تفسير سورة الفلق

مراح لبيد
تفسير سورة سورة الفلق من كتاب مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد المعروف بـمراح لبيد .
لمؤلفه نووي الجاوي . المتوفي سنة 1316 هـ

سورة الفلق
مدنية، خمس آيات، ثلاث وعشرون كلمة، أربعة وسبعون حرفا
قيل: إن الله تعالى أنزل المعوذتين عليه صلّى الله عليه وسلّم ليكونا رقية من العين. وروي أن جبريل عليه السلام أتاه وقال: إن عفريتا من الجن يكيدك فقال: إذا أويت إلى فراشك قل: أعوذ برب السورتين.
وقال ابن عباس: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعلمنا من الأوجاع كلها والحمى هذا الدعاء «بسم الله الكريم أعوذ بالله العظيم من شر كل عرق نعار ومن شر حر النار»
. قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) أي الصبح، فإنه وقت دعاء المضطرين، وإجابة الملهوفين، فكأنه يقول: قل أعوذ برب الوقت الذي يفرج فيه عن كل مهموم، ولأنه أنموذج من يوم القيامة، لأن الخلق كالأموات والدور كالقبور، ثم منهم من يخرج عن داره مفلسا عريانا، ومنهم من كان مديونا فيجر إلى الحبس، ومنهم من كان ملكا مطاعا، فتقدم إليه المراكب ويقوم الناس بين يديه، وكذا في يوم القيامة بعضهم مفلس عن الثواب، عار عن لباس التقوى. فيجر إلى الملك الجبار، وبعضهم كان مطيعا لربه في الدنيا، فصار ملكا مطاعا في العقبى يقدم إليه البراق.
وقيل: الفلق واد في جهنم أوجب فيها.
روي عن بعض الصحابة أنه قدم الشام فرأى دور أهل الذمة وما هم فيه من خصب العيش فقال: لا أبالي ألبس من ورائهم الفلق. فقيل: وما الفلق؟ قال: بيت في جهنم إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدة حره، وإنما خصه الله بالذكر هاهنا، لأنه القادر على مثل هذا التعذيب وفد ثبت أن رحمته تعالى أعظم من عذابه فكأنه يقول: يا صاحب العذاب الشديد أعوذ برحمتك التي هي أعظم وأقدم من عذابك.
الفرخ، والقلوب عن المعارف، فكأن الله تعالى هو الذي فلق بحار ظلمات العدم بأنوار الإيجاد وكأنه
681
تعالى قال: قل أعوذ برب جميع الممكنات وبمكون المحدثات، فيكون التعظيم فيه أعظم ويكون الصبح وجبّ النار أحد الأمور الداخلة في هذا المعنى، مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (٢) أي من شر كل ذي شر خلقه الرب من إبليس، ومن جهنم، ومن أصناف الحيوانات المؤذيات كالسباع والهوام وغيرهما، وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (٣) أي ومن شر قمر إذا طلع، كما أخرجه الترمذي من حديث عائشة قالت: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيدي، فأشار إلى القمر فقال: «نعوذ بالله من شر هذا، فإنه الغاسق إذا وقب»، ومعنى غسوق القمر: امتلاؤه فوقوبه دخوله في الخسوف، أو من شر شمس إذا غربت كما قاله ابن شهاب، وإنما سميت غاسقا، لأنها في الفلك تسبح، فسمي جريانها بالغسق ووقوبها دخولها تحت الأرض، أو من شر ثريا إذا سقطت، لأن الأسقام تكثر عند سقوطها وترتفع عند طلوعها، كما قاله عبد الرحمن بن زيد، وعلى هذا تسمى الثريا غاسقا لانصبابه عند وقوعه في المغرب، ووقوبه دخوله تحت الأرض وغيبوبته عن الأعين، أو من شرحية إذا لدغت وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (٤) أي ومن شر النساء اللاتي يبطلن عزائم الرجال بالحيل كما اختاره أبو مسلم، فمعنى الآية: أن النساء لأجل كثرة حبهن في قلوب الرجال يتصرفن فيهم ويحوّلنهم من رأي إلى رأي، ومن عزيمة إلى عزيمة، فأمر الله رسوله بالتعوذ من شرهن وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (٥) أي إذا أظهر ما في نفسه من الحسد، وعمل بمقتضاه كتهيئة مبادي الإضرار بالمحسود قولا أو فعلا.
682
Icon