تفسير سورة الحجرات

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة الحجرات من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

سورة الحجرات
مدنيّة وهى ثمانى عشرة اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ربّ يسّر وتمّم بالخير روى البخاري وغيره من طريق ابن جريج عن ابى مليكة ان عبد الله بن الزبير أخبره انه قدم ركب من بنى تميم على رسول الله ﷺ فقال ابو بكر امر القعقاع بن معبد وقال عمر بل امر الأقرع بن الحابس فقال ابو بكر ما أردت إلا خلافي وقال عمر ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزلت.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا اى قوله تعالى وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا الاية قرأ يعقوب لا تقدموا بفتح التاء والدال من التقدم بحذف أحد التاءين والجمهور بضم التاء وكسر الدال من التقديم- قال البغوي هو ايضا لازم بمعنى التقديم مثل بين وتبين وقيل انه متعد والمفعول محذوف ليذهب الوهم الى كل ما يمكن اى لا تقدّموا قولا ولا فعلا- او متروك ونزل الفعل منزلة اللازم يعنى لا يصدر منكم التقديم بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ- بين يدى مستعارة مما بين الجهتين المسامتتين ليمينه وشماله قريبا منه ففيه تمثيل للتقدم الزمانى بالتقدم المكاني والمعنى لا تقولوا قولا ولا تفعلوا شيئا قبل ان يحكمانه قال الضحاك يعنى فى القتال وشرائع الدين لا تقضوا امرا دون الله ورسوله قال ابو عبيدة يقول العرب لا تقدم بين يدى الامام وبين يدى الأب اى لا تعجل بالأمر والنهر والنهى دونه- قيل المراد بين يدى رسول الله وذكر الله تعظيما له واشعارا بان التقديم على رسول الله كانه تقديم على الله تعالى فانه من الله بمكان يوجب إجلاله
39
إجلالا به وسوء الأدب به سوء ادب بالله كما قال الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ واخرج ابن المنذر عن الحسن ان ناسا ذبحوا قبل رسول الله - ﷺ - يوم النحر أمرهم ان يعيدوا ذبحا فانزل الله تعالى هذه الاية كذا اخرج ابن الدنيا فى كتاب الأضاحي بلفظ ذبح رجل قبل الصلاة فنزلت وعن البراء بن عازب قال خطبنا رسول الله - ﷺ - يوم النحر قال ان أول ما ابتدأ فى يومنا هذا ان نصلى ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل ان يصلى فانما هو لحم عجله لاهله ليس من النسك فى شىء متفق عليه- وعن جندب بن عبد الله بلفظ صلى النبي - ﷺ - يوم النحر ثم خطب ثم ذبح ثم قال من كان ذبح قبل ان يصلى فليذبح مكانها اخرى متفق عليه وبما ذكرنا من الأحاديث احتج ابو حنيفة ومالك واحمد على انه لا يجوز ذبح الاضحية قبل صلوة الامام خلافا للشافعى حيث قال يجوز ذبح الاضحية بعد طلوع الشمس من يوم النحر إذ مضى قدر صلوة العيد والخطبتين صلى الامام او لم يصل وقال عطاء يجوز بعد طلوع الشمس فقط وهما محجوجان بما روينا ولا دلالة فى الحديثين على ما قال مالك ان لا يجوز الذبح الا بعد الصلاة وبعد ذبح الامام ولعل مالك أخذ هذا القول من قوله تعالى لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ يعنى لا تذبحوا قبل ذبح الرسول والامام نايب الرسول - ﷺ - قلنا الحديث بيان للاية فلا يشترط ما لا يستفاد من الحديث (مسئلة) قال ابو حنيفة يجوز لاهل السواد حيث لا يصلى هناك صلوة العيد ذبح الأضحية بعد طلوع الفجر الثاني خلافا للائمة الثلاثة فانهم قالوا لا يجوز الا بعد حصول اليقين بصلوة الامام عند احمد والصلاة وذبحه عند مالك وبعد مضى قدر صلوة العيد والخطبتين بعد طلوع الشمس عند الشافعي لاطلاق النصوص- وجه قول ابى حنيفة ان التأخير لاحتمال تشاغل به عن الصلاة ولا معنى للتاخير فى حق القرى ولا صلوة عليه والله اعلم- واخرج الطبراني فى الأوسط عن عائشة ان ناسا كانوا يتقدمون الشهر فيصومون قبل النبي - ﷺ - فانزل الله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا الاية وقد قال رسول الله - ﷺ - لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين الا رجل كان يصوم صوما فيصومه رواه اصحاب الصحاح والسنن الستة وروى اصحاب السنن الاربعة وعلقه البخاري عن عمار قال من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم عليه السلام وقال عليه الصلاة والسلام صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فان غم عليكم فاكملوا عدة شعبان ثلثين يوما وهو فى الصحيحين وعنه ابى داود والترمذي وحسنه وان حال بينكم وبين سحاب فكملوا العدة ثلثين ولا تستقبلوا الشهر استقبالا والله تعالى اعلم
40
واخرج ابن جرير عن قتادة قال ذكر لنا ان ناسا كانوا يقولون لو انزل فى كذا وكذا فانزل الله لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ- وَاتَّقُوا اللَّهَ ط فى تضيع حقه وحق رسول ومخالفة امره إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لاقوالكم عَلِيمٌ بنياتكم.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كرر النداء لاستدعاء مزيد الاستبصار والمبالغة فى الألفاظ وزيادة اهتمام ما امر به لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ إذا كلمتموه وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ يعنى لا ترفعوا أصواتكم عنده ولا تنادوه كما ينادى بعضكم بعضا بان تخاطبوه باسمه او كنيته بل يجب عليكم تبجيله وتعظيمه ومراعات آدابه وخفض الصوت بحضرته وخطابه بالنبي والرسول ونحو ذلك أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ اى كراهة ان تحبط او لئلا يحبط فيكون علة للنهى وجاز ان يكون تقديره لان تحبط متعلق بالنهى واللام للعاقبة فان رفع الصوت فوق صوت النبي - ﷺ - والجهر عليه استخفافا يؤدى الى الكفر فعاقبته حبط العمل إذا قصد الاهانة نعوذ بالله منها وعدم المبالات وترك المراقبة فى آدابه لا يخلوا من الحرمان من بركات صحبته فبطل عمل المصاحبة إذا لم يترتب عليه فائدته وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ حال من الضمير المجرور فى أعمالكم قال البغوي قال ابو هريرة وابن عباس لما نزلت هذه الاية كان ابو بكر لا يكلم النبي - ﷺ - الا كاخى السرار وقال ابن الزبير فيما مر من حديث رواه البخاري فى سبب نزول قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا الآية قال فما كان عمر يسمع رسول الله - ﷺ - بعد هذه الاية حتى يستفهمه- وروى مسلم فى الصحيح عن انس بن مالك قال لما نزلت هذه الاية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ الآية جلس ثابت بن قيس فى بيته وقال انا من اهل النار واحتبس عن النبي - ﷺ - فسال النبي - ﷺ - سعد بن معاذ فقال يا أبا عمر ما شان ثابت اشتكى فقال سعد انه لجارى وما علمت له شكوى فاتاه سعد فذكره قول النبي - ﷺ - قال ثابت أنزلت هذه الاية ولقد علمتم انى من ارفعكم أصواتا على رسول الله - ﷺ - فانا من اهل النار فذكر ذلك سعد لرسول الله - ﷺ - فقال بل هو من اهل الجنة واخرج ابن جرير عن محمد ابن ثابت بن قيس بن شماس وكذا ذكر البغوي انه لما نزلت هذه الاية قعد ثابت فى الطريق يبكى فمر به عاصم بن عدى فقال ما يبكيك يا ثابت قال هذه الاية أتخوف ان نكون نزلت فى وانا رفيع الصوت أخاف ان يحبط عملى وان أكون من اهل النار فمضى عاصم الى رسول الله - ﷺ - وغلب ثابت البكاء فاتى امرأته جميلة بنت عبد الله بن ابى بن سلول فقال لها إذا دخلت بيت فرسى فشدى على الضبة بمسمار فضربته
بمسمار وقال لا اخرج حتى تتوفانى الله او يرضى عنى رسول الله - ﷺ - فاتى عاصم رسول الله - ﷺ - فاخبره خبره فقال اذهب فادعه لى فجاء عاصم الى المكان الذي راه فلم يجده فجاء الى اهله فوجده فى بيت الفرس فقال ان رسول الله - ﷺ - يدعوك فقال اكسر الضبة فاتيا رسول الله - ﷺ - فقال له رسول الله ﷺ ما يبكيك يا ثابت قال أنا صيت وأتخوف ان تكون هذه الاية نزلت فىّ فقال رسول الله - ﷺ - اما ترضى ان تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة فقال رضيت ببشرى الله ورسوله لا ارفع صوتى ابدا على رسول الله - ﷺ - فانزل الله.
إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ اى يخفضونها- عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ إجلالا له أُولئِكَ مبتداء خبره الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى ط والجملة خبر ان فى القاموس امتحن الله قلوبهم اى شرحها ووسعها وفيه ايضا محنه كمنعه وضربه واختبره كامتحنه قال البيضاوي اى جر لها للتقوى ومرتها عليها يعنى عاملها معاملة المختبر فوجدها مخلصة او عرفها كاينة للتقوى خالصة لها فان الامتحان سبب المعرفة- واللام صلة محذوف او للفعل باعتبار الأصل او المعنى ضرب الله قلوبهم بانواع المحن والتكاليف الشاقة لاجل ظهور التقوى فانه لا يظهر الا بالاصطبار عليها او أخلصه للتقوى من امتحن الذهب إذا إذا به او ميز بريزه من خبثه لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَأَجْرٌ عَظِيمٌ بغضهم الأصوات تادبا لرسول الله ولسائر طاعاتهم والتنكير للتعظيم والجملة خبر ثان لان او استيناف لبيان ما هو جزائهم اخبارا لها لهم كما اخبر عنهم بجملة مونلفة من معرفتين والمبتدا اسم الاشارة المتضمن لما جعل عنوانا لهم والخبر الموصول بصلة دلت على بلوغهم أقصى الكمال مبالغة فى الاعتداد بغضهم والارتضاء له تعريضا بشناعة الرفع والجهر وان حال المرتكب لهما على خلاف ذلك وقال البغوي قال انس فكنا ننظر الى رجل من اهل الجنة يمشى بين أيدينا يعنى ثابت بن قيس الذي نزل فيه هذه الاية وقال له عليه السلام تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة قال فلما كان يوم اليمامة من حرب مسيلمة الكذاب راى ثابت فى المسلمين انكسارا وانهزمت طايفة منهم فقال أف لهؤلاء وقال لسالم مولى حذيفة ما كنا نقاتل اعداء الله مع رسول الله - ﷺ - مثل ذلك ثم ثبتا وقاتلا حتى استشهد ثابت وعليه درع فراه رجل من الصحابة بعد موته فى المنام انه قال له اعلم ان فلانا رجلا من المسلمين ينزع درعى فذهب به وهى فى ناحية من العسكر عند فرس يستن؟؟؟ به فى طوله وقد وضع علّى درعى برمة فأت خالد بن الوليد فاخبره حتى يسترد درعى وأت أبا بكر
خليفة رسول الله - ﷺ - وقل له ان علىّ دين حتى يقضى وفلان من رفيقى عتيق- فاخبر الرجل خالدا فوجد درعه والفرس على ما وضعه فاسترد الدرع واخبر خالد أبا بكر بتلك الرؤيا فاجاز ابو بكر وصيته قال مالك بن انس لا اعلم وصية اجيزت بعد موت صاحبها الا هذه والله تعالى اعلم واخرج الطبراني وابو يعلى بسند حسن عن زيد بن أرقم رض قال جاء ناس من العرب الى حجر النبي - ﷺ - فجعلوا ينادون يا محمد ﷺ فانزل الله تعالى.
إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ الاية وما بعدها قرأ الجمهور بضم الجيم وابو جعفر بفتح الجيم وهما لغتان فى جمع حجرة وقال البغوي هى جمع حجر والحجر جمع حجرة فهى جمع الجمع والحجرة قطعة من الأرض احاطتها الجدر ان من الحجر بمعنى المنع والمراد حجرات نساء النبي ﷺ ومن ابتدائية فان المناداة نشأت من جهة الوراء وفيه دلالة على رسول الله - ﷺ - كان داخل حجرة منها إذ لا بد ان يختلف المبدأ والمنتهى وان مناداتهم كان من ورائها فان تعدد القصة يحمل على ان مناداتهم وقع تارة وراء بعض وتارة وراء بعض اخر منها وان اتحد القصة فمناداتهم من ورائها. اما بانهم أتوه حجرة حجرة فنادوه من ورائها او بانهم تفرقوا على الحجرات متطلبين له أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ فانهم كانوا أعرابا من اهل البادية او المعنى لا يعقلون عظمتك ومراعات الحشمة وحسن الأدب والظاهر منه ان بعضهم كانوا من العقلاء ولم يرتض بالتعجيل وانما أسند فعل البعض الى الكل مجازا ويحتمل ان يراد بالنفي القلة إذا لقلة تقع موقع النفي العام- اخرج الثعلبي من حديث جابر ان الذي ناداه عيينة بن حصن واقرع ابن حابس وفدا على رسول الله - ﷺ - فى سبعين رجلا وقت الظهيرة وكان النبي - ﷺ - راقدا فى بعض حجرات نسائه فقالا يا محمد اخرج علينا- واخرج ابن جرير عنه لا قرع بن حابس انه اتى النبي - ﷺ - فقال يا محمد اخرج إلينا فنزلت واخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ان رجلا جاء الى النبي - ﷺ - فقال يا محمد ان مدحى زين وان شتمى شين فقال النبي - ﷺ - ذاك وهو الله فنزلت هذه الاية وهذا مرسل وله شاهد مرفوع من حديث البراء دون نزول الاية واخرج ابن جريج نحوه عن الحسن وذكر البغوي حديث قتادة وجابر بلفظ قال قتادة نزلت يعنى هذه الاية وما بعدها فى ناس من اعراب بنى تميم جاؤا الى النبي ﷺ فنادوا على الباب ويروى ذلك عن جابر قال جاءت بنو تميم فنادوا على الباب اخرج علينا يا محمد فان مدحنا زين وذمنا شين فخرج النبي - ﷺ - وهو يقول انما ذلكم الله الذي مدحه زين وذمه شين فقالوا نحن ناس من بنى تميم حبسئنا وشاعرنا وخطيبنا فقال النبي - ﷺ - لثابت بن قيس
43
ابن شماس وكان خطيب النبي - ﷺ - قم فاجبه فقام فاجابه فقام شاعرهم فذكرا بياتا فقال النبي ﷺ لحسان بن ثابت قم فاجبه فقام فاجابه فقام الأقرع بن حابس فقال ان محمدا ليؤتى له بكل خير تكلم خطيبنا فكان شاعركم أشعروا حسن قولا ثم دنا من النبي - ﷺ - فقال اشهد ان لا اله الا الله واشهد انك رسول الله- فقال رسول الله - ﷺ - ما يضرك ما كان قبل هذا ثم أعطاهم رسول الله - ﷺ - وكساهم وقد كان تخلف فى ركابهم عمرو بن الأهتم لحداثة سنه فاعطاه رسول الله - ﷺ - مثل ما أعطاهم وازرى به بعضهم وكثر اللغط عند رسول الله ﷺ فنزل فيهم يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ الآيات الأربع الى غَفُورٌ رَحِيمٌ- وذكر البغوي عن ابن عباس انه قال بعث رسول الله ﷺ سرية الى بنى العنبر وامر عليهم عيينة ابن حصن الفرازي فلما علموا انه توجه نحوهم هربوا وتركوا عيالهم فسباهم عيينة وقدمهم على رسول الله - ﷺ - فجاء بعد ذلك رجالهم يفدون الذراري فقدموا وقت الظهيرة ووافقوا رسول الله - ﷺ - قائلا فى اهله فلما رأتهم الذراري اجهشوا الى ابائهم يبكون وكان لكل امرأة من نساء رسول الله - ﷺ - حجرة فعجلوا قبل ان يخرج إليهم رسول الله - ﷺ - فجعلوا ينادون يا محمد اخرج إلينا حتى أيقظوه من نومه فخرج إليهم فقالوا يا محمد فادنا عيالنا فنزل جبرئيل عليه السلام فقال ان الله يأمرك ان تجعل بينك وبينهم رجلا فقال لهم رسول الله - ﷺ - أترضون ان يكون بينى وبينكم سيرة بن عمرو وهو غلى دينكم فقالوا نعم فقال سيرة انا لا احكم بينهم الا وعمى شاهد وهو الأعور بن بشامة فرضوا به فقال الأعور ارى ان تفادى نصفهم وتعتق نصفهم فقال - ﷺ - قد رضيت ففادى نصفهم وأعتق بعضهم وانزل الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا يعنى
لو ثبت صبرهم يعنى حبس نفوسهم عما تشتهيه الأهواء من التعجيل فى قضاء الحوائج بخلاف ما يقتضيه العقل من تعظيم المحتاج اليه لا سيما من هو من الله بمنزلة من لا يوازيه أحد حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ يعنى صبرا مغيا بالخروج إليهم- فيه اشعار الى ان مطلق الخروج لا يصلح غاية للصبر بل ينبغى ان يصبروا حتى يتوجه إليهم ويفاتحهم بالكلام لَكانَ الصبر خَيْراً لَهُمْ من الاستعجال لما فيه من حفظ الأدب وتعظيم الرسول - ﷺ - الموجبتين للثناء والثواب واسعاف المرام قال مقاتل لكان خيرا لهم لانك كنت تعتقهم جميعا وتطلقهم بلا فداء وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ فاقتصر على النصح والتقريع للمسببين للادب التاركين تعظيم الرسول - ﷺ - بناء على جهلهم وقلة عقلهم وذكر محمد بن
44
يوسف الصالحي ان سرية عيينة بن حصن كان الى بنى تميم فى المحرم سنة تسع بعث إليهم رسول الله ﷺ حين منعوا الزكوة وكان السبايا على ما ذكر محمد بن عمر احدى عشر امرأة وثلثين صبيا واخرج احمد وغيره بسند جيد عن الحارث بن الضرار الخزاعي قال قدمت الى رسول الله - ﷺ - فدعانى الى الإسلام فاقررت به ودخلت فيه ودعائى الى الزكوة فاقررت بها وقلت يا رسول الله ارجع الى قومى فادعوهم الى الإسلام وأداء الزكوة فمن استجاب لى جمعت زكوته فترسل الى الإبان كذا وكذا لياتيك فلما جمع الحارث الزكوة وبلغ الإبان احتبس الرسول فلم يأته فظن الحارث انه قد حدث فيه سخطة فدعى سروات قومه فقال لهم ان رسول الله - ﷺ - كان وقت وقتا يرسل رسوله ليقبض ما عندى من الزكوة وليس من رسول الله - ﷺ - الخلف ولا ارى حبس رسوله الا من سخطه فانطلقوا فناتى رسول الله - ﷺ - وبعث رسول الله - ﷺ - الوليد بن عقبة ليقبض ما كان عنده فلما ان سار الوليد فرق فرجع فقال ان الحارث منع الزكوة وأراد قتلى فضرب رسول الله - ﷺ - البعث الى الحارث فاقبل الحارث بأصحابه إذا استقبل البعث قال لهم الى اين بعثتم قالوا إليك قال لم قالوا ان رسول الله - ﷺ - بعث إليك الوليد بن عقبة فزعم انك منعت الزكوة وأردت قتله قال لا والذي بعث محمدا بالحق ما رايته ولا أتاني فلما دخل على رسول الله - ﷺ - قال منعت الزكوة وأردت قتل رسولى قال لا والذي بعثك بالحق فنزلت.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ الى قوله غفور رحيم وروى الطبراني نحوه من حديث جابر بن عبد الله وعلقمة ابن ناحية وأم سلمة وابن جرير نحوه من طريق العوفى عن ابن عباس ومن طرق اخرى وسلمة وفى حديث أم سلمة عند الطبراني وكذا ذكر البغوي ان الاية نزلت فى وليد بن عقبة بن ابى معيط بعثه رسول الله - ﷺ - الى بنى المصطلق مصدقا وكان بينه وبينهم عداوة فى الجاهلية فلما سمعه القوم تلقوه تعظيما لامر رسول الله - ﷺ - فحدثه الشيطان انهم يرون قتله فهابهم فرجع من الطريق الى رسول الله - ﷺ - وقال ان بنى المصطلق قد منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلى فغضب رسول الله - ﷺ - وهم ان يغزوهم فبلغ القوم رجوعه فاتوا رسول الله - ﷺ - قالوا يا رسول الله لما سمعنا برسولك خرجنا نتلقاه ونكرمه ونودى اليه ما قبلناه من حق الله عز وجل فبدأ له الرجوع فخشينا انه انما رده من الطريق كتاب جاء منك بغضب غضبته علينا وانا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله قال البغوي فاتهمهم رسول الله - ﷺ - وبعث خالد بن الوليد خفية فى عسكر وامره ان يخفى عليهم وقال له انظر فان رأيت
منهم ما يدل على ايمانهم فخذ منهم زكوة أموالهم وان لم تر ذلك فاستعمل فيهم ما يستعمل فى الكفار ففعل ذلك خالد ووافاهم فسمع منهم أذان صلوة المغرب والعشاء وأخذ صدقاتهم ولم ير فيهم الا الطاعة والخير فانصرف الى رسول الله - ﷺ - وأخبره الخبر فانزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ يعنى الوليد ابن عقبة بِنَبَإٍ
اى بخبر ارتداد القوم وتنكير الفاسق ولنبأ لشيوع الحكم كانه قال اى فاسق جاءكم باى نبأ- فَتَبَيَّنُوا قرأ حمزة والكسائي بالثاء المثلثة ثم الباء الموحدة ثم التا المثناة من الفوق من التثبت بمعنى التوقف فى الحكم مالم يظهر الحال والباقون بالباء الموحدة ثم الياء المثناة من تحت ثم النون من التبين بمعنى طلب البيان وظهور الحال والقراءتان متقاربان معنى وتعليق التثبت والتبين يخبر الفاسق يقتضى جواز قبول خبر الواحد العدل لعدم المانع من قبول خبره والفسق فى اللغة الخروج يقال فسقت الرطبة عن قشرها وفى اصطلاح الشرع قد يطلق على الكافر لخروجه عن الايمان وهو الغالب فى محاورة القران وقد يطلق على من ارتكب الكبيرة او أصر على الصغيرة مالم يتب وهو المراد فى هذه الاية اجماعا قلت والوليد ابن عقبة رض كان صاحبا لرسول الله - ﷺ - ولم يكن فسقه ظاهرا قبل هذا الكذب المبنى على فساد ظنه واتهامه من كان له اعداء فى الجاهلية فلعل المراد بالفاسق هاهنا من لم يظهر صدقه وعدالته فيدخل فيه مستور الحال ايضا او المراد بالفاسق من كان مخبر الشيء يدل القرينة على كذبه وان كان المخبر ظاهر العدالة فان ارتداد بنى المصطلق بعد ايمانهم عند رسول الله - ﷺ - طوعا وقبولهم أحكامه ابعد احتمالا من كذب الوليد عمدا او زعما فاسدا- أَنْ تُصِيبُوا اى كراهة ان تصيبوا او لئلا تصيبوا بالقتل والقتال قَوْماً براء من العصيان بِجَهالَةٍ حال من فاعل تصيبوا يعنى جاهلين بحقيقة الأمر وحال القوم فَتُصْبِحُوا اى تصيروا عطف على تصيبوا عَلى ما فَعَلْتُمْ متعلق بقوله نادِمِينَ وهو خبر لتصبحوا يعنى تصيروا نادمين على أصابتكم قونا براء والندامة نوع من الغم على ما صدر منك بحيث تتمنى انه لم يصدر الظاهر من سياق الاية ان بعض المؤمنين كانوا زينوا رسول الله - ﷺ - الإيقاع بينى المصطلق وتصديق قول الوليد والنبي - ﷺ - لم يطعهم وبعث خالدين الوليد للتثبت وتبيين الحال قال الله سبحانه خاطبهم بهذه الاية وأمرهم بالتثبت والتبيين كما فعله رسول الله - ﷺ - كيلا يصبحوا نادمين وبينهم على انه لا ينبغى لهم تحريص النبي - ﷺ - وإلجاؤه الى ما تهوى به نفوسهم بل يجب عليهم ان يطيعوه فيما أحبوا وفيما كرهوا يدل عليه قوله تعالى.
وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ
مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ اى وقعتم فى الإثم والهلاك قال البيضاوي جملة لو يطيعكم حال من أحد ضميرى فيكم وان مع اسمه وخبره مقيدا بالحال المذكور ساد مسد مفعولى اعلموا والمعنى ان فيكم رسول الله فى حال يجب تغيرها وهى انكم تريدون ان يتبع رايكم ولو فعل ذلك لعنتم ولما كان غضبهم على بنى المصطلق انما هو لما سمعوا من الوليد ارتدادهم بغضا فى الله لا لانفسهم وكان ما سبق من الكلام موهما لوقوعهم فى الإثم واللوم استدرك الله سبحانه ببيان عذرهم وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ ط الظاهر من سياق الاية ان الفسوق أخف من الكفر وأقبح من العصيان فالمراد به الخروج من الجماعة وارتكاب البدعة فى العقائد بحد لا يكفر فهو دون من الكفر وأخبث من عصيان الجوارح ومعنى الاية لكن ما صدر منكم من ترك التثبت انما كان لحبكم الايمان وبغضكم الكفر فلا لوم عليكم ولا اثم أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ جملة معترضة وفيه التفات من الخطاب الى الغيبة اشعارا بان من كان صفته مثل صفتكم فهم الراشدون.
فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً ط منصوبان على العلية من حبب وكره لا من الراشدون فان الفضل فعل الله والراشدون كان مسببا بفعله لكنه أسند الى ضميرهم او على المصدرية فان تحبب الايمان فضل من الله وانعام وقال بعض ائمة التفسير معنى قوله ان فيكم رسول الله فلا تكذبوه فان الله يخبره فيهتك ستر الكاذب وقوله لو يطيعكم فى كثير من الأمر كلام مستانف يعنى لو يطيعكم الرسول فيما يخبرونه كاذبا لعنتم وهذا التأويل يقتضى ان يكون قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلخ خطابا بالوليد وأمثاله وليس كك فان الكاذب غير مخاطب بالتثبت بل السامع مخاطب به وقال بعضهم واعلموا ان فيكم رسول الله معناه كما مر ان لا تكذبوا ولو يطيعكم كلام مستانف خطاب لبعض المؤمنين الذين زينوا رسول الله - ﷺ - الإيقاع ببني المصطلق والاستدراك خطاب لبعض اخر من المؤمنين الذين يريدون التثبت وهم المعينون بقوله تعالى أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ وهذا القول يفيد جد الا لاستلزامه انتشار الضمائر فى كلام واحد من غير قرينة وامر داع اليه والأحسن ما قال البيضاوي وَاللَّهُ عَلِيمٌ بأحوال المؤمنين حَكِيمٌ يفضل وينعم بالتوفيق عليهم اخرج الشيخان عن انس ان النبي - ﷺ - ركب حمارا وانطلق الى عبد الله بن ابى فقال إليك عنى فو الله لقد آذاني نتن حمارك فقال رجل من الأنصار والله لحماره أطيب ريحا منك فغضب لعبد الله رجل من قومه فشتما وغضب لكل واحد أصحابه
فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال فنزلت فيهم.
وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مرفوع بفعل مضمر اعنى اقتتل يفسره قوله تعالى اقْتَتَلُوا يعنى تقاتلوا أورد صيغة الجمع حملا على المعنى فان كل طائفة جمع فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما ج شرطية جزائه إنشاء ولدا عطف على الانشائيات وثنى الضمير هاهنا نظرا الى لفظ الطائفتين والإصلاح ان يمنع المبطل منها من الظلم ويدفع شبهة ويدعوهما الى كتاب الله وسنة رسول الله - ﷺ - وترك التحاسد والتباغض فَإِنْ بَغَتْ اى تعدت إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى وأبت الاجابة الى كتاب الله وسنة رسوله - ﷺ - ولا يمكن دفع ظلمها بالحبس والمنع بان كان لها منعة فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ اى ترجع إِلى أَمْرِ اللَّهِ ج عن انس قال قال رسول الله - ﷺ - انصر أخاك ظالما او مظلوما فقال الرجل يا رسول الله انصره مظلوما فكيف انصره ظالما قال تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه متفق عليه فَإِنْ فاءَتْ الى امر الله بعد المقاتلة فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ فيه الإصلاح بالعدل هاهنا اشعارا بان المقاتلة الواقع قبل ذلك لا يجرمنكم على ان لا تعدلوا وَأَقْسِطُوا ط فى الأمور كلها إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ فيحسن جزاؤه القسط الجور والاقساط ازالة الجور بالعدل والهمزة للسلب.
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ لانتسابهم الى اصل واحد وهو الايمان الموجب للحيوة الابدية ولما كان منشأ هذا الأصل هو النبي - ﷺ - كان أبا المؤمنين وأزواجه أمهاتهم وهذه الجملة تعليل وتقرير للامر بالإصلاح ولذلك كرره مرتبا عليه فقال فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وضع الظاهر موضع المضمر مضافا الى المأمورين للمبالغة فى التقرير والفاء للسببية قرأ يعقوب بين إخوتكم بالتاء الفوقانية على الجمع والباقون بالياء التحتانية على التثنية وخض الأنثيين بالذكر لانهما اقل من يقع بينهما الخلاف وَاتَّقُوا اللَّهَ ولا تخالفوا امره لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ على تقوكم فان التقوى سبب للتواصل والايتلاف والتراحم بينكم والتراحم موجب رحمة الله تعالى قال عليه الصلاة والسلام انما يرحم الله من عباده الرحماء رواه المجدد رضى الله تعالى عنه وفى الصحيحين لا يرحم الله من لا يرحم الناس من حديث جرير بن عبد الله قال البغوي يروى انها لما نزلت قرأها رسول الله - ﷺ - فاصطلحما وكف بعضهم عن بعض واخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن ابى مالك قال تلاحى رجلان من المسلمين فغضب قوم هذا لهذا وقوم هذا لهذا فاقتتلوا بالأيدي والنعال فانزل
48
الله تعالى تلك الاية ولعل هذه القصة بعينه هى السابقة- واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم وكذا ذكر البغوي عن السدى قال كان رجل من الأنصار يقال له عمران تحته امرأة يقال لها أم زيد وان المرأة أرادت أن تزور أهلها فحبسها زوجها وجعلها فى علية له وان المرأة بعثت الى أهلها فجاء قومها وأنزلوها لينطلقوا بها وكان الرجل قد خرج فاستعان اهله فجاء بنو عمه ليحولوا بين المرأة وبين أهلها فتدافعوا واجتلدوا بالنعال فنزلت فيهم فبعث إليهم رسول الله - ﷺ - فاصلح بينهم وفاؤا الى امر الله واخرج ابن جرير وذكر البغوي عن قتادة قال ذكر لنا ان هذه الاية نزلت فى رجلين من الأنصار وكانت بينهما مداراة فى حق بينهما فقال أحدهما لاخر لاخذن عنوة لكثرة عشيرته او الاخر دعاه للتحاكم الى النبي - ﷺ - فابى فلم يزل الأمر حتى تدافعوا وحتى تناول بعضهم بعضا بالأيدي والنعال ولم يكن قتال بالسيوف- واخرج ابن جرير عن الحسن قال كانت الخصومة بين الحيين فيدعوهم الى الحكم فيابون ان يجيبوا فانزل الله تلك الاية ولعل هذه القصة ما ذكر قتادة روى البغوي وغيره عن سالم عن أبيه ان رسول الله - ﷺ - قال المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يشتمه ومن كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجة ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستر الله يوم القيامة وروى مسلم عن ابى هريرة قال قال رسول الله - ﷺ - المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذ له ولا يحقره التقوى هاهنا وأشار الى صدره ثلث مرار يحسب امرا عن الشر ان يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه وفى الآيتين دليل على ان البغي لا يزيل اسم الايمان قال البغوي ويدل عليه ما روى عن الحارث الأعور أن على بن ابى طالب رض سئل عن الحمل والصفين أمشركون هم فقال لا من الشرك فروا فقيل منافقين هم فقال لا ان المنافقين لا يذكرون الله الا قليلا فما حالهم قال إخواننا بغوا علينا- (مسئلة) إذا اجتمعت طائفة لهم قوة ومنعة وخرجوا عن إطاعة الامام دعاهم الى العود وكشف شبهتهم فان ابد واما يجوز لهم القتال كان ظلمهم الامام او ظلم غيرهم ظلما لا شبهة فيه يجب على الناس ان يعينوهم حتى ينصفهم الامام ويرجع عن جوره كذا قال ابن الهمام وان لم يبدوا ذلك وتحيزوا للقتال مجتمعين حل لنا قتالهم بدا وقال الشافعي لا يجوز قتالهم حتى ابتدأ وبالقتال وهو قول مالك واحمد واكثر اهل العلم لان قتل المسلم لا يجوز الا دفعا وهم مسلمون قال الله تعالى فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا قلنا البغي فى اللغة الطلب قال الله تعالى ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ- والمراد هاهنا طلب ما يخل من الجور والظلم والإباء عن قبول احكام الشرع
49
كما فى قوله تعالى فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا يعنى لا تطلبوا عليهن ظلما فلا يشترط فى جواز قتالهم بداية القتال منهم وانما شرطنا منعتهم لانه إذا لم يكن لهم منعة نقدر على
إلزامهم بالحبس والضرب ونحو ذلك فلا حاجة على القتال ولو شرطنا بداية القتال منهم فربما لا يمكن دفعهم لتقوى شوكتهم وتكثر جمعهم (مسئلة) يجهز على الجريح من البغاة ويتبع مولهم ان كان لهم فيئة يخاف ان يلحق بالفيئة وان لم يكن له فئة لا يجهز ولا يتبع وقال الشافعي ومالك واحمد لا يجهز ولا يتبع فى الحالين لان القتال إذا تركوه بالتولية والجراحة لم يبق قتلهم دفعا ولا يجوز قتلهم الا دفعا لشرهم روى ابن ابى شيبة عن عبد خير عن على انه قال يوم الجمل لا تتبعوا مدبرا ولا تجهزوا ومن القى سلاحه فهو أمن وأسند ايضا لا يقتل أسير قلنا احتمال شرهم باق إذا خيف لحوقهم بالفيئة واصحاب الجمل لم يكن لهم فئة حين قال ذلك وما رواه الحاكم فى المستدرك والبزار فى مسنده من حديث كوثر بن حكيم عن نافع عن ابن عمران رسول الله - ﷺ - قال هل تدرى يا ابن أم عبد كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الامة قال الله تعالى ورسوله اعلم قال لا تجهز على جريحها ولا يقتل أسيرا ولا يقسم فيئها فاعله البزار بكوثر بن حكيم وتعقب الذهبي على الحاكم- (مسئلة) ولا مسى ذريتهم ولا يقسم مالهم اجماعا بل يحبس مالهم حتى يتوبوا روى ابن ابى شيبة ان عليا لما هزم طلحة وأصحابه امر مناديا فنادى ان لا يقتل مقبل ولا مدبر يعنى بعد الهزيمة ولا يفتح باب ولا يستحل فرج ولا مال وروى عبد الرزاق نحوه وزاد وكان على لا يأخذ مال المقتول ويقول من اعترف شيئا فلياخذه وفى تاريخ واسط بإسناده عن على انه قال يوم الجمل لا تتبعوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح ولا تقتلوا أسيرا وإياكم والنساء وان شتمن اعراضكم وسبين امراؤكم (مسئلة) ولا بأس ان تقاتلوا بسلاحهم ان احتاج اليه اهل العدل وكذا الكراع يقاتلون عليه وقال الشافعي ومالك واحمد لا يجوز استعمال سلاحهم وكراعهم لنا ما روى ابن ابى شيبة فى اخر مصنفه فى باب وقعة الجمل ان عليا قسم الجمل فى العسكر ما اجافوا عليه من كراع وسلاح قال صاحب الهداية وكان قسمة للحاجة لا للتمليك لانعقاد الإجماع على عدم تملك أموالهم- (مسئلة) ما أتلف اهل البغي على اهل العدل فى حال القتال من نفس او مال فان كان لهم منعة وتاويل مالك وابو حنيفة واحمد فى رواية والشافعي فى الجديد الراجح انه لا يضمن وقال الشافعي فى رواية الاخرى واحمد يضمن قال البغوي قال ابن شهاب كانت فى تلك
50
الفتنة دماء يعرف فى بعضها القاتل والمقتول وأتلف اموال ثم صار الناس الى ان سكت الحرب وجرى الحكم عليهم فما علمة اقتص من أحد ولا أغرم مالا اتلفه (مسئلة) باغ قتل عادلا مدعيا حقيقة يرثه وان اقرانه على الباطل لا يرث عند ابى حنيفة وعند ابى يوسف والشافعي لا يرث الباغي العادل سواء ادعى حقيقة او اقرانه على باطل وعادل قتل باغيا يرث اجماعا- (مسئلة) الخارجون عن إطاعة الامام إذا لم يكن لهم تاويل سواء كان لهم منعة أو لا ويأخذون اموال الناس ويقتلونهم الطريق فهم قطاع الطريق وقد مر حكمهم فى سورة المائدة ان يقتلوا ويصلبوا او تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وينفوا من الأرض (مسئلة) من كان خارجا من حكم الامام ولا منعة له يلزمه حكم الله بالحبس والضرب ونحو ذلك ولا يجوز قتله- قال البغوي روى ان عليا سمع رجلا يقول فى ناحية المسجد لا حكم الا الله فقال على كلمة حق أريد به الباطل لكم علينا ثلث لانمنعكم مساجد الله ان تذكروا فيها اسم الله عز وجل ولانمنعكم الفيء ما دامت ايديكم مع أيدينا ولا نبدؤكم بقتال كذا قال محمد بلغنا عن على رض فذكر نحوه والله اعلم- وذكر البغوي عن ابن عباس انه كان ثابت بن قيس بن شماس فى اذنه وقرو كان إذا اتى رسول الله ﷺ وقد سبقوا بالمجلس وسعوا له حتى يجلس الى جنبه فسمع ما يقول فاقبل ذات يوم وفاتته ركعة من صلوة الفجر فلما انصرف رسول الله - ﷺ - من صلوة أخذ أصحابه مجالسهم فضيق كل رجل بمجلسه فلا يكاد
يوسع أحد لاحد فكان الرجل إذا جاء فلم يجد مجلسا قام قايما كما هو فلما فرغ ثابت من الصلاة اقبل نحو رسول الله - ﷺ - يتخطى رقاب الناس ويقول تفسحوا فجعلوا يتفسحون له حتى انتهى الى رسول الله - ﷺ - بينه وبينه رجل فقال له تفسح فقال الرجل قد أصبت مجلسا فاجلس فجلس ثابت خلفه مغضبا فلما انجلت الظلمة عمر ثابت الرجل فقال من هذا قال انا فلان فقال ثابت ابن فلانة فذكرا ماله كان يغير بها فى الجاهلية فنكس الرجل راسه واستحى فانزل الله تعالى.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ فى القاموس القوم الجماعة من الرجال والنساء معا او الرجال خاصة وتدخله النساء على التبجية وفى الصحاح القوم جماعة الرجال فى الأصل دون النساء واستدل بهذه الاية حيث عطف النساء عليه ويقول الشاعر وما أدرى لست إخال أدرى أقوم ال حصن أم نساء وفى عامة القران أريد به الرجال والنساء جميعا وحقيقة للرجال لقوله تعالى الرِّجالُ قَوَّامُونَ على النساء كذا
51
قال صاحب المدارك وقال البيضاوي هو مصدر نعت به فشاع فى الجمع او جمع لقايم كزائر وزور والقيام بالأمور وظيفة الرجال وحيث فسر بالقبيلتين كقوم هود وقوم فرعون وقوم نوح وقوم لوط فاما على التغليب او الاكتفاء بذكر الرجال عن ذكرهن لانهن توابع واختيار الجمع لان السخرية تغلب فى المجامع عَسى أَنْ يَكُونُوا اى من يسخر به خَيْراً مِنْهُمْ اى من يسخر استيناف وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عطف النساء على الرجال ولم يكتف بما سبق مبالغة فى النهى ولان السخرية والاستهزاء يكون فى النساء غالبا لضعف عقلهن وجهلهن قال البغوي روى عن انس انها نزلت فى نساء رسول الله - ﷺ - عيّرن أم سلمة بالقصر وعن عكرمة عن ابن عباس انها نزلت فى صفية بنت حيى بن اخطب قالت لها النساء يهودية بنت يهوديين وفى رواية فقال لها رسول الله - ﷺ - هلا قلت ان ابى هارون وعمى موسى وزوجى محمد عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ المز الطعن باللسان يعنى لا يعب بعضكم بعضا وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ ط التنابز التفاعل من النبز بمعنى اللقب قال البيضاوي النبز مختص باللقب السوء وفى القاموس التنابز التعاير والتداعي بالألقاب يعنى لا تدع بعضكم بعضا للقب السوء قال البغوي قال عكرمة هو قول الرجل للرجل يا فاسق يا منافق يا كافر قال الحسن كان اليهودي والنصراني يسلم فيقال له بعد إسلامه يا يهودى يا نصرانى فنهو عن ذلك قال عطاء هو ان تقول لاخيك يا حمار يا خنزير وروى عن ابن عباس رض قال التنابز ان يكون الرجل عمل السيئات ثم تاب عنها فنهى ان يعير بما سلف من عمله اخرج اصحاب السنن الاربعة عن ابى حبيرة بن الضحاك قال كان الرجل منها يكون له اسمان او ثلثة فيدعى ببعضها فعسى ان يكره فنزلت ولا تنابزوا بالألقاب قال الترمذي حسن وروى احمد عنه بلفظ قال فينا نزلت بنى سلمة ولا تنابزوا بالألقاب قدم رسول الله - ﷺ - للمدينة وليس فيها إلا وله اسمان او ثلثة فكان إذا دعاه أحد منهم باسم من تلك الأسماء قالوا يا رسول الله انه يغضب من هذا فنزلت بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ ج اى بئس الاسم ان يقال له يهودى او يا فاسق او يا شارب الخمر بعد ما ان تاب عن ابى ذر قال قال رسول الله - ﷺ - لا يرمى رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر الا ارتدت عليه ان لم يكن صاحبه كذلك رواه البخاري عن ابن عمر قال قال رسول الله - ﷺ - أيما رجل قال لاخيه كافر فقد باء بها أحدهما متفق عليه وعن ابى ذر قال قال رسول الله - ﷺ - من دعى رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس ذلك إلا جاء عليه متفق عليه
52
وقيل معنى الاية ان السخرية واللمز والنبز فسوق وبئس الاسم الفسوق بعد الايمان فلا تفعلوا شيئا توصفوا فيه باسم الفسوق عن ابن مسعود قال قال رسول الله - ﷺ - سباب المسلم فسوق وقتاله كفر متفق عليه ورواه ابن ماجة عن ابى هريرة وعن سعد والطبراني عن عبد الله بن مغفل وعن عمر بن النعمان بن مقرن والدارقطني عن جابر وزاد الطبراني عن ابن مسعود وحرمة ماله كحرمة دمه وَمَنْ لَمْ يَتُبْ عما نهى عنه من السخرية واللمز والنبز فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يوضع العصيان موضع الطاعة وتعريض النفس للعذاب وحد ضمير لم يتب نظرا الى لفظة من وجمع ضميرهم الظالمون نظرا الى معناها نسبة المحصن الى الزنا يوجب حد القذف اجماعا وسنذكر مسائل حد القذف فى سورة النور إنشاء الله تعالى ونسبة غير المحصن كالعبد والكافر الى الزنا لا يوجب الحد لانحطاط درجتها بل يوجب التعزير لا شاعة الفاحشة ونسبة المحصن الى غير الزنا لا يوجب حد القذف ويوجب التعذير ان كانت النسبة الى فعل اختياري يحرم فى الشرع
ويعد عارا فى العرف والا لا الا ان يكون تحقيرا للاشراف فمن قال لمسلم يا فاسق يا كافر يا خبيث يا سارق يا فاجر يا مخنث يا خائن يا زنديق يا لص يا ديوث يا قرطبان يا شارب الخمر يا أكل الربوا يعزر قال ابن همام روى انه عليه السلام عزر رجلا قال لغيره يا مخنث ولو قال يا حمار يا خنزير يا كلب يا تيس يا حجام لا يعزر وقيل يعزر وقيل لا الا ان يقر لعالم او علوى او رجل صالح ولو قال يا لاعب بالنرد ويا عشار لا يعزر لانها لا يعد عارا عرفا وان كان محرما شرعا- (مسئلة) لا يبلغ بالتعزير ادنى الحدود عند ابى حنيفة والشافعي عفى الله عنهما وادنى الحدود عند ابى حنيفة رح أربعون سوطا حد الشرب فى العبد وعند ابى يوسف ثمانون حد الأحرار وعند الشافعي واحمد عشرون وقال مالك للامام ان يضرب فى التعزير اى عدد ادى اليه اجتهاده وقال احمد يعزر فى الوطي فيما دون الفرج بشبهة اكثر من ادنى الحدود ولا يبلغ أعلاها وفى قبلة اجنبية او شتم او سرقة دون النصاب لا يبلغ ادنى فى الحدود والله تعالى اعلم وذكر البغوي ان رسول الله - ﷺ - إذا غزى او سافر ضم الرجل المحتاج الى رجلين موسرين يخدمهما ويتقدم لهما الى المنزل فيهىء لهما وما يصلحها من الطعام والشراب فضم سلمان الفارسي رض الى رجلين فى بعض أسفاره فتقدم سلمان الى المنزل فغلبته عيناه فلم يهىء لهما شيئا فلما قالا له ما صنعت شيأ قال لا اغلبتنى عيناى قالا له انطلق الى رسول الله - ﷺ - فاطلب لنا منه طعاما فجاء سلمان الى رسول
53
الله - ﷺ - وساله طعاما فقال رسول الله - ﷺ - انطلق الى اسامة بن زيد وقل له ان كان عنده فضل من طعام وادام فليعطك وكان اسامة خازن رسول الله - ﷺ - وعلى رحله فاتاه فقال ما عندى شىء فرجع سلمان إليهما وأخبرهما فقالا كان عند اسامة ولكن بخل فبعثا سلمان الى طائفة من الصحابة فلم يجد عندهم شيئا فلما رجع قالا لو بعثنا إلى بئر سميحة يغار مائها ثم انطلقا يتجسسان هل عند اسامة ما امر لهما به رسول الله - ﷺ - فلما جاء الى رسول الله قال لهما مالى ارى خضرة اللحم فى أفواهكما قالا والله يا رسول الله ماتنا ولنا يومنا هذا لحما قال ضللتم تأكلون لحم سلمان واسامة فانزل الله تعالى.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ الاية قال السيوطي رواه الثعلبي بغير اسناد وروى معناه الاصبهانى فى الترغيب عن عبد الرحمن بن ابى ليلى واخرج ابن المنذر عن ابن جريج قالوا زعموا ان قوله تعالى لا يغتب بعضكم بعضا نزلت فى سلمان الفارسي أكل ثم رقد فنفخ فذكر رجلان أكله رقادة والله تعالى اعلم إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ تعليل مستانف للامر والإثم الذنب الذي يستحق العقوبة عليه والهمزة بدل من الواو كانه يثم الأعمال ويكسرها والمراد بالظن هاهنا ما يقابل اليقين سواء كان جانب الوجود فيه راجحا أو لا وتحقيق المقام ان الظن على اقسام منها ما يجب اتباعه وهو حسن الظن بالله تعالى والمؤمنين والمؤمنات وما يحصل بدليل شرعى فيه شبهة حيث لا قاطع فيه من العمليات وكذا فى العلميات ان لم يعارضه قاطع من احوال المبدأ والمعاد ومنها ما يحرم اتباعه كسوء الظن بالمؤمنين والمؤمنات لا سيما بالصالحين منهم والظن فى الإلهيات والنبوات وحيث يخالفه قاطع ومنها ما ليس من القسمين المذكورين كالظن فى الأمور المعاشية ونحوها- والإثم انما هو بعض الظن يعنى قسم الثاني منها والله سبحانه امر بالاجتناب عن كثير من الظن احتياطا ومبالغة فى اجتناب الإثم وفيجتنب عما هو اثم وعما هو يشبه به قال رسول الله - ﷺ - الحلال بين والحرام بين وبينهما امور مشتبهة الحديث وَلا تَجَسَّسُوا الجس فى اللغة المس باليد والتجسس تفحص الاخبار باعتبار ما فيه من معنى الطلب كالتلمس والمراد هاهنا لا تبحثوا عن عيوب الناس ولا تتبعوا عوراتهم حتى لا يظهر عليكم ما ستره الله منها عن ابى هريرة ان رسول الله - ﷺ - قال إياكم والظن فان الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تنافروا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح او ينزل رواه ملك واحمد وابن ماجة وابو داود والترمذي وصححه وعن
54
ابن عمران النبي ﷺ قال يا معشر من أمن بلسانه ولم يفض الايمان الى قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فانه من تتبع عورات المسلمين يتبع الله عوراته فيفضحه ولو فى جوف رحله رواه الترمذي وحسنه وابن حبان قال زيد بن وهب قيل لابن مسعود هل لك فى الوليد بن عقبة تقطر لحية خمرا قال نهينا عن التجسس فان يظهر لنا شىء ناخذ به وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ط اى لا يذكر بعضكم بعضا بالسوء فى غيبته عن ابى هريرة ان رسول الله - ﷺ - قال أتدرون ما الغيبة- قال الله ورسوله اعلم قال ذكر أخاك بما يكره قيل ارايت ان كان فى أخي ما أقول قال ان كان فيه ما تقول فقد اغتبته وان لم يكن فيه ما تقول فقد بهته متفق عليه وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده انهم ذكروا عند رسول الله - ﷺ - رجلا قال لا يأكل حتى يطعم ولا يرحل حتى يرحل فقال النبي - ﷺ - اغتبتموه فقالوا انما حدثنا بما فيه قال حسبك إذا ذكرت أخاك بما فيه رواه البغوي- أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً تمثيل وتصوير لما يناله المغتاب من عرض المغتاب على افحش وجه مع مبالغات الاستفهام الذي معناه الإنكار المستلزم لتقرير النفي واسناد الفعل الى أحد للتعليق وتعليق المحبة بما هو فى غاية الكراهة وتمثيل الاغتياب يأكل لحم الإنسان ولم يقتصر عليه حتى جعله أخا ولم يقتصر عليه حتى جعله ميتا وتعقب ذلك يقوله فَكَرِهْتُمُوهُ ط تقريرا وتحقيقا لذلك وجملة فكرهتموه جزاء شرط محذوف تقديره ان صح ذلك إذ عرض عليكم هذا فقد كرهتموه ولا يمكنكم انكار كراهة او هى معطوف على الاستفهام المذكور فان معناه نفى المحبة الموهوم عدم الكراهة فلدفع ذلك الوهم عطف عليه- وجاز ان تكون الفاء للسببية والماضي بمعنى المستقبل والمعنى انه لا يحب أحدكم ان يأكل لحم أخيه ميتا انكم تكرهونه وقال مجاهد لما قيل لهم أيحب أحدهم ان يأكل إلخ فكانهم قالوا لا فقيل كرهتموه فكانه معطوف على محذوف والحاصل انكم كرهتم هذا فاجتنبوا ذكره بالسوء غايبا عن انس بن مالك عن رسول الله - ﷺ - قال لما خرج بي مررت بقوم لهم اظفار من نحاس يخمشون وجوههم ولحومهم
قلت من هؤلاء فقال هؤلاء الذين يأكلون لحرم الناس ويقعون فى اعراضهم- رواه البغوي قال ميمون بيننا انا نائم إذا انا بجيفة زنجى وقائل يقول كل قلت يا عبد الله ولم أكل قال بما اغتبت عبد فلان قلت والله ما ذكرت فيه خيرا ولا شرا قال لكنك استمعت ورضيت وكان ميمون لا يغتاب أحدا ولا يدع أحدا ان يغتاب عنده عن عائشة رضى الله عنها قلت للنبى - ﷺ - حسبك من صفية كذا وكذا يعنى قصيرة فقال لقد قلت كلمة لو مزج بها البحر لمزجته رواه احمد والترمذي وابو داود عن ابى سعيد وجابر قالا قال رسول الله - ﷺ -
55
الغيبة أشد من الزنا قالوا يا رسول الله وكيف الغيبة أشد من الزنا قال ان الرجل يزنى فيتوب الله فيغفر له وان صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه (فائدة) فى كفارة الغيبة عن انس رض ان رسول الله - ﷺ - قال ان من كفارة الغيبة ان يستغفر لمن اغتبته تقول اللهم اغفر لنا وله رواه البيهقي- (فائدة) عن خالد ابن معدان عن معاذ قال قال رسول الله - ﷺ - من عيّر أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله يعنى من ذنب قد تاب منه رواه الترمذي وخالد لم يدرك معاذا وَاتَّقُوا اللَّهَ ط بترك ما نهيتم عنه والندم على ما وجد منكم منه إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ يقبل توبتكم مبالغ فى قبول التوبة حيث يجعل التائب من الذنب كمن لا ذنب له- رَحِيمٌ بالعباد لا يرضى ان يقع بعضكم فى عرض بعض- ذكر البغوي انه قال مقاتل لما كان يوم فتح مكة امر رسول الله - ﷺ - بلالا حتى اتى على ظهر الكعبة واذن فقال عباد بن أسيد الحمد لله الذي قبض ابى حتى لم ير هذا اليوم وقال الحارث بن هشام اما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا وقال سهيل بن عمرو ان يرد الله شيئا يغيره وقال ابو سفيان انى لا أقول شيئا أخاف ان يخبر به رب السماء فاتاه جبرئيل عليه السلام فاخبر رسول الله - ﷺ - بما قالوا فدعاهم وسألهم عما قالوا فاقروا فانزل الله تعالى هذه الاية وزجرهم عن التفاخر بالأنساب والتكاثر بالأموال والازدراء بالفقر وقال.
يا أَيُّهَا النَّاسُ الاية ولم يقل يايّها الذين أمنوا لانهم لم يكونوا أمنوا فى ذلك الوقت واخرج ابن ابى حاتم عن ابى مليكة هذه القصة مختصرا وقال ابن عساكر فى مبهماته وجدت بخط ابن بشكو الى ان أبا بكر بن ابى داود اخرج فى تفسير له انها نزلت فى اى هذا امر رسول الله - ﷺ - بنى بياضة ان يزوجوه امراة منهم فقالوا يا رسول الله تزوج بناتنا موالينا فنزلت الاية وقال البغوي قال ابن عباس تزلت فى ثابت بن قيس وقومه للرجل الذي لم ينفسح له ابن فلانة فقال النبي - ﷺ - من الذاكر فلانة فقال ثابت انا يا رسول الله فقال انظر وجه القوم فقال ما رايت يا ثابت فقال رايت ابيض وو احمر واسود فانك لا تفضلهم الا فى الدين والتقوى فنزلت فى ثابت هذه الاية وفى الذي لم يفسح يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا- إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى يعنى نوع البشر من آدم وحواء او كل واحد منكم من اب وأم فلا مزية لاحد على غيره ولا وجه للتفاخر وجاز ان يكون تقريرا للاخوة المانعة من الاغتياب وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ كانت العرب يعتبر فى النسب ست طبقات أعلاها الشعب وهى الجمع العظيم
56
المنتسبون الى اصل واحد وهى تجمع القبائل والقبيلة تجمع العمائر والعمارة تجمع البطون والبطن تجمع الا فخاذ والفخذ تجمع الفصائل والفصيلة تجمع العشائر وليس بعد العشيرة حى يوصف به وقيل الشعوب من العجم والقبائل من العرب والأسباط من بنى إسرائيل وقال ابو رواق الشعوب من الذين لا يعتزون الى أحد بل ينتسبون الى المدن والقرى والقبائل من العرب الذين ينتسبون الى ابائهم- لِتَعارَفُوا ط حذف أحد التاءين اى لتعرف بعضهم بعضا فى قرب النسب وبعده لا ليتفاخروا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ ط قال قتادة فى هذه الاية ان أكرم الكرم التقوى وآلام اللوم الفجور عن سمرة قال قال رسول الله - ﷺ - الحسب المال الكرم التقوى رواه احمد وترمذى وصححه وابن ماجة والحاكم وقال ابن عباس كرم الدنيا الغنا وكرم الاخرة التقوى وعن ابن عمران النبي - ﷺ - طاف يوم الفتح على راحلة يستلم الأركان بمجحنه؟؟؟ فلما خرج لم يجد مناخا فنزل على أيدي الرجال ثم قام فخطب بهم فحمد الله واثنى عليه وقال الحمد لله الذي اذهب عنكم غبية الجاهلية وتكبرها الناس رجلان بر تقى كريم على الله وفاجر شقى هين على الله ثم تلى يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى الاية ثم قال أقول قولى هذا واستغفر الله لى ولكم رواه الترمذي والبغوي واخرج الطبراني فى الأوسط عن ابى هريرة قال قال رسول الله - ﷺ - إذا كان يوم القيامة امر الله مناديا ينادى الا انى جعلت نسبا وجعلتم نسبا فجعلت أكرمكم أتقاكم فابيتم الا ان تقولوا فلان بن فلان خير من فلان بن فلان فاليوم ارفع نسبى واضع نسيكم اين المتقون وعن ابى هريرة قال سئل رسول الله - ﷺ - اى الناس أكرم على الله قال أكرمهم عند الله اتقاهم قالوا ليس عن هذا نسئلكم قال فاكرم الناس يوسف نبى الله ابن نبى الله بن نبى الله بن نبى الله بن خليل الله قالوا ليس عن هذا نسألك قال فعن معادن العرب تسألون قالوا نعم قال فخياركم فى الجاهلية خياركم فى الإسلام إذا فقهوا رواه البخاري وغيره وعنه قال قال رسول الله - ﷺ - ان الله لا ينظر الى صوركم وأموالكم ولكن ينظر الى قلوبكم وأعمالكم رواه مسلم وابن ماجة إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ببواطنكم وفضائلكم ذكر البغوي ان نفرا من بنى اسد قدموا على رسول الله - ﷺ - فى سنة جدبة فاظهروا الإسلام ولم يكونوا مؤمنين فى السر فافسدوا طرق المدينة بالقذرات واغلوا اشعارها وكانوا يغدون ويروحون الى رسول الله - ﷺ - ويقولون اتتك العرب بانفسها على ظهور رواحلها وجئناك بالأثقال والعيال والذراري ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان يمنون على النبي - ﷺ - ويريدون الصدقة
57
ويقولون أعطنا فانزل الله تعالى.
قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا ط الاية قال السدى نزلت فى الاعراب الذي ذكرهم الله فى سورة الفتح وهم اعراب جهينة ومزينة واسلم وأشجع وغفار كانوا يقولون أمنا ليامنوا على أنفسهم وأموالهم فلما استنفر لهم رسول الله - ﷺ - الى الحديبية تخلفوا فنزلت قالت الاعراب أمنا يعنى صدقنا قُلْ يا محمد ﷺ لَمْ تُؤْمِنُوا فان الايمان صفة القلب عبارة عن تصديقه والإقرار ركن زائد عن الاختيار لاجراء الاحكام قال رسول الله - ﷺ - الايمان ان تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر وتؤمن بالقدر خيره وشره كذا فى الصحيحين من حديث عمر ابن الخطاب مرفوعا فى حديث سوال جبرئيل- وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا والمراد بالإسلام الانقياد الظاهري وكان مقتضى نظم الكلام ان يقال لا تقولوا أمنا ولكن قولوا اسلمنا او يقال لم تؤمنوا ولكن أسلمتم فعدل عنه الى هذا النظم احترازا عن النهى عن القول بالايمان وعن الجزم بإسلامهم مع فقد لشرط اعتباره عند الله تعالى- وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ ط حال من فاعل قولوا او معطوف على لم تؤمنوا للتاكيد على نفى الايمان فى الماضي والتوقع فى المستقبل وليس فى لم تؤمنوا التوقع فلا يلزم التكرار وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فى الايمان بالقلوب مخلصين والامتثال كما يدل على قوله تعالى ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا اى لم يشكوا فيما جاء به الرسول - ﷺ - وكلمة ثم للاشعار باشتراط عدم الارتباط فى شىء من الازمنة المتراخية الى اخر اجزاء الحيوة كاشتراط فى بداية الايمان فهى كقوله تعالى ثم استقاموا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ط اى فى طاعة يجوز ان يكون مفعول جاهدوا محذوفا منويا يعنى جاهدوا العدو المحارب او الشيطان او الهوى وجاز ان يجعل لازما مبالغة فى الجهد وجاز ان يراد بالمجاهدة العبادات القلبية والسرية والبدنية والمالية فهذه الآية لامتثال جميع الأوامر والانتهاء عن جميع المناهي اما عبارة ان كان المراد مطلق المجاهدة واما دلالة ان كان المراد به القتال مع الكفار فان من بذل نفسه وماله لاصلاح العالم واخلائه من الفساد وإعلاء كلمة الله وافشاء الدين فانه يصلح او لا نفسه بإتيان المأمورات وانتهاء المناهي بالطريق الاولى أُولئِكَ الموصوفين بتلك الصفات هُمُ الصَّادِقُونَ فى ادعاء الايمان جملة مستانفة وجاز ان يكون الموصول مع صلته صفة للمبتدأ
وهذه الجملة خبرا له فلما نزلت هاتان الآيتان أتت الاعراب رسول الله - ﷺ - يحلفون بالله انهم مومنون صادقون وعرف الله غير ذلك فانزل الله تعالى.
قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ الذي أنتم عليه بقولكم آمَنَّا... وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ط حال من الله تعالى فى أتعلمون الله- وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ عطف على الله يعنى ان الله يعلم حقيقة أسراركم ولا يحتاج الى اخباركم فعليكم بإصلاح بواطنكم اخرج الطبراني بسند حسن عن عبد الله بن ابى اوفى والبزار من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس وابن ابى حاتم مثله عن الحسن ان ناسا من العرب قالوا يا رسول الله اسلمنا ولم نقاتلك وقاتلك بنو فلان قال الحسن كان ذلك لما فتحت مكة فنزلت.
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ط منصوب بنزع الخافض اى بان اسلموا وبتضمين الفعل معنى الاعتداد وكذا إسلامكم فى قوله تعالى قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ ج وكذا ان هدكم فى قوله تعالى بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ بخلق التصديق فى قلوبكم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فى ادعاء الايمان وجوابه محذوف يدل عليه ما قبله يعنى ان كنتم صدقين فى ادعاء الايمان فلله المنة عليكم وفيه اشارة الى ان كلهم ليسوا صادقين فيما ادعوا ولذلك عقبه بقوله.
إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ط يعنى ما غاب فيهما وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ فى سركم وعلانيتكم ولا يخفى عليه ما فى ضمايركم قرأ ابن كثير بالتاء خطابا للاعراب داخلا فى مقولة قل والباقون بالياء على الغيبة والضمير راجع الى الاعراب فهو كلام مستانف من الله تعالى- واخرج ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي وسعيد بن منصور فى سننه عن سعيد بن جبير نحوه وانه قدم عشرة نفر من بنى اسد على رسول الله ﷺ سنة تسع وفيهم طلحة بن حويلة ورسول الله ﷺ مع أصحابه فسلموا وقال متكلمهم يا رسول الله انا اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله وجئناك يا رسول الله ولم تبعث إلينا بعثا ونحن لمن ورائنا سلم فانزل الله تعالى يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا الآية-.
Icon