تفسير سورة سورة الزمر من كتاب حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن
المعروف بـحدائق الروح والريحان
.
لمؤلفه
محمد الأمين الهرري
.
المتوفي سنة 1441 هـ
ﰡ
نزولها: ما أخرجه جويبر عن ابن عباس قال: إنها نزلت في ثلاثة أحياء: عامر، وكنانة، وبني سلمة، كانوا يعبدون الأوثان، ويقولون: الملائكة بناته، فقالوا: ﴿ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى﴾.
قوله تعالى: ﴿أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ...﴾ الآية، سبب نزولها ما أخرجه ابن أبي حاتم، عن ابن عمر قال: إنها نزلت في عثمان بن عفان، وأخرج ابن سعد، عن طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، قال: نزلت في عمار بن ياسر، وأخرج ابن جويبر، عن ابن عباس، قال: نزلت في ابن مسعود، وعمار بن ياسر، وسالم مولى أبي حذيفة، وأخرج جويبر عن عكرمة قال: نزلت في عمار بن ياسر.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿تَنْزِيلُ الْكِتابِ﴾؛ أي (١): القرآن، وخصوصًا منه هذه السورة الشريفة، وهو مبتدأ، خبره قوله: كائن ﴿مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ﴾ في حكمه ﴿الْحَكِيمِ﴾ في تدبيره، لا من غيره. كما يقول المشركون: إن محمدًا - ﷺ -، تقوله من تلقاء نفسه، وإلى هذا ذهب الزجاج، وقيل معناه: تنزيل الكتاب من الله، فاستمعوا له، واعملوا به، فهو كتاب عزيز، نزل من رب عزيز، على عبد عزيز، بلسان ملك عزيز، في شأن أمة عزيزة، والتعرض لوصفي العزة والحكمة، للإيذان بظهور أثريهما في الكتاب بجريان أحكامه، ونفاذ أوامره، ونواهيه، من غير مدافع ولا ممانع، وبابتناء جميع ما فيه على أساس الحكم الباهرة، وفي «فتح الرحمن»: العزيز في قدرته، الحكيم في إبداعه.
وأجاز (٢) الفراء، والكسائي: النصب على أنه مفعول به، لفعل مقدر؛ أي: اتبعوا أو اقرؤوا تنزل الكتاب. وقال الفراء: ويجوز نصبه على الإغراء؛ أي:
إلزموا.
قوله تعالى: ﴿أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ...﴾ الآية، سبب نزولها ما أخرجه ابن أبي حاتم، عن ابن عمر قال: إنها نزلت في عثمان بن عفان، وأخرج ابن سعد، عن طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، قال: نزلت في عمار بن ياسر، وأخرج ابن جويبر، عن ابن عباس، قال: نزلت في ابن مسعود، وعمار بن ياسر، وسالم مولى أبي حذيفة، وأخرج جويبر عن عكرمة قال: نزلت في عمار بن ياسر.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿تَنْزِيلُ الْكِتابِ﴾؛ أي (١): القرآن، وخصوصًا منه هذه السورة الشريفة، وهو مبتدأ، خبره قوله: كائن ﴿مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ﴾ في حكمه ﴿الْحَكِيمِ﴾ في تدبيره، لا من غيره. كما يقول المشركون: إن محمدًا - ﷺ -، تقوله من تلقاء نفسه، وإلى هذا ذهب الزجاج، وقيل معناه: تنزيل الكتاب من الله، فاستمعوا له، واعملوا به، فهو كتاب عزيز، نزل من رب عزيز، على عبد عزيز، بلسان ملك عزيز، في شأن أمة عزيزة، والتعرض لوصفي العزة والحكمة، للإيذان بظهور أثريهما في الكتاب بجريان أحكامه، ونفاذ أوامره، ونواهيه، من غير مدافع ولا ممانع، وبابتناء جميع ما فيه على أساس الحكم الباهرة، وفي «فتح الرحمن»: العزيز في قدرته، الحكيم في إبداعه.
وأجاز (٢) الفراء، والكسائي: النصب على أنه مفعول به، لفعل مقدر؛ أي: اتبعوا أو اقرؤوا تنزل الكتاب. وقال الفراء: ويجوز نصبه على الإغراء؛ أي:
إلزموا.
(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
٢ - وقوله: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ﴾ شروع (١) في بيان شأن المنزل إليه، وما يجب عليه إثر بيان شأن المنزل، وكونه من عند الله تعالى، فلا تكرار في إظهار الكتاب في موضع الإضمار لتعظيمه، ومزيد الاعتناء بشأنه، والباء (٢): إما متعلق بالإنزال؛ أي: بسبب الحق وإثباته وإظهاره، وإما بمحذوف هو حال من نون العظمة؛ أي: أنزلناه إليك حال كوننا محقين في ذلك، أو حال من الكتاب؛ أي: أنزلناه حال كونه ملتبسا بالحق والصواب؛ أي: كل ما فيه من إثبات التوحيد، والنبوة، والمعاد، وأنواع التكاليف حق، لا ريب فيه، موجب للعمل حتمًا.
وفي «التأويلات النجمية»: أي من الحق نزل، وبالحق نزل، وعلى الحق نزل. قال في «برهان القرآن»: كل موضع خاطب الله فيه النبي - ﷺ - بقوله: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ﴾ ففيه تكليف، وإذا خاطبه بقوله: ﴿أَنْزَلْنا عَلَيْكَ﴾ ففيه تخفيف، ألا ترى إلى ما في أول السورة ﴿إِلَيْكَ﴾ فكلفه الإخلاص في العبودية، وإلى ما في آخرها ﴿عَلَيْكَ﴾ فختم الآية بقوله: ﴿وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾؛ أي: لست بمسؤول عنهم، فخفف عنه ذلك، انتهى.
والمعنى (٣): أي هذا الكتاب العظيم، منزل من عنده تعالى، فهو الحق الذي لا مرية فيه، كما جاء في آية أخرى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥)﴾، وبعد أن بيّن شأن المنزل، وأنه من عند الله تعالى، ذكر ما اشتمل عليه ذلك المنزل، من الحق والعدل، فقال: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ﴾؛ أي: إنا أنزلنا إليك القرآن أيها الرسول، آمرا بالحق، والعدل الواجب اتباعهما، والعمل بهما.
ثم أمر رسوله بعبادته، والإخلاص له. فقال: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ﴾ حال كونك ﴿مُخْلِصًا لَهُ﴾ سبحانه ﴿الدِّينَ﴾ والعمل والطاعة؛ أي: فاعبده تعالى، ممحضًا له
وفي «التأويلات النجمية»: أي من الحق نزل، وبالحق نزل، وعلى الحق نزل. قال في «برهان القرآن»: كل موضع خاطب الله فيه النبي - ﷺ - بقوله: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ﴾ ففيه تكليف، وإذا خاطبه بقوله: ﴿أَنْزَلْنا عَلَيْكَ﴾ ففيه تخفيف، ألا ترى إلى ما في أول السورة ﴿إِلَيْكَ﴾ فكلفه الإخلاص في العبودية، وإلى ما في آخرها ﴿عَلَيْكَ﴾ فختم الآية بقوله: ﴿وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾؛ أي: لست بمسؤول عنهم، فخفف عنه ذلك، انتهى.
والمعنى (٣): أي هذا الكتاب العظيم، منزل من عنده تعالى، فهو الحق الذي لا مرية فيه، كما جاء في آية أخرى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥)﴾، وبعد أن بيّن شأن المنزل، وأنه من عند الله تعالى، ذكر ما اشتمل عليه ذلك المنزل، من الحق والعدل، فقال: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ﴾؛ أي: إنا أنزلنا إليك القرآن أيها الرسول، آمرا بالحق، والعدل الواجب اتباعهما، والعمل بهما.
ثم أمر رسوله بعبادته، والإخلاص له. فقال: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ﴾ حال كونك ﴿مُخْلِصًا لَهُ﴾ سبحانه ﴿الدِّينَ﴾ والعمل والطاعة؛ أي: فاعبده تعالى، ممحضًا له
(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
العبادة، من شوائب الشرك والرياء، بحسب ما أنزل في تضاعيف كتابه على لسان نبيه، من تخصيصه وحده بالعبادة، وأنه لا ند له ولا شريك.
والفاء في قوله: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ﴾. فاء: الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت أيها الرسول الكريم، أنا أنزلنا إليك، وأردت بيان ما هو اللازم لك.. فأقول لك: اعبد الله مخلصًا له الدين، والإخلاص: أن يقصد العبد بنيته، وعمله إلى خالقه، لا يجعل ذلك لغرض من الأغراض. والدين: العبادة، والطاعة، ورأسها: توحيد الله، وأنه لا شريك له. وقرأ الجمهور (١): ﴿الدِّينَ﴾ بالنصب على أنه مفعول ﴿مُخْلِصًا﴾، وقرأ ابن أبي عبلة برفعه، على أنه فاعل، بمخلصًا، على طريقة الإسناد المجازي كشعر شاعر، وقال الزمخشري: وحق من رفعه أن يقرأ ﴿مخلَصًا﴾ بفتح اللام كقوله: ﴿وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ﴾، حتى يطابق قوله: ﴿أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ﴾، والخالص، والمخلص واحد، وفي الآية دليل على وجوب النية، وإخلاصها عن الشوائب؛ لأن الإخلاص من الأمور القلبية، التي لا تكون إلا بأعمال القلب، وقد جاءت السنة الصحيحة: «أن ملاك الأمر في الأقوال والأفعال: النية»، كما في حديث: «إنما الأعمال بالنيات»، وحديث: «لا قول، ولا عمل إلا بنية».
٣ - ثم أكد هذا الأمر بقوله: ﴿أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ﴾ ألا: حرف استفتاح وتنبيه؛ أي: انتبهوا من غفلتكم أيها العباد، واعلموا أن لله سبحانه، لا لغيره، الدين الخالص من شوائب الشرك، والعبادة الخالصة من شوائب الرياء، لا شركة لأحد معه فيها؛ لأن كل ما دونه ملكه، وعلى المملوك طاعة مالكه، وفي «الكواشي»: ألا لله الدين الخالص من الهوى، والشك، والشرك، فيتقرب به إليه رحمة، لا أن له حاجة إلى إخلاص عبادته. وفي «التأويلات النجمية»: الدين الخالص: ما يكون جملته لله، وما للعبد فيه نصيب، والمخلص: من خلّصه الله من حبس الوجود، بجوده لا بجهده.
والفاء في قوله: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ﴾. فاء: الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت أيها الرسول الكريم، أنا أنزلنا إليك، وأردت بيان ما هو اللازم لك.. فأقول لك: اعبد الله مخلصًا له الدين، والإخلاص: أن يقصد العبد بنيته، وعمله إلى خالقه، لا يجعل ذلك لغرض من الأغراض. والدين: العبادة، والطاعة، ورأسها: توحيد الله، وأنه لا شريك له. وقرأ الجمهور (١): ﴿الدِّينَ﴾ بالنصب على أنه مفعول ﴿مُخْلِصًا﴾، وقرأ ابن أبي عبلة برفعه، على أنه فاعل، بمخلصًا، على طريقة الإسناد المجازي كشعر شاعر، وقال الزمخشري: وحق من رفعه أن يقرأ ﴿مخلَصًا﴾ بفتح اللام كقوله: ﴿وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ﴾، حتى يطابق قوله: ﴿أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ﴾، والخالص، والمخلص واحد، وفي الآية دليل على وجوب النية، وإخلاصها عن الشوائب؛ لأن الإخلاص من الأمور القلبية، التي لا تكون إلا بأعمال القلب، وقد جاءت السنة الصحيحة: «أن ملاك الأمر في الأقوال والأفعال: النية»، كما في حديث: «إنما الأعمال بالنيات»، وحديث: «لا قول، ولا عمل إلا بنية».
٣ - ثم أكد هذا الأمر بقوله: ﴿أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ﴾ ألا: حرف استفتاح وتنبيه؛ أي: انتبهوا من غفلتكم أيها العباد، واعلموا أن لله سبحانه، لا لغيره، الدين الخالص من شوائب الشرك، والعبادة الخالصة من شوائب الرياء، لا شركة لأحد معه فيها؛ لأن كل ما دونه ملكه، وعلى المملوك طاعة مالكه، وفي «الكواشي»: ألا لله الدين الخالص من الهوى، والشك، والشرك، فيتقرب به إليه رحمة، لا أن له حاجة إلى إخلاص عبادته. وفي «التأويلات النجمية»: الدين الخالص: ما يكون جملته لله، وما للعبد فيه نصيب، والمخلص: من خلّصه الله من حبس الوجود، بجوده لا بجهده.
(١) البحر المحيط.
478
وعن الحسن: الدين الخالص: الإسلام، لأن غيره من الأديان ليس بخالص من الشرك، فليس بدين الله الذي أمر به. فالله تعالى لا يقبل إلا دين الإسلام، وفي حديث رواه الحسن عن أبي هريرة: أن رجلا قال: يا رسول الله - ﷺ -، إني أتصدق بالشيء، وأصنع الشيء أريد به وجه الله تعالى، وثناء الناس، فقال رسول الله - ﷺ -: «والذي نفس محمد - ﷺ - بيده، لا يقبل الله شيئًا شورك فيه»، ثم تلا: ﴿أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ﴾.
وبعد أن أبان سبحانه، أن رأس العبادة الإخلاص لله، أعقب ذلك بذم طريق المشركين، فقال: ﴿وَالَّذِينَ﴾ عبارة عن المشركين. ومحله الرفع على الابتداء، وخبره قوله الآتي: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾. ﴿اتَّخَذُوا﴾ يعني عبدوا ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ تعالى؛ أي: حال كونهم متجاوزين الله، وعبادته ﴿أَوْلِياءَ﴾؛ أي: أربابًا وأوثانًا كالملائكة، وعيسى، وعزير، والأصنام، ولم يخلصوا العبادة لله تعالى، بل شابوها بعبادة غيره حال كونهم قائلين: ﴿ما نَعْبُدُهُمْ﴾؛ أي: الأولياء لشيء من الأشياء ﴿إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى﴾؛ أي: تقريبًا، فهو مصدر مؤكد على غير لفظ العامل، ملاق له في المعنى، وكانوا إذا سئلوا عمن خلق السموات والأرض؟ قالوا: الله، فإذا قيل لهم: لم تعبدون الأصنام؟ قالوا: إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله تعالى.
والحاصل: أن الموصول مبتدأ، خبره جملة ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾، وجملة ﴿ما نَعْبُدُهُمْ﴾ إلخ، في محل النصب على الحال، بتقدير القول، والاستثناء مفرّغ من أعم الأشياء.
والمعنى: والذين عبدوا من دونه تعالى أوثانًا، ولم يخلصوا العبادة لله بل شابوها بعبادة غيره قائلين: ما نعبدهم لشيء من الأشياء، إلا ليقربونا إلى الله تقريبًا، ويشفعوا لنا عنده، وقرىء ﴿ما نعبدكم إلا لتقربونا﴾ حكاية لما خاطبوا به آلهتهم، ذكره في «المراح».
﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾ خبر الموصول، كما مر؛ أي: إن الله يحكم يوم القيامة، بين المتخذين غير المخلصين، وبين خصمائهم المخلصين للدين، وقد
وبعد أن أبان سبحانه، أن رأس العبادة الإخلاص لله، أعقب ذلك بذم طريق المشركين، فقال: ﴿وَالَّذِينَ﴾ عبارة عن المشركين. ومحله الرفع على الابتداء، وخبره قوله الآتي: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾. ﴿اتَّخَذُوا﴾ يعني عبدوا ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ تعالى؛ أي: حال كونهم متجاوزين الله، وعبادته ﴿أَوْلِياءَ﴾؛ أي: أربابًا وأوثانًا كالملائكة، وعيسى، وعزير، والأصنام، ولم يخلصوا العبادة لله تعالى، بل شابوها بعبادة غيره حال كونهم قائلين: ﴿ما نَعْبُدُهُمْ﴾؛ أي: الأولياء لشيء من الأشياء ﴿إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى﴾؛ أي: تقريبًا، فهو مصدر مؤكد على غير لفظ العامل، ملاق له في المعنى، وكانوا إذا سئلوا عمن خلق السموات والأرض؟ قالوا: الله، فإذا قيل لهم: لم تعبدون الأصنام؟ قالوا: إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله تعالى.
والحاصل: أن الموصول مبتدأ، خبره جملة ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾، وجملة ﴿ما نَعْبُدُهُمْ﴾ إلخ، في محل النصب على الحال، بتقدير القول، والاستثناء مفرّغ من أعم الأشياء.
والمعنى: والذين عبدوا من دونه تعالى أوثانًا، ولم يخلصوا العبادة لله بل شابوها بعبادة غيره قائلين: ما نعبدهم لشيء من الأشياء، إلا ليقربونا إلى الله تقريبًا، ويشفعوا لنا عنده، وقرىء ﴿ما نعبدكم إلا لتقربونا﴾ حكاية لما خاطبوا به آلهتهم، ذكره في «المراح».
﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾ خبر الموصول، كما مر؛ أي: إن الله يحكم يوم القيامة، بين المتخذين غير المخلصين، وبين خصمائهم المخلصين للدين، وقد
479
حذف لدلالة الحال عليه. ﴿فِي ما﴾؛ أي: في الدين الذي ﴿هُمْ﴾؛ أي: الفريقان ﴿فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ بالتوحيد والإشراك، وادعى كل فريق صحة ما انتحله وأخذه، وحكمه تعالى في ذلك، إدخال الموحدين الجنة، والمشركين النار، فالضمير للفريقين. ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿لا يَهْدِي﴾؛ أي: لا يوفق الاهتداء إلى الحق الذي هو طريق النجاة من المكروه، والفوز بالمطلوب ﴿مَنْ هُوَ كاذِبٌ﴾؛ أي: راسخ في الكذب ﴿كَفَّارٌ﴾؛ أي: مبالغ في الكفر، فإنهما فاقدان للبصيرة غير قابلين للاهتداء، لتغييرهما الفطرة الأصلية، بالتمرن في الكفر والضلالة، قال في «الوسيط»: هذا فيمن سبق عليه القضاء، بحرمان الهداية، فلا يهتدي إلى الصدق والإيمان البتة، وكذبهم قولهم في بعض أوليائهم: بنات الله وولده، وقولهم: إن الآلهة تشفع لهم، وتقربهم إلى الله، وكفرهم عبادتهم تلك الأولياء، وكفرانهم النعمة بنسيان المنعم الحقيقي.
وقرأ أنس بن مالك، والجحدري، والحسن، والأعرج، وابن يعمر ﴿مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ بصيغة فعال فيهما. وقرأ زيد بن علي: ﴿من هو كذوب كفور﴾ بصيغة فعول فيهما.
وحاصل معنى الآية: أي والذين اتخذوا من دون الله أولياء يعبدونهم، يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا عند الله منزلة، ويشفعوا لنا عنده في حاجتنا، ومن حديث عبادتهم للأصنام: أنهم جعلوا تماثيل الكواكب، والملائكة والأنبياء، والصالحين الذين مضوا، وعبدوها باعتبار أنها رمز إليها، وقالوا: إن الإله الأعظم، أجلّ من أن يعبده البشر مباشرة، فنحن نعبد هذه الآلهة، وهي تعبد الإله الأعظم، وهذه شبهة تمسك بها المشركون في قديم الدهر وحديثه، وجاءت الرسل مفندة لها، ماحيةً لها من الأذهان العالقة بها، موجهة العقول إلى إفراد الله وحده بالعبادة، قال: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾، وقال: ﴿وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)﴾.
قال قتادة: كانوا إذا قيل لهم: من ربكم، ومن خالقكم، ومن خلق
وقرأ أنس بن مالك، والجحدري، والحسن، والأعرج، وابن يعمر ﴿مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ بصيغة فعال فيهما. وقرأ زيد بن علي: ﴿من هو كذوب كفور﴾ بصيغة فعول فيهما.
وحاصل معنى الآية: أي والذين اتخذوا من دون الله أولياء يعبدونهم، يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا عند الله منزلة، ويشفعوا لنا عنده في حاجتنا، ومن حديث عبادتهم للأصنام: أنهم جعلوا تماثيل الكواكب، والملائكة والأنبياء، والصالحين الذين مضوا، وعبدوها باعتبار أنها رمز إليها، وقالوا: إن الإله الأعظم، أجلّ من أن يعبده البشر مباشرة، فنحن نعبد هذه الآلهة، وهي تعبد الإله الأعظم، وهذه شبهة تمسك بها المشركون في قديم الدهر وحديثه، وجاءت الرسل مفندة لها، ماحيةً لها من الأذهان العالقة بها، موجهة العقول إلى إفراد الله وحده بالعبادة، قال: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾، وقال: ﴿وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)﴾.
قال قتادة: كانوا إذا قيل لهم: من ربكم، ومن خالقكم، ومن خلق
480
السموات والأرض، وأنزل من السماء ماء؟ قالوا: الله. فيقال لهم: فلم تعبدونهم؟ قالوا: ليقربونا إلى الله زلفى، ويشفعوا لنا عنده، فرد الله عليهم بقوله في سورة الأحقاف: ﴿فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ﴾. ثم هددهم، وبيّن لهم عاقبة ما يفعلون، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾، وبين خصومهم، وهم المحقون فيما اختلفوا فيه من التوحيد، والإشراك يوم القيامة، ويجازي كلا بما هو أهل له، فيدخل المخلصين الموحدين الجنة، ويدخل المشركين النار، ثم بيّن نتيجة الحكم، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ﴾؛ أي: إن الله لا يرشد إلى الحق، ولا يوفق له، من هو كاذب مفتر عليه، بزعمه أن له ولدًا، وأن له ندًا، وأن الأوثان تشفع لديه إلى غير ذلك، من الترهات والأباطيل، التي لا يقبلها العقل، ولا تجد لها مستندًا من نقل.
٤ - ثم فصل ما كذبوا فيه، فقال: ﴿لَوْ أَرادَ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا﴾ ولا ينبغي له ذلك كما زعم المشركون، بأن الله اتخذ ولدًا ﴿لَاصْطَفى﴾؛ أي: لاتخذ واختار ﴿مِمَّا يَخْلُقُ﴾؛ أي: من جنس مخلوقاته ﴿ما يَشاءُ﴾ ويريد، ولم يخص مريم، ولا عيسى، ولا عزيز بذلك، ولخلق جنسًا آخر، أعز وأكرم مما خلق، واتخذه ولدًا لكنه لا يفعله لامتناعه، والممتنع لا تتعلق به القدرة والإرادة، وإنما أمره اصطفاء من شاء من عباده وتقريبهم منه، وقد فعل ذلك بالملائكة وبعض الناس، كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ﴾. ولذا وضع الاصطفاء مكان الاتخاذ.
ثم نزه سبحانه نفسه، عن أن يكون له ولد، فقال: ﴿سُبْحانَهُ﴾؛ أي: تنزيهًا له عن ذلك، وهو مصدر من سبح إذا بعد؛ أي: تنزه تعالى عن ذلك الاتخاذ، وعما نسبوا إليه من الأولاد، والأولياء، وعلم للتسبيح مقول على ألسنة العباد؛ أي: أسبحه تسبيحًا لائقًا به، أو سبحوه تسبيحًا حقيقًا بشأنه ﴿هُوَ﴾ مبتدأ، خبره ﴿اللَّهُ﴾ المتصف بالألوهية ﴿الْواحِدُ﴾ الذي لا ثاني له، والولد ثاني والده، وجنسه، وشبهه، وفي «بحر العلوم»: ﴿واحد﴾؛ أي: موجود جل عن التركيب والمماثلة، ذاتًا وصفةً. فلا يكون له ولد؛ لأنه يماثل الوالد في الذات
٤ - ثم فصل ما كذبوا فيه، فقال: ﴿لَوْ أَرادَ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا﴾ ولا ينبغي له ذلك كما زعم المشركون، بأن الله اتخذ ولدًا ﴿لَاصْطَفى﴾؛ أي: لاتخذ واختار ﴿مِمَّا يَخْلُقُ﴾؛ أي: من جنس مخلوقاته ﴿ما يَشاءُ﴾ ويريد، ولم يخص مريم، ولا عيسى، ولا عزيز بذلك، ولخلق جنسًا آخر، أعز وأكرم مما خلق، واتخذه ولدًا لكنه لا يفعله لامتناعه، والممتنع لا تتعلق به القدرة والإرادة، وإنما أمره اصطفاء من شاء من عباده وتقريبهم منه، وقد فعل ذلك بالملائكة وبعض الناس، كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ﴾. ولذا وضع الاصطفاء مكان الاتخاذ.
ثم نزه سبحانه نفسه، عن أن يكون له ولد، فقال: ﴿سُبْحانَهُ﴾؛ أي: تنزيهًا له عن ذلك، وهو مصدر من سبح إذا بعد؛ أي: تنزه تعالى عن ذلك الاتخاذ، وعما نسبوا إليه من الأولاد، والأولياء، وعلم للتسبيح مقول على ألسنة العباد؛ أي: أسبحه تسبيحًا لائقًا به، أو سبحوه تسبيحًا حقيقًا بشأنه ﴿هُوَ﴾ مبتدأ، خبره ﴿اللَّهُ﴾ المتصف بالألوهية ﴿الْواحِدُ﴾ الذي لا ثاني له، والولد ثاني والده، وجنسه، وشبهه، وفي «بحر العلوم»: ﴿واحد﴾؛ أي: موجود جل عن التركيب والمماثلة، ذاتًا وصفةً. فلا يكون له ولد؛ لأنه يماثل الوالد في الذات
والصفات. ﴿الْقَهَّارُ﴾ الذي بقهاريته لا يقبل الجنس، والشبه بنوع ما. وفي «الإرشاد»: قهار لكل الكائنات، كيف يتصور أن يتخذ من الأشياء الفانية ما يقوم مقامه؟.
والمعنى: أي تقدس أن يكون له ولد، فإنه هو الواحد الأحد، الفرد الصمد، وكل ما سواه مفتقر إليه، وهو الغني عما سواه، قهر الأشياء فدانت له، وتسلط على المخلوقات بقدرته. فذلت له تعالى، عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا.
٥ - ولما نزه تعالى نفسه، ووصف ذاته بالوحدة، والقهر، ذكر ما دل على ذلك، من اختراع العالم العلوي والسفلي بالحق، وتكوير الليل والنهار، وتسخير النيرين، وجريهما على نظام واحد، واتساق أمرهما على ما أراد إلى أجل مسمى، وهو يوم القيامة، فقال: ﴿خَلَقَ﴾ وأوجد ﴿السَّماواتِ وَالْأَرْضَ﴾ وما بينهما من الموجودات، حال كونها ملتبسة ﴿بِالْحَقِّ﴾ والصواب، مشتملة على الحكم والمصالح، لا باطلًا وعبثًا، ومن كان هذا الخلق العظيم خلقه، استحال أن يكون له شريك، أو صاحبة أو ولد.
ثم بيّن كيفية تصرفه في السموات والأرض، فقال: ﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ﴾؛ أي: يلف ظلام الليل على ضوء النهار ويغطيه به فيجيء النهار ويذهب الليل، والمعنى: يغشي كل واحد منهما الآخر، كأنه يلفه عليه لف اللباس على الملابس. وقيل المعنى: يكوّر الليل؛ أي: يضم بعض ساعاته على النهار، فيطول النهار كما في نهار الصيف، ويكوّر النهار؛ أي: يضم بعض ساعاته على الليل، فيطول الليل كما في ليل الشتاء، والتكوير في اللغة (١): طرح الشيء بعضه على بعض، يقال: كوّر المتاع إذا ألقى بعضه على بعض، ومنه: كوّر العمامة، فمعنى تكوير الليل على النهار: تغشيته إياه حتى يذهب ضوؤه، ومعنى تكوير النهار على الليل: تغشيته إياه حتى تذهب ظلمته، وهو معنى قوله تعالى: ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا﴾، هكذا قال قتادة وغيره، وقال الضحاك؛ أي: يلقي هذا
والمعنى: أي تقدس أن يكون له ولد، فإنه هو الواحد الأحد، الفرد الصمد، وكل ما سواه مفتقر إليه، وهو الغني عما سواه، قهر الأشياء فدانت له، وتسلط على المخلوقات بقدرته. فذلت له تعالى، عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا.
٥ - ولما نزه تعالى نفسه، ووصف ذاته بالوحدة، والقهر، ذكر ما دل على ذلك، من اختراع العالم العلوي والسفلي بالحق، وتكوير الليل والنهار، وتسخير النيرين، وجريهما على نظام واحد، واتساق أمرهما على ما أراد إلى أجل مسمى، وهو يوم القيامة، فقال: ﴿خَلَقَ﴾ وأوجد ﴿السَّماواتِ وَالْأَرْضَ﴾ وما بينهما من الموجودات، حال كونها ملتبسة ﴿بِالْحَقِّ﴾ والصواب، مشتملة على الحكم والمصالح، لا باطلًا وعبثًا، ومن كان هذا الخلق العظيم خلقه، استحال أن يكون له شريك، أو صاحبة أو ولد.
ثم بيّن كيفية تصرفه في السموات والأرض، فقال: ﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ﴾؛ أي: يلف ظلام الليل على ضوء النهار ويغطيه به فيجيء النهار ويذهب الليل، والمعنى: يغشي كل واحد منهما الآخر، كأنه يلفه عليه لف اللباس على الملابس. وقيل المعنى: يكوّر الليل؛ أي: يضم بعض ساعاته على النهار، فيطول النهار كما في نهار الصيف، ويكوّر النهار؛ أي: يضم بعض ساعاته على الليل، فيطول الليل كما في ليل الشتاء، والتكوير في اللغة (١): طرح الشيء بعضه على بعض، يقال: كوّر المتاع إذا ألقى بعضه على بعض، ومنه: كوّر العمامة، فمعنى تكوير الليل على النهار: تغشيته إياه حتى يذهب ضوؤه، ومعنى تكوير النهار على الليل: تغشيته إياه حتى تذهب ظلمته، وهو معنى قوله تعالى: ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا﴾، هكذا قال قتادة وغيره، وقال الضحاك؛ أي: يلقي هذا
(١) الشوكاني.
482
على هذا، وهذا على هذا، وهو مقارب للقول الأول، وقيل معنى الآية: أن ما نقص من الليل دخل في النهار، وما نقص من النهار دخل في الليل، وهو معنى قوله: ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ﴾، أو يجعل كلًا منهما كارًا على صاحبه كرورًا، متتابعًا تتابع أكوار العمامة بعضها على بعض، وفي التكوير المذكور في الآية إشارة إلى جريان الشمس والقمر في مطالعهما، وانتقاص الليل والنهار، وازديادهما. قال الرازي: إن النور والظلمة عسكران عظيمان، وفي كل يوم يغلب هذا ذاك وذاك هذا.
ومعنى الآية (١): أي خلق هذا العالم العلوي، على ما فيه من بديع الصنع، من شموس وأقمار، تكوّن الليل والنهار، والعالم السفلي، المشتمل على المواليد الثلاثة، من حيوان ونبات وجماد، وسخر كل ما فيه ظاهرًا وباطنًا، لانتفاع الإنسان في سبل معايشه، إذا استعمل عقله، واستخدم فكره في استنباط مرافقه، خلقهما على أكمل وجه وأبدع نظام، قائمين على الحق والصواب والحكم والمصالح، وبعد أن أبان أنه خلقهما ذكر سبيل تصرفه فيهما، فقال: ﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ﴾ إلخ؛ أي: يغشي كلًا منهما الآخر، كأنه يلفه عليه لف اللباس على اللابس، أو يجعلهما في تتابعهما، أشبه بتتابع أكوار العمامة، بعضها على بعض، ألا ترى إلى الأرض وقد دارت حول نفسها، وهي مكوّرة، فأخذ النهار الحادث من مقابلتها للشمس، يسير من الشرق إلى الغرب، ويلف حولها طاويًا الليل، والليل من الجهة الأخرى يلتف حولها طاويًا النهار، فالأرض كالرأس، والظلام والضياء يتتابعان تتابع أكوار العمامة، ويلتفان متتابعين حولها، وفي (٢) هذا إيماء إلى كروية الأرض أولًا، وإلى دورانها حول نفسها ثانيًا. فتكوير الأرض ظاهر الآية، ودورانها أتى تابعًا بالرمز والإشارة.
﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾؛ أي: جعلهما، وهما وسيلتا الليل والنهار، منقادين لأمره تعالى بالطلوع والغروب لمنافع العباد، فأكثر منافع العباد مرتبطة بهما.
ومعنى الآية (١): أي خلق هذا العالم العلوي، على ما فيه من بديع الصنع، من شموس وأقمار، تكوّن الليل والنهار، والعالم السفلي، المشتمل على المواليد الثلاثة، من حيوان ونبات وجماد، وسخر كل ما فيه ظاهرًا وباطنًا، لانتفاع الإنسان في سبل معايشه، إذا استعمل عقله، واستخدم فكره في استنباط مرافقه، خلقهما على أكمل وجه وأبدع نظام، قائمين على الحق والصواب والحكم والمصالح، وبعد أن أبان أنه خلقهما ذكر سبيل تصرفه فيهما، فقال: ﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ﴾ إلخ؛ أي: يغشي كلًا منهما الآخر، كأنه يلفه عليه لف اللباس على اللابس، أو يجعلهما في تتابعهما، أشبه بتتابع أكوار العمامة، بعضها على بعض، ألا ترى إلى الأرض وقد دارت حول نفسها، وهي مكوّرة، فأخذ النهار الحادث من مقابلتها للشمس، يسير من الشرق إلى الغرب، ويلف حولها طاويًا الليل، والليل من الجهة الأخرى يلتف حولها طاويًا النهار، فالأرض كالرأس، والظلام والضياء يتتابعان تتابع أكوار العمامة، ويلتفان متتابعين حولها، وفي (٢) هذا إيماء إلى كروية الأرض أولًا، وإلى دورانها حول نفسها ثانيًا. فتكوير الأرض ظاهر الآية، ودورانها أتى تابعًا بالرمز والإشارة.
﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾؛ أي: جعلهما، وهما وسيلتا الليل والنهار، منقادين لأمره تعالى بالطلوع والغروب لمنافع العباد، فأكثر منافع العباد مرتبطة بهما.
(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
483
ثم بيّن كيفية هذا التسخير فقال: ﴿كُلٌّ﴾ منهما ﴿يَجْرِي﴾ ويسير في فلكه وبروجه ﴿لِأَجَلٍ مُسَمًّى﴾؛ أي: إلى مدة معينة، هي منتهى دورته، في كل يوم، أو في كل شهر، أو إلى مدة انتهاء حركته، وانقطاع سيره بتصرم الدنيا، وهو يوم القيامة ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ﴾، وفي الحديث: وكل بالشمس سبعة أملاك، يرمونها بالثلج، ولولا ذلك ما أصابت شيئًا إلا أحرقته.
ثم ذيل الكلام بالجملة الآتية، ترغيبًا في طلب المغفرة بالعبادة والإخلاص له، والتحذير من الكفر والمعاصي. فقال: ﴿أَلا﴾؛ أي: انتبهوا، واعلموا ﴿هُوَ﴾ سبحانه وحده ﴿الْعَزِيزُ﴾ الغالب القادر على كل شيء، فيقدر على عقاب العصاة، والانتقام منهم. ﴿الْغَفَّارُ﴾؛ أي: المبالغ في المغفرة، ولذلك لا يعاجل بالعقوبة، وسلب ما في هذه الصنائع البديعة، من آثار الرحمة، وعموم المنفعة.
والمعنى: أي انتبهوا أيها العباد، واعلموا أن الله الذي فعل هذه الأفعال، وأنعم على خلقه بهذه النعم، هو القادر على الانتقام ممن عاداه، الغفار لذنوب عباده التائبين، ولا يخفى ما في هذا، من الدلالة على كمال قدرته تعالى، وكمال رحمته، فهو القهار ذو القوة المتين، الغفار لذنوب التائبين.
قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى ﴿الْغَفَّارُ﴾ (١): هو الذي أظهر الجميل، وستر القبيح، والذنوب من جملة القبائح، التي سترها بإسبال الستر عليها في الدنيا، والتجاوز عن عقوبتها في الآخرة، والغفر هو الستر:
الأول: ستره على عبده، أن جعل مقابح بدنه، التي تستقبحها الأعين، مستورة في باطنه، مغطاةً بجمال ظاهره، فكم بين باطن العبد، وظاهره في النظافة والقذارة، وفي القبح والجمال، فانظر ما الذي أظهره، وما الذي ستره.
والثاني: أن يجعل مستقر خواطره المذمومة، وإرادته القبيحة سر قلبه، حتى لا يطّلع أحد على سر قلبه، ولو انكشف للخلق، ما يخطر بباله في مجاري وسواسه، وما ينطوي عليه ضميره من الغش والخيانة، وسوء الظن بالناس
ثم ذيل الكلام بالجملة الآتية، ترغيبًا في طلب المغفرة بالعبادة والإخلاص له، والتحذير من الكفر والمعاصي. فقال: ﴿أَلا﴾؛ أي: انتبهوا، واعلموا ﴿هُوَ﴾ سبحانه وحده ﴿الْعَزِيزُ﴾ الغالب القادر على كل شيء، فيقدر على عقاب العصاة، والانتقام منهم. ﴿الْغَفَّارُ﴾؛ أي: المبالغ في المغفرة، ولذلك لا يعاجل بالعقوبة، وسلب ما في هذه الصنائع البديعة، من آثار الرحمة، وعموم المنفعة.
والمعنى: أي انتبهوا أيها العباد، واعلموا أن الله الذي فعل هذه الأفعال، وأنعم على خلقه بهذه النعم، هو القادر على الانتقام ممن عاداه، الغفار لذنوب عباده التائبين، ولا يخفى ما في هذا، من الدلالة على كمال قدرته تعالى، وكمال رحمته، فهو القهار ذو القوة المتين، الغفار لذنوب التائبين.
قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى ﴿الْغَفَّارُ﴾ (١): هو الذي أظهر الجميل، وستر القبيح، والذنوب من جملة القبائح، التي سترها بإسبال الستر عليها في الدنيا، والتجاوز عن عقوبتها في الآخرة، والغفر هو الستر:
الأول: ستره على عبده، أن جعل مقابح بدنه، التي تستقبحها الأعين، مستورة في باطنه، مغطاةً بجمال ظاهره، فكم بين باطن العبد، وظاهره في النظافة والقذارة، وفي القبح والجمال، فانظر ما الذي أظهره، وما الذي ستره.
والثاني: أن يجعل مستقر خواطره المذمومة، وإرادته القبيحة سر قلبه، حتى لا يطّلع أحد على سر قلبه، ولو انكشف للخلق، ما يخطر بباله في مجاري وسواسه، وما ينطوي عليه ضميره من الغش والخيانة، وسوء الظن بالناس
(١) روح البيان.
484
لمقتوه، بل سعوا في تلف روحه وإهلاكه، فانظر كيف ستر عن غيره أسراره وعوارفه؟.
والثالث: مغفرة ذنوبه التي كان يستحق الافتضاح بها، على ملأ من الخلق، وقد وعد أن يبدل من سيئاته حسنات، ليستر مقابح ذنوبه، بثواب حسناته، إذا مات على الإيمان، وحظ العبد من هذا الاسم، أن يستر من غيره ما يحب أن يستر منه، وقد قال النبي - ﷺ -: «من ستر على مؤمن عورته، ستر الله عورته يوم القيامة». والمغتاب، والمتجسس، والمكافىء على الإساءة بمعزل عن هذا الوصف، وإنما المتصف به من لا يفشي من خلق الله، إلا أحسن ما فيهم، ولا ينفك مخلوق عن كمال، ونقص، وعن قبح وحسن، فمن تغافل عن المقابح، وذكر المحاسن، فهو ذو نصيب من هذا الاسم والوصف، كما روي عن عيسى عليه السلام: أنه مر مع الحواريين بكلب ميت، قد غلب نتنه، فقالوا: ما أنتن هذه الجيفة؟ فقال عيسى عليه السلام: ما أحسن بياض أسنهانها، تنبيهًا على أن الذي ينبغي أن يذكر من كل شيء، ما هو أحسنه.
وبعد أن ذكر الدلائل التي بثها في العالم العلوي.. أردفها ذكر الدلائل التي أودعها في العالم السفلي، وبدأها بخلق الإنسان؛ لأنه أعجب ما فيه، لما فيه من العقل، وقبوله الأمانة الإلهية، ولله در من قال:
٦ - ﴿خَلَقَكُمْ﴾ الله سبحانه وتعالى، أيها الناس جميعًا، على اختلاف ألسنتكم وألوانكم ﴿مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ﴾ هي نفس آدم، عليه السلام ﴿ثُمَّ جَعَلَ﴾؛ أي: خلق ﴿مِنْها﴾؛ أي: من جنس تلك النفس الواحدة، أو من قصيراها، وهي الضلع التي تلي الخاصرة، أو آخر الأضلاع من جهة السيار ﴿زَوْجَها﴾ حواء. و ﴿ثُمَّ﴾ عطف على محذوف، هو صفة لنفس؛ أي: خلقكم من نفس واحدة خلقها، ثم جعل منها زوجها فشفعها، وذلك فإن ظاهر الآية يفيد أن خلق حواء بعد خلق ذرية آدم، وليس كذلك. وفيه إشارة إلى أن الله تعالى، خلق الإنسان من نفس واحدة هي الروح، وخلق منها زوجها، وهو القلب، فإنه خلق من الروح كما خلقت
والثالث: مغفرة ذنوبه التي كان يستحق الافتضاح بها، على ملأ من الخلق، وقد وعد أن يبدل من سيئاته حسنات، ليستر مقابح ذنوبه، بثواب حسناته، إذا مات على الإيمان، وحظ العبد من هذا الاسم، أن يستر من غيره ما يحب أن يستر منه، وقد قال النبي - ﷺ -: «من ستر على مؤمن عورته، ستر الله عورته يوم القيامة». والمغتاب، والمتجسس، والمكافىء على الإساءة بمعزل عن هذا الوصف، وإنما المتصف به من لا يفشي من خلق الله، إلا أحسن ما فيهم، ولا ينفك مخلوق عن كمال، ونقص، وعن قبح وحسن، فمن تغافل عن المقابح، وذكر المحاسن، فهو ذو نصيب من هذا الاسم والوصف، كما روي عن عيسى عليه السلام: أنه مر مع الحواريين بكلب ميت، قد غلب نتنه، فقالوا: ما أنتن هذه الجيفة؟ فقال عيسى عليه السلام: ما أحسن بياض أسنهانها، تنبيهًا على أن الذي ينبغي أن يذكر من كل شيء، ما هو أحسنه.
وبعد أن ذكر الدلائل التي بثها في العالم العلوي.. أردفها ذكر الدلائل التي أودعها في العالم السفلي، وبدأها بخلق الإنسان؛ لأنه أعجب ما فيه، لما فيه من العقل، وقبوله الأمانة الإلهية، ولله در من قال:
وَتَزْعُمُ أَنَّكَ جُرْمٌ صَغِيْرُ | وَفِيْكَ انْطَوَى الْعَالَمُ الأَكْبَرُ |
485
حواء، من ضلع آدم عليه السلام، فالله تعالى متفرد بهذا الخلق مطلقًا، فينبغي أن يُعرف ويُعبد بلا إشراك به.
والمعنى: أي خلقكم سبحانه، على اختلاف ألسنتكم، وألوانكم، من نفس واحدة، وهي آدم، ثم جعل من جنسها زوجها، وهي حواء. والتعبير بالجعل دون الخلق، مع العطف بثم، للدلالة على أن خلق حواء، من ضلع آدم، أدخل في كونه آية دالة على كمال القدرة؛ لأن خلق آدم، هو على عادة الله، المستمرة في خلقه، وخلقها على الصفة المذكورة، لم تجر به عادة، لكونه لم يخلق سبحانه أنثى من ضلع رجل غيرها.
ثم ثنى بخلق الحيوان، فقال: ﴿وَأَنْزَلَ لَكُمْ﴾؛ أي: قضى، وقسم لكم. فإن قضاياه تعالى وقسمه توصف بالنزول من السماء، حيث تكتب في اللوح المحفوظ، وقيل: عبر بالإنزال لما يروى: أنه خلقها في الجنة ثم أنزلها، فيكون الإنزال حقيقة. أو أحدث لكم، وأنشأ بأسباب نازلة من السماء: كالأمطار، وأشعة الكواكب. وهذا كقوله: ﴿قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباسًا﴾. ولم ينزل اللباس نفسه، ولكن أنزل الماء الذي هو سبب القطن والصوف، واللباس منهما. ﴿مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ﴾ ذكرًا، وأنثى، وهي الإبل، والبقر، والضأن، والمعز. والأنعام: جمع نعم بفتحتين، وهي جماعة الإبل في الأصل، لا واحد لها من لفظها. قال ابن الشيخ في أول المائدة: الأنعام مخصوص بالأنواع الأربعة. وهي الإبل، والبقر، والضأن، والمعز. ويقال لها: الأزواج الثمانية؛ لأن ذكر كل واحد من هذه الأنواع زوج بأنثاه، وأنثاه زوج بذكره، فيكون مجموع الأزواج ثمانية بهذا الاعتبار، من الضأن اثنين، ومن المعز اثنين، ومن الإبل اثنين، ومن البقر اثنين، والخيل، والبغال، والحمير خارجة من الأنعام.
وخصت (١) هذه الأنواع الأربعة بالذكر، لكثرة الانتفاع بها من اللحم، والجلد، والشعر، والوبر. وفي «التأويلات النجمية»: وأنزل لكم من الأنعام
والمعنى: أي خلقكم سبحانه، على اختلاف ألسنتكم، وألوانكم، من نفس واحدة، وهي آدم، ثم جعل من جنسها زوجها، وهي حواء. والتعبير بالجعل دون الخلق، مع العطف بثم، للدلالة على أن خلق حواء، من ضلع آدم، أدخل في كونه آية دالة على كمال القدرة؛ لأن خلق آدم، هو على عادة الله، المستمرة في خلقه، وخلقها على الصفة المذكورة، لم تجر به عادة، لكونه لم يخلق سبحانه أنثى من ضلع رجل غيرها.
ثم ثنى بخلق الحيوان، فقال: ﴿وَأَنْزَلَ لَكُمْ﴾؛ أي: قضى، وقسم لكم. فإن قضاياه تعالى وقسمه توصف بالنزول من السماء، حيث تكتب في اللوح المحفوظ، وقيل: عبر بالإنزال لما يروى: أنه خلقها في الجنة ثم أنزلها، فيكون الإنزال حقيقة. أو أحدث لكم، وأنشأ بأسباب نازلة من السماء: كالأمطار، وأشعة الكواكب. وهذا كقوله: ﴿قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباسًا﴾. ولم ينزل اللباس نفسه، ولكن أنزل الماء الذي هو سبب القطن والصوف، واللباس منهما. ﴿مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ﴾ ذكرًا، وأنثى، وهي الإبل، والبقر، والضأن، والمعز. والأنعام: جمع نعم بفتحتين، وهي جماعة الإبل في الأصل، لا واحد لها من لفظها. قال ابن الشيخ في أول المائدة: الأنعام مخصوص بالأنواع الأربعة. وهي الإبل، والبقر، والضأن، والمعز. ويقال لها: الأزواج الثمانية؛ لأن ذكر كل واحد من هذه الأنواع زوج بأنثاه، وأنثاه زوج بذكره، فيكون مجموع الأزواج ثمانية بهذا الاعتبار، من الضأن اثنين، ومن المعز اثنين، ومن الإبل اثنين، ومن البقر اثنين، والخيل، والبغال، والحمير خارجة من الأنعام.
وخصت (١) هذه الأنواع الأربعة بالذكر، لكثرة الانتفاع بها من اللحم، والجلد، والشعر، والوبر. وفي «التأويلات النجمية»: وأنزل لكم من الأنعام
(١) روح البيان.
486
ثمانية أزواج؛ أي: خلق فيكم من صفات الأنعام ثماني صفات، وهي الأكل والشرب، والتغوط والتبول، والشهوة والحرص، والشره والغضب، وأصل جميع هذه الصفات، الصفتان الاثنتان: الشهوة والعضب، فإنه لا بد لكل حيوان من هاتين الصفتين، لبقاء وجوده بهما، فبالشهوة يجلب المنافع إلى نفسه، وبالغضب يدفع المضرات.
ثم ذكر سبيل خلق ما ذكر، من الأناسي والأنعام، فقال: ﴿يَخْلُقُكُمْ﴾ الله سبحانه وتعالى، أيها الناس ﴿فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ﴾؛ أي: في
أرحامهن ﴿خَلْقًا﴾ كائنًا ﴿مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ﴾؛ أي: خلقًا مدرجًا حيوانًا، سويًا من بعد عظام مكسوة لحمًا، من بعد عظام عارية، من بعد مضغ مخلقة، من بعد مضغ غير مخلقة، من بعد علقة من بعد نطفة، ونظيره قوله تعالى: ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوارًا (١٤)﴾ قاله قتادة والسدي. وقال ابن زيد: خلقكم خلقا في بطون أمهاتكم، من بعد خلقكم في ظهر آدم، عليه السلام. وقوله: ﴿فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ﴾ متعلق بقوله: يخلقكم وهي ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة، قاله مجاهد، وعكرمة، وقتادة، والضحاك. وقال سعيد بن جبير: ظلمة المشيمة، وظلمة الرحم، وظلمة الليل. وقال أبو عبيدة: ظلمة صلب الرجل، وظلمة بطن المرأة، وظلمة الرحم، والخلق في بطون الأمهات. حالة مشتركة بين الإنسان والحيوان. وإنما قال: ﴿فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ﴾ لتغليب من يعقل، ولشرف الإنسان على سائر الخلق، والمشيمة بفتح الميم: محل الولد؛ أي: الجلد الرقيق المشتمل على الجنين.
والمعنى: أي يبتدىء خلقكم أيها الناس، في بطون أمهاتكم خلقًا من بعد خلق. فيكون أحدكم أولًا نطفة، ثم يكون علقة، ثم يكون مضغة، ثم يكون عظمًا وعصبًا، ثم يكون لحمًا، وينفخ فيه الروح، فيصير خلقًا آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين ﴿فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ﴾؛ أي: في ظلمات أغشية ثلاثة، جعلها المولى سبحانه وقاية، للولد، وحفظًا له من التعفن.
وقرأ عيسى، وطلحة: ﴿يخلقكم﴾ بإدغام القاف في الكاف، وقرأ حمزة: ﴿أمهاتكم﴾ بكسر بالهمزة، والميم، وقرأ الكسائي: بكسر الهمزة، وفتح الميم،
ثم ذكر سبيل خلق ما ذكر، من الأناسي والأنعام، فقال: ﴿يَخْلُقُكُمْ﴾ الله سبحانه وتعالى، أيها الناس ﴿فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ﴾؛ أي: في
أرحامهن ﴿خَلْقًا﴾ كائنًا ﴿مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ﴾؛ أي: خلقًا مدرجًا حيوانًا، سويًا من بعد عظام مكسوة لحمًا، من بعد عظام عارية، من بعد مضغ مخلقة، من بعد مضغ غير مخلقة، من بعد علقة من بعد نطفة، ونظيره قوله تعالى: ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوارًا (١٤)﴾ قاله قتادة والسدي. وقال ابن زيد: خلقكم خلقا في بطون أمهاتكم، من بعد خلقكم في ظهر آدم، عليه السلام. وقوله: ﴿فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ﴾ متعلق بقوله: يخلقكم وهي ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة، قاله مجاهد، وعكرمة، وقتادة، والضحاك. وقال سعيد بن جبير: ظلمة المشيمة، وظلمة الرحم، وظلمة الليل. وقال أبو عبيدة: ظلمة صلب الرجل، وظلمة بطن المرأة، وظلمة الرحم، والخلق في بطون الأمهات. حالة مشتركة بين الإنسان والحيوان. وإنما قال: ﴿فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ﴾ لتغليب من يعقل، ولشرف الإنسان على سائر الخلق، والمشيمة بفتح الميم: محل الولد؛ أي: الجلد الرقيق المشتمل على الجنين.
والمعنى: أي يبتدىء خلقكم أيها الناس، في بطون أمهاتكم خلقًا من بعد خلق. فيكون أحدكم أولًا نطفة، ثم يكون علقة، ثم يكون مضغة، ثم يكون عظمًا وعصبًا، ثم يكون لحمًا، وينفخ فيه الروح، فيصير خلقًا آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين ﴿فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ﴾؛ أي: في ظلمات أغشية ثلاثة، جعلها المولى سبحانه وقاية، للولد، وحفظًا له من التعفن.
وقرأ عيسى، وطلحة: ﴿يخلقكم﴾ بإدغام القاف في الكاف، وقرأ حمزة: ﴿أمهاتكم﴾ بكسر بالهمزة، والميم، وقرأ الكسائي: بكسر الهمزة، وفتح الميم،
487
وقرأ الباقون: بضم الهمزة، وفتح الميم.
والإشارة بقوله: ﴿ذلِكُمُ﴾ إليه سبحانه وتعالى، باعتبار أفعاله المذكورة، ومحله الرفع على الابتداء؛ أي: ذلكم العظيم الشأن الذي عدّت أفعاله ﴿اللَّهُ﴾ المعبود بحق، خبر المبتدأ، وقوله: ﴿رَبُّكُمْ﴾ خبر آخر له؛ أي: مربيكم فيما ذكر من الأطوار، وفيما بعدها، ومالكم المستحق لتخصيص العبادة به، وفي «التأويلات النجمية»؛ أي: أنا خلقتكم، وأنا صورتكم، وأنا الذي أسبغت عليكم أنعامي، وخصصتكم بجميع إكرامي، وغرقتكم في بحار أفضالي، وعرّفتكم استحقاق شهود جمالي وجلالي، وهديتكم إلى توحيدي، وأدعوكم إلى وحدانيتي، فما لكم لا تنطقون إلي بالكلية؟ وما لكم لا تطلبون مني ولا تطلبونني وقد بشرتكم بقولي: ألا من طلبني وجدني، ومن كان لي كنت له، ومن كنت له يكون له ما كان لي، انتهى. ﴿لَهُ الْمُلْكُ﴾ على الإطلاق في الدنيا والآخرة، ليس لغيره شركة في ذلك بوجه من الوجوه، وهو خبر ثالث، وقوله: ﴿لا إِلهَ إِلَّا هُوَ﴾ خبر رابع؛ أي: لا معبود إلا هو، كما أنه لا مقصود إلا هو ﴿فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾؛ أي: فكيف تنصرفون عن عبادته، وتنقلبون عنها إلى عبادة غيره، ومن أي وجه تصرفون، وتردون عن ملازمة بابه، بالعبودية إلى باب عاجز مثلكم من الخلق؛ أي: كيف تصرفون، وتعدلون عن عبادته تعالى، إلى عبادة الأوثان، مع وفور موجباتها ودواعيها، وانتفاء الصارف عنها بالكلية إلى عبادة غيره.
والخلاصة: كيف تعبدون معه تعالى سواه؟ أين ذهبت عقولكم، وكيف ضاعت أحلامكم؟!.
٧ - ولما ذكر الله سبحانه النعم، التي أنعم بها على عباده، وبيّن لهم من بديع صنعه وعجيب فعله، ما يوجب على كل عاقل أن يؤمن به.. عقّبه بقوله: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا﴾ به تعالى، بعد مشاهدة ما ذكر من فنون نعمائه، ومعرفة شؤونه العظيمة، الموجبة للإيمان والشكر، والخطاب لأهل مكة، كما في «الوسيط»، والظاهر: التعميم لكل الناس، كما في قوله تعالى: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿غَنِيٌّ عَنْكُمْ﴾ وعن جميع العالمين؛ أي: فاعلموا أنه
والإشارة بقوله: ﴿ذلِكُمُ﴾ إليه سبحانه وتعالى، باعتبار أفعاله المذكورة، ومحله الرفع على الابتداء؛ أي: ذلكم العظيم الشأن الذي عدّت أفعاله ﴿اللَّهُ﴾ المعبود بحق، خبر المبتدأ، وقوله: ﴿رَبُّكُمْ﴾ خبر آخر له؛ أي: مربيكم فيما ذكر من الأطوار، وفيما بعدها، ومالكم المستحق لتخصيص العبادة به، وفي «التأويلات النجمية»؛ أي: أنا خلقتكم، وأنا صورتكم، وأنا الذي أسبغت عليكم أنعامي، وخصصتكم بجميع إكرامي، وغرقتكم في بحار أفضالي، وعرّفتكم استحقاق شهود جمالي وجلالي، وهديتكم إلى توحيدي، وأدعوكم إلى وحدانيتي، فما لكم لا تنطقون إلي بالكلية؟ وما لكم لا تطلبون مني ولا تطلبونني وقد بشرتكم بقولي: ألا من طلبني وجدني، ومن كان لي كنت له، ومن كنت له يكون له ما كان لي، انتهى. ﴿لَهُ الْمُلْكُ﴾ على الإطلاق في الدنيا والآخرة، ليس لغيره شركة في ذلك بوجه من الوجوه، وهو خبر ثالث، وقوله: ﴿لا إِلهَ إِلَّا هُوَ﴾ خبر رابع؛ أي: لا معبود إلا هو، كما أنه لا مقصود إلا هو ﴿فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾؛ أي: فكيف تنصرفون عن عبادته، وتنقلبون عنها إلى عبادة غيره، ومن أي وجه تصرفون، وتردون عن ملازمة بابه، بالعبودية إلى باب عاجز مثلكم من الخلق؛ أي: كيف تصرفون، وتعدلون عن عبادته تعالى، إلى عبادة الأوثان، مع وفور موجباتها ودواعيها، وانتفاء الصارف عنها بالكلية إلى عبادة غيره.
والخلاصة: كيف تعبدون معه تعالى سواه؟ أين ذهبت عقولكم، وكيف ضاعت أحلامكم؟!.
٧ - ولما ذكر الله سبحانه النعم، التي أنعم بها على عباده، وبيّن لهم من بديع صنعه وعجيب فعله، ما يوجب على كل عاقل أن يؤمن به.. عقّبه بقوله: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا﴾ به تعالى، بعد مشاهدة ما ذكر من فنون نعمائه، ومعرفة شؤونه العظيمة، الموجبة للإيمان والشكر، والخطاب لأهل مكة، كما في «الوسيط»، والظاهر: التعميم لكل الناس، كما في قوله تعالى: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿غَنِيٌّ عَنْكُمْ﴾ وعن جميع العالمين؛ أي: فاعلموا أنه
488
تعالى، غني عن إيمانكم وشكركم؛ أي: غير محتاج إليكم، ولا إلى إيمانكم، ولا إلى عبادتكم له، فإنه الغني المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله. ﴿وَ﴾ مع كون كفر الكافر لا يضره، كما أنه لا ينفعه إيمان المؤمن، فهو أيضًا ﴿لا يَرْضى لِعِبادِهِ﴾؛ أي: لأحد من عباده ﴿الْكُفْرَ﴾؛ أي: لا يحبه، ولا يأمر به، وإن تعلقت به إرادته تعالى من بعضهم؛ أي: عدم رضاه بكفر عباده، لأجل منفعتهم ودفع مضرتهم رحمة عليهم، لا لتضرره تعالى به، وإنما قال: ﴿لِعِبادِهِ﴾ ولم يقل: لكم، لتعميم الحكم للمؤمنين والكافرين، وتعليله بكونهم عباده.
واعلم (١): أن الرضا ترك السخط، والله تعالى لا يترك السخط في حق الكافر؛ لأنه لسخطه عليه أعد له جهنم، ولا يلزم منه عدم الإرادة، إذ ليس في الإرادة ما في الرضا من نوع استحسان، فالله تعالى مريد الخير والشر، ولكن لا يرضى بالكفر والفسوق، فإن الرضا إنما يتعلق بالحسن من الأفعال دون القبيح، وعليه أهل السنة، وكذا أهل الاعتزال، وفي «الخازن»: الرضا عبارة عن مدح الشيء، والثناء عليه بفعله، والله تعالى لا يمدح الكفر، ولا يثني عليه، ولا يكون في ملكه إلا ما أراد، وقد لا يرضى به، ولا يمدح عليه، وقد بان الفرق بين الإرادة والرضا، انتهى.
والمعنى: أي لا يُحب لعباده الكفر، ولا يأمر به؛ لأنه مانع من ارتقاء النفوس البشرية، بجعلها ذليلة خاضعة للأرباب المتعددة والمعبودات الحقيرة، من الخشب والنصب، وممن يأكل الطعام ويمشي في الأسواق.
ثم لما ذكر سبحانه: أنه لا يرضى لعباده الكفر، بيّن أنه يرضى لهم الشكر، فقال: ﴿وَإِنْ تَشْكُرُوا﴾؛ أي: وإن تؤمنوا به تعالى، وتوحدوه، يدل عليه، ذكره في مقابلة الكفر. ﴿يَرْضَهُ لَكُمْ﴾؛ أي: يرض الشكر، ويحبه عنكم، ويثيبكم عليه، وإنما رضي لهم سبحانه الشكر؛ لأنه سبب سعادتهم في الدنيا والآخرة، ولأنه على مقتضى السنن القويم والصراط المستقيم العادل، كما قال: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ
واعلم (١): أن الرضا ترك السخط، والله تعالى لا يترك السخط في حق الكافر؛ لأنه لسخطه عليه أعد له جهنم، ولا يلزم منه عدم الإرادة، إذ ليس في الإرادة ما في الرضا من نوع استحسان، فالله تعالى مريد الخير والشر، ولكن لا يرضى بالكفر والفسوق، فإن الرضا إنما يتعلق بالحسن من الأفعال دون القبيح، وعليه أهل السنة، وكذا أهل الاعتزال، وفي «الخازن»: الرضا عبارة عن مدح الشيء، والثناء عليه بفعله، والله تعالى لا يمدح الكفر، ولا يثني عليه، ولا يكون في ملكه إلا ما أراد، وقد لا يرضى به، ولا يمدح عليه، وقد بان الفرق بين الإرادة والرضا، انتهى.
والمعنى: أي لا يُحب لعباده الكفر، ولا يأمر به؛ لأنه مانع من ارتقاء النفوس البشرية، بجعلها ذليلة خاضعة للأرباب المتعددة والمعبودات الحقيرة، من الخشب والنصب، وممن يأكل الطعام ويمشي في الأسواق.
ثم لما ذكر سبحانه: أنه لا يرضى لعباده الكفر، بيّن أنه يرضى لهم الشكر، فقال: ﴿وَإِنْ تَشْكُرُوا﴾؛ أي: وإن تؤمنوا به تعالى، وتوحدوه، يدل عليه، ذكره في مقابلة الكفر. ﴿يَرْضَهُ لَكُمْ﴾؛ أي: يرض الشكر، ويحبه عنكم، ويثيبكم عليه، وإنما رضي لهم سبحانه الشكر؛ لأنه سبب سعادتهم في الدنيا والآخرة، ولأنه على مقتضى السنن القويم والصراط المستقيم العادل، كما قال: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ
(١) روح البيان.
489
لَأَزِيدَنَّكُمْ}.
وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة (١): ﴿يرضه﴾ بضم الهاء مختلسة، وقرأ أبو عمرو، وحمزة في بعض الروايات ساكنة الهاء للتخفيف، وقرأ نافع في بعض الروايات، وابن عامر، والكسائي، وابن ذكوان، والدوري مضمومة الهاء مشبعة.
ثم ذكر سبحانه: أن كل إنسان يوم القيامة يجازى بما قدم من عمل، ولا يضيره عمل غيره، فقال: ﴿وَلا تَزِرُ﴾؛ أي: لا تحمل ﴿وازِرَةٌ﴾؛ أي: نفس حاملة للوزر والإثم ﴿وِزْرَ﴾؛ أي: حمل، وذنب نفس ﴿أُخْرى﴾؛ أي: غيرها، وهذا بيان لعدم سراية كفر الكافر إلى غيره أصلًا؛ أي: ولا تحمل أي نفس أوزار نفس أخرى، بل كل مطالب بعمل نفسه خيرًا كان أو شرًا.
ثم بيّن أن جزاء المرء في الآخرة، وفق ما عمل في الدنيا، فقال: ﴿ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ﴾؛ أي: ثم بعد موتكم إلى خالقكم، لا إلى غيره ﴿مَرْجِعُكُمْ﴾؛ أي: رجوعكم بالبعث بعد الموت ﴿فَيُنَبِّئُكُمْ﴾؛ أي: فيخبركم عند ذلك ﴿بِما كُنْتُمْ﴾ في الدنيا ﴿تَعْمَلُونَ﴾ ـه من خير وشر، فيجازيكم على ذلك ثوابًا وعقابًا، وفيه تهديد شديد.
وفي تفسير «أبي السعود» في غير هذا الموضع: عبّر (٢) عن إظهاره التنبئة، لما بينهما من الملابسة، في أنهما سببان للعلم، تنبيها على أنهم كانوا جاهلين بحال ما ارتكبوه، غافلين عن سوء عاقبته؛ أي: يظهر لكم على رؤوس الأشهاد، ويعلمكم أي شيء شنيع كنتم تعملونه في الدنيا على الاستمرار، ويرتب عليه ما يليق به من الجزاء، انتهى.
وحاصل المعنى (٣): أي ثم بعد موتكم، مصيركم يوم القيامة إلى خالقكم، البصير بأمركم العليم بالسر والنجوى، فيخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا، إذ لا
وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة (١): ﴿يرضه﴾ بضم الهاء مختلسة، وقرأ أبو عمرو، وحمزة في بعض الروايات ساكنة الهاء للتخفيف، وقرأ نافع في بعض الروايات، وابن عامر، والكسائي، وابن ذكوان، والدوري مضمومة الهاء مشبعة.
ثم ذكر سبحانه: أن كل إنسان يوم القيامة يجازى بما قدم من عمل، ولا يضيره عمل غيره، فقال: ﴿وَلا تَزِرُ﴾؛ أي: لا تحمل ﴿وازِرَةٌ﴾؛ أي: نفس حاملة للوزر والإثم ﴿وِزْرَ﴾؛ أي: حمل، وذنب نفس ﴿أُخْرى﴾؛ أي: غيرها، وهذا بيان لعدم سراية كفر الكافر إلى غيره أصلًا؛ أي: ولا تحمل أي نفس أوزار نفس أخرى، بل كل مطالب بعمل نفسه خيرًا كان أو شرًا.
ثم بيّن أن جزاء المرء في الآخرة، وفق ما عمل في الدنيا، فقال: ﴿ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ﴾؛ أي: ثم بعد موتكم إلى خالقكم، لا إلى غيره ﴿مَرْجِعُكُمْ﴾؛ أي: رجوعكم بالبعث بعد الموت ﴿فَيُنَبِّئُكُمْ﴾؛ أي: فيخبركم عند ذلك ﴿بِما كُنْتُمْ﴾ في الدنيا ﴿تَعْمَلُونَ﴾ ـه من خير وشر، فيجازيكم على ذلك ثوابًا وعقابًا، وفيه تهديد شديد.
وفي تفسير «أبي السعود» في غير هذا الموضع: عبّر (٢) عن إظهاره التنبئة، لما بينهما من الملابسة، في أنهما سببان للعلم، تنبيها على أنهم كانوا جاهلين بحال ما ارتكبوه، غافلين عن سوء عاقبته؛ أي: يظهر لكم على رؤوس الأشهاد، ويعلمكم أي شيء شنيع كنتم تعملونه في الدنيا على الاستمرار، ويرتب عليه ما يليق به من الجزاء، انتهى.
وحاصل المعنى (٣): أي ثم بعد موتكم، مصيركم يوم القيامة إلى خالقكم، البصير بأمركم العليم بالسر والنجوى، فيخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا، إذ لا
(١) المراح.
(٢) أبو السعود.
(٣) المراغي.
(٢) أبو السعود.
(٣) المراغي.
490
تخفى عليه خافية في الأرض، ولا في السماء، ثم يجازى المحسن منكم بإحسانه، والمسيء بإساءته، فاحذروا أن تلقوا ربكم، وقد عملتم في الدنيا ما لا يرضاه، فتهلكوا.
ثم بيّن أن هذه المجازاة، ليست بالعسيرة عليه سبحانه، فقال: ﴿إِنَّهُ﴾ تعالى، ﴿عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾؛ أي: بخطرات القلوب، فضلًا عن غيرها، وهذا تعليل للتنبئة؛ أي: مبالغ في العلم بمضمرات القلوب، فكيف بالأعمال الظاهرة؟ وأصله: عليم بمضمرات صاحبة الصدور، وهي القلب؛ أي: إنه تعالى محيي جميع أعمالكم حتى ما تضمره صدوركم، مما لا تدركه أعينكم، فكيف بما رأته العيون، وأدركته الأبصار؟ وفي الآية دليل على أن ضرر الكفر والطغيان يعود إلى نفس الكافر، كما أن نفع الشكر والإيمان يعود إلى نفس الشاكر، والله غني عن العالمين، كما في الأحاديث القدسية: «يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم - أي: على تقوى أتقى قلب رجل - ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم.. ما نقص ذلك من ملكي شيئًا»، وفي آخر الحديث: «فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه». جعلنا الله وإياكم من عباده الصالحين، الصادقين المخلصين في الأقوال والأفعال والأحوال، دون الفاسقين الكاذبين المرائين، آمين يا من يقبل اليسير ويعطي الكثير.
٨ - ثم بيّن سبحانه شأن الكافر بالنسبة إلى ربه، فقال: ﴿وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ﴾؛ أي: أصاب الإنسان، ووصل إليه ﴿ضُرٌّ﴾؛ أي: سوء حال أي ضر كان، من مرض أو فقر أو خوف ﴿دَعا رَبَّهُ﴾ في كشف ذلك الضر، حال كونه ﴿مُنِيبًا إِلَيْهِ﴾؛ أي: راجعًا إليه تعالى، مستغيثًا به في دفع ما نزل به، تاركًا لما كان يدعون، ويستغيث به من ميت أو حي أو صنم أو غير ذلك، والإنابة إلى الله: الرجوع إليه بالتوبة، وإخلاص العمل له. والنوب: رجوع الشيء مرة بعد أخرى، وهذا وصف للجنس بحال بعض أفراده، كقوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ
ثم بيّن أن هذه المجازاة، ليست بالعسيرة عليه سبحانه، فقال: ﴿إِنَّهُ﴾ تعالى، ﴿عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾؛ أي: بخطرات القلوب، فضلًا عن غيرها، وهذا تعليل للتنبئة؛ أي: مبالغ في العلم بمضمرات القلوب، فكيف بالأعمال الظاهرة؟ وأصله: عليم بمضمرات صاحبة الصدور، وهي القلب؛ أي: إنه تعالى محيي جميع أعمالكم حتى ما تضمره صدوركم، مما لا تدركه أعينكم، فكيف بما رأته العيون، وأدركته الأبصار؟ وفي الآية دليل على أن ضرر الكفر والطغيان يعود إلى نفس الكافر، كما أن نفع الشكر والإيمان يعود إلى نفس الشاكر، والله غني عن العالمين، كما في الأحاديث القدسية: «يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم - أي: على تقوى أتقى قلب رجل - ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم.. ما نقص ذلك من ملكي شيئًا»، وفي آخر الحديث: «فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه». جعلنا الله وإياكم من عباده الصالحين، الصادقين المخلصين في الأقوال والأفعال والأحوال، دون الفاسقين الكاذبين المرائين، آمين يا من يقبل اليسير ويعطي الكثير.
٨ - ثم بيّن سبحانه شأن الكافر بالنسبة إلى ربه، فقال: ﴿وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ﴾؛ أي: أصاب الإنسان، ووصل إليه ﴿ضُرٌّ﴾؛ أي: سوء حال أي ضر كان، من مرض أو فقر أو خوف ﴿دَعا رَبَّهُ﴾ في كشف ذلك الضر، حال كونه ﴿مُنِيبًا إِلَيْهِ﴾؛ أي: راجعًا إليه تعالى، مستغيثًا به في دفع ما نزل به، تاركًا لما كان يدعون، ويستغيث به من ميت أو حي أو صنم أو غير ذلك، والإنابة إلى الله: الرجوع إليه بالتوبة، وإخلاص العمل له. والنوب: رجوع الشيء مرة بعد أخرى، وهذا وصف للجنس بحال بعض أفراده، كقوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ
491
كَفَّارٌ}. وفيه (١) إشارة، إلى أن من طبيعة الإنسان، أنه إذا مسه ضرب خشع وخضع وإلى ربه فزع، وتملق بين يديه وتضرع. ﴿ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ﴾ وأعطاه ﴿نِعْمَةً﴾ عظيمة صادرة ﴿مِنْهُ﴾ تعالى، حاصلة من جنابه، وأزال عنه ضره، وكفاه أمره، وأصلح باله، وأحسن حاله ﴿نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ﴾؛ أي: نسي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه عنه ﴿مِنْ قَبْلُ﴾؛ أي: من قبل أن يخوله ما خوله، كقوله تعالى: ﴿مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ﴾، وقيل: نسي الدعاء الذي كان يتضرع به، وتركه. أو نسي ربه الذي كان يدعوه، ويتضرع إليه إما بناء على أن ﴿مًا﴾ بمعنى: من كان في قوله تعالى: ﴿وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣)﴾، وإما إيذانًا بأن نسيانه، بلغ إلى حيث لا يعرف مدعوه ما هو، فضلًا عن أن يعرفه من هو، فيعود إلى رأس كفرانه، وينهمك في كبائر عصيانه، ويشرك بمعبوده، ويصر على جحوده، وذلك لكون دعائه المحسوس معلولًا بالضر الممسوس، لا ناشئًا عن الشوق إلى الله المأنوس. وهو معنى قوله: ﴿وَجَعَلَ﴾ ذلك الإنسان ﴿لِلَّهِ﴾ سبحانه ﴿أَنْدادًا﴾؛ أي: شركاء من الأصنام أو غيرها يستغيث بها، ويعبدها ﴿لِيُضِلَّ﴾ الناس بذلك ﴿عَنْ سَبِيلِهِ﴾ تعالى؛ أي: عن طريق الله التي هي الإسلام والتوحيد.
وقرأ الجمهور: ﴿لِيُضِلَّ﴾ بضم الياء؛ أي: ما اكتفى بضلال نفسه حتى جعل غيره يضل. وقرأ (٢) ابن كثير، وأبو عمرو، وعيسى: بفتحها.
ثم أمر الله سبحانه، رسوله - ﷺ -، أن يهدد من كان متصفًا بتلك الصفة، فقال: ﴿قُلْ﴾ يا محمد تهديدًا لذلك الضال المضل، وبيانًا لحاله ومآله: ﴿تَمَتَّعْ﴾؛ أي: عش في الدنيا ﴿بِكُفْرِكَ﴾؛ أي: في كفرك، واستمتع بزخارفها تمتعًا ﴿قَلِيلًا﴾ فمتاع الدنيا قليل وإن طالت، فهو صفة لمصدر محذوف، أو زمانًا قليلًا، فهو صفة زمان محذوف، فالأمر بالتمتع للتهديد، كقوله تعالى: ﴿اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ﴾.
وقرأ الجمهور: ﴿لِيُضِلَّ﴾ بضم الياء؛ أي: ما اكتفى بضلال نفسه حتى جعل غيره يضل. وقرأ (٢) ابن كثير، وأبو عمرو، وعيسى: بفتحها.
ثم أمر الله سبحانه، رسوله - ﷺ -، أن يهدد من كان متصفًا بتلك الصفة، فقال: ﴿قُلْ﴾ يا محمد تهديدًا لذلك الضال المضل، وبيانًا لحاله ومآله: ﴿تَمَتَّعْ﴾؛ أي: عش في الدنيا ﴿بِكُفْرِكَ﴾؛ أي: في كفرك، واستمتع بزخارفها تمتعًا ﴿قَلِيلًا﴾ فمتاع الدنيا قليل وإن طالت، فهو صفة لمصدر محذوف، أو زمانًا قليلًا، فهو صفة زمان محذوف، فالأمر بالتمتع للتهديد، كقوله تعالى: ﴿اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ﴾.
(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
492
ثم علل ذلك بقوله: ﴿إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ في الآخرة﴾؛ أي: من ملازميها، والمعذبين فيها على الدوام، وهو تعليل لقلة التمتع، وفيه من الإقناط من النجاة ما لا يخفى كأنه قيل: وإذ قد أبيت قبول ما أمرت به، من الإيمان والطاعة، فمن حقك أن تؤمر بتركه لتذوق عقوبته.
والمعنى (١): أي وإذا أصاب الكافر بلاء في جسده، أو شدة في معيشته، أو خوف على حياته.. استغاث بربه الذي خلقه، ورغب إليه في كشف ما نزل به، تائبا إليه مما كان عليه من قبل ذلك من الكفر به، وإشراك الآلهة والأوثان في عبادته، ثم إذا منحه نعمة منه فأزال ما به من ضر، وأبدله بالسقم صحة وبالشدة رخاء.. ترك دعاءه الذي كان يدعوه من قبل، أن يكشف ما كان به من ضر، فجعل لله شركاء، وأضل الناس، ومنعهم من توحيده والإقرار به، والدخول في الإسلام له، ثم أوعده، وهدده فقال: ﴿تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا...﴾ إلخ؛ أي: قل أيها (٢) الرسول لمن فعل ذلك: تمتع بما أنت فيه من زخرف الدنيا ولذاتها، منصرفًا عن النظر إلى أدلة التوحيد، التي أوجدها الله سبحانه في الأكوان، وجعلها في نفس الإنسان زمنًا قليلًا إلى أن تستوفي أجلك، وتأتيك منيتك، ثم أنت بعد ذلك من أصحاب النار المخلدين فيها أبدًا.
٩ - ثم لما ذكر سبحانه صفات المشركين، وتمسكهم بغير الله عند اندفاع المكروهات عنهم.. ذكر صفات المؤمنين، فقال: ﴿أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ﴾ إلخ، وهذا إلى آخره، من تمام الكلام المأمور به رسول الله - ﷺ -، و ﴿أَمَّنْ﴾ بالتشديد، على أن أصله: أم من هو قانت، وهي إما متصلة حذف معادلها، والمعنى: قل له يا محمد: أأنت أيها المشرك أحسن حالًا ومآلًا، أم من هو قانت وعابد لربه، قائم بأداء الطاعات ﴿آناءَ اللَّيْلِ﴾ ودائب على وظائف العبادات في ساعات الليل أوله، وآخره، ووسطه التي تكون فيها العبادة أشق على النفوس، وأبعد عن
والمعنى (١): أي وإذا أصاب الكافر بلاء في جسده، أو شدة في معيشته، أو خوف على حياته.. استغاث بربه الذي خلقه، ورغب إليه في كشف ما نزل به، تائبا إليه مما كان عليه من قبل ذلك من الكفر به، وإشراك الآلهة والأوثان في عبادته، ثم إذا منحه نعمة منه فأزال ما به من ضر، وأبدله بالسقم صحة وبالشدة رخاء.. ترك دعاءه الذي كان يدعوه من قبل، أن يكشف ما كان به من ضر، فجعل لله شركاء، وأضل الناس، ومنعهم من توحيده والإقرار به، والدخول في الإسلام له، ثم أوعده، وهدده فقال: ﴿تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا...﴾ إلخ؛ أي: قل أيها (٢) الرسول لمن فعل ذلك: تمتع بما أنت فيه من زخرف الدنيا ولذاتها، منصرفًا عن النظر إلى أدلة التوحيد، التي أوجدها الله سبحانه في الأكوان، وجعلها في نفس الإنسان زمنًا قليلًا إلى أن تستوفي أجلك، وتأتيك منيتك، ثم أنت بعد ذلك من أصحاب النار المخلدين فيها أبدًا.
٩ - ثم لما ذكر سبحانه صفات المشركين، وتمسكهم بغير الله عند اندفاع المكروهات عنهم.. ذكر صفات المؤمنين، فقال: ﴿أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ﴾ إلخ، وهذا إلى آخره، من تمام الكلام المأمور به رسول الله - ﷺ -، و ﴿أَمَّنْ﴾ بالتشديد، على أن أصله: أم من هو قانت، وهي إما متصلة حذف معادلها، والمعنى: قل له يا محمد: أأنت أيها المشرك أحسن حالًا ومآلًا، أم من هو قانت وعابد لربه، قائم بأداء الطاعات ﴿آناءَ اللَّيْلِ﴾ ودائب على وظائف العبادات في ساعات الليل أوله، وآخره، ووسطه التي تكون فيها العبادة أشق على النفوس، وأبعد عن
(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
493
الرياء، فتكون أقرب إلى القبول، وقوله: ﴿ساجِدًا﴾ حال (١) من ضمير ﴿قانِتٌ﴾؛ أي: حال كونه ساجدًا في صلاته ﴿وَقائِمًا﴾ فيها، وتقديم السجود على القيام، لكونه أدخل في معنى العبادة، والواو للجمع بين الصفتين، فالمعنى: ﴿قانِتٌ﴾؛ أي: قائم طويل القيام في الصلاة، كما يشعر به ﴿آناءَ اللَّيْلِ﴾؛ لأنه إذا قام في ساعات الليل، فقد أطال القيام بخلاف من قام في جزء من الليل، والمراد بالسجود والقيام: الصلاة، عبّر عنها بهما لكونهما أعظم أركانها، والاستفهام على كونها متصلة للتقرير. ولا شك أن الجواب لا يحتاج إلى بيان، وإما منقطعة فتقدّر ببل الإضرابية وهمزة الاستفهام الإنكاري، والمعنى: بل أمن هو قانت مطيع لربه ساجدًا وقائمًا كالكافر المقول له: تمتع بكفرك قليلًا؛ أي: لا يستويان، بل هو في الجنة والكافر في النار.
وقرأ ابن كثير ونافع، وحمزة، والأعمش، وعيسى، وشيبة، والحسن في رواية (٢): ﴿أمن﴾ بتخفيف الميم، والظاهر: أن الهمزة لاستفهام التقرير، ومقابله محذوف لفهم المعنى، والتقدير: أهذا القانت خير، أم الكافر المخاطب بقوله: ﴿قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ﴾، ويدل عليه قوله: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾، وقرأ باقي السبعة، والحسن، وقتادة، والأعرج، وأبو جعفر: أمن بتشديد الميم، وهي ﴿أم﴾ أدغمت ميمها في ميم ﴿من﴾، فاحتملت ﴿أم﴾ أن تكون متصلة ومعادلها محذوف قبلها، تقديره: أهذا الكافر خير، أم من هو قانت، واحتملت أن تكون منقطعة تقدر ببل والهمزة، والتقدير: بل أم من هو قانت صفته كذا، كمن ليس كذلك. وقرأ الجمهور ﴿ساجِدًا وَقائِمًا﴾ بالنصب على الحال، والضحاك برفعهما إما على النعت لقانت، وإما على أنه خبر بعد خبر.
وقوله: ﴿يَحْذَرُ الْآخِرَةَ﴾ حال أخرى (٣) على الترادف، أو التداخل أو استئناف، كأنه قيل: ما باله يفعل القنوت في الصلاة؟ فقيل: هو يحذر عذاب الآخرة لإيمانه بالبعث. ﴿وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾؛ أي: المغفرة أو الجنة، لا أنه يحذر
وقرأ ابن كثير ونافع، وحمزة، والأعمش، وعيسى، وشيبة، والحسن في رواية (٢): ﴿أمن﴾ بتخفيف الميم، والظاهر: أن الهمزة لاستفهام التقرير، ومقابله محذوف لفهم المعنى، والتقدير: أهذا القانت خير، أم الكافر المخاطب بقوله: ﴿قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ﴾، ويدل عليه قوله: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾، وقرأ باقي السبعة، والحسن، وقتادة، والأعرج، وأبو جعفر: أمن بتشديد الميم، وهي ﴿أم﴾ أدغمت ميمها في ميم ﴿من﴾، فاحتملت ﴿أم﴾ أن تكون متصلة ومعادلها محذوف قبلها، تقديره: أهذا الكافر خير، أم من هو قانت، واحتملت أن تكون منقطعة تقدر ببل والهمزة، والتقدير: بل أم من هو قانت صفته كذا، كمن ليس كذلك. وقرأ الجمهور ﴿ساجِدًا وَقائِمًا﴾ بالنصب على الحال، والضحاك برفعهما إما على النعت لقانت، وإما على أنه خبر بعد خبر.
وقوله: ﴿يَحْذَرُ الْآخِرَةَ﴾ حال أخرى (٣) على الترادف، أو التداخل أو استئناف، كأنه قيل: ما باله يفعل القنوت في الصلاة؟ فقيل: هو يحذر عذاب الآخرة لإيمانه بالبعث. ﴿وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾؛ أي: المغفرة أو الجنة، لا أنه يحذر
(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.
494
ضر الدنيا ويرجو خيرها فقط كالكافر؛ أي: حالة كونه يخاف عذاب الآخرة ويرجو جنة ربه، فينجو مما يخافه ويفوز بما يرجوه، ودلت الآية على أن المؤمن يجب أن يكون بين الخوف والرجاء، يرجو رحمة ربه لعمله، ويخاف عذابه لتقصيره في عمله، ثم الرجاء إذا جاوز حده يكون آمنا، والخوف إذا جاوز حده يكون يائسا، وكل منهما كفر، فوجب أن يعتدل كما قال - ﷺ -: «لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لاعتدلا»، وما اجتمعا في قلب رجل إلا فاز.
ثم أمر الله سبحانه رسوله - ﷺ -، أن يقول لهم قولًا آخر، يتبين به الحق من الباطل، فقال: ﴿قُلْ﴾ يا محمد بيانًا للحق، وتنبيهًا على شرف العلم والعمل: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ﴾ حقائق الأعمال، فيعملون بموجب علمهم، كالقانت المذكور ﴿وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ ما ذكر، فيعملون بمقتضى جهلهم وضلالهم، كالكافر المذكور، أو الذين (١) يعلمون أن ما وعد الله به من البعث والثواب والعقاب حق، والذين لا يعلمون ذلك، أو الذين يعلمون ما أنزل الله على رسله والذين لا يعلمون ذلك، أو المراد: العلماء، والجهال، ومعلوم عند كل من له عقل، أنه لا استواء بين العلم والجهل، ولا بين العالم والجاهل، وقال الزجاج؛ أي: كما لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، كذلك لا يستوي المطيع والعاصي. وقيل: المراد بالذين يعلمون: هم العاملون بعلمهم، فإنهم المنتفعون به؛ لأن من لم يعمل بمنزلة من لم يعلم، والاستفهام فيه للتنبيه على كون الأولين في أعلى معارج الخير، وكون الآخرين في أقصى مدارج الشر، وفي «بحر العلوم»: الفعل منزل منزلة اللازم، ولم يقدر له مفعول؛ لأن المقدر كالمذكور. والمعنى: لا يستوي من يوجد فيه حقيقة العلم ومن لم يوجد.
وعبارة المراغي هنا (٢): أي قل أيها الرسول لقومك: هل يستوي الذين يعلمون ما لهم في طاعة ربهم من الثواب، وما عليهم في معصيتهم إياه من عقاب، والذين لا يعلمون ذلك؟ فهم يخبطون خبط عشواء، لا يرجون بحسن
ثم أمر الله سبحانه رسوله - ﷺ -، أن يقول لهم قولًا آخر، يتبين به الحق من الباطل، فقال: ﴿قُلْ﴾ يا محمد بيانًا للحق، وتنبيهًا على شرف العلم والعمل: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ﴾ حقائق الأعمال، فيعملون بموجب علمهم، كالقانت المذكور ﴿وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ ما ذكر، فيعملون بمقتضى جهلهم وضلالهم، كالكافر المذكور، أو الذين (١) يعلمون أن ما وعد الله به من البعث والثواب والعقاب حق، والذين لا يعلمون ذلك، أو الذين يعلمون ما أنزل الله على رسله والذين لا يعلمون ذلك، أو المراد: العلماء، والجهال، ومعلوم عند كل من له عقل، أنه لا استواء بين العلم والجهل، ولا بين العالم والجاهل، وقال الزجاج؛ أي: كما لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، كذلك لا يستوي المطيع والعاصي. وقيل: المراد بالذين يعلمون: هم العاملون بعلمهم، فإنهم المنتفعون به؛ لأن من لم يعمل بمنزلة من لم يعلم، والاستفهام فيه للتنبيه على كون الأولين في أعلى معارج الخير، وكون الآخرين في أقصى مدارج الشر، وفي «بحر العلوم»: الفعل منزل منزلة اللازم، ولم يقدر له مفعول؛ لأن المقدر كالمذكور. والمعنى: لا يستوي من يوجد فيه حقيقة العلم ومن لم يوجد.
وعبارة المراغي هنا (٢): أي قل أيها الرسول لقومك: هل يستوي الذين يعلمون ما لهم في طاعة ربهم من الثواب، وما عليهم في معصيتهم إياه من عقاب، والذين لا يعلمون ذلك؟ فهم يخبطون خبط عشواء، لا يرجون بحسن
(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
495
أعمالهم خيرًا، ولا يخافون من سيئها شرًا، وجاء هذا الكلام بأسلوب الاستفهام، للدلالة على أن الأولين بلغوا أعلى معارج الخير، وأن الآخرين درجوا في دركات الشر، ولا يخفى ذلك على منصف ولا مكابر.
ثم بيّن أن ما سلف إنما يفهمه كل ذي لب، فأمثال هؤلاء على قلوبهم غشاوة لا يفقهون موعظة، ولا تنفع فيهم التذكرة، فقال: ﴿إِنَّما يَتَذَكَّرُ﴾ ويتعظ، ويتدبر، ويتفكر ﴿أُولُوا الْأَلْبابِ﴾؛ أي أصحاب العقول الكاملة، السالمة من الشك والشرك، وهم المؤمنون، لا الكفار، وقرىء: ﴿يذكر﴾ بإدغام تاء ﴿يَتَذَكَّرُ﴾ في الذال، وهذا كلام (١) مستقل، غير داخل في الكلام المأمور به، وارد من جهته تعالى؛ أي: إنما يتعظ بهذه البيانات الواضحة، أصحاب العقول الخالصة من شوائب الخلل والوهم، وهؤلاء بمعزل عن ذلك، قيل: قضية اللب الاتعاظ بالآيات، ومن لم يتعظ فكأنه لا لب له، ومَثَلهُ مَثَلُ البهائم.
والخلاصة: أنه إنما يعلم الفرق بين هذا وذاك، من له لب وعقل يتدبر به، وقيل لبعض العلماء (٢): إنكم تقولون: العلم أفضل من المال، ثم نرى العلماء يجتمعون عند أبواب الملوك؛ ولا نرى الملوك مجتمعين عند أبواب العلماء، فأجاب: بأن هذا أيضًا يدل على فضيلة العلم. لأن العلماء علموا ما في المال من المنافع فطلبوه، والجهال لم يعرفوا ما في العلم من المنافع فتركوه.
١٠ - ولما نفى الله سبحانه المساواة، بين من يعلم ومن لا يعلم، وبيّن أنه إنما يتذكر أولو الألباب.. أمر رسوله - ﷺ - بأن يأمر المؤمنين من عباده بالثبات على تقواه، والإيمان به. فقال: ﴿قُلْ﴾ يا محمد لعبادي المؤمنين: ﴿يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ وصدقوا بتوحيد الله ﴿اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ بامتثال مأموراته، واجتناب منهياته، وإخلاص الإيمان له، ونفي الشركاء عنه؛ أي: قل لهم: قولي هذا بعينه؛ أي:
ثم بيّن أن ما سلف إنما يفهمه كل ذي لب، فأمثال هؤلاء على قلوبهم غشاوة لا يفقهون موعظة، ولا تنفع فيهم التذكرة، فقال: ﴿إِنَّما يَتَذَكَّرُ﴾ ويتعظ، ويتدبر، ويتفكر ﴿أُولُوا الْأَلْبابِ﴾؛ أي أصحاب العقول الكاملة، السالمة من الشك والشرك، وهم المؤمنون، لا الكفار، وقرىء: ﴿يذكر﴾ بإدغام تاء ﴿يَتَذَكَّرُ﴾ في الذال، وهذا كلام (١) مستقل، غير داخل في الكلام المأمور به، وارد من جهته تعالى؛ أي: إنما يتعظ بهذه البيانات الواضحة، أصحاب العقول الخالصة من شوائب الخلل والوهم، وهؤلاء بمعزل عن ذلك، قيل: قضية اللب الاتعاظ بالآيات، ومن لم يتعظ فكأنه لا لب له، ومَثَلهُ مَثَلُ البهائم.
والخلاصة: أنه إنما يعلم الفرق بين هذا وذاك، من له لب وعقل يتدبر به، وقيل لبعض العلماء (٢): إنكم تقولون: العلم أفضل من المال، ثم نرى العلماء يجتمعون عند أبواب الملوك؛ ولا نرى الملوك مجتمعين عند أبواب العلماء، فأجاب: بأن هذا أيضًا يدل على فضيلة العلم. لأن العلماء علموا ما في المال من المنافع فطلبوه، والجهال لم يعرفوا ما في العلم من المنافع فتركوه.
١٠ - ولما نفى الله سبحانه المساواة، بين من يعلم ومن لا يعلم، وبيّن أنه إنما يتذكر أولو الألباب.. أمر رسوله - ﷺ - بأن يأمر المؤمنين من عباده بالثبات على تقواه، والإيمان به. فقال: ﴿قُلْ﴾ يا محمد لعبادي المؤمنين: ﴿يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ وصدقوا بتوحيد الله ﴿اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ بامتثال مأموراته، واجتناب منهياته، وإخلاص الإيمان له، ونفي الشركاء عنه؛ أي: قل لهم: قولي هذا بعينه؛ أي:
(١) روح البيان.
(٢) المراح.
(٢) المراح.
496
قل لهم: ربكم يقول: أطيعوا ربكم في الصغير والكبير من الأمور، وفيه تشريف لهم بإضافتهم إلى ضمير الجلالة، فإنه أصله: يا عبادي بالياء، حذفت اكتفاءً بالكسرة.
والمعنى: ﴿اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾؛ أي: دوموا، واثبتوا على تقوى ربكم؛ لأن بالإيمان حصلت التقوى عن الكفر والشرك، أو اتقوا عذابه وغضبه باكتساب طاعته، واجتناب معصيته، أو اتقوا به عما سواه، حتى تخلصوا من نار القطيعة، وتفوزوا بوصاله ونعيم جماله.
ثم لما أمر الله سبحانه المؤمنين بالتقوى، بيّن لهم ما في هذه التقوى من الفوائد، فقال: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا﴾؛ أي: للذين عملوا الأعمال الحسنة على وجه الإخلاص. خبر مقدم ﴿فِي هذِهِ الدُّنْيا﴾ متعلق بأحسنوا ﴿حَسَنَةٌ﴾ عظيمة ومثوبة كبيرة في الآخرة، لا يعرف كنهها، مبتدأ مؤخر. وهي الجنة، والشهود؛ لأن جزاء الإحسان الإحسان، والإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك، فالمحسن هو المشاهد، وبمشاهدة الله يغيب ما سوى الله تعالى، فلا يبقى إلا هو، وذلك حقيقة الإخلاص، وأما غير المحسن، فعلى خطر لبقائه مع ما سوى الله تعالى، فلا يأمن من الشرك والرياء القبيح، ومن كان عمله قبيحًا لم يكن جزاؤه حسنًا، وقيل: ﴿فِي هذِهِ الدُّنْيا﴾ متعلق بـ ﴿حَسَنَةٌ﴾ على أنه بيان لمكانها، فيكون المعنى: للذين أحسنوا في العمل حسنة في الدنيا بالصحة، والعافية، والظفر، والغنيمة، والأول أولى.
وحاصل المعنى: أي لمن أحسن في هذه الدار، وعمل صالح الأعمال، وزكى نفسه فيها، حسنة من صحة وعافية، ونجاح في الأعمال، التي يزاولها كفاء ما يتحلى به، من تمسك بآداب الدين واتباع فضائله، وحسنة في الآخرة، فيتمتع بجنات النعيم ورضوان الله عنه ﴿وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾.
ثم لما كان بعض العباد قد يتعسر عليه فعل الطاعات، والإحسان في وطنه، أرشد الله سبحانه، من كان كذلك إلى الهجرة من مكة إلى المدينة،
والمعنى: ﴿اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾؛ أي: دوموا، واثبتوا على تقوى ربكم؛ لأن بالإيمان حصلت التقوى عن الكفر والشرك، أو اتقوا عذابه وغضبه باكتساب طاعته، واجتناب معصيته، أو اتقوا به عما سواه، حتى تخلصوا من نار القطيعة، وتفوزوا بوصاله ونعيم جماله.
ثم لما أمر الله سبحانه المؤمنين بالتقوى، بيّن لهم ما في هذه التقوى من الفوائد، فقال: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا﴾؛ أي: للذين عملوا الأعمال الحسنة على وجه الإخلاص. خبر مقدم ﴿فِي هذِهِ الدُّنْيا﴾ متعلق بأحسنوا ﴿حَسَنَةٌ﴾ عظيمة ومثوبة كبيرة في الآخرة، لا يعرف كنهها، مبتدأ مؤخر. وهي الجنة، والشهود؛ لأن جزاء الإحسان الإحسان، والإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك، فالمحسن هو المشاهد، وبمشاهدة الله يغيب ما سوى الله تعالى، فلا يبقى إلا هو، وذلك حقيقة الإخلاص، وأما غير المحسن، فعلى خطر لبقائه مع ما سوى الله تعالى، فلا يأمن من الشرك والرياء القبيح، ومن كان عمله قبيحًا لم يكن جزاؤه حسنًا، وقيل: ﴿فِي هذِهِ الدُّنْيا﴾ متعلق بـ ﴿حَسَنَةٌ﴾ على أنه بيان لمكانها، فيكون المعنى: للذين أحسنوا في العمل حسنة في الدنيا بالصحة، والعافية، والظفر، والغنيمة، والأول أولى.
وحاصل المعنى: أي لمن أحسن في هذه الدار، وعمل صالح الأعمال، وزكى نفسه فيها، حسنة من صحة وعافية، ونجاح في الأعمال، التي يزاولها كفاء ما يتحلى به، من تمسك بآداب الدين واتباع فضائله، وحسنة في الآخرة، فيتمتع بجنات النعيم ورضوان الله عنه ﴿وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾.
ثم لما كان بعض العباد قد يتعسر عليه فعل الطاعات، والإحسان في وطنه، أرشد الله سبحانه، من كان كذلك إلى الهجرة من مكة إلى المدينة،
497
وصبّرهم على مفارقة الأوطان، فقال: ﴿وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ﴾ فمن (١) تعسر عليه التوفر على التقوى، والإحسان في وطنه. فليهاجر إلى حيث يتمكن فيه من ذلك، كما هو سنة الأنبياء، والمرسلين، والصالحين، فإنه لا عذر له في التفريط أصلًا؛ أي: إنكم إذا لم تتمكنوا من التوفر على الإحسان والتقوى، وصرف الهمم إلى العبادة في البلد الذي أنتم فيه، فتحولوا عنه إلى بلاد تستطيعون فيها ذلك، واجعلوا أسوتكم الأنبياء والصالحين، فقد فعل كثير منهم ذلك، وفيه حث على الهجرة من البلد الذي يظهر فيه المعاصي، وقد ورد: «إن من فر بدينه من أرض إلى أرض وجبت له الجنة»، وإنما قال: «بدينه» احترازًا عن الفرار بسبب الدنيا ولأجلها، خصوصًا إذا كان المهاجر إليه أعصى من المهاجر منه، وقيل المراد بالأرض هنا: أرض الجنة، رغّبهم في سعتها وسعة نعيمها، كما في قوله: ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ﴾. والأول أولى.
ثم ذكر ما لهم من رفيع المنزلة، وعظيم الأجر على ذلك. فقال: ﴿إِنَّما يُوَفَّى﴾ ويعطى ﴿الصَّابِرُونَ﴾ الذين صبروا على دينهم فلم يتركوه للأذى، وحافظوا على حدوده، ولم يفرطوا في مراعاة حقوقه، لما اعتراهم في ذلك من فنون الآلام، والبلايا التي من جملتها مهاجرة الأهل، ومفارقة الأوطان، والمعنى: يعطون ﴿أَجْرَهُمْ﴾ بمقابلة ما كابدوا من الصبر ﴿بِغَيْرِ حِسابٍ﴾؛ أي: بحيث لا يحصى، ولا يحصر؛ أي: يوفيهم الله، ويعطيهم أجرهم وافيًا كاملًا في مقابلة صبرهم بغير حساب؛ أي (٢): بما لا يقدر على حصره حاصر، ولا يستطيع حسابه حاسب. قال عطاء: بما لا يهتدي إليه عقل، ولا وصف، وقال مقاتل: أجرهم الجنة، وأرزاقهم فيها بغير حساب.
والحاصل: أن الآية تدل (٣) على أن ثواب الصابرين وأجرهم لا نهاية له؛ لأن كل شيء يدخل تحت الحساب فهو متناه، وما كان لا يدخل تحت الحساب.
ثم ذكر ما لهم من رفيع المنزلة، وعظيم الأجر على ذلك. فقال: ﴿إِنَّما يُوَفَّى﴾ ويعطى ﴿الصَّابِرُونَ﴾ الذين صبروا على دينهم فلم يتركوه للأذى، وحافظوا على حدوده، ولم يفرطوا في مراعاة حقوقه، لما اعتراهم في ذلك من فنون الآلام، والبلايا التي من جملتها مهاجرة الأهل، ومفارقة الأوطان، والمعنى: يعطون ﴿أَجْرَهُمْ﴾ بمقابلة ما كابدوا من الصبر ﴿بِغَيْرِ حِسابٍ﴾؛ أي: بحيث لا يحصى، ولا يحصر؛ أي: يوفيهم الله، ويعطيهم أجرهم وافيًا كاملًا في مقابلة صبرهم بغير حساب؛ أي (٢): بما لا يقدر على حصره حاصر، ولا يستطيع حسابه حاسب. قال عطاء: بما لا يهتدي إليه عقل، ولا وصف، وقال مقاتل: أجرهم الجنة، وأرزاقهم فيها بغير حساب.
والحاصل: أن الآية تدل (٣) على أن ثواب الصابرين وأجرهم لا نهاية له؛ لأن كل شيء يدخل تحت الحساب فهو متناه، وما كان لا يدخل تحت الحساب.
(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.
498
فهو غير متناه، وهذه فضيلة عظيمة، ومثوبة جليلة تقتضي أن على كل راغب في ثواب الله تعالى، وطامع فيما عنده من الخير، أن يتوفر على الصبر، ويزم نفسه بزمامه، ويقيدها بقيده، فإن الجزع لا يرد قضاء قد نزل ولا يجلب خيرًا قد سلب، ولا يدفع مكروهًا قد وقع، وإذا تصور العاقل هذا حق تصوره، وتعقله حق تعقله، علم أن الصابر على ما نزل به قد فاز بهذا الأجر العظيم، وظفر بهذا الجزاء الخطير، وغير الصابر قد نزل به القضاء شاء أم أبى، ومع ذلك فاته من الأجر ما لا يقادر قدره، ولا يبلغ مداه، فضم إلى مصيبته مصيبةً أخرى، ولم يظفر بغير الجزع، وفي الحديث: «أنه تنصب الموازين يوم القيامة لأهل الصلاة والصدقة والحج، فيوفون بها أجورهم، ولا تنصب لأهل البلاء، بل يصب عليهم الأجر صبًا، حتى يتمنى أهل المعافاة في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض، مما يذهب به أهل البلاء من الفضل». وعن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: سمعت جدي رسول الله - ﷺ - يقول: «أد الفرائض تكن من أعبد الناس، وعليك بالقنوع تكن من أغنى الناس، يا بني إن في الجنة شجرة يقال لها: شجرة البلوى يؤتى بأهل البلاء، فلا ينصب لهم ميزان، ولا ينشر لهم ديوان، يصب عليهم الأجر صبًا». ثم تلا هذه الآية ﴿إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾.
وسئل النبي - ﷺ - أي الناس أشد بلاءً؟ قال: «الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه». فإن كان في دينه صلبًا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه ذا رقة هوّن عليه، فما زال كذلك حتى يمشي على الأرض كمن ليس له ذنب، وقال - ﷺ -: «إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله.. ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده، ثم صبر على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله»، وإن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله عز وجل، إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي، فله الرضى، ومن سخط فله السخط، وقال يوسف بن الحسين: ليس بصابر من يتجرع المصيبة، ويبدي فيها الكراهة، بل الصابر من يتلذذ بصبره، حتى يبلغ به إلى مقام الرضا.
١١ - وروى مقاتل: أن كفار قريش، قالوا للنبي - ﷺ -: ما يحملك على الذي أتيتنا به، ألا تنظر إلى ملة آبائك وسادات قومك، يعبدون اللات والعزى، فتأخذ بتلك
وسئل النبي - ﷺ - أي الناس أشد بلاءً؟ قال: «الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه». فإن كان في دينه صلبًا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه ذا رقة هوّن عليه، فما زال كذلك حتى يمشي على الأرض كمن ليس له ذنب، وقال - ﷺ -: «إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله.. ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده، ثم صبر على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله»، وإن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله عز وجل، إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي، فله الرضى، ومن سخط فله السخط، وقال يوسف بن الحسين: ليس بصابر من يتجرع المصيبة، ويبدي فيها الكراهة، بل الصابر من يتلذذ بصبره، حتى يبلغ به إلى مقام الرضا.
١١ - وروى مقاتل: أن كفار قريش، قالوا للنبي - ﷺ -: ما يحملك على الذي أتيتنا به، ألا تنظر إلى ملة آبائك وسادات قومك، يعبدون اللات والعزى، فتأخذ بتلك
الملة. فقال تعالى له: ﴿قُلْ﴾ يا محمد - ﷺ - لهؤلاء المشركين: ﴿إِنِّي أُمِرْتُ﴾ من جانبه تعالى بـ ﴿أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ﴾ سبحانه، وحده، حال كوني ﴿مُخْلِصًا لَهُ﴾ تعالى ﴿الدِّينَ﴾؛ أي: العبادة من الشرك والرياء، بأن يكون المقصود من العبادة هو المعبود بالحق، لا غير.
والمعنى (١): أي قل أيها الرسول لمشركي قومك: إن الله سبحانه، أمرني أن أعبده مفردًا له الطاعة، دون كل ما تدعون من دونه من الآلهة والأنداد، وفي هذا نعي لهم، على تماديهم في عبادة الأوثان، والكلام عليه من وادي قولهم: إياك أعني واسمعي يا جارة.
١٢ - ﴿وَأُمِرْتُ﴾ بذلك ﴿لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ﴾ من هذه الأمة؛ أي: لأجل أن أكون مقدمهم في الدنيا والآخرة؛ لأن السبق في الدين، إنما هو بالإخلاص فيه، فمن أخلص عد سابقا، فإذا كان الرسول، متصفا بالإخلاص قبل إخلاص أمته..
فقد سبقهم في الدارين، إذ لا يدرك المسبوق مرتبة السابق، ألا ترى إلى الأصحاب مع من جاء بعدهم، والظاهر (٢): أن اللام زائدة، فيكون كقوله تعالى: ﴿أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ﴾، فالمعنى: وأمرت أن أكون أول من أسلم من أهل زماني؛ لأن كل نبي يتقدم أهل زمانه في الإسلام والدعاء إلى خلاف دين الآباء، وإن كان قبله مسلمون، قال بعضهم: الإخلاص: أن يكون جميع الحركات في السر والعلن لله تعالى وحده، لا يمازجه شيء.
وقال الزمخشري: فإن قلت (٣): كيف عطف ﴿أُمِرْتُ﴾ على ﴿أُمِرْتُ﴾ وهما واحد؟.
قلت: ليسا بواحد لاختلاف جهتيهما، وذلك أن الأمر بالإخلاص وتكليفه شيء، والأمر به لتحرز به قصب السبق في الدين شيء آخر، وإذا اختلف وجها الشيء وصفتاه، ينزل بذلك منزلة شيئين مختلفين، انتهى.
والمعنى (١): أي قل أيها الرسول لمشركي قومك: إن الله سبحانه، أمرني أن أعبده مفردًا له الطاعة، دون كل ما تدعون من دونه من الآلهة والأنداد، وفي هذا نعي لهم، على تماديهم في عبادة الأوثان، والكلام عليه من وادي قولهم: إياك أعني واسمعي يا جارة.
١٢ - ﴿وَأُمِرْتُ﴾ بذلك ﴿لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ﴾ من هذه الأمة؛ أي: لأجل أن أكون مقدمهم في الدنيا والآخرة؛ لأن السبق في الدين، إنما هو بالإخلاص فيه، فمن أخلص عد سابقا، فإذا كان الرسول، متصفا بالإخلاص قبل إخلاص أمته..
فقد سبقهم في الدارين، إذ لا يدرك المسبوق مرتبة السابق، ألا ترى إلى الأصحاب مع من جاء بعدهم، والظاهر (٢): أن اللام زائدة، فيكون كقوله تعالى: ﴿أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ﴾، فالمعنى: وأمرت أن أكون أول من أسلم من أهل زماني؛ لأن كل نبي يتقدم أهل زمانه في الإسلام والدعاء إلى خلاف دين الآباء، وإن كان قبله مسلمون، قال بعضهم: الإخلاص: أن يكون جميع الحركات في السر والعلن لله تعالى وحده، لا يمازجه شيء.
وقال الزمخشري: فإن قلت (٣): كيف عطف ﴿أُمِرْتُ﴾ على ﴿أُمِرْتُ﴾ وهما واحد؟.
قلت: ليسا بواحد لاختلاف جهتيهما، وذلك أن الأمر بالإخلاص وتكليفه شيء، والأمر به لتحرز به قصب السبق في الدين شيء آخر، وإذا اختلف وجها الشيء وصفتاه، ينزل بذلك منزلة شيئين مختلفين، انتهى.
(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) الكشاف.
(٢) روح البيان.
(٣) الكشاف.
١٣ - ﴿قُلْ﴾ يا محمد لمشركي قومك: ﴿إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي﴾ وخالفته بترك الإخلاص، والميل إلى ما أنتم عليه من الشرك ﴿عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾؛ أي: أخاف من عذاب يوم القيامة، وهو يوم عظيم، لعظمة ما فيه من الدواهي والأهوال، بحسب عظم المعصية وسوء الحال، وفيه زجر عن المعصية بطريق المبالغة؛ لأنه عليه السلام، مع جلالة قدره، إذا خاف على تقدير العصيان، فغيره من الأمة أولى بذلك الخوف.
قال أكثر المفسرين (١): المعنى إني أخاف إن عصيت ربي، بإجابة المشركين إلى ما دعوني إليه، من عبادة غير الله عذاب يوم القيامة، عظيم الشأن والأهوال، وقال أبو حمزة اليماني، وابن المسيّب: هذه الآية منسوخة بقوله: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ﴾، وفي هذه الآية دليل على أن الأمر للوجوب؛ لأن قبله ﴿إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ﴾، فالمراد: عصيان هذا الأمر، وفي هذا من التعريض بهم ما لا يخفى.
١٤ - ثم كرر الأمر مرة أخرى، بالإخلاص في الطاعة، للتهديد والوعيد، فقال: ﴿قُلِ﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين: ﴿اللَّهَ﴾ سبحانه، نصب بقوله: ﴿أَعْبُدُ﴾ على ما أمرت به لا غيره، لا استقلالًا، ولا اشتراكًا، والتقديم مشعر بالاختصاص حالة كوني ﴿مُخْلِصًا لَهُ دِينِي﴾ وعبادتي من كل شائبة شرك، وشك، ورياء، وسمعة.
فإن قلت (٢): ما فائدة التكرار في قوله: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (١١)﴾، وفي قوله: ﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (١٤)﴾؟.
قلت: هذا ليس بتكرار؛ لأن:
الأول: الإخبار بأنه مأمور من جهة الله تعالى، بالإتيان بالعبادة والإخلاص.
والثاني: أنه إخبار بأنه أمر أن يخص الله تعالى، وحده بالعبادة، ولا يعبد
قال أكثر المفسرين (١): المعنى إني أخاف إن عصيت ربي، بإجابة المشركين إلى ما دعوني إليه، من عبادة غير الله عذاب يوم القيامة، عظيم الشأن والأهوال، وقال أبو حمزة اليماني، وابن المسيّب: هذه الآية منسوخة بقوله: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ﴾، وفي هذه الآية دليل على أن الأمر للوجوب؛ لأن قبله ﴿إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ﴾، فالمراد: عصيان هذا الأمر، وفي هذا من التعريض بهم ما لا يخفى.
١٤ - ثم كرر الأمر مرة أخرى، بالإخلاص في الطاعة، للتهديد والوعيد، فقال: ﴿قُلِ﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين: ﴿اللَّهَ﴾ سبحانه، نصب بقوله: ﴿أَعْبُدُ﴾ على ما أمرت به لا غيره، لا استقلالًا، ولا اشتراكًا، والتقديم مشعر بالاختصاص حالة كوني ﴿مُخْلِصًا لَهُ دِينِي﴾ وعبادتي من كل شائبة شرك، وشك، ورياء، وسمعة.
فإن قلت (٢): ما فائدة التكرار في قوله: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (١١)﴾، وفي قوله: ﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (١٤)﴾؟.
قلت: هذا ليس بتكرار؛ لأن:
الأول: الإخبار بأنه مأمور من جهة الله تعالى، بالإتيان بالعبادة والإخلاص.
والثاني: أنه إخبار بأنه أمر أن يخص الله تعالى، وحده بالعبادة، ولا يعبد
(١) الشوكاني.
(٢) الخازن.
(٢) الخازن.
أحدًا غيره، مخلصًا له دينه؛ لأن قوله: ﴿أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ﴾ لا يفيد الحصر، وقوله: ﴿اللَّهَ أَعْبُدُ﴾ يفيد الحصر. والمعنى: الله أعبد ولا أعبد أحدًا غيره.
والحاصل: أنه سبحانه أمر رسوله - ﷺ - (١):
أولًا: بأن يخبرهم بأنه مأمور بالعبادة والإخلاص فيها.
وثانيًا: بأن يخبرهم بأنه مأمور، بأن يكون أول من أسلم وأطاع وانقاد.
وثالثًا: بأن يخبرهم بخوفه من العذاب، على تقدير العصيان.
١٥ - ورابعًا: بأن يخبرهم، بأنه امتثل الأمر وانقاد وعبد الله تعالى، وأخلص له الدين، على أبلغ وجه وآكده، إظهارا لتصلبه في الدين، وحسمًا لأطماعهم الفارغة، وتمهيدًا لتهديدهم بقوله: ﴿فَاعْبُدُوا...﴾ إلخ؛ أي: قد امتثلت أنا ما أمرت به، فاعبدوا يا معشر المشركين ﴿ما شِئْتُمْ﴾ قال في «الإرشاد»: وفيه من الدلالة على شدة الغضب عليهم ما لا يخفى، كأنهم لما لم ينتهوا عما نهوا عنه، أمروا به كي يحل بهم العقاب.
ولما قال المشركون: خسرت يا محمد، حيث خالفت دين آبائك، قال تعالى: ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهم: ﴿إِنَّ الْخاسِرِينَ﴾؛ أي: الكاملين في الخسران، الذي هو عبارة عن إضاعة ما يهمه، وإتلاف ما لا بد منه، هم ﴿الَّذِينَ﴾ فالجملة من الموصول، والصلة خبر ﴿إِنَّ﴾ ﴿خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ بالضلال واختيار الكفر لها؛ أي: أضاعوها، وأتلفوها إتلاف البضاعة، فقوله: ﴿أَنْفُسَهُمْ﴾ مفعول ﴿خَسِرُوا﴾. ﴿وَأَهْلِيهِمْ﴾ بالضلال، واختيار الكفر لهم أيضًا ﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ يوم يدخلون النار بدل الجنة، حيث عرّضوهما للعذاب السرمدي، وأوقعوهما في هلكة لا هلكة وراءها. ﴿أَلا﴾ انتبهوا، واستمعوا ﴿ذلِكَ﴾ الخسران ﴿هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ﴾؛ أي: الظاهر الجلي، حيث استبدلوا بالجنة نارًا، وبالدرجات دركات، كما في «كشف الأسرار»، وفي «التأويلات النجمية»: الخاسر في الحقيقة، من خسر دنياه بمتابعة
والحاصل: أنه سبحانه أمر رسوله - ﷺ - (١):
أولًا: بأن يخبرهم بأنه مأمور بالعبادة والإخلاص فيها.
وثانيًا: بأن يخبرهم بأنه مأمور، بأن يكون أول من أسلم وأطاع وانقاد.
وثالثًا: بأن يخبرهم بخوفه من العذاب، على تقدير العصيان.
١٥ - ورابعًا: بأن يخبرهم، بأنه امتثل الأمر وانقاد وعبد الله تعالى، وأخلص له الدين، على أبلغ وجه وآكده، إظهارا لتصلبه في الدين، وحسمًا لأطماعهم الفارغة، وتمهيدًا لتهديدهم بقوله: ﴿فَاعْبُدُوا...﴾ إلخ؛ أي: قد امتثلت أنا ما أمرت به، فاعبدوا يا معشر المشركين ﴿ما شِئْتُمْ﴾ قال في «الإرشاد»: وفيه من الدلالة على شدة الغضب عليهم ما لا يخفى، كأنهم لما لم ينتهوا عما نهوا عنه، أمروا به كي يحل بهم العقاب.
ولما قال المشركون: خسرت يا محمد، حيث خالفت دين آبائك، قال تعالى: ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهم: ﴿إِنَّ الْخاسِرِينَ﴾؛ أي: الكاملين في الخسران، الذي هو عبارة عن إضاعة ما يهمه، وإتلاف ما لا بد منه، هم ﴿الَّذِينَ﴾ فالجملة من الموصول، والصلة خبر ﴿إِنَّ﴾ ﴿خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ بالضلال واختيار الكفر لها؛ أي: أضاعوها، وأتلفوها إتلاف البضاعة، فقوله: ﴿أَنْفُسَهُمْ﴾ مفعول ﴿خَسِرُوا﴾. ﴿وَأَهْلِيهِمْ﴾ بالضلال، واختيار الكفر لهم أيضًا ﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ يوم يدخلون النار بدل الجنة، حيث عرّضوهما للعذاب السرمدي، وأوقعوهما في هلكة لا هلكة وراءها. ﴿أَلا﴾ انتبهوا، واستمعوا ﴿ذلِكَ﴾ الخسران ﴿هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ﴾؛ أي: الظاهر الجلي، حيث استبدلوا بالجنة نارًا، وبالدرجات دركات، كما في «كشف الأسرار»، وفي «التأويلات النجمية»: الخاسر في الحقيقة، من خسر دنياه بمتابعة
(١) أبو السعود.
الهوى، وخسر عقباه بارتكاب ما نهى عنه، وخسر مولاه بتولي غيره.
والمعنى (١): أي قل لهم أيها الرسول: إن الخسران الذي لا خسران بعده، هو خسران النفس، وإضاعتها بالضلال، وخسران الأتباع الذين أضلوهم، وأوقعوهم في العذاب السرمدي يوم القيامة، إذ أوقعوهم في هلكة ما بعدها هلكة، ألا هو الخسران المبين، الظاهر لكمال هوله، وفظاعة شأنه.
١٦ - ثم فصل ذلك الخسران، وبينه بعد إبهامه، تهويلًا وتعظيمًا لأمره فقال: ﴿لَهُمْ﴾ خبر مقدم، والضمير للخاسرين ﴿مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ حال من ﴿ظُلَلٌ﴾ وهو مبتدأ مؤخر ﴿مِنَ النَّارِ﴾ صفة لـ ﴿ظُلَلٌ﴾، والظل: جمع ظلة كغرف وغرفة، كما سيأتي، وهي في الأصل: سحابة تظل، والمراد هنا (٢): طباق وسرادقات من النار ودخانها، وسميت النار ظلة لغلظها وكثافتها، ولأنها تمنع من النظر إلى ما فوقهم، والمعنى: للخاسرين ظلل وطبقات من النار، ودركات كثيرة متراكبة بعضها فوق بعض، حال كون تلك الظلل من فوقهم ﴿وَمِنْ تَحْتِهِمْ﴾ أيضًا ﴿ظُلَلٌ﴾ والمراد: إحاطة النار بهم من جميع جوانبهم، كما قال تعالى: ﴿أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها﴾. ونحو الآية قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾، وقوله: ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ﴾.
والمعنى: أي لهم من فوقهم أطباق من النار، تلتهب عليهم، ومن تحتهم ظلل؛ أي: أطباق من النار، وسمي ما تحتهم ظللا لأنها تظلل من تحتها من أهل النار؛ لأن طبقات النار، كان في كل طبقة منها طائفة من طوائف الكفار، كما قال السدي: هي لمن تحتهم ظلل، وهكذا حتى ينتهي إلى القعر والدرك الأسفل، الذي هو للمنافقين. فالظلل لمن تحتهم، وهي فرش لهم، وكما قال في «الأسئلة المقحمة»: كيف يسمى ما هو الأسفل ظللًا والظلل ما يكون فوقًا؟
والجواب: لأنها تظلل من تحتها.
والمعنى (١): أي قل لهم أيها الرسول: إن الخسران الذي لا خسران بعده، هو خسران النفس، وإضاعتها بالضلال، وخسران الأتباع الذين أضلوهم، وأوقعوهم في العذاب السرمدي يوم القيامة، إذ أوقعوهم في هلكة ما بعدها هلكة، ألا هو الخسران المبين، الظاهر لكمال هوله، وفظاعة شأنه.
١٦ - ثم فصل ذلك الخسران، وبينه بعد إبهامه، تهويلًا وتعظيمًا لأمره فقال: ﴿لَهُمْ﴾ خبر مقدم، والضمير للخاسرين ﴿مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ حال من ﴿ظُلَلٌ﴾ وهو مبتدأ مؤخر ﴿مِنَ النَّارِ﴾ صفة لـ ﴿ظُلَلٌ﴾، والظل: جمع ظلة كغرف وغرفة، كما سيأتي، وهي في الأصل: سحابة تظل، والمراد هنا (٢): طباق وسرادقات من النار ودخانها، وسميت النار ظلة لغلظها وكثافتها، ولأنها تمنع من النظر إلى ما فوقهم، والمعنى: للخاسرين ظلل وطبقات من النار، ودركات كثيرة متراكبة بعضها فوق بعض، حال كون تلك الظلل من فوقهم ﴿وَمِنْ تَحْتِهِمْ﴾ أيضًا ﴿ظُلَلٌ﴾ والمراد: إحاطة النار بهم من جميع جوانبهم، كما قال تعالى: ﴿أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها﴾. ونحو الآية قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾، وقوله: ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ﴾.
والمعنى: أي لهم من فوقهم أطباق من النار، تلتهب عليهم، ومن تحتهم ظلل؛ أي: أطباق من النار، وسمي ما تحتهم ظللا لأنها تظلل من تحتها من أهل النار؛ لأن طبقات النار، كان في كل طبقة منها طائفة من طوائف الكفار، كما قال السدي: هي لمن تحتهم ظلل، وهكذا حتى ينتهي إلى القعر والدرك الأسفل، الذي هو للمنافقين. فالظلل لمن تحتهم، وهي فرش لهم، وكما قال في «الأسئلة المقحمة»: كيف يسمى ما هو الأسفل ظللًا والظلل ما يكون فوقًا؟
والجواب: لأنها تظلل من تحتها.
(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
503
وفي (١) ذلك إشعار بشدة حالهم في النار، وتهكم بهم؛ لأن الظلة إنما هي للاستظلال والتبرد، خصوصًا في الأراضي الحارة كأرض الحجاز، فإذا كانت من النار نفسها كانت أحر، ومن تحتها أغم.
﴿ذَلِكَ﴾ العذاب الفظيع هو الذي ﴿يُخَوِّفُ اللَّهُ﴾ سبحانه ﴿بِهِ﴾ بذلك العذاب ﴿عِبادَهُ﴾ في القرآن ليؤمنوا، ويحذرهم إياه بآيات الوعيد، ليجتنبوا ما يوقعهم فيه، وفي «الوسيط»: يخوف الله به عباده المؤمنين، يعني: أن ما ذكر من العذاب معد للكفار، وهو تخويف للمؤمنين ليخافوه، فيتقوه بالطاعة والتوحيد، وهو معنى قوله: ﴿يَاعِبَادِ﴾ بحذف الياء، وأصله يا عبادي بالياء ﴿فَاتَّقُونِ﴾ ولا تتعرضوا لما يوجب سخطي؛ أي: اتقوا هذه المعاصي، الموجبة لمثل هذا العذاب على الكفار. ووجه تخصيص العباد بالمؤمنين (٢): أن الغالب في القرآن إطلاق لفظ العباد عليهم، وقيل: هو للكفار وأهل المعاصي، وقيل: هو عام للمسلمين والكفار. وهذه عظة من الله تعالى، بالغة منطوية على غاية اللطف والرحمة، وفيه إشارة، إلى أن الله تعالى، خلق جهنم سوطًا يسوق به عباده إلى الجنة، إذ ليس تحت الوجود إلا ما هو مشتمل على الحكمة والمصلحة، فمن خاف بتخويف الله تعالى إياه، من هذا الخسران.. فهو عبده عبدًا حقيقيًا، ومستأهل لشرف الإضافة إليه.
ومعنى قوله: ﴿ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ﴾؛ أي (٣): إنما يقص عليكم ربكم خبر ما سيكون، لا محالة، ليزدجر عباده عن المحارم والآثام، ومعنى قوله: ﴿يا عِبادِ فَاتَّقُونِ﴾؛ أي: يا عبادي بالغوا في الخوف والحذر والتقوى، ولا تتعرضوا لما يوجب سخطي. وهذه منة منه تعالى، منطوية على نهاية اللطف والرحمة.
الإعراب
{تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ
﴿ذَلِكَ﴾ العذاب الفظيع هو الذي ﴿يُخَوِّفُ اللَّهُ﴾ سبحانه ﴿بِهِ﴾ بذلك العذاب ﴿عِبادَهُ﴾ في القرآن ليؤمنوا، ويحذرهم إياه بآيات الوعيد، ليجتنبوا ما يوقعهم فيه، وفي «الوسيط»: يخوف الله به عباده المؤمنين، يعني: أن ما ذكر من العذاب معد للكفار، وهو تخويف للمؤمنين ليخافوه، فيتقوه بالطاعة والتوحيد، وهو معنى قوله: ﴿يَاعِبَادِ﴾ بحذف الياء، وأصله يا عبادي بالياء ﴿فَاتَّقُونِ﴾ ولا تتعرضوا لما يوجب سخطي؛ أي: اتقوا هذه المعاصي، الموجبة لمثل هذا العذاب على الكفار. ووجه تخصيص العباد بالمؤمنين (٢): أن الغالب في القرآن إطلاق لفظ العباد عليهم، وقيل: هو للكفار وأهل المعاصي، وقيل: هو عام للمسلمين والكفار. وهذه عظة من الله تعالى، بالغة منطوية على غاية اللطف والرحمة، وفيه إشارة، إلى أن الله تعالى، خلق جهنم سوطًا يسوق به عباده إلى الجنة، إذ ليس تحت الوجود إلا ما هو مشتمل على الحكمة والمصلحة، فمن خاف بتخويف الله تعالى إياه، من هذا الخسران.. فهو عبده عبدًا حقيقيًا، ومستأهل لشرف الإضافة إليه.
ومعنى قوله: ﴿ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ﴾؛ أي (٣): إنما يقص عليكم ربكم خبر ما سيكون، لا محالة، ليزدجر عباده عن المحارم والآثام، ومعنى قوله: ﴿يا عِبادِ فَاتَّقُونِ﴾؛ أي: يا عبادي بالغوا في الخوف والحذر والتقوى، ولا تتعرضوا لما يوجب سخطي. وهذه منة منه تعالى، منطوية على نهاية اللطف والرحمة.
الإعراب
{تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ
(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.
504
اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (٢)}.
﴿تَنْزِيلُ﴾: مبتدأ، ﴿الْكِتابِ﴾: مضاف إليه. ﴿مِنَ اللَّهِ﴾: خبر، والجملة مستأنفة استئنافًا نحويًا. ﴿الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾: نعتان للجلالة، ويجوز أن يكون ﴿تَنْزِيلُ﴾: خبرًا لمبتدأ محذوف؛ أي: هذا تنزيل الكتاب؛ أي: هذا القرآن هو الكتاب المنزل، ﴿مِنَ اللَّهِ﴾ متعلق بالمصدر، أو بمحذوف خبر بعد خبر. ﴿إِنَّا﴾: ناصب واسمه، ﴿أَنْزَلْنا﴾: فعل، وفاعل. ﴿إِلَيْكَ﴾: متعلق به، ﴿الْكِتابَ﴾: مفعول به. ﴿بِالْحَقِّ﴾: حال من الفاعل؛ أي: ملتبسين بالحق، أو من المفعول؛ أي: ملتبسًا بالحق. والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة. ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ﴾: الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت إنزالنا عليك الكتاب، وأردت بيان ما هو اللازم لك.. فأقول: اعبد الله مخلصًا له الدين. ﴿اعبد الله﴾ فعل أمر، وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. ﴿مُخْلِصًا﴾: حال من فاعل اعبد، ﴿لَهُ﴾: متعلق بـ ﴿مُخْلِصًا﴾، و ﴿الدِّينَ﴾: مفعول ﴿مُخْلِصًا﴾
﴿أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (٣)﴾.
﴿أَلا﴾: حرف استفتاح وتنبيه، ﴿لِلَّهِ﴾: خبر مقدم، ﴿الدِّينُ﴾: مبتدأ مؤخر، ﴿الْخالِصُ﴾: صفة لـ ﴿الدِّينُ﴾، والجملة الاسمية مستأنفة، مقررة لما قبلها. ﴿وَالَّذِينَ﴾: ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿الَّذِينَ﴾: مبتدأ، وجملة ﴿اتَّخَذُوا﴾ صلة الموصول، ﴿مِنْ دُونِهِ﴾: مفعول ثان لـ ﴿اتَّخَذُوا﴾، أو حال من الفاعل، ﴿أَوْلِياءَ﴾: مفعول أول، ﴿ما﴾ نافية، ﴿نَعْبُدُهُمْ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب، مقول لقول محذوف، هو خبر المبتدأ، والتقدير: والذين اتخذوا من دونه أولياء، يقولون ما نعبدهم، والجملة الاسمية مستأنفة. ﴿أَلا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ﴾: اللام: لام
﴿تَنْزِيلُ﴾: مبتدأ، ﴿الْكِتابِ﴾: مضاف إليه. ﴿مِنَ اللَّهِ﴾: خبر، والجملة مستأنفة استئنافًا نحويًا. ﴿الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾: نعتان للجلالة، ويجوز أن يكون ﴿تَنْزِيلُ﴾: خبرًا لمبتدأ محذوف؛ أي: هذا تنزيل الكتاب؛ أي: هذا القرآن هو الكتاب المنزل، ﴿مِنَ اللَّهِ﴾ متعلق بالمصدر، أو بمحذوف خبر بعد خبر. ﴿إِنَّا﴾: ناصب واسمه، ﴿أَنْزَلْنا﴾: فعل، وفاعل. ﴿إِلَيْكَ﴾: متعلق به، ﴿الْكِتابَ﴾: مفعول به. ﴿بِالْحَقِّ﴾: حال من الفاعل؛ أي: ملتبسين بالحق، أو من المفعول؛ أي: ملتبسًا بالحق. والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة. ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ﴾: الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت إنزالنا عليك الكتاب، وأردت بيان ما هو اللازم لك.. فأقول: اعبد الله مخلصًا له الدين. ﴿اعبد الله﴾ فعل أمر، وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. ﴿مُخْلِصًا﴾: حال من فاعل اعبد، ﴿لَهُ﴾: متعلق بـ ﴿مُخْلِصًا﴾، و ﴿الدِّينَ﴾: مفعول ﴿مُخْلِصًا﴾
﴿أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (٣)﴾.
﴿أَلا﴾: حرف استفتاح وتنبيه، ﴿لِلَّهِ﴾: خبر مقدم، ﴿الدِّينُ﴾: مبتدأ مؤخر، ﴿الْخالِصُ﴾: صفة لـ ﴿الدِّينُ﴾، والجملة الاسمية مستأنفة، مقررة لما قبلها. ﴿وَالَّذِينَ﴾: ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿الَّذِينَ﴾: مبتدأ، وجملة ﴿اتَّخَذُوا﴾ صلة الموصول، ﴿مِنْ دُونِهِ﴾: مفعول ثان لـ ﴿اتَّخَذُوا﴾، أو حال من الفاعل، ﴿أَوْلِياءَ﴾: مفعول أول، ﴿ما﴾ نافية، ﴿نَعْبُدُهُمْ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب، مقول لقول محذوف، هو خبر المبتدأ، والتقدير: والذين اتخذوا من دونه أولياء، يقولون ما نعبدهم، والجملة الاسمية مستأنفة. ﴿أَلا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ﴾: اللام: لام
505
كي، ﴿يقربونا﴾: فعل مضارع، وفاعل، ومفعول به منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، وعلامة نصبه حذف النون؛ لأن أصله: يقربوننا. والجملة الفعلية مع أن المضمرة، في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: إلا لتقريبهم إيانا إلى الله سبحانه، الجار والمجرور متعلق بنعبدهم، والاستثناء من أعم الأحوال؛ أي: ما نعبدهم لحال من الأحوال إلا لتقريبهم إيانا إلى الله تعالى. ﴿زُلْفى﴾ مصدر مؤكد، ليقربونا من غير لفظه، ولكنه ملاق لعامله في المعنى. ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾: ناصب واسمه، وجملة ﴿يَحْكُمُ﴾: خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة. ﴿بَيْنَهُمْ﴾ متعلق بـ ﴿يَحْكُمُ﴾، ﴿فِي ما﴾: متعلق بـ ﴿يَحْكُمُ﴾ أيضًا، ﴿هُمْ﴾: مبتدأ، ﴿فِيهِ﴾: متعلق بـ ﴿يَخْتَلِفُونَ﴾، وجملة ﴿يَخْتَلِفُونَ﴾ خبرهم، والجملة الاسمية صلة ﴿ما﴾ الموصولة. ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾: ناصب واسمه، وجملة ﴿لا يَهْدِي﴾ خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة. ﴿مِنْ﴾ اسم موصول، في محل النصب مفعول ﴿يَهْدِي﴾، ﴿هُوَ كاذِبٌ﴾ مبتدأ وخبر، ﴿كَفَّارٌ﴾ خبر ثان، والجملة الاسمية صلة ﴿مِنْ﴾ الموصولة.
﴿لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٤) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٥)﴾.
﴿لَوْ﴾: حرف شرط غير جازم. ﴿أَرادَ اللَّهُ﴾: فعل، وفاعل، والجملة فعل شرط لـ ﴿لَوْ﴾، ﴿أَنْ﴾: حرف نصب ومصدر. ﴿يَتَّخِذَ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر، منصوب بأن المصدرية ﴿وَلَدًا﴾: مفعول به، وجملة ﴿أَنْ﴾ المصدرية مع صلتها، في تأويل مصدر منصوب على المفعولية لـ ﴿أَرادَ﴾، تقديره: لو أراد الله سبحانه، اتخاذه ولدًا لنفسه. ﴿لَاصْطَفى﴾ اللام: رابطة لجواب ﴿لَوْ﴾، ﴿اصطفى﴾: فعل، وفاعل مستتر، يعود على ﴿اللَّهُ﴾، ﴿مِمَّا﴾: متعلق بـ ﴿اصطفى﴾، وجملة ﴿اصطفى﴾ جواب ﴿لَوْ﴾: الشرطية، لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿لَوْ﴾ الشرطية مستأنفة. ﴿يَخْلُقُ﴾ فعل مضارع، وفاعل مستتر
﴿لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٤) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٥)﴾.
﴿لَوْ﴾: حرف شرط غير جازم. ﴿أَرادَ اللَّهُ﴾: فعل، وفاعل، والجملة فعل شرط لـ ﴿لَوْ﴾، ﴿أَنْ﴾: حرف نصب ومصدر. ﴿يَتَّخِذَ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر، منصوب بأن المصدرية ﴿وَلَدًا﴾: مفعول به، وجملة ﴿أَنْ﴾ المصدرية مع صلتها، في تأويل مصدر منصوب على المفعولية لـ ﴿أَرادَ﴾، تقديره: لو أراد الله سبحانه، اتخاذه ولدًا لنفسه. ﴿لَاصْطَفى﴾ اللام: رابطة لجواب ﴿لَوْ﴾، ﴿اصطفى﴾: فعل، وفاعل مستتر، يعود على ﴿اللَّهُ﴾، ﴿مِمَّا﴾: متعلق بـ ﴿اصطفى﴾، وجملة ﴿اصطفى﴾ جواب ﴿لَوْ﴾: الشرطية، لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿لَوْ﴾ الشرطية مستأنفة. ﴿يَخْلُقُ﴾ فعل مضارع، وفاعل مستتر
506
يعود على الله، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾، والعائد محذوف تقديره: مما يخلقه. ﴿ما يَشاءُ﴾: ما اسم موصول في محل النصب مفعول ﴿اصطفى﴾، وجملة ﴿يَشاءُ﴾: صلة لـ ﴿ما﴾ الموصولة، والعائد محذوف تقديره: ما يشاؤه، ﴿سُبْحانَهُ﴾ منصوب على المفعولية المطلقة بفعل محذوف وجوبًا، تقديره: سبحوه سبحانًا، أو أسبحه سبحانًا. والجملة مستأنفة. ﴿هُوَ اللَّهُ﴾: مبتدأ، وخبر، والجملة مستأنفة. ﴿الْواحِدُ الْقَهَّارُ﴾: نعتان للجلالة، ﴿خَلَقَ السَّماواتِ﴾: فعل، وفاعل مستتر، ومفعول به. والجملة مستأنفة. ﴿وَالْأَرْضَ﴾ معطوف على السموات، ﴿بِالْحَقِّ﴾: حال من الفاعل أو من المفعول، ﴿يُكَوِّرُ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على الله. ﴿اللَّيْلَ﴾: مفعول به، ﴿عَلَى النَّهارِ﴾: متعلق بـ ﴿يُكَوِّرُ﴾، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿خَلَقَ﴾، أو مستأنفة مسوقة لبيان كيفية تصرفه. ﴿وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ﴾ معطوفة على نظيرتها. ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر، ومفعول به معطوف على ﴿خَلَقَ السَّماواتِ﴾، ﴿وَالْقَمَرَ﴾: معطوف على الشمس. ﴿كُلٌّ﴾: مبتدأ، وسوّغ الابتداء بالنكرة قصد العموم، وجملة ﴿يَجْرِي﴾: خبره، ﴿لِأَجَلٍ﴾ متعلق بـ ﴿يَجْرِي﴾، ﴿مُسَمًّى﴾: نعت ﴿لِأَجَلٍ﴾. والجملة الإسمية مستأنفة. ﴿أَلا﴾: حرف استفتاح، ﴿هُوَ الْعَزِيزُ﴾: مبتدأ وخبر. ﴿الْغَفَّارُ﴾: خبر ثان. والجملة الإسمية مستأنفة.
﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦)﴾.
﴿خَلَقَكُمْ﴾: فعل، وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة مستأنفة. ﴿مِنْ نَفْسٍ﴾ متعلق بخلق، ﴿واحِدَةٍ﴾: صفة ﴿نَفْسٍ﴾، ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب، وسيأتي سر العطف بها في البلاغة. ﴿جَعَلَ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر، معطوف على ﴿خَلَقَكُمْ﴾، ﴿مِنْها﴾: متعلق بـ ﴿جَعَلَ﴾، ﴿زَوْجَها﴾: مفعول به، ﴿وَأَنْزَلَ﴾: معطوف على خلقكم، ﴿لَكُمْ﴾ حال من ثمانية أزواج، ﴿مِنَ الْأَنْعامِ﴾
﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦)﴾.
﴿خَلَقَكُمْ﴾: فعل، وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة مستأنفة. ﴿مِنْ نَفْسٍ﴾ متعلق بخلق، ﴿واحِدَةٍ﴾: صفة ﴿نَفْسٍ﴾، ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب، وسيأتي سر العطف بها في البلاغة. ﴿جَعَلَ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر، معطوف على ﴿خَلَقَكُمْ﴾، ﴿مِنْها﴾: متعلق بـ ﴿جَعَلَ﴾، ﴿زَوْجَها﴾: مفعول به، ﴿وَأَنْزَلَ﴾: معطوف على خلقكم، ﴿لَكُمْ﴾ حال من ثمانية أزواج، ﴿مِنَ الْأَنْعامِ﴾
507
متعلق بـ ﴿أَنْزَلَ﴾، ﴿ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ﴾: مفعول به. ﴿يَخْلُقُكُمْ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة مستأنفة أو حال من فاعل ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ﴾. ﴿فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿يَخْلُقُكُمْ﴾، ﴿خَلْقًا﴾: منصوب على المفعولية المطلقة، ﴿مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ﴾: صفة لـ ﴿خَلْقًا﴾ أو متعلق بـ ﴿يَخْلُقُكُمْ﴾، فيكون المصدر لمجرد التأكيد. ﴿فِي ظُلُماتٍ﴾ جار ومجرور، بدل من الجار والمجرور في قوله: ﴿فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ﴾، أو متعلق بـ ﴿خَلْقٍ﴾ المجرور قبله، ﴿ثَلاثٍ﴾: صفة ﴿ظُلُماتٍ﴾، ﴿ذلِكُمُ﴾: مبتدأ، ﴿اللَّهُ﴾: خبر أول، والجملة مستأنفة. ﴿رَبُّكُمْ﴾: خبر ثان، ﴿لَهُ﴾: خبر مقدم. ﴿الْمُلْكُ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل الرفع، خبر ثالث لاسم الإشارة، وجملة ﴿لا إِلهَ إِلَّا هُوَ﴾ خبر رابع له، وقد تقدم إعراب كلمة الشهادة مفصلًا مرارًا، فلا حاجة إلى إعادته. ﴿فَأَنَّى﴾: الفاء: استئنافية. ﴿أنى﴾: اسم استفهام بمعنى كيف، في محل النصب على الحال، مبني على السكون، والعامل فيه ﴿تُصْرَفُونَ﴾، ﴿تُصْرَفُونَ﴾: فعل مضارع مغير الصيغة، ونائب فاعل. والجملة الفعلية مستأنفة.
﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧)﴾.
﴿إِنْ﴾: حرف شرط. ﴿تَكْفُرُوا﴾: فعل، وفاعل مجزوم بـ ﴿إِنْ﴾ الشرطية، على كونه فعل شرط لها، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾: الفاء: رابطة لجواب ﴿إن﴾ الشرطية وجوبًا، ﴿إن الله﴾: ناصب واسمه، ﴿غَنِيٌّ﴾: خبره. ﴿عَنْكُمْ﴾: متعلق به، وجملة ﴿إِنْ﴾ في محل الجزم بـ ﴿إِنْ﴾ الشرطية، على كونها جوابًا لها، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية مستأنفة. ﴿وَلا﴾: ﴿الواو﴾: حالية. ﴿لا﴾: نافية، ﴿يَرْضى﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر، ﴿لِعِبادِهِ﴾ متعلق بـ ﴿يَرْضى﴾، ﴿الْكُفْرَ﴾: مفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب، حال من الضمير المستكن في ﴿غَنِيٌّ﴾. ﴿وَإِنْ تَشْكُرُوا﴾: فعل، وفاعل مجزوم بـ ﴿إِنْ﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها،
﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧)﴾.
﴿إِنْ﴾: حرف شرط. ﴿تَكْفُرُوا﴾: فعل، وفاعل مجزوم بـ ﴿إِنْ﴾ الشرطية، على كونه فعل شرط لها، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾: الفاء: رابطة لجواب ﴿إن﴾ الشرطية وجوبًا، ﴿إن الله﴾: ناصب واسمه، ﴿غَنِيٌّ﴾: خبره. ﴿عَنْكُمْ﴾: متعلق به، وجملة ﴿إِنْ﴾ في محل الجزم بـ ﴿إِنْ﴾ الشرطية، على كونها جوابًا لها، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية مستأنفة. ﴿وَلا﴾: ﴿الواو﴾: حالية. ﴿لا﴾: نافية، ﴿يَرْضى﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر، ﴿لِعِبادِهِ﴾ متعلق بـ ﴿يَرْضى﴾، ﴿الْكُفْرَ﴾: مفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب، حال من الضمير المستكن في ﴿غَنِيٌّ﴾. ﴿وَإِنْ تَشْكُرُوا﴾: فعل، وفاعل مجزوم بـ ﴿إِنْ﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها،
508
﴿يَرْضَهُ﴾: فعل مضارع، ومفعول به، وفاعل مستتر يعود على ﴿اللَّهَ﴾، مجزوم بـ ﴿إِنْ﴾ الشرطية على كونه جوابًا لها، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية معطوفة على جملة ﴿إِنْ﴾ الأولى. ﴿لَكُمْ﴾ متعلقان به ﴿وَلا تَزِرُ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿لا﴾: نافية. ﴿تَزِرُ﴾: فعل مضارع، ﴿وازِرَةٌ﴾: فاعل ﴿وِزْرَ أُخْرى﴾: مفعول به، والجملة معطوفة على جملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية. ﴿ثُمَّ﴾ حرف عطف وتراخ، ﴿إِلى رَبِّكُمْ﴾. خبر مقدم، ﴿مَرْجِعُكُمْ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة معطوفة على ما قبلها. ﴿فَيُنَبِّئُكُمْ﴾: الفاء: عاطفة، ﴿ينبئكم﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر، ومفعول به، معطوف على الجملة الاسمية قبلها، ﴿بِما﴾ متعلق بـ ﴿ينبئكم﴾، ﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة ﴿تَعْمَلُونَ﴾ خبره، وجملة كان صلة لما الموصولة. ﴿إِنَّهُ﴾ ناصب واسمه. ﴿عَلِيمٌ﴾: خبره، بِذاتِ الصُّدُورِ متعلق بـ ﴿عَلِيمٌ﴾. وجملة ﴿إِنْ﴾ مستأنفة، مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (٨)﴾.
﴿وَإِذا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿إِذا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان. ﴿مَسَّ الْإِنْسانَ﴾: فعل، ومفعول به. ﴿ضُرٌّ﴾: فاعل، والجملة في محل الجر، مضاف إليه لـ ﴿إِذا﴾ على كونه فعل شرط لها. ﴿دَعا رَبَّهُ﴾: فعل، وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة جواب ﴿إِذا﴾، لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿إِذا﴾ مستأنفة. ﴿مُنِيبًا﴾: حال من فاعل ﴿دَعا﴾، ﴿إِلَيْهِ﴾: متعلق بـ ﴿مُنِيبًا﴾، ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب مع تراخ، ﴿إِذا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان، ﴿خَوَّلَهُ﴾: فعل، وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة في محل الخفض فعل شرط لـ ﴿إِذا﴾. ﴿نِعْمَةً﴾: مفعول ثان، ﴿مِنْهُ﴾: صفة لـ ﴿نِعْمَةً﴾، ﴿نَسِيَ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على الإنسان، والجملة جواب ﴿إِذا﴾، لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿إِذا﴾ معطوفة على جملة ﴿إِذا﴾ الأولى. ﴿ما﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول نسي. ﴿كَانَ﴾: فعل ماض ناقص، واسمها ضمير يعود على
﴿وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (٨)﴾.
﴿وَإِذا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿إِذا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان. ﴿مَسَّ الْإِنْسانَ﴾: فعل، ومفعول به. ﴿ضُرٌّ﴾: فاعل، والجملة في محل الجر، مضاف إليه لـ ﴿إِذا﴾ على كونه فعل شرط لها. ﴿دَعا رَبَّهُ﴾: فعل، وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة جواب ﴿إِذا﴾، لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿إِذا﴾ مستأنفة. ﴿مُنِيبًا﴾: حال من فاعل ﴿دَعا﴾، ﴿إِلَيْهِ﴾: متعلق بـ ﴿مُنِيبًا﴾، ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب مع تراخ، ﴿إِذا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان، ﴿خَوَّلَهُ﴾: فعل، وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة في محل الخفض فعل شرط لـ ﴿إِذا﴾. ﴿نِعْمَةً﴾: مفعول ثان، ﴿مِنْهُ﴾: صفة لـ ﴿نِعْمَةً﴾، ﴿نَسِيَ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على الإنسان، والجملة جواب ﴿إِذا﴾، لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿إِذا﴾ معطوفة على جملة ﴿إِذا﴾ الأولى. ﴿ما﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول نسي. ﴿كَانَ﴾: فعل ماض ناقص، واسمها ضمير يعود على
509
الإنسان. ﴿يَدْعُوا﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر، ﴿إِلَيْهِ﴾ متعلق بـ ﴿يَدْعُوا﴾، ﴿مِنْ قَبْلُ﴾: متعلق به أيضًا، أو حال من فاعل ﴿يَدْعُوا﴾، وجملة ﴿يَدْعُوا﴾: خبر ﴿كَانَ﴾، وجملة ﴿كانَ﴾ صلة لـ ﴿ما﴾ الموصولة، ويصح أن تكون ﴿ما﴾ مصدرية؛ أي: نسي كونه داعيًا. ﴿وَجَعَلَ﴾: فعل، وفاعل مستتر يعود على الإنسان، معطوف على ﴿نَسِيَ﴾، ﴿لِلَّهِ﴾: متعلق بـ ﴿جَعَلَ﴾ على كونه مفعولًا ثانيًا له، ﴿أَنْدادًا﴾: مفعول أول لـ ﴿جَعَلَ﴾، ﴿لِيُضِلَّ﴾: اللام لام كي، ﴿يضل﴾: فعل، وفاعل مستتر يعود على الإنسان، منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، ﴿عَنْ سَبِيلِهِ﴾: متعلق بـ ﴿يضل﴾، وجملة ﴿لِيُضِلَّ﴾: في تأويل مصدر مجرور باللام، ومفعول الإضلال محذوف؛ أي: لإضلاله الناس، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿جَعَلَ﴾. ﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد - ﷺ -، والجملة مستأنفة. ﴿تَمَتَّعْ﴾: فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على الإنسان، والجملة في محل النصب، مقول لـ ﴿قُلْ﴾، ﴿بِكُفْرِكَ﴾ متعلق بـ ﴿تَمَتَّعْ﴾ أو حال من فاعل تمتع؛ أي: ملتبسًا بكفرك، ﴿قَلِيلًا﴾: صفة لمصدر محذوف؛ أي: تمتعًا قليلًا، أو زمان محذوف؛ أي: زمانًا قليلًا. ﴿إِنَّكَ﴾: ناصب واسمه، ﴿مِنْ أَصْحابِ﴾: خبره، ﴿النَّارِ﴾ مضاف إليه، وجملة إن مستأنفة، مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِدًا وَقائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾.
﴿أَمَّنْ﴾ ﴿أم﴾: متصلة، ومعادلها محذوف، ﴿من﴾: اسم موصول في محل الرفع مبتدأ، ﴿هُوَ قانِتٌ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة صلة ﴿من﴾ الموصولة، وخبر ﴿من﴾ الموصولة محذوف والتقدير: أهذا الكافر خير، أم الذي هو قانت خير، أو منقطعة، بمعنى: بل، وهمزة الاستفهام الإنكاري. و ﴿من﴾: مبتدأ، والخبر محذوف أيضًا، تقديره: بل أمن هو قانت كهذا الكافر لا، والجملة مستأنفة. ﴿آناءَ اللَّيْلِ﴾: ظرف متعلق بـ ﴿قانِتٌ﴾، ﴿ساجِدًا﴾: حال من الضمير المستكن في ﴿قانِتٌ﴾، ﴿وَقائِمًا﴾: معطوف على ﴿ساجِدًا﴾، وجملة ﴿يَحْذَرُ الْآخِرَةَ﴾: حال ثالثة، وجملة ﴿وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾: عطف على جملة ﴿يَحْذَرُ﴾.
{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (٩) قُلْ
﴿أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِدًا وَقائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾.
﴿أَمَّنْ﴾ ﴿أم﴾: متصلة، ومعادلها محذوف، ﴿من﴾: اسم موصول في محل الرفع مبتدأ، ﴿هُوَ قانِتٌ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة صلة ﴿من﴾ الموصولة، وخبر ﴿من﴾ الموصولة محذوف والتقدير: أهذا الكافر خير، أم الذي هو قانت خير، أو منقطعة، بمعنى: بل، وهمزة الاستفهام الإنكاري. و ﴿من﴾: مبتدأ، والخبر محذوف أيضًا، تقديره: بل أمن هو قانت كهذا الكافر لا، والجملة مستأنفة. ﴿آناءَ اللَّيْلِ﴾: ظرف متعلق بـ ﴿قانِتٌ﴾، ﴿ساجِدًا﴾: حال من الضمير المستكن في ﴿قانِتٌ﴾، ﴿وَقائِمًا﴾: معطوف على ﴿ساجِدًا﴾، وجملة ﴿يَحْذَرُ الْآخِرَةَ﴾: حال ثالثة، وجملة ﴿وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾: عطف على جملة ﴿يَحْذَرُ﴾.
{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (٩) قُلْ
510
يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (١٠)}.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعل مستتر، يعود على محمد - ﷺ -، والجملة مستأنفة. ﴿هَلْ﴾: حرف للاستفهام الإنكاري، ﴿يَسْتَوِي الَّذِينَ﴾: فعل، وفاعل، والجملة مقول لـ ﴿قُلْ﴾، وجملة ﴿يَعْلَمُونَ﴾: صلة الموصول، ﴿وَالَّذِينَ﴾: معطوف على الموصول الأول، وجملة ﴿لا يَعْلَمُونَ﴾: صلة الموصول، والاستفهام إنكاري؛ أي: لا يستويان، وفي الآية تنزيل المتعدي منزلة القاصر. ﴿إِنَّما﴾: أداة حصر، ﴿يَتَذَكَّرُ﴾: فعل مضارع، ﴿أُولُوا الْأَلْبابِ﴾: فاعل، ومضاف إليه، والجملة مستأنفة. ﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعل مستتر، والجملة مستأنفة. ﴿يا عِبادِ﴾: منادى مضاف. ﴿الَّذِينَ﴾: صفة للمنادي وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾، وجملة ﴿آمَنُوا﴾: صلة ﴿الَّذِينَ﴾، ﴿اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾: فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة في محل النصب مقول قُلْ: على كونها جواب النداء. ﴿لِلَّذِينَ﴾: جار ومجرور خبر مقدم، وجملة ﴿أَحْسَنُوا﴾: صلة الموصول، ﴿فِي هذِهِ﴾: متعلق بـ ﴿أَحْسَنُوا﴾، ﴿الدُّنْيا﴾: بدل من اسم الإشارة. ﴿حَسَنَةٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿إِنَّما﴾: أداة حصر، ﴿يُوَفَّى الصَّابِرُونَ﴾: فعل مضارع مغير الصيغة، ونائب فاعل، ﴿أَجْرَهُمْ﴾: مفعول به ثان، ﴿بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ حال من الأجر، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾.
﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (١١) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد - ﷺ -، والجملة مستأنفة. ﴿إِنِّي﴾: ناصب واسمه، ﴿أُمِرْتُ﴾: فعل مغير، ونائب فاعل، والجملة في محل الرفع خبر ﴿إن﴾ والتقدير: إني مأمور، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿أن﴾: حرف نصب ومصدر، ﴿أَعْبُدَ﴾: فعل مضارع منصوب بـ ﴿أن﴾،
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعل مستتر، يعود على محمد - ﷺ -، والجملة مستأنفة. ﴿هَلْ﴾: حرف للاستفهام الإنكاري، ﴿يَسْتَوِي الَّذِينَ﴾: فعل، وفاعل، والجملة مقول لـ ﴿قُلْ﴾، وجملة ﴿يَعْلَمُونَ﴾: صلة الموصول، ﴿وَالَّذِينَ﴾: معطوف على الموصول الأول، وجملة ﴿لا يَعْلَمُونَ﴾: صلة الموصول، والاستفهام إنكاري؛ أي: لا يستويان، وفي الآية تنزيل المتعدي منزلة القاصر. ﴿إِنَّما﴾: أداة حصر، ﴿يَتَذَكَّرُ﴾: فعل مضارع، ﴿أُولُوا الْأَلْبابِ﴾: فاعل، ومضاف إليه، والجملة مستأنفة. ﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعل مستتر، والجملة مستأنفة. ﴿يا عِبادِ﴾: منادى مضاف. ﴿الَّذِينَ﴾: صفة للمنادي وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾، وجملة ﴿آمَنُوا﴾: صلة ﴿الَّذِينَ﴾، ﴿اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾: فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة في محل النصب مقول قُلْ: على كونها جواب النداء. ﴿لِلَّذِينَ﴾: جار ومجرور خبر مقدم، وجملة ﴿أَحْسَنُوا﴾: صلة الموصول، ﴿فِي هذِهِ﴾: متعلق بـ ﴿أَحْسَنُوا﴾، ﴿الدُّنْيا﴾: بدل من اسم الإشارة. ﴿حَسَنَةٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿إِنَّما﴾: أداة حصر، ﴿يُوَفَّى الصَّابِرُونَ﴾: فعل مضارع مغير الصيغة، ونائب فاعل، ﴿أَجْرَهُمْ﴾: مفعول به ثان، ﴿بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ حال من الأجر، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾.
﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (١١) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد - ﷺ -، والجملة مستأنفة. ﴿إِنِّي﴾: ناصب واسمه، ﴿أُمِرْتُ﴾: فعل مغير، ونائب فاعل، والجملة في محل الرفع خبر ﴿إن﴾ والتقدير: إني مأمور، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿أن﴾: حرف نصب ومصدر، ﴿أَعْبُدَ﴾: فعل مضارع منصوب بـ ﴿أن﴾،
511
وفاعله ضمير يعود على محمد - ﷺ -، ﴿اللَّهَ﴾ مفعول به، وجملة ﴿أن﴾: المصدرية مع صلتها، في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض؛ أي: أمرت بعبادة الله تعالى، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿أُمِرْتُ﴾. ﴿مُخْلِصًا﴾ حال من فاعل ﴿أَعْبُدَ﴾. ﴿لَهُ﴾:
متعلق بـ ﴿مُخْلِصًا﴾. ﴿الدِّينَ﴾: مفعول به لـ ﴿مُخْلِصًا﴾. ﴿وَأُمِرْتُ﴾: فعل، ونائب فاعل، معطوف على أمرت الأول، ﴿لِأَنْ أَكُونَ﴾: اللام: حرف جر بمعنى الباء، ﴿أن﴾: حرف نصب، ﴿أَكُونَ﴾: فعل مضارع ناقص، منصوب بـ ﴿أن﴾، واسمها ضمير يعود على محمد - ﷺ -، ﴿أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ﴾ خبرها، والجملة في تأويل مصدر مجرور باللام؛ أي: وأمرت بكوني أول المسلمين من هذه الأمة. ﴿قُلْ﴾ فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد - ﷺ -، والجملة مستأنفة. ﴿إِنِّي﴾: ناصب واسمه، وجملة ﴿أَخافُ﴾ خبره، وجملة ﴿إن﴾: في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿إن﴾: حرف شرط، ﴿عَصَيْتُ﴾: فعل، وفاعل في محل الجزم بـ ﴿إِنْ﴾ على كونه فعل شرط لها، وجوابها محذوف تقديره: إن عصيت ربي، أخاف عذابه، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية معترضة بين الفعل ومفعوله على كونها مقولًا لـ ﴿قُلْ﴾، ﴿عَذابَ﴾: مفعول أخاف، ﴿يَوْمٍ﴾: مضاف إليه، ﴿عَظِيمٍ﴾: صفة ﴿يَوْمٍ﴾.
﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (١٤) فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١٥) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ (١٦)﴾.
﴿قُلِ﴾: فعل أمر، وفاعل مستتر، والجملة مستأنفة. ﴿اللَّهَ﴾: مفعول مقدم، ﴿أَعْبُدُ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على محمد - ﷺ -، والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلِ﴾. ﴿مُخْلِصًا﴾: حال من فاعل أعبد، ﴿لَهُ﴾: متعلق بـ ﴿مُخْلِصًا﴾، ﴿دِينِي﴾: مفعول ﴿مُخْلِصًا﴾، ومضاف إليه. ﴿فَاعْبُدُوا﴾: الفاء: عاطفة، أو فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم عبادتي الله، وأردتم بيان ما أقول لكم.. فأقول لكم: اعبدوا. ﴿أعبدوا﴾: فعل أمر، وفاعل مبني على حذف النون. ﴿ما﴾: اسم موصول في محل النصب مفعوله، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة في محل النصب
متعلق بـ ﴿مُخْلِصًا﴾. ﴿الدِّينَ﴾: مفعول به لـ ﴿مُخْلِصًا﴾. ﴿وَأُمِرْتُ﴾: فعل، ونائب فاعل، معطوف على أمرت الأول، ﴿لِأَنْ أَكُونَ﴾: اللام: حرف جر بمعنى الباء، ﴿أن﴾: حرف نصب، ﴿أَكُونَ﴾: فعل مضارع ناقص، منصوب بـ ﴿أن﴾، واسمها ضمير يعود على محمد - ﷺ -، ﴿أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ﴾ خبرها، والجملة في تأويل مصدر مجرور باللام؛ أي: وأمرت بكوني أول المسلمين من هذه الأمة. ﴿قُلْ﴾ فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد - ﷺ -، والجملة مستأنفة. ﴿إِنِّي﴾: ناصب واسمه، وجملة ﴿أَخافُ﴾ خبره، وجملة ﴿إن﴾: في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿إن﴾: حرف شرط، ﴿عَصَيْتُ﴾: فعل، وفاعل في محل الجزم بـ ﴿إِنْ﴾ على كونه فعل شرط لها، وجوابها محذوف تقديره: إن عصيت ربي، أخاف عذابه، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية معترضة بين الفعل ومفعوله على كونها مقولًا لـ ﴿قُلْ﴾، ﴿عَذابَ﴾: مفعول أخاف، ﴿يَوْمٍ﴾: مضاف إليه، ﴿عَظِيمٍ﴾: صفة ﴿يَوْمٍ﴾.
﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (١٤) فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١٥) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ (١٦)﴾.
﴿قُلِ﴾: فعل أمر، وفاعل مستتر، والجملة مستأنفة. ﴿اللَّهَ﴾: مفعول مقدم، ﴿أَعْبُدُ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على محمد - ﷺ -، والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلِ﴾. ﴿مُخْلِصًا﴾: حال من فاعل أعبد، ﴿لَهُ﴾: متعلق بـ ﴿مُخْلِصًا﴾، ﴿دِينِي﴾: مفعول ﴿مُخْلِصًا﴾، ومضاف إليه. ﴿فَاعْبُدُوا﴾: الفاء: عاطفة، أو فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم عبادتي الله، وأردتم بيان ما أقول لكم.. فأقول لكم: اعبدوا. ﴿أعبدوا﴾: فعل أمر، وفاعل مبني على حذف النون. ﴿ما﴾: اسم موصول في محل النصب مفعوله، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة في محل النصب
512
مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿شِئْتُمْ﴾: فعل، وفاعل صلة لـ ﴿ما﴾ الموصولة، والعائد محذوف تقديره: ما شئتموه. ﴿مِنْ دُونِهِ﴾: جار ومجرور، حال من العائد المحذوف. ﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد - ﷺ -، والجملة مستأنفة. ﴿إِنَّ الْخاسِرِينَ﴾: ناصب واسمه. ﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾: فعل، وفاعل، ومفعول به صلة الموصول. ﴿وَأَهْلِيهِمْ﴾: معطوف على أنفسهم، ﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ ظرف متعلق بـ ﴿خَسِرُوا﴾ أو حال من أهليهم، يعني: أزواجهم وخدمهم. ﴿أَلا﴾: حرف استفتاح، ﴿ذلِكَ﴾: مبتدأ، ﴿هُوَ﴾: ضمير فصل، ﴿الْخُسْرانُ﴾: خبر، ﴿الْمُبِينُ﴾: صفة لـ ﴿الْخُسْرانُ﴾، والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿لَهُمْ﴾: خبر مقدم. ﴿مِنْ فَوْقِهِمْ﴾: حال من ﴿ظُلَلٌ﴾، و ﴿ظُلَلٌ﴾: مبتدأ مؤخر، ﴿مِنَ النَّارِ﴾ صفة لـ ﴿ظُلَلٌ﴾، والجملة الاسمية في محل النصب مقول ﴿قُلِ﴾. ﴿وَمِنْ تَحْتِهِمْ﴾: خبر مقدم، ﴿ظُلَلٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة معطوفة على الجملة الاسمية قبلها. ﴿ذلِكَ﴾: مبتدأ، ﴿يُخَوِّفُ اللَّهُ﴾ فعل، وفاعل، ﴿بِهِ﴾: متعلق بـ ﴿يُخَوِّفُ﴾، والجملة الفعلية في محل الرفع، خبر عن اسم الإشارة، والجملة الاسمية مستأنفة، أو في محل النصب مقول ﴿قُلِ﴾. ﴿عِبادَهُ﴾ مفعول به لـ ﴿يُخَوِّفُ﴾، ﴿يا﴾: حرف نداء، ﴿عباد﴾: منادى مضاف لياء المتكلم المحذوفة، اجتزاء عنها بالكسرة، وجملة النداء إما مستأنفة أو مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿فَاتَّقُونِ﴾: الفاء: زائدة لتأكيد الربط بين النداء وجوابه، ﴿اتقون﴾: فعل أمر، وفاعل مبني على حذف النون، والنون للوقاية، وياء المتكلم المحذوفة اجتزاء عنها بكسرة نون الوقاية في محل النصب مفعول به، والجملة الفعلية جواب النداء، لا محل لها من الإعراب، أو في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾.
التصريف ومفردات اللغة
﴿أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ﴾ ﴿أَلا﴾ (١): من حروف التنبيه، وهي: ها، وألا،
التصريف ومفردات اللغة
﴿أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ﴾ ﴿أَلا﴾ (١): من حروف التنبيه، وهي: ها، وألا،
(١) درويش.
513
وأما، والفرق بين أما، وألا: أن أما: للحال أو للماضي، وألا: للاستقبال، تقول: أما إن زيدا عاقل، تريد أنه عاقل في الحال، ولا تقول: ألا، وتقول: ألا إن زيدا لا يخاف؛ أي: في المستقبل، ولا تقول: أما، والفرق بينهما وبين ها، أنهما لا يدخلان إلا أول الكلام على الجملة بخلاف ها، فتدخل على الضمير وأسماء الإشارة، وإن لم تكن في أول الكلام، وتدخل أما على القسم كثيرا، وألا كثيرا على النداء، إذا تقرر هذا، فهل تكون هنا للاستقبال، مع أن كون الدين لله هو في كل زمان؟ والجواب: أن المراد هنا الاستقبال، بالنسبة لمن يعتنقون الدين الخالص على أنهما يتعاوران؛ أي: تأتي ألا لمجرد الاستفتاح، ولا يكون التنبيه مقصودًا.
﴿زُلْفى﴾؛ أي: تقريبًا. فهو مصدر مؤكد على غير لفظ العامل، ملاق له في المعنى. وعبارة «السمين»: زلفى مصدر مؤكد على غير العامل، ولكنه ملاق لعامله في المعنى، والتقدير: ليزلفوننا زلفى؛ أي: ليقربونا قربى، وجوز أبو البقاء أن يكون حالًا مؤكدة، انتهى.
﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ﴾ التكوير في الأصل: اللف، واللي، من كار العمامة على رأسه، وكورها، وفي تكويرهما أوجه، كما قاله الزمخشري:
١ - جعلهما خلفة، يذهب هذا ويغشي مكانه هذا، فكأنما ألبسه، ولف عليه كما يلف اللباس على اللابس.
٢ - كون كل منهما يغيّب الآخر إذا طرأ عليه، فشبه في تغييبه إياه بشيء ظاهر، لف عليه ما غيّبه من مطامح الأبصار.
٣ - إن هذا يكر على هذا كرورًا متتابعًا، فشبه ذلك، بتتابع أكوار العمامة بعضها على إثر بعض، وهو أوفق للاشتقاق، من أشياء قد ذكرت، وقال الراغب: كور الشيء: إدارته، وضم بعضه إلى بعض ككور العمامة، وقوله: ﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ﴾ إشارة إلى جريان الشمس في مطالعها وانتقاص الليل والنهار، وازديادهما، اهـ.
﴿زُلْفى﴾؛ أي: تقريبًا. فهو مصدر مؤكد على غير لفظ العامل، ملاق له في المعنى. وعبارة «السمين»: زلفى مصدر مؤكد على غير العامل، ولكنه ملاق لعامله في المعنى، والتقدير: ليزلفوننا زلفى؛ أي: ليقربونا قربى، وجوز أبو البقاء أن يكون حالًا مؤكدة، انتهى.
﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ﴾ التكوير في الأصل: اللف، واللي، من كار العمامة على رأسه، وكورها، وفي تكويرهما أوجه، كما قاله الزمخشري:
١ - جعلهما خلفة، يذهب هذا ويغشي مكانه هذا، فكأنما ألبسه، ولف عليه كما يلف اللباس على اللابس.
٢ - كون كل منهما يغيّب الآخر إذا طرأ عليه، فشبه في تغييبه إياه بشيء ظاهر، لف عليه ما غيّبه من مطامح الأبصار.
٣ - إن هذا يكر على هذا كرورًا متتابعًا، فشبه ذلك، بتتابع أكوار العمامة بعضها على إثر بعض، وهو أوفق للاشتقاق، من أشياء قد ذكرت، وقال الراغب: كور الشيء: إدارته، وضم بعضه إلى بعض ككور العمامة، وقوله: ﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ﴾ إشارة إلى جريان الشمس في مطالعها وانتقاص الليل والنهار، وازديادهما، اهـ.
514
﴿ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها﴾ إن قلت: كيف (١) عطف بـ ﴿ثُمَّ﴾ مع أن خلق حواء من آدم سابق على خلقنا منه؟ أجيب: بأن ﴿ثُمَّ﴾ هنا للترتيب في الإخبار، لا في الإيجاد، أو المعطوف متعلق بمعنى واحد، فـ ﴿ثُمَّ﴾ عاطفة لا على ﴿خَلَقَكُمْ﴾، فمعناه: خلقكم من نفس أفردت بالإيجاد، ثم شفعت بزوج، أو هو معطوف على ﴿خَلَقَكُمْ﴾ لكن المراد بـ ﴿خلقهم﴾: خلقهم يوم أخذ الميثاق دفعة، لا على هذا الخلق الذي هم فيه الآن بالتوالد والتناسل، وذلك لأن الله تعالى، خلق آدم عليه السلام ثم أخرج أولاده من ظهره كالذر، وأخذ عليهم الميثاق، ثم ردهم إلى ظهره ثم خلق منه حواء، اهـ كرخى.
﴿سُبْحانَهُ﴾ مصدر (٢) من سبح إذا بعد؛ أي: تنزه تعالى بالذات عن ذلك الاتخاذ، وعما نسبوا إليه من الأولاد والأولياء، وعلم للتسبيح مقول على ألسنة العباد؛ أي: أسبحه تسبيحًا لائقًا به، أو سبحوه تسبيحًا حقيقًا بشأنه.
﴿ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ﴾ ويقال لها: الأزواج الثمانية؛ لأن ذكر كل واحد من هذه الأنواع زوج بأنثاه، وأنثاه زوج بذكره، فيكون مجموع الأزواج ثمانية بهذا الاعتبار، من الضأن: اثنين، ومن المعز: اثنين، ومن الإبل: اثنين، ومن البقر: اثنين. والخيل، والبغال، والحمير خارجة من الأنعام، قال في «بحر العلوم»: الواحد إذا كان وحده فهو فرد، وإذا كان معه غيره، من جنسه، سمي كل واحد منهما زوجًا، فهما زوجان، بدليل قوله تعالى: ﴿خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى﴾، وعند الحساب: الزوج خلاف الفرد، كالأربعة والثمانية في خلاف الثلاثة والسبعة.
﴿فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ﴾؛ أي: في أرحامهن. جمع أم، زيدت الهاء فيه كما زيدت في أهراق من أراق. ﴿فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾؛ أي: فكيف تصرفون، وتردون عن ملازمة بابه بالعبودية، إلى باب عاجز مثلكم من الخلق. ﴿وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ أصله: يرضاه على أن الضمير عائد إلى الشكر، حذف الألف علامة للجزم. وهو باختلاس ضمة الهاء، عند أهل المدينة وعاصم وحمزة، وبإسكان الهاء، عند أبي
﴿سُبْحانَهُ﴾ مصدر (٢) من سبح إذا بعد؛ أي: تنزه تعالى بالذات عن ذلك الاتخاذ، وعما نسبوا إليه من الأولاد والأولياء، وعلم للتسبيح مقول على ألسنة العباد؛ أي: أسبحه تسبيحًا لائقًا به، أو سبحوه تسبيحًا حقيقًا بشأنه.
﴿ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ﴾ ويقال لها: الأزواج الثمانية؛ لأن ذكر كل واحد من هذه الأنواع زوج بأنثاه، وأنثاه زوج بذكره، فيكون مجموع الأزواج ثمانية بهذا الاعتبار، من الضأن: اثنين، ومن المعز: اثنين، ومن الإبل: اثنين، ومن البقر: اثنين. والخيل، والبغال، والحمير خارجة من الأنعام، قال في «بحر العلوم»: الواحد إذا كان وحده فهو فرد، وإذا كان معه غيره، من جنسه، سمي كل واحد منهما زوجًا، فهما زوجان، بدليل قوله تعالى: ﴿خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى﴾، وعند الحساب: الزوج خلاف الفرد، كالأربعة والثمانية في خلاف الثلاثة والسبعة.
﴿فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ﴾؛ أي: في أرحامهن. جمع أم، زيدت الهاء فيه كما زيدت في أهراق من أراق. ﴿فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾؛ أي: فكيف تصرفون، وتردون عن ملازمة بابه بالعبودية، إلى باب عاجز مثلكم من الخلق. ﴿وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ أصله: يرضاه على أن الضمير عائد إلى الشكر، حذف الألف علامة للجزم. وهو باختلاس ضمة الهاء، عند أهل المدينة وعاصم وحمزة، وبإسكان الهاء، عند أبي
(١) الفتوحات.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
515
عمرو، وبإشباع ضمة الهاء عند الباقين. لأنها صارت بخلاف الألف موصولة بمتحرك.
﴿وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾ والوزر: الحمل الثقيل، ووزره: حمله، والمعنى: ولا تحمل نفس حاملة للوزر حمل نفس أخرى من الذنب والمعصية. ﴿وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ﴾ قال الراغب: المس يقال في كل ما ينال الإنسان من أذى، والضر يقابل بالسراء والنعماء، والضرر بالنفع.
﴿ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ﴾ من التخول، وهو التعهد؛ أي: المحافظة والمراعاة؛ أي: جعله خائل مال من قولهم: فلان خائل ماله إذا كان متعهدا له حسن القيام به. ومن شأن الغني الجواد، أن يراعي أحوال الفقراء. أو من الخول، وهو الافتخار؛ لأن الغني يكون متكبرًا طويل الذيل؛ أي: جعله يخول؛ أي: يختال ويفتخر بالنعمة.
﴿وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدادًا﴾ جمع ند، وهو يقال لما يشارك في الجوهر فقط، كما في «المفردات»، وقال في «بحر العلوم»: هو المثل المخالف؛ أي: أمثالًا يعتقد أنها قادرة على مخالفة الله سبحانه، ومضادته.
﴿لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ الذي هو التوحيد، والسبيل من الطرق ما هو معتاد السلوك، استعير للتوحيد، لأنه موصل إلى الله تعالى ورضاه، قرىء: ﴿ليضل﴾ بفتح الياء؛ أي: ليزداد ضلالًا أو يثبت عليه، وإلا فأصل الضلال غير متأخر عن الجعل المذكور، واللام: لام العاقبة، فإن النتيجة قد تكون غرضا في الفعل، وقد تكون غير غرض، والضلال والإضلال ليسا بغرضين، بل نتيجة الجعل وعاقبته.
﴿آناءَ اللَّيْلِ﴾ جمع إني بكسر الهمزة والقصر كمعي وأمعاء، اهـ شيخنا. وفي «المصباح»: الآناء على أفعال هي الأوقات، وفي واحدها لغتان: أنى مثل: معى بكسر الهمزة والقصر، وأنى بفتح الهمزة والنون، وهو الساعة، وقيل: مفردها إنْيٌ وإنْوٌ، بكسر الهمزة وسكون النون فيهما، يقال: مضى أنوان وأنيان من الليل؛ أي: ساعتان.
﴿وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾ والوزر: الحمل الثقيل، ووزره: حمله، والمعنى: ولا تحمل نفس حاملة للوزر حمل نفس أخرى من الذنب والمعصية. ﴿وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ﴾ قال الراغب: المس يقال في كل ما ينال الإنسان من أذى، والضر يقابل بالسراء والنعماء، والضرر بالنفع.
﴿ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ﴾ من التخول، وهو التعهد؛ أي: المحافظة والمراعاة؛ أي: جعله خائل مال من قولهم: فلان خائل ماله إذا كان متعهدا له حسن القيام به. ومن شأن الغني الجواد، أن يراعي أحوال الفقراء. أو من الخول، وهو الافتخار؛ لأن الغني يكون متكبرًا طويل الذيل؛ أي: جعله يخول؛ أي: يختال ويفتخر بالنعمة.
﴿وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدادًا﴾ جمع ند، وهو يقال لما يشارك في الجوهر فقط، كما في «المفردات»، وقال في «بحر العلوم»: هو المثل المخالف؛ أي: أمثالًا يعتقد أنها قادرة على مخالفة الله سبحانه، ومضادته.
﴿لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ الذي هو التوحيد، والسبيل من الطرق ما هو معتاد السلوك، استعير للتوحيد، لأنه موصل إلى الله تعالى ورضاه، قرىء: ﴿ليضل﴾ بفتح الياء؛ أي: ليزداد ضلالًا أو يثبت عليه، وإلا فأصل الضلال غير متأخر عن الجعل المذكور، واللام: لام العاقبة، فإن النتيجة قد تكون غرضا في الفعل، وقد تكون غير غرض، والضلال والإضلال ليسا بغرضين، بل نتيجة الجعل وعاقبته.
﴿آناءَ اللَّيْلِ﴾ جمع إني بكسر الهمزة والقصر كمعي وأمعاء، اهـ شيخنا. وفي «المصباح»: الآناء على أفعال هي الأوقات، وفي واحدها لغتان: أنى مثل: معى بكسر الهمزة والقصر، وأنى بفتح الهمزة والنون، وهو الساعة، وقيل: مفردها إنْيٌ وإنْوٌ، بكسر الهمزة وسكون النون فيهما، يقال: مضى أنوان وأنيان من الليل؛ أي: ساعتان.
516
﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ وفي «بحر العلوم»: الفعل منزل منزلة اللازم، ولم يقدر له مفعول؛ لأن المقدر كالمذكور كما سبق، والمعنى: لا يستوي من يوجد فيه حقيقة العلم ومن لا يوجد.
﴿إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ﴾ قال في «المفردات»: توفيةُ الشيء: بذلُه وافيًا كاملًا، واستيفاؤه: تناوله وافيًا. والمعنى: يعطون أجرهم وافيًا بمقابلة ما كابدوا من العسر.
﴿إِنَّ الْخاسِرِينَ﴾؛ أي: الكاملين في الخسران الذي هو عبارة عن إضاعة ما يهمه، وإتلاف ما لا بد منه. وفي «المفردات»: الخسران: انتقاص رأس المال، يستعمل في المال، والجاه، والصحة، والسلامة، والعقل، والإيمان، والثواب، وهو الذي جعل الله سبحانه الخسران. ﴿وَأَهْلِيهِمْ﴾ أصله: أهلين لهم، فحذفت النون للإضافة، واللام للتخفيف، جمع أهل، وأهل الرجل: عشيرته، وذوو قرابته، كما في «القاموس». ويفسر بالأزواج، والأولاد، والعبيد والإماء، وبالأقارب، وبالأصحاب، وبالمجموع كما في «شرح المشارق لابن الملك».
﴿لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ﴾ والظلل: جمع ظلة كغرف جمع غرفة، وهي سحابة، تظل، وشيء كهيئة الصفة، وفي «كشف الأسرار»: الظلة: ما أظلك من فوقك.
﴿إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ﴾؛ أي (١): أصحاب العقول الخالصة من شوائب الخلل، والوهم، وفي «المفردات»: الألباب: جمع لب، واللب: العقل الخالص من الشوائب، وسمي بذلك لكونه خالص ما في الإنسان من قواه، كاللباب من الشيء، وقيل: هو ما زكا من العقل، فكل لب عقل، وليس كل عقل لبًا، ولذا علّق الله سبحانه الأحكام، التي لا تدركه إلا العقول الذكية، بأولي الألباب، نحو قوله: ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ﴾، ونحو ذلك من الآيات، انتهى.
﴿إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ﴾ قال في «المفردات»: توفيةُ الشيء: بذلُه وافيًا كاملًا، واستيفاؤه: تناوله وافيًا. والمعنى: يعطون أجرهم وافيًا بمقابلة ما كابدوا من العسر.
﴿إِنَّ الْخاسِرِينَ﴾؛ أي: الكاملين في الخسران الذي هو عبارة عن إضاعة ما يهمه، وإتلاف ما لا بد منه. وفي «المفردات»: الخسران: انتقاص رأس المال، يستعمل في المال، والجاه، والصحة، والسلامة، والعقل، والإيمان، والثواب، وهو الذي جعل الله سبحانه الخسران. ﴿وَأَهْلِيهِمْ﴾ أصله: أهلين لهم، فحذفت النون للإضافة، واللام للتخفيف، جمع أهل، وأهل الرجل: عشيرته، وذوو قرابته، كما في «القاموس». ويفسر بالأزواج، والأولاد، والعبيد والإماء، وبالأقارب، وبالأصحاب، وبالمجموع كما في «شرح المشارق لابن الملك».
﴿لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ﴾ والظلل: جمع ظلة كغرف جمع غرفة، وهي سحابة، تظل، وشيء كهيئة الصفة، وفي «كشف الأسرار»: الظلة: ما أظلك من فوقك.
﴿إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ﴾؛ أي (١): أصحاب العقول الخالصة من شوائب الخلل، والوهم، وفي «المفردات»: الألباب: جمع لب، واللب: العقل الخالص من الشوائب، وسمي بذلك لكونه خالص ما في الإنسان من قواه، كاللباب من الشيء، وقيل: هو ما زكا من العقل، فكل لب عقل، وليس كل عقل لبًا، ولذا علّق الله سبحانه الأحكام، التي لا تدركه إلا العقول الذكية، بأولي الألباب، نحو قوله: ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ﴾، ونحو ذلك من الآيات، انتهى.
(١) روح البيان.
517
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الإظهار في موضع الإضمار في قوله: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ﴾ بعد قوله: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١)﴾ لتعظيمه، ومزيد الاعتناء بشأنه، ولا تكرار فيه؛ لأن الأول في بيان شأن المنزل، وكونه من عند الله، وهذا في بيان شأن المنزل إليه، وما يجب عليه.
ومنها: الإتيان بـ ﴿أَلا﴾ التي للتنبيه والاستفتاح في قوله: ﴿أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ﴾ إشعارًا بأهمية ما بعدها، وطلبًا للإصغاء إليه.
ومنها: التأكيد بالمصدر الملاقي لعامله في المعنى في قوله: ﴿إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى﴾؛ أي: قربى.
ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾؛ لأن الأصل يحكم بينهم وبين المسلمين، فحذف المقابل إيجازا للكلام، أو اكتفاء بالمذكور.
ومنها: الطباق بين ﴿تكفروا، وتشكروا﴾ وبين ﴿يرجو، ويحذر﴾ وبين ﴿فوقهم، وتحتهم﴾ وبين ﴿ضر، ونعمة﴾.
ومنها: أسلوب التدريج في قوله: ﴿وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ﴾. فإنه عبر (١) عن الأزواج بالإنزال؛ لأنها تكونت بالنبات، والنبات بالماء المنزل، وهذا يسمى التدريج، ومنه: قوله تعالى: ﴿قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباسًا﴾ الآية.
ومنها: الجناس المغاير في قوله: ﴿يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ﴾، وفي قوله: ﴿وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾، وفي قوله: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ﴾.
ومنها: الإيجاز بالحذف، لدلالة السياق عليه، في قوله: {أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الإظهار في موضع الإضمار في قوله: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ﴾ بعد قوله: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١)﴾ لتعظيمه، ومزيد الاعتناء بشأنه، ولا تكرار فيه؛ لأن الأول في بيان شأن المنزل، وكونه من عند الله، وهذا في بيان شأن المنزل إليه، وما يجب عليه.
ومنها: الإتيان بـ ﴿أَلا﴾ التي للتنبيه والاستفتاح في قوله: ﴿أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ﴾ إشعارًا بأهمية ما بعدها، وطلبًا للإصغاء إليه.
ومنها: التأكيد بالمصدر الملاقي لعامله في المعنى في قوله: ﴿إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى﴾؛ أي: قربى.
ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾؛ لأن الأصل يحكم بينهم وبين المسلمين، فحذف المقابل إيجازا للكلام، أو اكتفاء بالمذكور.
ومنها: الطباق بين ﴿تكفروا، وتشكروا﴾ وبين ﴿يرجو، ويحذر﴾ وبين ﴿فوقهم، وتحتهم﴾ وبين ﴿ضر، ونعمة﴾.
ومنها: أسلوب التدريج في قوله: ﴿وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ﴾. فإنه عبر (١) عن الأزواج بالإنزال؛ لأنها تكونت بالنبات، والنبات بالماء المنزل، وهذا يسمى التدريج، ومنه: قوله تعالى: ﴿قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباسًا﴾ الآية.
ومنها: الجناس المغاير في قوله: ﴿يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ﴾، وفي قوله: ﴿وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾، وفي قوله: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ﴾.
ومنها: الإيجاز بالحذف، لدلالة السياق عليه، في قوله: {أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ
(١) الفتوحات.
518
آناءَ اللَّيْلِ}؛ أي: كمن هو كافر جاحد بربه.
ومنها: الأمر بالذي يراد به التهديد في قوله: ﴿قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا﴾، وفيه إشعار بأن الكفر نوع تشبه لا سند له، وإقناط للكافرين من التمتع في الآخرة، ولذلك علله بقوله: ﴿إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ﴾ على سبيل الاستئناف للمبالغة، اهـ «بيضاوي».
ومنها: الاستفهام الإنكاري في قوله: ﴿أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ﴾؛ أي: لا يستوي القانت والكافر.
ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: ﴿لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾؛ لأن السبيل حقيقة في الطريق المعتاد سلوكه، فاستعير للتوحيد بجامع الإيصال إلى المقصود في كل؛ لأن التوحيد موصل إلى الله تعالى، وإلى رضاه، كما أن السبيل الحقيقي يوصل إلى المقصد.
ومنها: الإضافة للتشريف في قوله: ﴿قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾. والإضافة للملك، والخلق في قوله: ﴿وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ﴾.
ومنها: التهويل في قوله: ﴿أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ﴾ ففيه تهويل زاجر، فقد جعل الجملة مستأنفة، وصدرها بحرف التنبيه، ووسط ضمير الفصل بين المبتدأ والخبر، وعرّف الخسران كأنه مما تعورف أمره، واشتهر هوله، ووصفه بالمبين، فجعل خسرانهم غايةً في الفظاعة ونهاية في الشناعة.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
ومنها: الأمر بالذي يراد به التهديد في قوله: ﴿قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا﴾، وفيه إشعار بأن الكفر نوع تشبه لا سند له، وإقناط للكافرين من التمتع في الآخرة، ولذلك علله بقوله: ﴿إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ﴾ على سبيل الاستئناف للمبالغة، اهـ «بيضاوي».
ومنها: الاستفهام الإنكاري في قوله: ﴿أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ﴾؛ أي: لا يستوي القانت والكافر.
ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: ﴿لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾؛ لأن السبيل حقيقة في الطريق المعتاد سلوكه، فاستعير للتوحيد بجامع الإيصال إلى المقصود في كل؛ لأن التوحيد موصل إلى الله تعالى، وإلى رضاه، كما أن السبيل الحقيقي يوصل إلى المقصد.
ومنها: الإضافة للتشريف في قوله: ﴿قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾. والإضافة للملك، والخلق في قوله: ﴿وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ﴾.
ومنها: التهويل في قوله: ﴿أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ﴾ ففيه تهويل زاجر، فقد جعل الجملة مستأنفة، وصدرها بحرف التنبيه، ووسط ضمير الفصل بين المبتدأ والخبر، وعرّف الخسران كأنه مما تعورف أمره، واشتهر هوله، ووصفه بالمبين، فجعل خسرانهم غايةً في الفظاعة ونهاية في الشناعة.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
519
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (١٨) أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (١٩) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (٢٠) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (٢١) أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢٢) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٢٣) أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٢٤) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٢٥) فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٢٦) وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧) قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٢٨) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٢٩) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر وعيده (١) لعبدة الأصنام.. أردف ذلك بوعد من اجتنبوا عبادتها، وابتعدوا عن الشرك، ليكون الوعد مقترنا بالوعيد، ويحصل بذلك كمال الترغيب والترهيب.
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً...﴾ الآية، مناسبة
﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (١٨) أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (١٩) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (٢٠) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (٢١) أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢٢) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٢٣) أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٢٤) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٢٥) فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٢٦) وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧) قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٢٨) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٢٩) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر وعيده (١) لعبدة الأصنام.. أردف ذلك بوعد من اجتنبوا عبادتها، وابتعدوا عن الشرك، ليكون الوعد مقترنا بالوعيد، ويحصل بذلك كمال الترغيب والترهيب.
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً...﴾ الآية، مناسبة
(١) المراغي.
520
هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه لما وصف الآخرة بصفات توجب الرغبة فيها، ومزيد الشوق إليها.. أعقب ذلك بذكر صفات للدنيا، توجب النفرة منها، كسرعة زوالها وتقضيها وشيكًا تحذيرًا من الاغترار بزهرتها، والركون إلى لذتها. فمثَّل حالها بحال نبات، يسقى بماء المطر، فيخرج به زرع مختلف الأصناف والأنواع، وبعد قليل تراه يجف ويصير فتاتًا متكسرًا. فما أسرع زواله، وأيسر تقضّيه.
قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ...﴾ الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه لما بالغ في ذكر ما يدل على وجوب الإقبال على طاعته سبحانه، والإعراض عن الدنيا.. أردف ذلك ببيان أنه لا ينتفع بهذا إلا من شرح الله صدره، ونوّر قلبه، وأشعر نفسه حب العمل به، ثم أعقبه بذكر أن من أضله الله، فلا هادي له، وأن من يتقي بيديه المخاوف، صيانة لوجهه عن النار، ليس حاله كحال من هو آمن، لا يفكر في مآل أمره، وعاقبة عمله. وبعدئذٍ، ذكر أن هؤلاء المشركين، ليسوا بدعًا في الأمم، فلقد كذب كثير قبلهم، فأتاهم العذاب بغتة من حيث لا يشعرون، فأصيبوا في الدنيا بالذل، والصغار، والقتل، والخسف، ولعذاب الآخرة أشد نكالًا ووبالًا، ثم ذكر أن القرآن قد ضرب الأمثال للناس، بلسان عربي مبين، لعلهم يرعوون، ويزدجرون.
قوله تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر الحكمة في ضرب الأمثال للناس، وهي أن تكون عظة، وذكرى لهم، ليتقوا ربهم، ويرعووا عن غيّهم وضلالهم.. أردفه بذكر مثل يرشد إلى فساد مذهب المشركين، وقبح طريقتهم، ووضوح بطلانها، ثم أعقبه ببيان أن الناس جميعًا سيموتون، ثم يعرضون على ربهم، وهناك يستبين المحق والمبطل، والضال والمهتدي، فلا داعي إلى الجدل والخلاف بينك - رضي الله عنه - وبينهم.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ...﴾ الآية،
قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ...﴾ الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه لما بالغ في ذكر ما يدل على وجوب الإقبال على طاعته سبحانه، والإعراض عن الدنيا.. أردف ذلك ببيان أنه لا ينتفع بهذا إلا من شرح الله صدره، ونوّر قلبه، وأشعر نفسه حب العمل به، ثم أعقبه بذكر أن من أضله الله، فلا هادي له، وأن من يتقي بيديه المخاوف، صيانة لوجهه عن النار، ليس حاله كحال من هو آمن، لا يفكر في مآل أمره، وعاقبة عمله. وبعدئذٍ، ذكر أن هؤلاء المشركين، ليسوا بدعًا في الأمم، فلقد كذب كثير قبلهم، فأتاهم العذاب بغتة من حيث لا يشعرون، فأصيبوا في الدنيا بالذل، والصغار، والقتل، والخسف، ولعذاب الآخرة أشد نكالًا ووبالًا، ثم ذكر أن القرآن قد ضرب الأمثال للناس، بلسان عربي مبين، لعلهم يرعوون، ويزدجرون.
قوله تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر الحكمة في ضرب الأمثال للناس، وهي أن تكون عظة، وذكرى لهم، ليتقوا ربهم، ويرعووا عن غيّهم وضلالهم.. أردفه بذكر مثل يرشد إلى فساد مذهب المشركين، وقبح طريقتهم، ووضوح بطلانها، ثم أعقبه ببيان أن الناس جميعًا سيموتون، ثم يعرضون على ربهم، وهناك يستبين المحق والمبطل، والضال والمهتدي، فلا داعي إلى الجدل والخلاف بينك - رضي الله عنه - وبينهم.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ...﴾ الآية،
521
سبب نزولها (١): ما أخرجه جويبر، بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: لما نزلت: ﴿لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ...﴾ الآية، أتى رجل من الأنصار إلى النبي - ﷺ - فقال: يا رسول الله إن لي سبعة مماليك، وإني قد أعتقت لكل باب منها مملوكًا، فنزلت فيه هذه الآية: ﴿فَبَشِّرْ عِبادِ...﴾ الآية.
قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ...﴾ الآية، سبب نزولها: ما أخرجه ابن أبي حاتم، عن زيد بن أسلم، أن هذه الآية نزلت في ثلاثة نفر، كانوا في الجاهلية يقولون: لا إله إلا الله، زيد بن عمرو بن نفيل، وأبي ذر الغفاري، وسلمان الفارسي.
التفسير وأوجه القراءة
١٧ - ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ﴾ والشياطين، وابتعدوا عنها، وتحرجوا ﴿أَنْ يَعْبُدُوها﴾ بدل اشتمال من الشيطان، فإن عبادة غير الله عبادة للشيطان، إذ هو الآمر بها، والمزين لها. قال في «كشف الأسرار»: كل من عبد شيئًا غير الله فهو طاغ، ومعبوده طاغوت. وفي «التأويلات النجمية»: طاغوت كل أحد نفسه، وإنما يجتنب الطاغوت من خالف هواه، وعانق رضى مولاه، ورجع إليه بالخروج عما سواه بالكلية، وقرأ الحسن: ﴿الطواغيت﴾ جمعًا. وفي «القاموس»: الطاغوت: اللات، والعزى، والكاهن، والشيطان، وكل رأس ضلال، والأصنام، وكل ما عبد من دون الله، ومردة أهل الكتاب، انتهى. وقال سهل (٢): الطاغوت: الدنيا، وأصلها الجهل، وفرعها المآكل والمشارب، وزينتها التفاخر، وثمرتها المعاصي، وميراثها القسوة والعقوبة، ويستعمل لفظ الطاغوت في الواحد والجمع، كما يفهم من «القاموس». قال في «بحر العلوم»: وفي قوله: ﴿أَنْ يَعْبُدُوها﴾ إشارة، إلى أن المراد بالطاغوت هاهنا الجمع.
﴿وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ﴾ سبحانه، وأقبلوا عليه معرضين عما سواه إقبالًا كليًا، قال في «البحر»: واعلم أن المراد باجتناب الطاغوت: الكفر بها، وبالإنابة إلى الله:
قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ...﴾ الآية، سبب نزولها: ما أخرجه ابن أبي حاتم، عن زيد بن أسلم، أن هذه الآية نزلت في ثلاثة نفر، كانوا في الجاهلية يقولون: لا إله إلا الله، زيد بن عمرو بن نفيل، وأبي ذر الغفاري، وسلمان الفارسي.
التفسير وأوجه القراءة
١٧ - ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ﴾ والشياطين، وابتعدوا عنها، وتحرجوا ﴿أَنْ يَعْبُدُوها﴾ بدل اشتمال من الشيطان، فإن عبادة غير الله عبادة للشيطان، إذ هو الآمر بها، والمزين لها. قال في «كشف الأسرار»: كل من عبد شيئًا غير الله فهو طاغ، ومعبوده طاغوت. وفي «التأويلات النجمية»: طاغوت كل أحد نفسه، وإنما يجتنب الطاغوت من خالف هواه، وعانق رضى مولاه، ورجع إليه بالخروج عما سواه بالكلية، وقرأ الحسن: ﴿الطواغيت﴾ جمعًا. وفي «القاموس»: الطاغوت: اللات، والعزى، والكاهن، والشيطان، وكل رأس ضلال، والأصنام، وكل ما عبد من دون الله، ومردة أهل الكتاب، انتهى. وقال سهل (٢): الطاغوت: الدنيا، وأصلها الجهل، وفرعها المآكل والمشارب، وزينتها التفاخر، وثمرتها المعاصي، وميراثها القسوة والعقوبة، ويستعمل لفظ الطاغوت في الواحد والجمع، كما يفهم من «القاموس». قال في «بحر العلوم»: وفي قوله: ﴿أَنْ يَعْبُدُوها﴾ إشارة، إلى أن المراد بالطاغوت هاهنا الجمع.
﴿وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ﴾ سبحانه، وأقبلوا عليه معرضين عما سواه إقبالًا كليًا، قال في «البحر»: واعلم أن المراد باجتناب الطاغوت: الكفر بها، وبالإنابة إلى الله:
(١) لباب النقول.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
الإيمان بالله، كما قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى﴾. وقدم اجتناب الطاغوت على الإنابة إلى الله، كما قدم الكفر بالطاغوت على الإيمان بالله، على وفق كلمة التوحيد «لا إله إلا الله»، حيث قدم نفي وجود الإلهية على إثبات الألوهية لله تعالى، فقوله: ﴿وَالَّذِينَ﴾ مبتدأ، وقوله: ﴿أَنْ يَعْبُدُوها﴾ بدل اشتمال من الطاغوت، وقوله: ﴿وَأَنابُوا﴾ معطوف على ﴿اجْتَنَبُوا﴾.
وجملة ﴿لَهُمُ الْبُشْرى﴾ خبر المبتدأ؛ أي (١): والذين اجتنبوا عبادة الطاغوت، ورجعوا إلى عبادة الله تعالى، وأقبلوا عليه معرضين عما سواه، لهم البشرى في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا، فالثناء عليهم بصالح أعمالهم، وعند نزول الموت، وعند الوضع في القبر، وأما في الآخرة فعند الخروج من القبر، وعند الوقوف للحساب، وعند جواز الصراط، وعند دخول الجنة، وفي الجنة، ففي كل موقف من هذه الموافق، تحصل لهم البشارة بنوع من الخير، والراحة، والروح، والريحان، وقيل: لهم البشرى بالثواب والرضوان الأكبر على ألسنة الرسل، بالوحي في الدنيا، أو على ألسنة الملائكة عند حضور الموت، وحين يحشرون، وبعد ذلك، وقال بعضهم: لهم البشرى بأنهم من أهل الهداية والفضل من الله، وهي الكرامة الكبرى.
والمعنى (٢): أي والذين اجتنبوا عبادة الأصنام، وأقبلوا إلى ربهم معرضين عما سواه، لهم البشرى، بالثواب العظيم من الله تعالى، على ألسنة رسله حين الموت، وحين يحشرون من قبورهم للحساب.
ثم مدحهم، بأنهم نقّاد في الدين، يميزون بين الحسن والأحسن، والفاضل والأفضل، فقال: ﴿فَبَشِّرْ عِبادِ﴾ والأصل عبادي بالياء، فحذفت
١٨ - ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ﴾ الحق من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله - ﷺ - ﴿فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾؛ أي: محكمه، ويعملون به؛ أي: فبشر يا محمد عبادي الذين اجتنبوا عبادة
وجملة ﴿لَهُمُ الْبُشْرى﴾ خبر المبتدأ؛ أي (١): والذين اجتنبوا عبادة الطاغوت، ورجعوا إلى عبادة الله تعالى، وأقبلوا عليه معرضين عما سواه، لهم البشرى في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا، فالثناء عليهم بصالح أعمالهم، وعند نزول الموت، وعند الوضع في القبر، وأما في الآخرة فعند الخروج من القبر، وعند الوقوف للحساب، وعند جواز الصراط، وعند دخول الجنة، وفي الجنة، ففي كل موقف من هذه الموافق، تحصل لهم البشارة بنوع من الخير، والراحة، والروح، والريحان، وقيل: لهم البشرى بالثواب والرضوان الأكبر على ألسنة الرسل، بالوحي في الدنيا، أو على ألسنة الملائكة عند حضور الموت، وحين يحشرون، وبعد ذلك، وقال بعضهم: لهم البشرى بأنهم من أهل الهداية والفضل من الله، وهي الكرامة الكبرى.
والمعنى (٢): أي والذين اجتنبوا عبادة الأصنام، وأقبلوا إلى ربهم معرضين عما سواه، لهم البشرى، بالثواب العظيم من الله تعالى، على ألسنة رسله حين الموت، وحين يحشرون من قبورهم للحساب.
ثم مدحهم، بأنهم نقّاد في الدين، يميزون بين الحسن والأحسن، والفاضل والأفضل، فقال: ﴿فَبَشِّرْ عِبادِ﴾ والأصل عبادي بالياء، فحذفت
١٨ - ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ﴾ الحق من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله - ﷺ - ﴿فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾؛ أي: محكمه، ويعملون به؛ أي: فبشر يا محمد عبادي الذين اجتنبوا عبادة
(١) الخازن.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
523
الطاغوت، وأنابوا إلى ربهم، وسمعوا القول فاتبعوا أولاه بالقبول، بالنعيم المقيم في جنات النعيم، وفيه (١) تصريح بكون التبشير من لسان الرسول - ﷺ -، وهو تبشير في الدنيا، وأما تبشير الملك فتبشير في الآخرة، كما قال: ﴿لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ﴾، وبالجملة فتبشير الآخرة مرتب على تبشير الدنيا. فمن استأهل الثاني استأهل الأول.
قال السدي (٢): يتبعون أحسن ما يؤمرون به، فيعملون بما فيه، وقيل: هو الرجل يسمع الحسن والقبيح، فيتحدث بالحسن، وينكف عن القبح فلا يتحدث، وقيل: يستمعون القرآن وغيره، فيتبعون القرآن، وقيل: يستمعون الرخص والعزائم فيتبعون العزائم ويتركون الرخص، وقيل: يأخذون بالعفو، ويتركون العقوبة، وقيل: إن الآية نزلت في عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، حين جاؤوا إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فسألوه فأخبرهم بإيمانه، فآمنوا، حكاه المهدوي في «التكملة». فيكون المعنى: يستمعون القول من أبي بكر، فيتبعون أحسنه، وهو قول: «لا إله إلا الله».
وفي «كشف الأسرار»: مثال هذا (٣) الأحسن في الدين أن ولي القتيل، إذا طالب بالدم فهو حسن، وإذا عفا ورضي بالدية فهو أحسن، ومن جزى السيئة بالسيئة مثلها فهو حسن، وإن عفا وغفر فهو أحسن، وإن وزن أو كال فهو حسن، وإن أرجح فهو أحسن، وإن اتزن وعدل فهو حسن، وإن طفف على نفسه فهو أحسن، وإن رد السلام فقال: وعليكم السلام فهو حسن، وإن قال عليكم السلام ورحمة الله فهو أحسن، وإن حج راكبًا فهو حسن، وإن فعله راجلًا فهو أحسن، وإن غسل أعضاءه في الوضوء مرة مرة فهو حسن، وإن غسلها ثلاثًا ثلاثًا فهو أحسن، وإن جزى من ظلمه بمثل مظلمته فهو حسن، وإن جازاه بحسنة فهو
قال السدي (٢): يتبعون أحسن ما يؤمرون به، فيعملون بما فيه، وقيل: هو الرجل يسمع الحسن والقبيح، فيتحدث بالحسن، وينكف عن القبح فلا يتحدث، وقيل: يستمعون القرآن وغيره، فيتبعون القرآن، وقيل: يستمعون الرخص والعزائم فيتبعون العزائم ويتركون الرخص، وقيل: يأخذون بالعفو، ويتركون العقوبة، وقيل: إن الآية نزلت في عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، حين جاؤوا إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فسألوه فأخبرهم بإيمانه، فآمنوا، حكاه المهدوي في «التكملة». فيكون المعنى: يستمعون القول من أبي بكر، فيتبعون أحسنه، وهو قول: «لا إله إلا الله».
وفي «كشف الأسرار»: مثال هذا (٣) الأحسن في الدين أن ولي القتيل، إذا طالب بالدم فهو حسن، وإذا عفا ورضي بالدية فهو أحسن، ومن جزى السيئة بالسيئة مثلها فهو حسن، وإن عفا وغفر فهو أحسن، وإن وزن أو كال فهو حسن، وإن أرجح فهو أحسن، وإن اتزن وعدل فهو حسن، وإن طفف على نفسه فهو أحسن، وإن رد السلام فقال: وعليكم السلام فهو حسن، وإن قال عليكم السلام ورحمة الله فهو أحسن، وإن حج راكبًا فهو حسن، وإن فعله راجلًا فهو أحسن، وإن غسل أعضاءه في الوضوء مرة مرة فهو حسن، وإن غسلها ثلاثًا ثلاثًا فهو أحسن، وإن جزى من ظلمه بمثل مظلمته فهو حسن، وإن جازاه بحسنة فهو
(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.
524
أحسن، وإن سجد أو ركع ساكتًا فهو جائز، وإن فعلهما مسبحًا فهو أحسن. ونظير هذه الآية قوله تعالى لموسى عليه السلام: ﴿فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها﴾، وقوله: ﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾، انتهى ما في «الكشف».
وهذا (١) معنى ما قال بعضهم: يستمعون قول الله فيتبعون أحسنه، ويعملون بأفضله، وهو ما في القرآن من عفو، وصفح، واحتمال على أذى، ونحو ذلك، فالقرآن كله حسن، وإنما الأحسن بالنسبة إلى الآخذ والعامل، قال السيوطي رحمه الله في «الإتقان» (٢): اختلف الناس، هل في القرآن شيء أفضل من شيء؟. فذهب الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله، وبعض الأئمة الأعلام إلى المنع؛ لأن الجميع كلام الله تعالى، ولئلا يوهم التفضيل نقص المفضل عليه، وذهب آخرون من المحققين، وهو الحق: كلام الله في الله أفضل من كلامه في غيره، فـ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ أفضل من ﴿تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ﴾؛ لأن فيه فضيلة الذكر، وهو كلام الله، وفضيلة المذكور، وهو اسم ذاته وتوحيده وصفاته الإيجابية والسلبية، وسورة ﴿تَبَّتْ﴾ فيها فضيلة الذكر فقط، وهو كلام الله تعالى، والأخبار الواردة في فضائل القرآن، وتخصيص بعض السور والآيات بالفضل، وكثرة الثواب في تلاوتها لا تُحصى.
قال الإمام الغزالي في «جوهر القرآن» (٣): كيف يكون بعض الآيات والسور أشرف من بعض، مع أن الكل كلام الله؟ فاعلم نوّرك الله بنور البصيرة، وقلّد صاحب الرسالة عليه السلام. فهو الذي أنزل عليه القرآن، وقال: ﴿يس (١)﴾ قلب القرآن، وفاتحة الكتاب أفضل سور القرآن، وآية الكرسي سيدة القرآن ﴿وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)﴾ تعدل ثلث القرآن». ومن توقف في تعديل الآيات، أول قوله - ﷺ -، أفضل سورة وأعظم سورة، أراد في الأجر والثواب. لا أن بعض القرآن أفضل من بعض، فالكل في فضل الكلام واحد، والتفاوت في الأجر لا في كلام
وهذا (١) معنى ما قال بعضهم: يستمعون قول الله فيتبعون أحسنه، ويعملون بأفضله، وهو ما في القرآن من عفو، وصفح، واحتمال على أذى، ونحو ذلك، فالقرآن كله حسن، وإنما الأحسن بالنسبة إلى الآخذ والعامل، قال السيوطي رحمه الله في «الإتقان» (٢): اختلف الناس، هل في القرآن شيء أفضل من شيء؟. فذهب الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله، وبعض الأئمة الأعلام إلى المنع؛ لأن الجميع كلام الله تعالى، ولئلا يوهم التفضيل نقص المفضل عليه، وذهب آخرون من المحققين، وهو الحق: كلام الله في الله أفضل من كلامه في غيره، فـ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ أفضل من ﴿تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ﴾؛ لأن فيه فضيلة الذكر، وهو كلام الله، وفضيلة المذكور، وهو اسم ذاته وتوحيده وصفاته الإيجابية والسلبية، وسورة ﴿تَبَّتْ﴾ فيها فضيلة الذكر فقط، وهو كلام الله تعالى، والأخبار الواردة في فضائل القرآن، وتخصيص بعض السور والآيات بالفضل، وكثرة الثواب في تلاوتها لا تُحصى.
قال الإمام الغزالي في «جوهر القرآن» (٣): كيف يكون بعض الآيات والسور أشرف من بعض، مع أن الكل كلام الله؟ فاعلم نوّرك الله بنور البصيرة، وقلّد صاحب الرسالة عليه السلام. فهو الذي أنزل عليه القرآن، وقال: ﴿يس (١)﴾ قلب القرآن، وفاتحة الكتاب أفضل سور القرآن، وآية الكرسي سيدة القرآن ﴿وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)﴾ تعدل ثلث القرآن». ومن توقف في تعديل الآيات، أول قوله - ﷺ -، أفضل سورة وأعظم سورة، أراد في الأجر والثواب. لا أن بعض القرآن أفضل من بعض، فالكل في فضل الكلام واحد، والتفاوت في الأجر لا في كلام
(١) روح البيان.
(٢) الاتقان في علوم القرآن.
(٣) جواهر القرآن.
(٢) الاتقان في علوم القرآن.
(٣) جواهر القرآن.
525
الله، من حيث هو كلام الله القديم، القائم بذاته.
واعلم (١): أن استماع القول عند العارفين، يجري في كل الأشياء. فالحق تعالى، يتكلم بكل لسان من العرش إلى الثرى، ولا يتحقق بحقيقة سماعه، إلا أهل الحقيقة، وعلامة سماعهم انقيادهم إلى كل عمل مقرب إلى الله من جهة التكليف، المتوجه على الأذن، من أمر أو نهي، كسماعه للعلم والذكر والثناء على الحق تعالى، والموعظة الحسنة، والقول الحسن، والتصامم عن سماع الغيبة والبهتان، والسوء من القول، والخوض في آيات الله، والرفث، والجدل، وسماع القيان، وكل محرم وملاه حجر الشارع عليه سماعه، فإذا كان كذلك كان مفتوح الأذن إلى الله تعالى.
﴿أُولئِكَ﴾ المنعوتون بالمحاسن الجميلة، وهو مبتدأ، خبره قوله: ﴿الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ﴾ سبحانه للدين الحق، والاتصاف بمحاسنه؛ أي: هؤلاء الموصوفون بما ذكرهم، الذين وفقهم الله تعالى للرشاد وإصابة الصواب، لا الذين يعرضون عن سماع الحق، ويعبدون ما لا يضر ولا ينفع. ﴿وَأُولئِكَ﴾ المذكورون ﴿هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ﴾؛ أي: أصحاب العقول السليمة، والفطر المستقيمة التي لا تطيع الهوى، ولا يغلبها الوهم، المستحقون للهداية لا غيرهم، فتختار خير الأمرين في دينها ودنياها.
وفي الكلام (٢): دلالة على أن الهداية تحصل بفضل الله تعالى، وقبول النفس لها، يعني: أن لكسب العبد مدخلًا فيها بحسب جري العادة، وفيه إشارة إلى أن أولئك القوم، هم الذين عبروا عن قشور الأشياء، ووصلوا إلى لباب حقائقها.
١٩ - ثم بيّن أضداد المذكورين أولًا، وسجل عليهم الحرمان من الهداية، فقال: ﴿أَفَمَنْ حَقَّ﴾ ووجب ﴿عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ﴾ وقضاؤه ﴿أَفَأَنْتَ﴾ يا محمد ﴿تُنْقِذُ﴾ وتخرج ﴿مَنْ فِي النَّارِ﴾ وهذا بيان لأحوال عبدة الطاغوت بعد بيان أحوال
واعلم (١): أن استماع القول عند العارفين، يجري في كل الأشياء. فالحق تعالى، يتكلم بكل لسان من العرش إلى الثرى، ولا يتحقق بحقيقة سماعه، إلا أهل الحقيقة، وعلامة سماعهم انقيادهم إلى كل عمل مقرب إلى الله من جهة التكليف، المتوجه على الأذن، من أمر أو نهي، كسماعه للعلم والذكر والثناء على الحق تعالى، والموعظة الحسنة، والقول الحسن، والتصامم عن سماع الغيبة والبهتان، والسوء من القول، والخوض في آيات الله، والرفث، والجدل، وسماع القيان، وكل محرم وملاه حجر الشارع عليه سماعه، فإذا كان كذلك كان مفتوح الأذن إلى الله تعالى.
﴿أُولئِكَ﴾ المنعوتون بالمحاسن الجميلة، وهو مبتدأ، خبره قوله: ﴿الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ﴾ سبحانه للدين الحق، والاتصاف بمحاسنه؛ أي: هؤلاء الموصوفون بما ذكرهم، الذين وفقهم الله تعالى للرشاد وإصابة الصواب، لا الذين يعرضون عن سماع الحق، ويعبدون ما لا يضر ولا ينفع. ﴿وَأُولئِكَ﴾ المذكورون ﴿هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ﴾؛ أي: أصحاب العقول السليمة، والفطر المستقيمة التي لا تطيع الهوى، ولا يغلبها الوهم، المستحقون للهداية لا غيرهم، فتختار خير الأمرين في دينها ودنياها.
وفي الكلام (٢): دلالة على أن الهداية تحصل بفضل الله تعالى، وقبول النفس لها، يعني: أن لكسب العبد مدخلًا فيها بحسب جري العادة، وفيه إشارة إلى أن أولئك القوم، هم الذين عبروا عن قشور الأشياء، ووصلوا إلى لباب حقائقها.
١٩ - ثم بيّن أضداد المذكورين أولًا، وسجل عليهم الحرمان من الهداية، فقال: ﴿أَفَمَنْ حَقَّ﴾ ووجب ﴿عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ﴾ وقضاؤه ﴿أَفَأَنْتَ﴾ يا محمد ﴿تُنْقِذُ﴾ وتخرج ﴿مَنْ فِي النَّارِ﴾ وهذا بيان لأحوال عبدة الطاغوت بعد بيان أحوال
(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
526
المجتنبين عنها، والهمزة للاستفهام الإنكاري (١) داخلة على محذوف دل عليه السياق، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، و ﴿مَنْ﴾ شرطية و ﴿حَقَّ﴾ بمعنى: وجب، وثبت، وكلمة العذاب قوله تعالى لإبليس: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٥)﴾، وكررت الهمزة في الجزاء لتأكيد الإنكار، والفاء فيه فاء الجزاء، ثم وضع موضع الضمير ﴿مَنْ فِي النَّارِ﴾ لمزيد تشديد الإنكار والاستبعاد، والتنبيه على أن المحكوم عليه بالعذاب، بمنزلة الواقع في النار، وأن اجتهاده - ﷺ - في دعائهم إلى الإيمان سعي في إنقاذهم من النار؛ أي: تخليصهم، فإن الإنقاذ: التخليص من الورطة، كما في «المفردات».
والمعنى: أأنت يا محمد مالك أمر الناس، فمن حق وثبت عليه من الكفار عدلًا في علم الله تعالى، كلمة العذاب، فأنت تنقذه من النار بهدايتك ودعوتك؛ أي: لا تقدر أن تهديه، وتنقذه من النار، فالآية جملة واحدة من شرط وجزاء، وفيه (٢) إشارة إلى، أن من حق عليه في القسمة الأولى، أن يكون مظهرًا لصفات قهره إلى الأبد لا تنفعه شفاعة الشافعين، ولا يخرجه من جهنم وسخط الله وطرده وبعده جميع الأنبياء والمرسلين، وإنما الشفاعة للمؤمنين بدليل قوله تعالى: ﴿وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها﴾.
ومعنى الآية (٣): التسلية لرسول الله - ﷺ -؛ لأنه كان حريصًا على إيمان قومه، فأعلمه الله تعالى، أن من سبق عليه القضاء وحقت عليه كلمة الله، لا يقدر رسول الله - ﷺ - أن ينقذه من النار، بأن يجعله مؤمنًا، قال عطاء: يريد: أبا لهب، وولده، ومن تخلف من عشيرة النبي - ﷺ - عن الإيمان، وفي الآية تنزيل لمن يستحق العذاب منزلة من قد صار فيه، وتنزيل دعائه إلى الإيمان، منزلة الإخراج له من عذاب النار.
والمعنى (٤): أي أأنت مالك شؤون الناس ومصرف أمورهم، فمن حقت
والمعنى: أأنت يا محمد مالك أمر الناس، فمن حق وثبت عليه من الكفار عدلًا في علم الله تعالى، كلمة العذاب، فأنت تنقذه من النار بهدايتك ودعوتك؛ أي: لا تقدر أن تهديه، وتنقذه من النار، فالآية جملة واحدة من شرط وجزاء، وفيه (٢) إشارة إلى، أن من حق عليه في القسمة الأولى، أن يكون مظهرًا لصفات قهره إلى الأبد لا تنفعه شفاعة الشافعين، ولا يخرجه من جهنم وسخط الله وطرده وبعده جميع الأنبياء والمرسلين، وإنما الشفاعة للمؤمنين بدليل قوله تعالى: ﴿وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها﴾.
ومعنى الآية (٣): التسلية لرسول الله - ﷺ -؛ لأنه كان حريصًا على إيمان قومه، فأعلمه الله تعالى، أن من سبق عليه القضاء وحقت عليه كلمة الله، لا يقدر رسول الله - ﷺ - أن ينقذه من النار، بأن يجعله مؤمنًا، قال عطاء: يريد: أبا لهب، وولده، ومن تخلف من عشيرة النبي - ﷺ - عن الإيمان، وفي الآية تنزيل لمن يستحق العذاب منزلة من قد صار فيه، وتنزيل دعائه إلى الإيمان، منزلة الإخراج له من عذاب النار.
والمعنى (٤): أي أأنت مالك شؤون الناس ومصرف أمورهم، فمن حقت
(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.
(٤) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.
(٤) المراغي.
527
عليه كلمة العذاب لعدم أهليته للكمال، وتدسيته نفسه بولوغها في الآثام والمعاصي، فأنت تنقذه من النار، كلا ليس أمرهم إليك بل أمرهم إلى ربهم، يجازيهم بحكمته وعدله.
٢٠ - ولما ذكر سبحانه فيما سبق، أن لأهل الشقاوة ظللًا من النار من فوقهم، ومن تحتهم ظللًا، استدرك عنهم من كان من أهل السعادة، فقال: ﴿لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ﴾ اليوم باجتنابهم عن الشرك والمعاصي، والزلات، والشهوات، وعبادة الهوى، والركون إلى غير المولى سبحانه، فقد أنقذهم الله تعالى في القسمة الأولى، من أن يحق عليهم كلمة العذاب، وحق لهم أن يكونوا مظهر صفات لطفه، وفضله إلى الأبد، بأن يكون ﴿لَهُمْ غُرَفٌ﴾؛ أي: عُلالي متفاوتة بحسب مقاماتهم في التفوى، جمع غرفة، وهي علّيّة من البناء، وسمي منازل الجنة غرفًا، كما في «المفردات»، لعلوها وارتفاعها ﴿مِنْ فَوْقِها﴾؛ أي: من فوق تلك الغرف ﴿غُرَفٌ﴾؛ أي: علالي أخر؛ أي: لهم علالي ومنازل بعضها فوق بعض، بيّن (١) أن لهم درجات عالية في جنات النعيم، بمقابلة ما للكفرة من دركات سافلة في الجحيم ﴿مَبْنِيَّةٌ﴾ تلك الغرف، الموصوفة بناء المنازل على الأرض الرصانة والإحكام، وإن كانت منازل الدنيا ليست بشيء بالنسبة إليها. وفي «بحر العلوم»: ﴿مَبْنِيَّةٌ﴾ بنيت من زبرجد وياقوت ودر، وغير ذلك من الجواهر، وفيه إشارة بأنها مبنية بأيدي أعمال العاملين، وأحوال السالكين ﴿تَجْرِي﴾ وتسيل ﴿مِنْ تَحْتِهَا﴾؛ أي: من تحت تلك الغرف المنخفضة والمرتفعة ﴿الْأَنْهارُ﴾ الأربعة من غير تفاوت بين العلو والسفل، وفي ذلك كمال لبهجتها، وزيادة لرونقها، وانتصاب ﴿وَعْدَ اللَّهِ﴾ على المصدرية المؤكدة لمضمون الجملة قبلها؛ لأن قوله: ﴿لَهُمْ غُرَفٌ﴾ في معنى الوعد؛ أي: وعدهم الله سبحانه تلك الغرف والمنازل وعدًا، وجملة قوله: ﴿لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ﴾ مقررة للوعد؛ أي: لا يخلف الله ما وعد الفريقين من الخير والشر، والخلف: نقض العهد، وهو على الله محال، والميعاد بمعنى الوعد.
٢٠ - ولما ذكر سبحانه فيما سبق، أن لأهل الشقاوة ظللًا من النار من فوقهم، ومن تحتهم ظللًا، استدرك عنهم من كان من أهل السعادة، فقال: ﴿لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ﴾ اليوم باجتنابهم عن الشرك والمعاصي، والزلات، والشهوات، وعبادة الهوى، والركون إلى غير المولى سبحانه، فقد أنقذهم الله تعالى في القسمة الأولى، من أن يحق عليهم كلمة العذاب، وحق لهم أن يكونوا مظهر صفات لطفه، وفضله إلى الأبد، بأن يكون ﴿لَهُمْ غُرَفٌ﴾؛ أي: عُلالي متفاوتة بحسب مقاماتهم في التفوى، جمع غرفة، وهي علّيّة من البناء، وسمي منازل الجنة غرفًا، كما في «المفردات»، لعلوها وارتفاعها ﴿مِنْ فَوْقِها﴾؛ أي: من فوق تلك الغرف ﴿غُرَفٌ﴾؛ أي: علالي أخر؛ أي: لهم علالي ومنازل بعضها فوق بعض، بيّن (١) أن لهم درجات عالية في جنات النعيم، بمقابلة ما للكفرة من دركات سافلة في الجحيم ﴿مَبْنِيَّةٌ﴾ تلك الغرف، الموصوفة بناء المنازل على الأرض الرصانة والإحكام، وإن كانت منازل الدنيا ليست بشيء بالنسبة إليها. وفي «بحر العلوم»: ﴿مَبْنِيَّةٌ﴾ بنيت من زبرجد وياقوت ودر، وغير ذلك من الجواهر، وفيه إشارة بأنها مبنية بأيدي أعمال العاملين، وأحوال السالكين ﴿تَجْرِي﴾ وتسيل ﴿مِنْ تَحْتِهَا﴾؛ أي: من تحت تلك الغرف المنخفضة والمرتفعة ﴿الْأَنْهارُ﴾ الأربعة من غير تفاوت بين العلو والسفل، وفي ذلك كمال لبهجتها، وزيادة لرونقها، وانتصاب ﴿وَعْدَ اللَّهِ﴾ على المصدرية المؤكدة لمضمون الجملة قبلها؛ لأن قوله: ﴿لَهُمْ غُرَفٌ﴾ في معنى الوعد؛ أي: وعدهم الله سبحانه تلك الغرف والمنازل وعدًا، وجملة قوله: ﴿لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ﴾ مقررة للوعد؛ أي: لا يخلف الله ما وعد الفريقين من الخير والشر، والخلف: نقض العهد، وهو على الله محال، والميعاد بمعنى الوعد.
(١) روح البيان.
والمعنى (١): أي لكن الذين اتقوا ربهم بأداء فرائضه، واجتناب محارمه لهم في الجنة غرف؛ أي: طباق فوق طباق، مبنيات محكمات تجري من تحتها الأنهار الأربعة، الجارية في الجنة الماء، واللبن، والخمر، والعسل المصفى، ثم أكد حصول ذلك لهم بقوله: ﴿وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ﴾؛ أي: وعد الله هؤلاء المتقين بذلك، ووعده الحق، فهو لا يخلف ما وعدهم، بل يفي بوعده.
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - ﷺ - قال: «إن أهل الجنة يتراؤون أهل الغرف من فوقهم، كما يتراؤون الكوكب الدرّي، الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم»، فقالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء، لا يبلغها غيرهم؟ قال: «بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين» متفق عليه. قوله: «الغابر»؛ أي: الباقي في ناحية المشرق أو المغرب.
وفي الآية دقيقة شريفة (٢): وهي أنه تعالى، لم يذكر في آيات الوعيد البتة، مثل هذا التأكيد، وذلك يدل على أن جانب الوعد أرجح من جانب الوعيد، أما قوله تعالى: ﴿ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ﴾ ليس تصريحا بجانب الوعيد، بل هو كلام عام، يتناول الوعد والوعيد، فثبت أن ترجيح الوعد حق، خلافًا للمعتزلة.
٢١ - ولما ذكر سبحانه الآخرة، ووصفها بوصف يوجب الرغبة فيها والشوق إليها.. أتبعه بذكر الدنيا، ووصفها بوصف يوجب الرغبة عنها، والنفرة منها، فذكر تمثيلًا لها في سرعة زوالها، وقرب اضمحلالها، مع ما في ذلك من ذكر نوع من أنواع قدرته الباهرة، وصنعه البديع، فقال: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾؛ أي: ألم تعلم يا محمد، أو أيها المخاطب، أو ألم تر أيها الناظر، والاستفهام فيه تقريريّ، والرؤية إما بصرية أو قلبية، والخطاب إما للنبي - ﷺ - أو عام، وهو أولى؛ أي: ألم تعلم أيها المخاطب ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ﴾؛ أي: من
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - ﷺ - قال: «إن أهل الجنة يتراؤون أهل الغرف من فوقهم، كما يتراؤون الكوكب الدرّي، الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم»، فقالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء، لا يبلغها غيرهم؟ قال: «بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين» متفق عليه. قوله: «الغابر»؛ أي: الباقي في ناحية المشرق أو المغرب.
وفي الآية دقيقة شريفة (٢): وهي أنه تعالى، لم يذكر في آيات الوعيد البتة، مثل هذا التأكيد، وذلك يدل على أن جانب الوعد أرجح من جانب الوعيد، أما قوله تعالى: ﴿ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ﴾ ليس تصريحا بجانب الوعيد، بل هو كلام عام، يتناول الوعد والوعيد، فثبت أن ترجيح الوعد حق، خلافًا للمعتزلة.
٢١ - ولما ذكر سبحانه الآخرة، ووصفها بوصف يوجب الرغبة فيها والشوق إليها.. أتبعه بذكر الدنيا، ووصفها بوصف يوجب الرغبة عنها، والنفرة منها، فذكر تمثيلًا لها في سرعة زوالها، وقرب اضمحلالها، مع ما في ذلك من ذكر نوع من أنواع قدرته الباهرة، وصنعه البديع، فقال: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾؛ أي: ألم تعلم يا محمد، أو أيها المخاطب، أو ألم تر أيها الناظر، والاستفهام فيه تقريريّ، والرؤية إما بصرية أو قلبية، والخطاب إما للنبي - ﷺ - أو عام، وهو أولى؛ أي: ألم تعلم أيها المخاطب ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ﴾؛ أي: من
(١) المراغي.
(٢) المراح.
(٢) المراح.
529
السحاب ﴿ماءً﴾؛ أي: مطرًا ﴿فَسَلَكَهُ﴾؛ أي: فسلك ذلك الماء، وأدخله في الأرض؛ أي: أدخل ذلك الماء النازل من السماء في الأرض، وأسكنه فيها، وجعله ﴿يَنابِيعَ﴾؛ أي: عيونًا، وركايًا، ومجاري كائنات ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ كالعروق في الأجساد. قال الشعبي: كل ماء في الأرض فمن السماء نزل. والمعنى (١): أدخل الماء النازل من السماء في الأرض، وجعله فيها عيونًا جارية، أو جعله في ينابيع؛ أي: في أمكنة ينبع منها الماء، فهو على الوجه الثاني منصوب بنزع الخافض، قال مقاتل: فجعله عيونًا، وركايًا في الأرض. ونصب ﴿يَنابِيعَ﴾ إما على الظرفية، أو على الحال، أو على أنه مفعول ثان، لجعل المقدر.
﴿ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ﴾؛ أي: يخرج بذلك الماء من الأرض، وكلمة (٢) ﴿ثُمَّ﴾ للتراخي في الرتبة، أو الزمان ﴿زَرْعًا﴾؛ أي: نباتًا ﴿مُخْتَلِفًا﴾؛ أي: متنوعًا ﴿أَلْوانُهُ﴾؛ أي: صفاته، وكيفياته من الطعوم والروائح، من أصفر وأخضر وأبيض وأحمر وأغبر وأسود، من المر والحالي والطيّب، وغيره، قال في «المفردات»: اللون معروف، وينطوي على الأبيض، والأسود، وغيرهما، وقد يعبر بالألوان عن الأجناس والأنواع؛ أي: مختلفًا أجناسه من بر، وشعير، وأرز، وذرة، أو أنواعه كأنواع الحنطة، والشعير، والذرة. ﴿ثُمَّ يَهِيجُ﴾ ذلك الزرع النابت بالماء، وييبس، يقال: هاج النبت إذا تم جفافه؛ لأنه إذا تم جفافه حان له أن يثور من منبته. ﴿فَتَراهُ﴾؛ أي: فتبصر أيها المخاطب ذلك النبت من يبسه ﴿مُصْفَرًّا﴾ بعد خضرته، ونضرته؛ أي: تراه ذا صفرة، والصفرة: لون بين البياض والسواد، كما سيأتي في مبحث اللغة، ﴿ثُمَّ يَجْعَلُهُ﴾؛ أي: يجعل الله سبحانه ذلك النبت اليابس ﴿حُطامًا﴾؛ أي: فتاتًا متكسرًا، كأن لم يغن بالأمس، يقال: تحطم العود إذا تفتت من اليبس، ولكون هذه الحالة من الآثار القوية، علّقت بجعل الله تعالى كالإخراج، وعبّر هنا بلفظ ﴿يَجْعَلُهُ﴾، وفي الحديد بلفظ (يكون) موافقةً في كل منهما لما قبله، اهـ من «فتح الرحمن».
﴿ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ﴾؛ أي: يخرج بذلك الماء من الأرض، وكلمة (٢) ﴿ثُمَّ﴾ للتراخي في الرتبة، أو الزمان ﴿زَرْعًا﴾؛ أي: نباتًا ﴿مُخْتَلِفًا﴾؛ أي: متنوعًا ﴿أَلْوانُهُ﴾؛ أي: صفاته، وكيفياته من الطعوم والروائح، من أصفر وأخضر وأبيض وأحمر وأغبر وأسود، من المر والحالي والطيّب، وغيره، قال في «المفردات»: اللون معروف، وينطوي على الأبيض، والأسود، وغيرهما، وقد يعبر بالألوان عن الأجناس والأنواع؛ أي: مختلفًا أجناسه من بر، وشعير، وأرز، وذرة، أو أنواعه كأنواع الحنطة، والشعير، والذرة. ﴿ثُمَّ يَهِيجُ﴾ ذلك الزرع النابت بالماء، وييبس، يقال: هاج النبت إذا تم جفافه؛ لأنه إذا تم جفافه حان له أن يثور من منبته. ﴿فَتَراهُ﴾؛ أي: فتبصر أيها المخاطب ذلك النبت من يبسه ﴿مُصْفَرًّا﴾ بعد خضرته، ونضرته؛ أي: تراه ذا صفرة، والصفرة: لون بين البياض والسواد، كما سيأتي في مبحث اللغة، ﴿ثُمَّ يَجْعَلُهُ﴾؛ أي: يجعل الله سبحانه ذلك النبت اليابس ﴿حُطامًا﴾؛ أي: فتاتًا متكسرًا، كأن لم يغن بالأمس، يقال: تحطم العود إذا تفتت من اليبس، ولكون هذه الحالة من الآثار القوية، علّقت بجعل الله تعالى كالإخراج، وعبّر هنا بلفظ ﴿يَجْعَلُهُ﴾، وفي الحديد بلفظ (يكون) موافقةً في كل منهما لما قبله، اهـ من «فتح الرحمن».
(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
530
وقرأ الجمهور (١): ﴿ثُمَّ يَجْعَلُهُ﴾ بالرفع عطفًا على ما قبله، وقرأ أبو بشر: بالنصب بإضمار ﴿أن﴾، ولا وجه لذلك.
﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ المذكور مفصلًا ﴿لَذِكْرى﴾؛ أي: لتذكيرًا عظيمًا ﴿لِأُولِي الْأَلْبابِ﴾؛ أي: لأصحاب العقول الخالصة من شوائب الخلل، وتنبيهًا لهم على حقيقة الحال، يتذكرون بذلك، أن حال الحياة الدنيا في سرعة التقضي والإنصرام، كما يشاهدونه من حال الحطام كل عام، فلا يغترون ببهجتها، ولا يفتنون بفتنها.
قال في «كشف الأسرار»: الإشارة في هذه إلى أن الإنسان يكون طفلًا، ثم شابًا ثم كهلًا، ثم شيخًا ثم يصير إلى أرذل العمر، ثم آخره يحترم، ويقال: إن الزرع ما لم يؤخذ منه الحب الذي هو المقصود منه، لا يكون له قيمة، كذلك الإنسان ما لم يخل من نفسه، لا يكون له قدر ولا قيمة، انتهى.
فالمعنى (٢): إنك أيها الرسول لتشاهد الماء، وقد نزل من السماء، فجرى عيونًا في الأرض، فسُقيت به أنواع مختلفة، من النبات من بر إلى شعير إلى أرز إلى نحو ذلك، ثم نضجت وجفت وصارت مصفرة بعد خضرة ونضرة، ثم صارت فتاتًا متكسرةً، فما أشبه حال الدنيا بحالها، فهي سريعة التقضي، وشيكة الزوال، فليعتبر بذلك أولو الحجا، وليعلموا أن الدنيا كسوق قام ثم انفض، ولا يغتروا ببهجتها، ولا يفتنوا بزخرفها، ونحو الآية قوله تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (٤٥)﴾.
٢٢ - ثم لما ذكر سبحانه، أن في ذلك لذكرى لأولي الألباب، ذكر شرح الصدر للإسلام؛ لأن الانتفاع الكامل لا يحصل إلا به، فقال: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ﴾ والهمزة (٣) فيه للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف دل عليه
﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ المذكور مفصلًا ﴿لَذِكْرى﴾؛ أي: لتذكيرًا عظيمًا ﴿لِأُولِي الْأَلْبابِ﴾؛ أي: لأصحاب العقول الخالصة من شوائب الخلل، وتنبيهًا لهم على حقيقة الحال، يتذكرون بذلك، أن حال الحياة الدنيا في سرعة التقضي والإنصرام، كما يشاهدونه من حال الحطام كل عام، فلا يغترون ببهجتها، ولا يفتنون بفتنها.
قال في «كشف الأسرار»: الإشارة في هذه إلى أن الإنسان يكون طفلًا، ثم شابًا ثم كهلًا، ثم شيخًا ثم يصير إلى أرذل العمر، ثم آخره يحترم، ويقال: إن الزرع ما لم يؤخذ منه الحب الذي هو المقصود منه، لا يكون له قيمة، كذلك الإنسان ما لم يخل من نفسه، لا يكون له قدر ولا قيمة، انتهى.
فالمعنى (٢): إنك أيها الرسول لتشاهد الماء، وقد نزل من السماء، فجرى عيونًا في الأرض، فسُقيت به أنواع مختلفة، من النبات من بر إلى شعير إلى أرز إلى نحو ذلك، ثم نضجت وجفت وصارت مصفرة بعد خضرة ونضرة، ثم صارت فتاتًا متكسرةً، فما أشبه حال الدنيا بحالها، فهي سريعة التقضي، وشيكة الزوال، فليعتبر بذلك أولو الحجا، وليعلموا أن الدنيا كسوق قام ثم انفض، ولا يغتروا ببهجتها، ولا يفتنوا بزخرفها، ونحو الآية قوله تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (٤٥)﴾.
٢٢ - ثم لما ذكر سبحانه، أن في ذلك لذكرى لأولي الألباب، ذكر شرح الصدر للإسلام؛ لأن الانتفاع الكامل لا يحصل إلا به، فقال: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ﴾ والهمزة (٣) فيه للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف دل عليه
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
531
السياق، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، و ﴿مِنْ﴾ شرطية، جوابها قوله: ﴿فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ أو موصولة خبرها محذوف، دل عليه قوله: ﴿فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ﴾. والتقدير: أكل الناس سواء، فمن وسّع الله صدره للإسلام فقبله، واهتدى بهديه ﴿فَهُوَ﴾ بسبب ذلك الشرح ﴿عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ يفيض عليه كمن قسا قلبه لسوء اختياره، فصار في ظلمات الضلالة، وبليات الجهالة، والمراد بشرح الصدر: خلقه متسع الصدر مستعدًا للإسلام، فبقي على الفطرة الأصلية، ولم يتغير بالعوارض المكتسبة القادمة فيها، فهو بسبب ذلك، مستقر على نور عظيم من ربه، والمراد بالنور: اللطف الإلهي الفائض عليه عند مشاهدة الآيات التكوينية والتنزيلية، والتوفيق للاهتداء بها إلى الحق؛ أي: كمن قسا قلبه، وحرّج صدره، بسبب تبديل فطرة الله بسوء اختياره، واستولت عليه ظلمات الغي، والضلالة، فأعرض عن تلك الآيات بالكلية، حتى لا يتذكر بها، ولا يغتنمها كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾. يعني ليس من هو على نور، كمن هو على ظلمة، فلا يستويان كما لا يستوي النور والظلمة، والعلم والجهل.
واعلم (١): أنه لا نور ولا سعادة لمسلم، إلا بالعلم والمعرفة، ولكل واحد من المؤمنين معرفة تختص به، وإنما تتفاوت درجاتهم بحسب تفاوت معارفهم، والإيمان والمعارف أنوار، فمنهم من يضيء نوره جميع الجهات، ومنهم من لا يضيء نوره إلا موضع قدميه، فإيمان آحاد العوام نوره كنور الشمع، وبعضهم نوره كنور السراج، وإيمان الصديقين نوره كنور القمر، والنجوم على تفاوتها، وأما الأنبياء فنور إيمانهم كنور الشمس وأزيد، فكما ينكشف في نورها كل الآفاق مع اتساعها، ولا ينكشف في نور الشمع إلا زاوية ضيقة من البيت، كذلك يتفاوت انشراح الصدور بالمعارف، وانكشاف سعة الملكوت لقلوب المؤمنين، ولهذا جاء في الحديث: أنه يقال يوم القيامة: أخرجوا من النار من في قلبه مثقال ذرة من الإيمان، ونصف مثقال، وربع مثقال، ففيه تنبيه على تفاوت درجات الإيمان،
واعلم (١): أنه لا نور ولا سعادة لمسلم، إلا بالعلم والمعرفة، ولكل واحد من المؤمنين معرفة تختص به، وإنما تتفاوت درجاتهم بحسب تفاوت معارفهم، والإيمان والمعارف أنوار، فمنهم من يضيء نوره جميع الجهات، ومنهم من لا يضيء نوره إلا موضع قدميه، فإيمان آحاد العوام نوره كنور الشمع، وبعضهم نوره كنور السراج، وإيمان الصديقين نوره كنور القمر، والنجوم على تفاوتها، وأما الأنبياء فنور إيمانهم كنور الشمس وأزيد، فكما ينكشف في نورها كل الآفاق مع اتساعها، ولا ينكشف في نور الشمع إلا زاوية ضيقة من البيت، كذلك يتفاوت انشراح الصدور بالمعارف، وانكشاف سعة الملكوت لقلوب المؤمنين، ولهذا جاء في الحديث: أنه يقال يوم القيامة: أخرجوا من النار من في قلبه مثقال ذرة من الإيمان، ونصف مثقال، وربع مثقال، ففيه تنبيه على تفاوت درجات الإيمان،
(١) روح البيان.
532
وبقدره تظهر الأنوار يوم القيامة في المواقف، خصوصًا عند المرور على الصراط.
والمعنى (١): أي أفمن دخل نور الإسلام قلبه، وانشرح صدره له، لما رأى فيه من البدائع والعجائب، المهيئة للحكمة الممهدة لقبول الحق، والموصلة إلى الرشاد، كمن طبع على قلبه لغفلته وجهالته، وقد روي: أن علامة ذلك الانشراح الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل حلول الموت.
والخلاصة: هل يستوي من أنار الله بصيرته، ومن هو قاسي القلب بعيد عن الحق؟. ونحو الآية قوله: ﴿أَوَمَنْ كانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها﴾.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود، قال: تلا النبي - ﷺ - هذه الآية، فقلنا: يا نبي الله، كيف انشراح صدره؟ قال: «إذا دخل النور القلب، انشرح وانفسح»، قلنا: فما علامة ذلك يا رسول الله؟ قال: «الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والتأهب للموت قبل نزول الموت». وأخرج الترمذي عن ابن عمر، أن رجلا قال: يا رسول الله، أي المؤمنين أكيس؟ قال: «أكثرهم ذكرا للموت، وأحسنهم له استعدادا، وإذا دخل النور في القلب انفسح واستوسع»، فقالوا: ما آية ذلك يا نبي الله؟ قال: «الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزول الموت».
ثم ذكر ما يدل على المحذوف الذي قدّر في الجملة السابقة، فقال: ﴿فَوَيْلٌ﴾ شديد، وهلاك عظيم، وخسران مبين، كائن وثابت ﴿لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ﴾؛ أي: للذين قست، وغلظت قلوبهم ﴿مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ سبحانه؛ أي: من أجل ذكره الذي حقه أن تنشرح له الصدور، وتطمئن به القلوب؛ أي: إذا ذكر الله تعالى عندهم، وآياته اشمأزوا من أجله، وازدادت قلوبهم قساوة، كقوله تعالى:
والمعنى (١): أي أفمن دخل نور الإسلام قلبه، وانشرح صدره له، لما رأى فيه من البدائع والعجائب، المهيئة للحكمة الممهدة لقبول الحق، والموصلة إلى الرشاد، كمن طبع على قلبه لغفلته وجهالته، وقد روي: أن علامة ذلك الانشراح الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل حلول الموت.
والخلاصة: هل يستوي من أنار الله بصيرته، ومن هو قاسي القلب بعيد عن الحق؟. ونحو الآية قوله: ﴿أَوَمَنْ كانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها﴾.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود، قال: تلا النبي - ﷺ - هذه الآية، فقلنا: يا نبي الله، كيف انشراح صدره؟ قال: «إذا دخل النور القلب، انشرح وانفسح»، قلنا: فما علامة ذلك يا رسول الله؟ قال: «الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والتأهب للموت قبل نزول الموت». وأخرج الترمذي عن ابن عمر، أن رجلا قال: يا رسول الله، أي المؤمنين أكيس؟ قال: «أكثرهم ذكرا للموت، وأحسنهم له استعدادا، وإذا دخل النور في القلب انفسح واستوسع»، فقالوا: ما آية ذلك يا نبي الله؟ قال: «الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزول الموت».
ثم ذكر ما يدل على المحذوف الذي قدّر في الجملة السابقة، فقال: ﴿فَوَيْلٌ﴾ شديد، وهلاك عظيم، وخسران مبين، كائن وثابت ﴿لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ﴾؛ أي: للذين قست، وغلظت قلوبهم ﴿مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ سبحانه؛ أي: من أجل ذكره الذي حقه أن تنشرح له الصدور، وتطمئن به القلوب؛ أي: إذا ذكر الله تعالى عندهم، وآياته اشمأزوا من أجله، وازدادت قلوبهم قساوة، كقوله تعالى:
(١) المراغي.
533
﴿فَزادَتْهُمْ رِجْسًا﴾.
فإن قلت (١): كيف يقسو القلب عن ذكر الله، وهو سبب لحصول النور والهداية؟.
قلت: إنهم كلما تلي ذكر الله على الذين يكذبون به.. قست قلوبهم عن الإيمان به، قيل: إن النفس إذا كانت خبيثة الجوهر، كدرة العنصر بعيدة عن قبول الحق، فإن سماعها لذكر الله لا يزيدها إلا قسوة، وكدورة، كحر الشمس، يلين الشمع ويعقد الملح، فكذلك القرآن يلين المؤمنين عند سماعه، ولا يزيد الكافرين إلا قسوةً، قال مالك بن دينار: ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب، وما غضب الله تعالى على قوم إلا نزع منهم الرحمة، وقرىء ﴿عن ذكر الله﴾؛ أي: فويل للذين غلظت قلوبهم عن قبول ذكر الله، وقال الزجاج، والفراء: ﴿مِنْ﴾ في القراءة المشهورة بمعنى، عن أي: عن ذكر الله، يقال: أتخمت عن طعام: أكلته، ومن طعام أكلته، وهذا الأخير أوضح، وأولى، كما قاله الشوكاني، وقال الله سبحانه وتعالى، لموسى عليه السلام في مناجاته: يا موسى لا تطل في الدنيا أملك فيقسو قلبك، والقلب القاسي مني بعيد، وكن خلق الثياب، جديد القلب، تخف على أهل الأرض، وتعرف في أهل السماء، وفي الحديث: تورث القسوة في القلب ثلاث خصال حب الطعام، وحب النوم، وحب الراحة. وفي الحديث أيضًا: «أفضلكم عند الله أطولكم جوعًا وتفكرًا، وأبغضكم إلى الله كل أكول شروب نؤوم، كلوا واشربوا في أنصاف البطون، فإنه جزء من النبوة».
﴿أُولئِكَ﴾ البعداء الموصوفون، بما ذكر من قساوة القلب ﴿فِي ضَلالٍ﴾ بعيد عن الحق ﴿مُبِينٍ﴾ ظاهر كونه ضلالًا للناظر بأدنى نظر.
واعلم (٢): أنّ الآية عامة فيمن شرح صدره للإسلام، بخلق الإيمان فيه، وقيل: نزلت في حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وأبي لهب، وولده، فحمزة وعلي ممن شرح الله صدرهما للإسلام، وأبو لهب
فإن قلت (١): كيف يقسو القلب عن ذكر الله، وهو سبب لحصول النور والهداية؟.
قلت: إنهم كلما تلي ذكر الله على الذين يكذبون به.. قست قلوبهم عن الإيمان به، قيل: إن النفس إذا كانت خبيثة الجوهر، كدرة العنصر بعيدة عن قبول الحق، فإن سماعها لذكر الله لا يزيدها إلا قسوة، وكدورة، كحر الشمس، يلين الشمع ويعقد الملح، فكذلك القرآن يلين المؤمنين عند سماعه، ولا يزيد الكافرين إلا قسوةً، قال مالك بن دينار: ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب، وما غضب الله تعالى على قوم إلا نزع منهم الرحمة، وقرىء ﴿عن ذكر الله﴾؛ أي: فويل للذين غلظت قلوبهم عن قبول ذكر الله، وقال الزجاج، والفراء: ﴿مِنْ﴾ في القراءة المشهورة بمعنى، عن أي: عن ذكر الله، يقال: أتخمت عن طعام: أكلته، ومن طعام أكلته، وهذا الأخير أوضح، وأولى، كما قاله الشوكاني، وقال الله سبحانه وتعالى، لموسى عليه السلام في مناجاته: يا موسى لا تطل في الدنيا أملك فيقسو قلبك، والقلب القاسي مني بعيد، وكن خلق الثياب، جديد القلب، تخف على أهل الأرض، وتعرف في أهل السماء، وفي الحديث: تورث القسوة في القلب ثلاث خصال حب الطعام، وحب النوم، وحب الراحة. وفي الحديث أيضًا: «أفضلكم عند الله أطولكم جوعًا وتفكرًا، وأبغضكم إلى الله كل أكول شروب نؤوم، كلوا واشربوا في أنصاف البطون، فإنه جزء من النبوة».
﴿أُولئِكَ﴾ البعداء الموصوفون، بما ذكر من قساوة القلب ﴿فِي ضَلالٍ﴾ بعيد عن الحق ﴿مُبِينٍ﴾ ظاهر كونه ضلالًا للناظر بأدنى نظر.
واعلم (٢): أنّ الآية عامة فيمن شرح صدره للإسلام، بخلق الإيمان فيه، وقيل: نزلت في حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وأبي لهب، وولده، فحمزة وعلي ممن شرح الله صدرهما للإسلام، وأبو لهب
(١) الخازن.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
534
وولده من الذين قست قلوبهم، فالرحمة للمشروح صدره، والغضب للقاسي قلبه.
٢٣ - ثم ذكر سبحانه بعض أوصاف كتابه العزيز، فقال: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ﴾ هو القرآن الكريم الذي لا نهاية لحسنه، ولا غاية لجمال نظمه وملاحة معانيه، وهو أحسن مما نزل على جميع الأنبياء والمرسلين، وأكمله وأكثره أحكامًا، وأيضا أحسن الحديث لفصاحته وإعجازه، وأيضا لأنه كلام الله، وهو قديم، وكلام غيره مخلوق محدث، وأيضًا لكونه صدقًا كله إلى غير ذلك، سمي حديثًا لأن النبي - ﷺ - كان يحدث به قومه، ويخبرهم بما ينزل عليه منه، فلا يدل على حدوث القرآن، فإن الحديث في عرف العامة: الخبر، والكلام. والمعنى: إن فيه مندوحةً عن سائر الأحاديث، وعبر بنزل دون أنزل إشعارًا بأنه متكرر النزول بحسب الوقائع.
﴿كِتابًا﴾ بدل من ﴿أَحْسَنَ الْحَدِيثِ﴾، ويحتمل أن يكون حالًا منه ﴿مُتَشابِهًا﴾ معانيه في الصحة، والحسن، والإحكام، والابتناء على الحق والصدق، واستتباع منافع الخلق في المعاد والمعاش، وتناسب ألفاظه في الفصاحة، وتجاوب نظمه في الإعجاز، وبلوغه إلى أعلى درجات البلاغة، وقال قتادة: يشبه بعضه بعضًا في الآي، والحروف، وقيل: يشبه كتب الله المنزلة على أنبيائه. ﴿مَثانِيَ﴾ صفة أخرى لكتابًا؛ أي: تثنى فيه القصص، وتتكرر فيه المواعظ والأحكام، وقيل: يثنى في التلاوة، فلا يمل سامعه، ولا يسأم قارئه.
وقرأ الجمهور (١): ﴿مَثانِيَ﴾ بفتح الياء، وهشام، وابن عامر، وأبو بشر بسكون الياء، فاحتمل أن يكون خبر مبتدأ محذوف، واحتمل أن يكون منصوبًا، وسكنت الياء على قول من سكن الياء، في كل الأحوال، لانكسار ما قبلها استثقالًا للحركة عليها، ووصف (٢) الواحد، وهو الكتاب بالجمع، وهو المثاني باعتبار تفاصيله، كما يقال: القرآن سور وآيات، والإنسان عروق وعظام وأعصاب، وهو جمع مثنى بضم الميم وتشديد النون، بمعنى مردد ومكرر، لما
٢٣ - ثم ذكر سبحانه بعض أوصاف كتابه العزيز، فقال: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ﴾ هو القرآن الكريم الذي لا نهاية لحسنه، ولا غاية لجمال نظمه وملاحة معانيه، وهو أحسن مما نزل على جميع الأنبياء والمرسلين، وأكمله وأكثره أحكامًا، وأيضا أحسن الحديث لفصاحته وإعجازه، وأيضا لأنه كلام الله، وهو قديم، وكلام غيره مخلوق محدث، وأيضًا لكونه صدقًا كله إلى غير ذلك، سمي حديثًا لأن النبي - ﷺ - كان يحدث به قومه، ويخبرهم بما ينزل عليه منه، فلا يدل على حدوث القرآن، فإن الحديث في عرف العامة: الخبر، والكلام. والمعنى: إن فيه مندوحةً عن سائر الأحاديث، وعبر بنزل دون أنزل إشعارًا بأنه متكرر النزول بحسب الوقائع.
﴿كِتابًا﴾ بدل من ﴿أَحْسَنَ الْحَدِيثِ﴾، ويحتمل أن يكون حالًا منه ﴿مُتَشابِهًا﴾ معانيه في الصحة، والحسن، والإحكام، والابتناء على الحق والصدق، واستتباع منافع الخلق في المعاد والمعاش، وتناسب ألفاظه في الفصاحة، وتجاوب نظمه في الإعجاز، وبلوغه إلى أعلى درجات البلاغة، وقال قتادة: يشبه بعضه بعضًا في الآي، والحروف، وقيل: يشبه كتب الله المنزلة على أنبيائه. ﴿مَثانِيَ﴾ صفة أخرى لكتابًا؛ أي: تثنى فيه القصص، وتتكرر فيه المواعظ والأحكام، وقيل: يثنى في التلاوة، فلا يمل سامعه، ولا يسأم قارئه.
وقرأ الجمهور (١): ﴿مَثانِيَ﴾ بفتح الياء، وهشام، وابن عامر، وأبو بشر بسكون الياء، فاحتمل أن يكون خبر مبتدأ محذوف، واحتمل أن يكون منصوبًا، وسكنت الياء على قول من سكن الياء، في كل الأحوال، لانكسار ما قبلها استثقالًا للحركة عليها، ووصف (٢) الواحد، وهو الكتاب بالجمع، وهو المثاني باعتبار تفاصيله، كما يقال: القرآن سور وآيات، والإنسان عروق وعظام وأعصاب، وهو جمع مثنى بضم الميم وتشديد النون، بمعنى مردد ومكرر، لما
(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
535
ثني من قصصه، وأنبائه، وأحكامه، وأوامره، ونواهيه، ووعده، ووعيده، ومواعظه، أو لأنه ثني في التلاوة فلا يمل، كما جاء في نعته: لا يخلق على كثرة التردد؛ أي: لا يزول رونقه، ولذة قراءته، واستماعه من كثرة ترداده على ألسنة التالين، وتكراره على آذان المستمعين، وأذهان المتفكرين، على خلاف ما عليه كلام المخلوق، وفي القصيدة البردية:
أي: لا تقابل آيات القرآن مع الإكثار بالملال.
وقوله: ﴿تَقْشَعِرُّ﴾؛ أي: تتقبض، وتتجمع؛ أي: تضطرب، وترتعد ﴿مِنْهُ﴾؛ أي: من استماعه ﴿جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ﴾ ويخافون ﴿رَبَّهُمْ﴾؛ أي: عذابه عند استماع وعيده، كلام مستأنف، مسوق لبيان آثاره الظاهرة في سامعيه، بعد بيان أوصافه في نفسه، وتقرير كونه أحسن الحديث، يقال: اقشعر جلده: أخذته قشعريرة؛ أي: رعدة، كما في «القاموس». والجلد: قشر البدن كما في «المفردات». وقال بعضهم: أصل الاقشعرار تغير، كالرعدة يحدث في جلد الإنسان عند الوجل والخوف. وفي «الإرشاد»: الاقشعرار: التقبض. يقال: اقشعر الجلد إذا تقبض تقبضًا شديدًا، وتركيبه من القشع، وهو الأديم اليابس، قد ضم إليه الراء ليكون باعثًا ودالًا على معنى زاد، يقال: اقشعر جلده ووقف شعره إذا عرض له خوف شديد، من منكر حائل وهمه بغتةً.
والمراد: إما بيان إفراط خشيتهم بطريق التمثيل والتصوير، أو بيان حصول تلك الحالة وعروضها لهم بطريق التحقيق، وهو الظاهر، إذ هو موجود عند الخشية محسوس يدركه الإنسان من نفسه، وهو يحصل من التأثر القلبي فلا ينكر.
والمعنى: إنهم إذا سمعوا بالقرآن، وقوارع آيات وعيده أصابتهم هيبة وخشية، تقشعر منها جلودهم؛ أي: يعلوها أي: يعلوها قشعريرة ورعدة.
﴿ثُمَّ﴾ إذا ذكروا رحمة الله سبحانه، وعموم مغفرته عند سماع وعده {تَلِينُ
فَلا تُعَدُّ وَلا تُحْصَى عَجَائِبُهَا | وَلا تُسَامُ عَلَى الإِكْثَارِ بالسَّأَمِ |
وقوله: ﴿تَقْشَعِرُّ﴾؛ أي: تتقبض، وتتجمع؛ أي: تضطرب، وترتعد ﴿مِنْهُ﴾؛ أي: من استماعه ﴿جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ﴾ ويخافون ﴿رَبَّهُمْ﴾؛ أي: عذابه عند استماع وعيده، كلام مستأنف، مسوق لبيان آثاره الظاهرة في سامعيه، بعد بيان أوصافه في نفسه، وتقرير كونه أحسن الحديث، يقال: اقشعر جلده: أخذته قشعريرة؛ أي: رعدة، كما في «القاموس». والجلد: قشر البدن كما في «المفردات». وقال بعضهم: أصل الاقشعرار تغير، كالرعدة يحدث في جلد الإنسان عند الوجل والخوف. وفي «الإرشاد»: الاقشعرار: التقبض. يقال: اقشعر الجلد إذا تقبض تقبضًا شديدًا، وتركيبه من القشع، وهو الأديم اليابس، قد ضم إليه الراء ليكون باعثًا ودالًا على معنى زاد، يقال: اقشعر جلده ووقف شعره إذا عرض له خوف شديد، من منكر حائل وهمه بغتةً.
والمراد: إما بيان إفراط خشيتهم بطريق التمثيل والتصوير، أو بيان حصول تلك الحالة وعروضها لهم بطريق التحقيق، وهو الظاهر، إذ هو موجود عند الخشية محسوس يدركه الإنسان من نفسه، وهو يحصل من التأثر القلبي فلا ينكر.
والمعنى: إنهم إذا سمعوا بالقرآن، وقوارع آيات وعيده أصابتهم هيبة وخشية، تقشعر منها جلودهم؛ أي: يعلوها أي: يعلوها قشعريرة ورعدة.
﴿ثُمَّ﴾ إذا ذكروا رحمة الله سبحانه، وعموم مغفرته عند سماع وعده {تَلِينُ
536
جُلُودُهُمْ}؛ أي: لانت أبدانهم ﴿وَقُلُوبُهُمْ﴾؛ أي: نفوسهم ﴿إِلى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى، واللين: ضد الخشونة، ويستعمل ذلك في الأجسام، ثم يستعار للخلق ولغيره من المعاني، والجلود: عبارة عن الأبدان والقلوب عن النفوس؛ أي: ثم إذا ذكروا رحمة الله، وعموم مغفرته لانت أبدانهم، واطمأنت قلوبهم إلى ذكر الله ووعده للمؤمنين، وزال عنها ما كان بها من الخشية، والقشعريرة، بسبب سماع وعيده، بأن تبدلت خشيتهم رجاء، ورهبتهم رغبة، وتعدية اللين بـ ﴿إِلى﴾ لتضمنه معنى السكون والاطمئنان، كأنه قيل: تسكن وتطمئن إلى ذكر الله، لينة غير منقبضة، راجية غير خاشعة، أو تلين ساكنة مطمئنة إلى ذكر الله، على أن المتضمن بالكسر يقع حالًا من المتضمن بالفتح، وإنما أطلق ﴿ذِكْرِ اللَّهِ﴾، ولم يصرح بالرحمة إيذانًا بأنها أول ما يخطر بالبال عند ذكره تعالى.
فإن قلت (١): لم ذكرت الجلود وحدها أولًا، ثم قرنت بها القلوب ثانيًا؟.
قلت: لتقدم الخشية التي هي من عوارض القلوب، فكأنه قيل: تقشعر جلودهم من آيات الوعيد، وتخشى قلوبهم من أول وهلة، فإذا ذكروا الله، ومبنى أمره على الرأفة والرحمة، استبدلوا بالخشية رجاء في قلوبهم، والقشعريرة لينا في جلودهم، فالجملتان إشارة إلى الخوف والرجاء أو القبض والبسط.
والمعنى (٢): أي الله أنزل أحسن الحديث قرآنًا كريمًا يشبه بعضه بعضًا، في الصدق والبيان والوعظ والحكمة، كما تتشابه أجزاء الماء والهواء، وأجزاء النبات والزهر، تثني وتردد قصصه وأنباءه، وأوامره ونواهيه، ووعده ووعيده إذا تليت منه آيات العذاب اقشعرت الجلود، ووجلت القلوب، وإذا تليت آيات الرحمة والوعد لانت الجلود، وسكنت القلوب، واطمأنت النفوس، قال الزجاج: إذا ذكرت آيات العذاب، اقشعرت جلود الخائفين لله، وقال العباس بن عبد المطلب: قال النبي - ﷺ -: «من اقشعر جلده من خشية الله، تحاتت عنه ذنوبه، كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها»، وقال ابن عمر: وقد رأى ساقطا من
فإن قلت (١): لم ذكرت الجلود وحدها أولًا، ثم قرنت بها القلوب ثانيًا؟.
قلت: لتقدم الخشية التي هي من عوارض القلوب، فكأنه قيل: تقشعر جلودهم من آيات الوعيد، وتخشى قلوبهم من أول وهلة، فإذا ذكروا الله، ومبنى أمره على الرأفة والرحمة، استبدلوا بالخشية رجاء في قلوبهم، والقشعريرة لينا في جلودهم، فالجملتان إشارة إلى الخوف والرجاء أو القبض والبسط.
والمعنى (٢): أي الله أنزل أحسن الحديث قرآنًا كريمًا يشبه بعضه بعضًا، في الصدق والبيان والوعظ والحكمة، كما تتشابه أجزاء الماء والهواء، وأجزاء النبات والزهر، تثني وتردد قصصه وأنباءه، وأوامره ونواهيه، ووعده ووعيده إذا تليت منه آيات العذاب اقشعرت الجلود، ووجلت القلوب، وإذا تليت آيات الرحمة والوعد لانت الجلود، وسكنت القلوب، واطمأنت النفوس، قال الزجاج: إذا ذكرت آيات العذاب، اقشعرت جلود الخائفين لله، وقال العباس بن عبد المطلب: قال النبي - ﷺ -: «من اقشعر جلده من خشية الله، تحاتت عنه ذنوبه، كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها»، وقال ابن عمر: وقد رأى ساقطا من
(١) الفتوحات.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
537
سماع القرآن فقال: إنا لنخشى الله، وما نسقط هؤلاء يدخل الشيطان في جوف أحدهم، وقالت أسماء بنت أبي بكر: كان أصحاب رسول الله - ﷺ - تدمع أعينهم، وتقشعر جلودهم عند سماع القرآن، قيل لها: إن قومًا اليوم إذا سمعوا القرآن، خر أحدهم مغشيًا عليه، فقالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وقال ابن سيرين: بيننا وبين هؤلاء الذين يصرعون عند قراءة القرآن، أن يجعل أحدهم على حائط باسطا رجليه، ثم يقرأ عليه القرآن كله، فإن رمى بنفسه فهو صادق والإشارة في قوله ﴿ذلِكَ﴾ إلى الكتاب الموصوف بتلك الصفات، و ﴿هُدَى اللَّهِ﴾ خبره؛ أي: ذلك الكتاب الذي شرح أحواله هدى الله سبحانه ﴿يَهْدِي بِهِ﴾؛ أي: بذلك الكتاب ﴿مَنْ يَشاءُ﴾ أن يهديه من المؤمنين المتقين كما قال: ﴿هُدىً لِلْمُتَّقِينَ﴾ لصرف مقدوره إلى الاهتداء، بتأمله فيما في تضاعيفه من الشواهد الخفية، ودلائل كونه من عند الله تعالى، أو إلى ذينك الوصفين من الاقشعرار واللين؛ أي: ذلك المذكور أثر هداية الله تعالى؛ أي: ذلك الخوف من عذاب الله، والرجاء في رحمته علامة هداية الله، وتوفيقه للإيمان.
﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ﴾؛ أي: يخلق فيه الضلالة لصرف قدرته إلى مباديها، وإعراضه عما يرشده إلى الحق بالكلية، وعدم تأثره بوعده ووعيده أصلًا ﴿فَما لَهُ﴾؛ أي: لذلك الضال ﴿مِنْ هادٍ﴾ يهديه إلى الحق، ويخلصه من ورطة الضلال. وفي «التأويلات النجمية»: ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ﴾ بأن يكله إلى نفسه وعقله، ويحرمه من الإيمان بالأنبياء ومتابعتهم، وقرأ الجمهور: ﴿مِنْ هادٍ﴾ بغير ياء. وقرأ ابن كثير، وابن محيصن بالياء.
٢٤ - والهمزة (١) في قوله: ﴿أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ﴾ للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف معلوم من السياق، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، و ﴿مَنْ﴾ موصولة، والخبر محذوف، والتقدير: أكل الناس سواء، فمن شأنه وهو الكافر أن يتقي نفسه، ويحفظها بوجهه الذي هو أشرف أعضائه. ﴿سُوءَ الْعَذابِ﴾؛ أي:
﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ﴾؛ أي: يخلق فيه الضلالة لصرف قدرته إلى مباديها، وإعراضه عما يرشده إلى الحق بالكلية، وعدم تأثره بوعده ووعيده أصلًا ﴿فَما لَهُ﴾؛ أي: لذلك الضال ﴿مِنْ هادٍ﴾ يهديه إلى الحق، ويخلصه من ورطة الضلال. وفي «التأويلات النجمية»: ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ﴾ بأن يكله إلى نفسه وعقله، ويحرمه من الإيمان بالأنبياء ومتابعتهم، وقرأ الجمهور: ﴿مِنْ هادٍ﴾ بغير ياء. وقرأ ابن كثير، وابن محيصن بالياء.
٢٤ - والهمزة (١) في قوله: ﴿أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ﴾ للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف معلوم من السياق، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، و ﴿مَنْ﴾ موصولة، والخبر محذوف، والتقدير: أكل الناس سواء، فمن شأنه وهو الكافر أن يتقي نفسه، ويحفظها بوجهه الذي هو أشرف أعضائه. ﴿سُوءَ الْعَذابِ﴾؛ أي:
(١) روح البيان.
العذاب السيء الشديد ﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ لكون يده التي بها كان في الدنيا يتقي المكاره، والمخاوف مغلولة إلى عنقه كمن هو آمن من العذاب لا يعتريه مكروه، ولا يحتاج إلى الاتقاء بوجه من الوجوه؛ أي: لا يستويان، فإن الأول في النار، والثاني في الجنة، قال الزجاج: المعنى: أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب، كمن يدخل الجنة، قال عطاء، وابن زيد: يُرمى به مكتوفًا في النار، فأول شيء تمس النار منه وجهه، وقال مجاهد: يجر على وجهه في النار، وقال الأخفش: المعنى: أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب أفضل أمّن سعد.
ثم ذكر ما ينال الكفار والعاصين، من الإهانة في ذلك اليوم. فقال: ﴿وَقِيلَ﴾ تهكمًا واستهزاءً ﴿لِلظَّالِمِينَ﴾؛ أي: تقول الخزنة لمن ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي: ﴿ذُوقُوا﴾؛ أي: باشروا ﴿ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾؛ أي: وبال ما كسبت في الدنيا، ودسيتم به أنفسكم، حتى أوقعتموها في الهاوية النار الحامية، وجملة ﴿قِيلَ﴾ معطوفة على جملة ﴿يَتَّقِي﴾، وصيغة الماضي للدلالة على التحقيق، ووضع المظهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالظلم، والإشعار بعلة الأمر في قوله: ﴿ذُوقُوا﴾.
وعبارة «المراح» هنا: وتقدير (١) الكلام: أكل الناس سواء، فمن يجعل وجهه قائما مقام الدرقة، يقي به نفسه العذاب الشديد يوم القيامة، وتقول لهم خزنة النار: ذوقوا عذاب ما كنتم تكسبونه في الدنيا، كمن هو آمن من العذاب؛ أي: لا يستويان.
قيل (٢): يلقى الكافر في النار مغلولة يداه إلى عنقه، وفي عنقه صخرة من كبريت، مثل الجبل العظيم، فتشتعل النار فيها وهي في عنقه، فحرها على وجهه، لا يطيق دفعها عنه، للأغلال التي في يديه وعنقه، قيل: نزلت هذه الآية في أبي جهل، وأضرابه.
٢٥ - ثم أخبر سبحانه عن حال من قبلهم من الكفار، فقال: {كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ
ثم ذكر ما ينال الكفار والعاصين، من الإهانة في ذلك اليوم. فقال: ﴿وَقِيلَ﴾ تهكمًا واستهزاءً ﴿لِلظَّالِمِينَ﴾؛ أي: تقول الخزنة لمن ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي: ﴿ذُوقُوا﴾؛ أي: باشروا ﴿ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾؛ أي: وبال ما كسبت في الدنيا، ودسيتم به أنفسكم، حتى أوقعتموها في الهاوية النار الحامية، وجملة ﴿قِيلَ﴾ معطوفة على جملة ﴿يَتَّقِي﴾، وصيغة الماضي للدلالة على التحقيق، ووضع المظهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالظلم، والإشعار بعلة الأمر في قوله: ﴿ذُوقُوا﴾.
وعبارة «المراح» هنا: وتقدير (١) الكلام: أكل الناس سواء، فمن يجعل وجهه قائما مقام الدرقة، يقي به نفسه العذاب الشديد يوم القيامة، وتقول لهم خزنة النار: ذوقوا عذاب ما كنتم تكسبونه في الدنيا، كمن هو آمن من العذاب؛ أي: لا يستويان.
قيل (٢): يلقى الكافر في النار مغلولة يداه إلى عنقه، وفي عنقه صخرة من كبريت، مثل الجبل العظيم، فتشتعل النار فيها وهي في عنقه، فحرها على وجهه، لا يطيق دفعها عنه، للأغلال التي في يديه وعنقه، قيل: نزلت هذه الآية في أبي جهل، وأضرابه.
٢٥ - ثم أخبر سبحانه عن حال من قبلهم من الكفار، فقال: {كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ
(١) المراح.
(٢) المراح.
(٢) المراح.
قَبْلِهِمْ}؛ أي: من قبل الكفار المعاصرين لمحمد - ﷺ -، من الأمم السابقة؛ أي: كذبوا أنبياءهم كما كذبك قومك ﴿فَأَتاهُمُ الْعَذابُ﴾ المقدر لكل أمة منهم ﴿مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ﴾؛ أي: من الجهة التي لا يحتسبون، ولا يخطر ببالهم إتيان العذاب والشر، منها بيناهم آمنون رافهون، إذ فوجئوا من مأمنهم. فمعنى: من حيث لا يشعرون آتاهم العذاب، وهم آمنون في أنفسهم غافلون عن العذاب، وقيل: معناه: لا يعرفون له مدفعًا ولا مردًا. وفي «التأويلات النجمية»؛ أي: أتاهم العذاب في صورة الصحة والنعمة، والسرور وهم لا يشعرون أنه العذاب، وأشد العذاب ما يكون غير متوقع
٢٦ - ﴿فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ﴾؛ أي: أذاق الله سبحانه، الذين من قبلهم ﴿الْخِزْيَ﴾؛ أي: الذل والهوان والصغار، يعني: أحسوا به إحساس الذائق المطعوم ﴿فِي الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ بيان لمكان إذاقة الخزي، وذلك الخزي كالمسخ، والخسف، والغرق، والقتل، والسبي، والإجلاء، ونحو ذلك من فنون النكال، وهو العذاب الأدنى ﴿وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ﴾ المعد لهم ﴿أَكْبَرُ﴾ وأشد وأنكى من عذاب الدنيا، لعظمه ودوامه ﴿لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ﴾؛ أي: لو كانوا ممن يعلم الأشياء، ويتفكر فيها، ويعمل بمقتضى علمه، لعلموا (١) ذلك، واعتبروا به، وما عصوا الله ورسوله، وخلصوا أنفسهم من العذاب، فعلى العاقل أن يرجع إلى ربه بالتوبة والإنابة، كي يتخلص من عذاب الدنيا والآخرة، وعبارة «أبي السعود»: لو كانوا يصدقون، ويوقنون بعذاب الآخرة، ما كذبوا رسلهم في الدنيا، اهـ. وعن الشبلي - رحمه الله - قال: قرأت أربعة آلاف حديث، ثم اخترت منها واحدًا، وعملت به، وخليت ما سواه، لأني تأملته فوجدت خلاصي ونجاتي فيه، وكان علم الأولين والآخرين مندرجًا فيه، وذلك أن رسول الله - ﷺ - قال لبعض أصحابه: «اعمل لدنياك بقدر مقامك فيها، واعمل لآخرتك بقدر بقائك فيها، واعمل لله بقدر حاجتك إليه، واعمل للنار بقدر صبرك عليها»، فإذا كان الصبر على النار غير ممكن للإنسان الضعيف.. فليسلك طريق النجاة، المبعدة عن النار، الموصلة إلى الجنات، وأعلى الدرجات.
٢٦ - ﴿فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ﴾؛ أي: أذاق الله سبحانه، الذين من قبلهم ﴿الْخِزْيَ﴾؛ أي: الذل والهوان والصغار، يعني: أحسوا به إحساس الذائق المطعوم ﴿فِي الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ بيان لمكان إذاقة الخزي، وذلك الخزي كالمسخ، والخسف، والغرق، والقتل، والسبي، والإجلاء، ونحو ذلك من فنون النكال، وهو العذاب الأدنى ﴿وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ﴾ المعد لهم ﴿أَكْبَرُ﴾ وأشد وأنكى من عذاب الدنيا، لعظمه ودوامه ﴿لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ﴾؛ أي: لو كانوا ممن يعلم الأشياء، ويتفكر فيها، ويعمل بمقتضى علمه، لعلموا (١) ذلك، واعتبروا به، وما عصوا الله ورسوله، وخلصوا أنفسهم من العذاب، فعلى العاقل أن يرجع إلى ربه بالتوبة والإنابة، كي يتخلص من عذاب الدنيا والآخرة، وعبارة «أبي السعود»: لو كانوا يصدقون، ويوقنون بعذاب الآخرة، ما كذبوا رسلهم في الدنيا، اهـ. وعن الشبلي - رحمه الله - قال: قرأت أربعة آلاف حديث، ثم اخترت منها واحدًا، وعملت به، وخليت ما سواه، لأني تأملته فوجدت خلاصي ونجاتي فيه، وكان علم الأولين والآخرين مندرجًا فيه، وذلك أن رسول الله - ﷺ - قال لبعض أصحابه: «اعمل لدنياك بقدر مقامك فيها، واعمل لآخرتك بقدر بقائك فيها، واعمل لله بقدر حاجتك إليه، واعمل للنار بقدر صبرك عليها»، فإذا كان الصبر على النار غير ممكن للإنسان الضعيف.. فليسلك طريق النجاة، المبعدة عن النار، الموصلة إلى الجنات، وأعلى الدرجات.
(١) روح البيان.
٢٧ - ثم بيّن أن فيما قصه القرآن عليهم من الأمثال، والمواعظ، عبرة لهم لو كانوا يعقلون، فقال: ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنا﴾؛ أي: وعزتي وجلالي لقد بيّنا، وأوضحنا ﴿لِلنَّاسِ﴾؛ أي: لأهل مكة، والمراد (١) بالناس: أهل مكة، كما في «الوسيط»، ويعضّده ما قاله بعضهم: من أن الخطاب بقوله: ﴿يا أيها الناس﴾ في كل ما وقع في القرآن لأهل مكة، والظاهر: التعميم لهم، ولمن جاء بعدهم إلى يوم القيامة؛ أي: أوضحنا وبيّنا لهم ﴿فِي هذَا الْقُرْآنِ﴾ الكريم الحكيم ﴿مِنْ كُلِّ مَثَلٍ﴾؛ أي: كل صفة غريبة عجيبة، هي في غرابتها وحسنها كالمثل السائر، وقصصنا عليهم كل قصة عجيبة الشأن، كقصة الأولين وقصة المبعوثين يوم القيامة، وغير ذلك. ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ به، ويتعظون
٢٨ - وقوله: ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾؛ أي: نزل بلغة العرب، حال مؤكدة من ﴿هذَا الْقُرْآنِ﴾ على أن مدار التأكيد هو الوصف؛ أي: المؤكد في الحقيقة هو الوصف، ومفهومه. وبعضهم جعل القرآن توطئة للحال التي هي عربيًا، والحال الموطئة اسم جامد، موصوف بصفة هي الحال في الحقيقة، ويجوز أن ينتصب على المدح؛ أي: أريد بهذا القرآن قرآنًا عربيًا ﴿غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾؛ أي: لا اختلاف فيه بوجه من الوجوه، ولا تناقض، ولا عيب، ولا خلل، والفرق (٢) بينه بالفتح وبينه بالكسر: أن كل ما ينتصب كالحائط، والجدار، والعود فهو عوج بفتح العين، وكل ما كان في المعاني والأعيان الغير المنتصبة فهو بكسرها، ولذا قال أهل التفسير: لم يقل مستقيمًا أو غير معوج مع أنه أخصر لفائدتين:
إحداهما: نفي أن يكون فيه عوج ما بوجه من الوجوه لما قال: ﴿وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا﴾.
والثانية: أن لفظ العوج مختص بالمعاني دون الأعيان، وقيل: غير ذي لبس، وقيل: غير ذي لحن، وقيل: غير ذي شك. كما قال الشاعر:
٢٨ - وقوله: ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾؛ أي: نزل بلغة العرب، حال مؤكدة من ﴿هذَا الْقُرْآنِ﴾ على أن مدار التأكيد هو الوصف؛ أي: المؤكد في الحقيقة هو الوصف، ومفهومه. وبعضهم جعل القرآن توطئة للحال التي هي عربيًا، والحال الموطئة اسم جامد، موصوف بصفة هي الحال في الحقيقة، ويجوز أن ينتصب على المدح؛ أي: أريد بهذا القرآن قرآنًا عربيًا ﴿غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾؛ أي: لا اختلاف فيه بوجه من الوجوه، ولا تناقض، ولا عيب، ولا خلل، والفرق (٢) بينه بالفتح وبينه بالكسر: أن كل ما ينتصب كالحائط، والجدار، والعود فهو عوج بفتح العين، وكل ما كان في المعاني والأعيان الغير المنتصبة فهو بكسرها، ولذا قال أهل التفسير: لم يقل مستقيمًا أو غير معوج مع أنه أخصر لفائدتين:
إحداهما: نفي أن يكون فيه عوج ما بوجه من الوجوه لما قال: ﴿وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا﴾.
والثانية: أن لفظ العوج مختص بالمعاني دون الأعيان، وقيل: غير ذي لبس، وقيل: غير ذي لحن، وقيل: غير ذي شك. كما قال الشاعر:
وَقَدْ أَتَاكَ يَقِيْنٌ غَيْرُ ذِيْ عِوَجٍ | مِنْ الإِلَهِ وَقَوْلٌ غَيْرُ مَكْذُوْبِ |
(١) روح البيان.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: غير ذي عوج؛ أي: غير مخلوق، وذلك لأن كونه مقروءًا بالألسنة، ومسموعًا بالآذان، ومكتوبًا في الأوراق، ومحفوظًا في الصدور لا يقتضي مخلوقيته، إذ المراد: كلام الله القديم القائم بذاته. وفي حقائق البقلي: قرآنًا قديمًا ظهر من الحق على لسان حبيبه، لا يتغير بتغير الزمان، ولا يرهقه غبار الحدثان، لا تعوجه الحروف، ولا تحيط به الظروف، وفي «بحر الحقائق»: صراطًا مستقيمًا إلى حضرتنا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وقوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾؛ أي: لكي يتقوا بالقرآن عما نهاهم الله تعالى، علة أخرى مترتبة على الأولى، فإن المصلحة في ضرب الأمثال هو التذكر والاتعاظ بها أولًا، ثم تحصيل التقوى، والمعنى: لعلهم يعملون عمل أهل التقوى في المحافظة على حدود الله تعالى في القرآن، والاعتبار بأمثاله.
والمعنى: وعزتي وجلالي، قد بينا (١) لهؤلاء المشركين بالله، أمثال القرون الخالية، تخويفا لهم، وتحذيرا ليتعظوا، ويزدجروا، ويقلعوا عما هم عليه، مقيمون من الكفر بربهم، بكلام عربي لا لبس فيه، ولا اختلاف ليفهموا ما فيه من مواعظ، ويعتبروا بما فيه من حكم، فيتقوا ما حذرهم فيه من بأسه وسطوته، وينيبوا إليه، ويفردوه بالعبادة، ويتبرؤوا من الآلهة والأنداد.
٢٩ - ثم أورد سبحانه مثلًا من تلك الأمثال، فقال: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا﴾؛ أي: بيّن الله تمثيل حالةٍ عجيبة، بأخرى مثلها، ثم بيّن المثل، فقال: ﴿رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ﴾ والمراد (٢) بضرب المثل هنا: تطبيق حالة عجيبة بأخرى مثلها، كما مر في أوائل سورة يس. و ﴿مَثَلًا﴾ مفعول ثان لضرب، و ﴿رَجُلًا﴾ مفعوله الأول، أخر عن الثاني للتشويق إليه، وليتصل به ما هو من تتمته التي هي العمدة في التمثيل. و ﴿فِيهِ﴾ خبر مقدم لقوله: ﴿شُرَكاءُ﴾، والجملة في حيز النصب على الوصفية لرجلا، ومعنى ﴿مُتَشاكِسُونَ﴾؛ أي: مختلفون عسروا الأخلاق سيئوها. والمعنى: جعل الله تعالى للمشرك مثلا، حسبما يقود إليه مذهبه من ادعاء كل من معبوديه
وقوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾؛ أي: لكي يتقوا بالقرآن عما نهاهم الله تعالى، علة أخرى مترتبة على الأولى، فإن المصلحة في ضرب الأمثال هو التذكر والاتعاظ بها أولًا، ثم تحصيل التقوى، والمعنى: لعلهم يعملون عمل أهل التقوى في المحافظة على حدود الله تعالى في القرآن، والاعتبار بأمثاله.
والمعنى: وعزتي وجلالي، قد بينا (١) لهؤلاء المشركين بالله، أمثال القرون الخالية، تخويفا لهم، وتحذيرا ليتعظوا، ويزدجروا، ويقلعوا عما هم عليه، مقيمون من الكفر بربهم، بكلام عربي لا لبس فيه، ولا اختلاف ليفهموا ما فيه من مواعظ، ويعتبروا بما فيه من حكم، فيتقوا ما حذرهم فيه من بأسه وسطوته، وينيبوا إليه، ويفردوه بالعبادة، ويتبرؤوا من الآلهة والأنداد.
٢٩ - ثم أورد سبحانه مثلًا من تلك الأمثال، فقال: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا﴾؛ أي: بيّن الله تمثيل حالةٍ عجيبة، بأخرى مثلها، ثم بيّن المثل، فقال: ﴿رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ﴾ والمراد (٢) بضرب المثل هنا: تطبيق حالة عجيبة بأخرى مثلها، كما مر في أوائل سورة يس. و ﴿مَثَلًا﴾ مفعول ثان لضرب، و ﴿رَجُلًا﴾ مفعوله الأول، أخر عن الثاني للتشويق إليه، وليتصل به ما هو من تتمته التي هي العمدة في التمثيل. و ﴿فِيهِ﴾ خبر مقدم لقوله: ﴿شُرَكاءُ﴾، والجملة في حيز النصب على الوصفية لرجلا، ومعنى ﴿مُتَشاكِسُونَ﴾؛ أي: مختلفون عسروا الأخلاق سيئوها. والمعنى: جعل الله تعالى للمشرك مثلا، حسبما يقود إليه مذهبه من ادعاء كل من معبوديه
(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
542
عبوديته، عبدًا يتشارك فيه جماعة يتجاذبونه، ويتعاورونه في مهماتهم المتباينة في تحسره، وتوزع قلبه. ﴿وَرَجُلًا﴾؛ أي: وجعل للموحد مثلا رجلًا ﴿سَلَمًا﴾؛ أي: خالصًا ﴿لِرَجُلٍ﴾ فردٍ وسيدٍ واحدٍ، ليس لغيره عليه سبيل أصلًا، فالتنكير في كل منهما للإفراد؛ أي: فردًا من الأشخاص لفرد من الأشخاص، والسلم: بفتحتين وكقتل وفسق مصدر من سلم له كذا؛ أي: خلص له واختص به كما سيأتي، وُصف به مبالغةً كرجل عدل؛ أي: سالمًا أو ذو سلامة واختصاص به، والرجل ذكر من بني آدم جاوز حد الصغر، وتخصيص الرجل لأنه أنطق، وأفطن وأعرف لما يجرى عليه من الضر والنفع، لأن المرأة والصبي قد يغفلان عن ذلك.
والاستفهام في قوله: ﴿هَلْ يَسْتَوِيانِ﴾ للإنكار؛ أي: ما يستوي الرجلان المذكوران المشترك والمختص ﴿مَثَلًا﴾؛ أي: من جهة الصفة والحال، نصب على التمييز، والوحدة حيث لم يقل: مثلين لبيان الجنس وإرادته، فيعم؛ أي: هل يستوي حالهما وصفاتهما، يعني: لا يستويان.
والحاصل: أن الكافر كالعبد الأول، في كونه حيران متفرق البال؛ لأنه يعبد آلهة مختلفة؛ أي: أصنامًا لا يجيء منها خير، بل يكون سببًا لوقوعه في أسفل سافلين، كما أن العبد يخدم ملاكا متعاسرين، مختلفي الأهوية، لا يصل إليه منهم منفعة أصلًا. والمؤمن كالعبد الثاني، في انضباط أحواله واجتماع باله، حيث يعبد ربًا واحدًا يوصله إلى أعلى عليين، كما أن العبد يخدم سيدًا واحدًا يرضى عنه، ويصل إليه بالعطاء الجزيل.
وقرأ عبد الله، وابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، والزهري، والحسن بخلاف عنه، والجحدري، وابن كثير، وأبو عمرو، ويعقوب (١): ﴿سالما﴾ بالألف وكسر اللام، اسم فاعل من سلم؛ أي: خالصًا عن الشركة، واختار هذه القراءة أبو عبيد، وقرأ الأعرج، وأبو جعفر، وشيبة، وأبو رجاء، وطلحة، والحسن: بخلاف عنه، وباقي السبعة ﴿سلما﴾ بفتح السين وسكون
والاستفهام في قوله: ﴿هَلْ يَسْتَوِيانِ﴾ للإنكار؛ أي: ما يستوي الرجلان المذكوران المشترك والمختص ﴿مَثَلًا﴾؛ أي: من جهة الصفة والحال، نصب على التمييز، والوحدة حيث لم يقل: مثلين لبيان الجنس وإرادته، فيعم؛ أي: هل يستوي حالهما وصفاتهما، يعني: لا يستويان.
والحاصل: أن الكافر كالعبد الأول، في كونه حيران متفرق البال؛ لأنه يعبد آلهة مختلفة؛ أي: أصنامًا لا يجيء منها خير، بل يكون سببًا لوقوعه في أسفل سافلين، كما أن العبد يخدم ملاكا متعاسرين، مختلفي الأهوية، لا يصل إليه منهم منفعة أصلًا. والمؤمن كالعبد الثاني، في انضباط أحواله واجتماع باله، حيث يعبد ربًا واحدًا يوصله إلى أعلى عليين، كما أن العبد يخدم سيدًا واحدًا يرضى عنه، ويصل إليه بالعطاء الجزيل.
وقرأ عبد الله، وابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، والزهري، والحسن بخلاف عنه، والجحدري، وابن كثير، وأبو عمرو، ويعقوب (١): ﴿سالما﴾ بالألف وكسر اللام، اسم فاعل من سلم؛ أي: خالصًا عن الشركة، واختار هذه القراءة أبو عبيد، وقرأ الأعرج، وأبو جعفر، وشيبة، وأبو رجاء، وطلحة، والحسن: بخلاف عنه، وباقي السبعة ﴿سلما﴾ بفتح السين وسكون
(١) البحر المحيط.
543
اللام، وهذه أيضًا مصدر وصف به، مبالغة في الخلوص من الشركة، وقرىء ﴿ورجل سالم﴾ برفعهما، وقال الزمخشري؛ أي: وهناك رجل سالم لرجل، انتهى. فجعل الخبر ﴿هناك﴾، وقرىء ﴿هل يستويان مثلين﴾، فطابق حال الرجلين، ذكره أبو حيان.
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ حيث خصمهم، كما قال مقاتل؛ أي: قطعهم بالخصومة، وغلبهم، وأظهر الحجة عليهم، ببيان عدم الاستواء بطريق ضرب المثل، وقال الشوكاني: وجملة ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ تقرير لما قبلها، من نفي الاستواء، وللإيذان للموحدين، بما في توحيدهم لله من النعمة العظيمة، المستحقة لتخصيص الحمد به.
ثم أضرب سبحانه، عن نفي الاستواء، المفهوم من الاستفهام الإنكاري، إلى بيان أن أكثر الناس، وهم المشركون، لا يعلمون ذلك مع كمال ظهوره، فيبقون في ورطة الشرك، والضلال من فرط جهلهم، فقال: ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ﴾ وهم المشركون ﴿لا يَعْلَمُونَ﴾ عدم استوائهما مع ظهوره، ووضوحه لفرط جهالتهم، أو لا يعلمون أن الحمد له لا لغيره، فيشركوا به سواه.
وعبارة «المراح» في معنى الآية: أي (١): واضرب يا أشرف الرسل لقومك مثلا، وقل لهم: ما تقولون في رجل مملوك، قد اشترك فيه شركاء بينهم تنازع، فكل واحد منهم يدعي أنه عبده، فهم يتجاذبونه في حوائجهم، وهو متحير في أمره، فكلما أرضى أحدهم غضب الباقون، وإذا احتاج في مهم إليهم، فكل واحد منهم يرده إلى الآخر، فهو يبقى متحيرًا لا يعرف أيهم أولى بأن يطلب رضاه، وأيهم يعينه في حاجاته، فهو بهذا السبب يلقى منهم التعب العظيم، وفي رجل آخر له مخدوم واحد، يخدمه على سبيل الإخلاص، وذلك السيد يعينه على حاجاته، فإن أطاعه عرف له، وإن أخطأ صفح عن خطئه، فأي هذين العبدين أحسن حالًا، وأحمد شأنا، وأقل تعبًا؟ وهذا مثل ضربه الله للكافر، الذي يعبد
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ حيث خصمهم، كما قال مقاتل؛ أي: قطعهم بالخصومة، وغلبهم، وأظهر الحجة عليهم، ببيان عدم الاستواء بطريق ضرب المثل، وقال الشوكاني: وجملة ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ تقرير لما قبلها، من نفي الاستواء، وللإيذان للموحدين، بما في توحيدهم لله من النعمة العظيمة، المستحقة لتخصيص الحمد به.
ثم أضرب سبحانه، عن نفي الاستواء، المفهوم من الاستفهام الإنكاري، إلى بيان أن أكثر الناس، وهم المشركون، لا يعلمون ذلك مع كمال ظهوره، فيبقون في ورطة الشرك، والضلال من فرط جهلهم، فقال: ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ﴾ وهم المشركون ﴿لا يَعْلَمُونَ﴾ عدم استوائهما مع ظهوره، ووضوحه لفرط جهالتهم، أو لا يعلمون أن الحمد له لا لغيره، فيشركوا به سواه.
وعبارة «المراح» في معنى الآية: أي (١): واضرب يا أشرف الرسل لقومك مثلا، وقل لهم: ما تقولون في رجل مملوك، قد اشترك فيه شركاء بينهم تنازع، فكل واحد منهم يدعي أنه عبده، فهم يتجاذبونه في حوائجهم، وهو متحير في أمره، فكلما أرضى أحدهم غضب الباقون، وإذا احتاج في مهم إليهم، فكل واحد منهم يرده إلى الآخر، فهو يبقى متحيرًا لا يعرف أيهم أولى بأن يطلب رضاه، وأيهم يعينه في حاجاته، فهو بهذا السبب يلقى منهم التعب العظيم، وفي رجل آخر له مخدوم واحد، يخدمه على سبيل الإخلاص، وذلك السيد يعينه على حاجاته، فإن أطاعه عرف له، وإن أخطأ صفح عن خطئه، فأي هذين العبدين أحسن حالًا، وأحمد شأنا، وأقل تعبًا؟ وهذا مثل ضربه الله للكافر، الذي يعبد
(١) المراح.
544
آلهة شتى، والمؤمن الذي يعبد الله وحده، انتهى. وقوله: ﴿هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا﴾؛ أي: هل تستوي صفتاهما، وحالاهما؟ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾؛ أي: بعد أن بطل القول بإثبات الشركاء والأنداد، وثبت أن لا إله إلا هو ثبت أن الحمد لله لا لغيره ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ﴾؛ أي: أكثر الناس لا يعلمون اختصاص الحمد بالله، فيشركوا به غيره.
وفي الآية (١): إشارة إلى بيان عدم الاستواء، بين الذي يتجاذبه شغل الدنيا، وشغل العيال، وغير ذلك من الأشياء المختلفة، والخواطر المتفرقة، وبين الذي هو خالص لله، ليس للخلق فيه نصيب، ولا للدنيا نصيب. وهو من الآخرة غريب، وإلى الله قريب منيب.
والحاصل: أن الراغب في الدنيا شغلته أمور مختلفة، فلا يتفرغ لعبادة ربه، وإذا كان في العبادة يكون قلبه مشغولًا بالدنيا، والزاهد قد تفرّغ من جميع أشغال الدنيا، فهو يعبد ربه خوفًا وطمعًا، والعارف قد تفرغ من الكونين، فهو يعبد ربه شوقًا إلى لقائه، فلا استواء بين البطّالين والطالبين، وبين المنقطعين والواصلين الحمد لله، والثناء له خاصةً. فعلى العاقل الرجوع إلى الله، والعمل بما في القرآن، والاعتبار بأمثاله حتى يكون من الذين يعلمون حقيقة الحال.
٣٠ - ولما لم يلتفتوا إلى الحق، ولم ينتفعوا بضرب المثل.. أخبر سبحانه بأن مصير الجميع إلى الله تعالى، وأنهم يختصمون يوم القيامة بين يديه تعالى، وهو الحاكم العادل، وهناك يتميز المحق من المبطل، فقال: ﴿إِنَّكَ﴾ يا محمد ﴿مَيِّتٌ﴾؛ أي: ستموت لا محالة ﴿وَإِنَّهُمْ﴾؛ أي: وكفار مكة الذين يتربصون بك الموت ﴿مَيِّتُونَ﴾؛ أي: سيموتون؛ أي: إنكم جميعًا بصدد الموت، والموت يعمكم، ولا معنى للتربص والشماتة، بل هو عين الجهالة.
وقرأ الجمهور: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠)﴾ بالتشديد، وهي تُشعر بالثبوت واللزوم كالحي، وقرأ ابن محيصن، وابن الزبير، وابن أبي إسحاق، وعيسى بن عمر، واليماني، وابن غوث، وابن أبي عبلة ﴿مائت ومائتون﴾. وهي تُشعر
وفي الآية (١): إشارة إلى بيان عدم الاستواء، بين الذي يتجاذبه شغل الدنيا، وشغل العيال، وغير ذلك من الأشياء المختلفة، والخواطر المتفرقة، وبين الذي هو خالص لله، ليس للخلق فيه نصيب، ولا للدنيا نصيب. وهو من الآخرة غريب، وإلى الله قريب منيب.
والحاصل: أن الراغب في الدنيا شغلته أمور مختلفة، فلا يتفرغ لعبادة ربه، وإذا كان في العبادة يكون قلبه مشغولًا بالدنيا، والزاهد قد تفرّغ من جميع أشغال الدنيا، فهو يعبد ربه خوفًا وطمعًا، والعارف قد تفرغ من الكونين، فهو يعبد ربه شوقًا إلى لقائه، فلا استواء بين البطّالين والطالبين، وبين المنقطعين والواصلين الحمد لله، والثناء له خاصةً. فعلى العاقل الرجوع إلى الله، والعمل بما في القرآن، والاعتبار بأمثاله حتى يكون من الذين يعلمون حقيقة الحال.
٣٠ - ولما لم يلتفتوا إلى الحق، ولم ينتفعوا بضرب المثل.. أخبر سبحانه بأن مصير الجميع إلى الله تعالى، وأنهم يختصمون يوم القيامة بين يديه تعالى، وهو الحاكم العادل، وهناك يتميز المحق من المبطل، فقال: ﴿إِنَّكَ﴾ يا محمد ﴿مَيِّتٌ﴾؛ أي: ستموت لا محالة ﴿وَإِنَّهُمْ﴾؛ أي: وكفار مكة الذين يتربصون بك الموت ﴿مَيِّتُونَ﴾؛ أي: سيموتون؛ أي: إنكم جميعًا بصدد الموت، والموت يعمكم، ولا معنى للتربص والشماتة، بل هو عين الجهالة.
وقرأ الجمهور: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠)﴾ بالتشديد، وهي تُشعر بالثبوت واللزوم كالحي، وقرأ ابن محيصن، وابن الزبير، وابن أبي إسحاق، وعيسى بن عمر، واليماني، وابن غوث، وابن أبي عبلة ﴿مائت ومائتون﴾. وهي تُشعر
(١) روح البيان.
بحدوث الصفة. قال الفراء والكسائي: الميت بالتشديد: من لم يمت وسيموت، والميت بالتخفيف: من قد مات وفارقته الروح، قال قتادة: نُعيت إلى النبي - ﷺ - نفسه، ونعيت إليهم أنفسهم.
٣١ - ووجه هذا الإخبار الإعلام للصحابة بأنه - ﷺ - سيموت، فقد كان بعضهم يعتقد أنه لا يموت، مع كونه توطئة وتمهيدًا لما بعده، حيث قال:
﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ﴾؛ أي: إنك، وإياهم على تغليب ضمير المخاطب، على ضمير الغائب. وأكد بـ ﴿إن﴾ وإن كان الاختصام مما لا ينكر، لتنزيل المخاطبين منزلة من يبالغ في إنكار الاختصام لانهماكهم في الغفلة عنه ﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾؛ أي: عند مالك أمركم ﴿تَخْتَصِمُونَ﴾؛ أي: تخاصمهم يا محمد، فتحتج أنت عليهم، بأنك بلغتهم ما أرسلت به إليهم من الأحكام والمواعظ، واجتهدت في الدعوة إلى الحق، حق الاجتهاد، وهم قد لجوا في المكابرة والعناد، ويعتذرون بما لا طائل تحته، وبما لا يدفع عنهم لومًا ولا تقريعًا، ويقول التابعون للرؤساء: أطعناكم فأضللتمونا، ويقول السادة: أغوانا الشيطان، وآباؤنا الأولون، وفي «بحر العلوم»: الوجه الوجيه: أن يراد الاختصام العام، وأن يخاصم الناس بعضهم بعضا، مؤمنًا أو كافرًا، فيما جرى بينهم في الدنيا بدلائل:
منها: قوله - ﷺ -: «أول من يختصم يوم القيامة الرجل والمرأة، والله ما يتكلم لسانها، ولكن يداها تشهدان، ورجلاها عليها بما كانت تعيّب لزوجها، وتشهد عليه يداه ورجلاه بما كان يؤذيها».
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي - ﷺ - قال: «من كان عنده مظلمة لأخيه، من عرض أو مال، فليتحلله اليوم قبل أن لا يكون دينار، ولا درهم، إن كان له عمل صالح، أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات، أخذ من سيئات صاحبه فحمّلت عليه»، رواه البخاري.
وعن أبي هريرة قال: إن رسول الله - ﷺ - قال: «أتدرون من المفلس»؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال رسول الله - ﷺ -: «إن المفلس، من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت
٣١ - ووجه هذا الإخبار الإعلام للصحابة بأنه - ﷺ - سيموت، فقد كان بعضهم يعتقد أنه لا يموت، مع كونه توطئة وتمهيدًا لما بعده، حيث قال:
﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ﴾؛ أي: إنك، وإياهم على تغليب ضمير المخاطب، على ضمير الغائب. وأكد بـ ﴿إن﴾ وإن كان الاختصام مما لا ينكر، لتنزيل المخاطبين منزلة من يبالغ في إنكار الاختصام لانهماكهم في الغفلة عنه ﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾؛ أي: عند مالك أمركم ﴿تَخْتَصِمُونَ﴾؛ أي: تخاصمهم يا محمد، فتحتج أنت عليهم، بأنك بلغتهم ما أرسلت به إليهم من الأحكام والمواعظ، واجتهدت في الدعوة إلى الحق، حق الاجتهاد، وهم قد لجوا في المكابرة والعناد، ويعتذرون بما لا طائل تحته، وبما لا يدفع عنهم لومًا ولا تقريعًا، ويقول التابعون للرؤساء: أطعناكم فأضللتمونا، ويقول السادة: أغوانا الشيطان، وآباؤنا الأولون، وفي «بحر العلوم»: الوجه الوجيه: أن يراد الاختصام العام، وأن يخاصم الناس بعضهم بعضا، مؤمنًا أو كافرًا، فيما جرى بينهم في الدنيا بدلائل:
منها: قوله - ﷺ -: «أول من يختصم يوم القيامة الرجل والمرأة، والله ما يتكلم لسانها، ولكن يداها تشهدان، ورجلاها عليها بما كانت تعيّب لزوجها، وتشهد عليه يداه ورجلاه بما كان يؤذيها».
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي - ﷺ - قال: «من كان عنده مظلمة لأخيه، من عرض أو مال، فليتحلله اليوم قبل أن لا يكون دينار، ولا درهم، إن كان له عمل صالح، أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات، أخذ من سيئات صاحبه فحمّلت عليه»، رواه البخاري.
وعن أبي هريرة قال: إن رسول الله - ﷺ - قال: «أتدرون من المفلس»؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال رسول الله - ﷺ -: «إن المفلس، من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت
546
عليه، ثم طُرح في النار»، أخرجه مسلم.
فإن قلت: قال في آية أخرى: ﴿لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ﴾، وبينهما معارضة.
قلت: إن في يوم القيامة ساعات كثيرة، وأحوالها مختلفة، مرة يختصمون، ومرة لا يختصمون، كما أنه قال: ﴿فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ﴾، وقال في آية أخرى: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٧)﴾. يعني: في حال يتساءلون، وفي حال لا يتساءلون، وكما أنه قال: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (٣٩)﴾، وفي موضع آخر ﴿فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢)﴾، ونحو هذا كثير في القرآن.
فائدة: قال ابن مسعود رضي الله عنه: لما دنا فراق رسول الله - ﷺ -، جمعنا في بيت أمنا عائشة رضي الله عنها ثم نظر إلينا، فدمعت عيناه، وقال: «مرحبًا بكم، حياكم الله، رحمكم الله، أوصيكم بتقوى الله وطاعته، قد دنا الفراق، وحان المنقلب إلى الله تعالى، وإلى سدرة المنتهى، وجنة المأوى، يغسلني رجال أهل بيتي، ويكفنوني في ثيابي هذه إن شاؤوا، أو في حلة يمانية، فإذا غسلتموني وكفنتموني، ضعوني على سريري في بيتي هذا، على شفير لحدي، ثم اخرجوا عني ساعة، فأول من يصلي عليّ، حبيبي جبرائيل، ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنودهم، ثم ادخلوا عليّ فوجًا فوجًا، فصلوا عليّ»، فلما سمعوا فراقه صاحوا وبكوا، وقالوا: يا رسول الله، أنت رسول ربنا، وشمع جمعنا، وبرهان أمرنا، إذا ذهبت عنا فإلى من نرجع في أمورنا؟ قال: «تركتكم على المحجة البيضاء»؛ أي: على الطريق الواضح «ليلها كنهارها»؛ أي: في الوضوح «ولا يزيغ بعدها إلا هالك، وتركت لكم واعظين، ناطقًا وصامتًا، فالناطق القرآن، والصامت الموت، فإذا أشكل عليكم أمر، فارجعوا إلى القرآن والسنّة، وإذا قست قلوبكم، فليّنوها بالاعتبار في أحوال الموت»، فمرض رسول الله - ﷺ - من يومه ذلك، من صداع عرض له، وكان مريضًا ثمانية عشر يومًا، يعوده الناس، ثم مات يوم الإثنين، ما بعثه الله فيه، فغسله علي رضي الله عنه وصب الماء - أي: ماء بئر غرس - الفضل بن عباس رضي الله عنهما، ودفنوه ليلة الأربعاء وسط الليل، وقيل: ليلة الثلاثاء في حجرة
فإن قلت: قال في آية أخرى: ﴿لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ﴾، وبينهما معارضة.
قلت: إن في يوم القيامة ساعات كثيرة، وأحوالها مختلفة، مرة يختصمون، ومرة لا يختصمون، كما أنه قال: ﴿فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ﴾، وقال في آية أخرى: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٧)﴾. يعني: في حال يتساءلون، وفي حال لا يتساءلون، وكما أنه قال: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (٣٩)﴾، وفي موضع آخر ﴿فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢)﴾، ونحو هذا كثير في القرآن.
فائدة: قال ابن مسعود رضي الله عنه: لما دنا فراق رسول الله - ﷺ -، جمعنا في بيت أمنا عائشة رضي الله عنها ثم نظر إلينا، فدمعت عيناه، وقال: «مرحبًا بكم، حياكم الله، رحمكم الله، أوصيكم بتقوى الله وطاعته، قد دنا الفراق، وحان المنقلب إلى الله تعالى، وإلى سدرة المنتهى، وجنة المأوى، يغسلني رجال أهل بيتي، ويكفنوني في ثيابي هذه إن شاؤوا، أو في حلة يمانية، فإذا غسلتموني وكفنتموني، ضعوني على سريري في بيتي هذا، على شفير لحدي، ثم اخرجوا عني ساعة، فأول من يصلي عليّ، حبيبي جبرائيل، ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنودهم، ثم ادخلوا عليّ فوجًا فوجًا، فصلوا عليّ»، فلما سمعوا فراقه صاحوا وبكوا، وقالوا: يا رسول الله، أنت رسول ربنا، وشمع جمعنا، وبرهان أمرنا، إذا ذهبت عنا فإلى من نرجع في أمورنا؟ قال: «تركتكم على المحجة البيضاء»؛ أي: على الطريق الواضح «ليلها كنهارها»؛ أي: في الوضوح «ولا يزيغ بعدها إلا هالك، وتركت لكم واعظين، ناطقًا وصامتًا، فالناطق القرآن، والصامت الموت، فإذا أشكل عليكم أمر، فارجعوا إلى القرآن والسنّة، وإذا قست قلوبكم، فليّنوها بالاعتبار في أحوال الموت»، فمرض رسول الله - ﷺ - من يومه ذلك، من صداع عرض له، وكان مريضًا ثمانية عشر يومًا، يعوده الناس، ثم مات يوم الإثنين، ما بعثه الله فيه، فغسله علي رضي الله عنه وصب الماء - أي: ماء بئر غرس - الفضل بن عباس رضي الله عنهما، ودفنوه ليلة الأربعاء وسط الليل، وقيل: ليلة الثلاثاء في حجرة
547
عائشة رضي الله عنها. وفي الحديث: «من أصيب بمصيبة، فليذكر مصيبته بي، فإنها أفظع المصائب». وأنشد بعضهم:
الإعراب
﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (١٧)﴾.
﴿وَالَّذِينَ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿الَّذِينَ﴾: مبتدأ. ﴿اجْتَنَبُوا﴾: صلة الموصول. ﴿الطَّاغُوتَ﴾: مفعول به. ﴿أَنْ﴾: حرف مصدر، ﴿يَعْبُدُوها﴾: فعل، وفاعل، ومفعول به، منصوب بأن المصدرية، والجملة في تأويل مصدر، منصوب على أنه بدل اشتمال، من ﴿الطَّاغُوتَ﴾، تقديره: والذين اجتنبوا الطاغوت عبادتها. ﴿وَأَنابُوا﴾: فعل، وفاعل، معطوف على الصلة ﴿إِلَى اللَّهِ﴾: متعلق بـ ﴿أَنابُوا﴾، ﴿لَهُمُ﴾: خبر مقدم، ﴿الْبُشْرى﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل الرفع، خبر المبتدأ أعني: الموصول، والجملة الاسمية مستأنفة. ﴿فَبَشِّرْ﴾: الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت يا محمد ثبوت البشرى لهم، وأردت تبليغ البشارة إليهم.. فأقول لك: بشر عبادي؛ أي: بلّغ بشارتي إليهم. ﴿بشر﴾: فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد - ﷺ -، ﴿عِبادِ﴾: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه، فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة، اتباعًا لرسم المصحف، وهو مضاف، والياء المحذوفة مضاف إليه، والجملة الفعلية في محل النصب، مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة.
﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٨)﴾.
﴿الَّذِينَ﴾: في محل النصب صفة لـ ﴿عِبادِ﴾. ﴿يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ﴾: فعل، وفاعل، ومفعول به صلة الموصول، ﴿فَيَتَّبِعُونَ﴾: الفاء: عاطفة. {يتبعون
اصْبِر لِكُلِّ مُصِيْبَةٍ وَتَجَلَّدِ | وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْمَرْءَ غَيَرُ مُخَلَّدِ |
وَإِذَا اعْتَرَتْكَ وَسَاوِسٌ بِمُصِيْبَةٍ | فَاذْكُرْ مُصَابَكَ بِالنَّبِيِّ مُحَمَّدِ |
﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (١٧)﴾.
﴿وَالَّذِينَ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿الَّذِينَ﴾: مبتدأ. ﴿اجْتَنَبُوا﴾: صلة الموصول. ﴿الطَّاغُوتَ﴾: مفعول به. ﴿أَنْ﴾: حرف مصدر، ﴿يَعْبُدُوها﴾: فعل، وفاعل، ومفعول به، منصوب بأن المصدرية، والجملة في تأويل مصدر، منصوب على أنه بدل اشتمال، من ﴿الطَّاغُوتَ﴾، تقديره: والذين اجتنبوا الطاغوت عبادتها. ﴿وَأَنابُوا﴾: فعل، وفاعل، معطوف على الصلة ﴿إِلَى اللَّهِ﴾: متعلق بـ ﴿أَنابُوا﴾، ﴿لَهُمُ﴾: خبر مقدم، ﴿الْبُشْرى﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل الرفع، خبر المبتدأ أعني: الموصول، والجملة الاسمية مستأنفة. ﴿فَبَشِّرْ﴾: الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت يا محمد ثبوت البشرى لهم، وأردت تبليغ البشارة إليهم.. فأقول لك: بشر عبادي؛ أي: بلّغ بشارتي إليهم. ﴿بشر﴾: فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد - ﷺ -، ﴿عِبادِ﴾: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه، فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة، اتباعًا لرسم المصحف، وهو مضاف، والياء المحذوفة مضاف إليه، والجملة الفعلية في محل النصب، مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة.
﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٨)﴾.
﴿الَّذِينَ﴾: في محل النصب صفة لـ ﴿عِبادِ﴾. ﴿يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ﴾: فعل، وفاعل، ومفعول به صلة الموصول، ﴿فَيَتَّبِعُونَ﴾: الفاء: عاطفة. {يتبعون
548
أحسنه}: فعل، وفاعل، ومفعول به معطوف على الصلة، ﴿أُولئِكَ﴾: مبتدأ، ﴿الَّذِينَ﴾: خبره، والجملة مستأنفة. ﴿هَداهُمُ اللَّهُ﴾: فعل، ومفعول به، وفاعل، والجملة صلة الموصول والجملة الاسمية مستأنفة. ﴿وَأُولئِكَ﴾: مبتدأ، ﴿هُمْ﴾: ضمير فصل، ﴿أُولُوا الْأَلْبابِ﴾: خبر المبتدأ. والجملة الاسمية معطوفة على الجملة التي قبلها.
﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (١٩) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ (٢٠)﴾.
﴿أَفَمَنْ﴾: الهمزة للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أأنت مالك أمرهم، فمن حق عليه كلمة العذاب، فأنت تنقذه، والجملة المحذوفة جملة إنشائية، لا محل لها من الإعراب، والأظهر في ﴿من﴾ كونها شرطية في محل رفع بالابتداء، والخبر الجواب الآتي، أو فعل الشرط، أو هما على الخلاف المذكور في محله. ﴿حَقَّ﴾: فعل ماض، في محل الجزم بـ ﴿من﴾ الشرطية، على كونها فعل شرط لها. ﴿عَلَيْهِ﴾: متعلق بحق، ﴿كَلِمَةُ الْعَذابِ﴾: فاعل، وذكّر الفعل لوجود الفاصل، أو لكون الفاعل مؤنثًا مجازيًا، ﴿أَفَأَنْتَ﴾ الهمزة للاستفهام الإنكاري، كررت لتأكيد الأولى، لطول الفصل، والفاء رابطة لجواب الشرط وجوبًا، لكون الجواب جملة اسمية، ﴿أنت﴾ مبتدأ، ﴿تُنْقِذُ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على محمد - ﷺ -، والجملد الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل الجزم بـ ﴿مَنْ﴾ الشرطية، على كونها جوابًا لها، وجملة ﴿مَنْ﴾ الشرطية، معطوفة على تلك الجملة المحذوفة. والآية جملة واحدة، مركبة من شرط وجواب، معطوفة على جملة محذوفة. ﴿مَنْ﴾: من اسم موصول في محل النصب، مفعول تنقذ، ﴿فِي النَّارِ﴾: جار ومجرور صلة من الموصولة، وهو إظهار في مقام الإضمار، والأصل: فأنت تنقذه من النار. ﴿لكِنِ﴾: حرف عطف وإضراب، بمعنى بل، وليست للاستدراك؛ لأنه لم يسبقها نفي، فالكلام إضراب
﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (١٩) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ (٢٠)﴾.
﴿أَفَمَنْ﴾: الهمزة للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أأنت مالك أمرهم، فمن حق عليه كلمة العذاب، فأنت تنقذه، والجملة المحذوفة جملة إنشائية، لا محل لها من الإعراب، والأظهر في ﴿من﴾ كونها شرطية في محل رفع بالابتداء، والخبر الجواب الآتي، أو فعل الشرط، أو هما على الخلاف المذكور في محله. ﴿حَقَّ﴾: فعل ماض، في محل الجزم بـ ﴿من﴾ الشرطية، على كونها فعل شرط لها. ﴿عَلَيْهِ﴾: متعلق بحق، ﴿كَلِمَةُ الْعَذابِ﴾: فاعل، وذكّر الفعل لوجود الفاصل، أو لكون الفاعل مؤنثًا مجازيًا، ﴿أَفَأَنْتَ﴾ الهمزة للاستفهام الإنكاري، كررت لتأكيد الأولى، لطول الفصل، والفاء رابطة لجواب الشرط وجوبًا، لكون الجواب جملة اسمية، ﴿أنت﴾ مبتدأ، ﴿تُنْقِذُ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على محمد - ﷺ -، والجملد الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل الجزم بـ ﴿مَنْ﴾ الشرطية، على كونها جوابًا لها، وجملة ﴿مَنْ﴾ الشرطية، معطوفة على تلك الجملة المحذوفة. والآية جملة واحدة، مركبة من شرط وجواب، معطوفة على جملة محذوفة. ﴿مَنْ﴾: من اسم موصول في محل النصب، مفعول تنقذ، ﴿فِي النَّارِ﴾: جار ومجرور صلة من الموصولة، وهو إظهار في مقام الإضمار، والأصل: فأنت تنقذه من النار. ﴿لكِنِ﴾: حرف عطف وإضراب، بمعنى بل، وليست للاستدراك؛ لأنه لم يسبقها نفي، فالكلام إضراب
549
من موضوع إلى موضوع مغاير للأول. ﴿الَّذِينَ﴾: مبتدأ، ﴿اتَّقَوْا﴾: فعل، وفاعل، صلة الموصول، ﴿رَبَّهُمْ﴾: مفعول به، ﴿لَهُمْ﴾: خبر مقدم، ﴿غُرَفٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة في محل الرفع خبر عن الموصول، وجملة الموصول، معطوفة على الجملة التي قبلها. ﴿مِنْ فَوْقِها﴾: جار ومجرور خبر مقدم، ﴿غُرَفٌ﴾: مبتدأ مؤخر، ﴿مَبْنِيَّةٌ﴾: صفة غرف، والجملة في محل الرفع، صفة لـ ﴿غُرَفٌ﴾ الأولى، ﴿مَبْنِيَّةٌ﴾: صفة لـ ﴿غُرَفٌ﴾ الثانية، وجملة ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ﴾: صفة ثانية لـ ﴿غُرَفٌ﴾ أو حال من ﴿غُرَفٌ﴾. ﴿وَعَدَ اللَّهُ﴾: مصدر مؤكد لفعل محذوف، دل عليه قوله: ﴿لَهُمْ غُرَفٌ﴾؛ لأنه في معنى: وعدهم الله ذلك، والجملة المحذوفة مستأنفة، مسوقة لتأكيد ما قبلها. ﴿لا﴾: نافية، ﴿يُخْلِفُ اللَّهُ﴾: فعل، وفاعل، ﴿الْمِيعادَ﴾: مفعول به، والجملة في محل النصب حال من لفظ الجلالة، لوجود شرط مجيء الحال، من المضاف إليه.
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطامًا إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٢١)﴾.
﴿أَلَمْ﴾: الهمزة فيه للاستفهام التقريري، ﴿لَمْ﴾: حرف نفي وجزم، ﴿تَرَ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على محمد - ﷺ -، أو أي مخاطب، والجملة مستأنفة مسوقة لتمثيل الحياة الدنيا، وسرعة زوالها. ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾ ناصب واسمه، وجملة ﴿أَنْزَلَ﴾: خبره، وجملة ﴿أَنَّ﴾: في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي تر، ﴿مِنَ السَّماءِ﴾: متعلق بـ ﴿أَنْزَلَ﴾، ﴿ماءً﴾: مفعول به، ﴿فَسَلَكَهُ﴾: الفاء: عاطفة، ﴿سلكه﴾: فعل، وفاعل يعود على الله، ومفعول به، معطوف على أنزل، ﴿يَنابِيعَ﴾: حال من مفعول سلكه. ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: متعلق بـ ﴿سلك﴾ أو منصوب بنزع الخافض، ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: صفة له، على أنه اسم مكان. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وتراخ. ﴿يُخْرِجُ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر، معطوف على سلكه، ﴿بِهِ﴾: متعلق بـ ﴿يُخْرِجُ﴾، ﴿زَرْعًا﴾: مفعول به، ﴿مُخْتَلِفًا﴾ صفة ﴿زَرْعًا﴾، ﴿أَلْوانُهُ﴾: فاعل، مختلفًا، ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وتراخ، ﴿يَهِيجُ﴾: فعل مضارع، وفاعل
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطامًا إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٢١)﴾.
﴿أَلَمْ﴾: الهمزة فيه للاستفهام التقريري، ﴿لَمْ﴾: حرف نفي وجزم، ﴿تَرَ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على محمد - ﷺ -، أو أي مخاطب، والجملة مستأنفة مسوقة لتمثيل الحياة الدنيا، وسرعة زوالها. ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾ ناصب واسمه، وجملة ﴿أَنْزَلَ﴾: خبره، وجملة ﴿أَنَّ﴾: في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي تر، ﴿مِنَ السَّماءِ﴾: متعلق بـ ﴿أَنْزَلَ﴾، ﴿ماءً﴾: مفعول به، ﴿فَسَلَكَهُ﴾: الفاء: عاطفة، ﴿سلكه﴾: فعل، وفاعل يعود على الله، ومفعول به، معطوف على أنزل، ﴿يَنابِيعَ﴾: حال من مفعول سلكه. ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: متعلق بـ ﴿سلك﴾ أو منصوب بنزع الخافض، ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: صفة له، على أنه اسم مكان. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وتراخ. ﴿يُخْرِجُ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر، معطوف على سلكه، ﴿بِهِ﴾: متعلق بـ ﴿يُخْرِجُ﴾، ﴿زَرْعًا﴾: مفعول به، ﴿مُخْتَلِفًا﴾ صفة ﴿زَرْعًا﴾، ﴿أَلْوانُهُ﴾: فاعل، مختلفًا، ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وتراخ، ﴿يَهِيجُ﴾: فعل مضارع، وفاعل
550
مستتر يعود على زرع، معطوف على ﴿يُخْرِجُ﴾، ﴿فَتَراهُ﴾: الفاء: عاطفة، ﴿تراه﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر، ومفعول به، معطوف على ﴿يَهِيجُ﴾، ﴿مُصْفَرًّا﴾: حال من الضمير، لأن الرؤية بصرية. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف، ﴿يَجْعَلُهُ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على الله، ومفعول أول، ﴿حُطامًا﴾: مفعول ثان، معطوف على تراه، ﴿أَنَّ﴾: حرف نصب، ﴿فِي ذلِكَ﴾: خبر مقدم لها، ﴿لَذِكْرى﴾: اللام: حرف ابتداء، ﴿ذكرى﴾: اسمها مؤخر، ﴿لِأُولِي الْأَلْبابِ﴾: جار ومجرور، ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿ذكرى﴾؛ لأنه بمعنى التذكرة، وجملة ﴿أَنَّ﴾ مستأنفة، مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٢)﴾.
﴿أَفَمَنْ﴾ الهمزة للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف معلوم من السياق، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير أكل الناس سواء، فمن شرح الله صدره إلخ، والجملة المحذوفة مستأنفة. ﴿من﴾ اسم موصول في محل الرفع، مبتدأ، ﴿شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ﴾: فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة صلة الموصول، ﴿لِلْإِسْلامِ﴾: متعلق بـ ﴿شَرَحَ﴾، ﴿فَهُوَ﴾: الفاء، عاطفة، ﴿هو﴾: مبتدأ، ﴿عَلى نُورٍ﴾: خبره، والجملة الاسمية معطوفة على جملة الصلة، أعني: ﴿شَرَحَ﴾. ﴿مِنْ رَبِّهِ﴾: صفة لـ ﴿نُورٍ﴾، وخبر المبتدأ محذوف، تقديره: كمن قسا قلبه، وحرج صدره، والجملة الاسمية معطوفة على الجملة المحذوفة. ﴿فَوَيْلٌ﴾: الفاء: استئنافية، أو فصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت عدم استوائهما، وأردت بيان حكم القاسي.. فأقول لك: ويل للقاسية قلوبهم. ﴿ويل﴾: مبتدأ، سوّغ الابتداء به ما فيه من معنى الدعاء، ﴿لِلْقاسِيَةِ﴾ خبر المبتدأ. ﴿قُلُوبُهُمْ﴾: فاعل القاسية، ﴿مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾: متعلق بـ ﴿لِلْقاسِيَةِ﴾ ﴿مِنْ﴾: إما للتعليل؛ أي: من أجل ذكره. وقيل: ﴿مِنْ﴾ بمعنى: عن، والمعنى: غلظت عن قبول الذكر، والجملة الاسمية في محل النصب، مقول لجواب إذا المقدرة، أو مستأنفة. ﴿أُولئِكَ﴾: مبتدأ ﴿فِي ضَلالٍ﴾: خبر. ﴿مُبِينٍ﴾: صفة
﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٢)﴾.
﴿أَفَمَنْ﴾ الهمزة للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف معلوم من السياق، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير أكل الناس سواء، فمن شرح الله صدره إلخ، والجملة المحذوفة مستأنفة. ﴿من﴾ اسم موصول في محل الرفع، مبتدأ، ﴿شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ﴾: فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة صلة الموصول، ﴿لِلْإِسْلامِ﴾: متعلق بـ ﴿شَرَحَ﴾، ﴿فَهُوَ﴾: الفاء، عاطفة، ﴿هو﴾: مبتدأ، ﴿عَلى نُورٍ﴾: خبره، والجملة الاسمية معطوفة على جملة الصلة، أعني: ﴿شَرَحَ﴾. ﴿مِنْ رَبِّهِ﴾: صفة لـ ﴿نُورٍ﴾، وخبر المبتدأ محذوف، تقديره: كمن قسا قلبه، وحرج صدره، والجملة الاسمية معطوفة على الجملة المحذوفة. ﴿فَوَيْلٌ﴾: الفاء: استئنافية، أو فصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت عدم استوائهما، وأردت بيان حكم القاسي.. فأقول لك: ويل للقاسية قلوبهم. ﴿ويل﴾: مبتدأ، سوّغ الابتداء به ما فيه من معنى الدعاء، ﴿لِلْقاسِيَةِ﴾ خبر المبتدأ. ﴿قُلُوبُهُمْ﴾: فاعل القاسية، ﴿مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾: متعلق بـ ﴿لِلْقاسِيَةِ﴾ ﴿مِنْ﴾: إما للتعليل؛ أي: من أجل ذكره. وقيل: ﴿مِنْ﴾ بمعنى: عن، والمعنى: غلظت عن قبول الذكر، والجملة الاسمية في محل النصب، مقول لجواب إذا المقدرة، أو مستأنفة. ﴿أُولئِكَ﴾: مبتدأ ﴿فِي ضَلالٍ﴾: خبر. ﴿مُبِينٍ﴾: صفة
551
﴿ضَلالٍ﴾، والجملة مستأنفة.
﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتابًا مُتَشابِهًا مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٢٣)﴾.
﴿اللَّهُ﴾: مبتدأ، ﴿نَزَّلَ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على الله، ﴿أَحْسَنَ الْحَدِيثِ﴾: مفعول به، والجملة الفعلية في محل الرفع، خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة. ﴿كِتابًا﴾ بدل من أحسن الحديث، ويجوز أن يكون حالًا منه. ﴿مُتَشابِهًا﴾: صفة لـ ﴿كِتابًا﴾، ﴿مَثانِيَ﴾: صفة ثانية له، ﴿تَقْشَعِرُّ﴾: فعل مضارع، ﴿مِنْهُ﴾: متعلق به، ﴿جُلُودُ الَّذِينَ﴾: فاعل، ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل النصب، صفة ثالثة لـ ﴿كِتابًا﴾. ﴿يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾: فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة صلة الموصول، ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب مع تراخ، ﴿تَلِينُ جُلُودُهُمْ﴾: فعل، وفاعل، معطوف على تقشعر، و ﴿قُلُوبُهُمْ﴾: معطوف على جلودهم، ﴿إِلى ذِكْرِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ ﴿تَلِينُ﴾ ﴿ذلِكَ هُدَى اللَّهِ﴾: مبتدأ وخبر. والجملة مستأنفة. ﴿يَهْدِي﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على ﴿اللَّهُ﴾، ﴿بِهِ﴾: متعلق به، والجملة في محل النصب حال من لفظ الجلالة، ﴿مَنْ﴾: اسم موصول في محل النصب، مفعول ﴿يَهْدِي﴾، وجملة ﴿يَشاءُ﴾: صلة من الموصولة، والعائد محذوف تقديره: من يشاؤه. ﴿وَمَنْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿مَنْ﴾: اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جواب الشرط، أو الجواب أو هما، ﴿يُضْلِلِ اللَّهُ﴾: فعل مضارع، وفاعل مجزوم بـ ﴿مَنْ﴾ الشرطية، على كونه فعل شرط لها، ﴿فَما﴾: الفاء: رابطة الجواب، ﴿ما﴾: نافية، أو حجازية، ﴿لَهُ﴾: خبر مقدم، أو خبر ﴿ما﴾: مقدم على اسمها، ﴿مَنْ﴾: زائدة، ﴿هادٍ﴾: مبتدأ مؤخر أو اسمها مؤخر. والجملة الاسمية في محل الجزم بمن الشرطية على كونها جوابًا لها، والجملة الشرطية مستأنفة.
﴿أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾.
﴿أَفَمَنْ﴾ الهمزة للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف، والفاء عاطفة
﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتابًا مُتَشابِهًا مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٢٣)﴾.
﴿اللَّهُ﴾: مبتدأ، ﴿نَزَّلَ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على الله، ﴿أَحْسَنَ الْحَدِيثِ﴾: مفعول به، والجملة الفعلية في محل الرفع، خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة. ﴿كِتابًا﴾ بدل من أحسن الحديث، ويجوز أن يكون حالًا منه. ﴿مُتَشابِهًا﴾: صفة لـ ﴿كِتابًا﴾، ﴿مَثانِيَ﴾: صفة ثانية له، ﴿تَقْشَعِرُّ﴾: فعل مضارع، ﴿مِنْهُ﴾: متعلق به، ﴿جُلُودُ الَّذِينَ﴾: فاعل، ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل النصب، صفة ثالثة لـ ﴿كِتابًا﴾. ﴿يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾: فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة صلة الموصول، ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب مع تراخ، ﴿تَلِينُ جُلُودُهُمْ﴾: فعل، وفاعل، معطوف على تقشعر، و ﴿قُلُوبُهُمْ﴾: معطوف على جلودهم، ﴿إِلى ذِكْرِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ ﴿تَلِينُ﴾ ﴿ذلِكَ هُدَى اللَّهِ﴾: مبتدأ وخبر. والجملة مستأنفة. ﴿يَهْدِي﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على ﴿اللَّهُ﴾، ﴿بِهِ﴾: متعلق به، والجملة في محل النصب حال من لفظ الجلالة، ﴿مَنْ﴾: اسم موصول في محل النصب، مفعول ﴿يَهْدِي﴾، وجملة ﴿يَشاءُ﴾: صلة من الموصولة، والعائد محذوف تقديره: من يشاؤه. ﴿وَمَنْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿مَنْ﴾: اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جواب الشرط، أو الجواب أو هما، ﴿يُضْلِلِ اللَّهُ﴾: فعل مضارع، وفاعل مجزوم بـ ﴿مَنْ﴾ الشرطية، على كونه فعل شرط لها، ﴿فَما﴾: الفاء: رابطة الجواب، ﴿ما﴾: نافية، أو حجازية، ﴿لَهُ﴾: خبر مقدم، أو خبر ﴿ما﴾: مقدم على اسمها، ﴿مَنْ﴾: زائدة، ﴿هادٍ﴾: مبتدأ مؤخر أو اسمها مؤخر. والجملة الاسمية في محل الجزم بمن الشرطية على كونها جوابًا لها، والجملة الشرطية مستأنفة.
﴿أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾.
﴿أَفَمَنْ﴾ الهمزة للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف، والفاء عاطفة
552
على ذلك المحذوف، والتقدير: أكل الناس سواء، فمن يتقي بوجهه إلخ. والجملة المحذوفة مستأنفة. ﴿من﴾: اسم موصول في محل الرفع مبتدأ، وجملة ﴿يَتَّقِي بِوَجْهِهِ﴾: صلة الموصول، ﴿سُوءَ الْعَذابِ﴾: مفعول به، ﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾: ظرف، متعلق بـ ﴿يَتَّقِي﴾، وخبر المبتدأ محذوف، تقديره: كمن أمن من العذاب، والجملة الاسمية معطوفة على تلك المحذوفة.
﴿وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٢٤) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٥) فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٢٦)﴾.
﴿وَقِيلَ﴾: الواو: عاطفة، ﴿قِيلَ﴾: فعل ماض مغير الصيغة، ﴿لِلظَّالِمِينَ﴾: متعلق به، ﴿ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾: نائب فاعل محكي لـ ﴿قِيلَ﴾، والجملة معطوفة على جملة ﴿يَتَّقِي﴾، ويصح أن تكون جملة ﴿قِيلَ﴾: حالًا من فاعل ﴿يَتَّقِي﴾، وإن شئت قلت: ﴿ذُوقُوا﴾: فعل، وفاعل، ﴿ما﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول به، ولكنه على تقدير مضاف، والجملة الفعلية في محل الرفع نائب فاعل لـ ﴿قِيلَ﴾، وجملة ﴿كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾: صلة لـ ﴿ما﴾ الموصولة، ﴿كَذَّبَ الَّذِينَ﴾: فعل، وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿مِنْ قَبْلِهِمْ﴾: جار ومجرور صلة الموصول، ﴿فَأَتاهُمُ﴾: الفاء: عاطفة، ﴿أتاهم العذاب﴾: فعل، وفاعل، ومفعول، معطوف على كذّب، ﴿مِنْ حَيْثُ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أتى﴾، وجملة ﴿لا يَشْعُرُونَ﴾: في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿حَيْثُ﴾، ﴿فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ﴾: فعل ماض، ومفعول أول مقدم على الفاعل، وفاعل مؤخر، ﴿الْخِزْيَ﴾: مفعول ثان، والجملة معطوفة على جملة ﴿أتاهم﴾. ﴿فِي الْحَياةِ﴾: متعلق بـ ﴿أذاقهم﴾، ﴿الدُّنْيا﴾ صفة للحياة ﴿وَلَعَذابُ﴾ الواو: استئنافية، اللام: حرف ابتداء، ﴿عذاب الآخرة﴾: مبتدأ، ﴿أَكْبَرُ﴾ خبره، والجملة مستأنفة، أو معطوفة على مقدر تقديره: وهذا هو العذاب الأدنى. ﴿لَوْ﴾: حرف شرط، وجملة ﴿كانُوا يَعْلَمُونَ﴾: فعل شرط لـ ﴿لَوْ﴾، وجوابه محذوف تقديره: لو كانوا يعلمون شدة عذاب الآخرة.. لآمنوا بالله ورسوله، وجملة ﴿لَوْ﴾: الشرطية مستأنفة.
﴿وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٢٤) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٥) فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٢٦)﴾.
﴿وَقِيلَ﴾: الواو: عاطفة، ﴿قِيلَ﴾: فعل ماض مغير الصيغة، ﴿لِلظَّالِمِينَ﴾: متعلق به، ﴿ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾: نائب فاعل محكي لـ ﴿قِيلَ﴾، والجملة معطوفة على جملة ﴿يَتَّقِي﴾، ويصح أن تكون جملة ﴿قِيلَ﴾: حالًا من فاعل ﴿يَتَّقِي﴾، وإن شئت قلت: ﴿ذُوقُوا﴾: فعل، وفاعل، ﴿ما﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول به، ولكنه على تقدير مضاف، والجملة الفعلية في محل الرفع نائب فاعل لـ ﴿قِيلَ﴾، وجملة ﴿كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾: صلة لـ ﴿ما﴾ الموصولة، ﴿كَذَّبَ الَّذِينَ﴾: فعل، وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿مِنْ قَبْلِهِمْ﴾: جار ومجرور صلة الموصول، ﴿فَأَتاهُمُ﴾: الفاء: عاطفة، ﴿أتاهم العذاب﴾: فعل، وفاعل، ومفعول، معطوف على كذّب، ﴿مِنْ حَيْثُ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أتى﴾، وجملة ﴿لا يَشْعُرُونَ﴾: في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿حَيْثُ﴾، ﴿فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ﴾: فعل ماض، ومفعول أول مقدم على الفاعل، وفاعل مؤخر، ﴿الْخِزْيَ﴾: مفعول ثان، والجملة معطوفة على جملة ﴿أتاهم﴾. ﴿فِي الْحَياةِ﴾: متعلق بـ ﴿أذاقهم﴾، ﴿الدُّنْيا﴾ صفة للحياة ﴿وَلَعَذابُ﴾ الواو: استئنافية، اللام: حرف ابتداء، ﴿عذاب الآخرة﴾: مبتدأ، ﴿أَكْبَرُ﴾ خبره، والجملة مستأنفة، أو معطوفة على مقدر تقديره: وهذا هو العذاب الأدنى. ﴿لَوْ﴾: حرف شرط، وجملة ﴿كانُوا يَعْلَمُونَ﴾: فعل شرط لـ ﴿لَوْ﴾، وجوابه محذوف تقديره: لو كانوا يعلمون شدة عذاب الآخرة.. لآمنوا بالله ورسوله، وجملة ﴿لَوْ﴾: الشرطية مستأنفة.
553
﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧) قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٢٨)﴾.
﴿وَلَقَدْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، واللام: موطئة للقسم، ﴿قد﴾: حرف تحقيق، ﴿ضَرَبْنا﴾: فعل، وفاعل، ﴿لِلنَّاسِ﴾ متعلق بـ ﴿ضَرَبْنا﴾ على أنه مفعول ثان لـ ﴿ضَرَبْنا﴾؛ لأنه بمعنى: جعلنا وبيّنا. ﴿فِي هذَا الْقُرْآنِ﴾: حال من كل مثل، أو متعلق بـ ﴿ضَرَبْنا﴾، ﴿مِنْ﴾: زائدة، ﴿كُلِّ مَثَلٍ﴾: مفعول أول لـ ﴿ضَرَبْنا﴾ أو ﴿مِنْ﴾: أصلية صفة لمفعول أول محذوف، تقديره: مثلًا كائنًا من كل مثل، والجملة الفعلية جواب القسم، لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مستأنفة. ﴿لَعَلَّهُمْ﴾: ناصب واسمه وجملة ﴿يَتَذَكَّرُونَ﴾: خبره، وجملة ﴿لعل﴾: مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها. ﴿قُرْآنًا﴾: حال موطئة من القرآن؛ لأنها ذكرت توطئة للنعت بالمشتق، لما كانت جامدة، والاعتماد فيها على الصفة. ﴿عَرَبِيًّا﴾: صفة لـ ﴿قُرْآنًا﴾، ﴿غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾: صفة ثانية لـ ﴿قُرْآنًا﴾، ومضاف إليه. ﴿لَعَلَّهُمْ﴾: ناصب واسمه، وجملة ﴿يَتَّقُونَ﴾: خبره، وجملة ﴿لعل﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٩)﴾.
﴿ضَرَبَ اللَّهُ﴾: فعل، وفاعل، والجملة الفعلية مستأنفة. ﴿مَثَلًا﴾: مفعول ثان لـ ﴿ضَرَبَ﴾؛ لأنه بمعنى: جعل. ﴿رَجُلًا﴾: مفعوله الأول أخر عن الثاني، للتشويق إليه، وليتصل به، ما هو من تتمته، التي هي العمدة في التمثيل. ﴿فِيهِ﴾: خبر مقدم. ﴿شُرَكاءُ﴾: مبتدأ مؤخر، ﴿مُتَشاكِسُونَ﴾: صفة لـ ﴿شُرَكاءُ﴾، والجملة الاسمية صفة لـ ﴿رَجُلًا﴾. ﴿وَرَجُلًا﴾: معطوف على ﴿رَجُلًا﴾. ﴿سَلَمًا﴾: صفة ﴿رَجُلًا﴾، نعت بالمصدر على سبيل المبالغة على حد: مررت برجل عدل. ﴿لِرَجُلٍ﴾: متعلق بـ ﴿سَلَمًا﴾، ﴿هَلْ﴾: حرف للاستفهام الإنكاري، ﴿يَسْتَوِيانِ﴾: فعل، وفاعل، ﴿مَثَلًا﴾: تمييز محول عن الفاعل؛ أي: هل يستوي مثلهما؟. والجملة الفعلية، جملة إنشائية، لا محل لها من الإعراب. ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾: مبتدأ
﴿وَلَقَدْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، واللام: موطئة للقسم، ﴿قد﴾: حرف تحقيق، ﴿ضَرَبْنا﴾: فعل، وفاعل، ﴿لِلنَّاسِ﴾ متعلق بـ ﴿ضَرَبْنا﴾ على أنه مفعول ثان لـ ﴿ضَرَبْنا﴾؛ لأنه بمعنى: جعلنا وبيّنا. ﴿فِي هذَا الْقُرْآنِ﴾: حال من كل مثل، أو متعلق بـ ﴿ضَرَبْنا﴾، ﴿مِنْ﴾: زائدة، ﴿كُلِّ مَثَلٍ﴾: مفعول أول لـ ﴿ضَرَبْنا﴾ أو ﴿مِنْ﴾: أصلية صفة لمفعول أول محذوف، تقديره: مثلًا كائنًا من كل مثل، والجملة الفعلية جواب القسم، لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مستأنفة. ﴿لَعَلَّهُمْ﴾: ناصب واسمه وجملة ﴿يَتَذَكَّرُونَ﴾: خبره، وجملة ﴿لعل﴾: مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها. ﴿قُرْآنًا﴾: حال موطئة من القرآن؛ لأنها ذكرت توطئة للنعت بالمشتق، لما كانت جامدة، والاعتماد فيها على الصفة. ﴿عَرَبِيًّا﴾: صفة لـ ﴿قُرْآنًا﴾، ﴿غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾: صفة ثانية لـ ﴿قُرْآنًا﴾، ومضاف إليه. ﴿لَعَلَّهُمْ﴾: ناصب واسمه، وجملة ﴿يَتَّقُونَ﴾: خبره، وجملة ﴿لعل﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٩)﴾.
﴿ضَرَبَ اللَّهُ﴾: فعل، وفاعل، والجملة الفعلية مستأنفة. ﴿مَثَلًا﴾: مفعول ثان لـ ﴿ضَرَبَ﴾؛ لأنه بمعنى: جعل. ﴿رَجُلًا﴾: مفعوله الأول أخر عن الثاني، للتشويق إليه، وليتصل به، ما هو من تتمته، التي هي العمدة في التمثيل. ﴿فِيهِ﴾: خبر مقدم. ﴿شُرَكاءُ﴾: مبتدأ مؤخر، ﴿مُتَشاكِسُونَ﴾: صفة لـ ﴿شُرَكاءُ﴾، والجملة الاسمية صفة لـ ﴿رَجُلًا﴾. ﴿وَرَجُلًا﴾: معطوف على ﴿رَجُلًا﴾. ﴿سَلَمًا﴾: صفة ﴿رَجُلًا﴾، نعت بالمصدر على سبيل المبالغة على حد: مررت برجل عدل. ﴿لِرَجُلٍ﴾: متعلق بـ ﴿سَلَمًا﴾، ﴿هَلْ﴾: حرف للاستفهام الإنكاري، ﴿يَسْتَوِيانِ﴾: فعل، وفاعل، ﴿مَثَلًا﴾: تمييز محول عن الفاعل؛ أي: هل يستوي مثلهما؟. والجملة الفعلية، جملة إنشائية، لا محل لها من الإعراب. ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾: مبتدأ
554
وخبر، والجملة الاسمية معترضة؛ لأن قوله ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾: إضراب انتقالي، مرتبط بقوله: ﴿هَلْ يَسْتَوِيانِ﴾. ﴿بَلْ﴾: حرف عطف وإضراب، ﴿أَكْثَرُهُمْ﴾: مبتدأ، وجملة ﴿لا يَعْلَمُونَ﴾: خبره، والجملة معطوفة على جملة ﴿هَلْ يَسْتَوِيانِ﴾.
﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١)﴾.
﴿إِنَّكَ﴾: ناصب واسمه، ﴿مَيِّتٌ﴾: خبره، والجملة مستأنفة. ﴿وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾: ناصب واسمه، وخبره، معطوف على ما قبله. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف للترتيب مع التراخي. ﴿إِنَّكُمْ﴾: ناصب واسمه، ﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾: ظرف متعلق بـ ﴿تَخْتَصِمُونَ﴾، ﴿عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾: ظرف ومضاف إليه، متعلق بمحذوف حال من اسم ﴿إن﴾، أو من فاعل ﴿تَخْتَصِمُونَ﴾: أو متعلق بـ ﴿تَخْتَصِمُونَ﴾، وجملة ﴿تَخْتَصِمُونَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ معطوفة على جملة ﴿إن﴾ الأولى. والله أعلم.
التصريف ومفردات اللغة
﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ﴾ والطاغوت: يطلق على الواحد والجمع، كما في «المختار»، ويذكر ويؤنث كما في «المصباح». قال الأخفش: الطاغوت: جمع ويجوز أن يكون مفردة مؤنثة؛ أي: تباعدوا عن الطاغوت، وكانوا منها على جانب فلم يعبدوها، وقال مجاهد وابن زيد: هو الشيطان. وقال الضحاك والسدي: هي الأوثان، وقيل: إنه الكاهن، وقيل: إنه اسم أعجمي مثل: طالوت، وجالوت، وهاروت، وماروت. وقيل: إنه اسم عربي مشتق من الطغيان، وعبارة الروح: قوله: ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ﴾ من الاجتناب، وهو الابتعاد يقال: اجتنبه إذا بعد عنه، والطاغوت: البالغ أقصى غاية الطغيان، وهو تجاوز الحد في العصيان، فلعوت من الطغيان بتقديم اللام على العين، لأن أصله: طغيوت، بني للمبالغة كالرحموت والعظموت، ثم وصف به للمبالغة في النعت، كأن عين الشيطان طغيان؛ لأن المراد به هو الشيطان، وتاؤه زائدة دون التأنيث، كما قال في «كشف الأسرار»: التاء ليست بأصلية، هي في الطاغوت كهي في الملكوت والجبروت، واللاهوت والناسوت والرحموت والرهبوت. قال
﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١)﴾.
﴿إِنَّكَ﴾: ناصب واسمه، ﴿مَيِّتٌ﴾: خبره، والجملة مستأنفة. ﴿وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾: ناصب واسمه، وخبره، معطوف على ما قبله. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف للترتيب مع التراخي. ﴿إِنَّكُمْ﴾: ناصب واسمه، ﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾: ظرف متعلق بـ ﴿تَخْتَصِمُونَ﴾، ﴿عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾: ظرف ومضاف إليه، متعلق بمحذوف حال من اسم ﴿إن﴾، أو من فاعل ﴿تَخْتَصِمُونَ﴾: أو متعلق بـ ﴿تَخْتَصِمُونَ﴾، وجملة ﴿تَخْتَصِمُونَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ معطوفة على جملة ﴿إن﴾ الأولى. والله أعلم.
التصريف ومفردات اللغة
﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ﴾ والطاغوت: يطلق على الواحد والجمع، كما في «المختار»، ويذكر ويؤنث كما في «المصباح». قال الأخفش: الطاغوت: جمع ويجوز أن يكون مفردة مؤنثة؛ أي: تباعدوا عن الطاغوت، وكانوا منها على جانب فلم يعبدوها، وقال مجاهد وابن زيد: هو الشيطان. وقال الضحاك والسدي: هي الأوثان، وقيل: إنه الكاهن، وقيل: إنه اسم أعجمي مثل: طالوت، وجالوت، وهاروت، وماروت. وقيل: إنه اسم عربي مشتق من الطغيان، وعبارة الروح: قوله: ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ﴾ من الاجتناب، وهو الابتعاد يقال: اجتنبه إذا بعد عنه، والطاغوت: البالغ أقصى غاية الطغيان، وهو تجاوز الحد في العصيان، فلعوت من الطغيان بتقديم اللام على العين، لأن أصله: طغيوت، بني للمبالغة كالرحموت والعظموت، ثم وصف به للمبالغة في النعت، كأن عين الشيطان طغيان؛ لأن المراد به هو الشيطان، وتاؤه زائدة دون التأنيث، كما قال في «كشف الأسرار»: التاء ليست بأصلية، هي في الطاغوت كهي في الملكوت والجبروت، واللاهوت والناسوت والرحموت والرهبوت. قال
555
الراغب: هو عبارة عن كل متعد، وكل معبود من دون الله. وفي «القاموس»: الطاغوت: اللات، والعزى، والكاهن، والشيطان، وكل رأس ضلال، والأصنام، وكل ما عبد من دون الله، ومردة أهل الكتاب، وقال في «كشف الأسرار»: كل من عبد شيئًا غير الله فهو طاغ، ومعبوده طاغوت. وفي «التأويلات النجمية»: طاغوت كل أحد نفسه، وإنما يتجنب الطاغوت من خالف هواه، وعانق رضى مولاه، ورجع إليه بالخروج عما سواه، رجوعًا كليًا.
﴿لَهُمْ غُرَفٌ﴾ جمع غرفة، وهي علية من البناء، وسمي منازل الجنة غرفًا، كما في «المفردات».
﴿فَسَلَكَهُ﴾؛ أي: أدخله ﴿يَنابِيعَ﴾ وفي زاده: الينابيع: جمع ينبوع، وهو إما الموضع الذي يجري فيه الماء من خلال الأرض، أو نفس الماء الجاري، والينبوع يفعول من نبع الماء إذا خرج، وسال. ومضارعه: ينبع بالحركات الثلاث في عين المضارع، فإن كان الينبوع بمعنى المنبع، كان نصب ينابيع على المصدر؛ أي: سلكه سلوكا في ينابيع، وأدخله إدخالًا فيها، على أن يكون ﴿يَنابِيعَ﴾ ظرفًا للمصدر المحذوف، فلما أقيم مقام المصدر، جعل انتصابه على المصدر، وإن كان بمعنى النابع كان انتصابه على الحال؛ أي: نابعات، اهـ. وفي «المختار»: نبع الماء إذا خرج، وبابه: قطع، ودخل، ونبع ينبع نبعانًا بفتح الباء لغة أيضًا، والينبوع: عين الماء، ومنه: قوله تعالى: ﴿حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا﴾. والجمع ينابيع، اهـ. فما يقوله العامة وهو نبع مولد غير معروف، وإنما النبع مصدر، وشجر تتخذ منه السهام والقسي، يقال: فزعوا النبع بالنبع؛ أي: تلاقوا، وتطاعنوا، وما رأيت أصلب منه نبعًا؛ أي: أشد منه.
﴿زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوانُهُ﴾؛ أي: من أصفر، وأحمر، وأخضر، وأبيض، وشمل لفظ الزرع جميع ما يستنبت من مقتات وغيره، والزرع في الأصل: مصدر بمعنى الإنبات، عبّر به عن المزروع؛ أي: مزروعا. ﴿فَتَراهُ مُصْفَرًّا﴾؛ أي: زالت خضرته، ونضارته، اهـ من «النهر». ﴿ثُمَّ يَهِيجُ﴾؛ أي: ييبس، ويتم جفافه؛ لأنه إذا تم جفافه حان له أن يثور وينتشر عن منابته، ويذهب. وفي «المختار»: وهاج
﴿لَهُمْ غُرَفٌ﴾ جمع غرفة، وهي علية من البناء، وسمي منازل الجنة غرفًا، كما في «المفردات».
﴿فَسَلَكَهُ﴾؛ أي: أدخله ﴿يَنابِيعَ﴾ وفي زاده: الينابيع: جمع ينبوع، وهو إما الموضع الذي يجري فيه الماء من خلال الأرض، أو نفس الماء الجاري، والينبوع يفعول من نبع الماء إذا خرج، وسال. ومضارعه: ينبع بالحركات الثلاث في عين المضارع، فإن كان الينبوع بمعنى المنبع، كان نصب ينابيع على المصدر؛ أي: سلكه سلوكا في ينابيع، وأدخله إدخالًا فيها، على أن يكون ﴿يَنابِيعَ﴾ ظرفًا للمصدر المحذوف، فلما أقيم مقام المصدر، جعل انتصابه على المصدر، وإن كان بمعنى النابع كان انتصابه على الحال؛ أي: نابعات، اهـ. وفي «المختار»: نبع الماء إذا خرج، وبابه: قطع، ودخل، ونبع ينبع نبعانًا بفتح الباء لغة أيضًا، والينبوع: عين الماء، ومنه: قوله تعالى: ﴿حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا﴾. والجمع ينابيع، اهـ. فما يقوله العامة وهو نبع مولد غير معروف، وإنما النبع مصدر، وشجر تتخذ منه السهام والقسي، يقال: فزعوا النبع بالنبع؛ أي: تلاقوا، وتطاعنوا، وما رأيت أصلب منه نبعًا؛ أي: أشد منه.
﴿زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوانُهُ﴾؛ أي: من أصفر، وأحمر، وأخضر، وأبيض، وشمل لفظ الزرع جميع ما يستنبت من مقتات وغيره، والزرع في الأصل: مصدر بمعنى الإنبات، عبّر به عن المزروع؛ أي: مزروعا. ﴿فَتَراهُ مُصْفَرًّا﴾؛ أي: زالت خضرته، ونضارته، اهـ من «النهر». ﴿ثُمَّ يَهِيجُ﴾؛ أي: ييبس، ويتم جفافه؛ لأنه إذا تم جفافه حان له أن يثور وينتشر عن منابته، ويذهب. وفي «المختار»: وهاج
556
النبت يهيج هياجًا بالكسر وهيجًا وهيجانًا: يبس. وفي المصباح: وهاج البقل يهيج: اصفر. ﴿فَتَراهُ مُصْفَرًّا﴾ قال الراغب: الصفرة: لون من الألوان التي بين السواد والبياض، وهي إلى البياض أقرب، ولذلك قد يعبر بها عن السواد. ﴿حُطامًا﴾؛ أي: فتاتًا. وفي «المصباح»: حطم الشيء حطمًا من باب تعب، فهو حطم إذا تكسر، ويقال للدابة إذا أسنّت: حطمة، ويتعدى بالحركة فيقال: حطمته حطما من باب ضرب فانحطم، وحطمته بالتشديد مبالغة، وتحطم العود إذا تفتت من اليبس.
﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ﴾ وأصل الشرح: بسط اللحم، ونحوه. يقال: شرحت اللحم، وشرحته. ومنه: شرح الصدر بنور إلهي وسكينة من جهته وروح، كما في «المفردات». وشرح الصدر للإسلام: الفرح به، والطمأنينة إليه، والنور البصيرة، والهدى.
﴿لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ والقسوة: جمود، وصلابة في القلب. يقال: قلب قاس؛ أي: لا يرق ولا يلين، وأصله من حجر قاس، والمقاساة: معالجة ذلك.
﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ﴾ قال في «المفردات»: كل كلام يبلغ الإنسان من جهة السمع، أو الوحي في يقظته أو منامه، يقال له: حديث، وفي عرف العامة: الخبر والكلام، وأحسنيته لفصاحته وإعجازه. ﴿مُتَشابِهًا﴾؛ أي: يشبه بعضه بعضا في الحسن، والإحكام.
﴿مَثانِيَ﴾ جمع مثنى بضم الميم وفتح الثاء والنون المشددة على خلاف القياس. إذ قياسه مثنيات. أو جمع مثنى بالفتح مخففًا. وعلى الأول فهو من التثنية بمعنى التكرير والإعادة، وعلى الثاني مفعل بفتح الميم وإسكان الفاء من التثنية بمعنى التكرير أيضًا، بحذف الزوائد، أو جمع مثنى بضم الميم وإسكان الثاء وفتح النون، من أثنى الرباعي؛ أي: مثني عليه بالبلاغة والفصاحة حتى قال بعضهم لبعض: ألا سجدت لفصاحته، ويجوز أن يكون بكسر النون؛ أي: مثن عليّ بما هو أهله من صفاته العظمى، وفي «المفردات»: وسمي سور القرآن مثاني، لأنها تثنى على مرور الأيام، وتكرر، فلا تدرس ولا تنقطع دروس سائر
﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ﴾ وأصل الشرح: بسط اللحم، ونحوه. يقال: شرحت اللحم، وشرحته. ومنه: شرح الصدر بنور إلهي وسكينة من جهته وروح، كما في «المفردات». وشرح الصدر للإسلام: الفرح به، والطمأنينة إليه، والنور البصيرة، والهدى.
﴿لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ والقسوة: جمود، وصلابة في القلب. يقال: قلب قاس؛ أي: لا يرق ولا يلين، وأصله من حجر قاس، والمقاساة: معالجة ذلك.
﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ﴾ قال في «المفردات»: كل كلام يبلغ الإنسان من جهة السمع، أو الوحي في يقظته أو منامه، يقال له: حديث، وفي عرف العامة: الخبر والكلام، وأحسنيته لفصاحته وإعجازه. ﴿مُتَشابِهًا﴾؛ أي: يشبه بعضه بعضا في الحسن، والإحكام.
﴿مَثانِيَ﴾ جمع مثنى بضم الميم وفتح الثاء والنون المشددة على خلاف القياس. إذ قياسه مثنيات. أو جمع مثنى بالفتح مخففًا. وعلى الأول فهو من التثنية بمعنى التكرير والإعادة، وعلى الثاني مفعل بفتح الميم وإسكان الفاء من التثنية بمعنى التكرير أيضًا، بحذف الزوائد، أو جمع مثنى بضم الميم وإسكان الثاء وفتح النون، من أثنى الرباعي؛ أي: مثني عليه بالبلاغة والفصاحة حتى قال بعضهم لبعض: ألا سجدت لفصاحته، ويجوز أن يكون بكسر النون؛ أي: مثن عليّ بما هو أهله من صفاته العظمى، وفي «المفردات»: وسمي سور القرآن مثاني، لأنها تثنى على مرور الأيام، وتكرر، فلا تدرس ولا تنقطع دروس سائر
557
الأشياء التي تضمحل وتبطل على مرور الأيام، وإنما تدرس الأوراق، كما روي أن عثمان رضي الله عنه حرق مصحفين لكثرة قراءته فيهما. ويصح أن يقال للقرآن: مثاني لما يثنى ويتجدد حالًا فحالًا من فوائده، كما جاء في نعته، ولا تنقضي عجائبه، ويجوز أن يكون ذلك من الثناء، تنبيهًا على أنه أبدًا يظهر منه، ما يدعو إلى الثناء عليه، وعلى من يتلوه ويعلمه، ويعمل به، وعلى هذا الوجه وصفه بالكرم في قوله: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧)﴾، وبالمجد في قوله: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١)﴾. قال ابن بحر: لما كان القرآن مخالفًا لنظم البشر، ونثرهم حول أسماءه، بخلاف ما سموا به كلامهم على الجملة والتفصيل، فسمى جملته قرآنًا، كما سموا ديوانًا، وكما قالوا: قصيدةٌ وخطبةٌ ورسالةٌ، قال: سورة، وكما قالوا: بيت قال: آية، وكما سميت الأبيات لاتفاق أواخرها قوافي سمى الله القرآن لاتفاق خواتيم الآي فيه مثاني.
﴿تَقْشَعِرُّ مِنْهُ﴾؛ أي: تضطرب، وتتحرك، وتشمئز. يقال: اقشعر جلده: أخذته قشعريرة؛ أي: رعدة، كما في «القاموس»، والجلد: قشر البدن، كما في «المفردات»، ويقال: اقشعر جلده إذا تقبّض، وتجمع من الخوف، ووقف شعره كما مر، والمصدر: الاقشعرار، والقشعريرة أيضًا، ووزن اقشعر افعلل، ووزن القشعريرة: فَعْلَليلة، اهـ «سمين».
﴿أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ﴾ يقال: اتقى فلان بكذا، إذا جعله وقايةً لنفسه، والتركيب يدل على دفع شيء عن شيء يضره. ﴿غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾ تقدم معنى العوج في الكهف، وأن العوج بالكسر مختص بالمعاني دون الأعيان، والسر فيه فارجع إليه هناك، وقيل: المراد بالعوج: الشك، واللبس. قال:
﴿مُتَشاكِسُونَ﴾؛ أي: متنازعون مختلفون. قال الزمخشري: التشاكس، والتشاخس: الاختلاف. تقول: تشاكست أحواله، وتشاخست أسبابه، وفي «المختار»: رجل شكس بوزن فلس؛ أي: صعب الخلق، وقوم شُكس بوزن قفل، وبابه: سلم. وحكى الفراء: رجل شكس بكسر الكاف، وهو القياسُ. وفي
﴿تَقْشَعِرُّ مِنْهُ﴾؛ أي: تضطرب، وتتحرك، وتشمئز. يقال: اقشعر جلده: أخذته قشعريرة؛ أي: رعدة، كما في «القاموس»، والجلد: قشر البدن، كما في «المفردات»، ويقال: اقشعر جلده إذا تقبّض، وتجمع من الخوف، ووقف شعره كما مر، والمصدر: الاقشعرار، والقشعريرة أيضًا، ووزن اقشعر افعلل، ووزن القشعريرة: فَعْلَليلة، اهـ «سمين».
﴿أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ﴾ يقال: اتقى فلان بكذا، إذا جعله وقايةً لنفسه، والتركيب يدل على دفع شيء عن شيء يضره. ﴿غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾ تقدم معنى العوج في الكهف، وأن العوج بالكسر مختص بالمعاني دون الأعيان، والسر فيه فارجع إليه هناك، وقيل: المراد بالعوج: الشك، واللبس. قال:
وَقَدْ أَتَاكَ يَقِيْنٌ غَيْرُ ذِيْ عِوَجٍ | مِنَ الإِلَهِ وَقَوْلٌ غَيْرُ مَكْذُوْبِ |
558
«الصحاح»: رجل شكس بالتسكين؛ أي: صعب الخلق، وقوم شكس مثل: رجل صدق وقوم صدق، وقد شكس بالكسر من باب سلم شكاسة. وفي «السمين»: والتشاكس: التخالف، وأصله سوء الخلق، وعسره. وهو سبب التخالف، والتشاجر. وفي «القرطبي» ﴿مُتَشاكِسُونَ﴾ من شكس يشكس شكسًا، بوزن قفل، فهو شكس مثل: عسر يعسر عسرًا فهو عسر. يقال: رجل شكس، وشرس، وضرس.
﴿وَرَجُلًا﴾ والرجل: ذكر من بني آدم جاوز حد الصغر. ﴿سَلَمًا﴾ بفتحتين، وكقتل، وكفسق: مصدر من سلم له من كذا. ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا﴾ وضرب المثل: تشبيه حال عجيبة بأخرى، وجعلها مثلًا لها. ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ﴾ قال الفراء: الميت بالتشديد: من لم يمت وسيموت، والميت بالتخفيف: من فارقته الروح. ولذلك لم يخفف في الآية. قال الخليل: أنشد أبو عمرو:
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: المبالغة في قوله: ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ﴾، ففي تشبيه الشيطان بالطاغوت، وجوه ثلاثة من المبالغة.
١ - تسميته بالمصدر، كأنه نفس الطغيان.
٢ - بناؤه على فعلوت، وهي صيغة مبالغة كالرحموت، وهي الرحمة الواسعة، والملكوت، وهو الملك الواسع.
٣ - تقديم لامه على عينه، ليفيد اختصاصه بهذه التسمية.
ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: ﴿فَبَشِّرْ عِبادِ﴾. فوضع الظاهر
﴿وَرَجُلًا﴾ والرجل: ذكر من بني آدم جاوز حد الصغر. ﴿سَلَمًا﴾ بفتحتين، وكقتل، وكفسق: مصدر من سلم له من كذا. ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا﴾ وضرب المثل: تشبيه حال عجيبة بأخرى، وجعلها مثلًا لها. ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ﴾ قال الفراء: الميت بالتشديد: من لم يمت وسيموت، والميت بالتخفيف: من فارقته الروح. ولذلك لم يخفف في الآية. قال الخليل: أنشد أبو عمرو:
إِنْ تَسْأَلْنِي تَفْسِيْرَ مَيْتٍ وَمَيِّتِ | فَدُونَكَ قَدْ فَسَّرْتُ إِنْ كُنْتَ تَعْقِلُ |
فَمَنْ كَانَ ذَا رُوْحٍ فَذَلِكَ مَيِّتٌ | وَمَا الْمَيْتُ إِلّا مَنْ إِلَى الْقَبْرِ يُحْمَلُ |
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: المبالغة في قوله: ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ﴾، ففي تشبيه الشيطان بالطاغوت، وجوه ثلاثة من المبالغة.
١ - تسميته بالمصدر، كأنه نفس الطغيان.
٢ - بناؤه على فعلوت، وهي صيغة مبالغة كالرحموت، وهي الرحمة الواسعة، والملكوت، وهو الملك الواسع.
٣ - تقديم لامه على عينه، ليفيد اختصاصه بهذه التسمية.
ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: ﴿فَبَشِّرْ عِبادِ﴾. فوضع الظاهر
559
موضع ضميرهم، تشريفًا لهم بالإضافة، ودلالة على أن مدار اتصافهم بالاجتناب والإنابة: كونهم نقادًا في الدين، يميزون الحق من الباطل، ويؤثرون الأفضل فالأفضل، اهـ من «الإرشاد».
ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: ﴿أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ﴾ أوقع الظاهر وهو ﴿مَنْ فِي النَّارِ﴾ موقع المضمر؛ لأن حقه: أفأنت تنقذه، وفيه أيضًا مجاز مرسل، علاقته السببية، فقد أطلق المسبب وأراد السبب؛ لأن الضلال سبب لدخول النار، والمعنى: أفأنت تهديه بدعائك له إلى الإيمان، فتنقذه من النار، وفيه أيضًا تكرير همزة الاستفهام الإنكاري، فالأولى لإفادته، والثانية لتأكيده لطول الكلام، ولولا طوله لم يجز الإتيان بها؛ لأنه لا يصلح في العربية أن يؤتى بألف الاستفهام في اسم الشرط، وبأخرى في الجزاء، وقيل: الاتقاء بالوجه، كناية عن عدم ما يتقي به، إذ الاتقاء بالوجه لا وجه له على حد قوله:
وَلَا عَيْبَ فِيْهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُم
ومنها: الإتيان بصيغة الماضي في قوله: ﴿وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ﴾ للدلالة على تحقق وقوع القول، وفيه أيضًا وضع الظاهر موضع المضمر، تسجيلًا عليهم بالظلم، والإشعار بعلة الأمر في قوله: ﴿ذُوقُوا...﴾ إلخ، اهـ «أبو السعود».
ومنها: الإتيان بصيغة المضارع في قوله: ﴿ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا﴾ لاستحضار الصورة الماضية.
ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ﴾ لدلالة السياق عليه حذف خبره، تقديره: كمن طبع الله على قلبه. وفيها أيضًا الاستفهام الإنكاري.
ومنها: وصف الواحد بالجمع في قوله: ﴿مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ﴾. فإنه وصف الواحد وهو الكتاب بالجمع، وهو المثاني باعتبار تفاصيله؛ لأن الكتاب جملة ذات تفاصيل، فإنه يقال: القرآن أسباع، وأخماس، وسور، وآيات، وأقاصيص وأحكام، ومواعظ مكررات، كما مر.
ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: ﴿أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ﴾ أوقع الظاهر وهو ﴿مَنْ فِي النَّارِ﴾ موقع المضمر؛ لأن حقه: أفأنت تنقذه، وفيه أيضًا مجاز مرسل، علاقته السببية، فقد أطلق المسبب وأراد السبب؛ لأن الضلال سبب لدخول النار، والمعنى: أفأنت تهديه بدعائك له إلى الإيمان، فتنقذه من النار، وفيه أيضًا تكرير همزة الاستفهام الإنكاري، فالأولى لإفادته، والثانية لتأكيده لطول الكلام، ولولا طوله لم يجز الإتيان بها؛ لأنه لا يصلح في العربية أن يؤتى بألف الاستفهام في اسم الشرط، وبأخرى في الجزاء، وقيل: الاتقاء بالوجه، كناية عن عدم ما يتقي به، إذ الاتقاء بالوجه لا وجه له على حد قوله:
وَلَا عَيْبَ فِيْهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُم
ومنها: الإتيان بصيغة الماضي في قوله: ﴿وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ﴾ للدلالة على تحقق وقوع القول، وفيه أيضًا وضع الظاهر موضع المضمر، تسجيلًا عليهم بالظلم، والإشعار بعلة الأمر في قوله: ﴿ذُوقُوا...﴾ إلخ، اهـ «أبو السعود».
ومنها: الإتيان بصيغة المضارع في قوله: ﴿ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا﴾ لاستحضار الصورة الماضية.
ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ﴾ لدلالة السياق عليه حذف خبره، تقديره: كمن طبع الله على قلبه. وفيها أيضًا الاستفهام الإنكاري.
ومنها: وصف الواحد بالجمع في قوله: ﴿مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ﴾. فإنه وصف الواحد وهو الكتاب بالجمع، وهو المثاني باعتبار تفاصيله؛ لأن الكتاب جملة ذات تفاصيل، فإنه يقال: القرآن أسباع، وأخماس، وسور، وآيات، وأقاصيص وأحكام، ومواعظ مكررات، كما مر.
560
وفائدة التكرير: فيه ترسيخ الكلام في الأذهان، فإن النفوس تمل عادة من الوعظ والتنبيه، وتسأم النصيحة بادىء الأمر، ففي تكرير النصح والموعظة تعويد لها على استساغة ذلك، والعمل به، وقد ثبت: أن رسول الله - ﷺ - كان يكرر عليهم ما يعظ وينصح به، ثلاثًا وسبعًا أحيانًا، ليركز ذلك في نفوسهم، والمعلم النابه لا يفتأ يردد ما يلقيه على طلابه من دروس، حتى يصبح مستساغًا إليهم، هشًا في نفوسهم، بعد أن كان صعبًا ممجوجًا.
ومنها: التهكم في قوله: ﴿فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ﴾؛ لأن الذوق إنما يكون في المطعوم الحالي، فعبر عن إيصال الصغار والعذاب إليهم بالإذاقة، تهكمًا بهم.
ومنها: ضرب المثل في قوله: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ...﴾ الآية. وهو نوع من التشبيه، فقد شبه حال من يعبد آلهة شتى بمملوك اشترك فيه شركاء، شجر بينهم خلاف شديد وخصام مبين، وهم يتجاذبونه، ويتعاورونه في شتى آرابهم، ومتباين أهوائهم، فهو يقف متحيرًا لا يدري لأيهم ينحاز؟، ولأيهم ينصاع، وأيهم أجدر بأن يطيعه؟. وحال من يعبد إلهًا واحدًا، فهو متوفر على خدمته، يلبي كل حاجاته، ويصيخ سمعًا لكل ما ينتدبه إليه، ويطلبه منه.
ومنها: تنكير ﴿رجل﴾ في الموضعين للإفراد؛ أي: فردًا من الأشخاص لفرد من الأشخاص.
ومنها: تخصيص الرجل؛ لأنه أفطن لما يجرى عليه من الضر والنفع؛ لأن المرأة والصبي قد يغفلان عن ذلك.
ومنها: الاستفهام الإنكاري في قوله: ﴿هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا﴾.
ومنها: الاعتراض بجملة ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ في قوله: ﴿هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ فإن جملة ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ اعتراضية، لاعتراضها بين الكلامين، المرتبط أحدهما بالآخر، فإن قوله: ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ إضراب انتقالي، مرتبط بقوله: ﴿هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا﴾، فإنه انتقال من بيان عدم الاستواء على الوجه المذكور، إلى بيان أن أكثرهم لا يعلمون ذلك، مع كمال ظهوره، فيبقون
ومنها: التهكم في قوله: ﴿فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ﴾؛ لأن الذوق إنما يكون في المطعوم الحالي، فعبر عن إيصال الصغار والعذاب إليهم بالإذاقة، تهكمًا بهم.
ومنها: ضرب المثل في قوله: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ...﴾ الآية. وهو نوع من التشبيه، فقد شبه حال من يعبد آلهة شتى بمملوك اشترك فيه شركاء، شجر بينهم خلاف شديد وخصام مبين، وهم يتجاذبونه، ويتعاورونه في شتى آرابهم، ومتباين أهوائهم، فهو يقف متحيرًا لا يدري لأيهم ينحاز؟، ولأيهم ينصاع، وأيهم أجدر بأن يطيعه؟. وحال من يعبد إلهًا واحدًا، فهو متوفر على خدمته، يلبي كل حاجاته، ويصيخ سمعًا لكل ما ينتدبه إليه، ويطلبه منه.
ومنها: تنكير ﴿رجل﴾ في الموضعين للإفراد؛ أي: فردًا من الأشخاص لفرد من الأشخاص.
ومنها: تخصيص الرجل؛ لأنه أفطن لما يجرى عليه من الضر والنفع؛ لأن المرأة والصبي قد يغفلان عن ذلك.
ومنها: الاستفهام الإنكاري في قوله: ﴿هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا﴾.
ومنها: الاعتراض بجملة ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ في قوله: ﴿هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ فإن جملة ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ اعتراضية، لاعتراضها بين الكلامين، المرتبط أحدهما بالآخر، فإن قوله: ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ إضراب انتقالي، مرتبط بقوله: ﴿هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا﴾، فإنه انتقال من بيان عدم الاستواء على الوجه المذكور، إلى بيان أن أكثرهم لا يعلمون ذلك، مع كمال ظهوره، فيبقون
561
في ورطة الشرك والضلال، لفرط جهالتهم.
ومنها: التمهيد بقوله: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠)﴾، فإنه تمهيد لما يعقبه من الخصام يوم القيامة.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع (١).
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب
* * *
ومنها: التمهيد بقوله: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠)﴾، فإنه تمهيد لما يعقبه من الخصام يوم القيامة.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع (١).
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب
* * *
(١) وكان الفراغ من تسويد هذا المجلد، أوائل ليلة الخميس، الإثني عشر من شهر الجمادي الثانية، من شهور سنة ألف وأربع مئة، وأربعة عشر سنة ١٢/ ٦/ ١٤١٤ هـ من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة، وأزكى التحية، بحول الله تعالى وتيسيره. ويتلوه المجلد الخامس والعشرون بتوفيقه، وأوله قوله تعالى: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ﴾، نسأل الله سبحانه الإعانة على التمام والإكمال، كما أعان على الابتداء والافتتاح، والحمد لله أولًا وآخرًا، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، دائمًا إلى يوم الدين، آمين.
562
شعرٌ
آخرُ
آخرُ
آخرُ
إِنَّمَا الدُّنْيَا كَبَيْتٍ | نَسْجُهُ مِنْ عَنْكَبُوت |
وَكُلُّ ذِيْ غَيْبَةٍ يَؤوْبُ | وَغَائِبُ الْمَوْتِ لا يَؤُوْبُ |
إِذَا رَأَيْتَ لَحِيْنَا | كُنْ سَاتِرًا حَلِيْمَا |
يَا مَنْ يُقَبِّحُ سَطْرِيْ | لِمْ لاَ تَمُرُّ كَرِيْمَا |
الْعَبْدُ ذُو ضَجَرٍ وَالرَّبُّ ذُو قَدَرٍ | وَالدَّهْرُ ذُوْ دُوَلٍ وَالرِّزْقُ مَقْسُومُ |
وَالْخَيْرُ أَجْمَعُ فِيْمَا اخْتَارَ خَالِقُنَا | وَفِيْ اخْتِيَارِ سِوَاهُ اللَّوْمُ وَالشُّومُ |
رَأيْتُ أَخَا الدُّنْيَا وَإِنْ كَانَ ثَاوِيَا | أَخَا سَفَرٍ يُسْرَى بِهِ وَهْوَ لَا يَدْرِيْ |