ﰡ
﴿ مُّحْدَثٍ ﴾؛ تَنْزِيْلُهُ، والإحْدَاثُ يعودُ إلى الانزالِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾؛ قال ابنُ عبَّاس: (يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ مُسْتَهْزِئِيْنَ).
﴿ أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ﴾؛ وأنتم تعلمونَ أنه سِحْرٌ. قال السديُّ: (قَالُوا مُتَابَعَةُ مُحَمَّدٍ مُتَابَعَةُ السِّحْرِ)، والمعنى: أتَقْبَلُوا السِّحرَ، وأنتم تعلمون أنهُ سِحْرٌ.
﴿ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ ﴾؛ لذلك كلِّه، العَالِمُ بما يجري عليه، ومَن هذه صفتهُ، فهو الذي يَجِبُ أن يُعْبَدَ دون الأصنامِ. وقرأ أهلُ الكوفةِ: (قَالَ رَبي) على الخير. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ ﴾ أي السميعُ لأقوالِهم، العليمُ بأفعالِهم.
﴿ فَاسْئَلُوۤاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾؛ وأرادَ بأهلِ الذِّكر علماءَ أهلِ الكتاب؛ لأن اليهودَ النصارى لا ينكرونَ أن الرُّسُلَ كانوا بَشَراً، وإنْ أنكَرُوا نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. وَقِيْلَ: أرادَ بالذِّكر القُرْآنَ، والمعنى: فاسألوا المؤمنينَ مِن أهلِ القُرْآنِ إن كنتم يا أهلَ مكَّة لا تعلمون. قال عَلِيٌّ (كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ): لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَالَ: (نَحْنُ أهْلُ الذِّكْرِ).
﴿ وَمَا كَانُواْ خَالِدِينَ ﴾؛ لا يَمُوتُونَ، وذلك أنَّهم قالوا: مَا لِهَذا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ؟ فأُعْلِمُوا أن الرُّسُلَ جميعاً كانوا يأكلون الطعامَ، وأنَّهم يَموتون كسائرِ البشر، وإنَّما وحَّدَ الجسدَ؛ لأنه مصدرٌ كالخلقِ.
﴿ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾، ما فَضَّلَكُمْ به على غيرِكم، أنْزَلْتُكُمْ حَرَمِي، وبعثتُ فيكم نَبيّاً.
﴿ وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ ﴾؛ أي وأحْدَثْنَا مِن بعدِ إهلاكهم قوماً آخرين، فسَكَنُوا دِيَارهم.
وَقِيْلَ: معناهُ: لو أردنا أن نتخذ ولداً نَلْهُو به لاتَّخذناهُ عندَنا لا عندكم؛ لأن ولدَ الرجل وزوجتهُ يكونان عندَهُ وبحضرتهِ. نزلت هذه الآيةُ في الَّذين قالوا اتَّخَذ اللهُ ولداً، ولو كان ذلكَ جائزاً في صِفَةِ الله تعالى لَم يتخذ بحيثُ لَم يظهر لكم، ويسترهُ حتى لا تطَّلعوا عليه، تَعَالَى اللهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوّاً كَبيْراً. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾؛ أي كُنَّا مِمَّن يفعلُ ذلك، ولسنا مِمن يفعلهُ، وَقِيْلَ: (إنْ) هنا بمعنى (مَا) أي مَا كُنَّا فَاعِلِيْنَ.
﴿ فَيَدْمَغُهُ ﴾ أي فيُهْلِكُهُ ويذهِبهُ.
﴿ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ﴾؛ أي زائلٌ ذاهب، والمعنى: إنَّا نُبْطِلُ كذِبَهم مما تبيَّن من الحقِّ حتى يضمحلَّ ويذهبَ، ثم أوعَدَهم على قولِهم فقال: ﴿ وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ﴾؛ أي لكم العذابُ مما تصفونَ اللهَ تعالى به من الصَّاحبة والولدِ. ثُم بيَّن أن جميعَ الخلقِ عبيدهُ، فقالَ: ﴿ وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾؛ عَبيداً وملكاً.
﴿ وَمَنْ عِنْدَهُ ﴾؛ يعني الملائكةَ.
﴿ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ ﴾؛ قال الزجَّاج: (إنَّ الَّذِيْنَ ذكَرْتُمُوهُمْ بأَنَّهُمْ أوْلاَدُ اللهِ هُمْ عِبَادُهُ وَلاَ يَأْنَفُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ، وَلاَ يَتَعَظَّمُونَ عَنْهَا).
﴿ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ ﴾؛ أي ينقَطِعون عن العبادة من الإعيَاءِ والتَّعب، مِن قولِهم: بَعِيْرٌ حَسِيْرٌ اذا أعْيَا وقام.
﴿ لاَ يَفْتُرُونَ ﴾؛ أي لا يَضْعُفُونَ عن عبادتهِ ولا يَمَلُّونَ، وَقِيْلَ: معناهُ: يُنَزِّهُونَ اللهَ، وإنَّما يقولون سُبْحَانَ اللهِ لا يَمَلُّونَ. قال الزجَّاج: (مَجْرَى التَّسْبيْحِ مِنْهُمْ كَمَجْرَى النَّفَسِ مِنَّا، كَمَا لاَ يَشْغَلُنَا عَنِ النَّفَسِ شَيْءٌ فَكَذلِكَ تَسْبيْحُهُمْ دَائِمٌ).
﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ﴾؛ أي لا يُسأَلُ عن أفعالهِ وقضائه في خلقِه من إعزازٍ وإذلال، وهداية وإضلالٍ، وإسعاد وإشقاء؛ لأنه الربُّ مالكُ الخلقِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾؛ أي يقالُ لَهم يومَ القيامةِ لِمَ فعلتُمْ كذا؟ لأنَّهم عبيدٌ يجبُ عليهمُ امتثالُ أمرِ مَوْلاَهُمْ، واللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ليس فَوْقَهُ أحدٌ يقول لهُ لشيءٍ فَعَلَهُ لِمَ فَعَلْتَهُ.
﴿ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ ﴾؛ أي حُجَّتَكُمْ بأن رَسُولاً من رُسُلِ الله أنْبَأَ أُمَّتَهُ بأن لَهم إلَهاً غيرَ الله. قولهُ تعالى: ﴿ هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي ﴾؛ معناهُ: هذا الْقُرْآنُ فيه ذكرُ مَن معي لِمَا يلزمهُم من الحلالِ والحرام والخطأ والصَّواب. وَقِيْلَ: خَبَرُ مَن معي على دِينِي بما لَهم من الثواب والعقاب، وذِكْرُ مَنْ قَبْلِي مِن الأُمم مَن نَجَا منهم بالإيْمَانِ، وأُهْلِكَ بالشِّركِ. وَقِيْلَ: معناهُ: هذا الْقُرْآنُ الذي هو ذِكْرُ مَن معي، والتوراةُ والإنجيل هُما ذِكْرُ مَن قبلي، هل في جميعِ ذلك غيرُ توحيدِ الله تعالى؟والمعنى: هذا الْقُرْآنُ وهذه الكُتُبُ التي أُنزلت مِن قبلي، فانظرُوا هل في واحدٍ منهم أن اللهَ أمر باتخاذ آلهة سواه؟ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْحَقَّ فَهُمْ مُّعْرِضُونَ ﴾؛ عن النظرِ في دلائلِ الله مقصِّرين على جهلِهم وتقليدهم.
﴿ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾؛ قَوْلُهُ: ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾؛ أي يعلمُ ما قدَّموا وما أخَّرُوا من أعمالِهم، ويقالُ: ﴿ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ﴾ من الدُّنيا ﴿ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾ من الآخرةِ، ويقال: يعلمُ ما عمِلُوا وما هم عامِلُون. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ ﴾؛ أي لا يشفعونَ إلاّ لِمن رَضِيَ اللهُ عنهُ وارتضى عملَهُ، قال ابنُ عبَّاس: (لِمَنْ قَالَ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ)، قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾؛ أي وهم مِن خشيتِهم منهُ، فأضافَ المصدرَ إلى المفعولِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ مُشْفِقُونَ ﴾ أي خَائِفُونَ، لا يأمَنُون مَكْرَهُ، وفي هذا بيانُ أنّ مَن هذه صفتهُ لا يكون إلَهاً مع اللهِ ولا ولداً لهُ.
قال أبو العالية: (يَعْنِي النُّطْفَةَ)، فعلى هذا لا يتعلقُ هذا بما قَبْلَهُ، وهو احتجاجٌ على المشركينَ بقُدرةِ الله تعاَلى.
﴿ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ ﴾؛ أي أفلا يصدِّقُون بالإلهِ الذي فَعَلَ ذلك؛ ليعلموا أنهُ الإلهُ دونَ غيرهِ. وإنَّما قال (رَتْقاً) ولَم يقل رَتْقَيْنِ؛ لأن الرِّتْقَ مصدرٌ. المعنى: كانتا ذوَي رَتْقٍ فجعلناهما ذوَاتَي فَتْقٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ﴾؛ يعني المشركينَ يُعرِضُونَ عن آياتِها، يعني شَمسها وقمرَها ونجومها، لا يتفكَّرون فيها فيعلمون أن خالِقَها لا شريكَ له.
﴿ يَسْبَحُونَ ﴾؛ أي يَجْرُونَ بسرعةٍ كالسَّابحِ في الماء، وقد قال في مواضعٍ آخر﴿ وَٱلسَّابِحَاتِ سَبْحاً ﴾[النازعات: ٣] يعني النُّجومَ، قال الضحَّاك: (الْفَلَكُ هُوَ الْمَجْرَى الَّذِي يَجْرِي فِيْهِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ)، ويقالُ: هو موجٌ كغرف يَجريان فيهِ. قال القتيبيُّ: (الْفَلَكُ الْقُطْبُ الَّذِي تَدُورُ بهِ النُّجُومُ، وَهُوَ كَوْكَبٌ خَفِيٌّ بقُرْب الْفَرْقَدَيْنِ، وَبَنَاتِ نَعْشٍ عَلَيْهِ تَدُورُ السَّمَاءُ). وقال الحسنُ: (هُوَ الطَّاحُونَةُ كَهَيْأَةِ فَلَكَة الْمِغْزَلِ)، فالفَلَكُ في كلامِ العرب: هو كلُّ شيءٍ دَائِرٌ، وجمعهُ أفْلاَكٌ.
﴿ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ ﴾؛ يعني مشركي مكةَ لَمَّا قالوا: نتربصُ بمُحَمَّدٍ ريبَ المنون.
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ﴾، فقيلَ لَهم: إنْ ماتَ فأنتم أيضاً تَموتون؛ لأن كلَّ نفسٍ ذائقةُ الموتِ. قالت عائشةُ: اسْتَأْذنَ أبُو بَكْرٍ رضي الله عنه عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ مَاتَ وَأُسْجِيَ عَلَيْهِ الثَّوْبُ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ وَوَضَعَ فَمَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى صَدْغَيْهِ وَقَالَ: وَا نَبيَّاهُ؛ وَا خَلِيْلاَهُ؛ وَا صَفِيَّاهُ، صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ﴾.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً ﴾؛ أي نَبْلُوكُمْ بالشدَّة والرَّخاء؛ والمرضِ والعافيةِ؛ والفقر والغنَى، كلاهُما ابتلاءٌ من الله، وتشديدٍ في التَّعَبُّدِ؛ ليظهرَ شكرُهم فيما يُحبُّون، وصبرُهم فيما يكرهون ﴿ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾؛ للجزاءِ.
﴿ فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ ﴾؛ إنه نازلٌ بكم.
﴿ فَتَبْهَتُهُمْ ﴾؛ أي تُحَيِّرُهُمْ، يقال: بَهَتَهُ؛ إذا واجَهَهُ بشيءٍ فَحَيَّرَهُ.
﴿ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ ﴾؛ يُمهلون التوبةَ، أو عُذراً، أو صلاحَ عملٍ.
﴿ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾؛ بهم؛ أي فَحَلَّ بهم وبَالَ استهزائِهم، وكان ما أرادوهُ بالداعي عائداً عليهم، كما قال تعالى:﴿ وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ ﴾[فاطر: ٤٣]، وَقِيْلَ في الفَرقِ بين الْهُزْؤ وبين السُّخرِية: أن في السُّخرية طلبَ الذِّلَّةِ؛ لأن التسخيرَ هو التذليلُ، وأما الْهُزْؤُ فهو استصغارُ القَدْر بضربٍ من القول.
﴿ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ ﴾؛ لا يلتفتون إلى شيءٍ من الْحُجَجِ والمواعِظ.
﴿ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ ﴾؛ معناه: أنَّ آلِهتَهم لا يقدرون على الدفعِ عن أنفسهم في دَرْءِ ما يَنْزِلُ بهم من كَسْرٍ أو فساد، فكان ينصرُهم ويَمنعُ عنهم ما يَنْزِلُ بهم، وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ ﴾؛ يعني الكفارَ. قال الكلبيُّ: (مَعْنَاهُ: وَلاَ هُمْ مُجَارُونَ مِنْ عَذابنَا) أي لا يُجيرهم منَّا أحدٌ، لأن الْمُجِيْرَ صاحبُ الْجَار، يقال: صَحِبَكَ اللهُ؛ أي حَفِظَكَ اللهُ وأجاركَ. وقال قتادةُ: (مَعْنَاهُ: وَلاَ هُمْ يُصْحَبُونَ مِنَ اللهِ بخَيْرٍ) يقالُ أصْحَبْتُ الرجلَ إذا أعطيتهُ أمَاناً يأمنُ به.
﴿ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ ﴾؛ فاغْتَرُّوا بذلكَ، والمعنى ما حَملهُم على الإعراضِ إلاّ الاغترارُ بطول الإمهالِ. وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ ﴾؛ معناهُ: أفلا يُشاهدون أنَّا نفتحُ الأرضَ مِن جوانبها، وننقصُ من الشِّركِ بإهلاك أهلِها، فيزدادُ هو كلَّ يوم تَمكُّناً، وتزدادون ضَعْفاً ونقصاً؟ والمعنى: ألَم يَرَ المشركون الذين يُحاربون النبيَّ صلى الله عليه وسلم ويقاتلونَهُ أنا ننقصُهم، ونأخذ ما حولَهم من قُراهم وأرضهم؟ أفلا يَرَون أنَّهم هم المنقوصُون والمغلوبون؟ومعنى قولهِ تعالى: ﴿ أَفَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ ﴾ أي هم الغالبون للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، بل هو الغالبُ لَهم. وعن ابنِ عبَّاس في معنى نقصِها من أطرافها: (أيْ بذهَاب فُقَهَائِهَا وَخِيَار أهْلِهَا، فَكَيْفَ يَأمَنُ الرُّذالُ؟).
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلاَ يَسْمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ ﴾؛ هذا تَمْثِيْلٌ للكفار بالصُّمِّ الذين لا يسمعونَ النِّداءَ، والمعنى أنَّهم مُعانِدون، فإذا أسْمَعْتُهُمْ لَم يعملُوا بما سمعوهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِذَا مَا يُنذَرُونَ ﴾ أي اذا ما يَخافُونَ.
﴿ وَضِيَآءً وَذِكْراً لَّلْمُتَّقِينَ ﴾؛ مِن صِفَةِ التوراة مثلُ قولهِ تعالى:﴿ هُدًى وَنُورٌ ﴾[المائدة: ٤٤]، والمعنى: أنَّهم استضاؤُا بها حتى اهتَدَوا في دِينهم، وقولهُ تعالى: ﴿ وَذِكْراً لَّلْمُتَّقِينَ ﴾ أي موَعِظَةً للمتقين الكبائرَ والفواحشَ. وعن ابنِ عبَّاس: أنهُ كان يقرأُ (ضِيَاءً) بحذف الواوِ، وكان يقولُ: (آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ ضِيَاءً).
﴿ وَهُمْ مِّنَ ٱلسَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ﴾؛ أي خائفون من أن تلحَقَهم الساعةُ، مما يَجري فيها من الْمُحَاسَبَةِ قبلَ إصلاح أعمالِهم.
﴿ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴾؛ يا أهلَ مكَّة، وهذا توبيخٌ لَهم.
﴿ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ﴾؛ أي آتيناهُ رُشْدَهُ.
﴿ إِذْ ﴾، حين.
﴿ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ﴾، في الوقت الذي خرجَ من السرب فرآهم يعكفونَ على الأصنام: ﴿ مَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَاثِيلُ ٱلَّتِيۤ أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ﴾ أي التصاويرُ التي لأجلِها مقيمون عليها.
﴿ قَالُواْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ ﴾؛ بيَّنُوا بهذا الجواب أنه لا حُجَّةَ لَهم في عبادةِ الأصنام إلاَّ تقليدَهم لآبائهم، فأجابَهم إبراهيم.
﴿ قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ ﴾؛ فِي عبادةِ الأصنام.
﴿ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾؛ عن الحقِّ ظاهرٍ.
﴿ قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ٱلَّذِي فطَرَهُنَّ ﴾؛ أي بَلْ إلَهُكم مَالِكُ السَّماواتِ والأرضِ الذي خَلَقَهُن ﴿ وَأَنَاْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ ﴾؛ ما قلتُ لكم؛ ﴿ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ ﴾.
﴿ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ ﴾.
ثُم رجعَ إبراهيمُ إلى بيتِ أصنامهم، فوجدَ معهم صَنَماً كَبيراً إلى جنبه أصنامٌ أصغَرُ منه، وإذا هم قد جَمعوا طعاماً فوضعوهُ بين يَدَي الأصنامِ وقالوا: إذا كان وقتُ رجوعِنا رجعنا وقد باركَتِ الآلِهةُ لنا في طعامِنا فأكلنا، فلما نظرَ إبراهيمُ إليهم وإلى ما بين أيدِيهم من الطعام، قال لَهم على طريقِ الاستهزاء بهم: ألا تَأْكُلُونَ؟ فلما لَم يُجيبوهُ، قال لَهم: مَا لَكُمْ لاَ تَنْطِقُونَ، فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بالْيَمِيْنِ، وجعل يكسِرُهم بفأسٍ في يده حتى لَم يبقَ إلاَّ الصنمُ العظيم، فعلَّقَ الفأسَ في عُنُقِهِ ثُم خرجَ). فذلك قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ ﴾؛ فإنه لَم يكسرْهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ ﴾ فيه إضمارٌ؛ أي لَمَّا ولَّوا مدبرينَ جعلَهُم جُذاذاً. قرأ الكسائيُّ بكسرِ الجيم أي كَسْراً وقطعاً، جمع جَذِيْذٍ وهو الهشيمُ مثل خَفِيْفٍ وخِفَافٍ وكريْمٍ وكِرَامٍ، وقرأ الباقون بضمِّ الجيم؛ أي جعلهم حُطَاماً ورُفَاتاً. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ ﴾ فإنه لَم يكسره.
﴿ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ﴾ فيحتجُّ عليهم إبراهيم ويُبرهِنَ لهمْ على أن أصنامَهم لِمَ لَمْ تقدِرْ على دفع الكسرِ عن أنفُسِها؟ فلِمَ يعبدُوها؟ وكيف يكونُ إلَهاً مَن لا يقدرُ على دفعِ ما نَزَلَ به؟. وَقِيْلَ: معناهُ: لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ؛ أي إلى دِين إبراهيم، وإلى ما يدعوهم إليه بوجوب الْحُجَّةِ عليهم في عبادةِ ما لا يدفعُ الضُّرَّ عن نفسهِ، وينتهوا عن جهلهم وعِظَمِ خطاياهم.
﴿ قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ ﴾؛ بذلك الفتَى.
﴿ عَلَىٰ أَعْيُنِ ﴾؛ أي مَرْأى مِنَ.
﴿ ٱلنَّاسِ ﴾؛ لكي يشهدَ الذين عرفوهُ أنه يعيبُ الأصنامَ. وَقِيْلَ: إنه لَمَّا بلغَ النمرودَ وأشرافَ قومه ما فُعِلَ بأصنامِهم وما قالوهُ، في إبراهيمَ أنه هو الذي فعلَ ذلك، قال النمرودُ ومن معه: فَأْتُوا بهِ عَلَى أعْيُنِ النَّاسِ.
﴿ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ﴾؛ أنه هو الذي فعَلَ ذلك بهم، وكَرِهُوا أن يأخذوهُ بغيرِ بَيِّنَةٍ. وَقِيْلَ: معناه: لعلَّهم يشهدون ما يُصنَعُ به من العقوبةِ؛ أي يحضرون.
﴿ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا ﴾؛ الذي الفأسُ في عُنُقِهِ.
﴿ فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ ﴾ حتى يُخبرُوكم، وأراد بهذا تقريرهم بأنَّهم ظالِمون في عبادتِهم ما لا يدفعُ عن نفسه؛ لأن جماعتَهم كانوا يعلمون أن الصنمَ لا يعقلُ ولا ينطق، فأرادَ إبراهيمُ بذلك تَبْكِيْتَ القومِ وتوبيخَهم على عبادةِ مَن لا يعقلُ ولا يفعل، ولذلك قال: فاسألوهم إنَّ كانوا يقدرون على النُّطقِ.
﴿ فَقَالُوۤاْ إِنَّكُمْ أَنتُمُ ٱلظَّالِمُونَ ﴾؛ في سؤالهِ؛ لأنَّها لو كانت آلِهةً لَم يَصِلْ إلى كسرِها أحدٌ؛ ﴿ ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ ﴾؛ أي أدركَتْهُم حيرةٌ فَنَكَّسُوا لأجلِها رؤوسَهُم، وأقرُّوا بما هو حُجَّةٌ عليهم، فقالوا: ﴿ لَقَدْ عَلِمْتَ ﴾؛ يا إبراهيم.
﴿ مَا هَـٰؤُلاۤءِ يَنطِقُونَ ﴾؛ فكسَرْتُهم لذلكَ. وَقِيْلَ: معنى الآيةِ: تذكَّروا بقلوبهم، ورجَعُوا إلى عقولِهم، فقالوا: ما نراهُ إلاّ كما قالَ إنَّكُمْ أنْتُمُ الظَّالِمُونَ بعبادتِكم آلِهَةً لا تنطقُ ولا تبطشُ، ثُم أدركَتْهم الشقاوةُ، فعادوا إلى قولِهم الأوَّل وضلالِهم القديم، وهو قوله ﴿ ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ ﴾ أي رُدُّوا إلى الكفرِ بعد أن أقَرُّوا على أنفسِهم بالظُّلم، فقالوا لإبراهيم: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤلاَء يَنْطِقُونَ فلذلِكَ كسرتَهم. فلما اتَّجهت الْحُجَّةُ عليهم بإقرارهم، وبَّخَهُمْ إبراهيمُ و ﴿ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً ﴾؛ ولا يرزقُكم ﴿ وَلاَ يَضُرُّكُمْ ﴾؛ إذا لَم تعبدوهُ.
﴿ أُفٍّ لَّكُمْ ﴾؛ أي تَبّاً لكم.
﴿ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾؛ أنَّ هذه الأصنامَ لا تستحقُّ العبادةَ، إذ هي أحجارٌ لا حركةَ لَها ولا بيانَ، أفليس لكم ذهنُ الإنسانيَّةِ.
﴿ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ﴾؛ في هذا شيئاً. فاشتَغَلوا بجمعِ الحطب حتى كان الشيخُ الكبير يأتِي بالحطب تقرُّباً إلى آلِهتهم، وحتى أن المريضَ كان يُوصِي بكذا وكذا من مالهِ فيشتري به حَطَباً فيُلقَى في النار، وحتى أن المرأةَ لتغزلُ فتشتري به حطباً، وتلقيه في النارِ. قال ابنُ عمر: (إنَّ الَّذِي أشَارَ عَلَيْهِمْ بتَحْرِيْقِ إبْرَاهِيْمَ رَجُلٌ يُسَمَّى (هِيْزَنَ) فَخَسَف اللهُ بهِ الأَرْضَ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيْهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ). فلما أجمعَ النمرودُ وقومه على إحراقِ إبراهيمَ حبسوهُ في بيتٍ وبَنَوا بيتاً كالحظيرةِ، فلذلك قَوْلُهُ تَعَالَى:﴿ قَالُواْ ٱبْنُواْ لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي ٱلْجَحِيمِ ﴾[الصافات: ٩٧] ثُم جمعوا له أصلابَ الحطب مِن أنواع الخشب، حتى أن المرأةَ كانت إذا مرَّت تقولُ: إذا عافانِي اللهُ لأجمعنَّ حطباً لإبراهيمَ، وكانت المرأةُ تنذرُ في بعض ما تطلب لئن أصابته لتحطبنَّ في نار إبراهيم التي يحرقُ فيها احتساباً لدينها. قال ابنُ اسحاق: (كانوا يجمعون الحطبَ شهراً، فلما أجمعوا الحطبَ شعَلُوا في كلِّ ناحية ناراً، فاشتعلت النارُ واشتدَّت حتى أن الطائرَ كان إذا مرَّ بها احترقَ من شدَّة وَهَجِهَا، ثُم عمَدُوا إلى إبراهيمَ وقيَّدوهُ، ثُم اتخذوا مَنْجَنِيْقاً ووضعوهُ فيه مقيَّداً مغلولاً. فصاحَتِ السماواتُ والأرض والملائكة صيحةً واحدة: يا ربَّنا إن إبراهيمَ ليس في أرضِكَ أحدٌ يعبدُكَ غيرهُ، أيُحْرَقُ؟! فَأْذنْ لنا في نُصرتهِ، فقال اللهُ: إن استعاذ بشيءٍ منكم أو دعاهُ فلينصره، فقد أذنتُ له في ذلك، وإن لَم يدعُ أحداً غيري فأنا أعلمُ به، فأنا وَلِيُّهُ، فَخَلُّوا بيني وبينَهُ. فلما أرادوا إلقاءَهُ في النارِ، أتاهُ خازنُ الماء فقال لهُ: إن أذنتَ أخمدتُ النارَ، فإن خزائنَ المياه والأمطار بيدي، وأتاهُ خازن الرِّياحِ وقال: إن شئتَ طيَّرتُ النارَ في الهواء، فقال إبراهيمُ: لا حاجةَ لِي إليكم، ثُم رفعَ رأسَهُ إلى السَّماء وقال: اللَّهُمَّ أنتَ الواحدُ في السماء، وأنا الواحدُ في الأرضِ، ليس في الأرضِ أحدٌ يعبدك غيري، حَسْبي اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيْلُ). وروي: أن إبراهيمَ قال حين أوثقوهُ ليلقوه في النارِ: لاَ إلَهَ إلاَّ أنْتَ سُبْحَانَكَ رَبُّ الْعَالَمِيْنَ، لَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الْمُلْكُ، لاَ شَرِيْكَ لَكَ. قال: ثُم رَمَوا به في المنجنيقِ، فاستقبلَهُ جبريلُ عليه السلام وقال: يا إبراهيمُ ألَكَ حاجةٌ؟ قال: أمَّا إليكَ فلا. قال جبريل: قال: حَسْبي من سؤالِي علمهُ بحالِي، فقال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ﴾؛ قال ابنُ عبَّاس: (لَوْ لَمْ يُتْبعْ بَرْدَهَا سَلاَماً لَمَاتَ مِنْ بَرْدِهَا، فَلَمْ تَبْقَ يَوْمَئِذٍ نَارٌ فِي الأَرْضِ إلاَّ طُفِئَتْ وَخُمِدَتْ). قال السديُّ: (وَأخَذتِ الْمَلاَئِكَةُ بضَبْعَي إبْرَاهِيْمَ فَأَقْعَدُوهُ عَلَى الأَرْضِ، فَإذا عَيْنُ مَاءٍ عَذْبٍ وَوَرْدٌ أحْمَرُ وَنَرْجِسٌ). قال كعبُ: (مَا أحْرَقَتِ النَّارُ مِنْ إبْرَاهِيْمَ إلاَّ وِثَاقَهُ). قالوا: وكان إبراهيمُ في ذلك الموضعِ سبعةَ أيام، قال إبراهيمُ: ما كنتُ أياماً قط أنعمَ مني من الأيامِ التي كنتُ فيها في النارِ، ثُم يَصِفُ اللهُ ملكَ الظِّلِّ في صورةِ إبراهيم فأقعدَهُ فيها إلى جنب إبراهيم وهو يؤنسهُ، وبعثَ الله بقميصٍ من حرير الجنَّة، قال: فنظرَ النمرودُ مِن طرحٍ له فأشرفَ على إبراهيم، وما يشكُّ في موتهِ، فرأى إبراهيمَ في روضةٍ ورأى الْمَلَكَ قاعداً إلى جنبهِ والنارُ حواليه، فناداهُ النمرودُ: يا إبراهيمُ كبيراً إلَهُكَ الذي بلغَتْ قدرتهُ إلى أن حالَ بينك وبين نارِي حتى لَم تضرك. قال قتادةُ والزهريُّ: (مَا انْتَفَعَ أحَدٌ مِنْ أهْلِ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ بنَارٍ وَلاَ أحْرَقَتْ شَيْئاً إلاَّ وثَاقَ إبْرَاهِيْمَ، وَلَمْ تَبْقَ يَوْمَئِذٍ دَابَّةٌ إلاَّ أطْفَأَتْ عَنْ إبْرَاهِيْمَ النَّارَ إلاَّ الْوَزَعُ، فَلِذلِكَ أمَرَ صلى الله عليه وسلم بقَتْلِهِ، وَسَمَّاهُ فَاسِقاً). قال شعيبُ الجبائي: (أُلْقِيَ إبْرَاهِيْمُ فِي النَّار وَهُوَ ابْنُ سِتَّ عَشَرَةَ سَنَةً، وَذُبحَ اسْحَاقُ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِيْنَ، وَوَلَدَتْهُ سَارَةُ وَهِيَ بنْتُ تِسْعِيْنَ سَنَةً، وَلَمَّا عَلِمَتْ سَارَةُ بمَا أرَادَ اللهُ باسْحَاقَ اضْطَرَبَتْ يَوْمَيْنِ، وَمَاتَتِ الْيَوْمَ الثَّالِثَ).
﴿ فَجَعَلْنَاهُمُ ﴾؛ الكفارَ الذين أرادوا إحراقَهُ.
﴿ ٱلأَخْسَرِينَ ﴾؛ بأن لَم يَتِمَّ ما عَزَمُوا عليه، وتبيَّن عجزُهم عن نصرهم لآلِهتهم، فخَسِرَ سعيُهم. وقال ابنُ عبَّاس: (هُوَ أنَّ اللهَ سَلَّطَ الْبَعُوضَ عَلَى النَّمْرُودِ وَجُنْدِهِ حَتَّى أخَذتْ لُحُومَهُمْ وَشَرِبَتْ دِمَاءَهُمْ، وَوَقَفَتْ وَاحِدَةٌ فِي دِمَاغِهِ حَتَّى أهْلَكَتْهُ).
﴿ يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ﴾؛ أي يدعونَ الخلقَ إلى أمرِنا ودِيننا.
﴿ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ ٱلْخَيْرَاتِ ﴾؛ أي شرائعَ النبوَّةِ، وَقِيْلَ: أمَرناهم بفعلِ الخيرات.
﴿ وَإِقَامَ ٱلصَّلاَة وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَـاةِ وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ ﴾؛ أي خاضِعين مطيعين. وإنَّما قال (وَإقَامِ الصَّلاَةِ) بغير (هاء)؛ لأن الإضافةَ صارت عِوَضاً عن الهاءِ.
﴿ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ ٱلْخَبَائِثَ ﴾؛ يعني سَدُومَ، كان أهلُها يأتون الذُّكران في أدبارهم، ويتضارطون في مجالسِهم. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ ﴾؛ قِيْلَ: إنَّهم كانوا يعملونَ مع ذلك أشياء أُخَرَ من المنكراتِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ ﴾؛ بإنجائِنا إيَّاهُ من القومِ السُّوء وهلاكِهم.
﴿ إِنَّهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ ﴾؛ أي مِن الأنبياءِ.
﴿ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ ﴾؛ ومَن معهُ من غَمٍّ الغرق وَكرْبهِ، والكَرْبُ أشدُّ الغَمِّ. ﴿ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ﴾؛ أي منعناهُم مِن أن يَصِلوا اليه بسوءٍ.
﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ ﴾؛ أي كفاراً.
﴿ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾؛ بالطُّوفَانِ.
﴿ وَكُلاًّ ﴾؛ منهما؛ ﴿ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً ﴾؛ العلمُ والفصلُ بين الخصومِ. قال ابنُ مسعودٍ وقتادةُ والزهريُّ: (وَذلِكَ أنَّ رَجُلَيْنِ دَخَلاَ عَلَى دَاوُدَ عليه السلام، أحَدُهُمَا صَاحِبُ حَرْثٍ، وَالآخَرُ صَاحِبُ غَنَمٍ، فَقَالَ صَاحِبُ الزَّرْعِ وَالْكَرْمِ: إنَّ هَذا نَفَشَتْ غَنَمُهُ لَيْلاً فَوَقَعَتْ فِي حَرْثِي، فَلَمْ تُبْقِ مِنْهُ شَيْئاً. فَقَالَ: لَكَ رِقَابُ الْغَنَمِ - وَكَانَا فِي الْقِيْمَةِ سَوَاءً - فَأَعْطَاهُ الْغَنَمَ بالْحَرْثِ وَخَرَجَا. فَمَرَّا عَلَى سُلَيْمَانَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ أحَدَ عَشَرَ سَنَةً، فَقَالَ: كَيْفَ قَضَى بَيْنَكُمَا؟ فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: نِعْمَ مَا قَضَى، وَغَيْرُ هَذا كَانَ أرْفَقَ بالْكُلِّ، وَلَوْ وُلِّيْتُ أمْرَكُمَا لَقَضَيْتُ بغَيْرِ مَا قَضَى. فَأُخْبرَ دَاوُدُ بذلِكَ فَدَعَا فَقَالَ: كَيْفَ تَقْضِي بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أدْفَعُ الْغَنَمَ إلَى صَاحِب الْحَرْثِ فَيَكُونُ لَهُ نَسْلُهُمَا وَرسْلُهُمَا وَمَنَافِعُهَا وَسَمْنُهَا وَصُوفُهَا إلَى الْحَوْلِ، وَيَقُومُ أصْحَابُ الْغَنَمِ عَلَى الْكَرْمِ حَتَّى يَعُودَ كَهَيْأَتِهِ يَوْمَ أُفْسِدَ، ثُمَّ يَدْفَعُ هَؤُلاَءِ إلَى هَؤُلاَءِ غَنَمَهُمْ، وَيَدْفَعُ هَؤُلاَءِ إلَى هَؤُلاَءِ كَرْمَهُمْ. فَقَالَ دَاوُدُ عليه السلام: نِعْمَ مَا قَضَيْتَ فِيْهِ، فَالْقَضَاءُ قَضَاؤُكَ. وَحَكَمَ دَاوُدُ بَيْنَهُمْ بذلِكَ، فَقُوِّمَ بَعْدَ ذلِكَ الْكَرْمُ وَمَا أصَابُوهُ مِنَ الْغَنَمِ فَوَجَدُوهُ مِثْلَ ثَمَرِ الْكَرْمِ)، وهكذا رُوي عن ابنِ عبَّاس. قال الحسنُ: (كَانَ الْحُكْمُ مَا قَضَى بهِ سُلِيْمَانُ، وَلَمْ يُعْفِ اللهُ دَاوُدَ فِي حُكْمِهِ) وهذا يدلُّ على أنَّ كلَّ مجتهدٍ يصيبُ، وإلى هذا ذهبَ بعضُ الناسِ فقالوا: إذا نَفَشَتِ الغنمُ ليلاً في الزرعِ فأفسدتهُ، كان على صاحب الغنم ضمانُ ما أفسدته، وإن كان نَهاراً لَم يضمن شيئاً، واستدلُّوا أيضاً بما رُوي:" أنَّ نَاقَةً كَانَتْ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطَ رَجُلٍ فَأَفْسَدَتْهُ، فَقَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أهْلِ الأَمْوَالِ حِفْظَهَا بالنَّهَارِ، وَعَلَى أهْلِ الْمَوَاشِي حِفْظَهَا باللَّيْلِ ". وأما أصحابُنا فلا يَرَوْنَ في هذه المسألةِ ضَمَاناً ليلاً ولا نَهاراً، إذا لَم يكن صاحبهُ هو الذي أرسله فيه، ولا حُجَّةَ لَهم في هذهِ الآية؛ لأنهُ لا خلافَ أن مَن نَفَشَتْ إبلهُ أو غنمهُ في حرثِ رجلٍ أنه لا يجبُ عليه أن يُسَلِّمَ الغنمَ، ولا يسلمُ أولادَها وألبانَها وأصوافها إليه، فثبتَ أنَّ الْحُكْمَيْنِ اللذين حَكَمَ بهما داودُ وسليمان (عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ) مَنْسُوخَانِ بشريعةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. وقد رُوي عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنهُ قال:" الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ "وهذا خبرٌ مستعمل مُتَّفَقٌ على استعمالهِ في البهيمة الْمُنْفَلِتَةِ إذا أصابت إنساناً أو مالاً أنه لا ضمانَ على صاحبها إذا لَم يرسلْها هو عليه، وليس في قصَّة البراءِ بن عازب إيجابُ الضمان، ولأنّ الأشياءَ الموجبةَ للضمانِ لا تختلفُ بالليل والنهار. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَٱلطَّيْرَ ﴾؛ أي وسخَّرنا الجبالَ والطيرَ يسبحن مع داودَ؛ أي أن الجبالَ كانت تسيرُ مع داود أين يذهبُ، ومما يؤيدُ هذا قَوْلُهُ تَعَالَى:﴿ يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ ﴾[سبأ: ١٠]، قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ﴾؛ هذه الأشياءَ دلالةً على نبوَّته. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ ﴾؛ أي وعلَّمنا داودَ صَنْعَةَ الدِّرْعِ، وسُمي الدرع لَبُوساً؛ لأنَّها تُلبس، كما يقالُ للبعير: رَكُوبٌ؛ لأنه يُرْكَبُ، والسلاحُ كله لَبُوسٌ عند العرب دِرعاً كان أم جَوْشَناً أو سَيفاً أم رُمحاً، والْجَوْشَنُ هو الدرعُ الصغيرة. قال قتادةُ: (أوَّلُ مَنْ صَنَعَ الدِّرْعَ دَاوُدُ، وَإنَّمَا كَانَتْ مِنْ صَفَائِحَ، فَهُوَ أوَّلُ مَنْ سَرَدَهَا وَحَلَفَهَا). قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ ﴾؛ أي ليُحرِزَكم من شدَّة القتالِ. قرأ شيبةُ وأبو بكرٍ ويعقوبُ (لِنُحْصِنَكُمْ) بالنون، لقوله (وَعَلَّمْنَاهُ). وقرأ ابنُ عامر وحفص بالتاء، يعني الصَّنْعَةَ. وقرأ الباقون بالياءِ على معنى لِيُحْصِنَكُمُ اللَّبُوسُ. وَقِيْلَ: على معنى ليُحْصِنَكُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ (مِنْ بَأْسِكُمْ) أي من حربكم، وقيل: من وقع السلاح فِيكُمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ ﴾؛ يا أهلَ مكَّة.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ ﴾ أي تجري بأمرِ سُليمان من اصْطَخَرَ إلى الأرضِ التي باركَ اللهُ فيها بالماءِ والشَّجر وهي الأرضُ المقدَّسة. روي: أنَّ الريحَ كانت تجري بسليمانَ وأصحابه إلى حيث شاءَ سليمانُ، ثُم يعودُ إلى منْزِله بالشَّامِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ ﴾؛ بصحَّة التدبيرِ فيه، عِلمْنا أن ما يُعطى سليمان من تسخيرِ الريح وغيره يدعوهُ إلى الخضوعِ لربهِ.
﴿ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ ﴾؛ بالعبادِ، فكان هذا تَعْرِيْضاً منهُ بالدعاءِ لله لإزالة ما بهِ من الضُّرِّ.
﴿ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ ﴾ دعاءَهُ.
﴿ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ﴾؛ وقولهُ تعالى: ﴿ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ ﴾؛ قال ابنُ مسعود وقتادة والحسنُ: (أحْيَا اللهُ لَهُ أوْلاَدَهُ الَّذِيْنَ هَلَكُوا فِي الدُّنْيَا بأَعْيَانِهِمْ وَرَدَدْنَا لَهُ مِثْلَهُمْ). ويقالُ: أبْدَلَهُ اللهُ بكلِّ شيء ذهبَ عنه ضِعْفَ، وعن ابنِ عبَّاس قال:" سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ ﴾ فقالَ: " يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، رَدَّ اللهُ امْرَأتَهُ وَزَادَ فِي شَبَابهَا حَتَّى وَلَدَتْ لَهُ سِتَّةً وَعِشْرِيْنَ ذكَراً " "قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا ﴾؛ أي فَعَلْنَا ذلك به رحمةً من عندنا.
﴿ وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ ﴾؛ أي وموعظةً للمطيعين. قال وهبُ بن مَنبه: (كان أيوبُ عليه السلام رجلاً من الرُّوم من ذريَّة اسحاق بن إبراهيمَ وكانت أمُّهُ من ولدِ لُوطٍ، وكان اللهُ قد اصطفاهُ وبناه وبسطَ عليه الدُّنيا، وآتاهُ من أصناف المال من البقرِ والإبل والغنم والخيل والْحُمُرِ ما لا يؤتيهِ أحداً، وكان قد أعطاهُ الله أهلاً ووَلداً من رجالٍ ونساء، وكان له خمسمائة عبدٍ، لكلِّ عبدٍ امرأةٌ وولد ومال. وكان أيوبُ عليه السلام بَرّاً تَقِيّاً رحيماً بالمساكين، يُكْرِمُ الأراملَ والأيتام ويَكْفُلُهُمْ، ويُكْرِمُ الضيفَ، وكان شَاكراً لأنْعُمِ اللهِ، مؤدِّياً لحقِّ الله، قد امتنعَ من عدوِّ الله إبليسَ أن يصيبَ منه ما يصيبُ من أهلِ الغِنَى من الفتنةِ والغفلة والشَّهوة والتشاغُلِ عن أمر الله بما هو فيه من الدُّنيا، وكان كثيرَ الذكرِ لله تعالى مجتهداً في العبادةِ، وكان إبليسُ لا يُحْجَبُ عن شيءٍ من السَّماوات. ومن هنا وصلَ إلى آدمَ عليه السلام حين أخرجَهُ من الجنةِ، فلم يزلْ على ذلك يصعدُ في السَّماوات حتى رفعَ اللهُ عيسى عليه السلام فحُجِبَ من أربعٍ، وكان يصعدُ في الثلاثِ، فلمَّا بعثَ الله مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم حُجِبَ من الثلاثِ الباقيات، فهو وجنودهُ مَحْجُوبُونَ من جميعِ السماوات إلى يوم القيامةِ إلاّ مَن اسْتَرَقَ فأتبعهُ شهابٌ ثاقب. فلما كان إبليسُ في زمان أيوبَ يصعدُ إلى السَّماء، سَمِعَ تحاديثَ الملائكة بصلاة أيوبَ، وذلك حين ذكَرَهُ اللهُ وأثنى عليهِ، فأدركَهُ الحسدُ بأيوب، فصعدَ سريعاً حتى وَقَفَ مِن السماوات موقفاً كان يَقْفُهُ، وقال: إلَهي؛ عبدُكَ أيوبُ قد أنعمتَ عليه فشكركَ، وعَافَيتَهُ فَحَمِدَكَ، ولَم تُجَرِّبْهُ بشدَّة ولا بلاءٍ، وأنا لك زعيمٌ لَئِنْ جرَّبتَهُ بالبلاءِ ليَكْفُرَنَّ بكَ. فقالَ اللهُ تعالى: انطلق؛ فَقَدْ سَلَّطْتُكَ على مالهِ، فانقضَّ إبليسُ حتى وقعَ على الأرضِ وجَمَعَ عفاريتَ الجنِّ وقال لَهم: ماذا عندَكُم من القوَّة؟ فإنِّي قد سُلِّطْتُ على مالِ أيُّوبَ، وهي المصيبةُ الكبرى والفتنةُ التي لا تَصْبرُ عليها الرجالُ، فقال عفريتٌ من الجنِّ: أعطيتُ من القوةِ ما إذا شِئْتُ تَحَوَّلْتُ إعصاراً من النار، وأحرقتُ كلَّ شيءٍ أتى عليه، فقال لهُ ابليسُ: إذهب إلَى الإبلِ ورُعاتِها، فذهب إلى الإبلِ فوجدَها في المرعى، فلم يشعُرِ الناسُ حتى ثارَ إعصارٌ تنفخُ منه السَّموم، لا يدنو منهُ أحدٌ إلاّ احترقَ، فلم يزل يُحرِقُها ورعاتَها حتى أتى على آخرِها. فلمَّا فَرَغَ منها تَمَثَّلَ إبليسُ على قعودٍ منها كَرَاعِيْهَا، وانطلقَ إلى أيوبَ فوجده قائماً يصَلِّي، فقال: يا أيوبُ؛ هل تدري ما صَنَعَ ربُّكَ الذي اخترتَهُ وعبدته بإبلِكَ ورُعاتِها؟ فقال أيوبُ: إنَّها مالهُ أعارَنِيَها وهو أولَى به منِّي إذا شاءَ نَزَعَهُ، وقد وَطِئْتُ نفسي ومالِي على أنَّهما للفناءِ. فقال إبليسُ: إن رَبَّكَ أرسلَ عليها ناراً فاحترقت هي ورعاتُها، فصارت الناسُ مبهوتون يتعجَّبون منهم، ويقولون: لو كان إلَهُ أيوبَ يقدرُ على أن يصنعَ شيئاً لَمَنَعَ عن إبلِ وليِّه، وقومٌ منهم يقولون: بل إلَهُ أيوبَ هو الذي فَعَلَ ذلك، أشْمَتَ به عدوَّهُ وتجمع به صَدِيْقَهُ. فقالَ أيوبُ: الحمدُ لله على ما قَضَى اللهُ وقَدَّرَ، ولو عِلَمَ اللهُ منك أيُّها العبدُ خيراً لَتَقَبَّلَ روحَكَ مع تلك الأرواحِ، فَيَأْجُرُنِي اللهُ فيك وتَموتُ شهيداً، ولكنه عَلِمَ منك شَرّاً فَأْخَّرَكَ وخلَّصكَ. فرجعَ إبليسُ إلى أصحابهِ خَاسِئاً ذليلاً، فقال لَهم: ماذا عندَكم من القوَّة؟ إنِّي لَم أُخْرِجَ قَلْبَهُ، فقال عفريتٌ: عندي من القوَّة ما إذا شئتُ ضجت صوتاً ما سَمعه ذو روحٍ إلاّ خرجت روحهُ، فقال إبليسُ: إذهب إلى الغَنَمِ ورعاتِها، فانطلَقَ إليهم، فلما تَوَسَّطَ الغنمَ والرُّعاةَ صاح صوتاً فماتوا جميعاً. ثُم خرجَ إبليسُ متمثِّلاً براعٍ من رعاتِها إلى أيوبَ فأخبرَهُ بذلك، فحمدَ الله وقال لهُ مِثْلَ ما قال في المرَّة الأُولى، فرجعَ إبليسُ إلى أصحابهِ ذليلاً خاسئاً وأمَرَهُمْ إلى أصحاب الحرث والزُّروعِ فأهلَكُوهم. وكان أيوبُ عليه السلام كلَّما انتهى إليه هلاكُ مالٍ من ماله حَمَدَ الله وأثنَى عليهِ ورَضِيَ بالقضاءِ، وألزمَ نَفْسَهُ الصبرَ على البلاءِ حتى لَم يبق له مالٌ. فلما رأى إبليسُ أم مَالَهُ قد فَنِيَ، وأنه لَم يُصِبْ منه حاجتَهُ صَعَدَ إلى السماءِ وقالَ: يا رب؛ إن أيوبَ يرى أنك ما أهلكتَ مِن ماله أخلَفْتَهُ عليهِ، فهل أنتَ مُسَلِّطُنِي على أولادهِ؟ فإنَّها الفتنةُ الْمُضِلَّةُ والمصيبةُ التي لا يقومُ لَها قلوبُ الرجالِ، ولا يقوَى عليها صبرُهم، فَسَلَّطَهُ اللهُ على ذلك. فانقضَّ إبليسُ حتى جاء إلى أولادِ أيوبَ وهم في قصورِهم، فلم يزل يُزَلْزِلُهُ بهم حتى تَدَاعَى من قواعدهِ، ثم جعل يَرْقَبُهُمْ بالخشب والحجارة حتى مَثَّلَ بهم كلَّ مُثْلَةٍ، ثُم ذهبَ إبليسُ إلى أيوبَ متمثِّلاً بالمعَلِّم الذي كان يعلِّمُهم الحكمةَ وهو مجروحٌ يسيلُ دَمُهُ ودماغه، فأخبرَهُ بذلكَ، فقال لهُ: يا أيوبُ؛ لو رأيتَ بَنِيْكَ كيف حالُهم، منكَّسِين على رؤوسهم يسيلُ دماغُهم من أُنوفهم، ولو رأيتَ كيف شُقِقَتْ بطونَهم، وتناثرت أمعاؤُهم لَتَقَطَّعَ قلبُكَ عليهم، ولَم يزل يردِّدُ هذا القولَ حتى رَقَّ قلبهُ وبكى، فقبضَ قبضةً من التراب ووضعه على رأسهِ، فَاغْتَنَمَ إبليسُ ذلك وصَعَدَ سريعاً بالذي كان مِن جَزَعِ أيوبَ، ثُم لَم يلبث أيوبُ أنْ نَدِمَ على ذلكَ واستغفرَ رَبَّهُ، فصعدتِ الملائكةُ بتوبته فسَبَقُوا إبليسَ. فوقفَ إبليسُ خَازياً ذلِيْلاً، وقال: إلَهي هل أنتَ مُسَلِّطُنِي على جسدهِ فإنِّي زعيمٌ لكَ إن سَلَّطْتَنِي عليه لَيَكْفُرَنَّ بكَ، فقال اللهُ تعالى: قد سَلَّطْتُكَ على جسدهِ، ولكن ليس لك سلطانٌ على لسانهِ ولا على قلبه، ولَمْ يُسَلِّطْهُ اللهُ عليه إلاّ ليُعظِمَ له الثوابَ، ويجعله عبرةً للصابرين، وذكرى للعابدين؛ ليقتَدوا به في الصبرِ. فانقضَّ إبليسُ سريعاً فوجدَ أيوب سَاجِداً، فأتاهُ من قِبَلِ الأرضِ في وجهه، فنفخَ في مِنْخَرَيْهِ نفخةً اشتعلَ منها جسدهُ، فذهَلَ وخرجَ به من قَرْنِهِ إلى قدمهِ مثل ثَآئِيلَ ووقعت عليه حَكَّةٌ لا يَملكُها، فَحَكَّ بأظفارِ حتى سقطت كلُّها، ثم حَكَّهَا بالفخَّارِ والحجارة، فلم يَزَلْ يَحُكُّهَا حتى نَزَلَ لحمهُ وتقطَّعَ وتغيَّر وَانْتَنَّ، فأخرجَهُ أهلُ القرية، وجعلوه على كِنَاسَةٍ، واعتزله جميعُ الناس إلاّ امرأتَهُ (رَحْمَةُ بنتُ إفرائيم بن يوسفِ بن يعقوب) فإنَّها كانت تتخلَّفُ إليه بما يصلحهُ ويلزمه. فلما طالَ عليه البلاءُ، وتَمادى عليه الضُّرُّ، ورفضه جميعُ الناسِ حتى أهلَ دِيْنِهِ تركوهُ ولَم يتركوا دينَهُ، فأقبلَ على الدُّعاء متضرِّعاً، وقال: إلَهِي؛ لأيِّ شيءٍ خلقتني؟ ليتَكَ لَم تخلقني، بل ليتنِي كنتُ حيضةً ألقتني أُمِّي، فلو كنتَ أمتَّنِي كان أجملَ بي، إلَهي أنا عبدٌ ذليل، إنْ أحسنتَ إلَيَّ فَالْمَنُّ لَكَ، وإن عاقبتَني فبيدكَ عُقوبَتي، جعلتَني للبلاءِ غَرَضاً وللفتنةِ نَصباً، وقد وقعَ بي بلاءً لو سَلَّطْتَهُ على جبلٍ أضعفَ عن حملهِ، فكيف يحملهُ ضعفي؟إلَهي تقطَّعت أصابعي فإنِّي لا أقدرُ أحمل اللقمةَ بيدي، إلَهي تساقطت لَهَواتِي ولحمُ رأسي، وما يرادُ بي، وسالَ دِماغي من فمي، وتساقط شعرُ عيني، وكانَّما أُحْرِقَ وجهي، فحدقتايَ متدلِّيتان على وجهي، ووَرمَ لسانِي حتى ملأَ فمي فما أدخلُ فيه طعامي إلاّ غصَّها، ووَرمَتْ شفتَايَ حتى غَطَّتِ العليا أنفي، وغطَّت السُّفلى ذقْنِي، وتقطَّعت أمعائي في بطني. إلَهي ذهَبَتْ قوَّة رجلاي حتى لا أطيقُ حملَها، وذهبَ المالُ حتى صِرْتُ أسألُ اللقمةَ مَن كنتُ أعُولُهُ فيمنُّها عليَّ ويعيِّرُنِي. إلَهي هَلَكَ أولادي ولَم تُبْقِ منهم واحداً لإعانتي ونفعني، إلَهي قد مَلَّنِي أهلي وعفَّني أرحامي وأنكرنِي معارفي، وأعرضَ عني صديقي وهجرنِي أصحابي، وجُحدت حقوقي ونُسيت صَنائعي. أصرخُ فلا أحدَ يصرخني، وأعتذرُ فلا أحد يَعْذُرُنِي، وأدعو فلا أحدَ يجيبُ. إن فضلكَ هو الذي أذلَّني وأعمانِي، وسلطانكَ هو الذي أسقمَني وأنْحَلَنِي، فلو أن ربي فرغَ الهيبةَ التي في صدرِي وأطلقَ لسانِي حتى أتكلمَ بما ينبغي للعبدِ أن يُحَاجَّ عن نفسه لرجوتُ أن يصافيني، ولكنه ألقانِي وتعالَى عني، فهو يرانِي ولا أراهُ، ويسمعُني ولا أسمعه لا هو نَظَرَ إلَيَّ فرحمني ولا هو أدنانِي منه فأتكلمُ بحاجتي، وأنطق ببراءتِي وأخاصمُ عن نفسي. فلما قال ذلك أيوبُ، نُودِيَ: يا أيوبُ؛ إنِّي لَم أزل منكَ قريباً، فَقُمْ خاصِمْ عن نفسِكَ، وتكلَّم ببراءتك، وشُدَّ إزاركَ، وقُمْ مقامَ جبَّار لتخاصمني. يا أيوبُ؛ إنكَ أردتَ أن تخاصمني بعيبك، وتحاجني بخطئكَ، أم أردتَ أن تُكاثرَنِي بضعفك، أين أنتَ منِّي يوم خلقتُ السماواتِ والأرض؟ هل علمتَ بأيِّ مقدار قدرتُها، أم كنتَ معي يوم مددتُ أطرافها، أم هل علمتَ ما في زواياها؟أين أنتَ منِّي يوم سَخَّرْتُ البحارَ وانبعثت الأنْهار، أقُدْرَتُكَ حبَسَتِ البحارَ وأمواجَها؟ أم قُدْرَتُكَ محت الأرحامَ حين بلغت مدَّتَها؟ أين أنتَ يوم نصبتُ شوامخَ الجبال، ويوم صببتُ الماء على التراب؟ أبحكمتكَ أحصيتَ القطرَ وقسَّمت الأرزاقَ؟ أم قدرتُكَ تسيِّرُ السحابَ؟ أم هل خزنت أرواح الأمواتِ خزانة الثلج وجبال البَرد؟ وهل تدري أينَ خِزانة الليل والنهار؟ وأين طريقُ النور، ومن جعل العقول في أجوافِ الرِّجال؟ أين أنتَ يا أيوبُ يوم خلقتُ التنين رزقه في البحر ومسكنه في السحاب، عيناهُ توقدان نَاراً ومنخراهُ يثوران دخاناً، يثور منهما لَهباً كأنه إعصارٌ، النار جوفهُ يحترق ونَفَسُهُ تلتهبُ، كأنَّ صريفَ أسنانهِ أصواتُ الصواعق، وكأنَّ وسطَ عينه لَهيبُ البرقِ، لا يفزعه شيء، ويهلكُ كلَّ شيء يَمر عليه، هل أنتَ يا أيوبُ آخذه بأُحبولَتِكَ، أو واضعُ اللِّجام في شدقه؟ هل تحصي عمره أو تعرفُ أجله أو تعطيه رزقه؟. فقالَ عند ذلك أيوبُ: قَصُرْتُ عن هذا الأمرِ، ليتَ الأرضَ تنشقُّ لِي فأذهبُ فيها، اجتمعَ عليَّ البلاءُ الحي، قد جعلتني لكَ كالعدوِّ، وقد كنتَ تُكرِمُني إلهي، هذه كلمةٌ زلَّت على لسانِي فلن أعودَ بشيءٍ تكرههُ مني، قد وضعتُ يدي على فمِي، وعضَضْتُ على لسانِي، وألصقتُ خَدِّي بالتراب ودَسَّيْتُ فيه وجهي لِذِلِّي وسكتُّ كما أسكتتني خطيئتي، ربي اغفِرْ لِي ما قُلْتُ فلا أعودُ لِمثله أبداً. فقال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يا أيوبُ؛ قد نَفَدَ فيك عِلْمِي، وسبقت رحَمَتي غضَبي، إن أخطأتَ فقد غفرتُ لك، ورددتُ عليك مالكَ وأهلك مثلَهم معهم؛ لتكون لِمن خلفكَ آيةً، وتكونَ عبرةً لأهلِ البلاء وعِبرةً للصابرين، ارْكُضْ برجلِكَ، هَذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ فِيْهِ شِفَاؤُكَ فاركُضْ برجلِكَ، فانفجرت له عينٌ فدخلَ فيها فاغتسلَ منها، فأذهبَ الله عنهُ كلَّ ما كان به من البلاءِ. فأَقْبَلَتِ امرأتهُ تَلْتَمِسُهُ في مضجعهِ فلم تَجِدُهُ، فقامت كَالْوَالِهَةِ فوجدته جالساً عند العينِ فلم تعرفْهُ، فقالت لهُ: يا عبدَ اللهِ؛ هل لكَ عِلْمٌ بالرجلِ الْمُبْتَلَى الذي كان ها هنا؟ فقال: وَهَلْ تعرفينهُ؟ قالت: نَعَمْ؛ وما لِي لا أعرفهُ؟ فَتَبَسَّمَ فقال أنه هو، فَعَرَفَتْهُ بمَضْحَكِهِ، فاعتنقتهُ). قال ابنُ عبَّاس: (فَوَا الَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ؛ مَا فَارَقَتْهُ مِنْ عِنَاقِهِ حَتَّى مَرَّ بِهِمَا كُلُّ مَالٍ لَهُمَا وَوَلَدٍ). قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم" أقَامَ أيُّوبُ فِي بَلاَئِهِ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً، فَرَفَضَهُ الْقَرِيْبُ وَالْبَعِيْدُ "وقال الحسنُ: (مكثَ أيوبُ مطروحاً على كِنَاسَةٍ في مزبلةٍ سبعَ سنين، وكان مع ذلك لا يَفْتَرُ عن ذكرِ الله والثَّناءِ عليه، والصبرِ على بلائه. فصرخَ إبليسُ صرخةً جَمع فيها جنودَهُ من أقطارِ الأرض جَزَعاً من صبرِ أيوبَ، فلمَّا اجتمعوا إليه قالُوا له: ما أصابكَ؟ قال: أعيَانِي هذا العبدُ الذي سألتُ اللهَ أن يُسَلِّطَنِي عليهِ وعلى ماله وولدهِ، فلم أدَعُ له مالاً ولا وَلداً، فلم يَزْدَدْ إلاّ صَبراً وثناءً على اللهِ، ثُم سُلِّطْتُ على جسدهِ فتركتهُ جيفةً ملقًى على كناسةِ بني إسرائيلَ لا يقربهُ إلاّ امرأتَهُ، فاستغثتُ بكم لِتُقَوُّونِي عليه. فقالوا له: وأين مَكْرُكَ وأين خداعُكَ الذي أهلكتَ بها من مضَى من الأممِ؟ قال: بَطَلَ ذلك كله مع أيوبَ، فأشيروا عليَّ. قالوا: أنتَ حين أخرجتَ آدم من الجنَّة من أين أتيتهُ؟ قال: مِن قِبَلِ امرأتهِ، قالوا: فشأنُكَ بأيوبَ مِن قِبَلِ امرأتهِ، فإنه لا يعصِيها وليس يقربهُ أحدٌ غيرُها. قال: أصبْتُم، فانطلقَ حتى أتى امرأتَهُ فتمثَّلَ لها في صورةِ رجُلٍ، فقال: أين بعلُكِ يا أمَةَ اللهِ؟ قالت: هو ذاكَ يَحُكُّ قروحَهُ والدودُ يتردَّدُ في جسدهِ، فوَسْوَسَ إليها وذكَّرَها بأيامِ شباب أيوبَ وجماله، وما كانا فيه من النِّعَمِ والحال الطيِّب، وكيفَ تَقَلَّبَ عليهم الزمانُ حتى صارَ أيوبُ في هذا الضَّررِ العظيم، ولَم يزل يذكِّرُها بأيامٍ قد مضت حتى أبكَاهَا، فلما عَلِمَ أنَّها قد جَزِعَتْ وحزنت، أتَاهَا بسَخْلَةٍ وقال لَها: قُولِي لأيوبَ يذبحُ هذه الشاة لِي وهو يبرأُ. قال: فجاءت إلى أيوب وقالت لهُ: إلى متى يُعَذِّبُكَ اللهُ ألاَ يرحمُكَ؟ أين المالُ، أين الماشيةُ، أين الولدُ، أين لونُكَ الحسنُ؟ قد تغير وصارَ كما ترى، أين جسمُكَ الحسنُ؟ قد بَلِيَ وتردَّد فيه الديدانُ، فَاذْبَحْ هذه السخلةَ لِمن أمرَنِي واسترح. فقال لها أيوبُ: أتاكِ عدوُّ الله فنفخَ فيك فَاحِشَهُ، ويلك أرأيتِ الذي تبكينَ عليه من المال والولدِ والصحَّة، مَن أعْطَانِيَهُ؟ قالت: اللهُ، قال: فَكَمْ مُتِّعْنَا به؟ قالت: ثَمانين سنةً، قال: فَكَمِ ابتلانا الله؟ قالت: سبعَ سنين، قال: وتلك ما عَدَلَتْ ولا أنصفتْ، ألاَ صبرْتِ حتى تكون في البلاءِ ثَمانين سنةً، كما كنا في الرَّخاء ثَمانين سنةً، واللهِ لئن شَفَانِي اللهُ لأجلدنَّكِ مائة جلدةٍ، كيف تأمرِيني أن أذبحَ لغيرِ الله؟ طعامُكِ وشرابُكِ عليَّ حرامٌ أن أذوقَ شيئاً مِما تأتينِي به بعد إذا قُلْتِ لِي هذا القولَ، فاعتزلِي عنِّي ولا أراكِ، فطرَدَها فذهَبتْ. وقال وهبُ: (لَمْ يَأْمُرْهَا إبْلِيْسُ بذبحِ السَّخْلَةِ، وَإنَّمَا قَالَ لَهَا: لَوْ أنَّ بَعْلَكِ أكَلَ طَعَاماً، وَلَمْ يُسَمِّ عَلَيْهِ لَعُوفِيَ مِنَ الْبَلاَءِ). وروي: أن إبليسَ قال لَها: اسجُدِي لِي سجدةً وأردُّ عليكِ المالَ والأولاد وأُعافِي زوجَكِ، فأنا الذي صنعتُ بكم ما صنعتُ، فرجعت إليه فأخبرتْهُ بذلك، فقال لَها: أتاكِ عدوُّ الله لِيَفْتِنَكِ عن دِيْنِكِ، وحلفَ إنْ عافاهُ الله ليضربَنَّها مائةَ جلدةٍ، وحرَّم طعامَها وشرابَها وطرَدَها، فلما نظرَ أيوبُ إلى أنه قد طردَ امرأته وليس عندهُ طعامٌ ولا شراب ولا صديقٌ خَرَّ ساجداً للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وقال: إلَهي مسَّنِي الضُّرُّ وأنتَ أرحمُ الراحمين، مِن طمعِ إبليس في سجود امرأتِي له، ودعائه إياها وإيَّاي إلى الكفرِ). وإنَّما قال (مَسَّنِيَ الضُّرُّ) حين قصدَت الدُّودةُ إلى قلبهِ ولسانه، فخَشِيَ أن يَفْتَرَ عن ذكرِ الله، وَقِيْلَ: إنَّما قال ذلكَ حين أتاهُ صديقان فقامَا مِن بعيدٍ لا يقدرون على الدُّنُوِّ منهُ من ريحهِ، فقال أحدُهما لصاحبه: لو عَلِمَ اللهُ في أيُّوبَ خيراً ما ابتلاهُ بما ترى، قال: فما سَمِعَ أيوبُ شيئاً كان أشدَّ عليه من هذه الكلمةِ، فعند ذلك قالَ: مَسَّنِيَ الضُّرُّ من شَماتة الأعداءِ، يدلُّ عليه ما روي أنه قيل لهُ بعد ما عُوفِيَ، ما كان أشدَّ عليك في بَلائِكَ؟ قال: شَماتةُ الأعداءِ، وأنشَدُوا في معناهُ: كُلُّ الْمَصَائِب قَدْ تَمُرُّ عَلَى الْفَتَى فَتَهُونُ غَيْرَ شَمَاتَةِ الْحُسَّادِكُلُّ الْمَصَائِب تَنْقَضِي أيَّامُهَا وَشَمَاتَةُ الْحُسَّادِ بالْمِرْصَادِقال وهبُ: (فلما طردَ أيوبُ امرأتَه، وبقي وحيداً ليسَ معه مَن يُطْعِمُهُ ويسقيهِ، قال عند ذلكَ: يَا رَب إنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأنْتَ أرْحَمُ الرَّاحِميْنَ، فقال لهُ اللهُ: إرفَعْ رأسَكَ؛ فقد استَجَبْتُ لكَ، ارْكُضْ برجلِكَ، فركضَ برجلهِ، فَنَبَعَتْ عينٌ فاغتسلَ منها، فلم يبقَ مِن دائهِ شيءٌ ظاهرٌ إلاَّ سقطَ عنه، وأذهب اللهُ عنه كلَّ ألَمٍ وسَقَمٍ، وعاد إليه شبابهُ وجماله أحسنَ مما كان وأفضلَ، ثُم ضربَ برجله فَنَبَعَتْ عينٌ أُخرى، فشَرِبَ منه، فلم يبقَ في جوفه داءٌ إلاّ خرجَ، فقام صَحيحاً وكُسِيَ حُلَّةً، ثُم الْتَفَتَ عن يَمينه فرأى جميعَ ما كان له من أهلٍ ومال وولدٍ، وقد صار معهم مثلُهم، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا ﴾.
قال وهب: (كَانَ لَهُ سَبْعُ بَنَاتٍ وَثَلاَثَةُ بَنِيْنَ)، وقال ابنُ يسار: (سَبْعَةُ بَنِيْنَ وَسَبْعُ بَنَاتٍ، فَرَدَّهُمُ اللهُ بأَعْيَانِهِمْ، وَأعْطَاهُ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) وهذا قولُ ابنِ مسعود وقتادةُ وكعب، قالوا: (أحْيَاهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَأبْدَلَهُ بكُلِّ شَيْءٍ ذهَبَ عَنْهُ ضِعْفَيْنِ)، قال ابنُ عبَّاس: (رَدَّ اللهُ امْرَأتَهُ فِي شَبَابهَا حَتَّى وَلَدَتْ لَهُ سِتَّةً وَعِشْرِيْنَ وَلَداً ذكراً). قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا ٱلْكِفْلِ ﴾؛ أي واذكُرْ إسْمَاعِيلَ وَإدْرِيسَ وَذا الْكِفْلِ، واختلفوا في ذكرِ ذي الْكِفْلِ، قال أبو موسى الأشعريُّ وقتادة ومجاهدُ: (كَاَن ذُو الْكِفْلِ رَجُلاً صَالِحاً تكفَّل لنبيٍّ من الأنبياءِ أنه يصومُ النهار ويقوم الليلَ، وأن لا يغضبَ ويقضي بالحقِّ، فوفَّى بذلك كله، فأثنَى اللهُ عليه وذكَرَهُ مع الأنبياءَ. وذلك أن نبيّاً من بنِي إسرائيل أوحَى اللهُ إليه: أنِّي أريدُ قَبْضَ روحِكَ، فاعْرِضْ مُلْكَكَ على بني إسرائيل، فمَنْ تَكَفَّلَ لكَ أن يصلي بالليلِ لا يَفْتَرَ، ويصومَ النهار ولا يُفْطِرَ، ويقضي بين الناسِ ولا يغضبَ، فادفع مُلْكَكَ إليه. ففعل ذلكَ، فقامَ شابٌّ فقالَ: أنا أتَكَفَّلُ لكَ بهذا، فتكفَّلَ ووفَّى به، فشَكَرَهُ اللهُ وأثنى عليهِ، ولذلك سُمي ذا الْكِفْلِ). وقال الحسن: (هُوَ نَبيٌّ اسْمُهُ ذُو الْكِفْلِ) ومعنى ذُو الِكفْلِ؛ أي ضُوعِفَ ثوابهُ على ثواب غيره مِمن آمَنَ به في زمانهِ. وقال مجاهدُ أيضاً: (لَمَّا كَبرَ الْيَسَعُ عليه السلام قالَ: لو أنِّي استخلفتُ رجلاً على الناسِ يعملُ عليهم في حياتِي حتى أنظرَ كيف يعملُ، قالَ: فجمعَ الناسَ وقال: مَن يَتَكَفَّلُ لِي بثلاثةٍ اسْتَخْلَفْتُهُ: يصومُ النهارَ، ويقومُ الليلَ، ويحكمُ بين الناس ولا يغضبُ؟ فقام رجلٌ تُرد به العيون فقال: أنا، فردَّهُ في ذلك اليومِ، ثُم قال كذلكَ في اليوم الثانِي، فقامَ ذلك الرجل فردَّهُ، فقال مثلَ ذلك في اليومِ الثالث، فقامَ ذلك الرجلُ، فاستخلفَهُ فَوَفَّى بذلك كله). قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّابِرِينَ ﴾؛ أي على طاعةِ الله وعن معاصيه.
﴿ وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ ﴾؛ يعني ما أنْعَمَ اللهُ عليهم من النبوَّة، وما صيَّرهم اليه في الجنَّةِ من الثواب.
﴿ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾؛ إذا دَعَوْنِي، كما نَجَّينا ذا النُّون. قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" " اسْمُ اللهِ إذا دُعِيَ بهِ أجَابَ، وَإذا سُئِلَ بهِ أُعْطَي: دَعْوَةُ يُونُسَ بْنِ مَتَّى " قِيْلَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ هِيَ لِيُونُسَ خَاصَّةً أمْ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِيْنَ؟ قَالَ: لِيُونُسَ خَاصَّةً، وَلَهُ وَلِلْمُؤْمِنِيْنَ عَامَّةً، أُدْعُوا بهَا، ألَمْ تَسْمَعْ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ ". واختلفَتِ القراءاتُ في قولهِ ﴿ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾، قرأ ابنُ عامرٍ وأبو بكرٍ: (نُجِّي الْمُؤْمِنِيْنَ) بنون واحدةٍ وتشديد الجيمِ وتسكين الياءِ. وجميعُ النحويين حَكَمُوا على هذه القراءةِ باللَّفظِ، وقالوا: هي لَحْنٌ، ثُم ذكرَ الفرَّاء لَها وجهاً فقالَ: أضْمَرَ الْمَصْدَرَ فِي (نُجِّي) أي نُجِّيَ النِّجاءُ الْمُؤْمِنِيْنَ، كَقَوْلِكَ: ضَرَبْتُ الضَّرْبَ زَيْداً عَلَى إضْمَار الْمَصْدَر؛ أي ضُرِبَ الضَّرْبَ زَيْداً، وقال الشاعر: وَلَوْ وَلَدَتْ قُفَيْرَةُ جَرْوَ كَلْبٍ لَسُبَّ بذلِكَ الْجَرْو الْكِلاَبَاومِمن صوَّبَ هذه القراءةَ أبو عُبيد، وأما أبو حاتَم السَّجستانِيُّ فإنه لَحَنَهَا ونسبَ قارئَها إلى الجهلِ وقال: (هَذا لَحْنٌ لاَ يَجُوزُ فِي اللُّغَةِ، وَلاَ يُحْتَجُّ بمِثْلِ ذلِكَ الْبَيْتِ عَلَى كِتَاب اللهِ، إلاَّ أنْ تَقُولَ: وَكَذِكَ نُجِّيَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَوْ قَرَأ ذلِكَ لَكَانَ صَوَاباً). قال أبو علي الفارسيُّ: (هَذا إنَّمَا يَجُوزُ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ، فَإنْ قِيْلَ: لِمَ كُتِبَ فِي الْمَصَاحِفِ بنُونٍ وَاحِدَةٍ؟ قِيْلَ: لأنَّ الثَّانِيَةَ لَمَّا سُكِّنَتْ وَكَانَ السَّاكِنُ غَيْرَ ظَاهِرٍ عَلَى اللِّسَانِ حَذفَهُ، كَمَا فَعَلَ ذلِكَ فِي (ألاَّ) فَحَذفُوا النُّونَ مِنْ (أنْ لاَ) لخفائها إذا كَانْتْ مُدْغَمَةً فِي اللاَّمِ).
﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾؛ عَقْرَ امرأتهِ، قال قتادةُ: (كَانَتْ عَقِيْماً فَجَعَلْنَاهَا وَلُوداً)، وَقِيْلَ: كانت سيِّئة الْخُلُقِ فرزَقَها اللهُ حُسن الْخُلقِ. وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ ﴾؛ أي يُبَادِرُونَ إلى الطاعات مخافةَ أن يَعْرِضَ لَهم ما يَشْغَلُهُمْ عنها، ويعني بذلكَ زكريَّا وامرأتَهُ ويَحيى، وقال بعضُ المفسِّرين: الكنايةُ تعود على الأنبياءِ الذين ذكَرَهم اللهُ في هذه السورةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً ﴾؛ أي طَمَعاً في ثوابنا وخَوْفاً من عقابنا.
﴿ وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ ﴾؛ أي خاضِعين حَذِرينَ.
﴿ فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا ﴾؛ أي نَفَخَ جبريلُ في جَيْب دِرْعِهَا بأمرِنا، والمعنى: وَاذْكُرِ التي حَفَظَتْ فرجَها مما لا يحلُّ. وقولهُ تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَاهَا وَٱبْنَهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾؛ أي دلالةً للعالَمين من حيث أنَّها جاءت بالولدِ من غير بَعْلٍ، تكلَّم في المهدِ بما يوجبُ براءةَ شأنِها من العيب، وفي ذلك دليلٌ على مَقْدُورَاتِ الله، وعلى هذا لَم يقل آيَتَينِ؛ لأنَّ شأنَهما في الدلالةِ كان واحداً.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يٰوَيْلَنَا ﴾؛ أي قالوا يَا وَيْلَنَا؛ ﴿ قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا ﴾؛ اليومِ في الدُّنيا.
﴿ بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾؛ لأنفُسِنا بالكفرِ.
﴿ وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾؛ يعني العابدُ والمعبودُ.
﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ﴾؛ أي حِسَّهَا وحركةَ تلهُّبها، والمعنى: لا يسمعون صوتَ النارِ.
﴿ وَهُمْ فِي مَا ٱشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ ﴾؛ أي فِي مَا اشْتَهَتْ أنفُسُهُمْ من نعيمِ الجنَّة مقيمون دائمون.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَتَتَلَقَّاهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ ﴾؛ أي بالتَّهنئةِ على باب الجنَّة، فيقولون لَهم: ﴿ هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴾.
والطَّيُّ في هذه الآيةِ يحتملُ معنَيين؛ أحدهما: الدَّرْجُ الذي هو ضِدُّ النَّشْرِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى:﴿ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ﴾[الزمر: ٦٧].
والثَّانِي: الإخفاءُ والتَّعْمِيَةُ والْمَحْوُ والطَّمسُ؛ لأن اللهَ تعالى يَمحُو رسُومَها ويُكْدِرُ نُجومَها. وَقِيْلَ: معنى قولهِ تعالى ﴿ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ﴾: كما بدأنَاهُم في بطُونِ أمَّهاتِهم حفاةً عُراة غُرْلاً، كذلك نعيدُهم يومَ القيامةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَعْداً عَلَيْنَآ ﴾؛ نُصِبَ على المصدرِ بمعنى: قد وَعَدْنَاهم هذا وَعْداً، قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾؛ ما وعَدْنَاكم مِن ذلك، وَقِيْلَ: فاعلينَ الإعادةَ والبعثَ.
﴿ فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ ﴾؛ أي أعلمْتُكم بالوحي من اللهِ على سواءٍ في الإعلامِ؛ أي لَم أُظْهِرْ بعضَكم على شيءٍ كتمتهُ عن غيرهِ. وَقِيْلَ: عَلَى سَوَاءٍ في العلمِ، إنِّي حربٌ لكم لا صُلْحَ بيننا، وإنِّي مخالفٌ لدِينكم فتأهَّبوا لِما يُراد بكم؛ إذ ليس العِنَادُ من أخلاقِ الأنبياء صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَإِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ ﴾؛ أي مَا أدْري متى توعدون به من العذاب.
﴿ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ﴾؛ آجالِكُم؛ أي تُمتَّعون إلى انقضاءِ آجالِكم.