ﰡ
(بسم الله الرحمن الرحيم)
(ربِّ يسِّر)القول في تأويل قوله تعالى: ﴿المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١) ﴾
قال أبو جعفر: قد بينا القول في تأويل قوله (الر)
و (المر)، ونظائرهما من حروف المعجم التي افتتح بها أوائل بعض سور القرآن، فيما مضى، بما فيه الكفاية من إعادتها (١) غير أنا نذكر من الرواية ما جاء خاصًّا به كل سورة افتتح أولها بشيء منها.
فما جاء من الرواية في ذلك في هذه السورة عن ابن عباس من نقل أبي الضحى مسلم بن صبيح وسعيد بن جبير عنه، التفريقُ بين معنى ما ابتدئ به أولها، مع زيادة الميم التي فيها على سائر السور ذوات (الر) (٢) ومعنى ما ابتدئ به أخواتها (٣) مع نقصان ذلك منها عنها.
ذكر الرواية بذلك عنه:
(٢) في المطبوعة والمخطوطة:" على سائر سور ذوات الراء"، والصواب ما أثبت.
(٣) السياق:"... التفريق بين معنى ما ابتدئ به أولها... ومعنى ما ابتدئ به أخواتها".
٢٠٠٤٥- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا شريك، عن عطاء بن السائب، عن أبي الضحى، عن ابن عباس: قوله: (المر) قال: أنا الله أرى.
٢٠٠٤٦- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال: حدثنا سفيان، عن مجاهد: (المر) : فواتح يفتتح بها كلامه.
* * *
وقوله: (تلك آيات الكتاب) يقول تعالى ذكره: تلك التي قصصت عليك خبرَها، آيات الكتاب الذي أنزلته قبل هذا الكتاب الذي أنزلته إليك إلى من أنزلته إليه من رسلي قبلك.
* * *
وقيل: عنى بذلك: التوراة والإنجيل.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٠٤٧- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (المر تلك آيات الكتاب) الكتُب التي كانت قبل القرآن.
٢٠٠٤٨- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا سفيان، عن مجاهد: (تلك آيات الكتاب) قال: التوراة والإنجيل.
* * *
وقوله: (والذي أنزل إليك من ربك الحق) [القرآن]، (١) فاعمل بما فيه واعتصم به.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٠٤٩- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال: حدثنا سفيان، عن مجاهد: (والذي أنزل إليك من ربك الحق) قال: القرآن.
٢٠٠٥٠- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (والذي أنزل إليك من ربك الحق) : أي: هذا القرآن.
* * *
وفي قوله: (والذي أنزل إليك) وجهان من الإعراب:
أحدهما: الرفع، على أنه كلام مبتدأ، فيكون مرفوعا بـ"الحق" و"الحق به". وعلى هذا الوجه تأويل مجاهد وقتادة الذي ذكرنا قبل عنهما.
* * *
والآخر: الخفض على العطف به على (الكتاب)، فيكون معنى الكلام حينئذ: تلك آياتُ التوراة والإنجيل والقرآن. ثم يبتدئ (الحق) بمعنى: ذلك الحق = فيكون رفعه بمضمر من الكلام قد استغنى بدلالة الظاهر عليه منه.
* * *
ولو قيل: معنى ذلك: تلك آيات الكتاب الذي أنزل إليك من ربك الحق = وإنما أدخلت الواو في"والذي"، وهو نعت للكتاب، كما أدخلها الشاعر في قوله:
إلَى المَلِكِ القَرْمِ وَابْنِ الهُمَامِ... وَلَيْثَ الكَتِيبَةِ فِي المُزْدَحَمْ (١)
فعطف بـ"الواو"، وذلك كله من صفة واحد=، كان مذهبًا من التأويل. (٢)
(٢) السياق:" ولو قيل: معنى ذلك... كان مذهبًا من التأويل".
* * *
وقوله: (ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) ولكن أكثر الناس من مشركي قومك لا يصدقون بالحقّ الذي أنزل إليك من ربك، (١) ولا يقرّون بهذا القرآن وما فيه من محكم آيه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (٢) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الله، يا محمد، هو الذي رفع السموات السبع بغير عَمَد ترونها، فجعلها للأرض سقْفًا مسموكًا.
* * *
و"العَمَد" جمع"عمود"، وهي السَّواري، وما يعمد به البناء، كما قال النابغة:
وَخَيِّسِ الجِنَّ إنِّي قَدْ أذِنْتُ لَهُمْ | يَبْنُون تَدْمُرَ بِالصُّفَّاحِ وَالعَمَدِ (٢) |
(٢) ديوانه: ٢٩، ومجاز القرآن ١: ٣٢٠، وشمس العلوم لنشوان الحميري: ٣٧، وغيرها كثير، من قصيدته المشهورة التي اعتذر فيها للنعمان، لما قذفوه بأمر المتجردة، يقول قبله:
ولاَ أَرَى فَاعلاً فِي النَّاسِ يُشْبِهُهُ | ولاَ أُحَاشِي مِنَ الأقْوامِ مِنْ أَحَدِ |
إلاَّ سُلَيْمَانَ إذْ قَالَ الإلهُ لَهُ | قُمْ فِي البَرِيَّةِ فَاحْدُدْهَا عن الفَنَدِ |
و" تدمر" مدينة بالشام. قال نشوان الحميري في شمس العلوم:" مدينة الشأم مبنية بعظام الصخر، فيها بناء عجيب، سميت بتدمر الملكة العمليقية بنت حسان بن أذينة، لأنها أول من بناها. ثم سكنها سليمان بن داود عليه السلام بعد ذلك. فبنت له فيها الجن بناء عظيمًا، فنسبت اليهود والعرب بناءها إلى الجن، لما استعظموه".
وهذا نص جيد من أخبارهم وقصصهم في الجاهلية.
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (رفع السموات بغير عمد ترونها).
فقال بعضهم: تأويل ذلك: الله الذي رفع السموات بعَمَدٍ لا ترونها.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٠٥١- حدثنا أحمد بن هشام قال: حدثنا معاذ بن معاذ قال: حدثنا عمران بن حدير، عن عكرمة قال: قلت لابن عباس: إن فلانًا يقول: إنها على عمد = يعنى السماء؟ قال: فقال: اقرأها (بغير عمَدٍ ترونها) : أي لا ترونها.
٢٠٠٥٢- حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح قال: حدثنا معاذ بن معاذ، عن عمران بن حدير، عن عكرمة، عن ابن عباس، مثله.
٢٠٠٥٣- حدثنا الحسن بن محمد قال: ثنا عفان قال: حدثنا حماد قال: حدثنا حميد، عن الحسن بن مسلم، عن مجاهد في قوله: (بغير عمد ترونها)، قال: بعمد لا ترونها.
٢٠٠٥٤- حدثني المثنى قال: حدثنا الحجاج قال: حدثنا حماد، عن حميد، عن الحسن بن مسلم، عن مجاهد، في قول الله: (بغير عمد ترونها) قال: هي لا ترونها (١).
٢٠٠٥٦- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
٢٠٠٥٧-...... قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الحسن وقتادة قوله: (الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها) قال قتادة: قال ابن عباس: بعَمَدٍ ولكن لا ترونها.
٢٠٠٥٨- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قوله: (رفع السموات بغير عمد ترونها) قال: ما يدريك؟ لعلها بعمد لا ترونها.
* * *
ومن تأوَّل ذلك كذلك، قصد مذهب تقديم العرب الجحدَ من آخر الكلام إلى أوله، كقول الشاعر (٢)
وَلا أرَاهَا تَزَالُ ظَالِمَةً | تُحْدِثُ لِي نَكْبَةً وتَنْكَؤُهَا (٣) |
(٢) هو ابن هرمة.
(٣) شرح شواهد المغني ٢٧٧، ٢٧٩ من تسعة أبيات، ومعاني القرآن للفراء في تفسير الآية، والأضداد لابن الأنباري: ٢٣٤.
وقد زعموا أنه قيل لابن هرمة: إن قريشًا لا تهمز، فقال: لأقولن قصيدة أهمزها كلها بلسان قريش، وأولها:
إنَّ سُلَيْمي والله يكْلَؤهَا | ضَنَّتْ بِشَيء مَا كَان يَرْزَؤُها |
وعَوَّدَتْنِي فِيما تُعَوِّدُني | أَظْمَاءُ وِرْدٍ ما كُنْتُ أجزَؤُهَا |
ولا أرَاهَا تَزَال ظَالِمةً | ................... |
يعني: وإن كان فيما يرى الناس لا يألو.
* * *
وقال آخرون، بل هي مرفوعة بغير عمد.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٠٥٩- حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال: أخبرنا آدم قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن إياس بن معاوية، في قوله: (رفع السموات بغير عمد ترونها) قال: السماء مقبّبة على الأرض مثل القبة. (٢)
٢٠٠٦٠- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (بغير عمد ترونها) قال: رفعها بغير عمد.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال كما قال الله تعالى: (الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها) فهي مرفوعة بغير عمد نَراها، كما قال ربنا جل ثناؤه. ولا خبر بغير ذلك، ولا حجة يجب التسليم لها بقول سواه. (٣)
* * *
وأما قوله: (ثم استوى على العرش) فإنه يعني: علا عليه.
* * *
وقد بينا معنى الاستواء واختلاف المختلفين فيه، والصحيح من القول فيما قالوا فيه، بشواهده فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (٤)
* * *
(٢) الأثر: ٢٠٠٥٩ -" إياس بن معاوية بن قرة المزني"،" أبو واثلة" قاضي البصرة، ثقة، وكان فقيهًا عفيفًا، وكان عاقلا فطنًا من الرجال، يضرب به المثل في الحلم والدهاء. مترجم في التهذيب، والكبير ١ / ١ / ٤٤٢، وابن أبي حاتم ١ / ١ / ٢٨٢، وابن سعد ٧ / ٢ / ٤، ٥.
(٣) أي احتياط وفقه وعقل وورع، كان أبو جعفر يستعمل في تفسيره!.
(٤) انظر تفسير" الاستواء" فيما سلف ١: ٤٢٨ - ٤٣١ / ١٢: ٤٨٢، ٤٨٣ / ١٥: ١٨.
= وتفسير" العرش" فيما سلف ١٥: ٢٤٥، تعليق: ١، والمراجع هناك.
* * *
وقوله: (كل يجري لأجل مسمَّى) يقول جل ثناؤه: كل ذلك يجري في السماء= (لأجل مسمى) : أي: لوقت معلوم، (١) وذلك إلى فناء الدنيا وقيام القيامة التي عندها تكوَّر الشمس، ويُخْسف القمر، وتنكدر النجوم.
=وحذف ذلك من الكلام، لفهم السامعين من أهل لسان من نزل بلسانه القرآن معناه، وأن (كلّ) " لا بدَّ لها من إضافة إلى ما تحيط به. (٢)
* * *
وبنحو الذي قلنا في قوله: (لأجل مسمى) قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٠٦١- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمّى) قال: الدنيا. (٣)
* * *
وقوله: (يدبِّر الأمر) يقول تعالى ذكره: يقضي الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها أمورَ الدنيا والآخرة كلها، ويدبِّر ذلك كله وحده، بغير شريك ولا ظهير ولا معين سُبْحانه. (٤)
* * *
(٢) انظر تفسير" كل" وأحكامها فيما سلف ١٥: ٥٤٠، تعليق: ١، والمراجع هناك. وانظر ما قاله أبو عبيدة في مجاز القرآن ١: ٣٢١.
(٣) قوله" الدنيا"، كأنه يعني: فناء الدنيا، فاقتصر على ذكر" الدنيا"، لأنه معلوم بضرورة الدين أنها فانية، وإنما الخلود في الآخرة.
(٤) انظر تفسير" التدبير" فيما سلف ١٥: ١٨، ١٩، ٨٤.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٠٦٢- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (يدبر الأمر) يقضيه وحده.
٢٠٠٦٣-......... قال حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
٢٠٠٦٤- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه.
* * *
وقوله: (يفصل الآيات) يقول: يفصل لكم ربُّكم آيات كتابه، فيبينها لكم (١) احتجاجًا بها عليكم، أيها الناس = (لعلكم بلقاء ربكم توقنون) يقول: لتوقنوا بلقاء الله، والمعاد إليه، فتصدقوا بوعده ووعيده، (٢) وتنزجروا عن عبادة الآلهة والأوثان، وتخلصوا له العبادة إذا أيقنتم ذلك. (٣)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٠٦٥- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (لعلكم بلقاء ربكم توقنون)، وإن الله تبارك وتعالى إنما أنزل كتابه وأرسل رسله، لنؤمن بوعده، ونستيقن بلقائه.
* * *
(٢) انظر تفسير" الإيقان" فيما سلف ١٠: ٣٩٤ / ١١: ٤٧٥.
(٣) في المطبوعة:" تيقنتم"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو لب الصواب.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والله الذي مَدَّ الأرض، فبسطها طولا وعرضًا.
* * *
وقوله: (وجعل فيها رواسي) يقول جل ثناؤه: وجعل في الأرض جبالا ثابتة.
* * *
و"الرواسي:"جمع"راسية"، وهي الثابتة، يقال منه:"أرسيت الوتد في الأرض": إذا أثبته، (١) كما قال الشاعر: (٢)
بهِ خَالِدَاتٌ مَا يَرِمْنَ وهَامِدٌ | وَأشْعَثُ أرْسَتْهُ الوَلِيدَةُ بِالفِهْرِ (٣) |
* * *
وقوله: (وأنهارًا) يقول: وجعل في الأرض أنهارًا من ماء.
* * *
وقوله: (ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين فـ (من) في
(٢) هو الأحوص.
(٣) مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٣٢١، واللسان (رسا)، وروايته" سوى خالدات" و" ترسيه الوليدة". و" الخالدات"، و" الخوالد" صخور الأثافي، سميت بذلك لطول بقائها بعد دروس أطلال الديار.: ما يرمن"، ما يبرحن مكانهن، من" رام المكان يريمه"، إذا فارقه. و" الهامد" الرماد المتلبد بعضه على بعض. و" الأشعث"، الوتد، لأنه يدق رأسه فيتشعث ويتفرق، و" الوليدة": الجارية، و" الفهر" حجر ملء الكف، يدق به.
* * *
ومعنى الكلام: وجعل فيها زوجين اثنين من كل الثمرات. وعنى بـ (زوجين اثنين) : من كل ذكر اثنان، ومن كل أنثى اثنان، فذلك أربعة، من الذكور اثنان، ومن الإناث اثنتان في قول بعضهم.
* * *
وقد بينا فيما مضى أن العرب تسمي الاثنين: (زوجين)، والواحد من الذكور"زوجًا" لأنثاه، وكذلك الأنثى الواحدة"زوجًا" و"زوجة" لذكرها، بما أغمى عن إعادته في هذا الموضع. (١)
ويزيد ذلك إيضاحًا قول الله عز وجل: (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأنْثَى) [سورة النجم: ٤٥] فسمى الاثنين الذكر والأنثى (زوجين).
وإنما عنى بقوله: (زوجين اثنين)، (٢) نوعين وضربين.
* * *
وقوله: (يغشى الليل النهار)، يقول: يجلِّل الليلُ النهارَ فيلبسه ظلمته، والنهارُ الليلَ بضيائه، (٣) كما:-
٢٠٠٦٦- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (يغشي الليل النهار) أي: يلبس الليل النهار.
* * *
وقوله: (إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)، يقول تعالى ذكره:
(٢) في المخطوطة والمطبوعة:" من كل زوجين اثنين"، وهم الناسخ، فزاد في الكلام ما ليس منه هنا، وإنما ذلك من قوله تعالى في آية أخرى. فحذفت" من كل"، ليبقى نص الآية التي يفسرها هنا.
(٣) انظر تفسير" الإغشاء" فيما سلف ١٢: ٤٨٣ / ١٥: ٧٥.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَفِي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره (وفي الأرض قطع متجاورات)، وفي الأرض قطع منها متقاربات متدانيات، يقرب بعضها من بعض بالجوار، وتختلف بالتفاضل مع تجاورها وقرب بعضها من بعض، فمنها قِطْعة سَبَخَةٌ لا تنبت شيئًا في جوار قطعة طيبة تنبت وتنفع.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٠٦٨- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قوله: (وفي الأرض قطع متجاورات) قال: سِبَاخٌ وعَذَويّة.
٢٠٠٦٩- حدثني المثنى قال: ثنا أبو نعيم قال: حدثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، مثله.
٢٠٠٧٠- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا سعيد بن سليمان قال: حدثنا إسحاق بن سليمان، عن أبي سنان، عن ابن عباس في قوله: (وفي الأرض قطع متجاورات) قال: العَذِيَة والسَّبخة.
٢٠٠٧١- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وفي الأرض قطع متجاورات) يعني: الأرض السبخة، والأرض العذية، يكونان جميعًا متجاورات، يُفضِّل بعضها على بعض في الأكُل. (٢)
٢٠٠٧٢- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: (قطع متجاورات) العذية والسبخة،
(٢) في المخطوطة والمطبوعة، ذكر بعد هذا الخبر التالي رقم: ٢٠٠٧٢، مبتور الآخر، ثم عاد فروى هذا الخبر (رقم: ٢٠٠٧١) بنصه وإسناده، ثم اتبعه الخبر رقم: ٢٠٠٧٢، فحذفت ما بين ذلك، لأنه تكرار لا شك فيه، وسهو من ناسخ الكتاب.
٢٠٠٧٣- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (قطع متجاورات) طيِّبها: عذبُها، وخبيثها: السَّباخ.
٢٠٠٧٤- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
٢٠٠٧٥-...... قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
٢٠٠٧٦- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وفي الأرض قطع متجاورات) قُرًى قَرُبت متجاورات بعضها من بعض.
٢٠٠٧٧- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وفي الأرض قطع متجاورات) قال: قُرًى متجاورات.
٢٠٠٧٨- حدثني المثنى قال: حدثنا عمرو قال: حدثنا هشيم، عن أبي إسحاق الكوفي، عن الضحاك، في قوله: (قطع متجاورات) قال: الأرض السبخة، (١) تليها الأرض العَذِية. (٢)
٢٠٠٧٩- حدثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وفي الأرض قطع
(٢) الأثر: ٢٠٠٧٨ -" أبو إسحاق الكوفي"،" عبد الله بن ميسرة الحارثي"، كنيته" أبو ليلى"، وكناه هشيم:" أبا إسحاق" تارة و" أبا عبد الجليل" تارة أخرى، كأنه يدلس بكنيته وهو ضعيف، مضى برقم: ٦٩٢٠، ٩٢٥٠، ١٣٤٨٩.
٢٠٠٨٠- حدثنا الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا إسرائيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: (وفي الأرض قطع متجاورات) قال: الأرض تنبت حُلوًا، والأرض تنبت حامضًا، وهي متجاورة تسقى بماءٍ واحد.
٢٠٠٨١- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا إسرائيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وفي الأرض قطع متجاورات) قال: يكون هذا حلوًا وهذا حامضًا، وهو يسقى بماء واحد، وهن متجاورات.
٢٠٠٨٢- حدثني عبد الجبار بن يحيى الرملي قال: حدثنا ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب في قوله: (وفي الأرض قطع متجاورات) قال: عَذِيَة ومالحة. (١)
* * *
وقوله: (وجنات من أعناب وزرع ونخيل صِنْوان وغير صنوان يسقى بماء واحدٍ ونفضّل بعضها على بعض في الأكُل) يقول تعالى ذكره: وفي الأرض مع القطع المختلفات المعاني منها، بالملوحة والعذوبة، والخبث والطيب، (٢) مع تجاورها وتقارب بعضها من بعض، بساتين من أعناب وزرع ونخيلٍ أيضًا، متقاربةٌ في الخلقة مختلفة في الطعوم والألوان، مع اجتماع جميعها على شرب واحد. فمن طيّبٍ طعمُه منها حسنٍ منظره طيبةٍ رائحته، ومن حامضٍ طعمه ولا رائحة له.
* * *
(٢) في المطبوعة:" والخبيث"، والصواب ما في المخطوطة.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٠٨٣- حدثنا ابن حميد قال: ثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، في قوله: (وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان) قال: مجتمع وغير مجتمع="تسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل"، قال: الأرض الواحدة يكون فيها الخوخ والكمثرى والعنب الأبيض والأسود، وبعضها أكثر حملا من بعض، وبعضه حلو، وبعضه حامض، وبعضه أفضل من بعض.
٢٠٠٨٤- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وجنات) قال: وما معها.
٢٠٠٨٥- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد=
٢٠٠٨٦- قال المثنى، وحدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: (وزرع ونخيل) فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة والكوفة: (وَزَرْعٍ وَنَخِيلٍ) بالخفض عطفًا بذلك على"الأعناب"، بمعنى: وفي الأرض قطعٌ متجاوراتٌ، وجناتٌ من أعناب ومن زرع ونخيل.
وقرأ ذلك بعض قرأة أهل البصرة: (وَزَرْعٌ ونَخِيلٌ) بالرفع عطفًا بذلك على"الجنات"، بمعنى: وفي الأرض قطعٌ متجاوراتٌ وجناتٌ من أعناب، وفيها أيضًا زرعٌ ونخيلٌ.
* * *
وذلك أن"الزرع والنخيل"إذا كانا في البساتين فهما في الأرض، وإذا كانا في الأرض فالأرض التي هما فيها جنة، فسواءٌ وُصِفَا بأنهما في بستانٍ أو في أرضٍ.
* * *
وأما قوله: (ونخيل صنوان وغير صنوان).
فإن"الصنوان:"جمع"صنو"، وهي النخلات يجمعهن أصل واحد، لا يفرَّق فيه بين جميعه واثنيه إلا بالإعراب في النون، وذلك أن تكون نونه في اثنيه مكسورةً بكل حال، وفي جميعه متصرِّفة في وجوه الإعراب، ونظيره"القِنْوان": واحدها"قِنْوٌ".
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٠٨٧- حدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن البراء: (صنوان) قال: المجتمع= (وغير صنوان) : المتفرِّق.
٢٠٠٨٨- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا يحيى بن واضح قال: حدثنا الحسين، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: (صنوان) : هي النخلة التي إلى جنبها نخلاتٌ إلى أصلها=، (وغير صنوان) : النخلة وحدَها.
٢٠٠٨٩- حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب: (صنوان وغير صنوان) قال:"الصنوان": النخلتان أصلهما واحد، (وغير صنوان) النخلة والنخلتان المتفرّقتان.
٢٠٠٩٠- حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا
٢٠٠٩١- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا عمرو بن الهيثم أبو قطن، ويحيى بن عباد وعفان=، واللفظ لفظ أبي قطن= قال، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء، في قوله: (صنوان وغير صنوان) قال:"الصنوان": النخلة إلى جنبها النخلات= (وغير صنوان) : المتفرق. (١)
٢٠٠٩٢- حدثنا الحسن قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء في قوله: (صنوان وغير صنوان) قال:"الصنوان"، النخلات الثلاث والأربع والثنتان أصلهن واحد= (وغير صنوان)، المتفرّق.
٢٠٠٩٣- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان وشريك، عن أبي إسحاق، عن البراء في قوله: (صنوان وغير صنوان) قال: النخلتان يكون أصلهما واحد= (وغير صنوان) : المتفرّق.
٢٠٠٩٤- حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (صنوان) يقول: مجتمع.
٢٠٠٩٥- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (ونخيل صنوان وغير صنوان) يعني بالصنوان: النخلة يخرج من أصلها النخلات، فيحمل بعضه ولا يحمل بعضه، فيكون أصله واحدا ورءوسه متفرقة.
٢٠٠٩٦- حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا إسرائيل،
و" يحيى بن عباد الضبعي"، مضى برقم: ٢٠٠١٠.
و" عفان" هو "عفان بن مسلم الصفار"، ثقة روى له الجماعة، مضى برقم: ٥٣٩٢، ١٦٣٦٩.
٢٠٠٩٧- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن سعيد بن جبير: (ونخيل صنوان وغير صنوان) قال: مجتمع، وغير مجتمع.
٢٠٠٩٨- حدثني المثنى قال: حدثنا النفيلي قال: حدثنا زهير قال: حدثنا أبو إسحاق، عن البراء قال:"الصنوان": ما كان أصله واحدًا وهو متفرق= (وغير صنوان) : الذي نبت وحدَه. (١)
٢٠٠٩٩- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (صنوان) النخلتان وأكثر في أصل واحد = (وغير صنوان) وحدَها.
٢٠١٠٠- حدثنا المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (صنوان) : النخلتان أو أكثر في أصل واحد، (وغير صنوان) واحدة.
٢٠١٠١-...... قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
٢٠١٠٢- حدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك: (صنوان وغير صنوان) قال: الصنوان: المجتمع أصله واحد، وغير صنوان: المتفرق أصله.
٢٠١٠٣- حدثني المثنى قال: حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم
و" زهير"، هو" زهير بن معاوية الجعفي"، ثقة روى له الجماعة، مضى مرارًا آخرها رقم ١٧٥١٣.
٢٠١٠٤- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (ونخيل صنوان وغير صنوان) أما"الصنوان": فالنخلتان والثلاث أصولُهن واحدة وفروعهن شتى=، (وغير صنوان)، النخلة الواحدة.
٢٠١٠٥- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (صنوان وغير صنوان) قال: صنوان: النخلة التي يكون في أصلها نخلتان وثلاث أصلهنّ واحدٌ.
٢٠١٠٦- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: (ونخيل صنوان وغير صنوان) قال:"الصنوان": النخلتان أو الثلاث يكنَّ في أصل واحد، فذلك يعدُّه الناس صنوانًا. (١)
٢٠١٠٧- حدثنا ابن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال: حدثني رجل: أنه كان بين عمر بن الخطاب وبين العباس قول، فأسرع إليه العباس، (٢) فجاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ألم تر عباسًا فعل بي وفعل! فأردت أن أجيبه، فذكرتُ مكانه منك فكففت: فقال: يرحمك الله، إنّ عمّ الرجل صِنْوُ أبيه. (٣)
(٢) " أسرع إليه"، عجل إليه بالشر وبادره، مثله" تسرع إليه"، ومن هذا المجاز قال المرار الفقعسي:
إذا شِئتَ يوْمًا أنْ تسودَ عَشِيرَةً | فَبِالحِلْمِ سُدْ، لاَ بِالتَّسَرُّعِ والشَّتْمِ |
وقوله:" عم الرجل صنو أبيه"، هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه (٧: ٥٦، ٥٧)، من حديث أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، ومن هذه الطريق نفسها رواه أحمد في مسنده ٢: ٣٢٢، ٣٢٣، ورواه الترمذي في باب مناقب العباس مختصرًا وقال:" هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث أبي الزناد إلا من هذا الوجه".
وروى أحمد في مسند علي رضي الله عنه من حديث الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي، وهو حديث طويل، وإسناده ضعيف انقطاعه، فأحاديث أبي البحتري عن علي مرسلة.
وانظر التعليق على الأخبار التالية.
٢٠١٠٩-............... قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن عيينة، عن داود بن شابور، عن مجاهد: أن النبي ﷺ قال: لا تؤذوني في العباس فإنه بقية آبائي، وإنّ عمّ الرجل صنو أبيه.
٢٠١١٠- حدثني يعقوب قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا حجاج، عن عطاء، وابن أبي مليكة أن رسول الله ﷺ قال لعمر: يا عمر أما علمت أن عم الرجل صِنْوُ أبيه؟. (٢)
٢٠١١١- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: أخبرني القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد: (صنوان) قال: في أصل واحد ثلاث نخلات، كمثل ثلاثةٍ بني أم وأب يتفاضلون في العمل، كما
ورواه ابن سعد من طرق أخرى (٤ / ١ / ١٧) وانظر التعليق على الخبر السالف.
(٢) الأثران ٢٠١٠٩، ٢٠١١٠ - خبران مرسلان، وانظر التعليق السالف.
٢٠١١٢- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج قال: أخبرني إبراهيم بن أبي بكر بن عبد الله، عن مجاهد، نحوه. (١)
٢٠١١٣- حدثني القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، عن الحسن قال: هذا مثل ضربه الله لقلوب بني آدم.
كانت الأرض في يد الرحمن طينةً واحدة، فسطحها وبَطَحها، فصارت الأرض قطعًا متجاورة، فينزل عليها الماء من السماء، فتخرج هذه زهرتها وثمرها وشجرها. وتخرج نباتها وتحيي مواتها، وتخرج هذه سبَخَها وملحها وخَبَثَها، وكلتاهما تسقى بماء واحد.
فلو كان الماء مالحا، قيل: إنما استسبخت هذه من قبل الماء! كذلك الناس خلقوا من آدم، فتنزل عليهم من السماء تذكرة، فترقّ قلوب فتخشع وتخضع، وتقسو قلوب فتلهو وتسهو وتجفو.
قال الحسن: والله من جالس القرآن أحدٌ إلا قام من عنده بزيادة أو نقصان قال الله: (وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا) [سورة الإسراء: ٨٢]. (٢)
* * *
وقوله: (تسقى بماء واحد) اختلفت القرأء في قوله (تسقى).
فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة والعراق من أهل الكوفة والبصرة: (تُسْقَى) " بالتاء، بمعنى: تسقى الجناتُ والزرع والنخيل. وقد كان بعضهم يقول: إنما قيل: (تسقى)،
(٢) الأثر: ٢٠١١٣ -: حجاج" فيما أرجح،" حجاج بن أرطأة".
و" أبو بكر بن عبد الله"، هو فيما أرجح" أبو بكر بن عبد الله بن أبي الجهم العدوي"، ولم يذكروا روايته عن" الحسن"، وهو خليق أن يروى عنه، مضى برقم: ١٠٣٣٤، ١٠٣٣٥.
وقوله:" استسبخت"، مما ينبغي أن يزاد على مشتقات" السبخة" في كتب اللغة.
* * *
وقرأ ذلك بعض المكيين والكوفيين: (يُسْقَى) بالياء.
* * *
وقد اختلف أهل العربية في وجه تذكيره إذا قرئ كذلك، وإنما ذلك خبرٌ عن الجنات والأعناب والنخيل والزرع أنها تسقى بماء واحد.
فقال بعض نحويي البصرة: إذا قرئ ذلك بالتاء، فذلك على"الأعناب" كما ذكّر الأنعام (١) في قوله: (مِمَّا فِي بُطُونِهِ) [سورة النحل: ٦٦] وأنث بعدُ فقال: (وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ)، [سورة المؤمنون: ٢٢/ سورة غافر: ٨٠].
فمن قال: (يسقى) بالياء جعل"الأعناب" مما تذكّر وتؤنث، مثل"الأنعام".
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة: من قال و (تسقى) ذهب إلى تأنيث"الزرع والجنات والنخيل"، ومن ذكَّر ذهب إلى أن ذلك كله يُسْقَى بماء واحد، وأكلُه مختلفٌ حامض وحلو، ففي هذا آية. (٢)
* * *
قال أبو جعفر: وأعجب القراءتين إليّ أن أقرأ بها، قراءة من قرأ ذلك بالتاء: (تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ) على أن معناه: تسقى الجنات والنخل والزرع بماء واحد، لمجيء (تسقى) بعد ما قد جرى ذكرها، وهي جِمَاعٌ من غير بني آدم، وليس الوجه الآخر بممتنع على معنى يسقى ذلك بماء واحد: أي جميع ذلك يسقى بماءٍ واحدٍ عذب دون المالح.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
(٢) هذه مقالة الفراء في معاني القرآن، في تفسير الآية.
٢٠١١٥- حدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد: (تسقى بماء واحد) قال: ماء السماء.
٢٠١١٦- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، مثله.
٢٠١١٧- حدثني المثنى قال: حدثنا عمرو قال: أخبرنا هشيم، عن أبي إسحاق الكوفي، عن الضحاك: (تسقى بماء واحد) قال: ماء المطر. (١)
٢٠١١٨- حدثني المثنى قال: حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك، قرأه ابن جريج، عن مجاهد: (تسقى بماء واحد) قال: ماء السماء، كمثل صالح بني آدم وخبيثهم أبوهم واحدٌ.
٢٠١١٩...... قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل= وحدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
٢٠١٢٠- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه.
٢٠١٢١- حدثنا عبد الجبار بن يحيى الرملي قال: حدثنا ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب: (تسقى بماء واحد) قال: بماء السماء. (٢)
* * *
(٢) الأثر: ٢٠١٢١ -" عبد الجبار بن يحيى الرملي"، انظر ما سلف قريبًا رقم: ٢٠٠٨٢.
فقرأه عامة قرأة المكيين والمدنيين والبصريين وبعض الكوفيين: (وَنُفَضِّلُ)، بالنون بمعنى: ونفضّل نحن بعضها على بعض في الأكل.
* * *
وقرأته عامة قرأة الكوفيين: (وَيُفَضِّلُ) بالياء، ردا على قوله: (يغشي الليل النهار=) ويفضل بعضها على بعض.
* * *
قال أبو جعفر: وهما قراءتان مستفيضتان بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. غير أن"الياء" أعجبهما إليّ في القراءة؛ لأنه في سياق كلام ابتداؤه (الله الذي رفع السموات)، فقراءته بالياء، إذ كان كذلك أولى.
* * *
ومعنى الكلام: إن الجنات من الأعناب والزرع والنخيل الصنوان وغير الصنوان، تسقى بماء واحد عذب لا ملح، ويخالف الله بين طعوم ذلك، فيفضّل بعضها على بعض في الطعم، فهذا حلو وهذا حامضٌ.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠١٢٢- حدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (ونفضل بعضها على بعض في الأكل) قال: الفارسيّ والدَّقَل، (٢) والحلو والحامض.
(٢) " الفارسي"، من التمر، لم أجد من ذكره، وأنا أرجح أن يكون عنى به ﴿البرني﴾ وهو ضرب من التمر أصفر مدور، عذب الحلاوة، وهو أجوده. وقالوا إن لفظ" البرني" فارسي معرب ويرجع ذلك عندي أن الرواية ستأتي عن سعيد بن جبير أيضًا أنه قال:" برني"، رقم: ٢٠١٢٤.
و" الدقل" أردأ أنواع التمر.
وسيأتي ذكر" الفارسي" في الخبرين التاليين: ٢٠١٢٦، ٢٠١٢٧.
٢٠١٢٤- حدثني المثنى قال: حدثنا عارم أبو النعمان قال: حدثنا حماد بن زيد، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير: (ونفضل بعضها على بعض في الأكل) قال: بَرْنيّ وكذا وكذا، وهذا بعضه أفضل من بعض.
٢٠١٢٥- حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا مؤمل قال: حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، في قوله: (ونفضل بعضها على بعض في الأكل) قال: هذا حامض، وهذا حلو، وهذا مُزٌّ.
٢٠١٢٦- حدثني محمود بن خداش قال: حدثنا سيف بن محمد بن أخت سفيان الثوري قال: حدثنا الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال النبي ﷺ في قوله: (ونفضل بعضها على بعض في الأكل) قال: الدَّقَل والفارسيّ والحلو والحامض. (١)
و" سيف بن محمد الثوري"،" ابن أخت سفيان الثوري"، لم يرو له من أصحاب الكتب الستة غير الترمذي، قال البخاري في تاريخه:" ضعفه أحمد"، وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه، أنه قال:" كذاب"، وقال يحيى بن معين:" كان شيخًا ههنا كذابًا خبيثًا"، وقال أحمد أيضًا:" لا يكتب حديثه، ليس بشيء، كان يضع الحديث". وقال النسائي:" ضعيف متروك وليس بثقة"، مترجم في التهذيب والكبير ٢ / ٢ / ١٧٣، وابن أبي حاتم ٢ / ١ / ٢٧٧، وميزان الاعتدال ١: ٤٣٨.
وهذا الخبر رواه الترمذي، عن محمود بن خداش أيضًا، بهذا الإسناد واللفظ في تفسير الآية، ثم قال:" هذا حديث حسن غريب، وقد رواه زيد بن أبي أنيسه (وهو الإسناد التالي) عن الأعمش، نحو هذا. وسيف بن محمد هو أخو عمار بن محمد، وعمار أثبت منه، وهو ابن أخت سفيان الثوري".
فالعجب للترمذي كيف يحسن إسنادًا فيه هذا الكذاب" سيف بن محمد". وانظر تخريج الأثر التالي.
وكان في المطبوعة:" حدثنا سيف بن محمد بن أحمد، عن سفيان الثوري"، أساء ناشرها لأنه لم يدرس الإسناد، وغير ما في المخطوطة، وكان فيها:" حدثنا سيف بن محمد بن أحمد سفيان الثوري"، وفي الهامش علامة الشك والتوقف، وصوابه ما أثبت.
انظر تفسير" الفارسي" فيما سلف ص: ٣٤٣، تعليق: ٢.
* * *
وقوله: (إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) يقول تعالى ذكره: إن في مخالفة الله عز وجل بين هذا القطع [من] الأرض المتجاورات وثمار جناتها وزروعها على ما وصفنا وبينَّا، (٢) لدليلا واضحًا وعبرة لقوم يعقلون اختلاف ذلك، أن الذي خالف بينه على هذا النحو الذي خالف بينه، هو المخالف بين خلقه فيما قسم لهم من هداية وضلال وتوفيق وخذلان، فوفّق هذا وخذل هذا، وهدى ذا وأضل ذا،
و" سليمان بن عبيد الله الأنصاري الرقي"،" أبو أيوب الحطاب"، قال ابن أبي حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال النسائي:" ليس بالقوى، وقال ابن معين:" ليس بشيء"، ولم يذكر فيه البخاري جرحا، مترجم في التهذيب والكبير ٢ / ٢ / ٢٦، وابن أبي حاتم ٢ / ١ / ١٢٧، وميزان الاعتدال ١: ٤١٨.
و" عبيد الله بن عمرو الرقي"، ثقة، روى له الجماعة، مضى مرارًا، آخرها رقم: ١٦٩٤٥.
و" زيد بن أبي أنيسة الجزري"، ثقة، روى له الجماعة، مضى مرارًا آخرها رقم: ١٦٩٤٥.
وهذا الخبر أشار إليه الترمذي، كما أسلفت في التعليق السابق، وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ١: ٤١٨، في ترجمة" سليمان بن عبيد الله"، بهذا الإسناد تامًا، ثم قال:" قال العقيلي، لم يأت به غير سليمان، وإنما يعرف بسيف بن محمد عن الأعمش. قلت: وسيف هالك".
فهذا إسناد كما ترى، فيه من الهلاك، وانفراد الضعيف به ما فيه، فكيف جاز للترمذي أن يحسنه مع هذه القوادح التي تقدح فيه من نواحيه. (وانظر علل الحديث لابن أبي حاتم ٢: ٨٠، رقم: ١٧٢٣ (.
انظر تفسير" الفارسي فيما سلف ص: ٣٤٣، تعليق: ٢.
(٢) في المخطوطة والمطبوعة:" هذه القطع الأرض"، فالزيادة واجبة.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الأغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٥) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (وإن تعجب) يا محمد، من هؤلاء المشركين المتَّخذين ما لا يضرُّ ولا ينفع آلهةً يعبدونها من دوني= فعجب قولهم (أئذا كنا ترابا) وبَلِينا فعُدِمنا= (أئنا لفي خلق جديد) إنا لمجدَّدٌ إنشاؤنا وإعادتنا خلقًا جديدًا كما كنا قبل وفاتنا!! = تكذيبًا منهم بقدرة الله، وجحودًا للثواب والعقاب والبعث بعد الممات، كما:-
٢٠١٢٨- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وإن تعجب فعجب) إن عجبت يا محمد، = (فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد)، عجب الرحمن تبارك وتعالى من تكذيبهم بالبعث بعد الموت.
٢٠١٢٩- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وإن تعجب فعجب قولهم) قال: إن تعجب من تكذيبهم، وهم قد رأوا من قدرة الله وأمره وما ضرب لهم من الأمثال، فأراهم من حياة الموتى في الأرض الميتة، إن تعجب من هذه فتعجَّب من قولهم: (أئذا كنا ترابًا أئنا لفي خلق جديد)،
* * *
واختَلَف في وَجْه تكرير الاستفهام في قوله: (أئنا لفي خلق جديد)، بعد الاستفهام الأول في قوله: (أئذا كنا ترابا)، أهلُ العربية. (٢)
فقال بعض نحويي البصرة: الأوّل ظرف، والآخر هو الذي وقع عليه الاستفهام، كما تقول: أيوم الجمعة زيدٌ منطلق؟ قال: ومن أوقع استفهامًا آخر على قوله: (أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا)، (٣) جعله ظرفًا لشيء مذكور قبله، كأنهم قيل لهم:"تبعثون"، فقالوا: (أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا) ؟ ثم جعل هذا استفهامًا آخر. قال: وهذا بعيدٌ. قال: وإن شئت لم تجعل في قولك: (أئذا) استفهامًا، وجعلت الاستفهام في اللفظ على (أئنا)، كأنك قلت: أيوم الجمعة أعبد الله منطلق؟ وأضمرت نفيه. (٤) فهذا موضعُ ما ابتدأت فيه بـ (أئذا)، (٥) وليس بكثير في الكلام لو قلت:"اليوم إنّ عبد الله منطلق"، (٦) لم يحسن، وهو جائز، وقد قالت العرب:"ما علمت إنَّه لصالح، تريد: إنه لصالح ما علمت. (٧)
* * *
(٢) " أهل العربية"، فاعل قوله آنفًا:" واختلف... ".
(٣) في المطبوعة والمخطوطة:" أئذا متنا وكنا ترابًا"، وأثبت نص الآية التي في هذه السورة.
(٤) في المطبوعة والمخطوطة:" وأضمر نفيه"، والأجود ما أثبت. ويعني بقوله:" نفيه" أي إلغاءه وإسقاطه.
(٥) في المطبوعة:" قد ابتدأت فيه أئذا"، وفي المخطوطة:" قد ابتدأت فيه بأئذا"، ولكنه خلط كتابة" بأئذا"، ورأيت أن الصواب أن تكون مكان" قد"" ما". وفي المخطوطة والمطبوعة بعد هذا" بكبير في الكلام"، وهذا أجود.
(٦) في المطبوعة وحدها:" اليوم أإن" بهمزة الاستفهام، زاد ما ليس في المخطوطة وأساء غاية الإساءة.
(٧) أشار أبو جعفر فيما سلف ٧: ٢٦٠، إلى أنه سيأتي على الصواب من القول في ترك إعادة الاستفهام ثانية، وأن الاستفهام في أول الكلام دال على موضعه ومكانه. وهذا هو الموضع الذي أشار إليه، فيما أرجح، فراجع ما سلف ٧: ٢٥٩، ٢٦٠. * * *
حاشية مهمة: كلام أبي جعفر في هذا الموضع يحتاج إلى بيان، فإنه قد أغمض القول فيه إغماضًا مخلًا، حتى ألجأ ناشر النسخة الأولى أن يصحح ما صحح، ويغير ما غير، لغموض ما كتب أبو جعفر ههنا، ولذلك فارقت ما لزمته قبل، من ترك التعليق على ما في التفسير من أبواب النحو. وأنا أخشى أن يكون سقط من الكلام شيء.
وكلام أبي جعفر في هذه الفقرة، أراد به بيان تكرير الاستفهام، كما ذكر في ترجمة اختلاف أهل العربية، ولكنه أضمر الكلام إضمارًا هذا بيانه وشرحه.
١ - قوله:" فقال بعض نحويي البصرة: الأولى ظرف. والآخر هو الذي وقع عليه الاستفهام، كما تقول: أيوم الجمعة زيد منطلق".
يريد أن" إذا" ظرف، يتعلق بمحذوف بعده يدل عليه قوله:" أننا لفي خلق جديد"، وهو" البعث"، كأنه قال" أئذا كنا ترابًا، نبعث"؟ فالظرف" إذا" متعلق بمحذوف هو" نبعث"، والمعنى: أنبعث إذا كنا ترابًا. فهذا كما تقول: أيوم الجمعة زيد منطلق؟ ومعناه: أزيد منطلق يوم الجمعة؟ فالاستفهام واقع في الأول على" نبعث"، وفي المثال الآخر على:" زيد منطلق"، وهذا تأويل نحويي البصرة، كما جاء في كتب التفسير.
٢ - ثم قال بعده:" ومن أوقع استفهامًا آخر على قوله:" أئذا كنا ترابًا"، جعله ظرفًا لمذكور قبله، كأنهم قيل لهم: تبعثون؟ فقالوا:" أئذا كنا ترابًا"، ثم جعل هذا استفهامًا آخر. قال: وهذا بعيد".
يريد أن" إذا"، الظرف، متعلق بمحذوف قبله، وهو الذي قيل لهم:" تبعثون"، فقالوا: أئذا كنا ترابًا؟ فالاستفهام واقع هنا على" إذا"، أي على الظرف. وهذا مستبعد، لأنه أتى بمحذوف قبل الظرف لا دليل عليه في الكلام.
٣ - ثم قال:" قال: وإن شئت لم تجعل في" أئذا" استفهامًا، وجعلت الاستفهام في اللفظ على" أئنا"، كأنك قلت: أيوم الجمعة أعبد الله منطلق؟ وأضمرت نفيه. فهذا موضع ما ابتدأت فيه ب" أئذا"، وليس بكثير في الكلام".
يريد أن الاستفهام الأول فضلة وزيادة في" أئذا"، وأنت تضمر نفيها، فكررت الاستفهام، كما كررته في قولك: أيوم الجمعة أعبد الله منطلق؟ وهذا التكرار ليس بكثير في الكلام.
٤ - ثم قال:" لو قلت: اليوم إن عبد الله منطلق، لم يحسن، وهو جائز. وقد قالت العرب: ما علمت إنه لصالح، تريد: إنه لصالح ما علمت".
يعني أن هذا الوجه الرابع غير حسن، وإن كان جائزًا، وذلك أنه يقتضي أن تكون" إذا" عندئذ، ظرفاً متعلقاً بقوله:" لفي خلق جديد"، أي بخبر" إن"، وخبر" إن" لا يتقدم عليها، فأولى أن يتقدم عليها معمول خبرها. ولذلك لم يحسن قولك:" اليوم إن عبد الله منطلق"، لأن" اليوم" معمول" منطلق" وهو خبر" إن"، فتقديمه على" إن"، غير حسن، وإن جاز. لأن" إن" لا يعمل ما بعدها فيما قبلها. واستدل على جوازه بقول العرب: ما علمت إنه لصالح، و" ما" هنا ظرفية، أي:" في علمي، أو زمن علمي"، فقدمت العرب" ما علمت" على" إن" وهي تعني" إنه صالح ما علمت" وهذا البيان الذي توسعت فيه، لشرح مقالة أبي جعفر، لم أجد أحدًا من أصحاب كتب التفسير، أو أصحاب كتب إعراب القرآن، تعرض له تعرض أبي جعفر في بيانه. وكلهم قد تخطى هذا وأوجزه، ولم يشرحه شرح أبي جعفر. وأبو حيان، وهو من هو في تتبع أقوال النحاة، وفي تقصي مقالة الطبري في تفسيره، أغفل هو أيضًا بيانه وتجاوزه. وذلك لغموض عبارة أبي جعفر في هذا الموضع. فأرجو أن أكون قد بلغت في بيانها مبلغًا مرضيًا إن شاء الله.
حَلَفْتُ لَهُ إنْ تُدْلِجِ الليلَ لا يَزَلْ... أَمَامَكَ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِيَ سَائِرُ (٤)
فجزم جواب اليمين لأنه وقع موقع جواب الجزاء، والوجه الرفع. (٥) قال: فهكذا هذه الآية. قال: ومن أدخل الاستفهام ثانية، فلأنه المعتمد عليه، وترك الجزء الأوّل.
* * *
وقوله: (أولئك الذين كفروا بربهم) يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين أنكروا البعث وجَحدُوا الثواب والعقاب، وقالوا: (أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ
(٢) في المطبوعة والمخطوطة:" إن تقم يقوم... "، والصواب إثبات همزة الاستفهام، كما يدل عليه الكلام.
(٣) البيت للراعي.
(٤) مضى البيت وتخريجه وشرحه فيما سلف ٧: ٢٥٩، تعليق: ٢.
(٥) يعني أن الاستفهام إذا دخل على شرط، كان الاستفهام للجواب دون الشرط. وقد قال فيما سلف آنفًا ٧: ٢٥٩:" كل استفهام دخل على جزاء، فمعناه أن يكون في جوابه، لأن الجواب خبر يقوم بنفسه، والجزاء شرط لذلك الخبر". وكذلك اليمين إذا تقدم الشرط، كان الجواب له دون الشرط. فهو يقول إن الاستفهام في" أئذا"، و" إذا شرط، واقع على جوابها، هو" إنا لفي خلق جديد"، هذا إذا خلت الآية من الاستفهام، ولكنها لم تخل منه. فقال بعد ذلك: إنه إنما أدخل الاستفهام ثانية على الجواب، بعد إدخاله على الشرط، لأن الاستفهام للجواب، فإدخاله على الجواب هو الأصل. فلما أدخله عليه، فكأنه ألغى الاستفهام الأول الداخل على الشرط.
* * *
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (ويستعجلونك) يا محمد، (١) مشركو قومك بالبلاء والعقوبة قبل الرخاء والعافية، فيقولون: (اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [سورة الأنفال: ٣٢] وهم يعلمون ما حَلَّ بمن خلا قبلهم من الأمم التي عصت ربها وكذبت رسلها من عقوبات الله وعظيم بلائه، (٢) فمن بين أمة مسخت قردة وأخرى خنازير، ومن بين أمّة أهلكت بالرَّجْفة، وأخرى بالخسف، وذلك هو (المثلات) التي قال الله جل ثناؤه. (وقد خلت من قبلهم المثلات).
و (المثلات)، العقوبات المنكِّلات، والواحدة منها:"مَثُلة" بفتح الميم وضم الثاء، ثم تجمع"مَثُلات"، كما واحدة"الصَّدُقَات""صَدُقَة"، ثم تجمع"صَدُقَات". (٣) وذكر أن تميمًا من بين العرب تضم الميم والثاء جميعًا من"المُثُلات"،
(٢) انظر تفسير" خلا" فيما سلف ١٢: ٤١٥، تعليق: ٤، والمراجع هناك.
(٣) الصدقة"، مهر المرأة، وقد مضى آنفًا في سورة النساء، آية: ٤ في ٧: ٥٥٢، ولم يشرحها كل الشرح هناك.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠١٣٠- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وقد خلت من قبلهم المثلات)، وقائع الله في الأمم فيمن خلا قبلكم= وقوله: (ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة)، وهم مشركو العرب استعجلوا بالشرّ قبل الخير، وقالوا: (اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)، [سورة الأنفال: ٣٢].
٢٠١٣١- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة) قال: بالعقوبة قبل العافية= (وقد خلت من قبلهم المثلات) قال: العقوبات.
٢٠١٣٢- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد، قوله: (المثلات) قال: الأمْثَال.
٢٠١٣٣- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد=
٢٠١٣٤- وحدثني المثنى: قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
٢٠١٣٥- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في
٢٠١٣٦- حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا سليم قال: سمعت الشعبي يقول في قوله: (وقد خلت من قبلهم المثلاث)، قال: القردة والخنازير هي المثلات.
* * *
وقوله: (وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم)، يقول تعالى ذكره: وإن ربك يا محمد لذو سترٍ على ذنوب من تاب من ذنوبه من الناس، فتاركٌ فضيحته بها في موقف القيامة، وصافحٌ له عن عقابه عليها عاجلا وآجلا= (على ظلمهم)، يقول: على فعلهم ما فعلوا من ذلك بغير إذني لهم بفعله (٢) (وإن ربك لشديد العقاب)، لمن هلك مُصِرًّا على معاصيه في القيامة، إن لم يعجِّل له ذلك في الدنيا، أو يجمعهما له في الدنيا والآخرة.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا الكلام، وإن كان ظاهره ظاهرَ خبرٍ، فإنه وعيدٌ من الله وتهديدٌ للمشركين من قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن هم لم ينيبوا ويتوبوا من كفرهم قبل حُلول نقمة الله بهم.
* * *
٢٠١٣٧- حدثني علي بن داود قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (وإن ربك لذو مغفرة للناس)، يقول: ولكنّ ربَّك.
* * *
(٢) في المطبوعة:" بغير إذن"، وأثبت ما في المخطوطة.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (ويقول الذين كفروا) يا محمد، من قومك= (لولا أنزل عليه آية من ربه) هلا أنزل على محمد آية من ربه؟ (١) يعنون علامةً وحجةً له على نبوّته (٢) وذلك قولهم: (لَوْلا أُنزلَ عَلَيْهِ كَنز أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ) [سورة هود: ١٢] يقول الله له: يا محمد (إنما أنت منذر) لهم، تنذرهم بأسَ الله أن يحلّ بهم على شركهم (٣). (ولكل قوم هاد). يقول ولكل قوم إمام يأتمُّون به وهادٍ يتقدمهم، فيهديهم إما إلى خيرٍ وإما إلى شرٍّ.
* * *
وأصله من"هادي الفرس"، وهو عنقه الذي يهدي سائر جسده. (٤)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في المعنيِّ بالهادي في هذا الموضع.
فقال بعضهم: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠١٣٨- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه) هذا قول مشركي العرب قال الله: (إنما أنت منذر ولكلّ قوم هاد) لكل قوم داعٍ يدعوهم إلى الله.
٢٠١٣٩- حدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع. عن سفيان. عن السدي.
(٢) انظر تفسير الآية" فيما سلف من فهارس اللغة (أبى).
(٣) انظر تفسير" الإنذار" فيما سلف من فهارس اللغة نذر.
(٤) انظر تفسير" الهادي" فيما سلف ٢: ٢٩٣.
٢٠١٤٠- حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سفيان، عن السدي، عن عكرمة، مثله.
٢٠١٤١- حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا سفيان، عن أبيه، عن عكرمة، مثله.
* * *
وقال آخرون: عنى بـ"الهادي" في هذا الموضع: الله.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠١٤٢- حدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) قال: محمد"المنذر"، والله"الهادي". (١)
٢٠١٤٣- حدثنا ابن بشار قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير: (وإنما أنت منذر ولكل قوم هاد) قال محمد"المنذر"، والله"الهادي".
٢٠١٤٤- حدثنا أبو كريب قال: حدثنا الأشجعي، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير: (إنما أنت منذر) قال: أنت يا محمد منذر، والله"الهادي".
٢٠١٤٥- حدثني المثنى قال: حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم، عن عبد الملك، عن قيس، عن مجاهد في قوله: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)، قال:"المنذر"، النبي صلى الله عليه وسلم= (ولكل قوم هاد) قال: الله هادي كل قوم.
٢٠١٤٧- حدثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)، "المنذر": محمد صلى الله عليه وسلم، و"الهادي": الله عز وجل.
* * *
وقال آخرون:"الهادي" في هذا الموضع معناه نبيٌّ.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠١٤٨- حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد قال:"المنذر" محمد صلى الله عليه وسلم. (ولكل قوم هاد) قال: نبيٌّ.
٢٠١٤٩- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهدٍ في قوله: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) قال: نبيٌّ.
٢٠١٥٠-............ قال: حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد، عن عبد الملك، عن قيس، عن مجاهد، مثله.
٢٠١٥١- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا أسباط بن محمد، عن عبد الملك، عن قيس، عن مجاهد، في قوله: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)، قال: لكل قوم نبي، والمنذر: محمد صلى الله عليه وسلم.
٢٠١٥٢-......... قال: حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثني عبد الملك، عن قيس، عن مجاهد، في قول الله: (ولعل قوم هاد) قال: نبيّ.
٢٠١٥٣-......... قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء، عن ابن
٢٠١٥٤- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ولعل قوم هاد) قال: نبيّ.
٢٠١٥٥- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (ولكل قوم هاد) قال: نبيّ يدعوهم إلى الله.
٢٠١٥٦- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: (ولكل قوم هاد) قال: لكل قوم نبيّ."الهادي"، النبي صلى الله عليه وسلم، و"المنذر" أيضًا النبي صلى الله عليه وسلم. وقرأ: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ). ، [سورة فاطر: ٢٤]، وقال: (نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الأولَى) [سورة النجم: ٥٦] قال: نبي من الأنبياء.
* * *
وقال آخرون، بل عني به: ولكل قوم قائد.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠١٥٧- حدثنا أبو كريب قال: حدثنا جابر بن نوح، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)، قال: إنما أنت، يا محمد، منذر، ولكل قوم قادة.
٢٠١٥٨-......... قال: حدثنا الأشجعي قال: حدثني إسماعيل= أو: سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح: (ولكل قوم هاد) قال: لكل قوم قادة.
٢٠١٥٩- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) قال:"الهادي": القائد، والقائد: الإمام، والإمام: العمل.
٢٠١٦٠- حدثني الحسن قال: حدثنا محمد، وهو ابن يزيد= عن إسماعيل،
* * *
وقال آخرون: هو عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠١٦١- حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي قال: حدثنا الحسن بن الحسين الأنصاري قال: حدثنا معاذ بن مسلم، بيّاع الهرويّ، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما نزلت (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)، وضع ﷺ يده على صدره فقال: أنا المنذر= (ولكل قوم هاد)، وأومأ بيده إلى منكب عليّ، فقال: أنت الهادي يا عليّ، بك يهتدي المهتدون بَعْدي (١).
* * *
وقال آخرون: معناه: لكل قوم داع.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠١٦٢- حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (ولكل قوم هاد)، قال: داع.
* * *
و" معاذ بن مسلم بياع الهروي"، لم يذكر بهذه الصفة" بياع الهروي" في غير التفسير، و" الهروي" ثياب إلى هراة. وجعلها في المطبوعة:" حدثنا الهروي"، فأفسد الإسناد إفسادًا
و" معاذ بن مسلم" مجهول، هكذا قال ابن أبي حاتم، وهو مترجم في ابن أبي حاتم ٤ / ١ / ٢٤٨، وميزان الاعتدال ٣: ١٧٨، ولسان الميزان ٦: ٥٥.
وهذا خبر هالك من نواحيه، وقد ذكره الذهبي وابن حجر في ترجمة" الحسن بن الحسين الأنصاري" قالا بعد أن ساقا الخبر بإسناده ولفظه، ونسبته لابن جرير أيضًا:" معاذ نكرة، فلعل الآفة منه"، وأقول: بل الآفة من كليهما: الحسن بن الحسين، ومعاذ بن مسلم.
وجائز أن يكون نَبِيَّ الله الذي تأتمُّ به أمته.
وجائز أن يكون إمامًا من الأئمة يُؤْتَمْ به، ويتّبع منهاجَه وطريقته أصحابُه.
وجائزٌ أن يكون داعيًا من الدعاة إلى خيرٍ أو شرٍّ.
وإذ كان ذلك كذلك، فلا قول أولى في ذلك بالصواب من أن يقال كما قال جل ثناؤه: إن محمدًا هو المنذر من أرسل إليه بالإنذار، وإن لكل قوم هاديًا يهديهم فيتّبعونه ويأتمُّون به.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (٨) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (وإن تعجب فعجبٌ قولهم أئذا كنا ترابًا أئنا لفي خلق جديد) منكرين قدرة الله على إعادتهم خلقًا جديدًا بعد فنائهم وبلائهم، ولا ينكرون قدرته على ابتدائهم وتصويرهم في الأرحام، وتدبيرهم وتصريفهم فيها حالا بعد حال= فابتدأ الخبر عن ذلك ابتداءً، والمعنى فيه ما وصفت، (٢) فقال جل ثناؤه: (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد)، يقول: وما تنقص الأرحام من حملها في الأشهر التسعة بإرسالها دم الحيض
(٢) في المطبوعة والمخطوطة:" ما وصف"، والصواب ما أثبت.
* * *
و"المقدار"، مِفْعال من"القدر".
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
٢٠١٦٣- حدثني يعقوب بن ماهان قال: حدثنا القاسم بن مالك، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: (يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام)، قال: ما رأت المرأة من يوم دمًا على حملها زاد في الحمل يومًا. (٢)
٢٠١٦٤- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام)، يعني السِّقْط= (وما تزداد)، يقول: ما زادت الرحم في الحمل على ما غاضت حتى ولدته تمامًا. وذلك أن من النساء من تحمل عشرة أشهر، ومنهن من تحمل تسعة أشهر، ومنهن من تزيد في الحمل، ومنهن من تنقص. فذلك الغيض والزيادة التي ذكر الله، وكل ذلك بعلمه.
٢٠١٦٥- حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال: حدثنا عبد السلام قال: حدثنا خصيف، عن مجاهد أو سعيد بن جبير في قول الله: (وما تغيض الأرحام) قال: غَيْضُها، دون التسعة= والزيادة فوق التسعة.
(٢) الأثر: ٢٠١٦٣ -" يعقوب بن ماهان البغدادي"، ثقة، مضى برقم: ٤٩٠١، ١٠٣٣٩، ١٩٩٠٨.
و" القاسم بن مالك المزني"، ثقة من شيوخ أحمد، مضى برقم: ١٠٣٣٩.
٢٠١٦٧- حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا عبد الصمد قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن مجاهد، في قوله: (وما تغيض الأرحام وما تزداد) قال: ما ترى من الدم، وما تزداد على تسعة أشهر.
٢٠١٦٨- حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن مجاهد، أنه قال: (يعلم ما تغيض الأرحام وما تزداد)، قال: ما زاد على التسعة الأشهر= (وما تغيض الأرحام)، قال: الدم تراه المرأة في حملها.
٢٠١٦٩- حدثني المثنى حدثنا عمرو بن عون، والحجاج بن المنهال قالا حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن مجاهد، في قوله: (وما تغيض الأرحام وما تزداد) قال: الغيض: الحامل ترى الدم في حملها فهو"الغيض"، وهو نقصانٌ من الولد. وما زاد على تسعة أشهر فهو تمام لذلك النقصان، وهي الزيادة.
٢٠١٧٠- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا عبد السلام، عن خصيف، عن مجاهد: (وما تغيض الأرحام وما تزداد) قال: إذا رأت دون التسعة، زاد على التسعة مثل أيام الحيض.
٢٠١٧١- حدثنا أحمد قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وما تغيض الأرحام) قال: خروج الدم= (وما تزداد) قال: استمساك الدم.
٢٠١٧٢- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وما تغيض الأرحام) إراقة المرأة حتى يخِسّ الولد= (وما تزداد) قال: إن لم تُهْرِق المرأةُ تَمَّ الولد وعَظُم.
٢٠١٧٤- حدثنا الحسن قال: حدثنا محمد بن الصباح قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، في قوله: (وما تغيض الأرحام)، قال: هي المرأة ترى الدم في حملها.
٢٠١٧٥-...... قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وما تغيض الأرحام وما تزداد) إهراقُ الدم حتى يخسّ الولد= و"تزداد" إن لم تهرق المرأة تَمَّ الولد وعَظُم.
٢٠١٧٦-...... قال: حدثنا الحكم بن موسى قال: حدثنا هقل، عن عثمان بن الأسود قال: قلت لمجاهد: امرأتي رأت دمًا، وأرجو أن تكون حاملا! = قال أبو جعفر: هكذا هو في الكتاب (١) فقال مجاهد: ذاك غيضُ الأرحام: (يعلم ما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار)، الولد لا يزال يقع في النقصان ما رأت الدَّم، فإذا انقطعَ الدم وقع في الزيادة، فلا يزال حتى يتمّ، فذلك قوله: (وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار). (٢)
(٢) الأثر: ٢٠١٧٦ -" الحكم بن موسى بن أبي زهير البغدادي"، ثقة، روى عنه البخاري تعليقًا ومسلم. مترجم في التهذيب، والكبير ١ / ٢ / ٣٤٢، وابن أبي حاتم ١ / ٢ / ١٢٨
و" هقل" هو:" الهقل بن زياد بن عبد الله الدمشقي"، كاتب الأوزاعي، و" هقل" لقب، قيل اسمه:" محمد"، وقيل:" عبد الله"، ثقة الثقات، من أعلى أصحاب الأوزاعي. مترجم في التهذيب، والكبير ٤ / ٢ / ٢٤٨، وابن أبي حاتم ٤ / ٢ / ١٢٢.
و" عثمان بن الأسود بن موسى المكي"، ثقة، روى له الجماعة، مضى مرارًا.
٢٠١٧٨- حدثنا ابن المثنى قال: حدثنا عبد الوهاب قال: حدثنا داود، عن عكرمة في هذه الآية: (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام)، قال: كلما غاضت بالدم، زاد ذلك في الحمل.
٢٠١٧٩-...... قال: حدثنا عبد الأعلى قال: حدثنا داود، عن عكرمة نحوه.
٢٠١٨٠- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا عباد بن العوّام، عن عاصم، عن عكرمة: (وما تغيض الأرحام) قال: غيض الرحم: الدم على الحمل كلما غاض الرحم من الدم يومًا زاد في الحمل يومًا حتى تستكمل وهي طاهرةٌ.
٢٠١٨١-...... قال: حدثنا عباد، عن سعيد، عن يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، مثله.
٢٠١٨٢- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا الوليد بن صالح قال: حدثنا أبو يزيد، عن عاصم، عن عكرمة في هذه الآية: (وما تغيض الأرحام)، قال: هو الحيض على الحمل= (وما تزداد) قال: فلها بكل يوم حاضت على حملها يوم تزداده في طهرها حتى تستكمل تسعة أشهر طاهرًا.
٢٠١٨٣-...... قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا عمران بن حدير، عن عكرمة في قوله: (وما تغيض الأرحام وما تزداد) قال: ما رأت الدم في حملها زاد في حملها.
٢٠١٨٤- حدثنا عبد الحميد بن بيان قال: أخبرنا إسحاق، عن جويبر،
٢٠١٨٥- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا ابن المبارك، عن الحسن بن يحيى قال: سمعت الضحاك يقول: قد يولد المولود لسنتين. قد كان الضحاك وُلد لسنتين، و"الغيض": ما دون التسعة= (وما تزداد) فوق تسعة أشهر.
٢٠١٨٦-...... قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان، عن جويبر، عن الضحاك: (وما تغيض الأرحام وما تزداد) قال: دون التسعة، وما تزداد: قال: فوق التسعة.
٢٠١٨٧-...... قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان، عن جويبر، عن الضَّحاك قال: ولدت لسنتين.
٢٠١٨٨- حدثني المثنى قال: حدثنا سويد بن نصر قال: أخبرنا ابن المبارك، عن الحسن بن يحيى قال: حدثنا الضحاك: أن أمه حملته سنتين. قال: (وما تغيض الأرحام) قال: ما تنقص من التسعة= (وما تزداد) قال: ما فوق التسعة. (١)
٢٠١٨٩-... قال: حدثنا عمرو بن عون ; قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام)، قال: كل أنثى من خلق الله.
٢٠١٩٠-... قال: حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك= ومنصور، عن الحسن قالا"الغيض" ما دون التسعة الأشهر.
٢٠١٩٢- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية العوفي: (وما تغيض الأرحام) قال: هو الحمل لتسعة أشهر وما دون التسعة= (وما تزداد) قال: على التسعة.
٢٠١٩٣-... قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن سعيد بن جبير: (وما تغيض الأرحام) قال: حيضُ المرأة على ولدها.
٢٠١٩٤- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وما تغيض الأرحام وما تزداد). قال:"الغيض"، السَّقْط= (وما تزداد)، فوق التسعة الأشهر.
٢٠١٩٥- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن سعيد بن جبير: إذا رأت المرأة الدمَ على الحمل، فهو"الغيض" للولد. يقول: نقصانٌ في غذاء الولد، وهو زيادة في الحمل.
٢٠١٩٦- حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد) قال: كان الحسن يقول:"الغيضوضة"، (١) أن تضع المرأة لستة أشهر أو لسبعة أشهر، أو لما دون الحدّ= قال قتادة: وأما الزيادة، فما زاد على تسعة أشهر.
٢٠١٩٧- حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا قيس، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير قال: غيض الرحم: أن ترى الدم على
٢٠١٩٨-.... قال حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن قيس بن سعد، عن مجاهد قال: إذا رأت الحاملُ الدمَ كان أعظمَ للولد.
٢٠١٩٩- حدثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وما تغيض الأرحام وما تزداد)، "الغيض": النقصان من الأجل،"والزيادة": ما زاد على الأجل. وذلك أن النساء لا يلدن لعدّةٍ واحدة، يولد المولود لستة أشهر فيعيش، ويولد لسنتين فيعيش، وفيما بين ذلك. قال: وسمعت الضحاك يقول: ولدت لسنتين، وقد نبتت ثناياي.
٢٠٢٠٠- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: (وما تغيض الأرحام) قال: غيض الأرحام: الإهراقة التي تأخذ النساء على الحمل، وإذا جاءت تلك الإهراقة لم يعتدَّ بها من الحمل، ونقص ذلك حملها حتى يرتفع ذلك. وإذا ارتفع استقبلت عِدّةً مستقبلةً تسعة أشهر. وأما ما دامت ترى الدم، فإن الأرحام تغيض وتنقص، والولد يرقّ. فإذا ارتفع ذلك الدم رَبَا الولد واعتدّت حين يرتفع عنها ذلك الدم عدّة الحمل تسعة أشهر، وما كان قبله فلا تعتدُّ به، هو هِرَاقةٌ، يبطل ذلك أجمع أكتع.
* * *
وقوله: (وكل شيء عنده بمقدار).
٢٠٢٠١- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وكل شيء عنده بمقدار) إي والله، لقد حفظ عليهم رزقهم وآجالهم، وجعل لهم أجلا معلومًا.
* * *
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والله عالم ما غاب عنكم وعن أبصاركم فلم تروه، وما شاهدتموه، فعاينتم بأبصاركم، لا يخفى عليه شيء، لأنهم خلقه (١) وتدبيره="الكبير الذي كل شيء دونه"، (٢) ="المتعال" المستعلي على كل شيء بقدرته.
= وهو"المتفاعل" من"العلو" مثل"المتقارب" من القرب و"المتداني" من الدنوّ. (٣)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (١٠) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: معتدلٌ عند الله منكم، (٤) أيها الناس، الذي أسر القول، (٥) والذي جهر به، (٦) والذي هو مستخفٍ بالليل في ظلمته بمعصية الله="وسارب بالنهار"، يقول: وظاهر بالنهار في ضوئه، لا يخفى عليه شيء من ذلك. سواء عنده سِرُّ خلقه وعلانيتهم، لأنه لا يستسرّ عنده شيء ولا يخفى.
* * *
(٢) انظر تفسير" الكبير" فيما سلف ٨: ٣١٨.
(٣) وانظر تفسير" التعالي" فيما سلف ١٥: ٤٧، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٤) انظر تفسير" سواء" فيما سلف من فهارس اللغة (سوى).
(٥) انظر تفسير" الإسرار" فيما سلف ص: ١٩٨، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٦) انظر تفسير" الجهر" فيما سلف ٩: ٣٤٣ - ٣٤٩، ٣٥٨ /١١: ٣٦٨ / ١٣: ٣٥٣، تعليق: ٤، والمراجع هناك.
أَنَّى سَرَيْتِ وَكُنْتِ غَيْرَ سَرُوبِ | وَتُقَرِّبُ الأحْلامُ غَيْر قَرِيب (١) |
وكان بعضهم يقول: هو السَّالك في سَرْبه: أي في مذهبه ومكانه. (٣)
واختلف أهل العلم بكلام العرب في"السّرب".
فقال بعضهم:"هو آمن في سَرْبه"، بفتح السين.
وقال بعضهم:"هو آمن في سِرْبه" بكسر السين.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٢٠٢- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (سواء منكم من أسرّ القول ومن جهر به ومن هو مستخفٍ بالليل وسارب بالنهار)، يقول: هو صاحبُ ريبة مستخف بالليل. وإذا خرج بالنهار أرَى الناس أنه بريء من الإثم.
٢٠٢٠٣- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: (وسارب بالنهار)، ظاهر.
٢٠٢٠٤- حدثنا ابن بشار قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن عوف، عن أبي رجاء، في قوله: (سواء منكم من أسرّ القول ومن جهر به ومن هو مستخفٍ
(٢) الزيادة بين القوسين لا بد منها لتصحيح معنى الكلام.
(٣) أرجح أنه يعني أبا عبيدة في مجاز القرآن ١: ٣٢٣، ولكن لفظه:" سالك في سربه، أي مذاهبه ووجوهه"، وهو أجود مما في التفسير، وأخشى أن يكون من تحريف الناسخ أو سهوه.
٢٠٢٠٥- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا علي بن عاصم، عن عوف، عن أبي رجاء: (سواء منكم من أسرّ القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار) قال: من هو مستخف في بيته= (وسارب بالنهار)، ذاهب على وجهه. علمه فيهم واحدٌ.
٢٠٢٠٦- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (سواء منكم من أسرّ القول ومن جهر به)، يقول: السر والجهر عنده سواء= (ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار) أما"المستخفي" ففي بيته، وأما"السارب": الخارج بالنهار حيثما كان. المستخفي غَيْبَه الذي يغيب فيه والخارجُ، عنده سواء.
٢٠٢٠٧-... قال: حدثنا الحماني قال: حدثنا شريك، عن خصيف، في قوله: (مستخف بالليل) قال: راكب رأسه في المعاصي= (وسارب بالنهار) قال: ظاهر بالنهار.
٢٠٢٠٨- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (سواء منكم من أسر القول ومن جهر به) كل ذلك عنده تبارك وتعالى سواء، السر عنده علانية= قوله: (ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار)، أي: في ظلمه الليل، و"سارب": أي: ظاهر بالنهار.
٢٠٢٠٩- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا شريك، عن خصيف، عن مجاهد وعكرمة: (وسارب بالنهار) قال: ظاهر بالنهار.
* * *
و"مَنْ" في قوله: (من أسرّ القول ومَنْ جهر به ومَنْ هو مستخف بالليل) رفع الأولى منهن بقوله:"سواء". والثانية معطوفة على الأولى، والثالثة على الثانية.
* * *
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معناه: لله تعالى ذكرهُ معقِّباتٌ قالوا:"الهاء" في قوله:"له" من ذكر اسم الله.
و"المعقبات" التي تعتقب على العبد. (١) وذلك أن ملائكة الليل إذا صعدت بالنهار أعقبتها ملائكة النهار، فإذا انقضى النهار صعدت ملائكة النهار ثم أعقبتها ملائكة الليل. وقالوا: قيل"معقبات"، و"الملائكة": جمع"ملك" مذكر غير مؤنث، وواحد"الملائكة""معقِّب"، وجماعتها"مُعَقبة"، ثم جمع جمعه= أعني جمع"معقّب" بعد ما جمع"مُعَقّبة"= وقيل"معقِّبات"، كما قيل:"سادات سعد"، (٢) "ورجالات بني فلان"، جمع"رجال".
* * *
وقوله: (من بين يديه ومن خلفه)، يعني بقوله: (من بين يديه)، من قدام هذا المستخفي بالليل والسارب بالنهار (٣) (ومن خلفه)، من وراء ظهره.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٢١٠- حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا
(٢) في المطبوعة" ابناوات سعد"، وهي في المخطوطة غير منقوطة والصواب ما أثبت يقال" سيد" و" سادة و" سادات".
(٣) انظر تفسير بين يديه" فيما سلف ١٠: ٤٣٨، ١٢: ٤٩٢.
٢٠٢١١- حدثني المثنى قال: حدثنا إبراهيم بن عبد السلام بن صالح القشيري قال: حدثنا علي بن جرير، عن حماد بن سلمة، عن عبد الحميد بن جعفر، عن كنانة العدوي قال: دخل عثمان بن عفان على رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله أخبرني عن العبد كم معه من ملك؟ قال: ملك على يمينك على حسناتك، وهو أمينٌ على الذي على الشمال، (١) فإذا عملتَ حسنة كُتِبت عشرًا، وإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذي على اليمين: اكتب! قال: لا لعله يستغفر الله ويتوب! فإذا قال ثلاثًا قال: نعم اكتب أراحنا الله منه، فبئس القرين، ما أقل مراقبته لله، وأقل استحياءَه منّا! يقول الله: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)، [سورة ق: ١٨]، وملكان من بين يديك ومن خلفك، يقول الله: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله)، وملك قابض على ناصيتك، فإذا تواضعت لله رفعك، وإذا تجبَّرت على الله قصمك. وملكان على شفتيك ليس يحفظان عليك إلا الصَّلاة على محمد. وملك قائم على فيك لا يدع الحيّة تدخل في فيك، (٢) وملكان على عينيك. فهؤلاء عشرة أملاك على كلّ آدميّ، ينزلون ملائكة الليل على ملائكة النهار، [لأن ملائكة الليل سوى ملائكة النهار] (٣) فهؤلاء عشرون ملكًا على كل آدمي، وإبليس بالنهار وولده بالليل. (٤)
(٢) في المخطوطة:" تدخل فيك"، والصواب ما في المطبوعة والدر المنثور.
(٣) زيادة من ابن كثير والدر المنثور، ولا غنى عنها.
(٤) الأثر: ٢٠٢١١ - هذا إسناد قد سلف مثله برقم: ١٣٨٦، ١٣٩٥. وهو إسناد مشكل منكر.
" إبراهيم بن عبد السلام بن صالح القشيري"، وسلف" التستري" وكان في ذلك الموضع في ابن كثير" القشيري"، لا ندري أيهما الصواب، ولم نجد له ذكرًا في شيء من كتب الرجال.
و" علي بن جرير"، لا يدري منه هو أيضًا، كما قلنا فيما سلف، إلا أني أزيد أن ابن أبي حاتم ترجم في الجرح والتعديل:" علي بن جرير البارودي روى عنه... سئل أبي عن علي بن جرير البارودي، فقال: صدوق"، ولا أظنه هذا الذي في إسنادنا، كأن هذا متأخر، ابن أبي حاتم ٣ / ١ / ١٧٨ وأما" عبد الحميد بن جعفر، فثقة، سلف برقم: ١٣٨٦.
وأما" كنانة العدوي"، فهو" كنانة بن نعيم العدوي"، تابعي ثقة، لم يذكر أنه أدرك عثمان بن عفان أو روى عنه.
فهذا حديث فيه نكارة وضعف شديد، وانفرد بروايته أبو جعفر الطبري عن المثنى. انظر تفسير ابن كثير ٤: ٥٠٣، والدر المنثور ٤: ٤٨. وقال ابن كثير: إنه حديث غريب جدًا.
٢٠٢١٣- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
٢٠٢١٤-... قال: حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم، عن عبد الملك، عن قيس، عن مجاهد، في قوله: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه)، قال: مع كل إنسان حَفَظَةٌ يحفظونه من أمر الله.
٢٠٢١٥-... قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله)، فالمعقبات هن من أمر الله، وهي الملائكة.
٢٠٢١٦- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: (يحفظونه من أمر الله) قال: ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، فإذا جاء قدره خَلَّوا عنه.
٢٠٢١٧- حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) فإذا جاء القدر خَلَّوا عنه.
٢٠٢١٨- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم
٢٠٢١٩- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله)، قال: ملائكة.
٢٠٢٢٠- حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا يعلى قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح في قوله: (له معقبات) قال: ملائكة الليل، يعقُبُون ملائكة النهار.
٢٠٢٢١- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه) هذه ملائكة الليل يتعاقبون فيكم بالليل والنهار. وذكر لنا أنهم يجتمعون عند صلاة العصر وصلاة الصبح= وفي قراءة أبيّ بن كعب: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَرَقِيبٌ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِن أَمْرِ اللهِ).
٢٠٢٢٢- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: (له معقبات من بين يديه)، قال: ملائكة يتعاقبونه.
٢٠٢٢٣- حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه) قال: الملائكة= قال ابن جريج:"معقبات"، قال: الملائكة تَعَاقَبُ الليلَ والنهار.
وبلغنا أن النبي ﷺ قال: يجتمعون فيكم عند صلاة العصر وصلاة الصبح= وقوله: (يحفظونه من بين يديه ومن خلفه)، قال ابن جريج: مثل قوله: (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ)، [سورة ق: ١٧]. قال: الحسنات من بين يديه، والسيئات من خلفه. الذي عن يمينه يكتب الحسنات والذي عن شماله يكتب السيئات.
٢٠٢٢٤- حدثنا سوّار بن عبد الله قال: حدثنا المعتمر بن سليمان قال،
٢٠٢٢٥- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي: قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه)، قال: يعني الملائكة.
* * *
وقال آخرون: بل عني بـ"المعقبات" في هذا الموضع، الحرَس، الذي يتعاقب على الأمير.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٢٢٦- حدثنا أبو هشام الرفاعي قال: حدثنا ابن يمان قال: حدثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه) قال: ذلك ملك من مُلوك الدنيا له حَرسٌ من دونه حرَس.
٢٠٢٢٧- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه)، يعني: ولىَّ الشيطان، يكون عليه الحرس. (١)
٢٠٢٢٨- حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن شَرْقيّ: أنه سمع عكرمة يقول في هذه الآية: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه) قال: هؤلاء الأمراء. (٢)
٢٠٢٢٩- حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا عمرو بن
(٢) الأثر: ٢٠٢٢٨ -" شرقي البصرى"، روى عن عكرمة عن ابن عباس في تفسير هذه الآية ن والكبير ٢ / ٢ / ٢٥٥، وابن أبي حاتم ٢ / ١ / ٣٧٦.
٢٠٢٣٠- حدثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله)، قال: هو السلطان المحترس من الله، وهم أهل الشرك. (٢)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين في ذلك بالصواب، قولُ من قال:"الهاء"، في قوله: (له معقبات) من ذكر"مَنْ" التي في قوله: (ومَنْ هو مستخف بالليل) ="وأن المعقبات من بين يديه ومن خلفه"، هي حرسه وجلاوزته، (٣) كما قال ذلك من ذكرنا قوله.
وإنما قلنا:"ذلك أولى التأويلين بالصواب"، لأن قوله: (له معقبات) أقرب إلى قوله: (ومن هو مستخف بالليل) منه إلى عالم الغيب، فهي لقربها منه أولى بأن تكون من ذكره، وأن يكون المعنيَّ بذلك هذا، مع دلالة قول الله: (وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له) على أنهم المعنيُّون بذلك.
وذلك أنه جل ثناؤه ذكر قومًا أهل معصيةٍ له وأهلَ ريبة، يستخفون بالليل ويظهرون بالنهار، ويمتنعون عند أنفسهم بحرس يحرسهم، ومَنْعَة تمنعهم من أهل طاعته أن يحولوا بينهم وبين ما يأتون من معصية الله. ثم أخبر أنّ الله تعالى ذكره إذا أراد بهم سوءًا لم ينفعهم حَرَسهم، ولا يدفع عنهم حفظهم.
* * *
(٢) في المطبوعة:" المحروس من أمر الله"، وأثبت ما في المخطوطة.
(٣) الجلاوزة جمع جلواز (بكسر الجيم وسكون اللام). وهو الشرطي الذي يخف بين يدي الأمير ويأتمر بأمره.
= فمن قال:"المعقبات" هي الملائكة قال: الذين يحفظونه من أمر الله هم أيضًا الملائكة.
ومن قال:"المعقبات" هي الحرس والجلاوزة من بني آدم قال: الذين يحفظونه من أمر الله هم أولئك الحرس.
* * *
واختلفوا أيضًا في معنى قوله: (من أمر الله).
فقال بعضهم: حفظهم إيّاه من أمره.
وقال بعضهم: (يحفظونه من أمر الله) بأمر الله.
*ذكر من قال: الذين يحفظونه هم الملائكة، ووجَّه قوله: (بأمر الله) إلى معنى أن حفظها إيّاه من أمر الله:
٢٠٢٣١- حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية، عن علي عن ابن عباس قوله: (يحفظونه من أمر الله)، يقول: بإذن الله، فالمعقبات: هي من أمر الله، وهي الملائكة.
٢٠٢٣٢- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير: (يحفظونه من أمر الله)، قال: الملائكة: الحفظة، وحفظهم إياه من أمر الله.
٢٠٢٣٣- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا محمد بن عبيد قال: حدثني عبد الملك، عن ابن عبيد الله، عن مجاهد في قوله: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله)، قال: الحفظة هم من أمر الله.
٢٠٢٣٤-... قال: حدثنا علي= يعني ابن عبد الله بن جعفر= قال: حدثنا سفيان، عن عمرو، عن ابن عباس: (له معقبات من بين يديه)، رقباء=
٢٠٢٣٥-... قال: حدثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، عن الجارود، عن ابن عباس: (له معقبات من بين يديه)، رقيب= (ومن خلفه).
٢٠٢٣٦- حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا إسرائيل، عن خصيف، عن مجاهد: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله)، قال: الملائكة من أمر الله.
٢٠٢٣٧- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: (يحفظونه من أمر الله)، قال: الملائكة من أمر الله.
٢٠٢٣٨- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) قال: الحفظة.
* * *
*ذكر من قال: عنى بذلك: يحفظونه بأمر الله:
٢٠٢٣٩- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (يحفظونه من أمر الله) : أي بأمر الله.
٢٠٢٤٠- حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (يحفظونه من أمر الله)، وفي بعض القراءات (بِأَمْرِ اللهِ).
٢٠٢٤١- حدثني المثنى قال: حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن عبد الملك، عن قيس، عن مجاهد في قوله: (له معقبات من بين يديه ومن
و" سفيان"، هو" سفيان بن عيينة"، الثقة المشهور.
و" عمرو"، هو" عمر بن دينار المكي"، الثقة المشهور.
* * *
*ذكر من قال: تحفظه الحرس من بني آدم من أمر الله:
٢٠٢٤٢- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (يحفظونه من أمر الله) يعني: ولّى الشيطان، (١) يكون عليه الحرس يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، يقول الله عز وجل: يحفظونه من أمري، فإني إذا أردت بقوم سوءًا فلا مرد له وما لهم من دونه من والٍ.
٢٠٢٤٣- حدثني أبو هريرة الضبعي قال: حدثنا أبو قتيبة قال، حدثنا شعبة، عن شَرْقيّ، عن عكرمة: (يحفظونه من أمر الله) قال: الجلاوزة. (٢)
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: يحفظونه من أمر الله، و"أمر الله" الجن، ومن يبغي أذاه ومكروهه قبل مجيء قضاء الله، فإذا جاء قضاؤه خَلَّوْا بينه وبينه.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٢٤٤- حدثني أبو هريرة الضبعي قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا ورقاء، عن منصور، عن طلحة، عن إبراهيم: (يحفظونه من أمر الله) قال: من الجن. (٣)
٢٠٢٤٥- حدثنا سوّار بن عبد الله قال: حدثنا المعتمر قال: سمعت ليثًا
(٢) الأثر: ٢٠٢٤٣ -" أبو هريرة الضبعي"، هو" محمد بن فراس الضبعي الصيرفي"، شيخ أبي جعفر، ثقة صدوق، مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٤ / ١ / ٦٠.
و" أبو قتيبة"، هو" سلم بن قتيبة الشعيري"، ثقة، مضى مرارًا، آخرها رقم: ١٢٩٠٤.
و" شعبة" هو" شعبة بن الحجاج"، الإمام المشهور، مضى مرارًا. وكان هنا في المطبوعة والمخطوطة:" سعيد"، وهو خطأ محض، فإن الذي يروي عن" شرقي البصري"، هو شعبة، كما مضى آنفًا رقم: ٢٠٢٢٨.
" وشرقي البصري"، مضى برقم: ٢٠٢٢٨.
(٣) الأثر: ٢٠٢٤٤ -" أبو هريرة الضبعي"، مضى في الأثر السالف.
و" أبو داود"، هو الطيالسي.
٢٠٢٤٦- حدثنا الحسن بن عرفة قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن محمد بن زياد الألهاني، عن يزيد بن شريح، عن كعب الأحبار قال: لو تجلَّى لابن آدم كلّ سهلٍ وحزنٍ لرأى على كل شيء من ذلك شياطين. لولا أن الله وكَّل بكم ملائكة يذبُّون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم إذًا لتُخُطِّفتم.
٢٠٢٤٧- حدثني يعقوب قال: حدثنا ابن علية قال: حدثنا عمارة بن أبي حفصة، عن أبي مجلز قال: جاء رجل من مُرادٍ إلى عليّ رضي الله عنه وهو يصلي، فقال: احترس، فإنّ ناسًا من مراد يريدون قتلك! فقال: إنّ مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدَّر، فإذا جاء القدَرُ خلَّيا بينه وبينه، وإن الأجل جُنَّةٌ حصينة.
٢٠٢٤٨- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا عبد الوهاب، عن الحسن بن ذكوان، عن أبي غالب، عن أبي أمامة قال: ما من آدمي إلا ومعه ملك موكَّل يذود عنه حتى يسلمه للذي قُدِّر له.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: يحفظون عليه من الله.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٢٤٩- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: (يحفظونه من أمر الله)، قال: يحفظون عليه من الله.
* * *
قال أبو جعفر: يعني ابن جريج بقوله:"يحفظون عليه"، الملائكة الموكلة بابن آدم، بحفظ حسناته وسيئاته، وهي"المعقبات" عندنا، تحفظ على ابن آدم حسناته وسيئاته من أمر الله.
* * *
وكان عبد الرحمن بن زيد يقول في ذلك خلاف هذه الأقوال كلها:-
٢٠٢٥٠- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: (ومن هو مستخف بالليل وساربٌ بالنهار) قال: أتى عامر بن الطفيل، وأربد بن ربيعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، (١) فقال عامر: ما تجعل لي إن أنا اتبعتك؟ قال: أنت فارس، أعطيك أعنة الخيل. قال: لا. قال:"فما تبغي؟ قال: لي الشرق ولك الغرب. قال: لا. قال: فلي الوَبَر ولك المَدَر. قال: لا. قال: لأملأنها عليك إذًا خيلا ورجالا. قال: يمنعك الله ذاك وابنا قيلة (٢) = يريد الأوس والخزرج. قال: فخرجا، فقال عامر لأربد: إن كان الرجل لنا لممكنًا لو قتلناه ما انتطحت فيه عنزان، ولرضوا بأن نعقله لهم وأحبوا السلم وكرهوا الحرب إذا رأوا أمرًا قد وقع. فقال الآخر: إن شئت فتشاورا،
و" أربد" هو:" أربد بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر بن كلاب"، وهو أخو لبيد لأمه، و" لبيد" هو" لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب"، فكأن ابن زيد ومحمد بن علي القرشي إنما قالا:" أربد بن ربيعة"، من قبل أخوته للبيد بن ربيعة، ولا أدري كيف قالا هذا؟ ولم قالاه؟ ولم أجده في غير هذين الموضعين. وانظر كتاب" جوامع السيرة"، لابن حزم ص: ١٢، تعليق: ١.
(٢) في المطبوعة:" وأبناء قيلة"، والصواب ما في المخطوطة على التثنية. و" قيلة" أم الأوس والخزرج.
أَخْشَى عَلَى أَرْبَدَ الحُتُوفَ وَلا | أَرْهَبُ نَوْءَ السِّمَاكِ وَالأسَدِ (١٢) |
(٢) قوله:" فجعل يجادله ويستبطئه" وما بعدها، كلام فيه اضطراب، وأخشى أن يكون فيه خرم وسقط، والسياق يدل على أنه جعل يجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينظر إلى أربد يستبطئه. فلما انصرفا قال عامر لأربد: مالك حشمت؟
(٣) في المطبوعة:" مالك أجشمت" بزيادة الهمزة، وبالجيم، وليس له معنى، وفي المخطوطة:" حسمت" غير منقوطة، وصواب قراءتها ما أثبت. يقال:" حشم" بالبناء المجهول، إذا أعيي وانقبض.
(٤) الزيادة بين القوسين، زادها الناشر الأول على الدر المنثور.
(٥) في المطبوعة:" يا أعور يا خبيث يا أملخ"، غير ما في المخطوطة، والذي فيها:" ناعور حسما يا أبلخ"، ولم أستطع أن أجد الخبر في مكان آخر فأصححه، وقد أعياني كشف ما فيه من التحريف، فأثبته كما هو. و" الأبلخ" هو العظيم في نفسه، الجريء على ما أتى من الفجور.
(٦) في المطبوعة:" تشترط"، وأثبت ما في المخطوطة.
(٧) في المطبوعة:" ضربت"، وأثبت ما في المخطوطة.
(٨) وهذه كلمة أخرى أثبتها كما هي في المخطوطة غير منقوطة لم أهتد إلى قراءتها، ولكن ناشر المطبوعة جعلها:" لا تستبقين"، فنقطها، فصارت بلا معنى، أما السيوطي في الدر المنثور، فقد حذفها كعادته واستراح من همها.
(٩) زيادة لا بد منها، أثبتها من الدر المنثور.
(١٠) في المطبوعة:" إلي عذية"، وليس في بلاد العرب موضع بهذا الاسم، والذي فيها" عدنة" (بفتح العين والدال)، وهي أرض لبني فزارة، في جهة الشمال من الشربة، قال الأصمعي في تحديد نجد:" ووادي الرمة يقطع بين عدنة والشربة، فإذا جزعت الرمة مشرقًا أخذت في الشربة، وإذا جزعت الرمة إلى الشمال أخذت في عدنة"، أرجو أن يكون ما قرأت هو الصواب.
(١١) " الرقم"، ظاهر أنه موضع، انظر معجم البلدان، ومعجم ما استعجم، وصفة جزيرة العرب للهمداني: ١٧٦، فأنا في شك من هذا كله.
(١٢) ديوانه قصيدة رقم: ٥، البيت: ٢، ٣ / وسيأتيان في ص: ٣٩٤، وقبل البيتين، وهو أولها:
ما إنْ تُعرِّي المَنُونُ مِنْ أَحَدٍ | لا وَالِدٍ مُشْفِقٍ ولا وَلدِ |
يقول لبيد: كنت أخشى عليه كل حتف أعرفه، إلا هذا الحتف المفاجئ من صواعق الصيف.
وقوله:" فجعني الدهر"، أي أنزل بي الفجيعة الموجعة، والرزية المؤلمة. و" يوم الكريهة"، يوم الشدة في الحرب، حيث تكره النفوس الموت. و" النجد" (بفتح فضم)، هو الشجاع الشديد البأس، السريع الإجابة إلى ما دعي إليه من خير أو شر، مع مضاء فيما يعجز عنه غيره.
فَجّعَنِي الرَّعْدُ وَالصَّوَاعِقُ بِال | فَارِسِ يَوْمَ الكَرِيهَةِ النَّجُدِ (١) |
قال أبو جعفر: وهذا القول الذي قاله ابن زيد في تأويل هذه الآية، قولٌ بعيد من تأويل الآية، مع خلافِه أقوالَ من ذكرنا قوله من أهل التأويل.
وذلك أنه جعل"الهاء" في قوله: (له معقبات) من ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يجر له في الآية التي قبلها ولا في التي قبل الأخرى ذكرٌ، إلا أن يكون أراد أن يردّها على قوله: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد له معقبات) فإن كان ذلك، (٢) فذلك بعيدٌ، لما بينهما من الآيات بغير ذكر الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإذا كان ذلك، فكونها عائدة على"مَنْ" التي في قوله: (ومَنْ هو مستخف بالليل) أقربُ، لأنه قبلها والخبر بعدها عنه.
فإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: سواء منكم، أيها الناس من أسرّ القول ومن جهر به عند ربكم، ومن هو مستخف بفسقه وريبته في ظلمة الليل، وساربٌ يذهب ويجيء في ضوء النهار ممتنعًا بجنده وحرسه الذين يتعقبونه من أهل طاعة الله أن يحولوا بينه وبين ما يأتي من ذلك، وأن يقيموا حدَّ الله عليه، وذلك قوله: (يحفظونه من أمر الله).
* * *
وقوله: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) يقول تعالى ذكره: (إن الله لا يغير ما بقوم)، من عافية ونعمة، فيزيل ذلك عنهم ويهلكهم= (حتى يغيروا ما بأنفسهم) من ذلك بظلم بعضهم بعضًا، واعتداء بعضهم على بعض،
(٢) في المطبوعة:" فإن كان أراد ذلك"، زاد من عنده ما لا حاجة إليه.
* * *
وقوله: (وإذا أراد الله بقوم سوءًا فلا مردّ له) يقول: وإذا أراد الله= بهؤلاء الذين يستخفون بالليل ويسربون بالنهار، لهم جند ومنعة من بين أيديهم ومن خلفهم، يحفظونهم من أمر الله= هلاكًا وخزيًا في عاجل الدنيا، = (فلا مردّ له) يقول: فلا يقدر على ردّ ذلك عنهم أحدٌ غيرُ الله. يقول تعالى ذكره: (وما لهم من دونه من وال) يقول: وما لهؤلاء القوم= و"الهاء والميم" في"لهم" من ذكر القوم الذين في قوله: (وإذا أراد الله بقوم سوءًا). من دون الله= (من والٍ) يعني: من والٍ يليهم ويلي أمرهم وعقوبتهم.
* * *
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول:"السوء": الهلكة، ويقول: كل جذام وبرص وعَمى وبلاء عظيم فهو"سوء" مضموم الأول، وإذا فتح أوله فهو مصدر:"سُؤْت"، ومنه قولهم:"رجلُ سَوْءٍ". (١)
واختلف أهل العربية في معنى قوله: (ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار).
فقال بعض نحويي أهل البصرة: معنى قوله: (ومن هو مستخف بالليل) ومن هو ظاهر بالليل، من قولهم:"خَفَيْتُ الشيء": إذا أظهرته، وكما قال أمرؤ القيس:
فَإِنْ تَكْتُمُوا الدَّاء لا نَخْفِه | وإنْ تَبْعَثُوا الحَرْبَ لا نَقْعُدِ (٢) |
وقال في قوله: (وسارب بالنهار)، "السارب": هو المتواري، كأنه وجَّهه إلى
(٢) ديوانه: ١٦، واللسان (خفا)، وغيرهما، وسيأتي في التفسير ١٦: ١١٤ (بولاق)، مع اختلاف يسير في الرواية.
* * *
وقال بعض نحويي البصرة والكوفة: إنما معنى ذلك: (ومن هو مستخف)، أي مستتر بالليل من الاستخفاء= (وسارب بالنهار) : وذاهبٌ بالنهار، من قولهم:"سَرَبت الإبل إلى الرَّعي، وذلك ذهابها إلى المراعي وخروجها إليها.
وقيل: إن"السُّرُوب" بالعشيّ، و"السُّروح" بالغداة.
* * *
واختلفوا أيضًا في تأنيث"معقبات"، وهي صفة لغير الإناث.
فقال بعض نحويي البصرة: إنما أنثت لكثرة ذلك منها، نحو:"نسّابة"، و"علامة"، ثم ذكَّر لأن المعنيَّ مذكّر، فقال:"يحفظونه".
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة: إنما هي"ملائكة معقبة"، ثم جمعت"معقبات"، فهو جمع جمع، ثم قيل:"يحفظونه"، لأنه للملائكة.
* * *
وقد تقدم قولنا في معنى:"المستخفي بالليل والسارب بالنهار". (٢)
وأما الذي ذكرناه عن نحويي البصريين في ذلك، فقولٌ وإن كان له في كلام العرب وجهٌ، خلافٌ لقول أهل التأويل. (٣) وحسبه من الدلالة على فساده، خروجه عن قولِ جميعهم.
* * *
وأما"المعقبات"، فإن"التعقيب" في كلام العرب، العود بعد البدء، والرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه، (٤) من قول الله تعالى: (وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ)، أي: لم يرجع، وكما قال سلامة بن جندل:
(٢) انظر ما سلف ص: ٣٦٦ - ٣٦٨.
(٣) سياق الكلام:" فقول.. خلاف لقول أهل التأويل".
(٤) سلف أيضًا تفسير" المعقبات" ص: ٣٦٩، وما بعدها.
وَكَرُّنا الخَيْلَ فِي آثَارِهِمْ رُجُعًا | كُسَّ السَّنَابِكِ مِنْ بَدْءٍ وَتَعْقِيبِ (١) |
وَلَقَدْ كُنْت عَلَيْكُمْ عَاتِبًا | فَعَقَبْتُمْ بِذَنُوبٍ غَيْرِ مُرّ (٢) |
=وأتاها التأنيث عندنا، وهي من صفة الحرس الذي يحرسون المستخفي بالليل والسارب بالنهار، لأنه عني بها"حرس مُعَقبّة"، ثم جمعت"المعقبة" فقيل:"معقبات" فذلك جمع جمع"المعقِّب"، و"المعقِّب"، واحد"المعَقِّبة"، كما قال لبيد:
حَتَّى تَهَجَّرَ فِي الرّوَاحِ وَهَاجَهُ | طَلَبَ المُعَقِّبِ حَقَّهُ المَظْلُومُ (٣) |
* * *
وأما قوله: (يحفظونه من أمر الله) فإن أهل العربية اختلفوا في معناه.
وهي أجود الروايتين، وكان في المطبوعة:" في آثارها". وقوله:" أدراجها"، أي من حيث جاءت ذهبت. و" رجع" جمع" رجيع"، وهو الدابة الذي هزله السفر. و" كس السنابك"، جمع" أكس"، وهو الحافر المتثلم الذي كسره طول السير، أي تحاتت سنابكها من طول السير. و" البدء" الغزو الأول، و" التعقيب"، الرجوع من الغزو، أو الغزو الثاني بعد الأول.
(٢) أشعار الستة الجاهليين: ٣٣٤، و" الذنوب"، الدلو العظيمة يكون فيها ماء. يقول:" كنت عليكم واجدًا غاضبًا، فرجعتم بحلو المودة دون مرها، فخلص قلبي لكم مرة أخرى.
(٣) ديوانه قصيدة رقم: ١٦، بيت ٢٦، اللسان (عقب)، وهو من أبيات في صفة حمار الوحش، وشرح البيت يطول، وخلاصته أن الحمار" تهجر من الرواح"، أي: عجل في الرواح إلى الماء، و" هاجه"، أي: حركه حب الماء، فعجل إليه عجلة طالب الحق يطلبه مرة بعد مرة، وهو" المعقب".
ورفع" المظلوم"، وهو نعت للمعقب على المعنى والمعقب خفض في اللفظ، ومعناه أنه فاعل" طلب".
* * *
وقال بعض نحويي البصريين، معنى ذلك: يحفظونه عن أمر الله، كما قالوا:"أطعمني من جوع، وعن جوع" و"كساني عن عري، ومن عُرْيٍ".
وقد دللنا فيما مضى على أن أولى القول بتأويل ذلك أن يكون قوله: (يحفظونه من أمر الله)، من صفة حرس هذا المستخفي بالليل، وهي تحرسه ظنًّا منها أنها تدفع عنه أمرَ الله، فأخبر تعالى ذكره أن حرسه ذلك لا يغني عنه شيئًا إذا جاء أمره، فقال: (وإذا أراد الله بقوم سوءًا فلا مرد له وما لهم من دونه من والٍ).
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (١٢) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (١٣) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (هو الذي يريكم البرق)، يعني أن الرب هو الذي يري عباده البرق= وقوله: (هو) كناية اسمه جلّ ثناؤه.
* * *
وقد بينا معنى"البرق"، فيما مضى، وذكرنا اختلاف أهل التأويل فيه بما أغنى
* * *
وقوله: (خوفًا) يقول: خوفًا للمسافر من أذاه. وذلك أن"البرق"، الماء، في هذا الموضع كما:-
٢٠٢٥١- حدثني المثنى قال: حدثنا حجاج قال: حدثنا حماد قال: أخبرنا موسى بن سالم أبو جهضم، مولى ابن عباس قال: كتب ابن عباس إلى أبي الجَلْد يسأله عن"البرق"، فقال:"البرق"، الماء. (٢)
* * *
وقوله (وطمعًا) يقول: وطمعًا للمقيم أن يمطر فينتفع. كما:-
٢٠٢٥٢- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (هو الذي يريكم البرق خوفًا وطمعًا)، يقول: خوفًا للمسافر في أسفاره، يخاف أذاه ومشقته= (وطمعًا،) للمقيم، يرجو بركته ومنفعته، ويطمع في رزق الله.
٢٠٢٥٣- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (خوفا وطمعا) خوفا للمسافر، وطمعا للمقيم.
* * *
وقوله: (وينشئ السحاب الثقال) : ويثير السحاب الثقال بالمطر ويبدؤه.
* * *
يقال منه: أنشأ الله السحاب: إذا أبدأه، ونشأ السحاب: إذا بدأ ينشأ نَشْأً.
* * *
و"السحاب" في هذا الموضع، وإن كان في لفظ واحد، فإنها جمعٌ، واحدتها"سحابة"، ولذلك قال:"الثقال"، فنعتها بنعت الجمع، ولو كان جاء:"السحاب" الثقيل كان جائزًا، وكان توحيدًا للفظ السحاب، كما قيل: (الَّذِي جَعلَ لَكُمْ
(٢) الأثر: ٢٠٢٥١ -" موسى بن سالم"،" أبو جهضم"، ثقة، روايته عن ابن عباس مرسلة، سلف برقم: ٤٣٤.
و" أبو الجلد"، هو" جيلان بن فروة الأسدي"، ثقة، مضى برقم: ٤٣٤، ٧٢٣، ١٩١٣.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٢٥٤-حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وينشئ السحاب الثقال)، قال: الذي فيه الماء.
٢٠٢٥٥- حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
٢٠٢٥٦- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
٢٠٢٥٧-... قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
٢٠٢٥٨- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (وينشئ السحاب الثقال) قال: الذي فيه الماء.
* * *
وقوله: (ويسبح الرعد بحمده).
* * *
قال أبو جعفر: وقد بينا معنى الرعد فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (١)
* * *
وذكر أن رسول الله ﷺ كان إذا سمع صوت الرعد قال كما:
٢٠٢٥٩- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا كثير بن هشام قال: حدثنا جعفر قال: بلغنا أن النبي ﷺ كان إذا سمع صوت الرعد الشديد
٢٠٢٦٠- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا إسرائيل، عن أبيه، عن رجل، عن أبي هريرة رفع الحديث: أنه كان إذا سمع الرعد قال:"سبحان من يسبح الرعد بحمده".
٢٠٢٦١- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا مسعدة بن اليسع الباهلي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه، كان إذا سمع صوت الرعد قال:"سبحان من سَبَّحتَ له". (٢)
٢٠٢٦٢-... قال: حدثنا إسماعيل بن علية، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس، أنه كان إذا سمع الرعد قال:"سبحان الذي سَبَّحتَ له. (٣)
٢٠٢٦٣- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا يعلى بن الحارث قال: سمعت أبا صخرة يحدث عن الأسود بن يزيد، أنه كان إذا سمع الرعد قال:"سبحان من سبَّحتَ له= أو"سبحان الذي يسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته". (٤)
(٢) الأثر: ٢٠٢٦١ -" مسعدة بن اليسع بن قيس اليشكري الباهلي" قال ابن أبي حاتم:" هو ذاهب الحديث، منكر الحديث، لا يشتغل به، يكذب على جعفر بن محمد عندي، والله أعلم".
وقال أحمد:" مسعدة بن اليسع، ليس بشيء، خرقنا حديثه، وتركنا حديثه منذ دهر". مترجم في الكبير ٤ / ٢ / ٢٦، وابن أبي حاتم ٤ / ١ / ٣٧٠، وميزان الاعتدال ٣: ١٦٣، ولسان الميزان ٦: ٢٣.
(٣) الأثر: ٢٠٢٦٢ - رواه البخاري في الأدب المفرد رقم: ٧٢٢، مطولا، و" الحكم بن أبان العدني" تكلم أهل المعرفة بالحديث في الاحتجاج بخيره، كذلك قال ابن خزيمة في صحيحه، وهو ثقة إن شاء الله، قال ابن حبان: ربما أخطأ، مترجم في التهذيب، والكبير ١ / ٢ / ٣٣٤، وابن أبي حاتم ١ / ٢ / ١١٣.
(٤) الأثر: ٢٠٢٦٣ -" يعلى بن الحارث بن حرب المحاربي" ثقة، مترجم في التهذيب، والكبير ٤ / ٢/ ٤١٨، وابن أبي حاتم ٤ / ٢ / ٣٠٤.
" أبو صخرة"، هو" جامع بن شداد المحاربي" ثقة مضى برقم: ١٧٩٨٢، وظني أنه لم يسمع" الأسود بن يزيد النخعي"، بل سمع ذلك من أخيه" عبد الرحمن بن يزيد النخعي"، و" عبد الرحمن" سمع من أخيه.
٢٠٢٦٥- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثنا حجاج، عن ميسرة، عن الأوزاعي قال: كان ابن أبي زكريا يقول: من قال حين يسمع الرعد:"سبحان الله وبحمده، لم تصبه صاعقةٌ. (١)
* * *
ومعنى قوله: (ويسبح الرعد بحمده)، ويعظم اللهَ الرعدُ ويمجِّده، فيثنى عليه بصفاته، وينزهه مما أضاف إليه أهل الشرك به ومما وصفوه به من اتخاذ الصاحبة والولد، تعالى ربنا وتقدّس. (٢)
* * *
وقوله: (من خيفته) يقول: وتسبح الملائكة من خيفة الله ورَهْبته. (٣)
* * *
وأما قوله: (ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء).
* * *
فقد بينا معنى الصاعقة، فيما مضى، بما أغنى عن إعادته، بما فيه الكفاية من الشواهد، وذكرنا ما فيها من الرواية. (٤)
* * *
وقد اختلف فيمن أنزلت هذه الآية.
فقال بعضهم: نزلت في كافر من الكفّار ذكر الله تعالى وتقدَّس بغير ما ينبغي ذكره به، فأرسل عليه صاعقة أهلكته.
(٢) انظر تفسير" التسبيح" فيما سلف ١: ٤٧٢ - ٤٧٤، وفهارس اللغة (سبح).
(٣) انظر تفسير" الخفية" فيما سلف ١٣: ٣٥٣ / ١٥: ٣٨٩.
(٤) انظر تفسير" الصاعقة" فيما سلف ٢: ٨٢، ٨٣ / ٩: ٣٥٩ / ١٣: ٩٧.
٢٠٢٦٦- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا عفان قال: حدثنا أبان بن يزيد قال: حدثنا أبو عمران الجوني، عن عبد الرحمن بن صُحار العبدي: أنه بلغه أن نبي الله ﷺ بعث إلى جَبَّار يدعوه، فقال:"أرأيتم ربكم، أذهبٌ هو أم فضةٌ هو أم لؤلؤٌ هو؟ " قال: فبينما هو يجادلهم، إذ بعث الله سحابة فرعدت، فأرسل الله عليه صاعقة فذهبت بقِحْف رأسه فأنزل الله هذه الآية: (ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال). (١)
٢٠٢٦٧- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق بن سليمان، عن أبي بكر بن عياش، عن ليث، عن مجاهد قال: جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أخبرني عن ربّك من أيّ شيء هو، من لؤلؤ أو من ياقوت؟ فجاءت صاعقة فأخذته، فأنزل الله: (ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال).
٢٠٢٦٨- حدثني المثنى قال: حدثنا الحماني قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن ليث، عن مجاهد، مثله.
٢٠٢٦٩-... قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله بن هاشم قال: حدثنا سيف، عن أبي روق، عن أبي أيوب، عن علي قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا محمد حدثني من هذا الذي تدعو إليه؟ أياقوت
و" أبان بن يزيد العطار"، ثقة إن شاء الله، مضى مرارًا.
و" أبو عمران الجوني" هو "عبد الملك بن حبيب الأزدي"، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: ٨٠، ١٣٠٤٢، ١٧٤١٣.
و" عبد الرحمن بن صحار بن صخر العبدي"، لأبيه صحبة، تابعي ثقة، روى عن أبيه، مترجم في ابن أبي حاتم ٢ / ٢ / ٢٤٤.
وهذا خبر مرسل صحيح الإسناد.
٢٠٢٧٠- حدثنا محمد بن مرزوق قال: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب قال: حدثني علي بن أبي سارة الشيباني قال: حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال: بعث النبي ﷺ مرةً رجلا إلى رجل من فراعنة العرب، أن ادْعُه لي، فقال: يا رسول الله، إنه أعتى من ذلك! قال: اذهب إليه فادعه. قال: فأتاه فقال: رسول الله ﷺ يدعوك! فقال: مَنْ رسول الله؟ وما الله؟ أمن ذهب هو، أم من فضة، أم من نحاس؟ قال: فأتى الرجل النبي ﷺ فأخبره، فقال: ارجع إليه فادعه" قال: فأتاه فأعاد عليه وردَّ عليه مثل الجواب الأوّل. فأتى النبي ﷺ فأخبره، فقال: ارجع إليه فادعه! قال: فرجع إليه. فبينما هما يتراجعان الكلام بينهما، إذ بعث الله سحابة بحيالِ رأسه فرَعَدت، فوقعت منها صاعقة فذهبت بقِحْفِ رأسه، فأنزل الله: (ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال). (٢)
* * *
وأما" عبد الله بن هاشم"، فقد سلف في مثل هذا الإسناد برقم: ٧٣٢٩، ٧٩٣٨، ١٢١٢٨، وقلت في آخرها،" لم أعرف من يكون"، ولكني أستظهر الآن أنه:" عبد الله بن هاشم الكوفي"، نزيل الري. مترجم في ابن أبي حاتم ٢ / ٢ / ١٩٦.
وأما" سيف"، فهو" سيف بن عمر الضبي"، الأخباري، صاحب الفتوح، وهو ضعيف ساقط الحديث، ليس بشيء. مضى مرارًا، آخرها ١٢٢٠٣، ومضى في مثل هذا الإسناد نفسه برقم ٧٣٢٩، ٧٩٣٨، ١٢١٢٨. وسيأتي مثله برقم: ٢٠٢٧٣، ٢٠٢٨٢، ٢٠٢٨٦. وهذا إسناد منكر.
(٢) الأثر: ٢٠٢٧٠ -" محمد بن مرزوق"، هو" محمد بن محمد بن مرزوق الباهلي"، شيخ الطبري، ثقة، مضى برقم: ٢٨، ٨٢٢٤، ١٧٢٤٩.
و" عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي"، ثقة صدوق، مضى برقم: ٧٩١١.
و" علي بن أبي سارة الشيباني"، ويقال له:" علي بن محمد بن سارة"، شيخ ضعيف الحديث.
قال البخاري: في حديثه نظر. وقال أبو داود: ترك الناس حديثه. وقال ابن حبان: غلب على روايته المناكير فاستحق الترك. وقال العقيلي:" علي بن أبي سارة عن ثابت البناني، لا يتابع عليه، ثم روى له عن ثابت عن أنس في قوله تعالى: ﴿ويرسل الصواعق﴾، ثم قال: ولا يتابعه عليه إلا من هو مثله أو قريب منه". مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٣ / ١ / ١٨٩، وميزان الاعتدال ٢: ٢٢٦، وذكر الحديث بإسناده هذا وبتمام لفظه، وعده من الأحاديث التي أنكرت عليه.
فهذا إسناد ضعيف جدًا.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ٧: ٤٢:" رواه أبو يعلى البزار، ورجال البزار رجال الصحيح، غير ديلم بن غزوان، وهو ثقة".
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٢٧١- حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجلا أنكر القرآن وكذّب النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأرسل الله عليه صاعقة فأهلكته، فأنزل الله عز وجل فيه: (وهم يجادلون في الله، وهو شديد المحال).
* * *
وقال آخرون: نزلت في أربد أخي لبيد بن ربيعة، وكان همّ بقتل رسول الله ﷺ هو وعامر بن الطفيل.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٢٧٢- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: نزلت= يعني قوله: (ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء) = في أربد أخي لبيد بن ربيعة، لأنه قدم أربدُ وعامرُ بن الطفيل بن مالك بن جعفر على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عامر: يا محمد أأسلم وأكون الخليفة من بعدك؟ قال: لا! قال: فأكون على أهل الوَبَر وأنتَ على أهل المدَرِ؟ قال: لا! قال: فما ذاك؟ قال:"أعطيك أعنة الخيل تقاتل عليها، فإنك رجل فارس. قال: أو ليست أعِنّة الخيل بيدي؟ أما والله لأملأنها عليك خيلا ورجالا من بني عامر! قال لأربد: إمّا أن تكفينيه وأضربه بالسيف، وإما أن أكفيكه وتضربه بالسيف.
أَخْشَى عَلَى أَرْبَدَ الحُتُوف وَلا... أَرْهَبُ نَوْءَ السِّمَاك وَالأسَدِ... فَجَّعنِي الْبَرْقُ والصّوَاعِقُ بال... فَارِس يَوْمَ الكَرِيهَةِ النَّجُدِ (٢)
* * *
وقد ذكرت قبل خبر عبد الرحمن بن زيد بنحو هذه القصة. (٣)
* * *
وقوله: (وهم يجادلون في الله)، يقول: وهؤلاء الذين أصابهم الله بالصواعق أصابهم في حال خُصومتهم في الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم. (٤)
* * *
وقوله: (وهو شديد المحال) يقول تعالى ذكره: والله شديدةٌ مماحلته في عقوبة من طغى عليه وعَتَا وتمادى في كفره.
* * *
و"المحال": مصدر من قول القائل: ما حلت فلانًا فأنا أماحله مماحلةً ومِحَالا و"فعلت" منه:"مَحَلت أمحَلُ محْلا إذا عرّض رجلٌ رجلا لما يهلكه ; ومنه قوله:"وَمَاحِلٌ مُصَدَّقٌ"، (٥) ومنه قول أعشى بني ثعلبة:
(٢) مضى الشعر وتفسيره وتخريجه فيما سلف ص: ٣٨١، تعليق: ٣.
(٣) هو الأثر رقم: ٢٠٢٥٠.
(٤) انظر تفسير" المجادلة" فيما سلف ١٥: ٤٠٢، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٥) هذا حديث جابر رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال:
" القرآن شافع مشفع، وما حل مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار"
رواه ابن حبان في صحيحه ١: ٢٨٧ رقم: ١٢٤، وخرجه أخي السيد أحمد هناك. وهو في مجمع الزوائد ١: ١٧ / ٧ /: ١٦٤، ورواه أيضًا عن ابن مسعود، ولكنه ضعف إسناده. وانظر أمالي القالي ٢: ٢٦٩، بغير هذا اللفظ. هذا الخبر مشهور عن ابن مسعود، وإن كان صحيحه عند جابر.
فَرْعُ نَبْعِ يَهْتَزُّ فِي غُصُنِ المَجْ | دِ غَزِيرُ النّدَى شَديدُ المِحَالِ (١) |
فَرْعُ فَرْعٍ يَهْتَزُّ فِي غُصُنِ المَجْ | دِ كِثيرُ النَّدَى عَظِيمُ المِحَال (٢) |
وَلَبْسٍ بَيْنَ أَقْوَاٍم فَكُلٌ | أَعَدَّ لَهُ الشَّغَازِبَ وَالمِحَالا (٤) |
و" النبع"، شجر ينبت في قلة الجبل، وهو أصفر العود رزينة، ثقيله في اليد، وإذا تقادم أحمر، وتتخذ منه القسي، فهي أجودها وأجمعها للأرز واللين معًا، و" الأرز" الشدة.
(٢) قوله" فرع فرع" من قولهم:" هو فرع قومه"، للشريف منهم الذي فرعهم أي علاهم بالشرف. يقول: هو سيد لسادات. وهذه عندي أجود روايات البيت.
(٣) هو ذو الرمة.
(٤) ديوانه: ٤٤٥، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٣٢٦، وأمالي القالي ٢: ٢٦٨، واللسان (شغزب)، (محل)، وغيرها. وهو من قصيدته في مدح بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، وهذا البيت من صميم مدحه، يقول بعده:
وكُلُّهُمُ ألدُّ أخُو كِظاَظٍ | أَعَدَّ لِكُلِّ حالِ القومِ حَالا |
أبرَّ على الخُصُوم فليسَ خَصْمٌ | ولا خَصْمَانِ يغْلبُهُ جِدالا |
قَضْيتَ بِمرَّةٍ فأَصَبْتَ منهُ | فُصُوصَ الحقِّ فانفصلَ انفصاَلا |
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٢٧٣- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله بن هاشم قال: حدثنا سيف، عن أبي روق، عن أبي أيوب، عن علي رضي الله عنه: (وهو شديد المحال) قال: شديد الأخذ. (١)
٢٠٢٧٤- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد: (وهو شديد المحال) قال: شديد القوة.
٢٠٢٧٥- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (وهو شديد المحال) أي القوة والحيلة.
٢٠٢٧٦- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: (شديد المحال) يعني: الهلاك قال: إذا محل فهو شديد= وقال قتادة: شديد الحيلة.
٢٠٢٧٧- حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا رجل، عن عكرمة: (وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال)، قال: جدال أربد (٢) (وهو شديد المحال) قال: ما أصاب أربد من الصاعقة.
٢٠٢٧٨- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: (وهو شديد المحال) قال: قال ابن عباس: شديد الحَوْل.
٢٠٢٧٩- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: (وهو شديد المحال) قال: شديد القوة،"المحال": القوة.
* * *
قال أبو جعفر: والقول الذي ذكرناه عن قتادة في تأويل"المحال" أنه الحيلة، والقول الذي ذكره ابن جريج عن ابن عباس يدلان على أنهما كانا يقرآن
(٢) في المطبوعة:" قال: المحال جدال أربد"، وهو كلام فاسد، والمخطوطة هي الصواب.
* * *
قال أبو جعفر: ولا أعلم أحدًا قرأه بفتح الميم. (٢) فإذا كان ذلك كذلك، فالذي هو أولى بتأويل ذلك ما قلنا من القول.
* * *
حاولْتُ حين صَرَمْتَنِي | والمرْءُ يَعجِزُ لا المحَالهْ |
والدَّهْرُ يلعبُ بالفتى | والدّهْرُ أرْوَغُ من ثُعالهْ |
والمرءُ يَكْسِبُ مالهُ | بالشُّحِّ يورِثه كَلالهْ |
والعبدُ يُقْرعُ بالعَصَا | والحرُّ تكفيهِ المَقالهْ |
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لله من خلقه الدعوة الحق، و"الدعوة" هي"الحق" كما أضيفت الدار إلى الآخرة في قوله: (ولَدَارُ الآخِرَةِ) [سورة يوسف: ١٠٩]، وقد بينا ذلك فيما مضى. (١)
وإنما عنى بالدعوة الحق، توحيد الله وشهادةَ أن لا إله إلا الله.
* * *
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٢٨٠- حدثنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: (دعوة الحق)، قال: لا إله إلا الله.
٢٠٢٨١- حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (له دعوة الحق) قال: شهادة أن لا إله إلا الله.
٢٠٢٨٢-... قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله بن هاشم قال: حدثنا سيف، عن أبي روق، عن أبي أيوب، عن علي رضي الله عنه: (له دعوة الحق) قال: التوحيد. (١)
٢٠٢٨٣- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (له دعوة الحق) قال: لا إله إلا الله.
٢٠٢٨٤- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: ثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال ابن عباس، في قوله: (له دعوة الحق) قال: لا إله إلا الله.
٢٠٢٨٥- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: (له دعوة الحق) : لا إله إلا الله ليست تنبغي لأحد غيره، لا ينبغي أن يقال: فلان إله بني فلان.
* * *
* * *
وقوله (من دونه) يقول: من دون الله.
* * *
وإنما عنى بقوله: (من دونه) الآلهة أنها مقصِّرة عنه، وأنَّها لا تكون إلهًا، ولا يجوز أن يكون إلهًا إلا الله الواحد القهار، (١) ومنه قول الشاعر: (٢)
أتُوعِدُنِي وَرَاء بَنِي رِيَاحٍ؟ | كَذَبْتَ لَتَقْصُرَنّ يَدَاكَ دُونِي (٣) |
* * *
وقوله: (لا يستجيبون لهم بشيء،) يقول: لا تجيب هذه الآلهة التي يدعوها هؤلاء المشركون آلهةً بشيء يريدونه من نفع أو دفع ضرٍّ = (إلا كباسط كفيه إلى الماء)، يقول: لا ينفع داعي الآلهة دعاؤه إياها إلا كما ينفع باسط كفيه إلى الماء بسطُه إياهما إليه من غير أن يرفعه إليه في إناء، ولكن ليرتفع إليه بدعائه إياه وإشارته إليه وقبضه عليه.
* * *
والعرب تضرب لمن سعى فيما لا يدركه مثلا بالقابض على الماء، (٤) قال بعضهم: (٥)
فإنِّي وإيَّاكُمْ وَشَوْقًا إلَيْكُمُ | كَقَابِضِ مَاءٍ لَمْ تَسِقْهُ أَنَامِلُه (٦) |
(٢) هو جرير.
(٣) ديوانه ٥٧٧، والنقائض: ٣١، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٣٢٦ والأضداد لابن الأنباري: ٥٨، وسيأتي التفسير قريبًا ١٣: ١٣٠ (بولاق) وغيرها كثير، يهجو فضالة من بني عرين.
(٤) قالوا في المثل: كالقابض على الماء"، انظر أمثال الميداني ٢: ٨٠، وجمهرة الأمثال: ١٦٤.
(٥) هو ضابئ بن الحارث البرجمي.
(٦) من قصيدته التي قالها في السجن، وكان أعد حديدة يريد أن يغتال بها عثمان بن عفان رضي الله عنه وشعره في خزانة الأدب ٤: ٨٠، وفي طبقات فحول الشعراء: ١٤٥، وتاريخ الطبري ٥: ١٣٧ / ٧: ٢١٣، والبيت في الخزانة، وفي اللسان (وسق)، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٣٢٧، وغريب القرآن لابن قتيبة: ٢٢٦. وقوله:" لم تسقه"، من" وسقت الشيء أسقه وسقًا"، إذا حملته.
فَأَصْبَحْتُ مِمَّا كانَ بَيْنِي وبَيْنهَا | مِنَ الوُدِّ مِثْلَ القَابِضِ المَاءَ بِاليَد (٢) |
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٢٨٦- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا سيف، عن أبي روق، عن أبي أيوب، عن علي رضي الله عنه، في قوله: (إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه) قال: كالرجل العطشان يمد يده إلى البئر ليرتفع الماء إليه وما هو ببالغه. (٣)
٢٠٢٨٧- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (كباسط كفيه إلى الماء) يدعو الماء بلسانه ويشير إليه بيده، ولا يأتيه أبدًا.
٢٠٢٨٨-... قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال: أخبرني الأعرج، عن مجاهد: (ليبلغ فاه) يدعوه ليأتيه وما هو بآتيه، كذلك لا يستجيب من هو دونه.
(٢) الزهرة: ١٨٣، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٣٢٧، وقبله:
فوَاندَمِي إذْ لم أَعُجْ، إذ تقولُ لِي | تقدَّمْ فَشَيِّعنا إلى ضَحْوةِ الغَدِ |
* وهي رواية جيدة جدًا، خير مما روى أبو عبيدة والطبري.
(٣) الأثر: ٢٠٢٨٦ - هذا أيضًا هو الإسناد الهالك الذي مضى برقم: ٢٠٢٨٢.
٢٠٢٩٠- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد
٢٠٢٩١-... قال: وحدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
٢٠٢٩٢- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج. عن ابن جريج، عن مجاهد= مثل حديث الحسن عن حجاج قال ابن جريج: وقال الأعرج عن مجاهد: (ليبلغ فاه) قال: يدعوه لأن يأتيه وما هو بآتيه، فكذلك لا يستجيب مَنْ دونه.
٢٠٢٩٣- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه) وليس ببالغه حتى يتمزَّع عنقه ويهلك عطشًا قال الله تعالى: (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) هذا مثل ضربه الله ; أي هذا الذي يدعو من دون الله هذا الوثنَ وهذا الحجر لا يستجيب له بشيء أبدًا ولا يسُوق إليه خيرًا ولا يدفع عنه سوءًا حتى يأتيه الموت، كمثل هذا الذي بسط ذارعيه إلى الماء ليبلغ فاه ولا يبلغ فاه ولا يصل إليه ذلك حتى يموت عطشًا.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليتناول خياله فيه، وما هو ببالغ ذلك.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٢٩٤- حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني
* * *
وقال آخرون في ذلك ما:
٢٠٢٩٥- حدثني به محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء) إلى: (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) يقول: مثل الأوثان والذين يعبدون من دون الله، (١) كمثل رجل قد بلغه العطش حتى كَرَبه الموت وكفاه في الماء قد وضعهما لا يبلغان فاه، يقول الله: لا تستجيب الآلهة ولا تنفع الذين يعبدونها حتى يبلغ كفّا هذا فاه، وما هما ببالغتين فاه أبدًا.
٢٠٢٩٦- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: (والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه) قال: لا ينفعونهم بشيء إلا كما ينفع هذا بكفيه، يعني بَسْطَهما إلى ما لا ينالُ أبدًا.
* * *
وقال آخرون: في ذلك ما:
٢٠٢٩٧- حدثنا به محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه) وليس الماء ببالغ فاه ما قام باسطًا كفيه لا يقبضهما= (وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال). قال: هذا مثلٌ ضربه الله لمن اتخذ من دون الله إلهًا أنه غير نافعه، ولا يدفع عنه سوءًا حتى يموت على ذلك.
* * *
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (١٥) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فإن امتنع هؤلاء الذين يدعون من دون الله الأوثان والأصنام لله شركاء من إفراد الطاعة والإخلاص بالعبادة له= فلله يسجد من في السموات من الملائكة الكرام ومن في الأرض من المؤمنين به طوعًا، فأما الكافرون به فإنهم يسجدون له كَرْهًا حين يُكْرَهون على السُّجود. كما:-
٢٠٢٩٨- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعًا وكرهًا)، فأما المؤمن فيسجد طائعًا، وأما الكافر فيسجد كارهًا.
٢٠٢٩٩- حدثني المثنى قال: حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان قال: كان ربيع بن خُثيم إذا تلا هذه الآية: (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعًا وكرهًا) قال: بلى يا رَبَّاه.
٢٠٣٠٠- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعًا وكرهًا) قال: من دخل طائعًا، هذا طوعًا= (وكرهًا) من لم يدخل إلا بالسَّيف.
* * *
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٣٠١- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وظلالهم بالغدوّ والآصال)، يعني: حين يفيء ظلُّ أحدهم عن يمينه أو شماله.
٢٠٣٠٢- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان قال في تفسير مجاهد: (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعًا وكرهًا وظلالهم بالغدوّ والآصال) قال: ظل المؤمن يسجد طوعًا وهو طائع، وظلُّ الكافر يسجد طوعًا وهو كاره. (٢)
٢٠٣٠٤- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: (وظلالهم بالغدوّ والآصال) قال: ذُكر أن ظلال الأشياء كلها تسجد له، وقرأ: (سُجَّدًا للهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ) [سورة النحل: ٤٨]. قال: تلك الظلال تسجد لله.
(٢) قوله:" يسجد طوعًا وهو كاره"، يعني أن الظل، وهو من خلق الله المتعبد له، يسجد طوعًا، وصاحب الظل كاره للسجود، وهو الكافر، أعاذنا الله وإياك.
و"الآصال": جمع أصُلٍ، و"الأصُل": جمع"أصيلٍ"، و"الأصيل": هو العشيُّ، وهو ما بين العصر إلى مغرب الشمس، (١) قال أبو ذؤيب:
لَعَمْرِي لأَنْتَ البَيْتُ أُكْرِمَ أَهْلَهُ | وَأَقْعُدُ فِي أَفْيَائِهِ بِالأصَائِلِ (٢) |
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله: مَنْ رَبُّ السموات والأرض ومدبِّرها، فإنهم سيقولون الله. وأمر الله نبيّه ﷺ أن يقول:"الله"، فقال له: قل، يا محمد: ربُّها، الذي خلقها وأنشأها، هو الذي لا تصلح العبادة إلا له، وهو الله. ثم قال: فإذا أجابوك بذلك فقل لهم: أفاتخذتم من دون رب السموات والأرض أولياء لا تملك لأنفسها نفعًا تجلبه إلى نفسها، ولا ضرًّا تدفعه عنها، وهي إذ لم تملك ذلك لأنفسها، فمِنْ مِلْكه لغيرها أبعدُ فعبدتموها، وتركتم عبادة من بيده النفع والضر والحياة والموت وتدبير الأشياء كلها. ثم ضرب لهم جل ثناؤه مثلا فقال: (قل هل يستوي الأعمى والبصير).
* * *
(٢) ديوانه: ١٤١، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٢٣٩، ٣٢٨، والإنصاف: ٣٠٤، ٣٠٥، والخزانة ٢: ٤٨٩، ٥٦٤، واللسان (أصل). وللنحاة فيه لجاجة كثيرة.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين عَبدُوا من دون الله الذي بيده نفعهم وضرهم ما لا ينفع ولا يضرُّ: (هل يستوي الأعمى) الذي لا يُبصر شيئًا ولا يهتدي لمحجة يسلكها إلا بأن يُهدى= و"البصير" الذي يهدي الأعمى لمحجة الطريق الذي لا يُبصر؟ إنهما لا شك لغير مستويين. يقول: فكذلك لا يستوي المؤمن الذي يُبصر الحق فيتبعه ويعرف الهدى فيسلكه، وأنتم أيها المشركون الذين لا تعرفون حقا ولا تبصرون رَشَدًا.
* * *
وقوله: (أم هل تستوي الظلمات والنور)، يقول تعالى ذكره: وهل تستوي الظلماتُ التي لا تُرَى فيها المحجة فتُسْلَك ولا يرى فيها السبيل فيُرْكَب= والنور الذي تبصر به الأشياء ويجلو ضوءه الظّلام؟ يقول: إن هذين لا شك لغير مستويين، فكذلك الكفر بالله، إنما صاحبه منه في حَيرة يضرب أبدًا في غمرة لا يرجع منه إلى حقيقة، والإيمان بالله صاحبه منه في ضياء يعمل على علم بربه، ومعرفةٍ منه بأن له مثيبًا يثيبه على إحسانه ومعاقبًا يعاقبه على إساءته ورازقًا يرزقه ونافعًا ينفعه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
* * *
وقوله: (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: أخَلَق أوثانُكم التي اتخذتموها أولياء من دون الله خلقًا كخلق الله، فاشتبه عليكم أمرُها فيما خَلقت وخَلَق الله فجعلتموها له شركاء من أجل ذلك، أم إنما بكم الجهل والذهابُ عن الصواب؟ فإنه لا يشكل على ذي عقل أنّ عبادة ما لا يضرّ ولا ينفع من الفعل جهلٌ، وأن العبادة إنما تصلح للذي يُرْجَى نفعه وُيخْشَى ضَرَّه، كما أن ذلك غير مشكل خطؤه وجهلُ فاعله، كذلك لا يشكل جهل من أشرك في عبادة من يرزقه ويكفله ويَمُونه، من لا يقدِرُ له على ضررّ ولا نفع.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٣٠٦- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه) حملهم ذلك على أن شكُّوا في الأوثان.
٢٠٣٠٧- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
٢٠٣٠٨- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم)، خلقوا كخلقه، فحملهم ذلك على أن شكُّوا في الأوثان.
٢٠٣١٠-... قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال: قال ابن كثير: سمعت مجاهدًا يقول: (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم) ضُرِبت مثلا.
* * *
وقوله: (قل الله خالق كل شيء)، يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المشركين إذا أقرُّوا لك أن أوثانهم التي أشركوها في عبادة الله لا تخلق شيئًا، فاللهُ خالقكم وخالق أوثانكم وخالق كل شيء، (١) فما وجه إشراككم ما لا يخلق ولا يضرّ؟
* * *
وقوله: (وهو الواحد القهار)، يقول: وهو الفرد الذي لا ثاني له (٢) = (القهار)، الذي يستحق الألوهة والعبادة، لا الأصنام والأوثان التي لا تضر ولا تنفع. (٣)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿أَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ (١٧) ﴾
قال أبو جعفر: وهذا مثل ضربه الله للحق والباطل، والإيمان به والكفر.
يقول تعالى ذكره: مثل الحق في ثباته والباطل في اضمحلاله، مثل ماء
(٢) انظر تفسير" الواحد" فيما سلف ٣: ٢٦٥، ٢٦٦ / ١٦: ١٠٤.
(٣) انظر تفسير" القهار" فيما سلف ص: ١٠٤، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
فهذا أحدُ مثلي الحقّ والباطل، فالحق هو الماءُ الباقي الذي أنزله الله من السماء، والزبد الذي لا ينتفع به هو الباطل.
والمثل الآخر: (ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية) يقول جل ثناؤه: ومثلٌ آخر للحقّ والباطل، مثل فضة أو ذهب يوقد عليها الناس في النار طلب حلية يتخذونها أو متاع، وذلك من النحاس والرصاص والحديد، يوقد عليه ليتخذ منه متاع ينتفع به، (زبد مثله)، يقول تعالى ذكره: ومما يوقدون عليه من هذه الأشياء زبد مثله، يعني: مثل زبد السَّيل لا ينتفع به ويذهب باطلا كما لا ينتفع بزبد السَّيل ويذهب باطلا.
* * *
ورفع"الزبد" بقوله: (ومما يوقدون عليه في النار).
* * *
ومعنى الكلام: ومما يوقدون عليه في النار زبدٌ مثلُ زبد السيل في بطول زبده، وبقاء خالص الذهب والفضة.
يقول الله تعالى: (كذلك يضرب الله الحق والباطل)، يقول: كما مثَّل الله مثلَ الإيمان والكفر، (١) في بُطُول الكفر وخيبة صاحبه عند مجازاة الله، بالباقي النافع من ماء السيل وخالص الذهب والفضة، كذلك يمثل الله الحق والباطل = (فأما الزبد فيذهب جُفَاء) يقول: فأما الزبد الذي علا السيل والذهب والفضة والنحاس والرصاص عند الوقود عليها، فيذهب بدفع الرياح وقذف الماء به، وتعلُّقه بالأشجار وجوانب الوادي= (وأما ما ينفع الناس) من الماء والذهب والفضة والرصاص
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٣١١- حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (أنزل من السماء ماء فسالت أوديه بقدرها) فهذا مثل ضربه الله، احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكّها، فأما الشك فلا ينفع معه العمل، وأما اليقين فينفع الله به أهله، وهو قوله: (فأما الزبد فيذهب جفاء)، وهو الشك= (وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)، وهو اليقين، كما يُجْعل الحَلْيُ في النار فيؤخذ خالصُه ويترك خَبَثُه في النار، فكذلك يقبل الله اليقين ويترك الشك.
٢٠٣١٢- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدًا رابيًا)، يقول: احتمل السيل ما في الوادي من عود ودِمْنة، (ومما يوقدون عليه في النار) فهو الذهب والفضة والحلية والمتاع والنحاس والحديد، وللنحاس والحديد خَبَث، فجعل الله مثل خبثه كزبد الماء. فأما ما ينفع الناس فالذهب والفضة، وأما ما ينفع الأرض فما شربت من الماء فأنبتت. فجعل ذلك مثل العمل الصالح يبقى لأهله، والعمل السيءُ يضمحل عن أهله، كما يذهب هذا الزبد، فكذلك الهدى والحق جاء من عند الله، فمن عمل بالحق كان له، وبقي كما يبقى ما ينفع الناس في الأرض. وكذلك الحديد لا يستطاع أن تجعل منه سكين ولا سيف حتى يدخل في النّار فتأكل خبَثَه، فيخرج جيّده فينتفع به.
٢٠٣١٣- حدثني يعقوب قال: حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: (أنزل من السماء ماء فسالت أودية) إلى: (أو متاع زبد مثله)، فقال: ابتغاء حلية الذهب والفضة، أو متاع الصُّفْر والحديد. قال: كما أوقد على الذهب والفضة والصُّفْر والحديد فخلص خالصه. قال: (كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاءً وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)، كذلك بقاء الحق لأهله فانتفعوا به.
٢٠٣١٤- حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال: حدثنا حجاج بن محمد قال: قال ابن جريج: أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدًا يقول: (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها)، قال: ما أطاقت ملأها= (فاحتمل السيل زبدًا رابيًا) قال: انقضى الكلام، ثم استقبل فقال: (ومما توقدون عليه في النار ابتغاء حليه أو متاع زبد مثله) قال: المتاع: الحديد والنحاس والرصاص وأشباهه= (زبد مثله) قال: خَبَثُ ذلك مثل زَبَد السيل. قال: (وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)، وأما الزبد فيذهب جفاء، قال: فذلك مثل الحق والباطل.
٢٠٣١٥- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد: أنه سمعه يقول: فذكر نحوه= وزاد فيه، قال: قال ابن جريج: قال مجاهد قوله: (فأما الزبد فيذهب جفاء) قال: جمودًا في الأرض، (وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)، يعني الماء. وهما مثلان: مثل الحق والباطل.
٢٠٣١٦- حدثنا الحسن قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء، عن ابن
٢٠٣١٧- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد=
٢٠٣١٨-... قال، وحدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد= يزيد أحدهما على صاحبه= في قوله: (فسألت أودية بقدرها) قال: بملئها= (فاحتمل السيل زبدًا رابيًا)، قال: الزبد: السيل= (ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله)، قال: خبث الحديد والحلية= (فأما الزبد فيذهب جفاء) قال: جمودًا في الأرض= (وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) قال: الماء وهما مثلان للحق والباطل.
٢٠٣١٩- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها)، الصغير بصغره، والكبير بكبره= (فاحتمل السيل زبدًا رابيًا) أي عاليًا (ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء) و"الجفاء": ما يتعلق بالشجر= (وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض). هذه ثلاثة أمثال ضربَها الله في مثلٍ واحد. يقول: كما اضمحلّ هذا الزبد فصار جُفاءً لا ينتفع به ولا تُرْجى بركته، كذلك يضمحلّ الباطل عن أهله كما اضمحل هذا الزبد، وكما مكث هذا الماء في الأرض، فأمرعت هذه الأرض وأخرجت نباتها، كذلك يبقى الحق لأهله كما بقي هذا الماء في الأرض، فأخرج الله به ما أخرج من النبات= قوله: (ومما توقدون عليه في النار) الآية، كما يبقى خالص الذهب والفضة حين أدخل النار وذهب خَبَثه، كذلك يبقى الحق
٢٠٣٢٠- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (فسالت أودية بقدرها)، الكبير بقدره، والصغير بقدره= (زبدًا رابيًا) قال: ربا فوق الماء الزبد="ومما توقدون عليه في النار" قال: هو الذهب إذا أدخل النار بقي صَفْوه ونُفِيَ ما كان من كَدَره. وهذا مثل ضربه الله. للحق والباطل= (فأما الزبد فيذهب جفاء)، يتعلق بالشجر فلا يكون شيئًا. هذا مثل الباطل= (وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)، وهذا يخرج النبات. وهو مثل الحق= (أو متاع زبد مثلا) قال:"المتاع"، الصُّفْر والحديد.
٢٠٣٢١- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا هوذة بن خليفة قال: حدثنا عوف قال: بلغني في قوله: (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها) قال: إنما هو مثل ضربه الله للحق والباطل= (فسالت أودية بقدرها) الصغير على قدره، والكبير على قدره، وما بينهما على قدره (فاحتمل السيل زبدًا رابيًا) يقول: عظيمًا، وحيث استقرَّ الماءُ يذهب الزبد جفاءً فتطير به الريح فلا يكون شيئًا، ويبقى صريح الماء الذي ينفع الناس، منه شرابهم ونباتهم ومنفعتهم= (أو متاع زبد مثله)، ومثل الزبد كلّ شيء يوقد عليه في النار الذهب والفضة والنحاس والحديد، فيذهب خَبَثُه ويبقى ما ينفع في أيديهم، والخبث والزَّبد مثل الباطل، والذي ينفع الناس مما تحصَّل في أيديهم مما ينفعهم المال الذي في أيديهم.
٢٠٣٢٢- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله:"ومما توقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله" قال: هذا مثل ضربه الله للحق والباطل. فقرأ: (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدًا رابيًا) هذا الزبد لا ينفع= (أو متاع زبد مثله)، هذا لا ينفع
٢٠٣٢٣- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: (أودية بقدرها) قال: الصغير بصغره، والكبير بكبره.
٢٠٣٢٤- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا طلحة بن عمرو، عن عطاء: ضرب الله مثلا للحق والباطل، فضرب مثل الحق كمثل السيل الذي يمكث في الأرض، وضرب مثل الباطل كمثل الزبد الذي لا ينفع الناس.
* * *
وعنى بقوله: (رابيًا)، عاليًا منتفخًا، من قولهم: رَبَا الشيء يَرْبُو رُبُوًا فهو رابٍ، ومنه قيل للنَّشْز من الأرض كهيئة الأكمة:"رابية"، ومنه قول الله تعالى: (اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ). [سورة الحج٥/سورة فصلت٣٩]. (١)
* * *
وقيل للنحاس والرصاص والحديد في هذا الموضع"المتاع"، لأنه يستمتع به، وكل ما يتمتع به الناس فهو"متاع"، (٢)
كما قال الشاعر: (٣)
تَمَتَّعْ يا مُشَعَّثُ إنَّ شَيْئًا | سَبَقْتَ بِهِ المَمَاتَ هُوَ المَتَاعُ (٤) |
(٢) انظر تفسير" المتاع" فيما سلف ١٥: ١٤٦، تعليق: ٤، والمراجع هناك.
(٣) هو المشعث العامري، وبهذا البيت سمي" مشعثًا".
(٤) الأصمعيات رقم: ٤٨، ومعجم الشعراء: ٤٧٥، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٣٢٨، واللسان (متع)، وهي أبيات جياد، يقول بعد البيت:
بإصْر يَتَّرِكْنِي الحيُّ يومًا | رَهينةَ دَارِهمْ، وَهُمُ سِرَاعُ |
وجاءَتْ جَيْأَلٌ وَأبُو بَنِيهَا | أَحَمُّ المَأْقِيَيْنِ بِهِ خُمَاعُ |
فظَلاَّ ينْبِشانِ التُّرْبَ عنِّي | وما أنَا وَيْبَ غيْرِك والسِّباعُ |
٢٠٣٢٥- حدثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، قال أبو عمرو بن العلاء: يقال: قد أجفأت القِدْرُ، وذلك إذا غلت فانصبَّ زَبدها، أو سَكنَت فلا يبقى منه شيءٌ. (١)
* * *
وقد زعم بعض أهل العربية من أهل البصرة، أن معنى قوله: (فيذهب جفاء) تنشِفهُ الأرض، وقال: يقال: جفا الوادي وأجفى في معنى نشف،"وانجفى الوادي" (٢)
، إذا جاء بذلك الغثاء،"وغَثَى الوادي فهو يَغْثَى غَثْيًا وغَثَيَانًا" (٣) وذكر عن العرب أنها تقول:"جفأتُ القدر أجفؤها"، إذا أخرجتَ جُفَاءها، وهو الزبد الذي يعلوها= و"أجفأتها إجفاء" لغة. قال: وقالوا:"جفأت الرجل جَفْأً": صرعته.
وقيل: (فيذهب جفاء) بمعنى"جفًأ"، لأنه مصدر من قول القائل:"جفأ الوادي غُثاءه، فخرج مخرج الاسم، وهو مصدر، كذلك تفعل العرب في مصدر كلّ ما كان من فعل شيء اجتمع بعضُه إلى بعض كـ"القُمَاش والدُّقاق والحُطام والغُثَاء"، تخرجه على مذهب الاسم، كما فعلت ذلك في
(٢) هذا نص لا شبيه له في كتب اللغة في مادة (جفا)، ولا في مادة (جفأ)، وبين أنه أراد" جفا وأجفى" المعتل الآخر، لا المهموز، ولا أدري من قاله.
(٣) هذا أيضًا لا أدري من قاله قبل زمان أبي جعفر، إلا أن صاحب اللسان ذكر مثله عن ابن جني، والمعروف عند أهل اللغة:" غثا الوادي يغثو".
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٨) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أما الذين استجابوا لله فآمنوا به حين دعاهم إلى الإيمان به، وأطاعوه فاتبعوا رسوله وصدّقوه فيما جاءهم به من عند الله، (١) = فإن لهم الحسنى، وهي الجنة، (٢) كذلك:-
٢٠٣٢٦- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (للذين استجابوا لربهم الحسنى) وهي الجنة.
* * *
وقوله: (والذين لم يستجيبوا له لو أنّ لهم ما في الأرض جميعًا ومثله معه لافتدوا به)، يقول تعالى ذكره: وأما الذين لم يستجيبوا لله حين دعاهم إلى توحيده والإقرار بربوبيته، (٣) ولم يطيعوه فيما أمرهم به، ولم يتبعوا رسوله فيصدقوه فيما جاءهم به من عند ربهم، فلو أن لهم ما في الأرض جميعًا من شيء ومثله معه ملكًا لهم، ثم قُبِل مثل ذلك منهم، وقبل منهم بدلا من العذاب الذي أعدّه الله لهم في نار جهنم وعوضًا، (٤) لافتدوا به أنفسهم منه، يقول الله: (أولئك لهم سوء الحساب)،
(٢) انظر تفسير" الحسنى" فيما سلف ٩: ٩٦ / ١٤: ٢٩١.
(٣) في المطبوعة:" لم يستجيبوا له"، وأثبت ما في المخطوطة.
(٤) كانت هذه العبارة في المطبوعة هكذا:" ثم مثل ذلك، وقبل ذلك منهم بدلا من العذاب"، وكان في المخطوطة هكذا:" ثم قبل مثل ذلك، وقبل ذلك منهم بدلا من العذاب". وهما عبارتان مختلفتان هالكتان، والصواب الذي رجحته هو ما أثبت.
٢٠٣٢٧- حدثنا الحسن بن عرفة قال: حدثنا يونس بن محمد قال: حدثنا عون، عن فرقد السبخي قال: قال لنا شهر بن حوشب: (سوء الحساب) أن لا يتجاوز لهم عن شيء. (١)
٢٠٣٢٨- حدثني يعقوب قال: حدثنا ابن علية قال: حدثني الحجاج بن أبي عثمان قال: حدثني فرقد السبخي قال: قال إبراهيم النخعي: يا فرقد أتدري ما"سوء الحساب"؟ قلت: لا! قال: هو أن يحاسب الرّجل بذنبه كله لا يغفر له منه شيء. (٢)
* * *
وقوله: (ومأواهم جهنم) يقول: ومسكنهم الذي يسكنونه يوم القيامة جهنم (٣) = ((وبئس المهاد))، يقول: وبئس الفراش والوطاءُ جهنمُ التي هي مأواهم يوم القيامة. (٤)
* * *
و" يونس بن محمد بن مسلم البغدادي"، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: ٥٠٩٠، ١٢٥٤٩
و" عون"، كأنه يعني:" عون بن سلام القرشي الكوفي"، ثقة مترجم في التهذيب.
وأما" فرقد السبخي"، فهو" فرقد بن يعقوب السبخي"،" أبو يعقوب"، كان ضعيفًا منكر الحديث، لأنه لم يكن صاحب حديث، وليس بثقة مترجم في التهذيب، والكبير ٤ / ١ / ١٣١، وابن أبي حاتم ٣ / ٢ / ٨١، وميزان الاعتدال ٢: ٣٢٧.
(٢) الأثر: ٢٠٣٢٨ -" فرقد السبخي"، ليس بثقة، مضى برقم: ٢٠٣٢٧، وسيأتي هذا الخبر بإسناد آخر رقم: ٢٠٣٣٤.
(٣) انظر تفسير" المأوى" فيما سلف ١٥: ٢٦، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٤) انظر تفسير" المهاد" فيما سلف ١٢: ٤٣٥، تعليق: ١، والمراجع هناك.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أهذا الذي يعلم أنّ الذي أنزله الله عليك، يا محمد، حق فيؤمن به ويصدق ويعمل بما فيه، كالذي هو أعمى فلا يعرف موقع حُجَة الله عليه به ولا يعلم ما ألزمه الله من فَرَائصه؟
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٣٢٩- حدثنا إسحاق قال: حدثنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة في قوله: (أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق)، قال: هؤلاء قوم انتفعُوا بما سمعوا من كتاب الله وعقلوه ووَعَوْه، قال الله: (كمن هو أعمى)، قال: عن الخير فلا يبصره.
* * *
وقوله: (إنما يتذكر أولوا الألباب) يقول: إنما يتعظ بآيات الله ويعتبر بها ذوو العقول، (١) وهي"الألباب" واحدها"لُبٌّ". (٢)
* * *
(٢) انظر تفسير" الألباب" فيما سلف ٣: ٣٨٣ / ٤: ١٦٢ / ٥: ٥٨٠ / ٦: ٢١١ / ١١: ٩٧.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إنما يتعظ ويعتبر بآيات الله أولو الألباب، الذين يوفون بوصية الله التي أوصاهم بها (١) (ولا ينقضون الميثاق)، ولا يخالفون العهد الذي عاهدوا الله عليه إلى خلافه، فيعملوا بغير ما أمرهم به، ويخالفوا إلى ما نهى عنه.
* * *
وقد بينا معنى"العهد" و"الميثاق" فيما مضى بشواهده، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع. (٢)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٣٣٠- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة قال: (إنما يتذكر أولو الألباب)، فبيَّن من هم، فقال: (الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق)، فعليكم بوفاء العهد، ولا تنقضوا هذا الميثاق، فإن الله تعالى قد نهى وقدَّم فيه أشد التَّقْدمة، (٣) فذكره في بضع وعشرين موضعًا، نصيحةً لكم وتقدِمَةً إليكم، وحجة عليكم، وإنما يعظُمُ الأمر بما عظَّمه الله به عند أهل الفهم والعقل، فعظِّموا ما عظم الله. قال قتادة:
(٢) انظر تفسير" العهد" فيما سلف ١٤: ١٤١، تعليق: ١، والمراجع هناك.
= وتفسير" الميثاق" فيما سلف ص: ٢٠٨، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٣) " قدم فيه أشد التقدمة"، أي: أمرهم به أمرًا شديدًا، ونهاهم عن مخالفته، وقد سلف شرحها في الخبر رقم: ٤٩١٤ / ج ٥: ٩، تعليق: ٣.
* * *
وقوله: (والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل)، يقول تعالى ذكره: والذين يصلون الرَّحم التي أمرهم الله بوصلها فلا يقطعونها (١) = (ويخشون ربهم)، يقول: ويخافون الله في قطْعها أن يقطعوها، فيعاقبهم على قطعها وعلى خلافهم أمرَه فيها.
* * *
وقوله: (ويخافون سوء الحساب)، يقول: ويحذرون مناقشة الله إياهم في الحساب، ثم لا يصفح لهم عن ذنب، فهم لرهبتهم ذلك جادُّون في طاعته، محافظون على حدوده. كما:-
٢٠٣٣١- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا عفان قال: حدثنا جعفر بن سليمان، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء في قوله: (الذين يخشون ربهم ويخافون سوء الحساب) قال: المقايسةُ بالأعمال. (٢)
٢٠٣٣٢-... قال: حدثنا عفان قال: حدثنا حماد، عن فرقد، عن إبراهيم قال: (سوء الحساب) أن يحاسب من لا يغفر له.
٢٠٣٣٣- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في
(٢) الأثر: ١٠٣٣١ -" عفان"، هو" عفان بن مسلم الصفار"، مضى مرارًا، آخرها رقم: ٢٠٢٢٦.
و" جعفر بن سليمان الضبعي"، ثقة، كان يتشيع، مضى مرارًا، آخرها رقم: ١٠٤٥٣.
و" عمرو بن مالك النكري"، روى عن أبي الجوزاء، ثقة، وضعفه البخاري، مضى برقم: ٧٧٠١.
و" أبو الجوزاء"، وهو" أوس بن عبد الله الربعي"، تابعي ثقة، مضى برقم: ٢٩٧٧، ٢٩٧٨، ٧٧٠١. وكان في المخطوطة والمطبوعة:" عن أبي الحفنا"، وإنما وصل الناسخ الأول"الواو" بالزاي. فصارت عند ناسخ المخطوطة إلى ما صارت إليه!!
وفي المطبوعة أيضًا:" المناقشة بالأعمال"، غير ما في المخطوطة. و" المقايسة" من" القياس"،" قاس الشيء"، إذا قدره على مثاله. و" المقايسة بالأعمال"، كأنه أراد تقديرها. والذي في المطبوعة أجود عندي:" المناقشة".
٢٠٣٣٤- حدثني ابن سمان القزاز قال، حدثنا أبو عاصم، عن الحجاج، عن فرقد قال: قال لي إبراهيم: تدري ما (سوء الحساب) ؟ قلت: لا أدري قال: يحاسب العبد بذنبه كله لا يغفرُ له منه شيء. (٢)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (٢٢) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والذين صبروا على الوفاء بعهد الله، وترك نقض الميثاق وصلة الرحم= (ابتغاء وجه ربهم)، ويعني بقوله: (ابتغاء وجه ربهم)، طلب تعظيم الله، وتنزيهًا له أن يُخالَفَ في أمره أو يأتي أمرًا كره إتيانه فيعصيه به= (وأقاموا الصلاة)، يقول: وأدُّوا الصلاة المفروضة بحدودها في أوقاتها= (وأنفقوا مما رزقناهم سرًّا وعلانية) يقول: وأدَّوا من أموالهم زكاتها المفروضة وأنفقوا منها في السبل التي أمرهم الله بالنفقة فيها= (سرًّا) في خفاء"وعلانية" في الظاهر. كما:-
٢٠٣٣٥- حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (وأقاموا الصلاة) يعني الصلوات الخمس= (وأنفقوا مما رزقناهم سرًّا وعلانية). يقول الزكاة.
(٢) الأثر: ٢٠٣٣٤ - مضى بإسناد آخر رقم: ٢٠٣٢٨.
* * *
وقوله: (ويدرءون بالحسنة السيئة)، يقول: ويدفعون إساءة من أساء إليهم من الناس، بالإحسان إليهم. (١) كما:-
٢٠٣٣٧- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: (ويدرءون بالحسنة السيئة)، قال: يدفعون الشر بالخير، لا يكافئون الشرّ بالشر، ولكن يدفعونه بالخير.
* * *
وقوله: (أولئك لهم عقبى الدار) يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين وصفنا صفتهم، هم الذين (لهم عقبى الدار)، يقول: هم الذين أعقبهم الله دارَ الجنان، من دارهم التي لو لم يكونوا مؤمنين كانت لهم في النار، فأعقبهم الله من تلك هذه. (٢)
* * *
وقد قيل: معنى ذلك: أولئك الذين لهم عقِيبَ طاعتهم ربَّهم في الدنيا، دارُ الجنان.
* * *
(٢) انظر تفسير" العاقبة" فيما سلف ١٥: ٣٥٦، تعليق: ١، والمراجع هناك.
قال أبو جعفر: يقول (جنات عدن)، ترجمة عن (عقبى الدار) (١) كما يقال:"نعم الرجل عبد الله"، فعبد الله هو الرجل المقول له:"نعم الرجل"، وتأويل الكلام: أولئك لهم عَقيِبَ طاعتهم ربِّهم الدارُ التي هي جَنَّات عدْنٍ.
* * *
وقد بينا معنى قوله: (عدن)، وأنه بمعنى الإقامة التي لا ظَعْنَ معها. (٢)
* * *
وقوله: (ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم)، يقول تعالى ذكره: جنات عدن يدخلها هؤلاء الذين وصف صفتهم= وهم الذين يوفون بعهد الله، والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم، والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم، وأقاموا الصلاة، وفعلوا الأفعال التي ذكرها جل ثناؤه في هذه الآيات الثلاث= (ومن صلح من آبائهم وأزواجهم)، وهي نساؤهم وأهلوهم= و"ذرّيّاتهم". (٣). و"صلاحهم" إيمانهم بالله واتباعهم أمره وأمر رسوله عليه السلام. كما:-
٢٠٣٣٨- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء،
(٢) انظر تفسير" جنات عدن" فيما سلف ١٤: ٣٥٠ - ٣٥٥.
(٣) انظر تفسير" الأزواج" فيما سلف ١٢: ١٥٠، تعليق: ١، والمراجع هناك.
= وتفسير" الذرية" فيما سلف ١٥: ١٦٣، تعليق: ١، والمراجع هناك.
٢٠٣٣٩- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد=
٢٠٣٤٠- وحدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
٢٠٣٤١- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (ومن صلح من آبائهم) قال: من آمن من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم.
* * *
وقوله: (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم)، يقول: تعالى ذكره: وتدخل الملائكة على هؤلاء الذين وصف جل ثناؤه صفتهم في هذه الآيات الثلاث في جنات عدن، من كل باب منها، يقولون لهم: (سلام عليكم بما صبرتم) على طاعة ربكم في الدنيا= (فنعم عقبى الدار).
* * *
وذكر أن لجنات عدن خمسة آلاف باب.
٢٠٣٤٢- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا علي بن جرير قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن نافع بن عاصم، عن عبد الله بن عمرو قال: إن في الجنة قصرًا يقال له"عدن"، حوله البروج والمروج، فيه خمسة آلاف باب، على كل باب خمسة آلاف حِبَرة، (١) لا يدخله إلا نبيٌ أو صديق أو شهيدٌ. (٢)
٢٠٣٤٣-... قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الرحمن بن مغراء،
(٢) الأثر: ٢٠٣٤٢ -" علي بن جرير"، مضى آنفًا برقم: ٢٠٢١٢، ولم أجد له ترجمة إلا في ابن أبي حاتم، وهي مختلفة.
و" حماد بن سلمة"، ثقة مشهور، مضى مرارًا.
و" يعلي بن عطاء العامري"، ثقة مضى مرارًا، آخرها: ١٧٩٨١.
و" نافع بن عاصم الثقفي"، تابعي ثقة، مضى برقم: ١٥٤٠٢.
وهذا إسناد صحيح إلى عبد الله بن عمرو، لولا ما فيه من جهالة" علي بن جرير" هذا. وهو موقوف على عبد الله بن عمرو، لم أجد من رفعه.
* * *
وحذف من قوله: (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم)، "يقولون"، (١) اكتفاءً بدلالة الكلام عليه، كما حذف ذلك من قوله: (وَلَوْ تَرَى إذِ المُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أبْصَرْنَا). [سورة السجدة: ١٢]
* * *
٢٠٣٤٤- حدثني المثنى قال: حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك، عن بقية بن الوليد قال: حدثني أرطاة بن المنذر قال: سمعت رجلا من مشيخة الجند يقال له"أبو الحجاج"، يقول: جلست إلى أبي أمامة فقال: إن المؤمن ليكون متّكئًا على أريكته إذا دخل الجنة، وعنده سِمَاطان من خَدَمٍ، وعند طرف السِّماطين بابٌ مبوَّبٌ، (٢) فيقبل المَلَك يستأذن؛ فيقول أقصى الخدم للذي يليه: (٣) "ملك يستأذن"، ويقول الذي يليه للذي يليه: ملك يستأذن حتى يبلغ المؤمن فيقول: ائذنوا. فيقول: أقربهم إلى المؤمن ائذنوا. ويقول الذي يليه للذي يليه: ائذنوا. فكذلك حتى
(٢) في المطبوعة:" وعند طرف السماطين سور"، مكان" باب مبوب"، لأنه لم يحسن قراءة المخطوطة. وقوله:" باب مبوب"، يعني مصنوع معقود. إن شئت قلت: قد اتخذ له بوابًا يحرسه.
(٣) كانت العبارة في المطبوعة فاسدة مع زيادة جملة كاملة، وهي" فيقول الذي يليه ملك يستأذن" مكررة، وفي المخطوطة كالذي أثبت، إلا أنه أسقط من الكلام" أقصى الخدم"، فأثبتها من الدر المنثور.
٢٠٣٤٥- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك، عن إبراهيم بن محمد، عن سُهَيْل بن أبي صالح، عن محمد بن إبراهيم قال: كان النبي ﷺ يأتي قبور الشهداء على رأس كل حول فيقول:"السلام عليكم
و" أرطأة بن المنذر الألهاني"، ثقة، كان عابدًا، مضى برقم: ١٧٩٨٧.
وأما" أبو الحجاج، رجل من مشيخة الجند"، فأمره مشكل.
وذلك أن ابن قيم الجوزية، رواه من طريق بقية بن الوليد عن أرطأة بن المنذر وفيه" أبو الحجاج"، وكذلك رواه من هذه الطريق نفسها، ابن كثير في التفسير، ثم قال:" رواه ابن جرير، ورواه ابن أبي حاتم من حديث إسماعيل بن عياش، عن أرطأة بن المنذر، عن أبي الحجاج يوسف الألهاني قال سمعت أبا أمامة"، فصرح باسم" أبي الحجاج" وأنه" يوسف الألهاني" (حادي الأرواح ٢: ٣٨ / تفسير ابن كثير ٤: ٥٢).
ولما طلبت" يوسف الألهاني"، وجدته في التاريخ الكبير للبخاري ٤ / ٢ / ٣٧٦، ٣٧٧ قال:" يوسف الألهاني أبو الضحاك الحمصي، سمع أبا أمامة الباهلي وابن عمر، وروى عنه أرطأة. حدثنا إسحق بن يزيد، قال حدثنا أبو مطيع معاوية، سمع أرطأة، سمع أبا الضحاك".
ووجدته في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ٤ / ٢ / ٣٥:" يوسف الألهاني، أبو الضحاك الحمصي، روى ابن عمر وأبي أمامة، عنه أرطأة بن المنذر".
والذي نقله ابن كثير عن تفسير ابن أبي حاتم نفسه فيه:" أبو الحجاج يوسف الألهاني"، والذي في الجرح والتعديل:" أبو الضحاك"، يؤيده ما جاء في التاريخ الكبير. والمشكل أن يتفق نص ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل. ونص البخاري، ثم يختلف نقل ابن كثير عن تفسير ابن أبي حاتم، متفقًا مع ما جاء في نسخ الطبري ومن نقل عنه، وكنيته فيها" أبو الحجاج"، والذي أرجحه أن الصواب هو ما في التاريخ الكبير وابن أبي حاتم:" أبو الضحاك".
ومع كل ذلك لم أجد ما يهديني إلى الصواب المحقق، و" يوسف الألهاني"" أبو الضحاك"، أو" أبو الحجاج"، تابعي كما ترى، ولكن لم أجد له ذكرًا في غير ما ذكرت من كتب، ولم يبين حاله.
فهذا إسناد فيه نظر، لما وجدت في التابعي من الاختلاف، وقد رأيت أيضًا أنه لم يتفرد بروايته بقية بن الوليد، عن أرطاة بن المنذر فيكون تفرد فيه بقية قادحًا في إسناده. فقد رواه عن أرطاة أيضًا" إسماعيل بن عياش". ومع ذلك يظل في الإسناد شيء، وفي النفس منه شيء.
و" إسماعيل بن عياش الحمصي"، مضى مرارًا، آخرها رقم: ١٤٢١٢، وهو ثقة، ولكنهم تكلموا فيه، وضعفوه في بعض حديثه.
* * *
وأما قوله: (سلام عليكم بما صبرتم) فإن أهل التأويل قالوا في ذلك نحو قولنا فيه.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٣٤٦- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الرزاق، عن جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني أنه تلا هذه الآية: (سلام عليكم بما صبرتم) قال: على دينكم.
٢٠٣٤٧- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: (سلام عليكم بما صبرتم) قال: حين صبروا بما يحبه الله فقدّموه. وقرأ: (وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحرِيرًا)، حتى بلغ: (وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا) [سورة الإنسان: ٢-٢٢] وصبروا عما كره الله وحرم عليهم، وصبروا على ما ثقل عليهم وأحبه الله، فسلم عليهم بذلك. وقرأ: (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار).
* * *
وأما قوله: (فنعم عقبى الدار) فإن معناه إن شاء الله كما:-
٢٠٣٤٨- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال حدثنا عبد الرزاق، عن جعفر، عن أبي عمران الجوني في قولهم (فنعم عقبى الدار) قال: الجنة من النار. (٢)
* * *
و" سهيل بن أبي صالح، ذكوان السمان"، ثقة، روى له الجماعة، متكلم في بعض روايته. مضى أخيرًا برقم: ١١٥٠٣، وكان في المطبوعة:" سهل" غير مصغر، وهو خطأ. لم يحسن الناشر قراءة المخطوطة لأنها غير منقوطة.
و" محمد بن إبراهيم"، لعله:" محمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد التيمي"، تابعي ثقة، روى له الجماعة، مترجم في التهذيب، والكبير ١ / ١ / ٢٢، وابن أبي حاتم ٣ / ٢ / ١٨٤.
(٢) أي الجنة بدلا من النار، كما سلف في ص: ٤٢٢.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره وأما الذين ينقضون عهد الله، ونقضهم ذلك، خلافهم أمر الله، وعملهم بمعصيته (١) (من بعد ميثاقه)، يقول: من بعد ما وثّقوا على أنفسهم لله أن يعملوا بما عهد إليهم (٢) = (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل)، (٣) يقول: ويقطعون الرحم التي أمرهم الله بوصلها= (ويفسدون في الأرض)، فسادهم فيها: عملهم بمعاصي الله ((٤) أولئك لهم اللعنة)، يقول: فهؤلاء لهم اللعنة، وهي البعد من رحمته، والإقصاء من جِنانه (٥) = (ولهم سوء الدار) يقول: ولهم ما يسوءهم في الدار الآخرة.
* * *
٢٠٣٤٩- حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قال: أكبر الكبائر الإشراك بالله، لأن الله يقول: (وَمَْن يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ) [سورة الحج: ٣١]، ونقض العهد، وقطيعة الرحم، لأن الله تعالى يقول: (أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار)، يعني: سوء العاقبة.
٢٠٣٥٠- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج قال
(٢) انظر تفسير" الميثاق" فيما سلف ص: ٤١٩، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
(٣) انظر تفسير" الوصل" فيما سلف ١: ٤١٥ وهذا ص: ٤٢٠، تعليق: ١.
(٤) انظر تفسير" الفساد في الأرض" فيما سلف من فهارس اللغة (فسد).
(٥) انظر تفسير" اللعنة" فيما سلف ١٥: ٤٦٧، تعليق: ١، والمراجع هناك.
٢٠٣٥١- حدثني محمد بن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن مصعب بن سعد قال: سألت أبي عن هذه الآية: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا) [سورة الكهف: ١٠٣، ١٠٤]، أهم الحرورية؟ قال: لا ولكن الحرورية (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار)، فكان سعدٌ يسميهم الفاسقين. (١)
٢٠٣٥٢- حدثنا ابن المثنى قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة قال: سمعت مصعب بن سعد قال: كنت أمسك على سعدٍ المصحف، فأتى على هذه الآية، ثم ذكر نحو حديث محمد بن جعفر. (٢)
* * *
رواه البخاري في صحيحه من طريق محمد بن بشار، عن محمد بن جعفر، مطولا (الفتح ٨: ٣٢٣) وسيأتي مطولا في التفسير ١٧: ٢٧ (بولاق) في تفسير آية سورة الكهف. رواه الحاكم في المستدرك ٢: ٣٧٠، من طريق" إسحاق، عن جرير، عن منصور، عن مصعب بن سعد"، وقال:" هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي. ثم انظر تخريجه في غير المطبوع من الكتب، في الدر المنثور ٤: ٢٥٣. وسيأتي بإسناد آخر في الذي يليه.
(٢) الأثر: ٢٠٣٥٢ - هو مكرر الذي قبله من رواية أبي داود الطيالسي، عن شعبة.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الله يوسّع على من يَشاء من خلقه في رزقه، فيبسط له منه (١) لأن منهم من لا يُصْلحه إلا ذلك= (ويقدر)، يقول: ويقتِّر على من يشاء منهم في رزقه وعيشه، فيضيّقه عليه، لأنه لا يصلحه إلا الإقتار= (وفرحوا بالحياة الدنيا)، يقول تعالى ذكره: وفرح هؤلاء الذين بُسِط لهم في الدنيا من الرزق على كفرهم بالله ومعصيتهم إياه بما بسط لهم فيها، وجهلوا ما عند الله لأهل طاعته والإيمان به في الآخرة من الكرامة والنعيم.
ثم أخبر جلّ ثناؤه عن قدر ذلك في الدنيا فيما لأهل الإيمان به عنده في الآخرة وأعلم عباده قِلّته، فقال: (وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع)، يقول: وما جميع ما أعطى هؤلاء في الدنيا من السَّعة وبُسِط لهم فيها من الرزق ورغد العيش، فيما عند الله لأهل طاعته في الآخرة= (إلا متاع) قليل، وشيء حقير ذاهب. (٢) كما:-
٢٠٣٥٣- حدثنا الحسن بن محمد، قال، حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (إلا متاع) قال: قليلٌ ذاهب.
٢٠٣٥٤- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد =
٢٠٣٥٥-... قال: وحدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع)، قال: قليلٌ ذاهب.
(٢) انظر تفسير" المتاع" فيما سلف: ٤١٤، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنزلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (٢٧) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ويقول لك يا محمد، مشركو قومك: هلا أنزل عليك آية من ربك، إمّا ملك يكون معك نذيرًا، أو يُلْقَى إليك كنز؟ فقل: إن الله يضل منكم من يشاء أيها القوم، فيخذله عن تصديقي والإيمان بما جئته به من عند ربي= (ويَهدي إليه من أناب)، فرجع إلى التوبة من كفره والإيمان به، فيوفقه لاتباعي وتصديقي على ما جئته به من عند ربه، وليس ضلالُ من يضلّ منكم بأن لم ينزل علي آية من ربّي ولا هداية من يهتدي منكم بأنَّها أنزلت عليّ، وإنما ذلك بيَدِ الله، يوفّق من يشاء منكم للإيمان ويخذل من يشاء منكم فلا يؤمن.
* * *
وقد بينت معنى"الإنابة"، في غير موضع من كتابنا هذا بشواهده، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (١)
* * *
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (ويهدي إليه من أناب) بالتوبة الذين آمنوا.
* * *
و (الذين آمنوا) في موضع نصب، ردٌّ على"مَنْ"، لأن"الذين آمنوا"، هم"من أناب"، ترجم بها عنها. (١)
* * *
وقوله: (وتطمئن قلوبهم بذكر الله)، يقول: وتسكن قلوبهم وتستأنس بذكر الله، (٢) كما:-
٢٠٣٥٨- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وتطمئن قلوبهم بذكر الله) يقول: سكنت إلى ذكر الله واستأنست به.
* * *
وقوله: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، يقول: ألا بذكر الله تسكن وتستأنس قلوبُ المؤمنين. (٣)
(٢) انظر تفسير" الاطمئنان" فيما سلف ١٥: ٢٥، تعليق ١، والمراجع هناك.
(٣) انظر تفسير" الاطمئنان" فيما سلف ١٥: ٢٥، تعليق ١، والمراجع هناك.
ذكر من قال ذلك:
٢٠٣٥٩- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) لمحمد وأصحابه.
٢٠٣٦٠- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل (١) =
٢٠٣٦١- وحدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء= عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) قال: لمحمد وأصحابه.
٢٠٣٦٢-... قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا أحمد بن يونس قال، حدثنا سفيان بن عيينة في قوله: (وتطمئن قلوبهم بذكر الله) قال: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
* * *
وقوله: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات)، الصالحات من الأعمال، وذلك العمل بما أمرهم ربهم= (طوبى لهم).
* * *
و"طوبى" في موضع رفع بـ"لهم".
وكان بعض أهل البصرة والكوفة يقول: ذلك رفع، كما يقال في الكلام:"ويلٌ لعمرو".
* * *
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله (طوبى لهم).
فقال بعضهم: معناه: نِعْم ما لهم.
ذكر من قال ذلك:
٢٠٣٦٣- حدثني جعفر بن محمد البروري من أهل الكوفة قال: حدثنا أبو زكريا الكلبي، عن عمر بن نافع قال: سئل عكرمة عن"طوبى لهم" قال: نعم ما لهم. (١)
٢٠٣٦٤- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا عمرو بن نافع، عن عكرمة في قوله: (طوبى لهم) قال: نعم ما لهم.
٢٠٣٦٥- حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثني عمرو بن
و" أبو زكريا الكلبي"، هو" يحيي بن مصعب الكلبي الكوفي"، وهو" جار الأعمش". روى عن الأعمش حكايات، وروى عن عمر بن نافع، وهو صدوق. مترجم في الكبير ٤ / ٢ / ٣٠٦، وابن أبي حاتم ٤ / ٢ / ١٩٠.
و" عمر بن نافع الثقفي"، متكلم فيه، مضى قريبًا برقم: ٢٠٢٢٩، وكان في المخطوطة هنا:" عمرو بن نافع"، وهو فيها على الصواب في الإسناد التالي، أما المطبوعة فقد تبع خطأ المخطوطة الأول، وترك صوابها الثاني!!.
* * *
وقال آخرون: معناه: غبطة لهم.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٣٦٦- حدثنا أبو هشام قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك: (طوبى لهم) قال: غبطةٌ لهم.
٢٠٣٦٧- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الرحمن بن مغراء، عن جويبر، عن الضحاك، مثله.
٢٠٣٦٨-... قال: حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، مثله.
* * *
وقال آخرون: معناه: فرحٌ وقُرَّةُ عين.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٣٦٩- حدثني علي بن داود والمثنى بن إبراهيم قالا حدثنا عبد الله قال. حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (طوبى لهم)، يقول: فرحٌ وقُرَّة عين.
* * *
وقال آخرون: معناه: حُسْنَى لهم.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٣٧٠- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (طوبى لهم)، يقول: حسنى لهم، وهي كلمة من كلام العرب.
٢٠٣٧١- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة. (طوبى لهم)، هذه كلمة عربية، يقول الرجل: طوبى لك: أي أصبتَ خيرًا.
* * *
ذكر من قال ذلك:
٢٠٣٧٢- حدثنا أبو هشام قال: حدثنا ابن يمان قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال: خير لهم.
٢٠٣٧٣- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، في قوله: (طوبى لهم)، قال: الخير والكرامة التي أعطاهم الله.
* * *
وقال آخرون: (طوبى لهم)، اسم من أسماء الجنة، ومعنى الكلام، الجنة لهُم.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٣٧٤- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (طوبى لهم) قال: اسم الجنة، بالحبشية.
٢٠٣٧٥- حدثنا أبو هشام قال: حدثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (طوبى لهم)، قال: اسم أرض الجنة، بالحبشية.
٢٠٣٧٦- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن مشجوج في قوله: (طوبى لهم) قال: (طوبى) : اسم الجنة بالهندية.
٢٠٣٧٧- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا داود بن مهران قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن مشجوج قال: اسم الجنة بالهندية: (طوبى). (١)
ولكني وجدت في لسان العرب مادة (كرم) و (كسا)، وفيهما قال:" سعيد بن مسحوح الشيباني"، وفي شرح القاموس" ابن مشجوج" ونسب إليه السيرافي وابن بري شعر أبي خالد القناني الخارجي، الذي يقول في أوله:
لَقَدْ زَادَ الحَيَاة إلّي حبًّا | بَنَاتِي إنَّهن مِنَ الضعَافِ |
٢٠٣٧٩-... قال: حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (طوبى لهم) قال: الجنة.
٢٠٣٨٠- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
٢٠٣٨١- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثنى عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب) قال: لما خلق الله الجنة وفرغ منها قال: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب)، وذلك حين أعجبته.
٢٠٣٨٢- حدثنا أحمد قال: حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد: (طوبى لهم)، قال الجنة.
* * *
وقال آخرون: (طوبى لهم) : شجرة في الجنة.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٣٨٣- حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا قرة بن خالد، عن موسى بن سالم قال: قال ابن عباس: (طوبى لهم)، شجرة في الجنة. (١)
٢٠٣٨٥- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن شهر بن حوشب قال: (طوبى) : شجرة في الجنة، كل شجر الجنة منها، أغصانُها من وراء سور الجنة.
٢٠٣٨٦- حدثني المثنى قال: حدثنا سويد بن نصر قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن الأشعث بن عبد الله، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة قال: في الجنة شجرة يقال لها (طوبى)، يقول اللهُ لها: تفَتَّقِي= فذكر نحو حديث ابن عبد الأعلى، عن ابن ثور. (٢)
٢٠٣٨٧- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا عبد الجبار قال: حدثنا مروان، قال: أخبرنا العلاء، عن شمر بن عطية، في قوله: (طوبى لهم) قال: هي شجرة في الجنة يقال لها (طوبى).
٢٠٣٨٨- حدثني المثنى قال: حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن منصور، عن حسان أبي الأشرس، عن مغيث بن سُمَيّ قال: (طوبى) : شجرة في الجنة، ليس في الجنة دارٌ إلا فيها غصن منها، فيجيء
و" شهر بن حوشب"، مضى مرارًا، وثقوه، وتكلموا فيه.
وهذا خبر موقوف على أبي هريرة. وسيأتي من طريق أخرى برقم: ٢٠٣٨٦.
(٢) الأثر: ٢٠٣٨٦ - هو مكرر الأثر السالف رقم: ٢٠٣٨٤.
٢٠٣٨٩-... قال: حدثنا أبو صالح قال: حدثني معاوية، عن بعض أهل الشأم قال: إن ربك أخذ لؤلؤة فوضعها على راحتيه، ثم دملجها بين كفيه، (٢) ثم غرسها وسط أهل الجنة، ثم قال لها: امتدّي حتى تبلغي مَرْضاتي". ففعلت، فلما استوت تفجَّرت من أصولها أنهار الجنة، وهي"طوبى".
٢٠٣٩٠- حدثنا الفضل بن الصباح قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني قال: حدثني عبد الصمد بن معقل، أنه سمع وهبًا يقول: إن في الجنة شجرة يقال لها:"طوبى"، يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها ; زهرها رِيَاط، (٣) وورقها بُرود (٤) وقضبانها عنبر، وبطحاؤها ياقوت، وترابها كافور، ووَحَلها مسك، يخرج من أصلها أنهارُ الخمر واللبن والعسل، وهي مجلسٌ لأهل الجنة. فبينا هم في مجلسهم إذ أتتهم ملائكة من ربِّهم، يقودون نُجُبًا مزمومة بسلاسل من ذهب، وجوهها كالمصابيح من حسنها، وبَرَها كخَزّ المِرْعِزَّى من لينه، (٥) عليها رحالٌ ألواحها من ياقوت، ودفوفها من ذهب،
و"حسان أبو الأشرس"، هو" حسان بن أبي الأشرس بن عمار الكاهلي"، وهو" حسان بن المنذر" كنيته وكنية أبيه" أبو الأشرس"، ثقة، مترجم في التهذيب، والكبير ٢ / ١ / ٣٢، وابن أبي حاتم ١ / ٢ / ٢٣٥.
و" مغيث بن سمى الأوزاعي"، تابعي ثقة، مترجم في التهذيب، والكبير ٤ / ٢ / ٢٤، وابن أبي حاتم ٤ / ١ / ٣٩١
وسيأتي هذا الخبر مطولا بإسناد آخر رقم: ٢٠٣٩٢.
(٢) " دملج الشيء دملجة"، إذ سواه وأحسن صنعته، كما يدملج السوار.
(٣) " الرياط" جمع" ريطة"، وهي كل ثوب لين رقيق.
(٤) " برود"، جمع" برد"، هو من ثياب الوشي.
(٥) " المرعزي" (بكسر الميم وسكون الراء، وكسر العين وتشديد الزاي المفتوحة)، هو الزغب الذي تحت شعر العنز، وهو ألين الصوف وميم" المرعزي" زائدة، ومادته (رعز).
٢٠٣٩١- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال: حدثنا علي بن جرير، عن حماد قال: شجرة في الجنة في دار كل مؤمن غصن منها.
٢٠٣٩٢- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن حسان بن أبي الأشرس، عن مغيث بن سمي قال:"طوبى"، شجرة في الجنة، لو أن رجلا ركب قلوصًا جَذَعا أو جَذَعَة، ثم دار بها، لم يبلغ المكان الذي ارتحل منه حتى يموت هَرمًا. وما من أهل الجنة منزل إلا فيه غصن من أغصان تلك الشجرة متدلٍّ عليهم، فإذا أرادوا أن يأكلوا من الثمرة تدلّى إليهم
(٢) هكذا في المخطوطة، وفي تفسير ابن كثير" برك"، وفي الدر المنثور" لا تزل راحلة بزل صاحبتها"، وأنا أرجح أن الصواب:" ولا ورك راحلة ورك صاحبتها" ولكن الناسخ الأول وصل الواو بالراء، فأتى ناسخنا هذا فوصل بغير بيان ولا معرفة.
(٣) في المطبوعة:" ولا قصر يد"، وهو كلام غث بل هو عين الغثاثة. و" التصريد" في العطاء تقليله.
(٤) الأثر: ٢٠٣٩٠ -: الفضل بن الصباح البغدادي"، شيخ الطبري ثقة، مضى برقم: ٢٢٥٢، ٣٩٥٨.
و" إسماعيل بن الكريم بن معقل الصنعاني"، ثقة، مضى برقم: ٩٩٥، ٥٥٩٨.
و" عبد الصمد بن معقل بن منبه اليماني"، ثقة، روى عن عمه وهب بن منبه، مضى برقم: ٩٩٥.
وقد رواه ابن كثير في التفسير ٤: ٥٢٤، وقال قبله:" روى ابن جرير عن وهب بن منبه هاهنا أثرًا غريبًا عجيبًا"، ثم أتم الخبر من طريق ابن أبي حاتم، ثم قال:" وهذا سياق غريب، وأثر عجيب، ولبعضه شواهد".
* * *
وقد روي عن رسول الله ﷺ خبر بنحو ما قال من قال هي شجرة.
*ذكر الرواية بذلك:
٢٠٣٩٣- حدثني سليمان بن داود القومسي قال، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع قال: حدثنا معاوية بن سلام، عن زيد: أنه سمع أبا سَلام قال: حدثنا عامر بن زيد البكالي: أنه سمع عتبة بن عبد السلمِيّ يقول: جاء أعرابيٌّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، في الجنة فاكهة؟ (٢) قال: نعم، فيها شجرة تدعى"طوبى"، هي تطابق الفردوس. قال: أيّ شجر أرضنا تشبه؟ قال: ليست تشبه شيئًا من شجر أرضك، ولكن أتيتَ الشام؟ فقال: لا يا رسول الله. فقال: فإنها تشبه شجرة تدعى الجَوْزة، تنبت على ساق واحدة، ثم ينتشر أعلاها. قال: ما عِظَم أصلها؟ قال: لو ارتحلتَ جَذَعةً من إبل أهلك، ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر تَرْقُوتَاهَا هَرَمًا (٣).
وهو مطول الأثر السالف: ٢٠٣٨٨.
(٢) في المطبوعة:" إن في الجنة... "، وأثبت ما في المخطوطة.
(٣) الأثر: ٢٠٣٩٣ -" سليمان بن داود القومسي"، شيخ الطبري، لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من الكتب.
و" أبو توبة"،" الربيع بن نافع"، ثقة مضى برقم: ٣٨٣٣. و" معاوية بن سلام بن أبي سلام"، ثقة، روى له الجماعة، روى عن أبيه وجده، وأخيه زيد، مضى برقم: ١٦٥٥٧.
وأخوه" زيد بن سلام بن أبي سلام" ثقة، روى عن جده" أبي سلام"، مترجم في التهذيب، والكبير ٢ / ١ / ٣٦١، وابن أبي حاتم ١ / ٢ / ٥٦٤.
و" أبو سلام"، هو" ممطور" الأسود الحبشي، ثقة، مضى مرارًا، آخرها رقم: ١٦٥٥٧.
و" عامر بن زيد البكالي"، تابعي، ثقة، مترجم في ابن أبي حاتم ٣ / ١ / ٣٢٠.
و" عتبة بن عبد السلمى"،" أبو الوليد"، له صحبة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم. مترجم في الإصابة، وأسد الغابة، والاستيعاب، والتهذيب، وابن أبي حاتم ٣ / ٣٧١، وابن سعد ٧ / ٢ / ١٣٢.
فهذا إسناد جيد، ورواه أحمد في مسنده ٤: ١٨٣، ١٨٤، مطولا، من طريق" علي بن بحر، عن هشام بن يوسف، عن يحيي بن أبي كثير، عن عامر بن زيد البكالي"، وهو إسناد صحيح أيضًا، ونقله عن المسند، ابن القيم في حادي الأرواح ١: ٢٦٣، ٢٦٤.
٢٠٣٩٥- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث، أن درّاجًا حدّثه أن أبا الهيثم حدثه، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رجلا قال له: يا رسول الله، ما طوبى؟ قال: شجرة في الجنة مسيرة مئة سنة، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها. (٣)
* * *
(٢) الأثر: ٢٠٣٩٤ -" الحسن بن شبيب بن راشد"، شيخ الطبري، سلف برقم: ٩٦٤٢، ١١٣٨٣، قال ابن عدي،" حدث عن الثقات بالبواطيل، ووصل أحاديث هي مرسلة".
و" محمد بن زياد الجزري"، لعله هو" الرقي"، لأن الرقة معددة من الجزيرة. وهو" محمد بن زياد اليشكري الطحان، الميمون الرقي"، وهو كذاب خبيث يضع الحديث، روى عن شيخه الميمون بن مهران وغيره الموضوعات. مترجم في التهذيب، وتاريخ بغداد ٥: ٢٧٩، وابن أبي حاتم ٣ / ٢ / ٢٥٨، وميزان الاعتدال ٣: ٦٠، وكان في المطبوعة" الجريري"، غير ما في المخطوطة.
و" فرات بن أبي الفرات"، قال ابن أبي حاتم:" صدوق، لا بأس به"، وذكره ابن حبان في الثقات قال:" هو حسن الاستقامة والروايات"، ولم يذكر البخاري فيه جرحًا" ولكن قال يحيي بن معين:" ليس بشيء"، وقال ابن عدي:" الضعف بيّن على رواياته"، وقال الساجي" ضعيف، يحدث بأحاديث فيها بعض المناكير". مترجم في الكبير ٤ / ١ / ١٢٩، وابن أبي حاتم ٣ / ٢ / ٨٠، وميزان الاعتدال ٢: ٣١٦، ولسان الميزان ٤: ٤٣٢.
و" معاوية بن إياس المزني"، تابعي ثقة، مضى برقم: ١١٢١١، ١١٤٠٩. وأبوه" قرة بن إياس بن هلال بن رئاب المزني"، له صحبة مترجم في التهذيب، والكبير ٤ / ١ / ١٨٠.
وهذا خبر هالك الإسناد، وحسبه ما فيه من أمر" محمد بن زياد"، ولم أجده عند غير الطبري.
(٣) الأثر: ٢٠٣٩٥ -" عمرو بن الحارث بن يعقوب الأنصاري المصري"، ثقة، روى له الجماعة، سلف مرارًا، آخرها رقم: ١٧٤٢٩.
و" دراج"، هو" دراج بن سمعان"،" أبو السمح"، متكلم فيه، مضى مرارًا، آخرها رقم: ١٧٧٥٤.
و" أبو الهيثم"، هو" سليمان بن عمرو العتواري المصري" ثقة، مضى برقم: ١٣٨٧، ٥٥١٨.
وقد سلف مثل هذا الإسناد برقم ١٣٨٧، وصحح هذا الإسناد أخي السيد أحمد رحمه الله. هذا، وقد نقل ابن عدي عن أحمد بن حنبل:" أحاديث دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، فيها ضعف" وقال ابن شاهين:" ما كان بهذا الإسناد فليس به بأس"، ومقالة أحمد في دراج شديدة فقد نقل عنه عبد الله بن أحمد:" حديثه منكر". وعندي أن تصحيح مثل هذا الإسناد فيه بعض المجازفة، وأحسن حاله أن يكون مما لا بأس به ومما يعتبر به.
وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده ٣: ٧١ من طريق ابن لهيعة. عن دراج أبي السمح = ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه ٤: ٩١، من طريق أسد بن موسى، عن ابن لهيعة، مطولا، وصدره" أن رجلا قال له: يا رسول الله، طوبي لمن رآك وآمن بك! قال: طوبى لمن رآني وآمن بي، ثم طوبى، ثم طوبى، ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني، فقال له رجل: وما طوبى؟ "، الحديث.
* * *
وأما قوله: (وحسن مآب)، فإنه يقول: وحسن منقلب ; (١) كما:-
٢٠٣٩٦- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك: (وحسن مآب)، قال: حسن منقلب. (٢)
(٢) انظر تفسير" المآب" فيما سلف ٦: ٢٥٨، ٢٥٩.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: هكذا أرسلناك يا محمد في جماعة من الناس (١) يعني إلى جماعةً= قد خلت من قبلها جماعات على مثل الذي هم عليه، فمضت (٢) (لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك)، يقول: لتبلغهم ما أرسَلْتك به إليهم من وحيي الذي أوحيته إليك= (وهم يكفرون بالرحمن)، يقول: وهم يجحدون وحدانيّة الله، ويكذّبون بها= (قل هو ربي)، يقول: إنْ كفر هؤلاء الذين أرسلتُك إليهم، يا محمد بالرحمن، فقل أنت: الله ربّي (لا إله إلا هو عليه توكلت والله متاب)، يقول: وإليه مرجعي وأوبتي.
* * *
= وهو مصدر من قول القائل:"تبت مَتَابًا وتوبةً. (٣)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
٢٠٣٩٧- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وهم يكفرون بالرحمن). ذكر لنا أن نبيَّ الله ﷺ زَمَنَ الحديبية حين صالح قريشًا كتب:"هذا ما صالح عليه محمدٌ رسول الله. فقال
(٢) انظر تفسير" خلا" فيما سلف، ٣٥٠ تعليق: ٣ والمراجع هناك.
(٣) انظر تفسير" التوبة" فيما سلف من فهارس اللغة (توب).
٢٠٣٩٨- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثنى حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال قوله: (كذلك أرسلناك في أمة قد خلت) الآية، قال: هذا لمّا كاتب رسول الله ﷺ قريشًا في الحديبية، كتب:"بسم الله الرحمن الرحيم"، قالوا: لا تكتب"الرحمن"، وما ندري ما"الرحمن"، ولا تكتب إلا"باسمك اللهم". قال الله: (وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو)، الآية.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الأمْرُ جَمِيعًا﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى ذلك.
فقال بعضهم: معناه: (وهم يكفرون بالرحمن)، ولو أن قرآنًا سيرت به الجبال)، أي: يكفرون بالله ولو سَيَّر لهم الجبال بهذا القرآن. وقالوا: هو من المؤخر الذي معناه التقديم. وجعلوا جواب"لو" مقدَّمًا قبلها، وذلك أن الكلام
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٣٩٩- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ولو أن قرآنا سُيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى) قال: هم المشركون من قريش، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لو وسعت لنا أودية مكَّة، وسيَّرت جبَالها، فاحترثناها، وأحييت من مات منَّا، وقُطّع به الأرض، أو كلم به الموتى! فقال الله تعالى: (ولو أن قرآنا سُيّرت به الجبال أو قُطّعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعًا).
٢٠٤٠٠- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى)، قول كفار قريش لمحمد: سيِّر جبالنا تتسع لنا أرضُنا فإنها ضيِّقة، أو قرب لنا الشأم فإنا نَتَّجر إليها، أو أخرج لنا آباءنا من القبور نكلمهم! فقال الله تعالى (١) (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى).
٢٠٤٠١- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
٢٠٤٠٢- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه= قال ابن جريج: وقال عبد الله بن كثير قالوا: لو فَسَحت عنّا الجبال، أو أجريت لنا الأنهار، أو كلمتَ به الموتى! فنزل ذلك= قال ابن جريج: وقال ابن عباس: قالوا: سيِّر بالقرآن الجبالَ، قطّع بالقرآن الأرض، أخرج به موتانا.
* * *
وقال آخرون: بل معناه: (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال) كلامٌ مبتدأ منقطع عن قوله: (وهم يكفرون بالرحمن). قال: وجوابُ"لو" محذوف اسْتغنيَ بمعرفة السامعين المرادَ من الكلام عن ذكر جوابها. قالوا: والعرب تفعل ذلك كثيرًا، ومنه قول امرئ القيس:
فَلَوْ أَنَّهَا نَفْسٌ تَمُوتُ سَرِيحَةً | وَلكِنَّهَا نَفْسٌ تَقَطَّعُ أَنْفُسَا (١) |
فَأُقْسِمُ لَوْ شَيْءٌ أَتَانَا رَسُولُهُ | سِوَاكَ وَلكِنْ لَمْ نَجِدْ لَكَ مَدْفَعَا (٤) |
*ذكر من قال نحو معنى ذلك:
فَلَوْ أَنَّهَا نَفْسٌ تَمُوتُ جَمِيعَةً | وَلَكِنَّهَا نَفْسٌ تَسَاقَطُ أَنْفُسَا |
(٢) في دواوينه المنشورة، ليس هو آخر القصيدة، ولو أحسن ناشرو دواوين الشعر، لأدوا إلينا الروايات المختلفة على ترتيبها، فإن ديوان امرئ القيس المطبوع حديثًا قد أغفل ترتيب الروايات إغفالًا تامًا، مع شدة حاجتنا إلى ذلك في فهم الشعر، وفي إعادة ترتيبه. وهذا مما ابتلى الله به الشعر الجاهلي، أن يحمله إلى الناس من لا يحسنه، حتى ساء ظن الناس فيه، وأكثروا الطعن في روايته.
(٣) هو امرؤ القيس.
(٤) سلف البيت وتخريجه وشرحه ١٥: ٢٧٧، ٢٧٨.
٢٠٤٠٥- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أن كفّار قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أذهب عنا جبال تِهَامة حتى نتّخذها زرعًا فتكون لنا أرضين، أو أحي لنا فلانًا وفلانًا يخبروننا: حقٌّ ما تقول! فقال الله: (ولو أن قرآنا سيرت له الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعًا)، يقول: لو كان فَعل ذلك بشيء من الكتب فيما مضى كان ذلك.
٢٠٤٠٦- حدثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (ولو أن قرآنًا سيرت به الجبال)، الآية، قال: قال كفار قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم: سيّر لنا الجبالَ كما سُخِّرت لداود، أو قَطِّع لنا الأرض كما قُطعت لسليمان، فاغتدى بها شهرًا وراح بها شهرًا، أو كلم لنا الموتَى كما كان عيسى يكلمهم، يقول: لم أنزل بهذا كتابًا، ولكن كان شيئًا أعطيته أنبيائي ورسلي.
٢٠٤٠٧- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى قوله (أفلم ييأس).
فكان بعض أهل البصرة يزعم أن معناه: ألم يعلمْ ويتبيَّن= ويستشهد لقيله ذلك ببيت سُحَيْم بن وَثيلٍ الرِّياحيّ:
أَقُولُ لَهُمْ بالشِّعْبِ إِذْ يَأْسِرُونَنِي | أَلَمْ تَيْأَسُوا أَنِّي ابْنُ فَارِسِ زَهْدَمِ (١) |
أَلَمْ يَيْأَسِ الأقْوَامُ أَنِّي أَنَا ابْنُهُ | وَإِنْ كُنْتُ عَنْ أَرْضِ العَشِيرَةِ نَائِيَا (٣) |
(٢) نسب إلى مالك بن عوف، وإلى رياح بن عدي.
(٣) معجم غريب القرآن في مسائل نافع بن الأزرق، لابن عباس: ٢٩١: والقرطبي: ٩: ٣٢٠، وأبو حيان ٥: ٣٩٢، وأساس البلاغة (يأس)، ولم أعرف الشعر.
* * *
وذكر عن ابن الكلبي أن ذلك لغة لحيّ من النَّخَع يقال لهم: وَهْبيل، تقول: ألم تيأس، كذا بمعنى: ألم تعلمه؟
* * *
وذكر عن القاسم ابن معن أنّها لغة هَوازن، وأنهم يقولون:"يئستْ كذا"، علمتُ.
* * *
وأما بعض الكوفيين فكان ينكر ذلك، (١) ويزعم أنه لم يسمع أحدًا من العرب يقول:"يئست" بمعنى:"علمت". ويقول هو في المعنى= وإن لم يكن مسموعًا:"يئست" بمعنى: علمت= يتوجَّهُ إلى ذلك إذ أنه قد أوقع إلى المؤمنين، أنه لو شاء لهدى الناس جميعا، (٢) فقال:"أفلم ييأسوا علما"، يقول: يؤيسهم العلم، فكأن فيه العلم مضمرًا، (٣) كما يقال: قد يئست منك أن لا تفلح علمًا، كأنه قيل: علمتُه علمًا قال: وقول الشاعر: (٤)
حَتَّى إِذَا يَئِسَ الرُّمَاةُ وَأَرْسُلوا... غُضْفًا دَوَاجِنَ قَافِلا أَعْصَامُهَا (٥)
معناه: حتى إذا يئسوا من كل شيء مما يمكن، إلا الذي ظهر لهم، أرسلوا،
(٢) في المطبوعة:" إن الله قد أوقع... "، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الموافق لما في معاني القرآن.
(٣) في معاني القرآن:" فكأن فيهم العلم"، والصواب ما في الطبري، وهو موافق لما في اللسان (يأس).
(٤) هو لبيد.
(٥) معلقته المشهورة، في صفة صيد البقرة الوحشية. يقول: أرسلوا عليها كلابًا غضف الآذان، وهي كلاب الصيد تسترخى آذانها. و" دواجن" ضاريات قد عودن الصيد. و" القافل" اليابس. و" الأعصام"، جمع" عصام"، وهو قلائد من أدم تجعل في أعناق الكلاب، وهي السواجير أيضًا.
* * *
وأما أهل التأويل فإنهم تأولوا ذلك بمعنى: أفلم يعلَم ويتبيَّن.
*ذكر من قال ذلك
٢٠٤٠٨- حدثني يعقوب قال: حدثنا هشيم، عن أبي إسحاق الكوفي، عن [مولى مولى بحير] أن عليًّا رضي الله عنه كان يقرأ:"أَفَلَمْ يَتَبيَّنِ الَّذِينَ آمنُوا". (٢)
٢٠٤٠٩- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا عبد الوهاب، عن هارون، عن حنظلة، عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس: (أفلم ييأس) يقول: أفلم يتبيّن.
٢٠٤١٠- حدثنا أحمد بن يوسف قال: حدثنا القاسم قال: حدثنا يزيد، عن جرير بن حازم، عن الزبير بن الخِرِّيت= أو يعلى بن حكيم=، عن عكرمة، عن ابن عباس، أنه كان يقرؤها:"أَفَلَمْ يَتَبيَّنِ الَّذِينَ آمنُوا"؛ قال: كتب الكاتب الأخرى وهو ناعسٌ. (٣)
(٢) الأثر: ٢٠٤٠٨ -" أبو إسحاق الكوفي"، هو" عبد الله بن ميسرة"، ضعيف واهي الحديث، ووثقه ابن حبان، مضى برقم: ٦٩٢٠، ١٣٤٨٩، ٢٠٠٧٨، وكان هشيم يكنيه بابن له يقال له" إسحاق"، وكنيته" أبو ليلى" وهشيم يدلس بهذه الكنية. وكان في المخطوطة" ابن إسحاق الكوفي"، وهو خطأ صرف.
وأما الذي بين القوسين، فهو هكذا جاء في المخطوطة، وجعل مكانه في المطبوعة:" عن مولى يخبر"، تصرف في الإسناد أسوأ التصرف وأشنعه. وهذا الذي بين القوسين ربما قرئ آخره:" مولى بحتر"، وقد استوعبت ما في تهذيب الكمال للحافظ المزي، في باب من روى عن" علي بن أبي طالب"، وباب من روى عنه" أبو إسحاق الكوفي"، فلم أجد شيئًا قريب التحريف من هذا الذي عندنا.
ومهما يكن من شيء، فحسب هذا الإسناد وهاء أن يكون فيه" أبو سحاق الكوفي"، ثم انظر التعليق على الأثر التالي رقم: ٢٠٤١٠.
وكان في المطبوعة:" كان يقول" مكان:" كان يقرأ"، لم يحسن قراءة المخطوطة، لأن الناسخ كتب"يقول" ثم جعل الواو" راء"، وأدخل الألف في اللام، ووضع عليها الهمزة، فاختلط الأمر على الناشر.
(٣) الأثر: ٢٠٤١٠ -" أحمد بن يوسف التغلبي الأحول"، شيخ أبي جعفر الطبري، هو صاحب أبي عبيد القاسم بن سلام، مشهور بصحبته، ثقة مأمون، مضى مرارًا آخرها رقم: ١٢٩٩٤ وهو الذي أخذ عنه أبو جعفر الطبري كتب أبي عبيد القاسم بن سلام.
و" القاسم"، هو" القاسم بن سلام"،" أبو عبيد"، الفقيه القاضي، صاحب التصانيف المشهورة، كان إمام دهره في جميع العلوم، وهو صاحب سنة، ثقة مأمون، وثناء الأئمة عليه ثناء لا يدرك.
و" يزيد"، هو" يزيد بن هرون السلمي"، وهو أحد الحفاظ الثقات الأثبات المشاهير، روى له الجماعة، مضى مرارًا آخرها رقم: ١٠٤٨٤.
و" جرير" هو" جرير بن حازم الأزدي"، ثقة حافظ، روى له الجماعة، مضى مرارًا آخرها رقم: ١٤١٥٧.
و" الزبير بن الخريت". ثقة، روى له الجماعة سوى النسائي، مضى برقم: ٤٩٨٥، ١١٦٩٣، وكان في المطبوعة:" الزبير بن الحارث"، غير ما في المخطوطة مجازفة.
و" يعلي بن حكيم"، ثقة، روى له الجماعة سوى الترمذي، مضى برقم: ١٢٧٤٨.
فهذا خبر رجاله ثقات، بل كل رجاله رجال الصحيحين، سوى أبي عبيد القاسم بن سلام، وهو أمام ثقة صدوق، فإسناده صحيح، لا مطعن فيه - ومع صحة إسناده لم أجد أحدًا من أصحاب الدواوين الكبار، كأحمد في مسنده، أو الحاكم في المستدرك، ولا أحدًا ممن نقل عن الدواوين الكبار، كالهيثمي في مجمع الزوائد، أخرج هذا الخبر أو أشار إلى هذه القراءة عن ابن عباس، أو علي بن أبي طالب، كما جاء في الخبر الذي قبله رقم: ٢٠٤٠٨، بل أعجب من ذلك أن ابن كثير، وهو المتعقب أحاديث أبي جعفر في التفسير، لما بلغ تفسير هذه الآية، لم يفعل سوى أن أشار إلى قراءة ابن عباس، وأغفل هذا الخبر إغفالًا على غير عادته، وأكبر ظني أن ابن كثير عرف صحة إسناده، ولكنه أنكر ظاهر معناه إنكارًا حمله على السكوت عنه، وكان خليقًا أن يذكره ويصفه بالغرابة أو النكارة، ولكنه لم يفعل، لأنه فيما أظن قد تحير في صحة إسناده، مع نكارة ما يدل عليه ظاهر لفظه. وزاد هذا الظاهر نكارة عنده، ما قاله المفسرون قبله في هذا الخبر عن ابن عباس، حين رووه غير مسند بألفاظ غير هذه الألفاظ.
فلما رأيت ذلك من فعل ابن كثير وغيره، تتبعت ما نقله الناقلون من ألفاظ الخبر، فوجدت بين ألفاظ الخبر التي رويت غير مسندة، وبين لفظ أبي جعفر المسند، فرقًا يلوح علانية، وألفاظهم هذه هي التي دعت كثيرًا من الأئمة يقولون في الخبر مقالة سيئة، بلغت مبلغ الطعن في قائله بأنه زنديق ملحد! ونعم، فإنه لحق ما قالوه في الخبر الذي رووه بألفاظهم، أما لفظ أبي جعفر هذا، وإن كان ظاهره مشكلا، فإن دراسته على الوجه الذي ينبغي أن يدرس به، تزيل عنه قتام المعنى الفاسد الذي يبتدر المرء عند أول تلاوته.
فلما شرعت في دراسته من جميع وجوه الدراسة، انفتح لي باب عظيم من القول في هذا الخبر وأشباهه، من مثل قول عائشة أم المؤمنين:" يا ابن أخي، أخطأ الكاتب"، أي ما كتب في المصحف الإمام، ومعاذ الله أن يكون ذلك ظاهر لفظ حديثها. وهذان الخبران وأشباه لهما يتخذهما المستشرقون وبطانتهم ممن ينتسبون إلى أهل الإسلام، مدرجة للطعن في القرآن. أو تسويلا للتلبيس على من لا علم عنده بتنزيل القرآن العظيم، فاقتضاني الأمر أن أكتب رسالة جامعة في بيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم:" أنزل القرآن على سبعة أحرف"، وكيف كانت هذه الأحرف السبعة وما الذي بقي عندنا منها، وانتهيت إلى أنها بحمد الله باقية بجميعها في قراءات القرأة، وفي شاذ القراءة، وفي رواية الحروف، لا كما ذهب إليه أبو جعفر الطبري في مقدمة تفسيره (١: ٥٥ - ٥٩)، ومن ذهب في ذلك مذهبه. ثم بينت ما كان من أمر كتابة المصحف على عهد أبي بكر، ثم كتابة المصحف الإمام على عهد عثمان رضي الله عنهما، وجعلت ذلك بيانًا شافيًا كافيًا بإذن الله. وكنت على نية جعل هذه الرسالة مقدمة للجزء السادس عشر من تفسير أبي جعفر ولكنها طالت حتى بلغت أن تكون كتابًا، فآثرت أن أفردها كتابًا يطبع على حدته إن شاء الله.
٢٠٤١٢- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (أفلم ييأس الذين آمنوا) يقول: ألم يتبين.
٢٠٤١٣- حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي، عن ابن عباس قوله: (أفلم ييأس الذين آمنوا)، يقول: يعلم.
٢٠٤١٤- حدثنا عمران بن موسى قال: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا ليث، عن مجاهد، في قوله: (أفلم ييأس الذين آمنوا) قال: أفلم يتبين. (٢)
٢٠٤١٥- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: (أفلم ييأس الذين آمنوا) قال: ألم يتبين الذين آمنوا.
٢٠٤١٦- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (أفلم ييأس الذين آمنوا) قال: ألم يعلم الذين آمنوا.
و" حجاج بن محمد المصيصي الأعور"،" أبو محمد، ثقة، روى له الجماعة، مضى مرارًا آخرها رقم: ١٨٢٩٠.
(٢) الأثر: ٢٠٤١٤ -" عمران بن موسى بن حيان القزاز"، شيخ الطبري، ثقة، مضى مرارًا آخرها رقم: ٨٦٨٣.
و" عبد الوارث"، هو" عبد الوارث بن سعد بن ذكوان"، أحد الأعلام، مضى مرارًا آخرها رقم: ١٥٣٣٩.
و" ليث"، هو" ليث بن أبي سليم القرشي"، هو الذي يروي عن مجاهد، مضى مرارًا، آخرها: ٩٦٣٢.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك ما قاله أهل التأويل: إن تأويل ذلك:"أفلم يتبين ويعلم"، لإجماع أهل التأويل على ذلك، والأبيات التي أنشدناها فيه.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذاً: ولو أنّ قرآنًا سوى هذا القرآن كان سُيّرت به الجبال، لسُيّر بهذا القرآن، أو قُطَعت به الأرض لُقطعت بهذا، أو كُلِّم به الموتى، لكُلِّم بهذا، ولكن لم يُفْعل ذلك بقرآن قبل هذا القرآن فيُفْعل بهذا (١) (بل لله الأمر جميعًا)، يقول ذلك: كله إليه وبيده، يهدى من يشاءُ إلى الإيمان فيوفِّقَه له، ويُضِل من يشاء فيخذله، أفلم يتبيَّن الذين آمنوا بالله ورسوله= إذْ طمِعوا في إجابتي من سأل نبيَّهم ما سأله من تسيير الجبال عنهم، (٢) وتقريب أرض الشأم عليهم، وإحياء موتاهم= أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعًا إلى الإيمان به من غير إيجاد آية، ولا إحداث شيء مما سألوا إحداثه؟ يقول تعالى ذكره: فما معنى محبتهم ذلك، مع علمهم بأن الهداية والإهلاك إليّ وبيدي، أنزلت آيةً أو لم أنزلها ; أهدي من أشاءُ بغير إنزال آية، وأضلّ من أردتُ مع إنزالها.
(٢) الزيادة بين القوسين، يقتضيها السياق = أو أن يحذف من الكلام" من" في قوله:" من تسيير الجبال".
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (ولا يزال) يا محمد= (الذين كفروا)، من قومك= (تصيبهم بما صنعوا) من كفرهم بالله، وتكذيبهم إياك، وإخراجهم لك من بين أظهرهم= (قارعة)، وهي ما يقرعهم من البلاء والعذاب والنِّقم، بالقتل أحيانًا، وبالحروب أحيانًا، والقحط أحيانًا= (أو تحل)، أنت يا محمد، يقول: أو تنزل أنت= (قريبًا من دارهم) بجيشك وأصحابك= (حتى يأتي وعدُ الله) الذي وعدك فيهم، وذلك ظهورُك عليهم وفتحُك أرضَهمْ، وقهرْك إياهم بالسيف= (إن الله لا يخلف الميعاد)، يقول: إن الله منجزك، يا محمد ما وعدك من الظهور عليهم، لأنه لا يخلف وعده.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٤١٨-[حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا] أبو داود قال: حدثنا المسعوديّ، عن قتادة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: (ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة،) قال: سَرِيَّة = (أو تحل قريبًا من دارهم)، قال: محمد= (حتى يأتي وعد الله)، قال: فتح مكة. (١)
و" المسعودي"، هو" عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود"، مضى مرارًا كثيرة، آخرها: ١٧٩٨٢.
٢٠٤٢٠- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا أبو قطن قال: حدثنا المسعودي، عن قتادة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، تلا هذه الآية: (ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة)، قال:"القارعة": السريّة، (أو تحلّ قريبًا من دارهم)، قال: هو محمد صلى الله عليه وسلم= (حتى يأتي وعد الله)، قال: فتح مكة. (١)
٢٠٤٢١- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو غسان قال: حدثنا زهير، أن خصيفًا حدثهم، عن عكرمة، في قوله: (ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبًا من دارهم)، قال: نزلت بالمدينة في سرايَا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم= (أو تحل)، أنت يا محمد= (قريبًا من دارهم).
٢٠٤٢٢- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي، عن النضر بن عربيّ، عن عكرمة: (ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة)، قال: سرية= (أو تحلّ قريبًا من دارهم)، قال: أنت يا محمد.
٢٠٤٢٣- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة)، يقول: عذابٌ من السماء ينزل عليهم= (أو تحلّ قريبًا من دارهم)، يعني: نزول رسول الله ﷺ بهم وقتالَه إياهم.
٢٠٤٢٤- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء،
وكان هذا الإسناد مكررًا في المخطوطة، ثم ختمه بقوله:" عن ابن عباس بنحوه، غير أنه لم يذكر سرية"، وهذا يناقض رواية الإسناد بعده. والظاهر أنه لما قلب الورقة ليكتب بقية الخبر، سبق نظره إلى ختام الخبر السالف، ثم تابع النقل على الصواب، فكرر الإسناد ثم أتبعه الخبر.
٢٠٤٢٥- حدثني المثنى قال: حدثنا الحجاج قال: حدثنا حماد بن زيد، عن عبد الله بن أبي نجيح: (أو تحل قريبًا من دارهم)، يعني النبي صلى الله عليه وسلم.
٢٠٤٢٦- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد= نحو حديث الحسن، عن شبابة.
٢٠٤٢٧- حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا قيس، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس: قال: (قارعة)، قال: السرايا.
٢٠٤٢٨-... قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا عبد الغفار، عن منصور، عن مجاهد: (قارعة) قال: مصيبة من محمد= (أو تحلّ قريبًا من دارهم)، قال: أنت يا محمد= (حتى يأتي وعد الله)، قال: الفتح.
٢٠٤٢٩-... قال: حدثنا إسرائيل، عن خصيف، عن مجاهد: (قارعة)، قال: كتيبةً.
٢٠٤٣٠-... قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن سعيد بن جبير: (تصيبهم بما صنعوا قارعة)، قال: سرية (أو تحل قريبًا من دارهم)، قال: أنت يا محمد.
٢٠٤٣١- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة) أي بأعمالهم أعمال السوء= وقوله: (أو تحل قريبًا من دارهم)، أنت يا محمد= (حتى يأتي وعد الله)، ووعدُ الله: فتحُ مكة.
٢٠٤٣٢- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن
٢٠٤٣٣- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا محمد بن طلحة، عن طلحة، عن مجاهد: (تصيبهم بما صنعوا قارعة)، قال: سريّة. (١)
٢٠٤٣٤- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد: (تصيبهم بما صنعوا قارعة)، قال: السرايا، كان يبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم= (أو تحل قريبًا من دارهم)، أنت يا محمد= (حتى يأتي وعد الله)، قال: فتح مكة.
٢٠٤٣٥-... قال، حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا إسرائيل، عن بعض أصحابه، عن مجاهد: (تصيبهم بما صنعوا قارعة)، قال: كتيبة.
٢٠٤٣٦- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد، في قوله: (ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة)، قال: قارعة من العذاب.
* * *
وقال آخرون: معنى قوله: (أو تحلّ قريبًا من دارهم)، تحل القارعةُ قريبًا من دارهم.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٤٣٧- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: قال الحسن: (أو تحل قريبًا من دارهم)، قال: (
و" طلحة" أبوه، وهو" طلحة بن مصرف اليامي"، ثقة، روى له الجماعة، وهو يروي عن مجاهد. مضى برقم: ٥٤٣١، ١١١٤٥، ١١١٤٦. وكان في المخطوطة هنا في الهامش علامة تشكك، وهذا هو تفسير ما تشكك فيه الناسخ.
٢٠٤٣٨- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن قال،: (أو تحل قريبًا من دارهم)، قال: أو تحل القارعة.
* * *
وقال آخرون في قوله: (حتى يأتي وعد الله)، هو: يوم القيامة.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٤٣٩- حدثني المثنى قال: حدثنا مُعلَّى بن أسَد قال: حدثنا إسماعيل بن حكيم، عن رجل قد سماه عن الحسن، في قوله: (حتى يأتي وعد الله) قال: يوم القيامة.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (٣٢) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد إن يستهزئ هؤلاء المشركون من قومك ويطلبوا منك الآيات تكذيبًا منهم ما جئتهم به، فاصبر على أذاهم لك وامض لأمر ربك في إنذارهم، والإعذار إليهم، (١) فلقد استهزأت أممٌ من قبلك قد خَلَت فمضتْ بُرسلِي، (٢) فأطلتُ لهم في المَهَل، ومددت لهم في الأجَل، ثم أحللتُ بهم عذابي ونقمتي حين تمادَوْا في غيِّهم وضَلالهم، فانظر كيف كان عقابي إياهم حين عاقبتهم،
(٢) في المطبوعة:" برسل"، بغير ياء، لم يحسن قراءة المخطوطة لخفاء الياء في كتابة الكاتب.
* * *
و"الإملاء" في كلام العرب، (١) الإطالة، يقال منه:"أمْليَتُ لفلان"، إذا أطلت له في المَهَل، ومنه:"المُلاوة من الدهر"، ومنه قولهم:"تَمَلَّيْتُ حبيبًا، (٢) ولذلك قيل لليل والنهار:"المَلَوَان" لطولهما، كما قال ابن مُقبل:
أَلا يَا دِيَارَ الْحَيِّ بِالسَّبُعَانِ | أَلَحَّ عَلَيْهَا بِالْبِلَى المَلَوَانِ (٣) |
فَأَخْضَلَ مِنْهَا كُلَّ بَالٍ وَعَيِّنٍ | وَجِيفُ الرَّوَايَا بِالمَلا المُتَباطِنِ (٦) |
(٢) في المطبوعة: تمليت حينًا"، وهو خطأ صرف.
(٣) مضى البيت وتخريجه ونسبته وشرحه فيما سلف ٧: ٤٢٠ تعليق رقم: ٣، ٤، وانظر قصيدة ابن مقبل في ديوانه الذي طبع حديثًا: ٣٣٥.
(٤) انظر مجاز القرآن ١: ٣٣٣.
(٥) هو الطرماح، وهو طائي.
(٦) ديوانه: ١٦٨، واضداد الأصمعي وابن السكيت: ٤٤، ١٩٧، وأضداد ابن الأنباري: ٢٥٦، واللسان (عين)، وكان في المطبوع:" وجف الروايا"، وجاء كذلك في بعض المراجع السالفة وفي الديوان، وهو في المخطوطة" وجيف"، وإن كان ما بعد ذلك مضطرب الكتابة وقصيدة الطرماح هذه كما جاءت في الديوان مضطربة، سقط منها كثير، تجد بعضها في مواضع مختلفة من المعاني الكبير لابن قتيبة، يدل على سقوط أبيات قبل هذا البيت، ولم استطع أن أعرف موضع هذا البيت من قصيدته، ولذلك غمض معناه عليّ، لتعلق الضمير في" منها" بمذكور قبله لم أقف عليه، ولذلك أيضًا لا أستطيع أن أرجح أي اللفظين أحق بالمعنى" وجف" أو" وجيف"، ولكني إلى الثانية أميل. ولغة البيت:" اخضل" ابتل. ويقال" سقاء عين"، إذا سال منه الماء و" سقاء عين" في لغة طيئ جديد، والطرماح طائي، فهو المراد هنا. و" الوجيف"، وضرب من سير الإبل سريع. و" الروايا" جمع" رواية"، وهو البعير الذي يستقي عليه، يحمل مزاد الماء. و" المتباطن"، في شرح ديوانه، المتطامن، وكذلك في أمالي أبي علي القالي ٢: ٧ في شرح حديث امرأة قالت:" ارم بعينك في هذا الملا المتباطن". وعندي أن هذا التفسير في الموضعين غير جيد، وإنما هو من قولهم:" شأو بطين"، أي بعيد واسع، ونص الزمخشري في الأساس على ذلك فقال:" تباطن المكان، تباعد"، فهذا حق اللفظ هنا، كما نرى.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي الأرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٣٣) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أفَالرَّبُ الذي هو دائمٌ لا يَبيدُ ولا يَهْلِك، قائم بحفظ أرزاق جميع الخَلْق، (١) متضمنٌ لها، عالمٌ بهم وبما يكسبُونه من الأعمال، رقيبٌ عليهم، لا يَعْزُب عنه شيء أينما كانوا، كَمن هو هالك بائِدٌ لا يَسمَع ولا يُبصر ولا يفهم شيئًا، ولا يدفع عن نفسه ولا عَمَّن يعبده ضُرًّا، ولا يَجْلب إليهما نفعًا؟ كلاهما سَواءٌ؟
* * *
وحذف الجواب في ذلك فلم يَقُل، وقد قيل (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) : ككذا وكذا، اكتفاءً بعلم السامع بما ذَكَر عما ترك ذِكْره. وذلك أنه لما قال جل ثناؤه: (وَجعلُوا لله شُرَكاء)، عُلِمَ أن معنى الكلام: كشركائهم التي اتخذوها آلهةً. كما قال الشاعر: (٢)
تَخَيَّرِي خُيِّرْتِ أُمَّ عَالِ... بَيْنَ قَصِيرٍ شِبْرُهُ تِنْبَالِ... أَذَاكَ أَمْ مُنْخَرِقُ السِّرْبَالِ... وَلا يَزَالُ آخِرَ اللَّيالِي...
(٢) هو القتال الكلابي.
ولم يقل وقد قال:"شَبْرُهُ تِنْبَال"، (٢) وبين كذا وكذا، اكتفاء منه بقوله:"أذاكَ أم منخرق السربال"، ودلالة الخبر عن المنخرق السربال على مراده في ذلك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٤٤٠- حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد
لأن قبله: * لَعَلَّنَا نَطْرُقُ أُمَّ عَالِ *
وفي المطبوع:" قصير شده"، وهو خطأ.
ويقال:" فلان قصير الشبر"، إذا كان متقارب الخطو، وقال الزمخشري: متقارب الخلق.
ورواية الأغاني:" قصير باعه". و" التنبال"، القصير. وبعد هذا البيت:
وَأُمُّهُ رَاعِيَةُ الجِمَالِ | تَبِيتُ بَيْنَ القَتِّ والجِعَالِ |
وَمُخَرَّقٍ عَنْهُ القَمِيصُ تَخَالُهُ | وَسْطَ البُيُوتِ مِنَ الحَيَاء سَقِيمَا |
كَرِيمُ عَمٍّ وَكَرِيمُ خَالِ | متْلِفُ مَالٍ ومُفِيدُ مَالِ |
وَلا تَزَالُ آخِرَ اللَّيَالِي | قَلُوصُهُ تَعْثُرُ في النِّقَالِ |
(٢) في المطبوعة هنا أيضًا:" شره".
٢٠٤٤١- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (أفمَن هو قائم على كل نفس بما كسبت)، قال: الله قائم على كل نفس. (٢)
٢٠٤٤٢- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال: حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت)، يعني بذلك نفسه، يقول: هو معكم أينما كنتم، فلا يعمل عامل إلا والله حاضِرُه. ويقال: هم الملائكة الذين وُكِلوا ببني آدم. (٣)
٢٠٤٤٣- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت)، وعلى رزقهم وعلى طعامهم، فأنا على ذلك قائم، وهم عبيدي، (٤) ثم جعلوا لي شُركاء.
٢٠٤٤٤- حدثت عن الحُسَين بن فرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت)، فهو الله قائم على كل نفس بَرّ وفاجر، يرزقهم ويَكلؤُهم، ثم يشرك به منهم من أشرك. (٥)
* * *
(٢) من أول قوله:" قال... "، ساقط من المطبوعة.
(٣) الأثر: ٢٠٤٤٢ - في الدر المنثور ٤: ٦٤، واقتصر علي" يعني بذلك نفسه". وفي المطبوعة" إلا وهو حاضر"، غير ما في المخطوطة. وقوله:" ويقال هم الملائكة... "، ليس من قول ابن عباس بلا ريب، وكأنه من قول:" محمد بن سعد"، راوي الخبر.
(٤) في المخطوطة:" فأنا على ذلك وهم عبيدي"، أسقط" قائم".
(٥) الأثر: ٢٠٤٤٤ - في المطبوعة أسقط من الإسناد:" بن الفرج"، وزاد في نص الخبر فجعله" على كل نفس بر وفاجر"، والذي أثبته مطابق لما في الدر المنثور: ٤: ٦٤.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٤٤٥- حدثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وجعلوا لله شركاء قل سمُّوهم)، ولو سمَّوْهم آلهةً لكذبَوا وقالوا في ذلك غير الحق، لأن الله واحدٌ ليس له شريك. قال الله: (أم تُنَبؤونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول) يقول: لا يعلم الله في الأرض إلها غيره. (١)
٢٠٤٤٦- حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (وجَعلوا لله شركاء قل سموهم)، والله خلقهم.
٢٠٤٤٧- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: (وجعلوا لله شركاء قل سموهم)، ولو سَمَّوهم كذبوا وقالوا في ذلك مَا لا يعلم الله، مَا من إله غير الله، (٢) فذلك قوله: (أم تنبئونه لما لا يعلم في الأرض).
* * *
(٢) في المطبوعة، أسقط" ما" من قوله:" ما من إله" فأفسد الكلام.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل، غير أنهم قالوا: (أم بظاهر)، معناه: أم بباطل، فأتوا بالمعنى الذي تدل عليه الكلمة دون البيان عن حَقيقة تأويلها.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٤٤٨- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (بظاهر من القول)، بظنٍّ.
٢٠٤٤٩- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
٢٠٤٥٠- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن قتادة قوله: (أم بظاهر من القول)، والظاهر من القول: هو الباطل.
٢٠٤٥١- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (أم بظاهر من القول)، يقول: أم بباطل من القول وكذب، ولو قالوا قالُوا الباطلَ والكذبَ.
* * *
وقوله: (بل زُيِّن للذين كفروا مكرهم)، يقول تعالى ذكره: ما لله من شريك في السموات ولا في الأرض، ولكن زُيِّن للمشركين الذي يدعون من دونه إلهًا، (٢) مَكْرُهم، وذلك افتراؤهُم وكذبهم على الله. (٣)
* * *
(٢) انظر تفسير" التزيين" فيما سلف ١٥: ٥٥، تعليق رقم: ٣، والمراجع هناك.
(٣) انظر تفسير" المكر" فيما سلف: ٦٨ تعليق رقم: ٢ والمراجع هناك.
٢٠٤٥٢- حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (بل زين للذين كفروا مكرهم)، قال: قولهم.
٢٠٤٥٣- حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
* * *
وأما قوله: (وصدوا عن السبيل)، فإن القَرَأة اختلفت في قراءته.
فقرأته عامة قَرَأة الكوفيين: (وَصُدُّوا عن السَّبِيلِ)، بضم"الصاد"، بمعنى: وصدَّهم الله عن سبيله لكفرهم به، ثم جُعلت"الصاد" مضمومة إذ لم يُسَمَّ فاعله.
* * *
وأما عامة قرأة الحجاز والبصرة، فقرأوه بفتح"الصاد"، على معنى أن المشركين هم الذين صَدُّوا الناس عن سبيل الله. (٢)
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكل واحدة منهما أئمةٌ من القرأة، متقاربتا المعنى، وذلك أن المشركين بالله كانوا مصدودين عن الإيمان به، وهم مع ذلك كانوا يعبدون غيرهم، كما وصفهم الله به بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُون أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ). [الأنفال: ٣٦]
* * *
(٢) انظر تفسير:" الصد" فيما سلف ١٥: ٢٨٥، تعليق رقم: ١، والمراجع هناك.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (٣٤) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، لهؤلاء الكفار الذين وَصَف صفَتَهم في هذه السورة، عذابٌ في الحياة الدنيا بالقتل والإسار والآفاتِ التي يُصيبهم الله بها= (ولعذاب الآخرة أشق)، يقول: ولتعذيبُ الله إياهم في الدار الآخرة أشدُّ من تعذيبه إيَّاهم في الدنيا.
"وأشقّ" إنما هو"أفعلُ" من المشقَّة.
* * *
وقوله: (وما لهم من الله من وَاقٍ)، يقول تعالى ذكره: وما لهؤلاء الكفار من أحدٍ يقيهم من عذاب الله إذا عذَّبهم، لا حَمِيمٌ ولا وليٌّ ولا نصيرٌ، لأنه جل جلاله لا يعادُّه أحدٌ فيقهره، (١) فيتخَلَّصَه من عذابه بالقهر، (٢) ولا يشفع عنده أحدٌ إلا بإذنه، وليس يأذن لأحد في الشفاعة لمن كفر به فمات على كفره قبل التَّوبة منه.
* * *
(٢) في المطبوعة:" فيخلصه"، و" تخلصه"، استنقذه.
قال أبو جعفر: اختلف أهلُ العلم بكلام العرب في مُرَافع"المثل"، (١)
فقال بعض نحويي الكوفيين: الرافع للمثل قوله: (تجري من تحتها الأنهار)، في المعنى، وقال: هو كما تقول:"حِلْيَةُ فلان، أسمرُ كذا وكذا" فليس"الأسمر" بمرفوع بالحلية، إنما هو ابتداءٌ، أي هو أسمر هو كذا. قال: ولو دخل"أنّ" في مثل هذا كان صوابًا. قال: ومِثْلُه في الكلام:"مَثَلُك أنَّك كذا وأنك كذا"، وقوله: (فَلْيَنْظَرِ الإنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا) [سورة عبس: ٢٤، ٢٥] مَنْ وجَّه، (مثلُ الجنة التي وعد المتقون فيها)، ومن قال: (أَنَّا صَبَبْنَا المَاءَ)، أظهر الاسم لأنه مردودٌ على"الطعام" بالخفض، ومستأنف، أي: طَعامُهُ أنَّا صببنا ثم فعلنا. وقال: معنى قوله: (مثل الجنة)، صفات الجنّة.
* * *
وقال بعض نحويي البصريين: معنى ذلك: صفةُ الجنة قال: ومنه قول الله تعالى: (ولَهُ الْمَثَلُ الأعْلَى) [سورة الروم: ٢٧]، معناه: ولله الصِفة العُليَا. قال: فمعنى الكلام في قوله: (مثلُ الجنة التي وعد المتقون تجرى من تحتِها الأنهار)، أو فيها أنهار، (٢) كأنه قال: وَصْف الجنة صفة تجري من تحتها الأنهار، أو صفة فيها أنهار، والله أعلم.
(٢) العبارة مبهمة، ويبدو لي أن صوابها بعد الآية:" صفة الجنة التي وعد المتقون، صفة جنة تجري من تحتها الأنهار، أو فيها أنهار".
قال: وقوله: (عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) [سورة الزمر: ٥٦]، في ذات الله، كأنه عندَنا قيل: في الله.
قال: وكذلك قوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [سورة الشورى: ١١]، إنما المعنى: ليس كشيء، وليس مثله شيء، لأنه لا مثْلَ له. قال: وليس هذا كقولك للرجل:"ليس كمثلك أحدٌ"، لأنه يجوز أن يكون له مثلٌ، والله لا يجوز ذلك عليه. قال: ومثلُه قول لَبيد:
إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلامِ عَلَيْكُمَا (١)
قال: وفُسِّر لنا أنه أراد: السلام عليكما:
قال أوس بن حجر:
وَقَتْلَى كِرَامٍ كَمِثْلِ الجُذُوعِ | تَغَشَّاهُمُ سَبَلُ مُنْهِمرْ (٢) |
زُحَلٌ وَثَوْرٌ تَحْتَ رِجْلِ يَمِينِهِ | وَالنَّسْرُ لِلأخْرَى وَلَيْثٌ مُرْصِدُ (٣) |
(٢) سيأتي البيت بعد ٢٥: ٩ (بولاق)، وروايته هناك:" مُسْبِلٌ"، وكان في المطبوعة:" سيل"، تصحيف، و" السبل"، بالتحريك، المطر.
(٣) سلف البيت: ١: ٣٤٥، وهناك" رجل وثور"، ورجحت أنها" رجل"، لما جاء في الخبر قبله رقم: ٤٤٨.
أَضَلَّ صِوَارَهُ وَتَضَيَّفَتْهُ | نَطُوفٌ أَمْرُهَا بِيَدِ الشَّمَالِ (١) |
حَتَّى إِذَا أَلْقَتْ يَدًا فِي كَافِر (٢)
فكأنه قال: حتى وَقَعت في كافر.
* * *
وقال آخر منهم: هو من المكفوف عن خبَره. (٣) قال: والعرب تفعل ذلك. قال: وله معنى آخر: (للَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى)، مَثَلُ الجنة، موصولٌ، صفةٌ لها على الكلام الأوَل. (٤)
* * *
كَأَخْنَسَ نَاشِطٍ جَادَتْ عَلَيْهِ | ببُرْقَةِ وَاحِفٍ إحْدَى اللَّيالي |
(٢) ديوانه: ٢١٦، تخريجه: ٣٩٦، ويزاد عليه ما هنا، وتمام البيت: * وأجَنَّ عَوْرَاتِ الثُّغُورِ ظَلامُهَا *
" ألقت"، يعني الشمس، ولم يجر لها ذكر قبل. و" الكافر"، الليل المظلم، يستر ما يشتمل عليه.
(٣) هذه مقالة أبي عبيدة مجاز القرآن ١: ٣٣٣، ٣٣٤.
(٤) هو أيضًا قول أبي عبيدة في مجاز القرآن ١: ٣٣٤. وقوله:" للذين استجابوا"، هي الآية ١٨ من سورة الرعد، وهذه الآية: ٣٥ منها، فلذلك قال:" على الكلام الأول".
أَرَى مَرَّ السِّنِينَ أَخَذْنَ مِنِّي | كَمَا أَخَذَ السِّرَارُ مِنَ الْهِلالِ (٢) |
وقوله: (أكلها دائمٌ وظلها)، يعني: ما يؤكل فيها، (٣) يقول: هو دائم لأهلها، لا ينقطع عنهم، ولا يزول ولا يبيد، ولكنه ثابتٌ إلى غير نهاية= (وظلها)، يقول: وظلها أيضًا دائم، لأنه لا شمس فيها. (٤)
* * *
(تلك عقبى الذين اتقَوْا)، يقول: هذه الجنة التي وصف جل ثناؤه، عاقبة الذين اتَّقَوا الله، فاجتنبوا مَعَاصيه وأدَّوْا فرائضه. (٥)
وقوله: (وعُقْبَى الكافرين النار)، يقول: وعاقبةُ الكافرين بالله النارُ.
* * *
(٢) سلف البيت ٧: ٨٦، تعليق: ١ / ١٥: ٥٦٧ وسيأتي ١٩: ٣٩ (بولاق)، ويزاد في المراجع: اللسان (خضع).
(٣) انظر تفسير" الأكل" فيما سلف من هذا الجزء: ٣٤٣، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٤) سلف" الظل" غير مبين ٨: ٤٨٩.
(٥) انظر تفسير" العاقبة" و" العقبى" فيما سلف ١٥: ٣٥٦، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والذين أنزلنا إليهم الكتاب ممَّن آمن بك واتبعك، يا محمد، (يفرحون بما أنزل إليك) منه= (ومن الأحْزاب من ينكر بعضه)، يقول: ومن أهل الملل المتحزِّبين عليك، وهم أهل أدْيان شَتَّى، (١) من ينكر بعضَ ما أنزل إليك. فقل لهم: (إنَّما أمرتُ)، أيها القوم (أن أعبد الله) وحده دون ما سواه= (ولا أشرك به)، فأجعل له شريكًا في عبادتي، فأعبدَ معه الآلهةَ والأصنامَ، بل أخلِص له الدين حَنِيفًا مسلمًا = (إليه أدعو)، يقول: إلى طاعته وإخلاص العبادة له أدعو الناسَ= (وإليه مآب)، يقول: وإليه مصيري=
* * *
=وهو"مَفْعَل"، من قول القائل:"آبَ يَؤُوب أوْبًا ومَآبًا". (٢)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٤٥٤- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك)، أولئك أصحابُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فرحوا بكتاب الله وبرسوله وصدَّقُوا به
* * *
قوله: (ومن الأحزاب من ينكر بعضه)، يعني اليهودَ والنصارى.
(٢) انظر تفسير" المآب" فيما سلف: ٤٤٤، تعليق: ١، والمراجع هناك.
٢٠٤٥٦- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
٢٠٤٥٧- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب من ينكر بعضه)، من أهل الكتاب، و"الأحزاب" أهل الكتب يقرّبهم تحزُّبهم. (١) قوله: (وَإنْ يَأْتِ الأحْزَابُ) [سورة الأحزاب: ٢٠] قال: لتحزبهم على النبي صلى الله عليه وسلم= قال ابن جريج، وقال عن مجاهد: (ينكِرُ بعضه)، قال: بعض القرآنِ.
٢٠٤٥٨- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وإليه مآب) : ، وإليه مَصِيرُ كلّ عبْدٍ.
٢٠٤٥٩- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك)، قال: هذا مَنْ آمنَ برسول الله ﷺ من أهل الكتاب فيفرحون بذلك. وقرأ: (وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ) [سورة يونس: ٤٠]. وفي قوله: (ومن الأحزاب من ينكر بعضه)، قال:"الأحزاب": الأممُ، اليهودُ والنصارى والمجوس منهم من آمنَ به، ومنهم من أنكره.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وكما أنزلنا عليك الكتاب، يا محمد، فأنكرهُ بعض الأحزاب، كذلك أيضًا أنزلنا الحكم والدين حُكْمًا عربيًا (١) وجعل ذلك (عربيًا)، ووصفه به لأنه أنزل على محمدٍ ﷺ وهو عربيٌّ، فنسب الدين إليه، إذ كان عليه أنزل، فكذَّب به الأحزابُ. ثم نهاه جل ثناؤه عن ترك ما أنزل إليه واتباع الأحزاب، وتهدَّده على ذلك إنْ فعله فقال: (ولئن اتبعت) يا محمد (أهواءهم)، أهوَاء هؤُلاء الأحزاب ورضَاهم ومحبتَهم (٢) وانتقلت من دينك إلى دينهم، ما لك من يَقيك من عَذاب الله إنْ عذّبك على اتباعك أهواءَهم، وما لك من ناصر ينصرك فيستنقذك من الله إن هو عاقبك، (٣) يقول: فاحذر أن تتّبع أهَواءهم.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (٣٨) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (ولقد أرسلنا)، يا محمد (رسلا من قبلك) إلى أمم قَدْ خَلَتْ من قبلِ أمتك، فجعلناهم بَشرًا مثلَك، لهم أزواج ينكحون،
(٢) انظر تفسير" الهوى" فيما سلف ٩: ٣٠٢ / ١١: ٣٩٧.
(٣) انظر تفسير" الولي" فيما سلف ١٣: ١٥٢، تعليق: ١، المراجع هناك.
* * *
وقد قيل: معناه: لكل كتابٍ أنزله الله من السماء أجَلٌ. *ذكر من قال ذلك:
٢٠٤٦٠- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق بن يوسف، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: (لكلّ أجل كتاب)، يقول: لكل كتاب ينزل من السماء أجل، فيمحُو الله من ذلك ما يشاءُ ويُثْبت، وعنده أمُّ الكتاب. (٥)
* * *
قال أبو جعفر: وهذا على هذا القول نظيرُ قول الله: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) [سورة ق: ١٩]، وكان أبو بكر رحمه الله يقرؤه (٦) (وَجَاءَتْ
(٢) انظر تفسير" الآية" فيما سلف من فهارس اللغة (أيي).
(٣) انظر تفسير" الإذن" فيما سلف من فهارس اللغة (أذن).
(٤) انظر تفسير" الأجل" فيما سلف ١٥: ١٠٠، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
= وتفسير" الكتاب" فيما سلف ١٤: ٩٠، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٥) الأثر: ٢٠٤٦٠ -" المثنى"، هو" المثنى بن إبراهيم الآملي"، شيخ الطبري، مضى مرارًا و" إسحاق بن يوسف"، لعله" إسحاق بن يوسف الواسطي"، الذي مضى برقم: ٣٣٣٩، ٤٢٢٤، ١٢٧٤٢.
(٦) في المطبوعة:" وكان أبو بكر رضى الله عنه يقول"، وهو فاسد.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (٣٩) ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: يمحو الله ما يشاء من أمور عبادِه، فيغيّره، إلا الشقاء والسعادة، فإنهما لا يُغَيَّران.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٤٦١- حدثنا أبو كريب قال: حدثنا بحر بن عيسى، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)، قال: يدبّر الله أمرَ العباد فيمحو ما يشاءُ، إلا الشقاء والسعادة [والحياة] والموت. (١)
و" بحر بن عيسى"، فهذا شيء لم أعرفه، ولم أجد له ذكرًا في كتاب على طول البحث، ولكني أرجح أعظم الترجيح أن صواب هذا الإسناد.
" حدثنا أبو كريب قال، حدثنا بكر، عن عيسى، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال... "
وتفسير ذلك:
" ابن أبي ليلى"، هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري"، مضى مرارًا كثيرا، و" عيسى"، هو" عيسى بن المختار بن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري"، روى عن عم جده" ابن أبي ليلى محمد بن عبد الرحمن" قال ابن سعد:" كان سمع مصنف ابن أبي ليلى"، مترجم في التهذيب، وغيره.
و" بكر"، هو" بكر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري" ويقال له:" بكر بن عبيد"، روى عن ابن عمه" عيسى بن المختار"، و" أبو كريب" روى عن" بكر بن عبد الرحمن" هذا. مترجم في التهذيب.
فمن أجل هذا السياق الصحيح في الرواية، رجحت أن الصواب" حدثنا بكر، عن عيسى، عن ابن أبي ليلى"، ولعل ذلك من مصنفه الذي رواه عنه عيسى بن المختار، والله أعلم.
وهذا الأثر، ذكره السيوطي في الدر المنثور ٤: ٦٥، ونسبه إلى عبد الرزاق، والفريابي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب مطولا، والزيادة التي بين القوسين منه، ومن تفسير ابن كثير ٤: ٥٣٦، وذكر الخبر، عن الثوري، ووكيع، وهشيم، عن ابن أبي ليلى كما سيأتي في الآثار التالية من ٢٠٤٦٣ - ٢٠٤٦٦.
٢٠٤٦٣- حدثني علي بن سهل قال: حدثنا يزيد= وحدثنا أحمد قال حدثنا أبو أحمد= عن سفيان، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس يقول: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)، قال: إلا الشقاء والسعادة، والموت والحياة.
٢٠٤٦٤- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دُكَيْن وقَبِيصة قالا حدثنا سفيان، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله.
٢٠٤٦٥- حدثنا عمرو بن علي قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قوله: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)، قال: قال ابن عباس: إلا الحياة والموت، والشقاء والسعادة.
و" ابن أبي ليلى" هو" محمد بن عبد الرحمن"، سلف في الأثر قبله.
وقد وضعت نقطًا بين الرجلين، لأنه هكذا إسناد باطل لا يقوم، لأن ابن أبي ليلى توفي سنة ١٤٨، و" ابن بشار" ولد سنة ١٦٧، وتوفي سنة ٢٥٢، فهذا قاطع في سقوط شيء من الإسناد، وظني أن صوابه:
" حدثنا ابن بشار، قال حدثنا وكيع، عن سفيان الثوري، عن ابن أبي ليلى"، لأن الخبرين بعده من طريق سفيان، عن ابن أبي ليلى، و" محمد بن بشار"، إنما يروي عن وكيع، وكيع يروي عن سفيان، والله أعلم.
٢٠٤٦٧- حدثنا عمرو بن علي قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد في قوله: (يمحو الله ما يشاء ويثبت)، قال: إلا الحياة والموت والسعادة والشقاوة فإنَّهما لا يتغيَّران.
٢٠٤٦٨- حدثنا عمرو قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا معاذ بن عقبة، عن منصور، عن مجاهد. مثله. (١)
٢٠٤٦٩- حدثنا ابن بشار قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
٢٠٤٧٠-... قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان، عن منصور قال: قلت لمجاهد إن كنت كتبتني سعيدًا فأثبتني، وإن كنت كتَبتَني شقيًّا فامحني"= قال: الشقاء والسعادة قد فُرغ منهما. (٢)
٢٠٤٧١- حدثنا أحمد قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد= قال، حدثنا سعيد بن سليمان قال: حدثنا شريك، عن منصور، عن مجاهد: (يمحو الله ما يشاء ويثبت)، قال: ينزل الله كل شيء في السَّنَة في ليلة القَدر، فيمحو ما يشاءُ من الآجال والأرزاق والمقادير، إلا الشقاء والسعادة، فإنهما ثابتان. (٣)
(٢) الأثر: ٢٠٤٧٠ -" إن كنت كتبتني سعيدًا... " إشارة إلى حديث عبد الله بن مسعود في الدعاء، كما سيأتي في الآثار التالية إلى آخر تفسير الآية. والنقط هنا دلالة على أن الحديث عن" ابن بشار" شيخ الطبري، كالذي قبله.
(٣) الأثر: ٢٠٤٧١ -" أحمد" هو" أحمد بن إسحاق بن عيسى الأهوازي"، شيخ أبي جعفر، سلف مرارًا، انظر رقم: ١٥٩، ١٨٤١.
و" أبو أحمد"، هو" محمد بن عبد الله بن الزبير، الزبيري"، مضى أيضًا، وانظر رقم: ١٥٩، ١٨٤١.
ثم انظر الإسناد السالف رقم ٢٠٤٦٣، ٢٠٤٧٠ والإسناد الثاني في هذا الخبر، تفسيره:
" سعيد بن سليمان الضبي"،" سعدويه"، مضى مرارًا كثيرة، آخرها رقم: ١٨٥١١، والراوي عنه:" أحمد بن إسحاق"، شيخ الطبري. وكان في المطبوعة" بن سليمان"، وهو خطأ.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: أنّ الله يمحو ما يشاء ويثبت من كتابٍ سوى أمّ الكتاب الذي لا يُغَيَّرُ منه شيء.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٤٧٣- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال: حدثنا حماد، عن سليمان التَّيمي، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)، قال: كتابان: كتابٌ يمحو منه ما يشاء ويثبت، وعنده أمّ الكتاب.
٢٠٤٧٤- حدثنا عمرو بن علي قال: حدثنا سهل بن يوسف قال: حدثنا سليمان التيمي، عن عكرمة، في قوله: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)،
٢٠٤٧٥-... قال: حدثنا أبو عامر قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن سليمان التيمي، عن عكرمة، عن ابن عباس بمثله.
٢٠٤٧٥م- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن عكرمة قال: الكتاب كتابان، (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب).
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك أنه يمحو كل ما يشاء، ويثبت كل ما أراد.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٤٧٦- حدثنا أبو كريب قال: حدثنا عثام، عن الأعمش، عن شقيق أنه كان يقول:"اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء، فامحنَا واكتبنا سعداء، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا، فإنك تمحو ما تشاءُ وتثبت وعندَك أمّ الكتاب".
٢٠٤٧٧- حدثنا عمرو قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا الأعمش، عن أبي وائل قال: كان مما يكثر أن يدعو بهؤلاء الكلمات:"اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء فامحنا واكتبنا سعداء، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب". (١)
٢٠٤٧٨-... قال، حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثنا أبي، عن أبي حكيمة، عن أبي عثمان النَّهْديّ، أن عمر بن الخطاب قال وهو يطوف بالبيت ويبكي: اللهم إن كنت كتبت علي شِقْوة أو ذنبًا فامحه، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت. وعندك أم الكتاب، فاجعله سعادةً ومغفرةً. (٢)
(٢) الأثر: ٢٠٤٧٨ -" معاذ بن هشام" هو الدستوائي، روى عنه الجماعة، مضى مرارًا منها: ٤٥٢٣، ٥٥٥٢، ٦٣٢١.
وأبوه" هشام بن أبي عبد الله، سنبر"" أبو بكر الربعي"، من بكر بن وائل، ثقة مترجم في التهذيب، والكبير للبخاري ٤ / ٢ / ١٩٨، وابن أبي حاتم ٤ / ٢ / ٥٩.
و" أبو حكيمة"، اسمه" عصمة"، ويقال" الغزال"، روى عن أبي عثمان النهدي، وروى عنه" قرة" و" سلام بن مسكين"، و" الضحاك بن يسار"، و" حماد بن سلمة"
و" سليمان بن طرخان التيمي". قال أبو حاتم:" محله الصدق"، وذكره أحمد في كتاب العلل ١: ١٨ وقال:" أبو حكيمة"، عصمة، روى عنه قرة، و" أظن التيمي يحدث عنه"، وانظر التعليق على الخبر التالي، وهو مترجم في الكبير للبخاري ٤ / ١ / ٦٣، والصغير له: ١٤٠، وابن أبي حاتم ٣ / ٢ / ٣٠.
و" أبو عثمان النهدي"، هو" عبد الرحمن بن مل"، أدرك الجاهلية، وأسلم على عهد رسول الله ولم يلقه، مضى مرارًا كثيرة آخرها: ١٧١٥١.
وبهذا الإسناد نقله ابن كثير في تفسيره ٤: ٥٣٦، وزاد في إسناده فقال:" عن أبي حكيمة عصمة". وخرجه السيوطي في الدر المنثور ٤: ٦٦، ونسبه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.
ثم انظر التعليق على الآثار التالية.
٢٠٤٨٠-... قال، حدثنا أبو عامر قال، حدثنا قرة بن خالد، عن عصمة أبي حكيمة، عن أبي عثمان النهدي، عن عمر رحمه الله، مثله. (٢)
٢٠٤٨١- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد قال، حدثنا أبو حكيمة قال: سمعت أبَا عُثْمان النَّهدي قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول، وهو يطوف بالكعبة: اللهم إن كنت كتبتَني في أهل السعادة فأثبتني فيها، وإن كنت كتبت عليَّ الذّنب والشِّقوة فامحُني وأثبتني في أهل السّعادة، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أمّ الكتاب. (٣)
وأبوه هو" سليمان بن طرخان التيمي"،" أبو المعتمر"، ثقة روى له الجماعة، مضى مرارًا كثيرة منها رقم: ٦٨٢٠
وهذا الإسناد مصداق ظن أحمد رضي الله عنه حيث قال:" وأظن التيمي يحدث عنه"، كما سلف في تفسير الإسناد السالف.
(٢) الأثر: ٢٠٤٨٠ -" قرة بن خالد السدوسي"، ثقة، روى له الجماعة، مضى مرارًا كثيرة، وانظر رقم: ٩٧٦٢.
وكان في المطبوعة:" عصمة بن أبي حكيمة"، غير ما في المخطوطة، وكان فيها:" عصمة بن حكيمة"، وكلاهما خطأ، كما دل عليه ما أسلفنا في التعليق على الأثر: ٢٠٤٧٨.
ومن طريق" قرة، عن عصمة"، رواه البخاري في الكبير ٤ / ١ / ٦٣،" عن عبد الله، حدثنا أبو عامر قال حدثنا قرة" ولفظه:" اللهم إن كنت كتبت علي ذنبًا أو إثمًا أو ضغنًا، فاغفره لي، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب".
ورواه الدولابي في الكني والأسماء ١: ١٥٥، قال: حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا حماد بن مسعدة قال حدثنا قرة"، ولم يقل:" أو ضغنًا"، وقال:" فاغفر لي، وامحه هني، فإنك... ".
(٣) الأثر: ٢٠٤٨١ -" المثنى" هو" المثنى بن إبراهيم الآملي"، شيخ الطبري، مضى مرارًا.
و" الحجاج" هو" حجاج بن النهال الأنماطي"، من شيوخ البخاري، روى له الجماعة، مضى مرارًا كثيرة، انظر رقم: ٦٨٢.
و" حماد" هو" حماد بن سلمة بن دينار"، مضى مرارًا كثيرة، انظر: ٢٠٣٤٢.
٢٠٤٨٣- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)، يقول: هو الرجل يعمل الزمانَ بطاعة الله، ثم يعود لمعصية الله، فيموت على ضلاله، فهو الذي يمحو= والذي يثبتُ: الرجلُ يعمل بمعصية الله، وقد كان سبق له خير حتى يموت، وهو في طاعة الله، فهو الذي يثبت. (٢)
٢٠٤٨٤- حدثنا أحمد قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا شريك، عن هلال بن حميد، عن عبد الله بن عُكَيْم، عن عبد الله، أنه كان يقول: اللهم إن كُنْت كتبتني في السعداء فأثبتني في السعداء، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أم الكتاب. (٣)
(٢) الأثر: ٢٠٤٨٣ - خرجه السيوطي في الدر المنثور ٤: ٦٥، وزاد في نسبته إلى ابن أبي حاتم. وفي المخطوطة مكان" فيموت على ضلاله"،" فيعود على ضلاله".
(٣) الأثر: ٢٠٤٨٤ -" هلال بن حميد" و" هلال بن أبي حميد" ويقال:" ابن عبد الله"، و" ابن عبد الرحمن"، و" ابن مقلاص"، الجهني، ويقال له:" هلال الوزان" قال البخاري:" قال وكيع مرة: هلال بن حميد، ومرة: هلال بن عبد الله، ولا يصح".
وانظر العلل لأحمد ١: ١٠٦، ٢١١. وقال ابن أبي حاتم" هلال بن أبي حميد الوزان، أبو جهم الصيرفي. ويقال أبو أمية، وهو: هلال بن مقلاص الجهبذ، مولى جهينة"، وبنحوه قال ابن سعد.
و" هلال" ثقة مترجم في التهذيب والكبير ٤ / ٢ / ٢٠٧، وابن أبي حاتم ٤ / ٢ / ٧٥، وابن سعد في الطبقات ٦: ٢٢٧.
و" عبد الله بن عكيم الجهني"،" أبو معبد"، كان كبيرًا قد أدرك الجاهلية، وأدرك زمان النبي ﷺ ولكن لا يعرف له سماع صحيح، مترجم في التهذيب، والكبير ٣ / ١ / ٣٩، وابن أبي حاتم ٢ / ٢ / ١٢١، وابن سعد في الطبقات ٦: ٧٧.
وكان في المطبوعة" عبد الله بن حكيم"، وفي تفسير ابن كثير ٤: ٥٣٦،" عبد الله ابن عليم"، وكلاهما خطأ.
وهذا الأثر، أشار إليه ابن كثير في تفسير ٤: ٥٣٦، وخرجه السيوطي في الدر المنثور ٤: ٦٧، وزاد في نسبته إلى ابن المنذر والطبراني، وساقه وهو الأثر السالف: ٢٠٤٨٢، سياقًا واحدًا، مع اختلاف في اللفظ.
٢٠٤٨٦- حدثت من الحسين قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (لكل أجل كتاب)، الآية يقول: (يمحو الله ما يشاء)، يقول: أنسخُ ما شئت، وأصْنعُ من الأفعال ما شئت، إن شئتُ زدتُ فيها، وإن شئت نقصت.
٢٠٤٨٧- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا عفان قال: حدثنا همام قال: حدثنا الكلبي قال: (يمحو الله ما يشاء ويثبت)، قال: يَمْحي من الرزق ويزيد فيه، ويمحي من الأجل ويزيد فيه. (٢) قلت: من حدّثك! قال: أبو صالح، عن جابر بن عبد الله بن رئاب الأنصاري، عن النبي صلى الله عليه
و" حماد" هو" حماد بن سلمة"، مضى مرارًا. وفي تفسير ابن كثير ٤: ٥٣٧، روى هذا الخبر، وفيه هناك" خصاف"، ولكني أرجح أنه" حماد"، كما في المخطوطة أيضًا
و" خصاف"، هو" خصاف بن عبد الرحمن الجزري"، ليس بذاك، مترجم في لسان الميزان ٢: ٣٩٧، وابن أبي حاتم ١ / ٢ / ٤٠٤.
و" أبو حمزة"، هو" ميمون الأعور التمار الراعي، الكوفي، هو صاحب إبراهيم النخعي، ضعيف جدًا ذاهب الحديث، قال العقيلي:" وأحاديثه عن إبراهيم خاصة مما لا يتابع عليه". قد سلف برقم: ٦١٩٠، ١١٨١٠، وانظر الكني للدولابي ١: ١٥٧.
و" إبراهيم"، هو" إبراهيم بن يزيد النخعي"، مضى مرارًا.
وهذا إسناد واه جدًا، والعجب من السيد رشيد رضا في تعليقه على تفسير ابن كثير (٤: ٥٣٧) حيث يقول:" من الغريب أن تبلغ الجرأة بكعب إلى هذا الحد الباطل شرعًا وعقلا. ثم يعتدون بدينه وعلمه ويردون عنه، والغريب هو تحامله على كعب الأحبار قبل التثبت من إسناد الخبر، وما ذنب كعب إذا ابتلاه بذلك مثل" أبي حمزة الأعور"؟ ولكن هكذا ديدن الشيخ، إذا جاء ذكر كعب الأحبار، يتهمه بلا بينة.
وخرج هذا الأثر السيوطي في الدر المنثور ٤: ٦٧، ولم ينسبه إلى غير ابن جرير.
(٢) هكذا جاء في المخطوطة،" يمحى" أيضًا، وهو صواب" محا الشيء يمحوه، ويمحاه محوًا ومحيًا"، والذي في المراجع الأخرى:" يمحو". وانظر ما سيأتي: ٤٩٢ تعليق: ١.
٢٠٤٨٨- حدثنا الحسن قال: حدثنا عبد الوهاب قال: سمعت الكلبي، عن أبي صالح نحوه، ولم يجاوز أبا صالح.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنّ الله ينسخ ما يشاء من أحكام كِتَابه، ويثبت ما يشاء منها فلا ينسَخُه.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٤٨٩- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (يمحو الله ما يشاء)، قال: من القرآن. يقول: يبدل الله ما يشاء فينسخه، ويثبت ما يشاء فلا يبدله= (وعنده أم الكتاب)، يقول: وجملة ذلك عنده في أمّ الكتاب، الناسخ والمنسوخ، وما يبدل وما يثبت، كلُّ ذلك في كتاب. (٢)
٢٠٤٩٠- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (يمحو الله ما يشاء ويثبت)، هي مثل قوله: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ
وهذا الخبر أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبير مختصرًا ٣ / ٢ / ١١٤، وخرجه السيوطي في الدر المنثور ٤: ٦٦، وزاد نسبته إلى ابن مردويه، ونقله ابن كثير في تفسيره ٤: ٥٣٧. وانظر الإسناد التالي. وكان في المطبوعة وابن كثير:" ونحو ذلك من الكلام".
(٢) الأثر: ٢٠٤٨٩ - خرجه السيوطي في الدر المنثور ٤: ٦٧، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في المدخل. ونقله ابن كثير في تفسيره ٤: ٥٣٨.
٢٠٤٩١- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (يمحو الله ما يشاء ويثبت) ما يشاء، وهو الحكيم= (وعنده أمّ الكتاب)، وأصله.
٢٠٤٩٢- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: (يمحو الله ما يشاء)، بما ينزل على الأنبياء، (ويثبت) ما يشاء مما ينزل على الأنبياء، قال: (وعنده أم الكتاب)، لا يغيَّر ولا يبدَّل.
٢٠٤٩٣- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج قال: قال ابن جريج: (يمحو الله ما يشاء)، قال: ينسخ. قال: (وعند أم الكتاب)، قال: الذِكْرُ.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك أنه يمحو من قد حان أجله، ويثبت من لم يجئ أجله إلى أجله.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٤٩٤- حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن عوف، عن الحسن في قوله: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)، يقول: يمحو من جاء أجله فذهب، والمثبت الذي هو حيٌّ يجري إلى أجله.
٢٠٤٩٥- حدثنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا عوف قال: سمعت الحسن يقول: (يمحو الله ما يشاء)، قال: من جاء أجله= (ويثبت)، قال: من لم يجئ أجله إلى أجله.
٢٠٤٩٦- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا هوذة قال: حدثنا عوف، عن الحسن، نحو حديث ابن بشار.
٢٠٤٩٨-... قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قول الله: (يمحو الله ما يشاء ويثبت)، قالت قريش حين أنزل: (وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللهِ) [سورة الرعد: ٣٨] : ما نراك، يا محمد تملك من شيء، ولقد فُرِغ من الأمر! فأنزلت هذه الآية تخويفًا ووعيدًا لهم: إنا إن شئنا أحدَثْنا له من أمرنا ما شئنا، ونُحْدِث في كل رمضان، فنمحو ونثبتُ ما نشاء من أرزاق الناس وَمصَائبهم، وما نعطيهم، وما نقسم لهم. (١)
٢٠٤٩٩- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد نحوه.
٢٠٥٠٠- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: ويغفر ما يشاء من ذنوب عباده، ويترك ما يشاء فلا يغفر.
* * *
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٥٠١- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد في قوله (يمحو الله ما يشاء ويثبت)، قال: يثبت في البطن الشَّقاء والسعادة وكلَّ شيء، فيغفر منه ما يشاء ويُؤخّر ما يشاء. (٢)
* * *
(٢) الأثر: ٢٠٥٠١ - خرجه السيوطي في الدر المنثور ٤: ٦٨، ولم ينسبه لغير ابن جرير، ولفظه عنده:"... وكل شيء هو كائن، فيقدم منه ما يشاء... "، وهذا أجود مما في مخطوطتنا.
وبهذا المعنى جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك ما:-
٢٠٥٠٢- حدثني محمد بن سهل بن عسكر قال: حدثنا ابن أبي مريم قال: حدثنا الليث بن سعد، عن زيادة بن محمد، عن محمد بن كعب القُرَظي، عن فَضالة بن عُبَيْد، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله يَفتح الذِّكر في ثلاث ساعات يَبْقَيْن من الليل، في الساعة أولى منهن ينظر في الكتاب الذي لا ينظُرُ فيه أحد غَيره، فيمحو ما يشاء ويثبتُ. ثم ذكر ما في الساعتين الأخريين. (٢)
(٢) (الأثر: ٢٠٥٠٢ -" محمد بن سهل بن عسكر"، شيخ الطبري، مضى مرارًا، انظر ٥٥٩٨، ٥٦٦٤، ٥٩١١.
و"ابن أبي مريم"، هو" سعيد بن أبي مريم"، وهو" سعيد بن الحكم"، ثقة روى له الجماعة، مضى مرارًا آخرها رقم: ١٨٤٠٤.
و" زيادة بن محمد الأنصاري"، منكر الحديث مضى برقم: ١٦٩٤٣، ١٦٩٤٤.
وسلف هذا الأثر مطولا برقم: ١٦٩٤٣، وسلف تخريجه وشرح إسناده، وهو الخبر الذي أشار إليه البخاري في الكبير، وقال" منكر الحديث". ويزاد في تخريجه: السيوطي في الدر المنثور ٤: ٦٥، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم، وابن مردويه، والطبراني ونقله ابن كثير في تفسيره ٤: ٥٣٧. ثم انظر الخبر التالي والتعليق عليه.
٢٠٥٠٤- حدثني محمد بن سهل بن عسكر قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: إن لله لوحًا محفوظًا مسيرةَ خمسمِئة عام، من دُرَّة بيضاء لَها دَفَّتَان من ياقوت، والدَّفتان لَوْحان لله، كل يوم ثلاثمئة وستون لحظةً، يمحو ما يشَاء ويثبت وعنده أم الكتاب. (٢)
٢٠٥٠٥- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور قال: حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه قال: حدثني رجل، عن أبيه، عن قيس بن عباد، أنه قال: العاشر من رجب هو يوم يمحو الله فيه ما يشاء. (٣)
* * *
و" آدم"، هو" آدم بن أبي إياس".
وهذه طريق أخرى للخبر السالف، فهو منكر كمثله.
(٢) الأثر: ٢٠٥٠٤ - خرجه السيوطي في الدر المنثور ٤: ٦٥، ولم ينسبه لغير ابن جرير، ونقله ابن كثير في تفسيره ٤: ٥٣٧.
(٣) الأثر: ٢٠٥٠٥ - خرجه السيوطي في الدر المنثور ٤: ٦٦، ولم ينسبه إلى غير ابن جرير، ثم ذكر بعده خبرًا مطولا عن قيس بن عباد، ونسبه إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب.
قال أبو جعفر: اختلفَ أهل التأويل في تأويل قوله: (وعنده أم الكتاب)، فقال بعضهم: معناه: وعنده الحلال والحرام.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٥٠٦- حدثني المثنى قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا محمد بن عقبة قال، حدثنا مالك بن دينار قال: سألت الحسن: قلت: (أمُّ الكتاب)، قال: الحلال والحرام قال: قلت له: فما (الحمد لله رب العالمين) قال: هذه أمُّ القرآن.
* * *
وقال آخرون: معناه: وعنده جملة الكتاب وأصله.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٥٠٧- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وعنده أم الكتاب)، قال: جملة الكتاب وأصله.
٢٠٥٠٨- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.
٢٠٥٠٩- حدثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وعنده أم الكتاب)، قال: كتابٌ عند رب العالمين.
٢٠٥١٠- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق بن يوسف، عن جويبر عن الضحاك: (وعنده أم الكتاب)، قال: جملة الكتاب وعلمه. يعني بذلك ما يَنْسَخ منه وما يُثْبت.
* * *
وقال آخرون في ذلك، ما:
٢٠٥١٢- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن سيَّار، عن ابن عباس، أنه سأل كعبًا عن"أم الكتاب" قال: علم الله ما هو خَالقٌ وما خَلْقُه عاملون، فقال لعلمه: كُنْ كتابًا، فكان كتابًا. (١)
* * *
وقال آخرون: هو الذكر.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٥١٣- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج= قال أبو جعفر: لا أدري فيه ابن جريج أم لا = قال: قال ابن عباس: (وعنده أم الكتاب) قال: الذكر.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قولُ من قال:"وعنده أصل الكتاب وجملته، وذلك أنه تعالى ذكره أخبر أنه يمحُو ما يشاء ويثبت
وهو مترجم في التهذيب، والكبير للبخاري ٢ / ٢ / ١٦١، وابن أبي حاتم ٢ / ١ / ٢٥٤، ولم يذكرا فيه جرحًا.
وكان في المطبوعة وحدها:" شيبان".
والخبر خرجه السيوطي في الدر المنثور ٤: ٦٨، وزاد نسبته إلى عبد الرزاق، ونقله ابن كثير في تفسيره ٤: ٥٣٨، وفي جميعها" سيار"، وهو الصواب.
* * *
قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة قوله: (ويثبت) فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة والكوفة:"وَيُثَبِّتُ" بتشديد"الباء" بمعنى: ويتركه ويقرُّه على حاله، فلا يمحوه.
* * *
وقرأه بعض المكيين وبعض البصريين وبعض الكوفيين: (وَيُثْبِتُ) بالتخفيف، بمعنى: يكتب.
* * *
وقد بيَّنَّا قبلُ أن معنى ذلك عندنا: إقرارُه مكتوبًا وتركُ محْوه على ما قد بيَّنَّا، فإذا كان ذلك كذلك فالتثبيتُ به أولى، والتشديدُ أصْوبُ من التخفيف، وإن كان التخفيف قد يحتمل توجيهه في المعنى إلى التشديد، والتشديد إلى التخفيف، لتقارب معنييهما.
* * *
وأما"المحو"، فإن للعرب فيه لغتين: فأما مُضَر فإنها تقول:"محوت الكتَابَ أمحُوه مَحْوًا" وبه التنزيل="ومحوته أمْحَاه مَحْوًا".
وذُكِر عن بعض قبائل ربيعة: أنها تقول:"مَحَيْتُ أمْحَى". (١)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإما نرينك، يا محمد في حياتك بعضَ الذي نعدُ هؤلاء المشركين بالله من العقاب على كفرهم= أو نتوفيَنَّكَ قبل أن نُريَك ذلك، فإنما عليك أن تنتهِيَ إلى طاعة ربك فيما أمرك به من تبليغهم رسالتَه، لا طلبَ صلاحِهم ولا فسادهِم، وعلينا محاسبتهم، فمجازاتهم بأعمالهم، إن خيرًا فخيرٌ وإن شرًّا فشرٌّ. (١)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٤١) ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهلُ التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معناه: أولم ير هؤلاء المشركون مِنْ أهل مكة الذين يسألون محمدًا الآيات، أنا نأتي الأرض فنفتَحُها له أرضًا بعد أرض حَوَالَيْ أرضهم؟ أفلا يخافون أن نفتح لَهُ أرضَهم كما فتحنا له غيرها؟
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٥١٤- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا محمد بن الصباح قال: حدثنا هشيم، عن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: (أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها)، قال: أولم يروا أنا نفتح لمحمد الأرض بعد الأرض؟ (٢)
(٢) الأثر: ٢٠٥١٤ -" الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني"، شيخ الطبري، مضى مرارًا، آخرها قريبًا رقم: ٢٠٤١١.
و"محمد بن الصباح الدولابي"، أبو جعفر البزاز البغدادي، ثقة روى له الجماعة، مترجم في التهذيب، والكبير ١ / ١ / ١١٨، وابن أبي حاتم ٣ / ٢ / ٢٨٩، وتاريخ بغداد ٥: ٣٦٥.
٢٠٥١٦- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك قال: ما تغلَّبتَ عليه من أرضِ العدوّ.
٢٠٥١٧- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال: كان الحسن يقول في قوله: (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها)، هو ظهور المسلمين على المشركين. (١)
٢٠٥١٨- حدثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذ قال: حدثنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها)، يعنى أن نبي الله ﷺ كان يُنْتَقَصُ له ما حوله من الأرَضِين، ينظرون إلى ذلك فلا يعتبرون قال الله في"سورة الأنبياء": (نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ) [سورة الأنبياء: ٤٤]، بل نبي الله ﷺ وأصحابه هم الغالبون.
* * *
وقال آخرون: بل معناه: أولم يروا أنا نأتي الأرض فنخرِّبها، أو لا يَخَافون أن نفعل بهم وبأرضهم مثل ذلك فنهلكهم ونخرِّب أرضهم؟
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٥١٩- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا علي بن عاصم، عن حصين بن عبد الرحمن، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: (أنا نأتي الأرض ننقصها
٢٠٥٢٠-... قال: حدثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج، عن الأعرج، أنه سمع مجاهدًا يقول: (نأتي الأرض ننقصها من أطرافها)، قال: خرابُها.
٢٠٥٢١- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن الأعرج، عن مجاهد مثله= قال: وقال ابن جريج: خرابُها وهلاك الناس.
٢٠٥٢٢- حدثنا أحمد قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي جعفر الفرَّاء، عن عكرمة قوله: (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها)، قال: نخرِّب من أطرافها. (٢)
* * *
وقال آخرون: بل معناه: ننقص من بَرَكتها وثَمرتها وأهلِها بالموت.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٥٢٣- حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (ننقصها من أطرافها) يقول: نقصان أهلِها وبركتها.
٢٠٥٢٤- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: (ننقصها من أطرافها)، قال: في الأنفس وفي الثمرات، وفي خراب الأرض.
و" حصين بن عبد الرحمن السلمي"، مضى مرارًا كثيرة، آخرها رقم: ١٧٢٣٧.
(٢) الأثر: ٢٠٥٢٢ -" أبو جعفر الفراء"، كوفي، مختلف في اسمه قيل" كسيان"، وقيل" سلمان"، وقيل" زيادة"، ذكره ابن حبان في الثقات. مترجم في التهذيب، والكبير للبخاري ٤ / ١ / ٢٣٤، وابن أبي حاتم ٣ /٢ / ١٦٦، وابن سعد في طبقاته ٦: ٢٣٠، والكنى والأسماء للدولابي ١: ١٣٤، ١٣٥، وفي التاريخ الكبير، وفي إحدى نسخ ابن أبي حاتم" القراد" بالقاف والدال، وهذا مشكل، والأرجح" الفراء". وانظر العلل لأحمد ١: ١٠٤، ٣٦٠، خبر له هناك. ، وفيه" الفراء" أيضًا.
* * *
وقال آخرون: معناه: أنا نأتي الأرض ننقصها من أهلها، فنتطرَّفهم بأخذهم بالموت. (٢)
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٥٢٦- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ننقصها من أطرافها)، قال: موت أهلها.
٢٠٥٢٧- حدثنا ابن بشار قال: حدثنا يحيى، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها)، قال: الموت. (٣)
٢٠٥٢٨- حدثني المثنى قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا هارون النحوي قال: حدثنا الزبير بن الخِرِّيت عن عكرمة، في قوله: (ننقصها من أطرافها)، قال: هو الموت. ثم قال: لو كانت الأرض تنقص لم نجد مكانًا نجلسُ فيه. (٤)
٢٠٥٢٩- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (نأتي الأرض ننقصها من أطرافها)، قال: كان عكرمة يقول: هو قَبْضُ الناس.
(٢) يعني بقولهم:"نتطرفهم"، أي نأخذ من أطرافهم ونواحيهم، وهو عربي جيد.
(٣) الأثر: ٢٠٥٢٧ -" يحيى، هو" يحيى بن سعيد القطان"، مضى مرارًا.
و" سفيان"، هو الثوري، مضى مرارًا.
(٤) الأثر: ٢٠٥٢٨ -" هارون النحوي"، هو" هارون بن موسى النحوي"، سلف مرارا.
و"الزبير بن الخريت"، سلف قريبًا رقم: ٢٠٤١٠، وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا وهناك:" الزبير بن الحارث"، وهو خطأ.
٢٠٥٣١- حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا جرير بن حازم، عن يعلى بن حكيم، عن عكرمة في قوله: (أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها)، قال: لو كان كما يقولون لما وجَد أحدكم جُبًّا يخرَأ فيه.
٢٠٥٣٢- حدثنا الفضل بن الصباح قال: حدثنا إسماعيل بن علية، عن أبي رجاء قال: سئل عكرمة وأنا أسمع عن هذه الآية: (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها)، قال: الموت.
* * *
وقال آخرون: (ننقُصها من أطرافها) بذهاب فُقَهائها وخِيارها.
*ذكر من قال ذلك:
٢٠٥٣٣- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا طلحة بن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس قال: ذهابُ علمائها وفقهائِها وخيار أهلِها. (١)
٢٠٥٣٤- قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا عبد الوهاب، عن مجاهد قال: موتُ العلماء.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب قولُ من قال: (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها)، بظهور المسلمين من أصحاب محمد ﷺ عليها وقَهْرِهم أهلها، أفلا يعتبرون بذلك فيخافون ظُهورَهم
* * *
وأما قوله: (والله يحكُم لا مُعَقّب لحكمه)، يقول: والله هو الذي يحكم فيَنْفُذُ حكمُه، ويَقْضي فيَمْضِي قضاؤه، وإذا جاء هؤلاء المشركين بالله من أهل مكة حُكْم الله وقضاؤُه لم يستطيعوا رَدَّهَ. ويعني بقوله: (لا معقّب لحكمه) : لا راد لحكمه،
* * *
"والمعقب"، في كلام العرب، هو الذي يكرُّ على الشيء. (٢)
* * *
وقوله: (وهو سريع الحساب)، يقول: والله سريع الحساب يُحْصي أعمال هؤلاء المشركين، لا يخفى عليه شيء، وهو من وراءِ جزائهم عليها. (٣)
(٢) انظر تفسير مادة (عقب) فيما سلف من فهارس اللغة. ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٣٣٤.
(٣) انظر تفسير" سريع الحساب" فيما سلف من فهارس اللغة.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قد مكر الذين من قَبْل هؤلاء المشركين من قُرَيشٍ من الأمم التي سلفت بأنبياء الله ورُسله (فلله المكر جميعًا)، يقول: فلله أسبابُ المكر جميعًا، وبيده وإليه، لا يضرُّ مكرُ من مَكَر منهم أحدًا إلا من أراد ضرَّه به، يقول: فلم يضرَّ الماكرون بمكرهم إلا من شاء الله أن يضرَّه ذلك، وإنما ضرُّوا به أنفسهم لأنهم أسخطوا ربَّهم بذلك على أنفسهم حتى أهلكهم، ونجَّى رُسُلَه: يقول: فكذلك هؤلاء المشركون من قريش يمكرون بك، يا محمد، والله منَجّيك من مكرهم، ومُلْحِقٌ ضُرَّ مكرهم بهم دونك. (١)
وقوله: (يعلم ما تكسب كلّ نفس)، يقول: يعلم ربك، يا محمد ما يعمل هؤلاء المشركون من قومك، وما يسعون فيه من المكر بك، ويعلم جميعَ أعمال الخلق كلهم، لا يخفى عليه شيء منها (٢) = (وسيعلَم الكفار لمن عقبى الدار)، يقول: وسيعلمون إذا قَدموا على ربهم يوم القيامة لمن عاقبة الدار الآخرة حين يدخلون النار، ويدخلُ المؤمنون بالله ورسوله الجَنَّة. (٣)
* * *
قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة ذلك:
فقرأته قرأة المدينة وبعضُ البَصْرة:"وَسَيَعْلَمُ الكَافِرُ" على التوحيد. (٤)
* * *
(٢) انظر تفسير" الكسب" فيما سلف من فهارس اللغة.
(٣) انظر تفسير" العقبى" فيما سلف قريبًا: ٤٧٢، تعليق: ٥، والمراجع هناك.
(٤) في المطبوعة:" بعض أهل البصرة"، زاد في الكلام ما يستقيم بإسقاطه وبإثباته.
* * *
قال أبو جعفر: والصوابُ من القراءة في ذلك، القراءةُ على الجميع: (وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ) لأن الخبر جرى قبل ذلك عن جماعتهم، وأتبع بعَده الخبر عنهم، وذلك قوله: (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) وبعده قوله: (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلا). وقد ذُكر أنها في قراءة ابن مسعود:"وَسَيَعْلَمُ الكَافِرُونَ"، وفى قراءة أبيّ:" (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) " وذلك كله دليلٌ على صحة ما اخترنا من القراءة في ذلك.
* * *
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره ويقول الذين كفروا بالله من قومك يا محمد لست مرسلا! تكذيبا منهم لك، وجحودًا لنبوّتك، (١) فقل لهم إذا قالوا ذلك: (كفى بالله)، يقول: قل حَسْبي الله (٢) (شهيدًا)، يعني شاهدًا (٣) = (بيني وبينكم)، عليّ وعليكم، بصدقي وكذبكم= (ومن عنده علمُ الكتاب)
* * *
فـ"مَنْ" إذا قرئ كذلك في موضع خفضٍ عطفًا به على اسم الله،
(٢) انظر تفسير" كفى" فيما سلف ٨: ٤٢٩.
(٣) انظر تفسير" الشهيد" فيما سلف من فهارس اللغة.
*ذكر الرواية بذلك:
٢٠٥٣٥- حدثني علي بن سعيد الكنْدي قال: حدثنا أبو مُحيَّاة يحيى بن يعلى، عن عبد الملك بن عمير، عن ابن أخي عبد الله بن سلام قال: قال عبد الله بن سَلام: نزلت فيَّ: (كفى بالله شهيدًا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب). (٢)
٢٠٥٣٦- حدثنا الحسين بن علي الصُّدائي قال: حدثنا أبو داود الطيالسي قال، حدثنا شعيب بن صفوان قال: حدثنا عبد الملك بن عمير، أن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام قال: قال عبد الله بن سلام: أنزل فيّ: (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ). (٣)
(٢) الأثر: ٢٠٥٣٥ -" علي بن سعيد بن مسروق الكندي"، شيخ الطبري، ثقة، مضى برقم: ١١٨٤، ٢٧٨٤، ١١٢٣٣، ومواضع أخرى كثيرة.
و" يحيى بن يعلي بن حرملة التيمي"،" وأبو محياة"، ثقة، مضى برقم: ١٤٤٦٢. وفي المطبوعة:" أبو المحياة".
و" عبد الملك بن عمير بن سويد بن حارثة القرشي"، أو" اللخمي"، روى له الجماعة سلف برقم: ٤١٠٨، ١٢٥٧٣، ١٨٦٧٨. ويزاد في ترجمته: الكبير للبخاري ٣ / ١ / ٤٢٦.
و" ابن أخي عبد الله بن سلام"، لا يعرف اسمه، ترجم له ابن أبي حاتم ٤ / ٢ / ٣٢٥ وقال:" روى عن عبد الله بن سلام، روى عنه عبد الملك بن عمير، سمعت أبي يقول ذلك". أشار إلى هذا الخبر فيما أرجح.
و" عبد الله بن سلام"، هو الصحابي الجليل، كان أعلم بني إسرائيل، فأسلم. ثم انظر الخبر التالي.
(٣) الأثر: ٢٠٥٣٦ -" الحسين بن علي بن يزيد الصدائي"، شيخ الطبري، ثقة، مضى مرارًا، آخرها رقم: ١١٤٥٨، وانظر رقم: ٥٤٣٧.
و" أبو داود الطيالسي"، الإمام الحافظ، مضى مرارًا.
و" شعيب بن صفوان بن الربيع بن الركين"،" أبو يحيي الثقفي"، متكلم فيه، مترجم في التهذيب، والكبير ٢ / ٢ / ٢٢٤، ولم يذكر فيه جرحًا، وأشار إلى هذا الخبر، وابن أبي حاتم ٢ / ١ / ٣٤٨، وميزان الاعتدال ١: ٤٤٨، وتاريخ بغداد ٩: ٢٣٨.
و" محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام"، روى عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري، وابن الزبير، ذكره ابن حبان في الثقات، وروايته عن جده أشار إليها البخاري في ترجمته، وفي ترجمة" شعيب بن صفوان". مترجم في التهذيب والكبير ١ / ١ / ٢٦٢، وابن أبي حاتم ٤ / ١ / ١١٨.
وهذا الخبر أخرجه السيوطي في الدر المنثور: ٤: ٦٩، وزاد نسبته إلى ابن مردويه.
٢٠٥٣٨- حدثنا أبو كريب قال: حدثنا الأشجعي، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد: (ومن عنده علم الكتاب) قال: هو عبد الله بن سلام. (١)
٢٠٥٣٩- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال: أخبرنا هشيم قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله: (ومن عنده علم الكتاب) قال: رجل من الإنس، ولم يُسمّه.
٢٠٥٤٠- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (ومن عنده علم الكتاب)، هو عبد الله بن سلام.
٢٠٥٤١-... قال: حدثنا يحيى بن عباد قال: حدثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد: (ومن عنده علم الكتاب). (٢)
(٢) الأثر: ٢٠٥٤١ - وضعت النقط لأن الأثر ناقص في المطبوعة والمخطوطة، وانا أرجح أنه هو الخبر الذي أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٤: ٦٩، ونسبه إلى ابن جرير، وابن سعد، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، عن مجاهد، ونصه:
" عن مجاهد أنه كان يقرأ:" ومن عنده علم الكتاب"، قال: هو عبد الله بن سلام".
٢٠٥٤٣- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن قتادة: (ومن عنده علم الكتاب) قال: كان منهم عبدُ الله بن سَلام، وسَلْمَان الفارسي، وتميمٌ الدَّاريّ.
٢٠٥٤٤- حدثنا الحسن قال: حدثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة: (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) قال هو عبد الله بن سَلام.
* * *
وقد ذُكر عن جماعة من المتقدِّمين أنهم كانوا يقرأونَه:"وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ"، بمعنى: مِنْ عِند الله عُلِمَ الكتاب. (١)
*ذكر من ذكر ذلك عنه:
٢٠٥٤٥- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن هارون، عن جعفر بن أبي وحشية، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:
ولكني لم أجد هذه القراءة الأولى منسوبة إلى ابن عباس، ولكن الخبر التالي رقم: ٢٠٥٤٥، دال على أنه قرأها كذلك، لأن حديث أبي جعفر، قاطع بأنه أراد هذه القراءة ببناء" علم" للمفعول، كما يتبين ذلك من الأثر: ٢٠٥٥٣، وتعقيبه عليه. وانظر التعليق التالي.
٢٠٥٤٦- حدثني محمد بن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهد:"وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ" قال: من عند الله.
٢٠٥٤٧-... قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهد:"وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ" قال: من عند الله عُلِمَ الكتاب= وقد حدثنا هذا الحديثَ الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد:"وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ" قال: هو الله= هكذا قرأ الحسن:"وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ".
٢٠٥٤٨-... قال: حدثنا شعبة، عن منصور بن زاذان، عن الحسن، مثله.
٢٠٥٤٩- قال: حدثنا علي= يعني ابن الجعد= قال: حدثنا شعبة، عن منصور بن زاذان، عن الحسن:"وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ" قال: الله قال شعبة: فذكرت ذلك للحكم، فقال: قال مجاهد، مثله. (٢)
٢٠٥٥٠- حدثنا ابن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة قال: سمعت منصور بن زاذان يحدث عن الحسن، أنه قال في هذه الآية:"وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ"، قال: من عند الله.
٢٠٥٥١-... قال: حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا هوذة قال:
وضبطت" عُلِمَ" في الموضعين في هذا الخبر أيضًا، في المخطوطة، وكذلك في الآثار التالية إلى رقم: ٢٠٥٤٧، و" الكِتابُ"، بضمه على الباء أيضًا فيها.
(٢) الأثر: ٢٠٥٤٩ -" الحسن بن محمد"، هو الزعفراني، سلف قريبًا.
و" علي بن الجعد بن عبيد الجوهري"،" أبو الحسن البغدادي"، ثقة، مترجم في التهذيب، والكبير ٣ / ٢ / ٢٦٦، وابن أبي حاتم ٣ / ١ / ١٧٨، وانظر ما سيأتي رقم: ٢٠٨٦٣.
٢٠٥٥٢- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن:"وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ" قال: من عند الله عِلْمُ الكِتَابِ (١) = هكذا قال ابن عبد الأعلى.
٢٠٥٥٣- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان الحسن يقرؤها:"قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ"، يقول: مِنْ عِنْد الله عُلِمَ الكتابُ وجملته= قال أبو جعفر: هكذا حدثنا به بشر:"عُلِمَ الكتابُ" وأنا أحسِبَه وَهِم فيه، وأنه:"وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ"، (٢) لأن قوله"وجملته"، اسم لا يُعْطف باسم على فعل ماضٍ.
٢٠٥٥٤- حدثنا الحسن قال: حدثنا عبد الوهاب، عن هارون:"وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ"، يقول: مِنْ عند الله عُلِم الكتاب.
٢٠٥٥٥- حدثني المثنى قال: حدثنا الحجاج بن المنهال قال: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر قال: قلت لسعيد بن جبير:"وَمِنْ عِنْدِهِ
(٢) " علم" بكسر فسكون فضم.
٢٠٥٥٦- حدثنا الحسن قال: حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر قال: سألت سعيد بن جبير، عن قول الله (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) أهو عبد الله بن سلام؟ قال: فكيف وهذه السورة مكية؟ وكان سعيد يقرؤها:"وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ".
٢٠٥٥٧- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: ثني عباد، عن عوف، عن الحسن= وجُوَيبر، عن الضحاك بن مزاحم =قالا"وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ"، (٢) قال: من عند الله.
* * *
قال أبو جعفر: وقد رُوي عن رسول الله ﷺ خبرٌ بتصحيح هذه القراءة وهذا التأويل، غير أنّ في إسناده نظرًا، وذلك ما:-
٢٠٥٥٨- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: ثني عباد بن العوّام، عن هارون الأعور، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، عن النبي ﷺ أنه قرأ"وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ"، عند الله عُلِم الكتاب. (٣)
* * *
قال أبو جعفر: وهذا خبرٌ ليس له أصلٌ عند الثِّقات من أصحاب الزهريّ.
(٢) ضبطت" علم". بالبناء للمفعول في المخطوطة.
(٣) الأثر: ٢٠٥٥٨ -" عباد بن العوام الواسطي"، ثقة، من شيوخ أحمد، مضى مرارًا آخرها رقم: ١٥٦٦٩.
و" هارون الأعور"، هو" هارون بن موسى العتكي"، ثقة، وهو صاحب القراءات، وله قراءة معروفة، وقد سلف مرارًا، آخرها: ١٧٧٦٠، وانظر ما سلف ٦: ٥٤٨، تعليق: ٣.
وهذا إسناد منقطع، لأن هارون الأعور، لم يسمع من الزهري، وقد خرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ٧: ١٥٥، وقال:" رواه أبو يعلى، وفيه سليمان بن أرقم، وهو متروك"، وكذلك خرجه السيوطي في الدر المنثور ٤: ٦٩، وقال: وأخرج أبو يعلى، وابن جرير، وابن مردويه، وابن عدي، بسند ضعيف، عن ابن عمر".
و" سليمان بن أرقم"،" أبو معاذ البصري"، يروي عن الزهري، وهو متروك الحديث، قال ابن معين:" ليس بشيء، ليس يسوى فلسًا"، وقال ابن حبان:" كان ممن يقلب الأخبار، ويروي عن الثقات الموضوعات". وكأن رواية هارون الأعور، هي عن سليمان بن أرقم، فأسقطه. وقد سلفت ترجمة" سليمان بن أرقم" رقم: ٤٩٢٣، ١٤٤٤٦.
"آخر تفسير سورة الرعد" (٢)
(٢) بعد هذا في المخطوطة:
" والحمدُ لله حمدًا كثيرًا كما هو أهلُه.
وصلى الله على محمدٍ المصطفى، وآله
أهل الصدقِ والوفَا، وسلَّم كثيرًا.
يتلوهُ إن شاءَ الله تعالى: تفسير سُورةِ إبرَاهِيم.".