تفسير سورة سورة الحجرات من كتاب البحر المحيط في التفسير
.
لمؤلفه
أبو حيان الأندلسي
.
المتوفي سنة 745 هـ
سورة الحجرات
هذه السورة مدنية.
ومناسبتها لآخر ما قبلها ظاهرة، لأنه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم قال :﴿ وعد الله الذين آمنوا وعلموا الصالحات ﴾ فربما صدر من المؤمن عامل الصالحات بعض شيء مما ينبغي أن ينهى عنه، فقال تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ﴾.
هذه السورة مدنية.
ومناسبتها لآخر ما قبلها ظاهرة، لأنه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم قال :﴿ وعد الله الذين آمنوا وعلموا الصالحات ﴾ فربما صدر من المؤمن عامل الصالحات بعض شيء مما ينبغي أن ينهى عنه، فقال تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ﴾.
ﰡ
ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ
ﰀ
ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ
ﰁ
ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ
ﰂ
ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ
ﰃ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ
ﰄ
ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ
ﰅ
ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ
ﰆ
ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ
ﰇ
ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ
ﰈ
ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ
ﰉ
ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑ
ﰊ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ
ﰋ
ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ
ﰌ
ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ
ﰍ
ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ
ﰎ
ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ
ﰏ
ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ
ﰐ
ﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ
ﰑ
سورة الحجرات
[سورة الحجرات (٤٩) : الآيات ١ الى ١٨]
وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى مَا فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (٦) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (٧) فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٨) وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (١٢) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣) قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٦) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٧) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨)
[سورة الحجرات (٤٩) : الآيات ١ الى ١٨]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٢) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٣) إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (٤)وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى مَا فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (٦) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (٧) فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٨) وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (١٢) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣) قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٦) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٧) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨)
504
التَّنَابُزُ بِالْأَلْقَابِ: التَّدَاعِي بِهَا، تَفَاعَلُ مِنْ نَبَزَهُ، وَبَنُو فُلَانٍ يَتَنَابَزُونَ وَيَتَنَازَبُونَ، وَيُقَالُ: النَّبْزُ وَالنَّزْبُ لَقَبُ السُّوءِ. اللَّقَبُ: هُوَ مَا يُدْعَى بِهِ الشَّخْصُ مِنْ لَفْظٍ غَيْرِ اسْمِهِ وَغَيْرِ كُنْيَتِهِ، وَهُوَ قِسْمَانِ: قَبِيحٌ، وَهُوَ مَا يَكْرَهُهُ الشَّخْصُ لِكَوْنِهِ تَقْصِيرًا بِهِ وَذَمًّا وَحَسَنٌ، وَهُوَ بِخِلَافِ ذَلِكَ، كَالصِّدِّيقِ لِأَبِي بَكْرٍ، وَالْفَارُوقِ لِعُمَرَ، وَأَسَدِ اللَّهِ لِحَمْزَةَ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ. تَجَسَّسَ الْأَمْرَ: تَطَلَّبَهُ وَبَحَثَ عَنْ خَفِيِّهِ، تَفَعَّلَ مِنَ الْجَسِّ، وَمِنْهُ الْجَاسُوسُ: وَهُوَ الْبَاحِثُ عَنِ الْعَوْرَاتِ لِيَعْلَمَ بِهَا وَيُقَالُ لِمَشَاعِرِ الْإِنْسَانِ: الْحَوَاسُّ، بِالْحَاءِ وَالْجِيمِ.
الشَّعْبُ: الطَّبَقَةُ الْأُولَى مِنَ الطَّبَقَاتِ السِّتِّ الَّتِي عَلَيْهَا الْعَرَبُ وَهِيَ: الشَّعْبُ، وَالْقَبِيلَةُ، وَالْعِمَارَةُ، وَالْبَطْنُ، وَالْفَخْذُ، وَالْفَصِيلَةُ. فَالشَّعْبُ يَجْمَعُ الْقَبَائِلَ وَالْقَبِيلَةُ تَجْمَعُ الْعَمَائِرَ وَالْعِمَارَةُ تَجْمَعُ الْبُطُونَ وَالْبَطْنُ يَجْمَعُ الْأَفْخَاذَ وَالْفَخْذُ يَجْمَعُ الْفَصَائِلَ. خُزَيْمَةُ شَعْبٌ
الشَّعْبُ: الطَّبَقَةُ الْأُولَى مِنَ الطَّبَقَاتِ السِّتِّ الَّتِي عَلَيْهَا الْعَرَبُ وَهِيَ: الشَّعْبُ، وَالْقَبِيلَةُ، وَالْعِمَارَةُ، وَالْبَطْنُ، وَالْفَخْذُ، وَالْفَصِيلَةُ. فَالشَّعْبُ يَجْمَعُ الْقَبَائِلَ وَالْقَبِيلَةُ تَجْمَعُ الْعَمَائِرَ وَالْعِمَارَةُ تَجْمَعُ الْبُطُونَ وَالْبَطْنُ يَجْمَعُ الْأَفْخَاذَ وَالْفَخْذُ يَجْمَعُ الْفَصَائِلَ. خُزَيْمَةُ شَعْبٌ
505
وَكِنَانَةُ قَبِيلَةٌ وَقُرَيْشٌ عِمَارَةٌ وَقُصَيٌّ بَطْنٌ وَهَاشِمٌ فَخْذٌ وَالْعَبَّاسُ فَصِيلَةٌ. وَسُمِّيَتِ الشُّعُوبَ، لِأَنَّ الْقَبَائِلَ تَشَعَّبَتْ مِنْهَا. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الشُّعُوبُ: الْبُطُونُ، هَذَا غَيْرُ مَا تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ اللُّغَةِ، وَيَأْتِي خِلَافٌ فِي ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً. الْقَبِيلَةُ دُونَ الشَّعْبِ، شُبِّهَتْ بِقَبَائِلِ الرَّأْسِ لِأَنَّهَا قِطَعٌ تَقَابَلَتْ. أَلَتَ يَأْلُتُ: بِضَمِّ اللَّامِ وَكَسْرِهَا أَلَتًا، وَلَاتَ يَلِيتُ وَأَلَاتَ يَلِيتُ، رُبَاعِيًّا، ثَلَاثَ لُغَاتٍ حَكَاهَا أَبُو عُبَيْدَةَ، وَالْمَعْنَى نَقَصَ. وَقَالَ رُؤْبَةَ:
أَيْ: لَمْ يَمْنَعْنِي وَلَمْ يَحْبِسْنِي. وَقَالَ الْحُطَيْئَةُ:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ، إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ، إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ، وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى مَا فَعَلْتُمْ نادِمِينَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ، فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.
هَذِهِ السُّورَةُ مَدَنِيَّةٌ. وَمُنَاسَبَتُهَا لِآخِرِ مَا قَبْلَهَا ظَاهِرَةٌ، لِأَنَّهُ ذِكْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم وأصحابه، ثُمَّ قَالَ: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ «١»، فَرُبَّمَا صَدَرَ مِنَ الْمُؤْمِنِ عَامَلِ الصَّالِحَاتِ بَعْضَ شَيْءٍ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُنْهَى عنه، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
وَكَانَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ، وَهِيَ إِلَى الْآنَ الِاشْتِرَاكُ فِي الْآرَاءِ، وَأَنْ يَتَكَلَّمَ كُلٌّ بِمَا شَاءَ وَيَفْعَلَ مَا أَحَبَّ، فَجَرَى مِنْ بَعْضِ مَنْ لَمْ يَتَمَرَّنْ عَلَى آدَابِ الشَّرِيعَةِ بَعْضَ ذَلِكَ. قَالَ قَتَادَةُ:
فَرُبَّمَا قَالَ قَوْمٌ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَا لَوْ أُنْزِلَ فِي كَذَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: ذَبَحَ قَوْمٌ ضَحَايَا قبل
وَلَيْلَةٍ ذَاتِ نَدًى سَرَيْتُ | وَلَمْ يَلُتْنِي عَنْ سَرَاهَا لَيْتُ |
أَبْلِغْ سَرَاةَ بَنِي سَعْدٍ مُغَلَّظَةً | جَهْدَ الرِّسَالَةِ لَا أَلَتًا وَلَا كَذِبَا |
هَذِهِ السُّورَةُ مَدَنِيَّةٌ. وَمُنَاسَبَتُهَا لِآخِرِ مَا قَبْلَهَا ظَاهِرَةٌ، لِأَنَّهُ ذِكْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم وأصحابه، ثُمَّ قَالَ: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ «١»، فَرُبَّمَا صَدَرَ مِنَ الْمُؤْمِنِ عَامَلِ الصَّالِحَاتِ بَعْضَ شَيْءٍ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُنْهَى عنه، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
وَكَانَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ، وَهِيَ إِلَى الْآنَ الِاشْتِرَاكُ فِي الْآرَاءِ، وَأَنْ يَتَكَلَّمَ كُلٌّ بِمَا شَاءَ وَيَفْعَلَ مَا أَحَبَّ، فَجَرَى مِنْ بَعْضِ مَنْ لَمْ يَتَمَرَّنْ عَلَى آدَابِ الشَّرِيعَةِ بَعْضَ ذَلِكَ. قَالَ قَتَادَةُ:
فَرُبَّمَا قَالَ قَوْمٌ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَا لَوْ أُنْزِلَ فِي كَذَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: ذَبَحَ قَوْمٌ ضَحَايَا قبل
(١) سورة الفتح: ٤٨/ ٢٩.
506
النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَفَعَلَ قَوْمٌ فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ شَيْئًا بِآرَائِهِمْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ نَاهِيَةً عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نُهُوا أَنْ يَتَكَلَّمُوا بَيْنَ يَدَيْ كَلَامِهِ. وَتَقُولُ الْعَرَبُ: تَقَدَّمْتُ فِي كذا وكذا، وقدمت إِذْ قُلْتُ فِيهِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: لَا تُقَدِّمُوا، فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّيًا، وَحُذِفَ مَفْعُولُهُ لِيَتَنَاوَلَ كُلَّ مَا يَقَعُ فِي النَّفْسِ مِمَّا تَقَدَّمَ، فَلَمْ يَقْصِدْ لِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ، بَلِ النَّهْيُ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِ الْفِعْلِ دُونَ تَعَرُّضٍ لِمَفْعُولٍ مُعَيَّنٍ، كَقَوْلِهِمْ: فُلَانٌ يُعْطِي وَيَمْنَعُ. وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا بِمَعْنَى تَقَدَّمَ، كَمَا تَقُولُ: وَجْهٌ بِمَعْنَى تَوَجَّهَ، وَيَكُونَ الْمَحْذُوفُ مِمَّا يُوَصَّلُ إِلَيْهِ بِحَرْفٍ، أَيْ لَا تَتَقَدَّمُوا فِي شَيْءٍ مَا مِنَ الْأَشْيَاءِ، أَوْ بِمَا يُحِبُّونَ. وَيُعَضِّدُ هَذَا الْوَجْهِ قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي حَيْوَةَ وَالضَّحَّاكِ وَيَعْقُوبَ وَابْنِ مِقْسَمٍ. لَا تَقَدَّمُوا، بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْقَافِ وَالدَّالِ عَلَى اللُّزُومِ، وَحُذِفَتِ التَّاءُ تَخْفِيفًا، إِذْ أَصْلُهُ لَا تَتَقَدَّمُوا. وَقَرَأَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ: تَقَدَّمُوا بِشَدِّ التَّاءِ، أُدْغِمَ تَاءِ الْمُضَارَعَةِ فِي التَّاءِ بعدها، كقراءة البزي. وقرىء: لَا تَقْدِمُوا، مُضَارِعَ قَدِمَ، بِكَسْرِ الدَّالِ، مِنَ الْقُدُومِ، أَيْ لَا تَقْدِمُوا إِلَى أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ قَبْلَ قُدُومِهَا، وَلَا تَعْجَلُوا عَلَيْهَا، وَالْمَكَانُ الْمُسَامِتُ وَجْهَ الرَّجُلِ قَرِيبًا مِنْهُ. قِيلَ: فِيهِ بَيْنَ يَدَيِ الْمَجْلُوسِ إِلَيْهِ تَوَسُّعًا، لِمَا جَاوَرَ الْجِهَتَيْنِ مِنَ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ، وَهِيَ فِي قَوْلِهِ: بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ، مَجَازٌ مِنْ مَجَازِ التَّمْثِيلِ.
وَفَائِدَةُ تَصْوِيرِ الْهُجْنَةِ وَالشَّنَاعَةِ فِيهَا نُهُوا عَنْهُ مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى أَمْرٍ دُونَ الِاهْتِدَاءِ عَلَى أَمْثِلَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَعْنَى: لَا تَقْطَعُوا أَمْرًا إِلَّا بعد ما يَحْكُمَانِ بِهِ وَيَأْذَنَانِ فِيهِ، فَتَكُونُوا عَامِلِينَ بِالْوَحْيِ الْمُنَزَّلِ، أَوْ مُقْتَدِينَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا، وَعَلَى هَذَا مَدَارُ تَفْسِيرِ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا تَفْتَاتُوا عَلَى اللَّهِ شَيْئًا حَتَّى يَقُصَّهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي هَذَا النَّهْيِ تَوْطِئَةٌ لِمَا يَأْتِي بَعْدُ مِنْ نَهْيِهِمْ عَنْ رَفْعِ أَصْوَاتِهِمْ. وَلَمَّا نَهَى أَمَرَ بِالتَّقْوَى، لِأَنَّ مِنَ التَّقْوَى اجْتِنَابُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لِأَقْوَالِكُمْ، عَلِيمٌ بِنِيَّاتِكُمْ وَأَفْعَالِكُمْ.
ثُمَّ نَادَاهُمْ ثَانِيًا، تَحْرِيكًا لِمَا يُلْقِيهِ إِلَيْهِمْ، وَاسْتِبْعَادًا لِمَا يَتَجَدَّدُ مِنَ الْأَحْكَامِ، وَتَطْرِيَةً لِلْإِنْصَاتِ. وَنَزَلَتْ بِسَبَبِ عَادَةِ الْأَعْرَابِ مِنَ الْجَفَاءِ وَعُلُوِّ الصَّوْتِ. لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ:
أَيْ إِذَا نَطَقَ وَنَطَقْتُمْ، وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ إِذَا كَلَّمْتُمُوهُ، لِأَنَّ رُتْبَةَ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ يَجِبُ أَنْ تُوَقَّرَ وَتُجَلَّ، وَلَا يَكُونُ الْكَلَامُ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ كَالْكَلَامِ مَعَ غَيْرِهِ. وَلَمَّا نَزَلَتْ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا أُكَلِّمُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا السِّرَارَ أَوْ أَخَا السِّرَارِ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ. وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَخِي السِّرَارِ، لَا يُسْمِعُهُ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ، إِذَا قَدِمَ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَوْمٌ، أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ مَنْ يُعَلِّمُهُمْ كَيْفَ يُسْلِمُونَ، وَيَأْمُرُهُمْ
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: لَا تُقَدِّمُوا، فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّيًا، وَحُذِفَ مَفْعُولُهُ لِيَتَنَاوَلَ كُلَّ مَا يَقَعُ فِي النَّفْسِ مِمَّا تَقَدَّمَ، فَلَمْ يَقْصِدْ لِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ، بَلِ النَّهْيُ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِ الْفِعْلِ دُونَ تَعَرُّضٍ لِمَفْعُولٍ مُعَيَّنٍ، كَقَوْلِهِمْ: فُلَانٌ يُعْطِي وَيَمْنَعُ. وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا بِمَعْنَى تَقَدَّمَ، كَمَا تَقُولُ: وَجْهٌ بِمَعْنَى تَوَجَّهَ، وَيَكُونَ الْمَحْذُوفُ مِمَّا يُوَصَّلُ إِلَيْهِ بِحَرْفٍ، أَيْ لَا تَتَقَدَّمُوا فِي شَيْءٍ مَا مِنَ الْأَشْيَاءِ، أَوْ بِمَا يُحِبُّونَ. وَيُعَضِّدُ هَذَا الْوَجْهِ قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي حَيْوَةَ وَالضَّحَّاكِ وَيَعْقُوبَ وَابْنِ مِقْسَمٍ. لَا تَقَدَّمُوا، بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْقَافِ وَالدَّالِ عَلَى اللُّزُومِ، وَحُذِفَتِ التَّاءُ تَخْفِيفًا، إِذْ أَصْلُهُ لَا تَتَقَدَّمُوا. وَقَرَأَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ: تَقَدَّمُوا بِشَدِّ التَّاءِ، أُدْغِمَ تَاءِ الْمُضَارَعَةِ فِي التَّاءِ بعدها، كقراءة البزي. وقرىء: لَا تَقْدِمُوا، مُضَارِعَ قَدِمَ، بِكَسْرِ الدَّالِ، مِنَ الْقُدُومِ، أَيْ لَا تَقْدِمُوا إِلَى أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ قَبْلَ قُدُومِهَا، وَلَا تَعْجَلُوا عَلَيْهَا، وَالْمَكَانُ الْمُسَامِتُ وَجْهَ الرَّجُلِ قَرِيبًا مِنْهُ. قِيلَ: فِيهِ بَيْنَ يَدَيِ الْمَجْلُوسِ إِلَيْهِ تَوَسُّعًا، لِمَا جَاوَرَ الْجِهَتَيْنِ مِنَ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ، وَهِيَ فِي قَوْلِهِ: بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ، مَجَازٌ مِنْ مَجَازِ التَّمْثِيلِ.
وَفَائِدَةُ تَصْوِيرِ الْهُجْنَةِ وَالشَّنَاعَةِ فِيهَا نُهُوا عَنْهُ مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى أَمْرٍ دُونَ الِاهْتِدَاءِ عَلَى أَمْثِلَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَعْنَى: لَا تَقْطَعُوا أَمْرًا إِلَّا بعد ما يَحْكُمَانِ بِهِ وَيَأْذَنَانِ فِيهِ، فَتَكُونُوا عَامِلِينَ بِالْوَحْيِ الْمُنَزَّلِ، أَوْ مُقْتَدِينَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا، وَعَلَى هَذَا مَدَارُ تَفْسِيرِ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا تَفْتَاتُوا عَلَى اللَّهِ شَيْئًا حَتَّى يَقُصَّهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي هَذَا النَّهْيِ تَوْطِئَةٌ لِمَا يَأْتِي بَعْدُ مِنْ نَهْيِهِمْ عَنْ رَفْعِ أَصْوَاتِهِمْ. وَلَمَّا نَهَى أَمَرَ بِالتَّقْوَى، لِأَنَّ مِنَ التَّقْوَى اجْتِنَابُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لِأَقْوَالِكُمْ، عَلِيمٌ بِنِيَّاتِكُمْ وَأَفْعَالِكُمْ.
ثُمَّ نَادَاهُمْ ثَانِيًا، تَحْرِيكًا لِمَا يُلْقِيهِ إِلَيْهِمْ، وَاسْتِبْعَادًا لِمَا يَتَجَدَّدُ مِنَ الْأَحْكَامِ، وَتَطْرِيَةً لِلْإِنْصَاتِ. وَنَزَلَتْ بِسَبَبِ عَادَةِ الْأَعْرَابِ مِنَ الْجَفَاءِ وَعُلُوِّ الصَّوْتِ. لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ:
أَيْ إِذَا نَطَقَ وَنَطَقْتُمْ، وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ إِذَا كَلَّمْتُمُوهُ، لِأَنَّ رُتْبَةَ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ يَجِبُ أَنْ تُوَقَّرَ وَتُجَلَّ، وَلَا يَكُونُ الْكَلَامُ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ كَالْكَلَامِ مَعَ غَيْرِهِ. وَلَمَّا نَزَلَتْ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا أُكَلِّمُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا السِّرَارَ أَوْ أَخَا السِّرَارِ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ. وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَخِي السِّرَارِ، لَا يُسْمِعُهُ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ، إِذَا قَدِمَ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَوْمٌ، أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ مَنْ يُعَلِّمُهُمْ كَيْفَ يُسْلِمُونَ، وَيَأْمُرُهُمْ
507
بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَكُنِ الرَّفْعُ وَالْجَهْرُ إِلَّا مَا كَانَ فِي طِبَاعِهِمْ، لَا أَنَّهُ مَقْصُودٌ بِذَلِكَ الِاسْتِخْفَافُ وَالِاسْتِعْلَاءُ، لِأَنَّهُ كَانَ يَكُونُ فِعْلُهُمْ ذَلِكَ كُفْرًا، وَالْمُخَاطَبُونَ مُؤْمِنُونَ. كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ: أَيْ فِي عَدَمِ الْمُبَالَاةِ وَقِلَّةِ الِاحْتِرَامِ، فَلَمْ يُنْهَوْا إِلَّا عَنْ جَهْرٍ مَخْصُوصٍ. وَكَرِهَ الْعُلَمَاءُ رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِحَضْرَةِ الْعَالِمِ، وَفِي الْمَسَاجِدِ.
وَعَنِ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَكَانَ فِي أُذُنِهِ وَقْرٌ، وَكَانَ جَهِيرَ الصَّوْتِ، وَحَدِيثُهُ فِي انْقِطَاعِهِ فِي بَيْتِهِ أَيَّامًا بِسَبَبِ ذَلِكَ مَشْهُورٌ، وَأَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمَّا أُنْزِلَتْ، خِفْتُ أَنْ يَحْبِطَ عَمَلِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ». وَقَالَ لَهُ مَرَّةً: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَعِيشَ حَمِيدًا وَتَمُوتَ شَهِيدًا» ؟ فَعَاشَ كَذَلِكَ، ثُمَّ قُتِلَ بِالْيَمَامَةِ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ.
أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ: إِنْ كَانَتِ الْآيَةُ مُعَرِّضَةً بِمَنْ يَجْهَرُ اسْتِخْفَافًا، فَذَلِكَ كُفْرٌ يَحْبَطُ مَعَهُ الْعَمَلُ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَتْ لِلْمُؤْمِنِ الَّذِي يَفْعَلُ ذَلِكَ غَفْلَةً وَجَرْيًا عَلَى عَادَتِهِ، فَإِنَّمَا يَحْبَطُ عَمَلُهُ الْبِرَّ فِي تَوْقِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَغَضِّ الصَّوْتَ عِنْدَهُ، أَنْ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ، كَأَنَّهُ قَالَ: مَخَافَةَ أَنْ تَحْبَطَ الْأَعْمَالُ الَّتِي هِيَ مُعَدَّةٌ أَنْ تَعْمَلُوهَا فَتُؤْجَرُوا عَلَيْهَا.
وَأَنْ تَحْبَطَ مَفْعُولٌ لَهُ، وَالْعَامِلُ فِيهِ وَلَا تَجْهَرُوا، عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ فِي الِاخْتِيَارِ، وَلَا تَرْفَعُوا عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ فِي الِاخْتِيَارِ، وَمَعَ ذَلِكَ، فَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى حُبُوطُ الْعَمَلِ عِلَّةٌ فِي كُلٍّ مِنَ الرَّفْعِ وَالْجَهْرِ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: فَتَحْبَطَ بِالْفَاءِ، وَهُوَ مُسَبَّبٌ عَنْ مَا قَبْلَهُ.
إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ، قِيلَ: نَزَلَتْ فِي أَبِي بِكْرٍ وَعُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، لِمَا كَانَ مِنْهُمَا مِنْ غَضِّ الصَّوْتِ وَالْبُلُوغِ بِهِ أَخَا السِّرَارِ. امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى: أَيْ جُرِّبَتْ وَدُرِّبَتْ لِلتَّقْوَى، فَهِيَ مُضْطَلِعَةٌ بِهَا، أَوْ وُضِعَ الِامْتِحَانُ مَوْضِعَ الْمَعْرِفَةِ، لِأَنَّ تَحْقِيقَ الشَّيْءِ بِاخْتِبَارِهِ، أَيْ عَرَفَ قُلُوبَهُمْ كَائِنَةً لِلتَّقْوَى فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَوْ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنْوَاعِ الْمِحَنِ لِأَجْلِ التَّقْوَى، أَيْ لِتَثْبُتَ وَتَظْهَرَ تَقْوَاهَا. وَقِيلَ: أَخْلَصَهَا لِلتَّقْوَى مِنْ قَوْلِهِمْ: امْتَحَنَ الذَّهَبَ وَفَتَنَهُ إِذَا أَذَابَهُ، فَخَلَّصَ إِبْرِيزَهُ مِنْ خَبَثِهِ. وَجَاءَتْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ مُؤَكِّدَةً لِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ، وَجُعِلَ خَبَرُهَا جُمْلَةً مِنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ الدَّالِ عَلَى التَّفْخِيمِ وَالْمَعْرِفَةِ بعده، جائيا بعد ذِكْرُ جَزَائِهِمْ عَلَى غَضِّ أَصْوَاتِهِمْ. وَكُلُّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِارْتِضَاءَ بِمَا فَعَلُوا مِنْ تَوْقِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِغَضِّ أَصْوَاتِهِمْ، وَفِيهَا تَعْرِيضٌ بِعَظِيمِ مَا ارْتَكَبَ رَافِعُو أَصْوَاتِهِمْ وَاسْتِيجَابِهِمْ ضِدَّ مَا اسْتَوْجَبَهُ هَؤُلَاءِ.
وَعَنِ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَكَانَ فِي أُذُنِهِ وَقْرٌ، وَكَانَ جَهِيرَ الصَّوْتِ، وَحَدِيثُهُ فِي انْقِطَاعِهِ فِي بَيْتِهِ أَيَّامًا بِسَبَبِ ذَلِكَ مَشْهُورٌ، وَأَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمَّا أُنْزِلَتْ، خِفْتُ أَنْ يَحْبِطَ عَمَلِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ». وَقَالَ لَهُ مَرَّةً: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَعِيشَ حَمِيدًا وَتَمُوتَ شَهِيدًا» ؟ فَعَاشَ كَذَلِكَ، ثُمَّ قُتِلَ بِالْيَمَامَةِ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ.
أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ: إِنْ كَانَتِ الْآيَةُ مُعَرِّضَةً بِمَنْ يَجْهَرُ اسْتِخْفَافًا، فَذَلِكَ كُفْرٌ يَحْبَطُ مَعَهُ الْعَمَلُ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَتْ لِلْمُؤْمِنِ الَّذِي يَفْعَلُ ذَلِكَ غَفْلَةً وَجَرْيًا عَلَى عَادَتِهِ، فَإِنَّمَا يَحْبَطُ عَمَلُهُ الْبِرَّ فِي تَوْقِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَغَضِّ الصَّوْتَ عِنْدَهُ، أَنْ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ، كَأَنَّهُ قَالَ: مَخَافَةَ أَنْ تَحْبَطَ الْأَعْمَالُ الَّتِي هِيَ مُعَدَّةٌ أَنْ تَعْمَلُوهَا فَتُؤْجَرُوا عَلَيْهَا.
وَأَنْ تَحْبَطَ مَفْعُولٌ لَهُ، وَالْعَامِلُ فِيهِ وَلَا تَجْهَرُوا، عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ فِي الِاخْتِيَارِ، وَلَا تَرْفَعُوا عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ فِي الِاخْتِيَارِ، وَمَعَ ذَلِكَ، فَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى حُبُوطُ الْعَمَلِ عِلَّةٌ فِي كُلٍّ مِنَ الرَّفْعِ وَالْجَهْرِ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: فَتَحْبَطَ بِالْفَاءِ، وَهُوَ مُسَبَّبٌ عَنْ مَا قَبْلَهُ.
إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ، قِيلَ: نَزَلَتْ فِي أَبِي بِكْرٍ وَعُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، لِمَا كَانَ مِنْهُمَا مِنْ غَضِّ الصَّوْتِ وَالْبُلُوغِ بِهِ أَخَا السِّرَارِ. امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى: أَيْ جُرِّبَتْ وَدُرِّبَتْ لِلتَّقْوَى، فَهِيَ مُضْطَلِعَةٌ بِهَا، أَوْ وُضِعَ الِامْتِحَانُ مَوْضِعَ الْمَعْرِفَةِ، لِأَنَّ تَحْقِيقَ الشَّيْءِ بِاخْتِبَارِهِ، أَيْ عَرَفَ قُلُوبَهُمْ كَائِنَةً لِلتَّقْوَى فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَوْ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنْوَاعِ الْمِحَنِ لِأَجْلِ التَّقْوَى، أَيْ لِتَثْبُتَ وَتَظْهَرَ تَقْوَاهَا. وَقِيلَ: أَخْلَصَهَا لِلتَّقْوَى مِنْ قَوْلِهِمْ: امْتَحَنَ الذَّهَبَ وَفَتَنَهُ إِذَا أَذَابَهُ، فَخَلَّصَ إِبْرِيزَهُ مِنْ خَبَثِهِ. وَجَاءَتْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ مُؤَكِّدَةً لِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ، وَجُعِلَ خَبَرُهَا جُمْلَةً مِنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ الدَّالِ عَلَى التَّفْخِيمِ وَالْمَعْرِفَةِ بعده، جائيا بعد ذِكْرُ جَزَائِهِمْ عَلَى غَضِّ أَصْوَاتِهِمْ. وَكُلُّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِارْتِضَاءَ بِمَا فَعَلُوا مِنْ تَوْقِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِغَضِّ أَصْوَاتِهِمْ، وَفِيهَا تَعْرِيضٌ بِعَظِيمِ مَا ارْتَكَبَ رَافِعُو أَصْوَاتِهِمْ وَاسْتِيجَابِهِمْ ضِدَّ مَا اسْتَوْجَبَهُ هَؤُلَاءِ.
508
إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ:
نَزَلَتْ فِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، وَالزِّبْرِقَانِ بْنِ بَدْرٍ، وَعَمْرِو بْنِ الْأَهْتَمِ وَغَيْرِهِمْ. وَفَدُوا وَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ وَقْتَ الظَّهِيرَةِ، وَالرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاقِدٌ، فَجَعَلُوا يُنَادُونَهُ بِجُمْلَتِهِمْ: يَا مُحَمَّدُ، اخْرُجْ إِلَيْنَا. فَاسْتَيْقَظَ فَخَرَجَ، فَقَالَ لَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ مَدْحِيَ زَيْنٌ وَذَمِّيَ شَيْنٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْلَكَ! ذَلِكَ اللَّهُ تَعَالَى». فَاجْتَمَعَ النَّاسُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالُوا: نَحْنُ بَنِي تَمِيمٍ بِخَطِيبِنَا وَشَاعِرِنَا، نُشَاعِرُكَ وَنُفَاخِرُكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بِالشِّعْرِ بُعِثْتُ، وَلَا بِالْفِخَارِ أُمِرْتُ، وَلَكِنْ هَاتُوا». فَقَالَ الزِّبْرِقَانُ لِشَابٍّ مِنْهُمْ: فَخِّرْ وَاذْكُرْ فَضْلَ قَوْمِكَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنَا خَيْرَ خَلْقِهِ، وَآتَانَا أَمْوَالًا نَفْعَلُ فِيهَا مَا نَشَاءُ، فَنَحْنُ مِنْ خَيْرِ أَهْلِ الْأَرْضِ، مِنْ أَكْثَرِهِمْ عَدَدًا وَمَالًا وَسِلَاحًا، فَمَنْ أَنْكَرَ عَلَيْنَا فَلْيَأْتِ بِقَوْلٍ هُوَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِنَا، وَفِعْلٍ هُوَ أَحْسَنُ مِنْ فِعْلِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَكَانَ خَطِيبَهُ: «قُمْ فَأَجِبْهُ»، فَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ وَأُومِنُ بِهِ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، دَعَا الْمُهَاجِرِينَ مِنْ بَنِي عَمِّهِ أَحْسَنَ النَّاسِ وُجُوهًا وَأَعْظَمَهُمْ أَحْلَامًا فَأَجَابُوهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنَا أَنْصَارَ دِينِهِ وَوُزَرَاءَ رَسُولِهِ وَعِزًا لِدِينِهِ، فَنَحْنُ نُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا مَنَعَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ، وَمَنْ أَبَاهَا قَتَلْنَاهُ وَكَانَ رَغْمَةً عَلَيْنَا هَيِّنًا، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ». وَقَالَ الزِّبْرِقَانُ لِشَابٍّ: قُمْ فَقُلْ أَبْيَاتًا تَذْكُرُ فِيهَا فَضْلَ قَوْمِكَ، فَقَالَ:
فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ، فَقَالَ له: «أعدلي قَوْلَكَ فَأَسْمَعَهُ»، فَأَجَابَهُ:
ثُمَّ قَالَ حَسَّانُ فِي أَبْيَاتٍ:
نَزَلَتْ فِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، وَالزِّبْرِقَانِ بْنِ بَدْرٍ، وَعَمْرِو بْنِ الْأَهْتَمِ وَغَيْرِهِمْ. وَفَدُوا وَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ وَقْتَ الظَّهِيرَةِ، وَالرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاقِدٌ، فَجَعَلُوا يُنَادُونَهُ بِجُمْلَتِهِمْ: يَا مُحَمَّدُ، اخْرُجْ إِلَيْنَا. فَاسْتَيْقَظَ فَخَرَجَ، فَقَالَ لَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ مَدْحِيَ زَيْنٌ وَذَمِّيَ شَيْنٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْلَكَ! ذَلِكَ اللَّهُ تَعَالَى». فَاجْتَمَعَ النَّاسُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالُوا: نَحْنُ بَنِي تَمِيمٍ بِخَطِيبِنَا وَشَاعِرِنَا، نُشَاعِرُكَ وَنُفَاخِرُكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بِالشِّعْرِ بُعِثْتُ، وَلَا بِالْفِخَارِ أُمِرْتُ، وَلَكِنْ هَاتُوا». فَقَالَ الزِّبْرِقَانُ لِشَابٍّ مِنْهُمْ: فَخِّرْ وَاذْكُرْ فَضْلَ قَوْمِكَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنَا خَيْرَ خَلْقِهِ، وَآتَانَا أَمْوَالًا نَفْعَلُ فِيهَا مَا نَشَاءُ، فَنَحْنُ مِنْ خَيْرِ أَهْلِ الْأَرْضِ، مِنْ أَكْثَرِهِمْ عَدَدًا وَمَالًا وَسِلَاحًا، فَمَنْ أَنْكَرَ عَلَيْنَا فَلْيَأْتِ بِقَوْلٍ هُوَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِنَا، وَفِعْلٍ هُوَ أَحْسَنُ مِنْ فِعْلِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَكَانَ خَطِيبَهُ: «قُمْ فَأَجِبْهُ»، فَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ وَأُومِنُ بِهِ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، دَعَا الْمُهَاجِرِينَ مِنْ بَنِي عَمِّهِ أَحْسَنَ النَّاسِ وُجُوهًا وَأَعْظَمَهُمْ أَحْلَامًا فَأَجَابُوهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنَا أَنْصَارَ دِينِهِ وَوُزَرَاءَ رَسُولِهِ وَعِزًا لِدِينِهِ، فَنَحْنُ نُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا مَنَعَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ، وَمَنْ أَبَاهَا قَتَلْنَاهُ وَكَانَ رَغْمَةً عَلَيْنَا هَيِّنًا، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ». وَقَالَ الزِّبْرِقَانُ لِشَابٍّ: قُمْ فَقُلْ أَبْيَاتًا تَذْكُرُ فِيهَا فَضْلَ قَوْمِكَ، فَقَالَ:
نَحْنُ الْكِرَامُ فَلَا حَيَّ يُعَادِلُنَا | فِينَا الرُّءُوسُ وَفِينَا يُقْسَمُ الرُّبُعُ |
وَنُطْعِمُ النَّفْسَ عِنْدَ الْقَحْطِ كُلَّهُمُ | مِنَ السَّدِيفِ إِذَا لَمْ يُؤْنَسِ الْفَزَعُ |
إِذَا أَبَيْنَا فَلَا يَأْبَى لَنَا أَحَدٌ | إِنَّا كَذَلِكَ عِنْدَ الْفَخْرِ نَرْتَفِعُ |
إِنَّ الذَّوَائِبَ مِنْ فِهْرٍ وَإِخْوَتِهِمْ | قَدْ شَرَعُوا سُنَّةً لِلنَّاسِ تُتَّبَعُ |
يُوصَى بِهَا كُلُّ مَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ | تَقْوَى الْإِلَهِ فَكُلُّ الْخَيْرِ يَطَّلِعُ |