تفسير سورة سورة التوبة من كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن
المعروف بـفتح البيان
.
لمؤلفه
صديق حسن خان
.
المتوفي سنة 1307 هـ
سورة براءة ( التوبة )
هي مائة وثلاثون آية، وقيل مائة وسبع وعشرون آية، ولها أسماء منها التوبة لأن فيها ذكر التوبة على المؤمنين، وعن حذيفة إنكم تسمونها سورة التوبة وهي سورة العذاب أه تسمى الفاضحة لأنه ما زال ينزل فيها ﴿ ومنهم ومنهم ﴾ حتى كادت أن لا تدع أحدا. وتسمى البحوث لأنها تبحث عن أسرار المنافقين وتسمى المبعثرة والبعثرة البحث، وتسمى أيضا بأسماء أخر كالمقشقشة لأنها تقشقش من النفاق أي تبرئ منه، والمخزية لكونها أخزت المنافقين والمثيرة لأنها تثير أسرارهم، والحافرة لكونها تحفر عنها، والمنكلة لما فيها من التنكيل لهم والمدمدمة لأنها تدمدم عليهم أي تهلكهم، قال الخفاجي : وأسماؤها كلها بصيغة الفاعل إلا البحوث بفتح الباء فإنه صيغة مبالغة بمعنى اسم الفاعل أ ه.
قلت : وإلا البراءة والتوبة وسورة العذاب، وهي مدنية، قال القرطبي : باتفاق وعن ابن الزبير وقتادة نحوه، وعن البراء قال : آخر سورة نزلت تامة براءة، رواه البخاري.
وقد اختلف العلماء في سبب سقوط البسملة من أولها على أقوال منها ما روي عن المبرد وغيره أنه كان من شأن العرب إذا كان بينهم وبين قوم عهد فإذا أرادوا نقضه كتبوا إليهم كتابا ولم يكتبوا فيه بسملة، فلما نزلت براءة ينقض العهد الذي كان بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمشركين بعث بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب فقرأها عليهم ولم يبسمل في ذلك على ما جرت به عادة العرب في نقض العهد من ترك التسمية.
وعن علي قال : البسملة أمان، وبراءة نزلت بالسيف، أشار إلى وجه ترك كتابة البسملة في هذه السورة والتلفظ بها دون غيرها، قال الخفاجي : وللسلف فيه أقوال ثلاثة أصحها هذا اه.
قلت : وروي نحوه عن سفيان بن عيينة، وروي عن مالك بن أنس وابن عجلان وابن جبير أنها كانت تعدل سورة البقرة أو قريبا منها وأنه لما سقط أولها سقطت البسملة.
ومن جملة الأقوال في سقوطها أنهم لما كتبوا المصحف في خلافة عثمان اختلفت الصحابة، فقال بعضهم براءة والأنفال سورة واحدة، وقال بعضهم هما سورتان وتركت البسملة لقول من قال هما سورة واحدة فرضي الفريقان معا، قاله خارجة وأبو عصمة وغيرهما وقول من جعلهما سورة واحدة أظهر لأنهما جميعا نزلتا في القتال ومجموعهما مائتان وخمس آيات ويعدان جميعا سابعة السبع الطوال.
ومنها ما قال السيوطي : أنه لم تكتب فيها البسملة لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر بذلك كما يؤخذ من حديث رواه الحاكم. اه.
وعن عثمان : قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يبين لنا أنها منها فظننت أنها منها فمن ثم قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم، أخرجه الترمذي وحسنه.
والصحيح أنها لم تكتب لأن جبريل ما نزل بها في هذه السورة، قاله القشيري قال أبو السعود : واشتهارها بهذه الأسماء يقضي بأنها سورة مستقلة وليست بعضا من سورة الأنفال، وادعاء اختصاص الإشهار بالقائلين باستقلالها خلاف الظاهر فيكون حكمة ترك التسمية عند النزول نزولها في رفع الأمان الذي يأبى مقامه التصدير بما يشعر ببقائه من ذكر اسمه تعالى مشفوعا بوصف الرحمة، كما روي عن ابن عيينة رضي الله عنه : لا الاشتباه في استقلالها وعدمه، كما يحكى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ولا رعاية ما وقع بين الصحابة رضي الله عنهم من الاختلاف في ذلك.
على أن ذلك ينزع إلى القول بأن التسمية ليست من القرآن، وإنما كتبت للفصل بين السور كما نقل عن قدماء الحنفية، وإن مناط إثباتها في المصاحف، وتركها إنما هو رأي من تصدى لجمع القرآن دون التوقيف، ولا ريب في أن الصحيح من المذهب أنها آية فذة من القرآن أنزلت للفصل والتبرك بها، وأن لا مدخل لرأي أحد في الإثبات والترك، وإنما المتبع في ذلك هو الوحي والتوقيف ولا مرية في عدم نزولها ههنا، وإلا لامتنع أن يقع في الاستقلال اشتباه أو اختلاف فهو إما لاتحاد السورتين أو لما ذكرنا، لا سبيل إلى الأول وإلا لبينه عليه الصلاة والسلام لتحقق مزيد الحاجة إلى البيان لتعاضد أدلة الاستقلال من كثرة الآيات وطول المدة فيما بين نزولها فحيث لم يبينه عليه الصلاة والسلام تعين الثاني لأن عدم البيان من الشارع في موضع البيان بيان للعدم.
هي مائة وثلاثون آية، وقيل مائة وسبع وعشرون آية، ولها أسماء منها التوبة لأن فيها ذكر التوبة على المؤمنين، وعن حذيفة إنكم تسمونها سورة التوبة وهي سورة العذاب أه تسمى الفاضحة لأنه ما زال ينزل فيها ﴿ ومنهم ومنهم ﴾ حتى كادت أن لا تدع أحدا. وتسمى البحوث لأنها تبحث عن أسرار المنافقين وتسمى المبعثرة والبعثرة البحث، وتسمى أيضا بأسماء أخر كالمقشقشة لأنها تقشقش من النفاق أي تبرئ منه، والمخزية لكونها أخزت المنافقين والمثيرة لأنها تثير أسرارهم، والحافرة لكونها تحفر عنها، والمنكلة لما فيها من التنكيل لهم والمدمدمة لأنها تدمدم عليهم أي تهلكهم، قال الخفاجي : وأسماؤها كلها بصيغة الفاعل إلا البحوث بفتح الباء فإنه صيغة مبالغة بمعنى اسم الفاعل أ ه.
قلت : وإلا البراءة والتوبة وسورة العذاب، وهي مدنية، قال القرطبي : باتفاق وعن ابن الزبير وقتادة نحوه، وعن البراء قال : آخر سورة نزلت تامة براءة، رواه البخاري.
وقد اختلف العلماء في سبب سقوط البسملة من أولها على أقوال منها ما روي عن المبرد وغيره أنه كان من شأن العرب إذا كان بينهم وبين قوم عهد فإذا أرادوا نقضه كتبوا إليهم كتابا ولم يكتبوا فيه بسملة، فلما نزلت براءة ينقض العهد الذي كان بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمشركين بعث بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب فقرأها عليهم ولم يبسمل في ذلك على ما جرت به عادة العرب في نقض العهد من ترك التسمية.
وعن علي قال : البسملة أمان، وبراءة نزلت بالسيف، أشار إلى وجه ترك كتابة البسملة في هذه السورة والتلفظ بها دون غيرها، قال الخفاجي : وللسلف فيه أقوال ثلاثة أصحها هذا اه.
قلت : وروي نحوه عن سفيان بن عيينة، وروي عن مالك بن أنس وابن عجلان وابن جبير أنها كانت تعدل سورة البقرة أو قريبا منها وأنه لما سقط أولها سقطت البسملة.
ومن جملة الأقوال في سقوطها أنهم لما كتبوا المصحف في خلافة عثمان اختلفت الصحابة، فقال بعضهم براءة والأنفال سورة واحدة، وقال بعضهم هما سورتان وتركت البسملة لقول من قال هما سورة واحدة فرضي الفريقان معا، قاله خارجة وأبو عصمة وغيرهما وقول من جعلهما سورة واحدة أظهر لأنهما جميعا نزلتا في القتال ومجموعهما مائتان وخمس آيات ويعدان جميعا سابعة السبع الطوال.
ومنها ما قال السيوطي : أنه لم تكتب فيها البسملة لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر بذلك كما يؤخذ من حديث رواه الحاكم. اه.
وعن عثمان : قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يبين لنا أنها منها فظننت أنها منها فمن ثم قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم، أخرجه الترمذي وحسنه.
والصحيح أنها لم تكتب لأن جبريل ما نزل بها في هذه السورة، قاله القشيري قال أبو السعود : واشتهارها بهذه الأسماء يقضي بأنها سورة مستقلة وليست بعضا من سورة الأنفال، وادعاء اختصاص الإشهار بالقائلين باستقلالها خلاف الظاهر فيكون حكمة ترك التسمية عند النزول نزولها في رفع الأمان الذي يأبى مقامه التصدير بما يشعر ببقائه من ذكر اسمه تعالى مشفوعا بوصف الرحمة، كما روي عن ابن عيينة رضي الله عنه : لا الاشتباه في استقلالها وعدمه، كما يحكى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ولا رعاية ما وقع بين الصحابة رضي الله عنهم من الاختلاف في ذلك.
على أن ذلك ينزع إلى القول بأن التسمية ليست من القرآن، وإنما كتبت للفصل بين السور كما نقل عن قدماء الحنفية، وإن مناط إثباتها في المصاحف، وتركها إنما هو رأي من تصدى لجمع القرآن دون التوقيف، ولا ريب في أن الصحيح من المذهب أنها آية فذة من القرآن أنزلت للفصل والتبرك بها، وأن لا مدخل لرأي أحد في الإثبات والترك، وإنما المتبع في ذلك هو الوحي والتوقيف ولا مرية في عدم نزولها ههنا، وإلا لامتنع أن يقع في الاستقلال اشتباه أو اختلاف فهو إما لاتحاد السورتين أو لما ذكرنا، لا سبيل إلى الأول وإلا لبينه عليه الصلاة والسلام لتحقق مزيد الحاجة إلى البيان لتعاضد أدلة الاستقلال من كثرة الآيات وطول المدة فيما بين نزولها فحيث لم يبينه عليه الصلاة والسلام تعين الثاني لأن عدم البيان من الشارع في موضع البيان بيان للعدم.
(براءة) أي هذه براءة وتنوينه للتفخيم، وقرئ بالنصب أي اسمعوا براءة قاله عيسى بن عمر، يقال: برئت من الشيء ابرأ براءة وأنا منه بريء إذا أزلته عن نفسك وقطعت سبب ما بينك وبينه، وقيل معناها هنا التباعد مما تكره مجاورته (من الله ورسوله) من ابتدائية أي هذه براءة مبتدأة من جهة الله تعالى ورسوله واصلة (إلى الذين عاهدتم من المشركين) عهداً مطلقاً أو دون أربعة أشهر أو فوقها، والعهد العقد الموثق باليمين، والخطاب للمسلمين ومن بيان للموصول وقد عاهدوا مشركي مكة وغيرهم بإذن من الله واتفاق من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
والمعنى الإخبار للمسلمين بأن الله ورسوله قد برئا من تلك المعاهدة بسبب ما وقع من الكفار من النقض فصار النبذ إليهم بعهدهم واجباً على المعاهدين من المسلمين ومعنى براءة الله سبحانه وقوع الإذن منه سبحانه بالنبذ من المسلمين لعهد المشركين بعد وقوع النقض منهم، وفي ذلك من التفخيم لشأن البراءة والتهويل لها والتسجيل على المشركين بالذل والهوان ما لا يخفى.
والمعنى الإخبار للمسلمين بأن الله ورسوله قد برئا من تلك المعاهدة بسبب ما وقع من الكفار من النقض فصار النبذ إليهم بعهدهم واجباً على المعاهدين من المسلمين ومعنى براءة الله سبحانه وقوع الإذن منه سبحانه بالنبذ من المسلمين لعهد المشركين بعد وقوع النقض منهم، وفي ذلك من التفخيم لشأن البراءة والتهويل لها والتسجيل على المشركين بالذل والهوان ما لا يخفى.
(فسيحوا) أيها المشركون (في الأرض أربعة أشهر) أمر إباحة منه سبحانه بالسياحة بعد الإخبار بتلك البراءة والسياحة السير، يقال ساح فلان في الأرض يسيح سيحاً وسياحة وسيوحاً وسيحاناً، ومنه سيح الخيل.
قال أبو السعود: السياحة والسيح الذهاب في الأرض والسير فيها بسهولة على مقتضى المشية كسيح الماء على موجب الطبيعة، ففيه من الدلالة على كمال التوسعة والترفيه ما ليس في سيروا ونظائره، وزيادة قوله: (في الأرض) لقصد التعميم لأقطارها من دار الإسلام وغيرها انتهى.
قال أبو السعود: السياحة والسيح الذهاب في الأرض والسير فيها بسهولة على مقتضى المشية كسيح الماء على موجب الطبيعة، ففيه من الدلالة على كمال التوسعة والترفيه ما ليس في سيروا ونظائره، وزيادة قوله: (في الأرض) لقصد التعميم لأقطارها من دار الإسلام وغيرها انتهى.
229
ومعنى الآية أن الله سبحانه بعد أن أذن بالنبذ إلى المشركين بعهدهم أباح للمشركين الضرب في الأرض والذهاب إلى حيث يريدون والاستعداد للحرب هذه الأربعة الأشهر، وليس المراد من الأمر بالسياحة تكليفهم بها، وهذا القول كناية عن عقد الأمان لهم أربعة أشهر بعد نقضهم العهد بصوره الثلاث، وإنما اقتصر على الأربعة لقوة المسلمين إذ ذاك بخلاف صلح الحديبية فإنه كان على عشر سنين لضعف المسلمين إذ ذاك.
قال محمد بن إسحاق وغيرهما: إن المشركين صنفان صنف كانت مدة عهده أقل من أربعة أشهر، فأمهل تمام أربعة أشهر، والآخر كانت مدته أكثر من ذلك فقصر على أربعة أشهر ليرتاد لنفسه وهو حرب بعد ذلك لله ولرسوله وللمؤمنين يُقتل حيث يوجد إلا أن يتوب ويرجع إلى الإيمان.
وابتداء هذا الأجل يوم الحج الأكبر وانقضاؤه إلى عشر من ربيع الآخر، فأما من لم يكن له عهد فإنما أجله انسلاخ الأشهر الحرم وذلك خمسون يوماً عشرون من ذي الحجة وشهر محرم.
وقال الكلبى: إنما كانت الأربعة الأشهر لمن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عهد دون أربعة أشهر فتتم له الأربعة ومن كان عهده أكثر من ذلك فهو الذي أمر الله أن يتم له عهده بقوله: (فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم) كما سيأتي، ورجح هذا ابن جرير وغيره.
وعن الزهري قال: نزلت في شوال فهي أربعة أشهر شوال وذو القعدة وذو الحجة ومحرم، والقول الأول أصوب وعليه الأكثرون، وفي الباب أقوال.
وقيل المقصود من هذا التأجيل أن يتفكروا ويحتاطوا لأنفسهم ويعلموا أنه ليس لهم بعد هذه المدة إلا الإسلام أو القتل، فيصير هذا داعياً لهم إلى
قال محمد بن إسحاق وغيرهما: إن المشركين صنفان صنف كانت مدة عهده أقل من أربعة أشهر، فأمهل تمام أربعة أشهر، والآخر كانت مدته أكثر من ذلك فقصر على أربعة أشهر ليرتاد لنفسه وهو حرب بعد ذلك لله ولرسوله وللمؤمنين يُقتل حيث يوجد إلا أن يتوب ويرجع إلى الإيمان.
وابتداء هذا الأجل يوم الحج الأكبر وانقضاؤه إلى عشر من ربيع الآخر، فأما من لم يكن له عهد فإنما أجله انسلاخ الأشهر الحرم وذلك خمسون يوماً عشرون من ذي الحجة وشهر محرم.
وقال الكلبى: إنما كانت الأربعة الأشهر لمن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عهد دون أربعة أشهر فتتم له الأربعة ومن كان عهده أكثر من ذلك فهو الذي أمر الله أن يتم له عهده بقوله: (فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم) كما سيأتي، ورجح هذا ابن جرير وغيره.
وعن الزهري قال: نزلت في شوال فهي أربعة أشهر شوال وذو القعدة وذو الحجة ومحرم، والقول الأول أصوب وعليه الأكثرون، وفي الباب أقوال.
وقيل المقصود من هذا التأجيل أن يتفكروا ويحتاطوا لأنفسهم ويعلموا أنه ليس لهم بعد هذه المدة إلا الإسلام أو القتل، فيصير هذا داعياً لهم إلى
230
الدخول في الإسلام ولئلا ينسب المسلمون إلى الغدر ونكث العهد، وقال ابن الأنباري: التقدير قل لهم فسيحوا، وليس هذا من باب الأمر بل المقصود منه الإباحة والإطلاق والإعلام بحصول الأمان وزوال الخوف يعني سيحوا في الأرض وأنتم آمنون من القتل والقتال.
وقد توهم بعضهم أن بعث علي بن أبي طالب بقراءة أول براءة عزل أبي بكر عن الإمارة، وذلك جهل من هذا المتوهم والبحث مستوفى في موطنه.
(واعلموا أنكم غير معجزي الله) أي اعلموا أن هذا الإمهال ليس لعجز ولكن لمصلحة ليثوب من تاب، وفي ذلك ضرب من التهديد كأنه قيل افعلوا في هذه المدة كلما أمكنكم من إعداد الآلات والأدوات فغنكم لا تفوتون الله ولا تغتروا بعقد الأمان لكم (وإن الله مخزي الكافرين) أي وهو مخزيكم ومذلكم ومهينكم في الدنيا بالقتل والأسر، وفي الآخرة بالعذاب والنار، وفي وضع الظاهر موضع المضمر إشارة إلى أن سبب هذا الإخزاء هو الكفر، ويجوز أن يكون المراد جنس الكافرين فيدخل فيه المخاطبون دخولاً أولياً.
وأخرج الترمذي وحسنه وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس: أن رسول الله - ﷺ - بعث أبا بكر وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات، ثم أتبعه علياً وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات فانطلقا وحجا فقام علي في أيام التشريق فنادى أن الله بريء من المشركين ورسوله فسيحوا في الأرض أربعة أشهر، ولا يحجن بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان ولا يدخل الجنة إلا مؤمن، فكان علي ينادي، فإذا أعيا قام أبو بكر ينادي بها (١) وفي الباب أحاديث في الصحيحين وغيرهما بألفاظ.
_________
(١) المستدرك كتاب المغازي ٣/ ٥٢.
وقد توهم بعضهم أن بعث علي بن أبي طالب بقراءة أول براءة عزل أبي بكر عن الإمارة، وذلك جهل من هذا المتوهم والبحث مستوفى في موطنه.
(واعلموا أنكم غير معجزي الله) أي اعلموا أن هذا الإمهال ليس لعجز ولكن لمصلحة ليثوب من تاب، وفي ذلك ضرب من التهديد كأنه قيل افعلوا في هذه المدة كلما أمكنكم من إعداد الآلات والأدوات فغنكم لا تفوتون الله ولا تغتروا بعقد الأمان لكم (وإن الله مخزي الكافرين) أي وهو مخزيكم ومذلكم ومهينكم في الدنيا بالقتل والأسر، وفي الآخرة بالعذاب والنار، وفي وضع الظاهر موضع المضمر إشارة إلى أن سبب هذا الإخزاء هو الكفر، ويجوز أن يكون المراد جنس الكافرين فيدخل فيه المخاطبون دخولاً أولياً.
وأخرج الترمذي وحسنه وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس: أن رسول الله - ﷺ - بعث أبا بكر وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات، ثم أتبعه علياً وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات فانطلقا وحجا فقام علي في أيام التشريق فنادى أن الله بريء من المشركين ورسوله فسيحوا في الأرض أربعة أشهر، ولا يحجن بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان ولا يدخل الجنة إلا مؤمن، فكان علي ينادي، فإذا أعيا قام أبو بكر ينادي بها (١) وفي الباب أحاديث في الصحيحين وغيرهما بألفاظ.
_________
(١) المستدرك كتاب المغازي ٣/ ٥٢.
231
وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣) إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
232
(وأذان من الله ورسوله) الأذان بمعنى الإيذان وهو الإعلام كما أن الأمان والعطاء بمعنى الإيمان والإعطاء، ومعنى (إلى الناس) التعميم في هذا أي إنه إيذان من الله إلى كافة الناس غير مختص بقوم دون قوم، فهذه الجملة متضمنة للإخبار بوجوب الإعلام لجميع الناس، والجملة الأولى متضمنة للإخبار بالبراءة إلى المعاهدين خاصة.
(يوم الحج الأكبر) ظرف لقوله وأذان ووصفه بالأكبر لأنه يجتمع فيه الناس أو لكون معظم أفعال الحج فيه أو احترازاً عن العمرة فهي الحج الأصغر، لأن أعمالها أقل من أعمال الحج إذ يزيد عليها بأمور كالرمي والمبيت، فكان أكبر بهذا الاعتبار، وسمي يوم الحج لأن أعمال الحج يتم فيه معظمها.
وقد اختلف العلماء في تعيين هذا اليوم المذكور في الآية فذهب جمع منهم علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن أبي أوفى والمغيرة بن شعبة ومجاهد إلى أنه يوم النحر، ورجحه ابن جرير، وذهب آخرون منهم عمر وابن عباس وطاووس إلى أنه يوم عرفة والأول أرجح لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر من بعثه لإبلاغ هذا إلى المشركين أن يبلغهم يوم النحر.
وأخرج الترمذي وابن النذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن علي قال:
(يوم الحج الأكبر) ظرف لقوله وأذان ووصفه بالأكبر لأنه يجتمع فيه الناس أو لكون معظم أفعال الحج فيه أو احترازاً عن العمرة فهي الحج الأصغر، لأن أعمالها أقل من أعمال الحج إذ يزيد عليها بأمور كالرمي والمبيت، فكان أكبر بهذا الاعتبار، وسمي يوم الحج لأن أعمال الحج يتم فيه معظمها.
وقد اختلف العلماء في تعيين هذا اليوم المذكور في الآية فذهب جمع منهم علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن أبي أوفى والمغيرة بن شعبة ومجاهد إلى أنه يوم النحر، ورجحه ابن جرير، وذهب آخرون منهم عمر وابن عباس وطاووس إلى أنه يوم عرفة والأول أرجح لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر من بعثه لإبلاغ هذا إلى المشركين أن يبلغهم يوم النحر.
وأخرج الترمذي وابن النذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن علي قال:
232
سألت رسول الله ﷺ عن يوم الحج الأكبر فقال يوم النحر (١). وأخرج أبو داود والنسائي والحاكم وصححه عن عبد الله بن قرط قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر " (٢) وعن أبي أوفى عن النبي ﷺ أنه قال: " يوم الأضحى، هذا يوم الحج الأكبر " (٣). أخرجه ابن مردويه.
وعن ابن عمر أن رسول الله - ﷺ - وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فقال: " أي يوم هذا؟ " قالوا يوم النحر، قال: " هذا يوم الحج الأكبر ". أخرجه البخاري وأبو داود وابن ماجة وغيرهم (٤).
ولا يخفاك أن الأحاديث الواردة في كون يوم النحر هو يوم الحج الأكبر هي ثابتة في الصحيحين وغيرهما من طرق فلا تقوى لمعارضتها هذه الروايات المصرحة بأنه يوم عرفة، وقيل أيام منى كلها، وبه قال مجاهد وسفيان الثوري هو يوم النحر، وقيل اليوم الذي حج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه قال ابن سيرين والأول أولى، وقيل القرآن. قاله مجاهد.
(إن الله بريء من المشركين ورسوله) أي بأن الله بريء ورسوله بريء منهم، وقرئ ورسوله بالجر على أن الواو للقسم وهي ضعيفة جداً، وقرئ شاذاً أيضاً بالنصب على أنه مفعول معه، قاله الزمخشري، والرفع قراءة الجمهور باتفاق السبعة.
(فإن تبتم) من الكفر، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب، وقيل
_________
(١) الترمذي كتاب التفسير ٩/ ٤.
(٢) المستدرك كتاب الأضاحي ٤/ ٢٢١.
(٣) أبو داوود كتاب المناسك باب ٧١.
(٤) أبو داوود كتاب المناسك باب ٦٦.
وعن ابن عمر أن رسول الله - ﷺ - وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فقال: " أي يوم هذا؟ " قالوا يوم النحر، قال: " هذا يوم الحج الأكبر ". أخرجه البخاري وأبو داود وابن ماجة وغيرهم (٤).
ولا يخفاك أن الأحاديث الواردة في كون يوم النحر هو يوم الحج الأكبر هي ثابتة في الصحيحين وغيرهما من طرق فلا تقوى لمعارضتها هذه الروايات المصرحة بأنه يوم عرفة، وقيل أيام منى كلها، وبه قال مجاهد وسفيان الثوري هو يوم النحر، وقيل اليوم الذي حج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه قال ابن سيرين والأول أولى، وقيل القرآن. قاله مجاهد.
(إن الله بريء من المشركين ورسوله) أي بأن الله بريء ورسوله بريء منهم، وقرئ ورسوله بالجر على أن الواو للقسم وهي ضعيفة جداً، وقرئ شاذاً أيضاً بالنصب على أنه مفعول معه، قاله الزمخشري، والرفع قراءة الجمهور باتفاق السبعة.
(فإن تبتم) من الكفر، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب، وقيل
_________
(١) الترمذي كتاب التفسير ٩/ ٤.
(٢) المستدرك كتاب الأضاحي ٤/ ٢٢١.
(٣) أبو داوود كتاب المناسك باب ٧١.
(٤) أبو داوود كتاب المناسك باب ٦٦.
233
فائدة هذا الالتفات زيادة التهديد (فهو) أي المتاب أو التوب أو التوبة (خير لكم) أي: أخير وأحسن من بقائكم على الكفر الذي هو خير في زعمكم، أو التفضيل ليس على بابه، والمعنى: هو خير لا شر، وفيه ترغيب في التوبة والإقلاع عن الشرك الموجب لدخول النار.
(وإن توليتم) أي أعرضتم عن التوبة وبقيتم على الكفر (فاعلموا أنكم غير معجزي الله) أي غير فائتين عليه، بل هو مدرككم فمجازيكم بأعمالكم، وفيه وعيد عظيم وتهديد شديد (وبشر الذين كفروا بعذاب أليم) عبر عن الإخبار بالبشارة تهكماً بهم وفيه من التهديد ما لا يخفى.
(وإن توليتم) أي أعرضتم عن التوبة وبقيتم على الكفر (فاعلموا أنكم غير معجزي الله) أي غير فائتين عليه، بل هو مدرككم فمجازيكم بأعمالكم، وفيه وعيد عظيم وتهديد شديد (وبشر الذين كفروا بعذاب أليم) عبر عن الإخبار بالبشارة تهكماً بهم وفيه من التهديد ما لا يخفى.
234
(إلا الذين عاهدتم من المشركين) قال ابن عباس: هم قريش، وقال قتادة: هم مشركو قريش الذين عاهدهم نبي الله زمن الحديبية، وقيل هم بنو ضمرة حي من كنانة، وعن محمد بن عبادة هم بنو جذيمة بن عامر من بني بكر ابن كنانة.
قال أبو السعود (إلا الذين) الخ استدراك من النبذ السابق الذي أخر فيه القتال أربعة أشهر، كأنه قيل لا تمهلوا الناكثين فوق أربعة أشهر، لكن الذين عاهدتموهم ثم لم ينكثوا عهدهم فلا تجروهم مجرى الناكثين في المسارعة إلى قتالهم بل أتموا إليهم عهدهم، ولا يضر في ذلك تخلل الفاصل بقوله تعالى: (وأذان من الله ورسوله) الخ لأنه ليس بأجنبي بالكلية، بل هو أمر بإعلام تلك البراءة، كأنه قيل وأعلموها.
وقيل هو استثناء متصل من المشركين الأول، ويرده بقاء الثاني على العموم مع كونهما عبارة عن فريق واحد، وجعله استثناء من الثاني يأباه بقاء الأول كذلك، وقيل هو استدراك من المقدر في (فسيحوا) أي قولوا لهم سيحوا أربعة أشهر لكن الذين عاهدتم منهم.
قال أبو السعود (إلا الذين) الخ استدراك من النبذ السابق الذي أخر فيه القتال أربعة أشهر، كأنه قيل لا تمهلوا الناكثين فوق أربعة أشهر، لكن الذين عاهدتموهم ثم لم ينكثوا عهدهم فلا تجروهم مجرى الناكثين في المسارعة إلى قتالهم بل أتموا إليهم عهدهم، ولا يضر في ذلك تخلل الفاصل بقوله تعالى: (وأذان من الله ورسوله) الخ لأنه ليس بأجنبي بالكلية، بل هو أمر بإعلام تلك البراءة، كأنه قيل وأعلموها.
وقيل هو استثناء متصل من المشركين الأول، ويرده بقاء الثاني على العموم مع كونهما عبارة عن فريق واحد، وجعله استثناء من الثاني يأباه بقاء الأول كذلك، وقيل هو استدراك من المقدر في (فسيحوا) أي قولوا لهم سيحوا أربعة أشهر لكن الذين عاهدتم منهم.
234
(ثم لم ينقصوكم شيئاً) من شروط الميثاق ولم يقتلوا منكم أحداً ولم يضروكم قط أي لم يقع منهم أي نقص وإن كان يسيراً، وقرأ عكرمة وعطاء بن يسار بالضاد المعجمة أي لم ينقضوا عهدكم، وفيه دليل على أنه كان من أهل العهد من خاس بعهده ومنهم من ثبت عليه، فأذن الله سبحانه لنبيه - ﷺ - بنقض عهد من نقض، وبالوفاء لمن لم ينقض إلى مدته.
وقرأ الجمهور بالصاد المهملة، قال الكرماني: قراءة المعجمة مناسبة لذكر العهد فإن من نقض العهد فقد نقص من المدة إلا أن قراءة العامة أوقع لمقابلتها التمام، وكلمة ثم للدلالة على ثباتهم على عهدهم مع تمادي المدة.
(ولم يظاهروا) المظاهرة المعاونة أي لم يعاونوا (عليكم أحداً) من أعدائكم كما عدت بنو بكر على خزاعة في غيبة رسول الله ﷺ فظاهرتهم قريش بالسلاح (فأتموا إليهم عهدهم) أي أدوا إليهم عهدهم تاماً غير ناقص (إلى مدتهم) التي عاهدتموهم إليها وإن كانت أكثر من أربعة أشهر، ولا تعاملوهم معاملة الناكثين من القتال بعد مضي المدة المذكورة سابقاً وهي أربعة أشهر أو خمسون يوماً على الخلاف السابق.
(إن الله يحب المتقين) الذين يتقون الله فيما حرم عليهم فيوفون بالعهد، قال السدي: فلم يعاهد النبي ﷺ بعد هؤلاء الآيات أحداً.
وقرأ الجمهور بالصاد المهملة، قال الكرماني: قراءة المعجمة مناسبة لذكر العهد فإن من نقض العهد فقد نقص من المدة إلا أن قراءة العامة أوقع لمقابلتها التمام، وكلمة ثم للدلالة على ثباتهم على عهدهم مع تمادي المدة.
(ولم يظاهروا) المظاهرة المعاونة أي لم يعاونوا (عليكم أحداً) من أعدائكم كما عدت بنو بكر على خزاعة في غيبة رسول الله ﷺ فظاهرتهم قريش بالسلاح (فأتموا إليهم عهدهم) أي أدوا إليهم عهدهم تاماً غير ناقص (إلى مدتهم) التي عاهدتموهم إليها وإن كانت أكثر من أربعة أشهر، ولا تعاملوهم معاملة الناكثين من القتال بعد مضي المدة المذكورة سابقاً وهي أربعة أشهر أو خمسون يوماً على الخلاف السابق.
(إن الله يحب المتقين) الذين يتقون الله فيما حرم عليهم فيوفون بالعهد، قال السدي: فلم يعاهد النبي ﷺ بعد هؤلاء الآيات أحداً.
235
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
236
(فإذا انسلخ الأشهر الحرم) انسلاخ الشهر تكامله جزءاً فجزءاً إلى أن ينقضي كانسلاخ الجلد عما يحويه، شبه خروج المتزمن عن زمانه بانفصال المتمكن عن مكانه، وأصله الانسلاخ الواقع بين الحيوان وجلده فاستعير لانقضاء الأشهر، يقال سلخت المرأة درعها نزعته، وفي التنزيل (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار) قال الخفاجي: السلخ يستعمل تارة بمعنى الكشط، كسلخت الإهاب عن الشاة، أي نزعته عنها، وأخرى بمعنى الإخراج كسلخت الشاة عن الإهاب أي أخرجتها منه، فإطلاق الانسلاخ على الأشهر استعارة من المعنى الأول فإن الزمان ظرف محيط بالأشياء كالإهاب، والبيضاوي جعله من الثاني، كأنه لما انقضى أخرج من الأشياء الموجودة كذا قيل، ومثل انسلخ انجرد وسنة جرداء تامة اهـ.
واختلف العلماء في تعيين الأشهر الحرم المذكورة هاهنا، فقيل هي الأشهر الحرم المعروفة التي هي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب، ثلاثة سرد، وواحد فرد، ومعنى الآية على هذا وجوب الإمساك عن قتال من لا عهد له من المشركين في هذه الأشهر الحرم.
وقد وقع النداء والنبذ إلى المشركين بعهدهم يوم النحر، فكان الباقي من الأشهر الحرم التي هي الثلاثة المسرودة خمسين يوماً تنقضي بانقضاء شهر المحرم فأمرهم الله بقتل المشركين حيث يوجدون، وبه قال جماعة من أهل العلم منهم الضحاك والباقر، وروي عن ابن عباس واختاره ابن جرير.
وقيل المراد بها شهور العهد المشار إليها بقوله: (فأتموا إليهم عهدهم إلى
واختلف العلماء في تعيين الأشهر الحرم المذكورة هاهنا، فقيل هي الأشهر الحرم المعروفة التي هي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب، ثلاثة سرد، وواحد فرد، ومعنى الآية على هذا وجوب الإمساك عن قتال من لا عهد له من المشركين في هذه الأشهر الحرم.
وقد وقع النداء والنبذ إلى المشركين بعهدهم يوم النحر، فكان الباقي من الأشهر الحرم التي هي الثلاثة المسرودة خمسين يوماً تنقضي بانقضاء شهر المحرم فأمرهم الله بقتل المشركين حيث يوجدون، وبه قال جماعة من أهل العلم منهم الضحاك والباقر، وروي عن ابن عباس واختاره ابن جرير.
وقيل المراد بها شهور العهد المشار إليها بقوله: (فأتموا إليهم عهدهم إلى
236
مدتهم) وسميت حرماً لأن الله سبحانه حرم على المسلمين فيها دماء المشركين والتعرض لهم وإلى هذا ذهب جماعة من أهل العلم منهم مجاهد وابن إسحاق وابن زيد وعمرو بن شعيب، وقيل هي الأشهر المذكورة في قوله: (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) وقد روي ذلك عن ابن عباس وجماعة ورجحه ابن كثير، وحكاه عن مجاهد وعمرو بن شعيب ومحمد بن إسحاق وقتادة والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وسيأتي بيان حكم القتال في الأشهر الحرم الدائرة في كل سنة في هذه السورة إن شاء اللة تعالى.
(فاقتلوا المشركين حيث) أي في أي مكان وأي وقت (وجدتموهم) من حل أو حرم (وخذوهم) أي إئسروهم فإن الأخيذ هو الأسير (واحصروهم) أي احبسوهم في القلاع والحصون حتى يضطروا ويلجئوا إلى القتل أو الإسلام، ومعنى الحصر منعهم من التصرف في بلاد المسلمين إلا بإذن منهم، وقيل امنعوهم من دخول مكة خاصة والأول أولى.
(واقعدوا لهم كل مرصد) أي طريق يسلكونه ونصب (كل) على نزع الخافض أي على كل طريق، والمرصد الموضع الذي يرقب فيه العدو ويقعد، ويقال رصدت فلاناً أرصده أي رقبته، أي اقعدوا لهم في المواضع التي ترتقبونهم فيها لئلا ينتشروا في البلاد، والمعنى كونوا لهم رصداً حتى تأخذوهم من أي وجه توجهوا، وقيل بكل طريق مكة حتى لا يدخلوها.
وهذه الآية المتضمنة للأمر بقتل المشركين عند انسلاخ الأشهر الحرم عامة لكل مشرك لا يخرج عنها إلا من خصته السنة وهو المرأة والصبي والعاجز الذي لا يقاتل، وكذلك يخصص منها أهل الكتاب الذين يعطون الجزية على فرض تناول لفظ المشركين لهم.
وهذه الأية نسخت كل آية فيها ذكر الإعراض عن المشركين والصبر على
(فاقتلوا المشركين حيث) أي في أي مكان وأي وقت (وجدتموهم) من حل أو حرم (وخذوهم) أي إئسروهم فإن الأخيذ هو الأسير (واحصروهم) أي احبسوهم في القلاع والحصون حتى يضطروا ويلجئوا إلى القتل أو الإسلام، ومعنى الحصر منعهم من التصرف في بلاد المسلمين إلا بإذن منهم، وقيل امنعوهم من دخول مكة خاصة والأول أولى.
(واقعدوا لهم كل مرصد) أي طريق يسلكونه ونصب (كل) على نزع الخافض أي على كل طريق، والمرصد الموضع الذي يرقب فيه العدو ويقعد، ويقال رصدت فلاناً أرصده أي رقبته، أي اقعدوا لهم في المواضع التي ترتقبونهم فيها لئلا ينتشروا في البلاد، والمعنى كونوا لهم رصداً حتى تأخذوهم من أي وجه توجهوا، وقيل بكل طريق مكة حتى لا يدخلوها.
وهذه الآية المتضمنة للأمر بقتل المشركين عند انسلاخ الأشهر الحرم عامة لكل مشرك لا يخرج عنها إلا من خصته السنة وهو المرأة والصبي والعاجز الذي لا يقاتل، وكذلك يخصص منها أهل الكتاب الذين يعطون الجزية على فرض تناول لفظ المشركين لهم.
وهذه الأية نسخت كل آية فيها ذكر الإعراض عن المشركين والصبر على
237
أذاهم. وقال الضحاك وعطاء والسدي: هي منسوخة بقوله: (فإما مناً بعد وإما فداء) وإن الأسير لا يقتل صبراً بل يمنّ عليه أو يفادى، وقال مجاهد وقتادة: بل هي ناسخة. لقوله: (فإما مناً بعد وإما فداء) وأنه لا يجوز في الأسارى من المشركين إلا القتل، وقال ابن زيد: الآيتان محكمتان، قال القرطبي: وهو الصحيح لأن المن والقتل والفداء لم يزل من حكم رسول الله ﷺ فيهم من أول حرب حاربهم وهو يوم بدر، قال الرازي: كلتا الآيتين متوافقتان وكلتاهما تدلان على أنه لا بد من تقديم الأثخان ثم بعده أخذ الفداء اهـ.
(فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة) أي تابوا عن الشرك الذي هو سبب القتل وحققوا التوبة بفعل ما هو من أعظم أركان الإسلام وهو إقامة الصلاة وهذا الركن اكتفى به عن ذكر ما يتعلق بالأبدان من العبادات لكونه رأسها، واكتفى بالركن الآخر المالي، وهو إيتاء الزكاة عن كل ما يتعلق بالأموال من العبادات لأنه أعظمها (١).
(فخلوا سبيلهم) أي اتركوهم وشأنهم فلا تأسروهم ولا تحصروهم ولا تقتلوهم ولا تمنعوهم من الدخول إلى مكة والتصرف في بلادهم ولا تتعرضوا لهم (إن الله غفور) لهم (رحيم) بهم.
_________
(١) ذكره القرطبي ٨/ ٧٤: قوله صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالههم إلا بحقها وحسابهم على الله ". وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال. وقال ابن عباس: رحم الله أبا بكر ما كان أفقهه. وقال ابن العربي.
(فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة) أي تابوا عن الشرك الذي هو سبب القتل وحققوا التوبة بفعل ما هو من أعظم أركان الإسلام وهو إقامة الصلاة وهذا الركن اكتفى به عن ذكر ما يتعلق بالأبدان من العبادات لكونه رأسها، واكتفى بالركن الآخر المالي، وهو إيتاء الزكاة عن كل ما يتعلق بالأموال من العبادات لأنه أعظمها (١).
(فخلوا سبيلهم) أي اتركوهم وشأنهم فلا تأسروهم ولا تحصروهم ولا تقتلوهم ولا تمنعوهم من الدخول إلى مكة والتصرف في بلادهم ولا تتعرضوا لهم (إن الله غفور) لهم (رحيم) بهم.
_________
(١) ذكره القرطبي ٨/ ٧٤: قوله صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالههم إلا بحقها وحسابهم على الله ". وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال. وقال ابن عباس: رحم الله أبا بكر ما كان أفقهه. وقال ابن العربي.
238
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (٦) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
239
(وإن أحد) مرتفع بفعل شرط مضمر يفسره الظاهر لا بالابتداء لأن (إن) لا تدخل إلا على الفعل (من المشركين) الناقضين للعهد الذين أمرت بالتعرض لهم في قوله (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين).
(استجارك) استأمنك من القتل (فأجره) يقال استجرت فلاناً أي طلبت أن يكون جاراً أي محامياً ومحافظاً من أن يظلمني ظالم أو يتعرض لي متعرض، وفي القاموس جار واستجار طلب أن يجار وأجاره أنقذه وأعاده، وفي المصباح استجاره طلب منه أن يحفظه فأجار والمعنى أمنه.
(حتى) يصح أن تكون للغاية وللتعليل (يسمع كلام الله) منك ويتدبره حق تدبره ويقف على حقيقة ما تدعو إليه، ويتحقق أنه ليس من كلام الخلق، والاقتصار على ذكر السماع لعدم الحاجة إلى شيء آخر في الفهم لكونهم من أهل الفصاحة.
(ثم) إن أراد الانصراف ولم يسلم (أبلغه مأمنه) أي إلى الدار التي يأمن فيها وهو دار قومه لينظر في أمره ويعرف ما له من الثواب أن آمن، وما عليه من العقاب إن أصر على الشرك، ثم بعد أن تبلغه مأمنه قاتلة من غير عذر ولا خيانة فقد خرج من جوارك ورجع إلى ما كان عليه من إباحة دمه ووجوب قتله حيث يوجد.
عن سعيد بن أبي عروبة قال: كان الرجل يجيء إذا سمع كتاب الله وأقر به وأسلم فذاك الذي دعى إليه، وإن أنكر ولم يقر به رد مأمنه ثم نسخ
(استجارك) استأمنك من القتل (فأجره) يقال استجرت فلاناً أي طلبت أن يكون جاراً أي محامياً ومحافظاً من أن يظلمني ظالم أو يتعرض لي متعرض، وفي القاموس جار واستجار طلب أن يجار وأجاره أنقذه وأعاده، وفي المصباح استجاره طلب منه أن يحفظه فأجار والمعنى أمنه.
(حتى) يصح أن تكون للغاية وللتعليل (يسمع كلام الله) منك ويتدبره حق تدبره ويقف على حقيقة ما تدعو إليه، ويتحقق أنه ليس من كلام الخلق، والاقتصار على ذكر السماع لعدم الحاجة إلى شيء آخر في الفهم لكونهم من أهل الفصاحة.
(ثم) إن أراد الانصراف ولم يسلم (أبلغه مأمنه) أي إلى الدار التي يأمن فيها وهو دار قومه لينظر في أمره ويعرف ما له من الثواب أن آمن، وما عليه من العقاب إن أصر على الشرك، ثم بعد أن تبلغه مأمنه قاتلة من غير عذر ولا خيانة فقد خرج من جوارك ورجع إلى ما كان عليه من إباحة دمه ووجوب قتله حيث يوجد.
عن سعيد بن أبي عروبة قال: كان الرجل يجيء إذا سمع كتاب الله وأقر به وأسلم فذاك الذي دعى إليه، وإن أنكر ولم يقر به رد مأمنه ثم نسخ
239
ذلك فقال: (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة) وعن ابن زيد قال: إن لم يوافقه ما يقص عليه ويخبر به فأبلغه مأمنه، وهذا ليس بمنسوخ، قال الحسن: هذه الآية محكمة إلى يوم القيامة.
(ذلك) أي الأمر بالإجارة وإبلاع المأمن (بأنهم قوم لا يعلمون) ما الإيمان وما حقيقة ما تدعوهم إليه بسبب فقدانهم العلم النافع المميز بين الخير والشر في الجال والمآل، فلا بد لهم من أمان بقدر زمان يسمعون فيه القرآن ويتدبرون.
(ذلك) أي الأمر بالإجارة وإبلاع المأمن (بأنهم قوم لا يعلمون) ما الإيمان وما حقيقة ما تدعوهم إليه بسبب فقدانهم العلم النافع المميز بين الخير والشر في الجال والمآل، فلا بد لهم من أمان بقدر زمان يسمعون فيه القرآن ويتدبرون.
240
(كيف يكون للمشركين) الاستفهام هنا للتعجب المتضمن للإنكار، ولهذا حسن بعده (إلا) والمراد بالمشركين الناكثون لأن البراءة هي في شأنهم (عهد عند الله) يأمنون به من عذابه (وعند رسوله) وقيل معنى الآية محال أن يثبت لهؤلاء عهد وهم أضداد لكم مضمرون للغدر، فلا تطمعوا في ذلك ولا تحدثوا به أنفسكم، والمعنى ليس لمن لم يف بعهد أن يفي الله ورسوله له بالعهد.
ثم استدرك فقال: (إلا الذين عاهدتم) أي لكن الذين عاهدتم ولم ينقضوا ولم ينكثوا فلا تقاتلوهم، وقيل الاستثناء متصل، وفيه احتمالان. (أحدهما) أنه منصوب على أصل الاستثناء من المشركين.
(والثاني) أنه مجرور على البدل منهم.
(عند المسجد الحرام) أي عند قربه يوم الحديبية، قاله قتادة، والمراد به جميع الحرم كما هي عادته في القرآن إلا ما استثنى (فما استقاموا لكم) أي فما داموا مستقيمين لكم على العهد الذي بينكم وبينهم ولم ينقضوه، وفي (ما) وجهان أحدهما أنها مصدرية زمانية والثاني أنها شرطية (فاستقيموا لهم) على الوفاء به، قيل هم بنو بكر، وقيل بنو كنانة وبنو ضمرة وقال ابن عباس: هم قريش، وعن ابن زيد نحوه، وقال السدي: هم بنو جذيمة، وقال مجاهد: هم أهل العهد من خزاعة.
ثم استدرك فقال: (إلا الذين عاهدتم) أي لكن الذين عاهدتم ولم ينقضوا ولم ينكثوا فلا تقاتلوهم، وقيل الاستثناء متصل، وفيه احتمالان. (أحدهما) أنه منصوب على أصل الاستثناء من المشركين.
(والثاني) أنه مجرور على البدل منهم.
(عند المسجد الحرام) أي عند قربه يوم الحديبية، قاله قتادة، والمراد به جميع الحرم كما هي عادته في القرآن إلا ما استثنى (فما استقاموا لكم) أي فما داموا مستقيمين لكم على العهد الذي بينكم وبينهم ولم ينقضوه، وفي (ما) وجهان أحدهما أنها مصدرية زمانية والثاني أنها شرطية (فاستقيموا لهم) على الوفاء به، قيل هم بنو بكر، وقيل بنو كنانة وبنو ضمرة وقال ابن عباس: هم قريش، وعن ابن زيد نحوه، وقال السدي: هم بنو جذيمة، وقال مجاهد: هم أهل العهد من خزاعة.
كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ
(إن الله يحب المتقين) إشارة إلى أن الوفاء بالعهد والاستقامة عليه من أعمال المتقين، فيكون تعليلاً للأمر بالاستقامة، وقد استقام ﷺ على عهدهم حتى نقضوا بإعانة بني بكر على خزاعة.
(كيف) يكون لهم عهد وهو زيادة ترق في استبعاد بقاء عهد لهم، ولهذا أعاد الاستفهام التعجبي للتأكيد والتقرير (و) الحال أنهم (إن يظهروا عليكم) بالغلبة لكم ويظفروا بكم (لا يرقبوا) أي لا يراعوا أو لا يحفظوا أو لا ينتظروا فيكم (إلا ولا ذمة) قال في الصحاح: الإل العهد والقرابة، قال الزجاج: الإل عندي على ما يوجبه اللغة يدور على معنى الحدة، ومنه الإلة للحربة ومنه أذن مؤللة أي محددة، وقال الفراء: المراد به القرابة، وقيل أن الإل الجؤار وهو رفع الصوت عند التحالف، وذلك أنهم كانوا إذا تحالفوا جاروا بذلك جؤاراً، ويجمع الإل في القلة على آل وفي الكثرة على إلال كقدح وقداح، والأل بالفتح قيل شدة القنوط، قال الهروي في الحديث " عجب ربكم من ألكم وقنوطكم ".
وفي القاموس الإلّ بالكسر العهد والحلف وموضع، والجوار والقرابة والمعدن والحقد والعداوة والربوبية واسم الله تعالى، وكل اسم آخره ال أو إيل فمضاف إلى الله تعالى، والوحي والأمان والجزع عند المصيبة ومنه ما روي عجب ربكم من إلِّكم، فيمن رواه بالكسر ورواية الفتح أكثر اهـ.
وقال ابن زيد والسدي وأبو عبيدة: الإلّ العهد وقيل الذمة والنديم، وقال الأزهري: هو اسم لله بالعبرانية وأصله من الأليل وهو البريق يقال أل
(إن الله يحب المتقين) إشارة إلى أن الوفاء بالعهد والاستقامة عليه من أعمال المتقين، فيكون تعليلاً للأمر بالاستقامة، وقد استقام ﷺ على عهدهم حتى نقضوا بإعانة بني بكر على خزاعة.
(كيف) يكون لهم عهد وهو زيادة ترق في استبعاد بقاء عهد لهم، ولهذا أعاد الاستفهام التعجبي للتأكيد والتقرير (و) الحال أنهم (إن يظهروا عليكم) بالغلبة لكم ويظفروا بكم (لا يرقبوا) أي لا يراعوا أو لا يحفظوا أو لا ينتظروا فيكم (إلا ولا ذمة) قال في الصحاح: الإل العهد والقرابة، قال الزجاج: الإل عندي على ما يوجبه اللغة يدور على معنى الحدة، ومنه الإلة للحربة ومنه أذن مؤللة أي محددة، وقال الفراء: المراد به القرابة، وقيل أن الإل الجؤار وهو رفع الصوت عند التحالف، وذلك أنهم كانوا إذا تحالفوا جاروا بذلك جؤاراً، ويجمع الإل في القلة على آل وفي الكثرة على إلال كقدح وقداح، والأل بالفتح قيل شدة القنوط، قال الهروي في الحديث " عجب ربكم من ألكم وقنوطكم ".
وفي القاموس الإلّ بالكسر العهد والحلف وموضع، والجوار والقرابة والمعدن والحقد والعداوة والربوبية واسم الله تعالى، وكل اسم آخره ال أو إيل فمضاف إلى الله تعالى، والوحي والأمان والجزع عند المصيبة ومنه ما روي عجب ربكم من إلِّكم، فيمن رواه بالكسر ورواية الفتح أكثر اهـ.
وقال ابن زيد والسدي وأبو عبيدة: الإلّ العهد وقيل الذمة والنديم، وقال الأزهري: هو اسم لله بالعبرانية وأصله من الأليل وهو البريق يقال أل
241
لونه يؤل ألاَّ أي صفا ولمع، والذمة العهد وجمعها ذمم فمن فسر الأول بالعهد كان التكرير للتأكيد مع اختلاف اللفظين، وقيل الذمة الضمان يقال هو في ذمتي أي في ضماني وبه سمي أهل الذمة لدخولهم في ضمان المسلمين، ويقال له ذمة وذمام ومذمة وهي الذم قاله ابن عرفة.
وقال الراغب: الذمام ما يذم الرجل على إضاعته من عهد، وكذلك الذمة والمذمة بالفتح والكسر وقيل لي مذمة فلا تهتكها، وقال غيره: سميت ذمة لأن كل حرمة يلزمك من تضييعها الذم يقال لها ذمة، وقال أبو عبيدة والأزهري: الذمة الأمان كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم " ويسعى بذمتهم أدناهم " وروي عنه أيضاً أن الذمة ما يتذمم به أي ما يجتنب فيه الذم، وقال قتادة: الإل الحلف، وقال أبو مجلز: هو الله تعالى، وعن مجاهد وعكرمة مثله، وقال ابن عباس: الإل القرابة. والذمة العهد.
(يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم) أي يقولون بألسنتهم ما فيه مجاملة ومحاسنة لكم طلباً لمرضاتكم وتطييب قلوبكم، وقلوبهم تأبى ذلك وتخالفه وتود ما فيه مساءتكم ومضرتكم كما يفعله أهل النفاق وذوو الوجهين، والكلام مستأنف لبيان حالهم عند عدم الظفر فهو مقابل في المعنى لقوله: (وإن يظهروا عليكم) الخ يقال أبى يأبى أي اشتد امتناعه فكل أباء امتناع من غير عكس، ولم يصب من فسره بمطلق الامتناع، ومجيء المضارع منه على يفعل بفتح العين شاذ، ومنه قلى يقلى في لغة قاله السمين، ثم حكم عليهم بالفسق فقال: (وأكثرهم فاسقون) وهو التمرد والتجري والخروج عن الحق لنقضهم العهود وعدم مراعاتهم لها.
وقال الراغب: الذمام ما يذم الرجل على إضاعته من عهد، وكذلك الذمة والمذمة بالفتح والكسر وقيل لي مذمة فلا تهتكها، وقال غيره: سميت ذمة لأن كل حرمة يلزمك من تضييعها الذم يقال لها ذمة، وقال أبو عبيدة والأزهري: الذمة الأمان كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم " ويسعى بذمتهم أدناهم " وروي عنه أيضاً أن الذمة ما يتذمم به أي ما يجتنب فيه الذم، وقال قتادة: الإل الحلف، وقال أبو مجلز: هو الله تعالى، وعن مجاهد وعكرمة مثله، وقال ابن عباس: الإل القرابة. والذمة العهد.
(يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم) أي يقولون بألسنتهم ما فيه مجاملة ومحاسنة لكم طلباً لمرضاتكم وتطييب قلوبكم، وقلوبهم تأبى ذلك وتخالفه وتود ما فيه مساءتكم ومضرتكم كما يفعله أهل النفاق وذوو الوجهين، والكلام مستأنف لبيان حالهم عند عدم الظفر فهو مقابل في المعنى لقوله: (وإن يظهروا عليكم) الخ يقال أبى يأبى أي اشتد امتناعه فكل أباء امتناع من غير عكس، ولم يصب من فسره بمطلق الامتناع، ومجيء المضارع منه على يفعل بفتح العين شاذ، ومنه قلى يقلى في لغة قاله السمين، ثم حكم عليهم بالفسق فقال: (وأكثرهم فاسقون) وهو التمرد والتجري والخروج عن الحق لنقضهم العهود وعدم مراعاتهم لها.
242
اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (١٠) فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١١) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ
ثم وصفهم بقوله:
ثم وصفهم بقوله:
243
(اشتروا بآيات اللة ثمناً قليلاً) أي استبدلوا بآيات القرآن التي من جملتها ما فيه الأمر بالوفاء بالعهود ثمناً حقيراً، وهو ما آثروه من حطام الدنيا أي تركوا اتباعها للشهوات والهوى وكانت شهواتهم أكلة أطعمها أبو سفيان حملتهم على نقض العهد (فصدوا عن سبيله) أي فعدلوا وأعرضوا عن سبيل الحق، أو صرفوا الناس عنه، وذلك أن أهل الطائف أمدوهم بالأموال ليقوُّوهم على حرب رسول الله - ﷺ - (إنهم ساء ما كانوا يعملون) من الشرك ونقضهم العهد، ومنعهم الناس عن الدخول في دين الإسلام.
(لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة) قال النحاس: ليس هذا تكريراً، ولكن الأول لجميع المشركين، والثاني لليهود خاصة، والدليل على هذا اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً يعني اليهود، وقيل هذا فيه مراعاة لحقوق المؤمنين على الإطلاق، وفي الأول المراعاة لحقوق طائفة من المؤمنين خاصة، وقيل الأول وقع جواباً لقوله: (وإن يظهروا) والثاني وقع خبراً عن تقبيح حالهم (وأولئك هم المعتدون) أي المجاوزون للحلال إلى الحرام بنقض العهد أو المبالغون في الشر والتمرد إلى الغاية القصوى.
(فإن تابوا) عن الشرك وعن نقض العهد إلى الوفاء به، قال قتادة:
243
يقول إن تركوا اللات والعزى وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله (وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة) أي التزموا أحكام الإسلام المفروضة (فإخوانكم) أي فهم إخوانكم (في الدين) أي في دين الإسلام لهم ما لكم وعليهم ما عليكم، وكرره لاختلاف جزاء الشرط إذ جزاء الشرط في الأول تخلية سبيلهم في الدنيا، وفي الثاني أخوتهم لنا في الدين، وهي ليست عين تخليتهم بل سببها.
(ونفصل الآيات) أي نبينها ونوضحها (لقوم يعلمون) بما فيها من الأحكام ويفهمونه، وخص أهل العلم لأنهم المنتفعون بها، والمراد بالآيات ما مر من الآيات المتعلقة بأحوال المشركين على اختلاف أنواعهم، وعن ابن عباس قال: حرمت هذه الآية قتال أو دماء أهل الصلاة، وقال ابن مسعود: أمرتم بالصلاة والزكاة فمن لم يزك فلا صلاة له.
وقال ابن زيد: افترضت الصلاة والزكاة جميعاً لم يفرق بينهما، وأبى أن يقبل الصلاة إلا بالزكاة وقال يرحم الله أبا بكر ما كان أفقهه، يريد ما قاله في حق من منع الزكاة والله لا أفرق بين شيئين جمع الله بينهما، يعني الصلاة والزكاة.
(ونفصل الآيات) أي نبينها ونوضحها (لقوم يعلمون) بما فيها من الأحكام ويفهمونه، وخص أهل العلم لأنهم المنتفعون بها، والمراد بالآيات ما مر من الآيات المتعلقة بأحوال المشركين على اختلاف أنواعهم، وعن ابن عباس قال: حرمت هذه الآية قتال أو دماء أهل الصلاة، وقال ابن مسعود: أمرتم بالصلاة والزكاة فمن لم يزك فلا صلاة له.
وقال ابن زيد: افترضت الصلاة والزكاة جميعاً لم يفرق بينهما، وأبى أن يقبل الصلاة إلا بالزكاة وقال يرحم الله أبا بكر ما كان أفقهه، يريد ما قاله في حق من منع الزكاة والله لا أفرق بين شيئين جمع الله بينهما، يعني الصلاة والزكاة.
244
(وإن نكثوا أيمانهم) مقابل قوله: (فإن تابوا) والنكث النقض وأصله نقض الخيط بعد إبرامه ثم استعمل في كل نقض ومنه نقض الأيمان والعهود على طريق الاستعارة (من بعد عهدهم) أي من بعد أن عاهدوهم والمعنى أن الكفار إن نكثوا العهود التي عاهدوا بها المسلمين ووثقوا لهم بها.
(وطعنوا في دينكم) أي وضموا إلى ذلك الطعن في دين الإسلام والقدح فيه، وأظهروا ما في ضمائرهم من الشر، وأخرجوه من القول إلى الفعل حسبما ينبئ عنه قوله تعالى: (وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا) الآية
(وطعنوا في دينكم) أي وضموا إلى ذلك الطعن في دين الإسلام والقدح فيه، وأظهروا ما في ضمائرهم من الشر، وأخرجوه من القول إلى الفعل حسبما ينبئ عنه قوله تعالى: (وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا) الآية
244
وثبتوا على ما هم عليه من النكث لا أنهم ارتدوا بعد الإيمان كما قيل، وعطف طعنوا على ما قبله مع أن نقض العهد كاف في إباحة القتل لزيادة تحريض المؤمنين على قتالهم، وقيل عطف تفسير.
(فقاتلوا) أي فقد وجب على المسلمين قتالهم (أئمة الكفر) بهمزتين وبإبدال الثانية ياء صريحة وفيه وضع الظاهر موضع المضمر، وهي جمع إمام، والمراد صناديد المشركين وأهل الرياسة فيهم على العموم، وعن قتادة: قال هم أبو سفيان بن حرب وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام وسهيل ابن عمرو، وهم الذين نكثوا عهد الله وهموا بإخراج الرسول من مكة، وعن مالك ابن أنس مثله، وقال ابن عباس: رؤوس قريش؛ وعن الحسن: إنهم الديلم، وعن حذيفة قال: ما قوتل أهل هذه الآية، ولم يأت أهلها، وعن علي نحوه، وقال مجاهد: هم فارس والروم.
والأولى أن الآية عامة في كل رؤساء الكفر من غير تقييد بزمن معين أو بطائفة معينة اعتباراً بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ومما يفيد ذلك ما أخرجه ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير أنه كان في عهد أبي بكر الصديق إلى الناس حين وجههم إلى الشام أنه قال إنكم ستجدون قوماً مجوفة رؤوسهم فاضربوا مقاعد الشيطان منهم بالسيوف، فوالله لأن أقتل رجلاً منهم أحب إلي من أن أقتل سبعين من غيرهم، وذلك بأن الله يقول: (فقاتلوا أئمة الكفر).
(إنهم لا أيمان لهم) قال الزمخشري هذه الجملة تعليل لما قبلها، والأيمان جمع يمين أي لا عهد لهم، وسمي العهد يميناً لاشتماله عليه غالباً، والمعنى لا أيمان بارة لهم وإن وجدت صورة، ويمين الكافر شرعية عندنا والاستدلال به على أن يمين الكافر ليست يميناً ضعفه ظاهر، لأن المراد نفي الوثوق بقرينة (وإن نكثوا أيمانهم) لا يقال الكلام باعتبار اعتقادهم، لأن المخاطب هم
(فقاتلوا) أي فقد وجب على المسلمين قتالهم (أئمة الكفر) بهمزتين وبإبدال الثانية ياء صريحة وفيه وضع الظاهر موضع المضمر، وهي جمع إمام، والمراد صناديد المشركين وأهل الرياسة فيهم على العموم، وعن قتادة: قال هم أبو سفيان بن حرب وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام وسهيل ابن عمرو، وهم الذين نكثوا عهد الله وهموا بإخراج الرسول من مكة، وعن مالك ابن أنس مثله، وقال ابن عباس: رؤوس قريش؛ وعن الحسن: إنهم الديلم، وعن حذيفة قال: ما قوتل أهل هذه الآية، ولم يأت أهلها، وعن علي نحوه، وقال مجاهد: هم فارس والروم.
والأولى أن الآية عامة في كل رؤساء الكفر من غير تقييد بزمن معين أو بطائفة معينة اعتباراً بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ومما يفيد ذلك ما أخرجه ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير أنه كان في عهد أبي بكر الصديق إلى الناس حين وجههم إلى الشام أنه قال إنكم ستجدون قوماً مجوفة رؤوسهم فاضربوا مقاعد الشيطان منهم بالسيوف، فوالله لأن أقتل رجلاً منهم أحب إلي من أن أقتل سبعين من غيرهم، وذلك بأن الله يقول: (فقاتلوا أئمة الكفر).
(إنهم لا أيمان لهم) قال الزمخشري هذه الجملة تعليل لما قبلها، والأيمان جمع يمين أي لا عهد لهم، وسمي العهد يميناً لاشتماله عليه غالباً، والمعنى لا أيمان بارة لهم وإن وجدت صورة، ويمين الكافر شرعية عندنا والاستدلال به على أن يمين الكافر ليست يميناً ضعفه ظاهر، لأن المراد نفي الوثوق بقرينة (وإن نكثوا أيمانهم) لا يقال الكلام باعتبار اعتقادهم، لأن المخاطب هم
245
المؤمنون، قال حذيفة: لا عهود لهم، وعن عمار مثله.
وقرئ بكسر الهمزة والمعنى أن هؤلاء الناكثين للأيمان الطاعنين في الدين ليسوا من أهل الإيمان بالله حتى يستحقوا العصمة لدمائهم وأموالهم فقتالهم واجب على المسلمين، وقيل لا وفاء لهم بالعهود وقيل هو من الأمان أي لا يعطون أماناً بعد نكثهم وطعنهم، يعني لا تؤمنوهم بل اقتلوهم حيث وجدتموهم.
(لعلهم ينتهون) عن كفرهم ونكثهم وطعنهم في دين الإسلام، والمعنى إن قتالهم يكون إلى غاية هي الانتهاء عن ذلك، وقد استدل بهذه الآية على أن الذمي إذا طعن في الدين لا يقتل حتى ينكث العهد كما قال أبو حنيفة لأن الله إنما أمر بقتلهم بشرطين أحدهما: نقض العهد والثاني: الطعن في الدين، وذهب مالك والشافعي وغيرهما إلى أنه إذا طعن في الدين قتل لأنه ينقض عهده بذلك قالوا وكذلك إذا حصل من الذمي مجرد النكث فقط من دون طعن في الدين فإنه يقتل (١).
_________
(١) وقال سعيد بن جبير: جاء رجل من المشركين إلى عليّ بن أبي طالب فقال: إن أراد الرجل منا أن يأتي محمداً بعد انقضاء الأربعة الأشهر فيسمع كلام الله أو يأتيه بحاجة قتل!.
فقال عليّ بن أبي طالب: لا، لأن الله تبارك وتعالى يقول: " (وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) " وهذا هو الصحيح. والآية محكمة.
وقرئ بكسر الهمزة والمعنى أن هؤلاء الناكثين للأيمان الطاعنين في الدين ليسوا من أهل الإيمان بالله حتى يستحقوا العصمة لدمائهم وأموالهم فقتالهم واجب على المسلمين، وقيل لا وفاء لهم بالعهود وقيل هو من الأمان أي لا يعطون أماناً بعد نكثهم وطعنهم، يعني لا تؤمنوهم بل اقتلوهم حيث وجدتموهم.
(لعلهم ينتهون) عن كفرهم ونكثهم وطعنهم في دين الإسلام، والمعنى إن قتالهم يكون إلى غاية هي الانتهاء عن ذلك، وقد استدل بهذه الآية على أن الذمي إذا طعن في الدين لا يقتل حتى ينكث العهد كما قال أبو حنيفة لأن الله إنما أمر بقتلهم بشرطين أحدهما: نقض العهد والثاني: الطعن في الدين، وذهب مالك والشافعي وغيرهما إلى أنه إذا طعن في الدين قتل لأنه ينقض عهده بذلك قالوا وكذلك إذا حصل من الذمي مجرد النكث فقط من دون طعن في الدين فإنه يقتل (١).
_________
(١) وقال سعيد بن جبير: جاء رجل من المشركين إلى عليّ بن أبي طالب فقال: إن أراد الرجل منا أن يأتي محمداً بعد انقضاء الأربعة الأشهر فيسمع كلام الله أو يأتيه بحاجة قتل!.
فقال عليّ بن أبي طالب: لا، لأن الله تبارك وتعالى يقول: " (وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) " وهذا هو الصحيح. والآية محكمة.
246
أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣) قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
247
(ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم) الهمزة الداخلة على حرف النفي للاستفهام التوبيخي مع ما يستفاد منها من التحضيض على القتال والمبالغة في تحققه، والمعنى أن من كان حاله كحال هؤلاء من نقض العهد فهو حقيق بأن لا يترك قتاله وإن يوبخ من فرط في ذلك.
(وهموا بإخراج الرسول) من مكة حين اجتمعوا في دار الندوة لكن لم يخرجوه بل خرج باختياره بإذن الله له في الهجرة، وتقدم أنهم هموا بأحد أمور ثلاثة، قتله وحبسه وإخراجه، وإنما اقتصر هنا على الهم بالإخراج لأنه هو الذي وقع أثره في الخارج بحسب الظاهر، وكانت دار الندوة مكان اجتماع القوم للتحدث وكان قد بناها قصي وقد أدخلت الآن في المسجد فهي مقام الحنفي الآن.
(وهم بدؤوكم) بالقتال (أول مرة) أي يوم بدر، قال مجاهد: قتال قريش حلفاء النبي ﷺ وهمهم بإخراج الرسول، زعموا أن ذلك عام عمرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في العام التاسع للحديبية نكثت قريش العهد عهد الحديبية وجعلوا في أنفسهم إذا دخلوا مكة أن يخرجوه منها فذلك همهم بإخراجه فلم تتابعهم خزاعة على ذلك، فلما خرج النبي صلى
(وهموا بإخراج الرسول) من مكة حين اجتمعوا في دار الندوة لكن لم يخرجوه بل خرج باختياره بإذن الله له في الهجرة، وتقدم أنهم هموا بأحد أمور ثلاثة، قتله وحبسه وإخراجه، وإنما اقتصر هنا على الهم بالإخراج لأنه هو الذي وقع أثره في الخارج بحسب الظاهر، وكانت دار الندوة مكان اجتماع القوم للتحدث وكان قد بناها قصي وقد أدخلت الآن في المسجد فهي مقام الحنفي الآن.
(وهم بدؤوكم) بالقتال (أول مرة) أي يوم بدر، قال مجاهد: قتال قريش حلفاء النبي ﷺ وهمهم بإخراج الرسول، زعموا أن ذلك عام عمرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في العام التاسع للحديبية نكثت قريش العهد عهد الحديبية وجعلوا في أنفسهم إذا دخلوا مكة أن يخرجوه منها فذلك همهم بإخراجه فلم تتابعهم خزاعة على ذلك، فلما خرج النبي صلى
247
الله عليه وسلم من مكة قالت قريش لخزاعة: عميتمونا عن إخراجه فقاتلوهم فقتلوا منهم رجمالاً.
(أتخشونهم) الاستفهام للتوبيخ والتقريع أي أتخشون أن ينالكم منهم مكروه فتتركون قتالهم لهذه الخشية، ثم بين ما يجب أن يكون الأمر عليه فقال: (فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين) أي هو أحق بالخشية منكم فإنه هو الضار النافع في الحقيقة ومن خشيتكم له أن تقاتلوا من أمركم بقتاله، فان قضية الإيمان توجب ذلك عليكم.
ثم زاد في تأكيد الأمر بالقتال فقال:
(أتخشونهم) الاستفهام للتوبيخ والتقريع أي أتخشون أن ينالكم منهم مكروه فتتركون قتالهم لهذه الخشية، ثم بين ما يجب أن يكون الأمر عليه فقال: (فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين) أي هو أحق بالخشية منكم فإنه هو الضار النافع في الحقيقة ومن خشيتكم له أن تقاتلوا من أمركم بقتاله، فان قضية الإيمان توجب ذلك عليكم.
ثم زاد في تأكيد الأمر بالقتال فقال:
248
(قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم) ورتب على هذا الأمر فوائد:
الأولى: تعذيب الله للكفار بأيدي المؤمنين بالقتل والأسر.
والثانية: إخزاؤهم قيل بالأسر وقيل بما نزل بهم من الذل والهوان.
والثالثة: نصر المسلمين عليهم وغلبتهم لهم.
والرابعة: أن الله يشفي بالقتال صدور قوم مؤمنين ممن لم يشهد القتال ولا حضره.
والخامسة: أنه سبحانه يذهب بالقتال غيظ قلوب المؤمنين الذي نالهم بسبب ما وقع من الكفار من الأمور الجالبة للغيظ وحرج الصدر.
فإن قيل شفاء الصدور وإذهاب غيظ القلوب كلاهما بمعنى فيكون تكراراً.
قيل في الجواب: إن القلب أخص من الصدر، وقيل: إن شفاء الصدور
الأولى: تعذيب الله للكفار بأيدي المؤمنين بالقتل والأسر.
والثانية: إخزاؤهم قيل بالأسر وقيل بما نزل بهم من الذل والهوان.
والثالثة: نصر المسلمين عليهم وغلبتهم لهم.
والرابعة: أن الله يشفي بالقتال صدور قوم مؤمنين ممن لم يشهد القتال ولا حضره.
والخامسة: أنه سبحانه يذهب بالقتال غيظ قلوب المؤمنين الذي نالهم بسبب ما وقع من الكفار من الأمور الجالبة للغيظ وحرج الصدر.
فإن قيل شفاء الصدور وإذهاب غيظ القلوب كلاهما بمعنى فيكون تكراراً.
قيل في الجواب: إن القلب أخص من الصدر، وقيل: إن شفاء الصدور
248
إشارة إلى الوعد بالفتح، ولا ريب أن الانتظار لنجاز الوعد مع الثقة به فيه شفاء للصدور، وأن إذهاب غيظ القلوب إشارة إلى وقوع الفتح، وقد وقعت للمؤمنين ولله الحمد هذه الأمور كلها.
عن عكرمة قال: نزلت هذه الآية في خزاعة، وعن مجاهد والسدي وقتادة نحوه، وقد ساق القصة ابن إسحاق في سيرته وأورد فيها النظم الذي أرسلته خزاعة إلى النبي ﷺ أوله.
وأخرج القصة البيهقي في الدلائل ثم قال:
عن عكرمة قال: نزلت هذه الآية في خزاعة، وعن مجاهد والسدي وقتادة نحوه، وقد ساق القصة ابن إسحاق في سيرته وأورد فيها النظم الذي أرسلته خزاعة إلى النبي ﷺ أوله.
يا رب إني ناشد محمداً | حلف أبينا وأبيه الأتلدا |
249
(ويتوب الله على من يشاء) وهو ابتداء كلام مستأنف يتضمن الإخبار بما سيكون، وهو أن بعض الكافرين يتوب عن كفره كما وقع من بعض أهل مكة يوم الفتح فإنهم أسلموا وحسن إسلامهم كأبي سفيان وعكرمة وسهيل ابن عمرو، فهؤلاء كانوا أئمة الكفر ثم منّ الله عليهم بالإسلام يوم فتح مكة.
فإن قيل (١) كيف تقع التوبة جزاء للمقاتلة؟ أجيب بأن القتال قد يكون سبباً لها إذا كانت من جهة الكفار، وأما إذا كانت من جهة المسلمين فوجهه أن النصر والظفر من جهة الله يكون سبباً لخلوص النية والتوبة عن الذنوب. (والله عليم حكيم).
_________
(١) قوله فإن قيل الخ كذا في أصله ولعله مرتب على قراءة نصب يتوب كما يؤخذ من عبارة الكشاف. اهـ مصححه.
فإن قيل (١) كيف تقع التوبة جزاء للمقاتلة؟ أجيب بأن القتال قد يكون سبباً لها إذا كانت من جهة الكفار، وأما إذا كانت من جهة المسلمين فوجهه أن النصر والظفر من جهة الله يكون سبباً لخلوص النية والتوبة عن الذنوب. (والله عليم حكيم).
_________
(١) قوله فإن قيل الخ كذا في أصله ولعله مرتب على قراءة نصب يتوب كما يؤخذ من عبارة الكشاف. اهـ مصححه.
249
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٦) مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ
250
(أم حسبتم أن تتركوا) أم هذه هي المنقطعة التي بمعنى بل والهمزة والاستفهام للتوبيخ وحرف الإضراب للدلالة على الانتقال من كلام إلى آخر، والمعنى كيف يقع الحسبان منكم بأن تتركوا على ما أنتم عليه. وقوله أن تتركوا في موضع مفعولي الحسبان عند سيبويه، وقال المبرد: أنه حذف الثاني والتقدير أم حسبتم أن تتركوا من غير أن تبتلوا بما يظهر به المؤمن والمنافق الظهور الذي يستحق به الثواب والعقاب يعني: بدون تكليفكم بالقتال الذي سئمتموه.
(ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم) الواو حالية ولما للنفي مع التوقع، والمراد من نفي العلم نفي المعلوم بالطريق البرهاني إذ لو شم رائحة الوجود لعلم قطعاً فلما لم يعلم لزم عدمه قطعاً، والمعنى كيف تحسبون أنكم تتركون ولما يتبين المخلص منكم في جهاده من غير المخلص، و (ما) في (لما) من التوقع منبه على أن ذلك سيكون وفائدة التعبير عما ذكر من عدم التبين بعدم علم الله تعالى أن المقصود هو التبين من حيث كونه متعلقاً للعلم ومداراً للثواب وعدم التعرض لحال المقصرين لما أن ذلك بمعزل من الاندراج تحت إرادة أكرم الأكرمين.
وجملة (ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة) معطوفة على جاهدوا داخلة معه في حكم النفي واقعة في حيز الصلة، والوليجة من
(ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم) الواو حالية ولما للنفي مع التوقع، والمراد من نفي العلم نفي المعلوم بالطريق البرهاني إذ لو شم رائحة الوجود لعلم قطعاً فلما لم يعلم لزم عدمه قطعاً، والمعنى كيف تحسبون أنكم تتركون ولما يتبين المخلص منكم في جهاده من غير المخلص، و (ما) في (لما) من التوقع منبه على أن ذلك سيكون وفائدة التعبير عما ذكر من عدم التبين بعدم علم الله تعالى أن المقصود هو التبين من حيث كونه متعلقاً للعلم ومداراً للثواب وعدم التعرض لحال المقصرين لما أن ذلك بمعزل من الاندراج تحت إرادة أكرم الأكرمين.
وجملة (ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة) معطوفة على جاهدوا داخلة معه في حكم النفي واقعة في حيز الصلة، والوليجة من
250
الولوج وهو الدخول، ولج يلج ولوجاً إذا دخل، فالوليجة الدخيلة، قال أبو عبيدة: كل شيء أدخلته في شيء ليس منه فهو وليجة، ويكون للمفرد وغيره بلفظ واحد وقد يجمع على ولائج وولج كصحائف وصحف (١).
قال الفراء: الوليجة البطانة من المشركين، وقيل وليجة الرجل من يداخله في باطن أموره، والمعنى واحد، أي كيف تتخذون دخيلة أو بطانة من المشركين تفشون إليهم أسراركم وتعلمونهم أموركم من دون الله، وقال قتادة: وليجة يعني خيانة، وقال الضحاك: خديعة.
وقال الراغب: الوليجة كل ما يتخذه الإنسان معتمداً عليه، وليس من قولهم فلان وليجة في القوم إذا دخل فيهم (والله خبير بما تعملون) أي بجميع أعمالكم.
_________
(١) وقيل أن جماعة من المنافقين جاؤوا إلى رسول الله ﷺ يسألون الخروج معه إلى الجهاد تعزيزاً فنزل هذه الآيات.
قال الفراء: الوليجة البطانة من المشركين، وقيل وليجة الرجل من يداخله في باطن أموره، والمعنى واحد، أي كيف تتخذون دخيلة أو بطانة من المشركين تفشون إليهم أسراركم وتعلمونهم أموركم من دون الله، وقال قتادة: وليجة يعني خيانة، وقال الضحاك: خديعة.
وقال الراغب: الوليجة كل ما يتخذه الإنسان معتمداً عليه، وليس من قولهم فلان وليجة في القوم إذا دخل فيهم (والله خبير بما تعملون) أي بجميع أعمالكم.
_________
(١) وقيل أن جماعة من المنافقين جاؤوا إلى رسول الله ﷺ يسألون الخروج معه إلى الجهاد تعزيزاً فنزل هذه الآيات.
251
(ما كان للمشركين) أي ما ينبغي ولا يصح لهم (أن يعمروا) من عمر يعمر، وقرئ من أعمر يعمر أي يجعلون لها من يعمرها عمارة معتداً بها.
(مساجد الله) قرئ بالجمع واختاره أبو عبيدة، قال النحاس: لأنها أعم، وإلخاص يدخل تحت العام، وقد يحتمل أن يواد بالجمع المسجد الحرام خاصة لقوله وعمارة المسجد الحرام، وهذا جائز فيما كان من أسماء الأجناس، كما يقال فلان يركب الخيل وإن لم يركب إلا فرساً.
(مساجد الله) قرئ بالجمع واختاره أبو عبيدة، قال النحاس: لأنها أعم، وإلخاص يدخل تحت العام، وقد يحتمل أن يواد بالجمع المسجد الحرام خاصة لقوله وعمارة المسجد الحرام، وهذا جائز فيما كان من أسماء الأجناس، كما يقال فلان يركب الخيل وإن لم يركب إلا فرساً.
251
إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ
252
وقرئ بالإفراد ويراد به جنس المسجد، وعلى هذا يندرج فيه سائر المساجد ويدخل المسجد الحرام دخولاً أولياً، قال النحاس: وقد أجمعوا على الجمع في قوله: (إنما يعمر مساجد الله).
قلت: وهي أيضاً محتملة للأمرين وعن الحسن البصري: إنما قال تعالى مساجد والمراد المسجد الحرام لأنه قبلة المساجد كلها وإمامها فعامره كعامر جميع المساجد أو لأن كل بقعة وناحية من بقاعه ونواحيه المختلفة الجهات مسجد على حياله بخلاف سائر المساجد، إذ ليس في نواحيها اختلاف الجهة، ويؤيده القراءة بالتوحيد.
قال الفراء: العرب قد تضع الواحد مكان الجمع كقولهم فلان كثير الدرهم وبالعكس، كقولهم فلان يجالس الملوك، ولعله لم يجالس إلا ملكاً واحداً، والمراد بالعمارة إما المعنى الحقيقي أو المعنى المجازي وهو ملازمته ودخوله والتعبد والقعود فيه، وكلاهما ليس للمشركين، أما الأول فلأنه يستلزم المنة على المسلمين بعمارة مساجدهم، وأما الثاني فلكون الكفار لا عبادة لهم مع نهيهم عن قربان المسجد الحرام.
قيل لو أوصى كافر ببناء المسجد لم تقبل وصيته، وكذا يمنع من دخول المسجد بغير إذن مسلم حتى لو دخل عزر، وإن داخل بإذن لم يعزر، ولكن لا بد من حاجة فيشترط للجواز الإذن والحاجة، ويدل على جواز دخول الكافر المسجد بالإذن أن النبي - ﷺ - شد ثمامة بن أثال إلى سارية من سواري المسجد، وهو كافر، والأولى تعظيم المساجد ومنعهم من دخولها.
قلت: وهي أيضاً محتملة للأمرين وعن الحسن البصري: إنما قال تعالى مساجد والمراد المسجد الحرام لأنه قبلة المساجد كلها وإمامها فعامره كعامر جميع المساجد أو لأن كل بقعة وناحية من بقاعه ونواحيه المختلفة الجهات مسجد على حياله بخلاف سائر المساجد، إذ ليس في نواحيها اختلاف الجهة، ويؤيده القراءة بالتوحيد.
قال الفراء: العرب قد تضع الواحد مكان الجمع كقولهم فلان كثير الدرهم وبالعكس، كقولهم فلان يجالس الملوك، ولعله لم يجالس إلا ملكاً واحداً، والمراد بالعمارة إما المعنى الحقيقي أو المعنى المجازي وهو ملازمته ودخوله والتعبد والقعود فيه، وكلاهما ليس للمشركين، أما الأول فلأنه يستلزم المنة على المسلمين بعمارة مساجدهم، وأما الثاني فلكون الكفار لا عبادة لهم مع نهيهم عن قربان المسجد الحرام.
قيل لو أوصى كافر ببناء المسجد لم تقبل وصيته، وكذا يمنع من دخول المسجد بغير إذن مسلم حتى لو دخل عزر، وإن داخل بإذن لم يعزر، ولكن لا بد من حاجة فيشترط للجواز الإذن والحاجة، ويدل على جواز دخول الكافر المسجد بالإذن أن النبي - ﷺ - شد ثمامة بن أثال إلى سارية من سواري المسجد، وهو كافر، والأولى تعظيم المساجد ومنعهم من دخولها.
252
(شاهدين) بإظهار ما هو كفر من نصب الأوثان والعبادة لها وجعلها آلهة، فإن هذا شهادة منهم (على أنفسهم بالكفر) وإن أبوا ذلك بألسنتهم، فكيف يجمعون بين أمرين متنافيين، عمارة المساجد التي هي من شأن المؤمنين، والشهادة على أنفسهم بالكفر التي ليست من شأن من يتقرب إلى الله بعمارة مساجده.
وقيل المراد بهذه الشهادة قولهم في طوافهم: لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك، مع قولهم نحن نعبد اللات والعزى، وقيل أن اليهودي يقول هو يهودي، والنصراني يقول هو نصراني، والصابئ يقول هو صابئ، والمشرك يقول هو مشرك.
وقال ابن عباس: شهادتهم سجودهم للأصنام. وقال الحسن: كلامهم بالكفر، وقيل شاهدين على رسولهم بالكفر، لأنه من أنفسهم وما أبعده عن المقام.
(أولئك حبطت أعمالهم) التي يفتخرون بها ويظنون أنها من أعمال الخير مثل العمارة والحجابة والسقاية، وفك المعاني لأنها مع الكفر لا تأثير لها، أي بطلت ولم يبق لها أثر (وفي النار هم خالدون) في هذه الجملة الاسمية مع تقديم الظرف المتعلق بالخبر تأكيد لمضمونها.
ثم بين سبحانه من هو حقيق بعمارة المساجد فقال: (إنما يعمر مساجد الله) الظاهر أن الجمع هنا حقيقة لأن المراد جميع المؤمنين العامرين لجميع مساجد أقطار الأرض، والتعمير بنحو البناء والتزيين بالفرش والسراج، وبالعبادة وترك حديث الدنيا، يقال عمرت الدار عمراً من باب قتل بنيتها، والاسم العمارة بالكسر وعمرت الخراب عمراً من باب كتب فهو عامر أي معمور.
وقيل المراد بهذه الشهادة قولهم في طوافهم: لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك، مع قولهم نحن نعبد اللات والعزى، وقيل أن اليهودي يقول هو يهودي، والنصراني يقول هو نصراني، والصابئ يقول هو صابئ، والمشرك يقول هو مشرك.
وقال ابن عباس: شهادتهم سجودهم للأصنام. وقال الحسن: كلامهم بالكفر، وقيل شاهدين على رسولهم بالكفر، لأنه من أنفسهم وما أبعده عن المقام.
(أولئك حبطت أعمالهم) التي يفتخرون بها ويظنون أنها من أعمال الخير مثل العمارة والحجابة والسقاية، وفك المعاني لأنها مع الكفر لا تأثير لها، أي بطلت ولم يبق لها أثر (وفي النار هم خالدون) في هذه الجملة الاسمية مع تقديم الظرف المتعلق بالخبر تأكيد لمضمونها.
ثم بين سبحانه من هو حقيق بعمارة المساجد فقال: (إنما يعمر مساجد الله) الظاهر أن الجمع هنا حقيقة لأن المراد جميع المؤمنين العامرين لجميع مساجد أقطار الأرض، والتعمير بنحو البناء والتزيين بالفرش والسراج، وبالعبادة وترك حديث الدنيا، يقال عمرت الدار عمراً من باب قتل بنيتها، والاسم العمارة بالكسر وعمرت الخراب عمراً من باب كتب فهو عامر أي معمور.
253
قال أبو السعود: والمراد بالعمارة ما يعم مرمة ما استرم منها وقمها وتنظيفها ودراسة العلوم فيها ونحو ذلك انتهى، وقد تقدم الكلام في وجه جمع المساجد وفي بيان ماهية العمارة، ومن يجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز حمل العمارة هنا عليهما قال أبو السعود: إدراج السجد الحرام في ذلك غير مخالف لمقتضى الحال، فإن الإيجاب ليس كالسلب، وقد قرئ بالإفراد أيضاً، والمراد هنا قصر تحقق العمارة ووجودها على المؤمنين لا قصر جوازها ولياقتها، أي إنما يصح ويستقيم أن يعمرها عمارة يعتد بها.
(من آمن بالله) وحده (واليوم الآخر) بما فيه من البعث والحساب والجزاء حسبما نطق به الوحي (وأقام الصلاة وآتى الزكاة) على ما علم من الدين فيندرج فيه الإيمان بنبوة النبي ﷺ حتماً، وقيل هو مندرج تحت الإيمان بالله خاصة فإن أحد جزأي كلمتي الشهادة علم للكل.
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان، قال الله تعالى: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر " (١) أخرجه أحمد والدارقطني والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن المنذر والبيهقي وعبد بن حميد.
وعن أنس أن رسول الله ﷺ قال: " من بنى لله مسجداً صغيراً كان أو كبيراً بنى الله له بيتاً في الجنة " (٢) أخرجه الترمذي.
وعن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: " من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة " (٣) وقد
_________
(١) الدارميّ كتاب الصلاة باب ٢٣.
(٢) الترمذي كتاب المواقيت باب ١٢٠.
(٣) مسلم ٥٣٣ - البخاري ٢٩٧.
(من آمن بالله) وحده (واليوم الآخر) بما فيه من البعث والحساب والجزاء حسبما نطق به الوحي (وأقام الصلاة وآتى الزكاة) على ما علم من الدين فيندرج فيه الإيمان بنبوة النبي ﷺ حتماً، وقيل هو مندرج تحت الإيمان بالله خاصة فإن أحد جزأي كلمتي الشهادة علم للكل.
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان، قال الله تعالى: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر " (١) أخرجه أحمد والدارقطني والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن المنذر والبيهقي وعبد بن حميد.
وعن أنس أن رسول الله ﷺ قال: " من بنى لله مسجداً صغيراً كان أو كبيراً بنى الله له بيتاً في الجنة " (٢) أخرجه الترمذي.
وعن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: " من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة " (٣) وقد
_________
(١) الدارميّ كتاب الصلاة باب ٢٣.
(٢) الترمذي كتاب المواقيت باب ١٢٠.
(٣) مسلم ٥٣٣ - البخاري ٢٩٧.
254
وردت أحاديث كثيرة في استحباب ملازمة المساجد وعمارتها والتردد إليها للطاعات.
(ولم يخش) أحداً (إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) فيه حسم لأطماع الكفار في الانتفاع بأعمالهم. فإن الموصوفين بتلك الصفات الأربع إذا كان اهتداؤهم مرجواً فقط، فكيف بالكفار الذين لم يتصفوا بشيء من تلك الصفات، وقيل عسى من الله واجبة.
وقال ابن عباس: كل عسى في القرآن فهي واجبة، كقوله لنبيه ﷺ (عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) وهي الشفاعة.
وقيل هي بمعنى خليق، أي فخليق أن يكونوا من المهتدين، وقيل أن الرجاء راجع إلى العباد.
قال ابن عباس: يقول من وحد الله وآمن بما أنزل الله وأقام الصلوات الخمس ولم يتعبد إلا الله فهو من المهتدين، فمن كان جامعاً بين هذه الأوصاف فهو الحقيق بعمارة المساجد لا من كان خالياً منها أو من بعضها.
واقتصر على ذكر الصلاة والزكاة والخشية تنبيهاً بما هو أعظم أمور الدين على ما عداه مما افترضه الله على عباده لأن كل ذلك من لوازم الإيمان.
(ولم يخش) أحداً (إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) فيه حسم لأطماع الكفار في الانتفاع بأعمالهم. فإن الموصوفين بتلك الصفات الأربع إذا كان اهتداؤهم مرجواً فقط، فكيف بالكفار الذين لم يتصفوا بشيء من تلك الصفات، وقيل عسى من الله واجبة.
وقال ابن عباس: كل عسى في القرآن فهي واجبة، كقوله لنبيه ﷺ (عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) وهي الشفاعة.
وقيل هي بمعنى خليق، أي فخليق أن يكونوا من المهتدين، وقيل أن الرجاء راجع إلى العباد.
قال ابن عباس: يقول من وحد الله وآمن بما أنزل الله وأقام الصلوات الخمس ولم يتعبد إلا الله فهو من المهتدين، فمن كان جامعاً بين هذه الأوصاف فهو الحقيق بعمارة المساجد لا من كان خالياً منها أو من بعضها.
واقتصر على ذكر الصلاة والزكاة والخشية تنبيهاً بما هو أعظم أمور الدين على ما عداه مما افترضه الله على عباده لأن كل ذلك من لوازم الإيمان.
255
أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٩) الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ
والاستفهام في قوله:
والاستفهام في قوله:
256
(أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام) للإنكار وهو استئناف خوطب به المشركون التفاتاً عن الغيبة في قوله: (ما كان للمشركين أن يعمروا).
والسقاية والعمارة مصدران كالسعاية والحماية لا يتصور تشبيههما بالأعيان والجثث فلا بد من إضمار تقديره أجعلتم أهل سقاية الحاج أو أجعلتم سقاية الحاج كإيمان من آمن، ويؤيد الأول قراءة من قرأ سقاة الحاج وعمرة المسجد جمع ساق وعامر وفيها تشبيه ذات بذات كما في الوجه الأول، وعلى هذا لا يحتاج إلى تقدير المحذوف.
(كمن) أي كإيمان أو كعمل من (آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله) حتى يتفق الموضوع والمحمول (لا يستوون عند الله) المعنى أن الله أنكر عليهم التسوية بين ما كان تعمله الجاهلية من الأعمال التي صورتها صورة الخير وإن لم ينتفعوا بها، وبين إيمان المؤمنين وجهادهم في سبيل الله.
وقد كان المشركون يفتخرون بالسقاية والعمارة ويفضلونهما على عمل المسلمين فأنكر الله عليهم ذلك، فصرح سبحانه بالمفاضلة بين الفريقين وتفاوتهم وعدم استوائهم أي لا تساوي تلك الطائفة الكافرة الساقية للحجيح العامرة للمسجد الحرام، وهذه الطائفة المؤمنة بالله واليوم الآخر المجاهدة في سبيله.
ودل سبحانه بنفي الاستواء على نفي الفضيلة التي يدعيها المشركون
والسقاية والعمارة مصدران كالسعاية والحماية لا يتصور تشبيههما بالأعيان والجثث فلا بد من إضمار تقديره أجعلتم أهل سقاية الحاج أو أجعلتم سقاية الحاج كإيمان من آمن، ويؤيد الأول قراءة من قرأ سقاة الحاج وعمرة المسجد جمع ساق وعامر وفيها تشبيه ذات بذات كما في الوجه الأول، وعلى هذا لا يحتاج إلى تقدير المحذوف.
(كمن) أي كإيمان أو كعمل من (آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله) حتى يتفق الموضوع والمحمول (لا يستوون عند الله) المعنى أن الله أنكر عليهم التسوية بين ما كان تعمله الجاهلية من الأعمال التي صورتها صورة الخير وإن لم ينتفعوا بها، وبين إيمان المؤمنين وجهادهم في سبيل الله.
وقد كان المشركون يفتخرون بالسقاية والعمارة ويفضلونهما على عمل المسلمين فأنكر الله عليهم ذلك، فصرح سبحانه بالمفاضلة بين الفريقين وتفاوتهم وعدم استوائهم أي لا تساوي تلك الطائفة الكافرة الساقية للحجيح العامرة للمسجد الحرام، وهذه الطائفة المؤمنة بالله واليوم الآخر المجاهدة في سبيله.
ودل سبحانه بنفي الاستواء على نفي الفضيلة التي يدعيها المشركون
256
أي إذا لم تبلغ أعمال الكفار إلى أن تكون مساوية لأعمال المسلمين، فكيف تكون فاضلة عليها كما يزعمون، وهذا الكلام استئناف مؤكد لما علم من إبطال المساواة بالتوبيخ المستفاد من الاستفهام أي لا يستوي الفريقان.
ثم حكم عليهم بالظلم فقال: (والله لا يهدي القوم الظالمين) وأي أنهم مع ظلمهم بما هم فيه من الشرك لا يستحقون الهداية من الله سبحانه، وهو تعليل في المعنى لنفي المساواة، وفي هذا إشارة إلى الفريق المفضول ثم صرح بالفريق الفاضل فقال:
ثم حكم عليهم بالظلم فقال: (والله لا يهدي القوم الظالمين) وأي أنهم مع ظلمهم بما هم فيه من الشرك لا يستحقون الهداية من الله سبحانه، وهو تعليل في المعنى لنفي المساواة، وفي هذا إشارة إلى الفريق المفضول ثم صرح بالفريق الفاضل فقال:
257
(الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة) أي الجامعون بين الإيمان والهجرة والجهاد بالأموال والأنفس أحق بما لديه من الخير، من تلك الطائفة المشركة المفتخرة بأعمالها المحبطة الباطلة.
وفي قوله: (عند الله) تشريف عظيم للمؤمنين (وأولئك) أي المتصفون بالصفات الثلاثة المذكورة (هم الفائزون) بسعادة الدارين المختصون بالفوز المحصلون لأصله بالنسبة لكون الغير أهل السقاية والعمارة والمحصلون لأكمله بالنسبة لكون الغير من لم يجمع الأوصاف المذكورة، ثم فسر الفوز بقوله.
وفي قوله: (عند الله) تشريف عظيم للمؤمنين (وأولئك) أي المتصفون بالصفات الثلاثة المذكورة (هم الفائزون) بسعادة الدارين المختصون بالفوز المحصلون لأصله بالنسبة لكون الغير أهل السقاية والعمارة والمحصلون لأكمله بالنسبة لكون الغير من لم يجمع الأوصاف المذكورة، ثم فسر الفوز بقوله.
(يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات) التنكير في الثلاثة للتعظيم، والمعنى أنها فوق وصف الواصفين وتصور المتصورين، قال أبو حيان: لما وصف الله المؤمنين بثلاث صفات الإيمان والهجرة والجهاد بالنفس والمال، قابلهم على ذلك بالتبشير بثلاث، وبدأ بالرحمة في مقابلة الإيمان لتوقفها عليه، وثنى بالرضوان الذي هو نهاية الإحسان في مقابلة الجهاد الذي فيه بذك الأنفس والأموال، ثم ثلث بالجنات في مقابلة الهجرة وترك الأوطان إشارة إلى أنهم لما آثروا تركها بدلهم داراً عظيمة دائمة وهي الجنات انتهى.
(لهم فيها نعيم مقيم) الدائم المستمر الذي لا يفارق صاحبه.
(لهم فيها نعيم مقيم) الدائم المستمر الذي لا يفارق صاحبه.
257
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٢) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
258
(خالدين فيها أبداً) ذكر الأبد بعد الخلود تأكيد له (إن الله عنده أجر عظيم) مؤكدة لما قبلها مع تضمنها للتعليل أي أعطاهم الله سبحانه هذه الأجور العظيمة لكون الأجر الذي عنده عظيماً يهب منه ما يشاء لمن يشاء وهو ذو الفضل العظيم، وهذه أعظم البشارات ونهاية المقصودات.
(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء) يعني بطانة وأصدقاء تفشون إليهم أسراركم وتؤثرون المقام معهم على الهجرة، والخطاب للمؤمنين كافة وهو حكم باق إلى يوم القيامة، يدل على قطع الولاية بين المؤمنين والكافرين والمراد النهي لكل فرد من أفراد المخاطبين عن موالاة فرد من أفراد المشركين بقضية مقابلة الجمع بالجمع الموجب لانقسام الآحاد إلى الآحاد كما في قوله: (وما للظالمين من أنصار) لا عن موالاة طائفة منهم فإن ذلك مفهوم من اللفظ دلالة لا عبارة.
وقالت طائفة من أهل العلم أنها نزلت في الحض على الهجرة ورفض بلاد الكفر، فيكون الخطاب لمن كان من المؤمنين بمكة وغيرها من بلاد العرب، نهوا أن يوالوا الآباء والأخوة فيكونون لهم تبعاً في سكنى بلاد الكفر، وقال بعضهم: حمل هذه الآية على الهجرة مشكل، لأن هذه السورة نزلت بعد الفتح وهي آخر القرآن نزولاً، والأقرب أن يقال أن الله تعالى لما أمر بالتبرئ عن المشركين قالوا: كيف يمكن أن يقاطع الرجل أباه وأخاه وابنه، فذكر الله تعالى أن مقاطعة الرجل أهله وأقاربه في الدين واجبة فالمؤمن لا يوالي الكافر وإن
وقالت طائفة من أهل العلم أنها نزلت في الحض على الهجرة ورفض بلاد الكفر، فيكون الخطاب لمن كان من المؤمنين بمكة وغيرها من بلاد العرب، نهوا أن يوالوا الآباء والأخوة فيكونون لهم تبعاً في سكنى بلاد الكفر، وقال بعضهم: حمل هذه الآية على الهجرة مشكل، لأن هذه السورة نزلت بعد الفتح وهي آخر القرآن نزولاً، والأقرب أن يقال أن الله تعالى لما أمر بالتبرئ عن المشركين قالوا: كيف يمكن أن يقاطع الرجل أباه وأخاه وابنه، فذكر الله تعالى أن مقاطعة الرجل أهله وأقاربه في الدين واجبة فالمؤمن لا يوالي الكافر وإن
258
كان أباه أو أخاه أو ابنه.
وقال مجاهد: هذه الآية متصلة بما قبلها نزلت في قصة العباس وطلحة وامتناعهما من الهجرة، وقال ابن عباس: لما أمر النبي ﷺ الناس بالهجرة إلى المدينة فمنهم من تعلق به أهله وأولاده يقولون ننشدك بالله أن لا تضيعنا فيرق لهم فيقيم عليهم ويدع الهجرة، فأنزل الله هذه الآية.
وقال مقاتل: نزلت في التسعة الذين ارتدوا عن الإسلام ولحقوا بمكة فنهى الله المؤمنين عن موالاتهم، وأنزل هذه الآية، والعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب.
(إن استحبوا الكفر) أي أحبوا كما يقال استجاب بمعنى أجاب، وهو في الأصل طلب المحبة أي إن اختاروا الكفر وأقاموا عليه (على الإيمان) وتركوه وقد تقدم تحقيق المقام في سورة المائدة، ثم حكم على من يتولى من استحب الكفر على الإيمان من الآباء والإخوان بالظلم فقال:
(من يتولهم) فيه مراعاة لفظ من (منكم فأولئك) فيه مراعاة معناها (هم الظالمون) فدل ذلك على أن تولي من كان كذلك واختيار المقام معه على الهجرة والجهاد من أعظم الذنوب وأشدها.
وقال مجاهد: هذه الآية متصلة بما قبلها نزلت في قصة العباس وطلحة وامتناعهما من الهجرة، وقال ابن عباس: لما أمر النبي ﷺ الناس بالهجرة إلى المدينة فمنهم من تعلق به أهله وأولاده يقولون ننشدك بالله أن لا تضيعنا فيرق لهم فيقيم عليهم ويدع الهجرة، فأنزل الله هذه الآية.
وقال مقاتل: نزلت في التسعة الذين ارتدوا عن الإسلام ولحقوا بمكة فنهى الله المؤمنين عن موالاتهم، وأنزل هذه الآية، والعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب.
(إن استحبوا الكفر) أي أحبوا كما يقال استجاب بمعنى أجاب، وهو في الأصل طلب المحبة أي إن اختاروا الكفر وأقاموا عليه (على الإيمان) وتركوه وقد تقدم تحقيق المقام في سورة المائدة، ثم حكم على من يتولى من استحب الكفر على الإيمان من الآباء والإخوان بالظلم فقال:
(من يتولهم) فيه مراعاة لفظ من (منكم فأولئك) فيه مراعاة معناها (هم الظالمون) فدل ذلك على أن تولي من كان كذلك واختيار المقام معه على الهجرة والجهاد من أعظم الذنوب وأشدها.
259
قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ
ثم أمر الله رسوله ﷺ قائلاً له:
ثم أمر الله رسوله ﷺ قائلاً له:
260
(قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله).
العشيرة الجماعة المجتمعة التي ترجع إلى نسب وعقد واحد أو ود كعقد العشرة وعشيرة الرجل أهله وقرابته الأدنون وهم الذين يعاشرونه ويتكثر بهم سواء بلغوا العشرة أم فوقها وهي اسم جمع، وقرأ السلمي وأبو رجاء عشيراتكم بالجمع ووجهه أن لكل من المخاطبين عشيرة فحسن الجمع قال الأخفش: لا تكاد العرب تجمع عشيرة على عشيرات وإنما يجمعونها على عشائر، وهذه القراءة حجة عليه.
وقرأ الحسن: عشائركم والباقون عشيرتكم، والاقتراف الاكتساب، وأصله اقتطاع الشيء من مكانه، والتركيب يدور على الدنو والكاسب يدني الشيء من نفسه ويدخله تحت ملكه، والتجارة الأمتعة التي يشترونها ليربحوا فيها، والكساد عدم النفاق لفوات وقت بيعها بالهجرة ومفارقة الأوطان.
ومن غرائب التفسير ما روي عن ابن المبارك أنه قال: إن المراد بالتجارة في هذه الآية البنات والأخوات إذا كسدن في البيت لا يجدون لهن خاطباً واستشهد لذلك بقول الشاعر:
العشيرة الجماعة المجتمعة التي ترجع إلى نسب وعقد واحد أو ود كعقد العشرة وعشيرة الرجل أهله وقرابته الأدنون وهم الذين يعاشرونه ويتكثر بهم سواء بلغوا العشرة أم فوقها وهي اسم جمع، وقرأ السلمي وأبو رجاء عشيراتكم بالجمع ووجهه أن لكل من المخاطبين عشيرة فحسن الجمع قال الأخفش: لا تكاد العرب تجمع عشيرة على عشيرات وإنما يجمعونها على عشائر، وهذه القراءة حجة عليه.
وقرأ الحسن: عشائركم والباقون عشيرتكم، والاقتراف الاكتساب، وأصله اقتطاع الشيء من مكانه، والتركيب يدور على الدنو والكاسب يدني الشيء من نفسه ويدخله تحت ملكه، والتجارة الأمتعة التي يشترونها ليربحوا فيها، والكساد عدم النفاق لفوات وقت بيعها بالهجرة ومفارقة الأوطان.
ومن غرائب التفسير ما روي عن ابن المبارك أنه قال: إن المراد بالتجارة في هذه الآية البنات والأخوات إذا كسدن في البيت لا يجدون لهن خاطباً واستشهد لذلك بقول الشاعر: