تفسير سورة الهمزة

تفسير أبي السعود
تفسير سورة سورة الهمزة من كتاب إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المعروف بـتفسير أبي السعود .
لمؤلفه أبو السعود . المتوفي سنة 982 هـ
مكية، وآيها تسع.

﴿وَيْلٌ﴾ مبتدأٌ خبرُهُ ﴿لّكُلّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ﴾ وساغَ الابتداءُ بِه معَ كونِه نكرةً لأنهُ دعاءٌ عليهم بالهلكةِ أو بشدةِ الشرِّ والهَمْزُ الكسرُ كالهزمِ واللمزِ الطعنُ كاللهزِ شَاعا في الكسرِ مِنْ أعراضِ النَّاسِ والطعن فيهمْ وبناء فُعَلةٍ للدِلالة عَلى أنَّ ذلكَ منْهُ عَادةٌ مُستمرةٌ قَد ضَرَى بَها وكذلكَ اللُّعَنةُ والضُّحَكَةُ وقُرِىءَ لكُلِّ هُمْزةٍ لُمْزةٍ بسكونِ الميمِ وهُوَ المسخرةُ الذي يأتي بالأضاحيكِ فيضحكُ منْهُ ويُستهزأُ بهِ وقيلَ نزلتْ في الأخنسِ بنِ شُرَيقٍ فإنَّهُ كانَ ضارياً بالغِيْبةِ والوقيعةِ وقيلَ في أميةَ بنِ خَلَفٍ وقيلَ في الوليد بن المغيرة واغتيابه لرسول الله ﷺ وغضه مِنْ جنابِه الرفيعِ واختصاصُ السببِ لا يستْدِعي خصوصَ الوعيدِ بهمِ بلْ كلُّ منْ اتصفَ بوصفهِم القبيحْ فلَهُ ذنوبٌ منْهُ مثلُ ذنوبِهم
﴿الذى جَمَعَ مَالاً﴾ بدلٌ منْ كُلِّ أوْ منصوبٌ أو مرفوعٌ على الذمِّ وقرىء جمع بالتشديد للتكثير وتنكير ما لا للتفخيمِ والتكثيرِ الموافقُ لقولِه تعالَى ﴿وَعَدَّدَهُ﴾ وقيلَ مَعْنى عَدَّدَهُ جعلَهُ عدةً لنوائبِ الدَّهرِ وَقُرِىءَ وَعَدَدَهُ أيْ جمعَ المالَ وضبطَ عَدَدَهُ أوْ جمعَ مالَهُ وعددَهُ الذينَ ينصرونَهُ منْ قولِك فلانٌ ذُو عُددٍ وَعَددٍ إذَا كانَ لَهُ عددٌ وافرٌ منَ الأنصارِ والأعوانِ وقيلَ هُو فعلٌ ماضٍ بفكِّ الإدغامِ
﴿يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ﴾ أيْ يعملُ عملَ منْ يظنُّ أنَّ مالَهُ يبقيهِ حياً والإظهارُ في موقعِ الإضمارِ لزيادةِ التقريرِ وقيلَ طَوَّلَ المالُ أَمَلَه وَمَنَّاهُ الأَمَانيِّ البعيدةَ حَتَّى أصبحَ لفرطِ غفلتِه وطولِ أملِه يحسبُ أنَّ المالَ تركَهُ خَالداً في الدُّنيا لا يموتُ وقيلَ هُو تَعريضٌ بالعملِ الصالحِ والزهدِ في الدُّنيا وأنَّه هُوَ الذي أخلدَ صاحبَهُ في الحياةِ الأبديةِ والنعيمِ المقيمِ فأمَّا المال فليس بخالد ولا بمُخَلِّدٍ ورُوِيَ أنَّ الأخنسَ كانَ لهُ أربعةُ آلافِ دينارٍ وقيلَ عشرةُ آلافٍ والجملةُ مستأنفةٌ أو حالٌ منْ فاعلِ جَمَع
﴿كَلاَّ﴾ ردعٌ لهُ عنْ
198
} ٠٤ سورة الهمزة آية (٩٥)
ذلكَ الحْسبانِ الباطلِ وَقولُه تعالَى ﴿لَيُنبَذَنَّ﴾ جوابُ قسمٍ مقدرٍ وَالجملةُ استئنافٌ مبينٌ لعلةِ الردعِ أيْ والله ليطرحنَّ بسببِ تعاطيِه للأفعالِ المذكورةِ ﴿فِى الحطمة﴾ أيْ في النارِ التي شأنُها أنْ تحطمَ وتكسرَ كُلَّ مَا يُلْقَى فيهَا كَما أنَّ شأنَهُ كسرُ أعراضِ النَّاسِ وجمعُ المالِ وَقولُه تعالى
199
﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الحطمة﴾ لتهويلِ أمرِهَا ببيانِ أنَّها ليستْ منِ الأمورِ التي تنالهَا عقولُ الخلقِ
وقولُه تعالَى ﴿نَارُ الله﴾ خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ والجملةُ بيانٌ لشأنِ المسؤولِ عَنْها أيْ هيَ نارُ الله ﴿الموقدة﴾ بأمرِ الله عزَّ سلطانُهُ وفي إضافتها إليهِ سُبحانَهُ ووصفُهَا بالإيقادِ منْ تهويلِ أمرِهَا مَا لاَ مزيدَ عليهِ
﴿التى تَطَّلِعُ عَلَى الافئدة﴾ أيْ تعلُو أوساطَ القلوبِ وتغشاهَا وتخصيصُها بالذكرِ لما أنَّ الفؤادَ ألطفُ ما في الجسدِ وأشدُّة تألماً بأدْنى أَذى يمسُّهُ أوْ لأَنَّه محلُ العقائدِ الزائغةِ والنياتِ الخبيثةِ ومنشأُ الأعمالِ السيئةِ
﴿إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ﴾ أي مطبقة من أوصدت الباب وأصدته أي أطبقته
﴿فِى عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ﴾ إِمَّا حالٌ منَ الضميرِ المجرورِ في عليهمْ أيْ كائنينَ في عمدٍ ممددةٍ أيْ موثقينَ فيهَا مثلُ المقاطرِ التي تُقطرُ فيهَا اللصوصُ أوْ خبرُ مبتدإٍ مضمرٍ أيْ هُمْ في عمدٍ أو صفةٌ لمؤصدةٍ قالَه أبُو البقاءِ أيْ كائنةٌ في عمد ممددة بأنْ تؤصدَ عليهمْ الأبوابُ وتمددَ على الأبوابِ العمدُ استيثاقاً في استيثاقٍ اللهمَّ أجرنَا منها يا خيرَ مستجارٍ وَقُرِىءَ عُمُدٌ بضمتينِ عنِ النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلَّم مَنْ قرأَ سورةَ الهمزةِ أعطاهُ الله تعالى عشر حسنات بعدد منِ استهزأَ بمحمدٍ وأصحابِهِ
199
} ٠٥ سورة الفيل مكية وآيها خمس

بسم الله الرحمن الرحيم

200
Icon