابلة، والمأخوذة عند الأصحاب مقابل الدم. ويرد عليه : أنه اقتضى عصمة الأموال والذراري، وهي غير مستحقة القتل، فليس حقن الدم هو كل المقصود. ويعزى للشافعية أنها أجرة الدار. ويرد عليه : أن المرأة تنتفع بالدار ولا جزية فيها. والمتجه أن يقال : هي قبالة جميع المقاصد المرتبة على العقد.
سؤال : عادة الشرع دفع أعظم المفسدتين بإيقاع أدناهما، وتفويت المصلحة الدنيا لتوقع المصلحة العليا، ومفسدة الكفر توفى على مصلحة المأخوذ من أموال الكفار جزية، بل على جملة الدنيا. فلم أقرهم الشرع على الكفر بهذا النزر اليسير ؟ ولم لا حتم القتال درءا لمفسدته ؟
جوابه : أن هذا من باب التزام المفسدة الدنيا لتوقع المصلحة العليا، وذلك أن الكافر إذا قتل انسد عنه باب الإيمان ومقام السعادة، فشرع الله تعالى الجزية رجاء أن يسلم في مستقبل الزمان، ولا سيما مع اطلاعه على محاسن الإسلام، وإن مات على كفره فيتوقع ذلك من ذريته وذرية ذريته على يوم القيامة، وساعة من إيمان تعدل دهرا من كفر، ولذلك خلق الله تعالى آدم على وفق الحكمة وأكثر ذريته كفار. فعقد الجزية من آثار رحمته تعالى. ( نفسه : ٣/٤٥٣- ٤٥٤ )
٦٦٥- قال الشافعي : " إذا أسلم الذمي بعد وجوب الجزية أخذت منه بناء على أنها أجرة " ١. وعندنا : يدل من سفك الدم وحض على الإسلام بالصغار. لنا قوله تعالى :﴿ حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ﴾ فشرط في إعطائها الصغار، وهو ممتنع عن المسلم٢. ( الذخيرة : ٣/٤٥٤ )
٦٦٦- اعلم أن عقد الجزية موجب لعصمة الدماء وصيانة الأموال والأعراض وغير ذلك مما يترتب عليه، وحقيقة عقد الجزية هو التزامنا ذلك بشروط نشترطها عليهم مضت سنة الخلفاء الراشدين بها، وهي أيضا مستفادة من قوله تعالى :﴿ حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ﴾. ( الفروق : ٣/١١ )
٦٦٧- قوله تعالى :﴿ حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ﴾ لا يكون تخصيصا٣، لأنه يقتضي قبل كل مشرك في حالة الامتناع من الجزية، وهذه حالة خاصة، وإذا قتلنا كل مشرك في حالة خاصة، فقد قتلنا كل مشرك في مطلق الحال، وهذا هو مقتضى العموم، فلم يخرج من أفراده شيء، ولم يوجد ما خالف العموم بل ما قيده٤. ( العقد المنظوم : ٢/٢٦٨ )
٦٦٨- مفهومه : أنهم لا يقتلون في هذه الحالة، أي بعد إعطاء الجزية، وسلب القتل ثابت في هذه الحالة، لمثل ما لا يتناهى من العدد، فهو عموم في النفي. ( نفسه : ١/٣٧٣ )
٢ - ن. بداية المجتهد: ٣/٤٩٥..
٣ - يقول د. محمد بنصر: "إن لم يكن مخصصا فهو مقيد كما يراه القرافي نفسه، والنتيجة واحدة بالنسبة للحكم الفقهي". ٢/٢٦٨ هامشا..
٤ - يقول د: محمد بنصر: "العموم لا يقيد وإنما يخصص، ولعله يقصد ما قيده الإطلاق في الأحوال التي يدل عليها العام في الالتزام. نفسه. ٢/٢٦٨..
هذا موسى عليه السلام لما قال : " إله واحد ". لو كانوا ثلاثة كما زعمتم لما وسعه تغيير الكلام الذي سمعه من مولاه ولا استحيى بتبديله عن معناه.
وكذلك قال لوقا في إنجيله أن عالما من علماء اليهود سأل المسيح، فقال له : " يا معلم صالح ما أصنع لتكون لي الحياة الأبدية ؟ فقال له المسيح : تحب الله وحده، فقال له الحبر : نعم ما قلت يا معلم وأنا أعرف أنه واحد " ١ فلو كان ما ادعيتموه صحيحا لم يكن ليكتم الحق. فإن كان بزعمكم مسحا، بل كان يقول لمثل هذا الطالب للفوائد : " أنا والأب إله واحد " وهو في جميع الأناجيل التي عندكم لم يسم فيها الابن البشر، أترى هذا الإله بزعمكم كان يفزع من اليهود أن يسمي نفسه ابن الإله المعبود.
فيا معشر النصارى كيف أتيتم بما ينافي العقول، وكذبتم مسيحكم وخالفتم الأنبياء والتوراة وأناجيلكم، وجعلتم ذا الملك والملكوت والعزة والجبروت خرج من رحم امرأة ورضع وفطم وصلب على صليب الصلبوت بعد أو وصل إليه من الذل والقتل ما لم يصل مثله إلى أحد من المخلوقين كما حكى لوقا في إنجيله أن المسيح قال بزعمكم على الصليب : " إليكم يقال جميع عابري الطرقات التفتوا وانظروا إن كان وجع مثل أوجاعي " فهذا الإله المسكين يستغيث مثل الحزين وتعالى عن مثل هذا أحسن الخالقين. ( أدلة الوحدانية في الرد على النصرانية : ٦٣-٦٤ )
٦٧٠- قوله تعالى :﴿ قاتلهم الله أنى يؤفكون ﴾ أي : لعنهم الله. ( الذخيرة : ٢/١٥٣ )
فإن قلت : هذا يؤيد المعتزلة في أن الله تعالى أراد من عباده العبادة، وأن مقصود الأمر الظاهر، وعند أهل الحق أن الله تعالى يأمر بما لا يريد، فلا يلزم أن يكون إيقاع العبادة غرضا ولا مقصودا، وأنت جعلته مقصودا وحملت الآية عليهم.
قلت : السبب هاهنا هو ما يترتب على الفعل، كما تقول : " ما اتجرت إلا لأربح " : لا باعث لي على التجر إلا هذا السبب، فهو مسبب في المعنى باعتبار البداية، وهذا معنى قول أرباب العقول : إنه السبب الغائي، وهو غاية الشيء وما يترتب عليه ويقولون : إنه سببه في الأذهان مسبب في الأعيان باعتبار أنه الباعث في أول الأمر على الفعل، فهو سبب من هذا الوجه، وباعتبار كونه يترتب على الفعل هو مسبب، وهو معنى قولهم : " أول الفكرة آخر العمل، وآخر العمل أول الفكرة ".
إذا تقرر هذا فالعبادة والتوحيد هو مسبب من جهتين :
من جهة أنه مقتضى الأمر.
ومن جهة أن مراد المتكلم الثاني هاهنا غير مراد، بل المراد أنه مسبب من جهة اقتضاءات الألفاظ والأوامر.
أي : لم يكن مقتضى الأمر إلا ذلك، لا أن يكفروا ويشركوا فجعل سببا تدخل عليه لام كي، لأنه من شأن المسبب الذي هو سبب غائي، كما تقدم تمثيله بالربح مع التجارة. فهو سبب مسبب بوجهين واعتبارين كما تقدم بيانه.
والمراد إثبات ذلك له من حيث مقتضيات الألفاظ بوضعها، لا من جهة إرادة المتكلم بها. والنزاع إنما هو من جهة الإرادة، لا من جهة اقتضاء الألفاظ فاندفع السؤال. ( الاستغناء : ٥٠٢- ٥٠٣ )
وجوابه : أنه منسوخ بقوله تعالى :﴿ وما كان المؤمنون لينفروا كافة ﴾١ وقوله :﴿ لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون ﴾٢ ثم قال :﴿ وكلا وعقد الله الحسنى ﴾٣ ولو أنه على الأعيان لما وعد القاعد الحسنى. ولم تزل الأمة بعده عليه السلام ينفر بعض دون بعض٤. ( الذخيرة : ٣/٣٨٥ )
٦٧٣- إن ظواهر النصوص تقتضي ترتيب القتال على الكفر والشرك كقوله تعالى :﴿ قاتلوا المشركين كافة ﴾. ( الذخيرة : ٣/٣٨٧ )
٢ - سورة النساء: ٩٥..
٣ - نفسها..
٤ - ذهب د. مصطفى زيد "إلى أن ذلك تخصيص وليس نسخا، لأن النفير مطلوب مأمور به أمرا عاما، مع نفي الحرج عمن لا يستطيعه لضعف أو مرض أو حاجة. وخلص إلى القول بأن آيات النفير في سورة براءة محكمات كلهن فليس فيهن ناسخ ولا منسوخ". ن: النسخ في القرآن: ٢/٥٤٥..
فكراهية الله تعالى لسنة الأولين إرادة ضدها، وهو الإهمال، لأنه ضد التعجيل.
أما المنقول فقوله تعالى :﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ﴾ فأمر بالاستعداد مع الأمر بالتوكل في قوله تعالى :﴿ وعلى الله فليتوكل المؤمنون ﴾٢ وقوله تعالى :﴿ إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ﴾٣ أي : تحرزوا منه. فقد أمر باكتساب التحرز من الشيطان كما يتحرز من الكفار. وأمر تعالى بملابسة أسباب الاحتياط والحذر من الكفار في غير ما موضع من كتابه العزيز ورسوله صلى الله عليه وسلم سيد المتوكلين، وكان يطوف على القبائل ويقول : " من يعصمني حتى أبلغ رسالة ربي " ٤ وكان له جماعة يحرسونه٥ من العدو حتى نزل قوله تعالى :﴿ والله يعصمك من الناس ﴾٦ ودخل مكة مظاهرا بين درعين في كتيبته الخضراء من الحديد، وكان في آخر عمره، وأكمل أحواله مع ربه تعالى يدخر قوت سنة لعياله.
وأما المعقول فهو أن الملك العظيم إذا كانت له جماعة ولهم عوائد في أيام لا يحسن إلا فيها أو أبواب لا تخرج إلا منها أو أمكنة لا يدفع إلا فيها فالأدب معه أن لا يطلب منه فعل إلا حيث عوده وأن لا يخالف عوائده، بل يجري عليها، والله تعالى ملك الملوك وأعظم العظماء، بل أعظم من ذلك رتب ملكه على عوائد أرادها وأسباب قدرها وربط بها آثار قد قدرته، ولو شاء لم يربطها، فجعل الري بالشرب، والشبع بالأكل، والاحتراق بالنار، والحياة بالتنفس في الهواء، فمن طلب من الله تعالى حصول هذه الآثار بدون أسبابها فقد أساء الأدب مع الله سبحانه وتعالى، بل يلتمس فضله في عوائده.
وقد انقسمت الخلائق في هذه المقام ثلاثة أقسام :
قسم عاملوا الله تعالى باعتماد قلوبهم على قدرته تعالى مع إهمال الأسباب والعوائد فلجنوا في البحار في زمن الهول، وسلكوا القفار العظيمة المهلكة بغير زاد، إلى ذلك من هذه التصرفات. فهؤلاء حصل لهم التوكل وفاتهم الأدب مع الله وهم جماعة من العباد أحوالهم مسطورة في الكتب في الرقائق.
وقسم لاحظوا الأسباب وأعرضوا عن التوكل، وهم عامة الخلق وشر الأقسام، وربما وصلوا بملاحظة الأسباب والإعراض عن المسبب إلى الكفر.
والقسم الثالث اعتمدت قلوبهم على قدرة الله تعالى، طلبوا فضله في عوائده، ملاحظين في تلك الأسباب مسببها وميسرها، فجمعوا بين التوكل والأدب، وهؤلاء النبيئون والصديقون وخاصة عباد الله تعالى والعارفون بمعاملته، جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه.
فهؤلاء هم خير الأقسام الثلاثة، والعجب ممن يهمل الأسباب ويفرط في التوكل بحيث يجعله عدم الأسباب أومن شرطه عدم الأسباب إذا قيل : الإيمان سبب لدخول الجنة، والكفر سبب لدخول النار بالجعل الشرعي كسائر الأسباب، فهل هو تارك هذين السببين أو معتبرهما، فإن ترك اعتبارهما خسر الدنيا، من الأسباب، إن كان هذان لا ينافيان التوكل فغيرهما كذلك.
نعم من الأسباب ما هو مطرد في مجرى عوائد الله تعالى كالإيمان والكفر والغذاء والتنفس وغير ذلك، ومنها ما هو أكثر، غير مطرد، لكن الله تعالى أجرى فيه عادة من حيث الجملة كالأدوية وأنواع الأسفار للأرباح ونحو ذلك.
والأدب في الجميع التماس فضل الله تعالى في عوائده، ولذلك كان الرسول عليه السلام يأمر بالدواء٧ والحمية واستعمال الأدوية حتى الكي بالنار، فأمر بكي سعد٨ وقال عليه السلام : " المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء " ٩ وصلاح كل جسم ما اعتاد، وإذا كان حاله في الأسباب التي ليست مطردة من الحمية وإصلاح البدن بمواظبة عادته، فما ظنك بغير ذلك من العوائد. فهذا هو الحق الأبلج والطريق الأنهج. ( الفروق : ٤/٢٢١-٢٢٤ )
٢ - سورة التوبة: ٥١..
٣ - سورة فاطر: ٦..
٤ - سبق تخريجه في ص: ١٧٩ ؟؟.
٥ - أخرج الطبراني عن عصمة بن مالك الخطمي قال: "كنا نحرس رسول الله عليه السلام بالليل حتى نزلت: ﴿والله يعصمك من الناس﴾ فترك الحرس" ن: لباب النقول: ٨٣. وتفسير ابن كثير: ٢/١٢٤. وما بعدها..
٦ - سورة المائدة٦٧..
٧ - وردت أحاديث كثيرة في هذا الباب. ن: مثلا: صحيح مسلم: كتاب. السلام ح: ٦٩. وسنن الترمذي، كتاب: الطب الباب: ٢ ومسند أحمد: ٤/٢٧٨..
٨ - حديث : أنه عليه السلام أمر بكي سعد بن زرارة، خرجه الطبراني من حديث سهل بن حنيف ومن حديث أبي أسامة بن سهل ح: ٣٩٧..
٩ - لم أعثر على هذا الحديث فيما اطلعت عليه من كتب الحديث ومعاجمها، ولعله قول مأثور..
٦٧٧- اللام التي في قوله تعالى :﴿ إنما الصدقات للفقراء والمساكين ﴾ هل هي للتمليك كقولنا : " المال لزيد " أو لبيان اختصاص الحكم بالثمانية كقوله تعالى :﴿ فطلقوهن لعدتهن ﴾١.
أي : الطلاق مختص بهذا الزمان، وقوله عليه السلام : " صوموا لرؤية الهلال " ٢ أي : وجوب الصوم مختص بهذا السبب، فليس في الآية على هذا تعريض لملك، وهذا هو الظاهر لما فيه من عدم المخالفة لظاهر اللفظ، ومن قال بالتمليك يلزمه مخالفة ظاهر اللفظ. ( نفسه : ٣/١٤٠-١٤١ )
٦٧٨- من لاحظ قبول النوع للملك قال : اللام للملك، ومن لاحظ عدم التعيين وعدم الحصر قال : تمليك غير المحصور، لا يتصور جعلها للاختصاص. ( شرح التنقيح : ١٠٤ )
٦٧٩- الصنف الأول : الفقير : في الجواهر : " هو الذي يملك اليسير لا يكفيه لعيشه " ٣ وفي الكتاب : " من له دار وخادم لا فضل في ثمنهما عن غيرهما فيعطى، وإلا فلا " ٤ قال سند : مذهب الكتاب : تراعى الحاجة دون قدر النصاب من غير العين، فإن من ملك نصابا من العين فهو غني تجب عليه الزكاة فلا يأخذها. والفرق أن الشرع حدد نصاب العين ولم يحدده من غيرها. وروي عنه المنع مع النصاب من غير العين إذا فضل عن قيمة المسكن. وروي جواز الأخذ مع النصاب للعين. وأما المستغني بقوته وصنعته فعلى مراعاة القوة لا يعطي شيئا، وقاله الشافعي. قال مالك وأبو حنيفة : يعطى لأنه ليس بغني، وإنما هو يقدر على شيء ما حصل إلى الآن. قال اللخمي : " وقال يحيى بن عمر٥ : لا يجزئ لقوله عليه السلام في أبي داود : " لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي " ٦.
والصحيح خمسة أقسام :
من له قوة صناعية تكفيه لا يعطى، لقيام الصنعة مقام المال.
ومن لا تكفيه يعطى تمام الكفاية.
ومن كسدت صنعته يعطى.
ومن ليس له صناعة ولا يجد في الموضع ما يتحرف به يعطى.
ومن وجد ما يتحرف لو تكلف ذلك، فهو موضع الخلاف.
ويؤكد المنع : إنما هي مواساة، فلا تحل للقادر على الكسب، كمواساة القرابة بطريقة الأولى لتأكيد القريب على الأجنبي.
وفي الجواهر : " لا تشترط الزمانة ولا التعفف عن السؤال، والمكفى بنفقة ابنه، والزوج لا يعطى " ٧.
الصنف الثاني : المسكين، قال سند : " المشهور أن المسكين أشد حاجة من الفقير " وقاله أبو حنيفة. وقال الشافعي وبعض أصحابنا : الفقير أشد لقوله تعالى :﴿ أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر ﴾٨ فجعل لهم سفينة، ولأن الفقير مأخوذة من فقار الظهر، إذا انكسرت، وذلك شأن الموت.
وقال ابن الجلاب : " هما سواء لمن له شيء لا يكفيه " ٩. فعلى هذا تكون الأصناف سبعة، وقاله ابن وهب : " الفقير المتعفف عن السؤال مع الحاجة، والمسكين الذي يسأل في الأبواب والطرق " لقوله عليه السلام في مسلم : " ليس المسكين هو الطواف " الحديث١٠.
لنا قوله تعالى :﴿ أو مسكينا ذا متربة ﴾١١ وهو الذي ألصق جلده بالتراب، ولقوله عليه السلام : " ليس المسكين هو الطواف على الناس، فترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، قالوا : فما المسكين يا رسول الله ؟ قال : الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس شيئا ".
وقول الشاعر١٢ :
أما الفقير الذي كانت حلوبته*** وفق العيال فلم يترك له سبد١٣
فجعل له حلوبا، قال الأخفش١٤ : " والفقير من قولهم : فقرت له فقرة من مالي أي : أعطيته ". فيكون الفقير من له قطعة من المال، والمسكين من السكون، ولو أخذ الفقير من الذي قالوه، فالذي سكن عن الحركة أقرب للموت منه.
وأما الآية : فالمراد بالمساكين : المقهورون، كقوله تعالى :﴿ ضربت عليهم الذلة والمسكنة ﴾١٥ وذلك لا ينافي الغنى، ومعنى الآية : " لا طاقة لهم بدفع الملك بدفع الملك عن غصب سفينتهم ". وورد على الثاني أن المراد بالمسكين في قوله : " ليس المسكين بهذا الطواف " أي المسكين الكامل المسكنة، ولا يلزم من نعته بصفة الكمال نفيه مطلقا. واللام تكون للكمال، قاله سيبويه " ١٦ وجعلها في " اسم الله تعالى له " ١٧. وعن البيت : أن الحلوبة لم يتمها له إلا في الزمن الماضي، لقوله : كانت في زمن سماه فقيرا، فلعله كان في ذلك الزمان يسمى غنيا.
الصنف الثالث : هو العامل، وفي الجواهر : " نحو : الساعي، والكاتب، والقاسم، وغيرهم. أما الإمام، والقاضي، والفقيه، والقارئ، فرزقهم من الخراج، والخمس، والعشر، وغير ذلك " ١٨. قال سند : " وروي عن مالك : من يسوقها ويرعاها، وهو شاذ " قال اللخمي : " ويجوز أن يكون العامل، لقوله عليه السلام في الموطأ : " لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة : لغاز في سبيل الله، أو العامل عليها أو الغارم، أو لرجل اشتراها بمال، أو لرجل له جار مسكين، فتصدق على المسكين، فأهدى المسكين للغني " ١٩. وأجاز أحمد بن نصر أن يكون من آل النبي عليه السلام، أو عبدا أو ذميا قياسا على الغني. والفرق : أنها أجرة له، فلا تنافي الغنى، وكونها أوساخ الناس ينافي آل البيت لنفاستهم، ولكونها قربة، تنافي الكفار والعبيد لخصاصتهم.
الصنف الرابع : المؤلفة قلوبهم، وفي الجواهر : " كانوا في صدر الإسلام يظهرون الإسلام، فيؤلفون بالعطاء لينكف غيرهم بانكفافهم ويسلم بإسلامهم وقد استغني الآن عنهم " ٢٠. قال عبد الوهاب : " فلا سهم لهم إلا أن تدعو حاجة إليهم. "
وقيل : هم صنف من الكفار يتألفون على الإسلام، لا يسلمون بالقهر.
وقيل : قوم إسلامهم ضعيف فيقوى بالعطاء.
وقيل : عظماء من ملوك الكفار أسلموا فيعطون ليتألفوا أتباعهم، لأن الجهاد يكون تارة بالسنان وتارة بالبيان وتارة بالإحسان، يفعل مع كل صنف ما يليق به " ٢١.
الصنف الخامس : فك الرقاب. في الجواهر : " يشتري الإمام الرقاب من الزكاة فيعتقها عن المسلمين، والولاء لجميعهم. قال ابن القاسم : ولا يجزي فيها إلا ما يجزي في الرقاب الواجبة، خلافا لابن حبيب في الأعمى والأعرج والمقعد.
وقال ابن وهب : هو فكاك المكاتبين٢٢ قال محمد : يعطي مكاتبة من زكاته ما لم يتم به عتقه، وفي قطاعة مدبره٢٣ ما يعتق به ؛ وهما لا يجزئان في الواجب.
فرع : قال : " لو اشترى من زكاته رقبة فأعتقها ليكون الولاء له النية لا يجزئه عند ابن القاسم لاستثنائه الولاء، خلافا لأشهب، محتجا بمن أمر عبده بذبح أضحيته فذبحها عن نفسه ؛ فإنها تجزئ عن الآمر، أو أمره بعتق عبده عن نفسه فأعتقه الوكيل عن نفسه ؛ فإن العتق عن الآمر، ولا يجزئ فك الأسير عند ابن القاسم خلافا لابن حبيب " ٢٤.
تمهيد قوله تعالى :﴿ وفي الرقاب ﴾ اجتمع فيه العرف الشرعي واللغة، أما العرف فلأنه تعالى أطلق الرقبة في الظهار والقتل ولم يرد بها إلا الرقيق الكامل الرق والذات، وأما اللغة، فإن الرقبة تصدق لغة على الأحرار والعبيد، ومن كمل رقه ومن نقص، فالمشهور قدم العرف الشرعي، وهو المشهور في أصول الفقه بأنه ناسخ للغة، ومن لاحظ اللغة لكونها الحقيقة، وغيرها مجازا أجاز المكاتب والمدبر والمعيب والأسير وعتق الإنسان عن نفسه، وإن كان الولاء له دون المسلمين، فإن حق المسلمين إنما يتعين في بيت المال. وكذلك سائر مصارف الزكاة لا يعم منها شيء للمسلمين، وقياسا على الرقاب في غير الزكاة، فإنه يجزئ، والولاء للمعتق. قال سند : " وجوز ابن حبيب عتق من بعضه حر تفريعا على المكاتبين ". قال اللخمي : " اختلف في خمسة : المعيب، وإعطاء المكاتب، وإعطاء الرجل مالا لتعتق عبده، والأسير، وعتق بعض عبد، فيبقى الباقي رقيقا، أو كان بعضه حرا، قال : وقول مالك وأصحابه إجزاء المعيب، ومن اشترى رقبة من زكاته وقال : هي حرة عن المسلمين ولا ولاء لي، فولاؤها للمسلمين وتجزئه، وإن قال : حر عني وولاؤه للمسلمين، قال ابن القاسم لا يجزئه وولاؤه له، وقال أشهب : يجزئه وولاؤه للمسلمين ".
الصنف السادس : الغارم : وهو من أدان في غير سفه ولا فساد، ولا يجد وفاء أو معهم أموال لا تفي ديونهم، فيعطون من الزكاة قضاء ديونهم وإن لم تكن لهم أموال فهم فقراء غارمون يعطون بالوصفين، وفي الدفع لمن ادّان في سفه ثم نزع عنه خلاف، وفي دينه لله تعالى كالكفارات والزكوات التي فرط فيها خلاف.
قال أبو الوليد : " ويجب أن يكون الغارم بحيث ينجبر حاله بأخذ الزكاة ويفسد بتركها بأن تكون له أصول يستغلها فيلجئه الدين إلى بيعها فيفسد حاله فيؤدي ذلك من الزكاة. وأما إن كان يتدين أموال الناس ليكون غارما فلا، لأن الدفع يديمه على عادته الردية، والمنع يردعه " ٢٥.
قال سند : " من تدان لفساد ثم حسنت حاله دفعت إليه ".
قال أبو الطاهر في نظائره : " وشروط الغارم أربعة : أن يكون عنده ما يقضي بها دينه، وأن يكون الدين لآدمي، وأن يكون مما يحسن فيه، وأن لا يكون استدانه في فساد ".
الصنف السابع : سبيل الله تعالى، وفي الجواهر : " هل الجهاد دون الحج " ٢٦ خلافا لابن حنبل. لنا قوله عليه السلام :" لا تحل الصداقة لغني إلا لخمسة : لغاز في سبيل الله... الحديث٢٧ " ولم يذكر الحج ؛ ولأن أخذ الزكاة إما لحاجته إليها كالفقير، أو لحاجتنا إليه كالعامل. والحاج لا يحتاج إليها لعدم الوجوب عليه حينئذ إن كان فقيرا، ولأنه عنده كفاية إن كان غنيا، نحتاج نحن إليه.
قال سند : " قال عيسى بن دينار٢٨ وأبو حنيفة : إن كان غنيا ببلده ومعه ما يغنيه في غزوه، فلا يأخذها، وافقنا الشافعي. " لنا : أن الآية مشتملة على الفقراء، فيكون سبيل الله تعالى غيرهم عملا بالعطف، ويؤكده الحديث المتقدم. قال ابن عبد الحكم : " ويشتري الإمام منها المساحي٢٩، والحبال، والمراكب، وكراء النواتية٣٠ للغزو، وكذلك الجواسيس وإن كانوا نصارى، ويبني منها حصن على المسلمين، ويصالح منها العدو ". وقال أبو الطاهر : " في ذلك قولان، والمشهور : المنع لأنهم فهموا من السبيل الجهاد نفسه ".
الصنف الثامن : ابن السبيل، وفي الجواهر : " وهو المنقطع به بغير بلده، المستديم السفر، وإن كان غنيا ببلده، ولا يلزمه التداين لاحتمال عجزه عن الأداء. وقيل : إن قدر على السلف لا يعطى، فإن كان معه ما يغنيه فلا يعطى لكونه ابن السبيل. أو يعطى : روايتان، والأول المشهور، وما أخذ لا يلزمه رده إذا صار لبدله لأخذه إياه باستحقاق، ولصرفه في وجوه الصدقة٣١.
قال سند : " إن كان مستمر السفر فلا خلاف، وإن أقام مدة ثم أراد الخروج أجاز مالك والشافعي الدفع له لأنه غريب يريد السفر قياسا على المستديم بجامع الحاجة ومنع أبو حنيفة، ومن اضطر إلى الخروج من بلده : زعم بعض المتأخرين الدفع له لما يسافر به، وإن كان ذاهبا إلى غير مستعيب، دفع له نفقة الرجوع. شبهه بابن السبيل، وإن لم يقع عليه، ومنع عبد الوهاب مطلقا، ولو احتاجت زوجة ابن السبيل التي خلفها النفقة، قال مالك : يعطى لها، وفي الكتاب : " الحاج ابن السبيل " ٣٢.
قال أبو الطاهر في نظائره : " شروط ابن السبيل ثلاثة : أن يكون سفره غير معصية، وأن يكون فقيرا في الموضع الذي هو فيه، وأن لا يجد من يسلفه ". ( الذخيرة : ٣/١٤٣ إلى ١٤٩ )
٦٨٠- في الجواهر : " يعطى ا
٢ - خرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الهلال فصوموا" وخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصوم، باب: وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، عن أبي هريرة..
٣ - الجواهر الثمينة: ١/٣٤٣..
٤ - المدونة: ١/٣٤٢ بتصرف..
٥ - هو يحيى بن عمر بن يوسف بن عامر الكتاني، وقيل: البلوي، أبو زكرياء، من مصنفاته: "فضل الوضوء والصلاة" (ت: ٢٨٩). ن: الديباج: ٤٣٢..
٦ - سنن أبي داود، كتاب: الزكاة، باب من يعطى من الصدقة وحد الغني. عن عبد الله بن عمرو بن العاص..
٧ - الجواهر الثمينة: ١/٣٤٣..
٨ - سورة الكهف: ٧٩..
٩ - التفريع: ١/٢٩٧..
١٠ - خرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى: ﴿لا يسألون الناس إلحافا﴾ وخرجه مسلم في كتاب الزكاة أيضا، باب: المسكين الذي لا يجد غنى ولا يفطن به فيتصدق عليه. والحديث مروي عن أبي هريرة..
١١ - سورة البلد: ١٦..
١٢ - البيت من قصيدة الراعي يمدح عبد الملك بن مروان، ويشكر إليه سعاته، ن: اللسان: ٥/٦٠..
١٣ - السبد: الوبر، وقيل: الشعر، والعرب تقول: ما له سبد ولا لبد أي: ما له ذو وبر ولا صوف متلبد، يكنى بها عن الإبل والغنم... وقال الأصمعي: ما له سبد ولا لبد أي: ما له قليل ولا كثير... ن: السان: ٣/٢٠٢..
١٤ - هو سعيد بن مسعدة المجاشعي بالولاء، البلخي، ثم البصري، أبو الحسن، المعروف بالأخفش، نحوي عالم باللغة والأدب (ت: ٢١٥ هج) من مصنفاته: "تفسير معاني القرآن" و"شرح أبيات المعاني". و"الاشتقاق" وغيرهما. ن: وفيات الأعيان: ١/٢٠٨. والأعلام: ٣/١٠٢. وانباه الرواة: ٢/٣٦..
١٥ - سورة البقرة: ٦١..
١٦ - قال سيبويه: "إن قلت: هذا عبد الله كل الرجل، أو: هذا أخوك كل الرجل" فليس في الحسن كالألف واللام، لأنك إنما أردت بهذا الكلام: هذا الرجل المبالغ في الكمال" ن: الكتاب: ٢/١٢..
١٧ - نفسه: ٢/١٩٥..
١٨ - الجواهر الثمينة: ١/٣٤٤ بتصرف..
١٩ - رواه مالك في الموطأ مرسلا، كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة ومن يجوز له أخذها، عن عطاء بن يسار..
٢٠ - الجواهر الثمينة: ١/٣٤٤ بتصرف..
٢١ - نفسه: ١/٣٤٤ بتصرف..
٢٢ - المكاتبون: جمع مكاتب، وهو العبد الذي يكاتبه سيده. والكتابة: عتق على مال مؤجل من العبد موقوف على أدائه. ن: الرصاع على حدود ابن عرفة: ٥٢٤..
٢٣ - المدبر: هو العتق من ثلث مالكه بعد موته بعتق لازم، نفسه: ٥٢٤..
٢٤ - الجواهر الثمينة: ١/٣٤٥ بتصرف..
٢٥ - المقدمات: ن: ملحق المدونة الكبرى: ٥/١٣٨..
٢٦ - الجواهر الثمينة: ١/٣٤٧.
٢٧ خرجه أبو داود في سننه: ٢/٢٨٨. وأحمد في مسنده: ٣/٥٦. ومالك في الموطإ: ١/٢٦٨..
٢٨ - هو عيسى بن دينار بن واقد الغافقي الأندلسي (ت: ٢١٢ هج)، تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي: ٢٦٢..
٢٩ - المساحي: جمع مسحاة، وهي المجرفة من الحديد... اللسان: ٢/٥٩٨..
٣٠ - النواتية: الملاحون في البحر، وهو من كلام أهل الشام، واحدهم: نوتي. اللسان: ٢/١٠١..
٣١ - الجواهر الثمينة: ١/٣٤٧. بتصرف..
٣٢ - المدونة: ١/٣٤٦..
وإن الذين حانت٢ بفلج٣ دماؤهم***هم القوم كل القوم يا أم خالد
ويحتمل أن يكون من باب التعبير بالمفرد عن الجمع كقوله تعالى :﴿ ثم يخرجكم طفلا ﴾٤ أي : أطفالا، لكن هذا النوع قليل، وحذف النون أكثر، والحمل على الأكثر أولى. ( العقد : ١/ ٤٧٢ )
٢ - الحين: الهلاك، ومعنى حانت دماؤهم: لم يؤخذ لهم بدية ولا قصاص. (نقلا عن محقق الكتاب ن ج: ١ هامش. ص: ٤٧٣)..
٣ - الفلج: النهر... ن: اللسان: ٢/٣٤٧. يقول د محمد بنصر: "والشاهد في البيت قوله: "وأن الذي "أصله: "وأن الذين" فحذف النون منه تخفيفا، والدليل على أنه أراد به الجميع قوله: "دماؤهم" ن: العقد: ١ هامش: ٤٧٣..
٤ - سورة فاطر: ٦٧..
٦٩٠- ليس في قوله تعالى :﴿ خذ من أموالهم ﴾ عموم، بل لفظ " صدقة " مطلق يكفي فيه فرد من أفراده. ( نفسه : ٢/١٣٤ )
٦٩١- سمي المأخوذ من المال زكاة وإن كان ينقص لأنه يزكو في نفسه من الله تعالى لقوله عليه السلام : " من تصدق بكسب طيب ولا يقبل الله إلا طيبا، كأنما يضعها في كف الرحمن يربيها له كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى تكون مثل الجبل " ١ أو لأنه يزكي المال، فحذف من صفته، لما في أبي داود٢، قال عليه السلام : " ما فرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم " فإذا لم يخرج كان خبيثا، ولذلك سميت أوساخ الناس، وفي ذاته بالبركة. أو لأنه يزكي المأخوذ منه في صفته لقوله تعالى :﴿ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ﴾ والمال المصروف للدار الآخرة، فإنه يضاف إليهن فيزيد فيه لقوله تعالى :﴿ ما عندكم ينفد وما عند الله باق ﴾٣ وكان بعض السلف يقول للسائل : " مرحبا بمن يوفر مالنا لدارنا " أو لأنه يؤخذ من الأموال التامة الزاكية بذاتها، كالحرث والماشية، أو بغيرها كالنقدين : فالأول من مجاز التشبيه، والثاني من مجاز إعطاء المسبب المادي، والثالث من مجاز إعطاء المسبب حكم السبب الغامض، والرابع من مجاز التشبيه إن جعلنا الزيادة حقيقة في الأجسام دون المعاني وإلا فهو حقيقة، والخامس من مجاز إعطاء المسبب حكم السبب قال في الجواهر : " من الزكاة معروف المال، فعلى هذا هي حقيقة، ويكون اللفظ يشترك بين الزيادة والمعروف، وتسمى صدقة في قوله تعالى :﴿ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ﴾ من التصديق " ٤. ( نفسه : ٣/٥-٦ )
٦٩٢- قال الشيخ سيف الدين٥ رحمه الله : " اختلف العلماء في عموم قوله تعالى :﴿ خذ من أموالهم صدقة ﴾ هل يقتضي أخذ الصدقة من كل نوع من أنواع ما كل مالك أو أخذ صدقة واحدة من نوع واحد ؟.
قال : بالأول : الأكثرون.
وقال : بالثاني : الكرخي. ٦
حجة الأولين : أن الله تعالى أضاف الصدقة على جميع الأموال، والجمع المضاف إليه من صيغ العموم فتتعدد الصدقة بتعدد الأموال.
حجة الثاني : أن الصدقة نكرة في سياق الإثبات، فيصدق بأخذ صدقة واحدة من مال واحد لا سيما أن اللفظ " من " يقتضي التبعيض، ويصدق على أنه أخذ من بعض الأموال " ٧.
قلت : أما النكرة في سياق الإثبات لا تعم فمتجه، وأما أن " من " للتبعيض، وإن ذلك يصدق بفرد لأنه بعض فمتجه أيضا كما لو قال تعالى : " اقتلوا من المشركين رجلا " خرجنا من العهدة بقتل رجل واحد، فيظهر أن ما قاله الكرخي هو الصواب.
غير أن هاهنا بحثا، وهو : إن " من " المبعضة : هل تبعيضها في الأموال فيصدق ما قاله الكرخي ؟ أو في كل مال فيصدق ما قاله الأكثرون ؟.
فإذا أخرجنا من بعض الأموال صدقة وتركنا الباقي من الأموال صدق التبعيض أيضا، فالتبعيض صادق بطريقين، والأول هو الظاهر، من حيث القرينة الحالية، فإن الله تعالى لم يرد بعض الناس بالصدقة دون بعض، واللفظ أيضا يعضده، فأن التقدير : " خذ صدقة كائنة من أموالهم " فلو أخذت من بعض الأموال لم تكن كائنة في أموالهم، بل من بعض أموالهم وهو خصوص مع اللفظ عام وهذا المجرور في موضع نصب على الحال من صدقة لأنه نعت، والنكرة تقدم عليها، فلا بد أن تكون كائنة من كل مال حتى لا يبقى مال، وهذا هو شأن العموم.
وبهذا التقرير يظهر أن الصواب ما عليه الجمهور، ويظهر أيضا الفرق بين الآية وبين قولنا : " اقتلوا من المشركين رجلا " فإنه يصدق برجل واحد، ولا يعم أن الرجل الواحد يتعذر أن يكون بعضا من كل مشترك، والصدقة لا تتعذر أن تكون بعضا من كل مال، وهو فرق ظاهر. ( العقد المنظوم : ٢/١٠٥ إلى ١٠٧ )
٢ - باب: حقوق المال، من كتاب الزكاة، عن ابن عباس مرفوعا. وأخرجه الحاكم في مستدركه: ٤/٣٣٣..
٣ - سورة النحل: ٩٦..
٤ - لم أعثر على هذا النص في الجواهر..
٥ - هو الإمام أبو الحسن علي بن أبي علي محمد بن سالم الآمدي (ت: ٦٣١ هج) من مصنفاته: "الإحكام في أصول الأحكام" و"منتهى السول في الأصول" وغيرهما. ن: البداية والنهاية: ١٣/١٤٠. حسن المحاضرة: ١/٢٥٩. الشذرات: ٥/١٤٤..
٦ - هو أبو الحسين عبيد الله بن الحسن بن دلال بن أدهم الكرخي الحنفي (ت: ٣٤٠ هج). ن: الأعلام: ١٥/٤٢٨. البداية والنهاية: ١١/٢٢٤..
٧ - ن: الإحكام للآمدي: ١/٢٩٧-٢٩٨. بتصرف..