تفسير سورة الحجرات

التفسير القرآني للقرآن
تفسير سورة سورة الحجرات من كتاب التفسير القرآني للقرآن المعروف بـالتفسير القرآني للقرآن .
لمؤلفه عبد الكريم يونس الخطيب . المتوفي سنة 1390 هـ

٤٩- سورة الحجرات
نزولها: مدينة عدد آياتها: ثمانى عشرة آية..
عدد كلماتها: ثلاثمائة وأربعون كلمة.
عدد حروفها: ألف وأربعمائة وأربع وسبعون حرفا.
مناسبتها للسورة قبلها
كان صدّ المسلمين عن البيت الحرام، وقد جاء بهم النبي صلوات الله وسلامه عليه إلى مكة معتمرا، واعدا إياهم أن يدخلوا المسجد الحرام، وأن يحلقوا ويقصروا، وقد كان النبي رأى فى منامه رؤيا تأوّلها هذا التأويل وأخبر أصحابه بها- كان هذا الصد داعية إلى إثارة هياج فى نفوس المسلمين، وإلى جريان كثير من اللغط على ألسنتهم- فجاءت سورة الحجرات، بعد أن رأوا من آيات الله مارأوا، وبعد أن صدقت رؤيا الرسول الكريم، ودخلوا المسجد الحرام آمنين ومحلقين- جاءت تحمل إليهم هذا الأدب الإلهى الذي يؤدبهم الله سبحانه وتعالى به، ويقيمهم على طريقه، مع النبي الكريم، وفى الإيمان به إيمان يقين، لا يخالطه شىء من ريبة أو شك، كما سنرى ذلك فيما جاء فى مطلع السورة.

بسم الله الرحمن الرّحيم

الآيات (١- ٥) [سورة الحجرات (٤٩) : الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٢) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٣) إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٤)
وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)
432
التفسير:
قوله تعالى:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» :
التقديم بين يدى الله ورسوله، هو السبق بقطع الأمر دونهما، وبعيدا عن الحكم الذي يقرّره الله سبحانه وتعالى لهم فى كتابه، وسنة رسوله..
وفى الآية الكريمة عتاب للمؤمنين، الذي لغطوا بما لغطوا به فى صلح الحديبية، وهو فى الوقت نفسه تأديب عام لهم، وإقامتهم بالمكان الذي ينبغى أن يكونوا فيه من أمر الله ورسوله.. فإذا قضى الله ورسوله أمرا، لم يكن لمؤمن بالله ورسوله خيار فى هذا الأمر.. فإما المتابعة فى ولاء ورضا وغبطة، وإما حلّ لعقد الإيمان الذي عقدوه مع الله ورسوله.. والله سبحانه وتعالى يقول: «وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ، إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً».
فقوله تعالى: «لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» أي لا يكن لكم أمر
433
تنفردون به دون أمر الله ورسوله، فلا تقطعوا أيها المؤمنون أمرا يقوم على خلاف ما أمر به الله ورسوله.
وقوله تعالى: «وَاتَّقُوا اللَّهَ» أي استقيموا على تقوى الله، بطاعته وطاعة رسوله، وامتثال أمره، ومتابعة رسوله..
وقوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» أي يسمع ما تقولون، ويعلم ما لا تقولون مما تخفونه فى صدوركم.. فيجازيكم بما كان منكم من حسن أو سوء..
قوله تعالى:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ».
هو من تمام أدب المؤمنين مع رسول الله، الذي ينبغى أن يكون صوته أعلى الأصوات، وكلمته رائدة الكلمات وهاديتها.. ورفع الصوت بين يدى النبي، فيه استخفاف، وفيه تجرد من مشاعر الهيبة والإكبار، وجفاف من عواطف الحب والولاء.. فالكلمات التي تصدر فى مقام الجلال والإكبار، كلمات ضامرة ضاوية، أمام ما يروعها من هيبة وجلال.. والكلمات التي تخرج من أفواه المحبين كلمات مستحيية ضارعة بين يدى من يحبّون..
والمسلمون فى حضرة النبي الكريم، يشهدون أروع آيات العظمة والجلال، وحديثهم إليه، إنما هو حديث يفيض من قلوب ملكها الحب، وخالط شغافها..
وإنه لا يجتمع مع هذا أن يرتفع صوت من مؤمن فى حضرة الرسول، فإن ارتفع فلن يكون إلا دون صوت النبي..
وقوله تعالى: «وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ».
المراد بالقول هنا، ما يكون بين الأصدقاء والإخوان من معاتبات تنحلّ
434
فيها عقد ألسنتهم، ويجهرون فيها بما يتحرجون من الجهر به فى غير خلواتهم مع من يكونون على شاكلتهم، وفى مستوى مكانتهم بين الناس..
فالجهر بمثل هذا القول، وإن لم يرتفع به الصوت فوق صوت النبي، فيه دلالة على عدم الاحتشام والحياء فى حضرة رسول الله، الأمر الذي لا يليق أن يكون من مؤمن بالله ورسوله، ولا يلتقى مع التوقير لرسول الله، الذي دعا الله سبحانه المؤمنين إليه فى قوله سبحانه: «لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا»..
وقوله تعالى: «أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ»..
حبط الأعمال: إبطالها، وحرمان أصحابها الثمرة المرجوة منها..
والسؤال هنا: كيف تحبط أعمالهم بعمل يعملونه ولا يشعرون بالآثار المترتبة عليه؟ وهل يؤاخذ الإنسان على ما يعمله عن غفلة وجهل؟.
والجواب على هذا- والله أعلم- أن هذا تحذير من أن يكون من المؤمنين شىء من هذا المنهىّ عنه، مستقبلا، بعد أن نهاهم الله سبحانه وتعالى عنه.. فالمؤاخذة على ما نهوا عنه، إنما تبدأ من بعد تلقّيهم هذا النهى..
ولأن مثل رفع الصوت، والجهر بالقول، مما قد يكون من بعض الناس طبيعة لازمة، أو عادة متحكمة، فقد جاء هذا التحذير ليتنبه المؤمنون وهم بين يدى النبي، وليحرسوا أنفسهم من أن ينزلقوا، تحت حكم الطبيعة أو العادة، إلى هذا المنزلق الذي تضيع فيه أعمالهم الطيبة من غير أن يشعروا أنهم يأتون منكرا، أو يقصدون إساءة أدب فى حضرة الرسول!.
وهذا، وإن كان من غير قصد، هو مزلق إلى ما يكون عن قصد، ووعى، بعد أن يصبح ذلك عادة مألوفة..
435
قوله تعالى:
«إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ»..
هو بيان لما لهذا الأدب الذي يأخذ به المسلمون أنفسهم بين يدى رسول الله، من ثواب عظيم، وأجر كبير عند الله..
وقوله تعالى: «يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ» أي يخفضونها حياء وإجلالا.. وفى التعبير عن خفض الصوت بالغض الذي هو من شأن النظر، إذ يقال غضّ فلان بصره ولا يقال غض صوته- فى هذا التعبير إعجاز من إعجاز النظم القرآنى، الذي تحمله كلمات الله متحدية الجنّ والإنس جميعا..
ذلك أن خفض الصوت إنما يكون عن مشاعر الحياء، التي من شأنها أن تنكسر معها حدة البصر، فلا يستطيع المرء أن يملأ عينيه ممن يهابه، ويجلّه، ويوقره.. فهو إذا نظر غضّ بصره، وإن هذا الغض من البصر يستولى على مخارج الصوت أيضا، فيحبس الصوت عن أن ينطلق إلى غاياته، بل يكسر حدته، كما كسرّ حدة النظر..
ففى قوله تعالى: «يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ» إشارة ضمنية إلى غض البصر حياء، وأن سلطان الحياء هو المتحكم فى هذا المقام. وهكذا يتسلط الغضّ على الأبصار، والأفواه جميعا.
وقوله تعالى: «أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى» إشارة إلى أن قلوب هؤلاء المؤمنين الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله قد أعدها الله سبحانه وتعالى وأرادها لتكون مستقرا ومستودعا للتقوى، وهذا هو السر فى تعدية الفعل «امتحن» باللام، فى قوله تعالى «لِلتَّقْوى» مع أن الأصل فى فعل الامتحان أن يتعدى بالباء، فيقال: «امتحنه بكذا، لا لكذا».
436
وفى هذا ما يشير إلى أن تلك القلوب التي يغضّ أصحابها أبصارهم عند رسول الله، قد امتحنت فعلا بالتقوى، وقد نجحت فى هذا الامتحان، فأصبحت قابلة للتقوى، متجاوبة معها.. فقد يمتحن الإنسان بالشيء، ولا يقبله، ولا يتجاوب معه.. أما إذا امتحن للشىء، واختير له، فإن ذلك يعنى أنه أهل لهذا الامتحان، وخاصة إذا كان المتخيّر له، هو الحكيم العليم، رب العالمين..
ولهذا، فإن قوله تعالى: «أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى» هو خبر لقوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ» بمعنى أن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله هم من أهل التقوى.. فهذا هو حكمهم عند الله..
وقوله تعالى: «لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ» خبر ثان لقوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ» بمعنى أنهم أهل التقوى، وأنهم مجزيّون من الله سبحانه وتعالى بالمغفرة والأجر العظيم..
وفى الآيات الكريمة ما يكشف عن جانب عظيم من أخلاقيات الإسلام، وآدابه العالية، فيما يعرف اليوم بالدبلوماسية السياسية، التي تفرض على الناس مراسم من الأدب فى حضرة الملوك، والرؤساء، والقادة، والزعماء، وأصحاب السيادة والسلطان..
ولكن شتان بين أدب الإسلام، الذي ينبع من مشاعر صادقة، ويفيض من قلوب عامرة بالحب، خفّاقة بالولاء، وبين هذا الأدب التمثيلى المصطنع، الذي لا يتجاوز الكلمات التي ترددها الألسنة، والحركات التي تصطنعها الأجسام!! إنه أدب أشبه بأدب القرود بين يدى مؤدبها!.
437
وألا فلتخضع الرقاب، وتنخفض الجباه أمام هذا الأدب الإسلامى، ولتخرس الألسنة التي ترمى بالتهم فى وجه هذا الدين الذي جمع الفضائل كلها، والذي يقود ركب الحضارة فى أعلى مستوياتها، وأروع مظاهرها..
إنه ليس دين بداوة جافية غليظة، كما يتخرص المتخرصون، بل إنه دين المدنية الخالصة من شوائب الزيف، وطلاء الخداع!!.
قوله تعالى:
«إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ» - هو التفات إلى النبي الكريم بهذا العذر الذي يقدمه الله سبحانه وتعالى إلى الرسول العظيم، عن هذا الجفاء، وتلك الغلظة، مما يغلب على أهل البادية، الذين يجيئون إلى النبي، فينادونه من وراء الحجرات التي كان يتخذها النبىّ سكنا له مع أهله.. فهؤلاء الأعراب لم يتأدبوا بأدب الإسلام، بعد، ولم تظهر عليهم آثاره، وإنهم لجديرون بأن يقابلوا من النبي بالتسامح، وأن يعذروا لهذا الجفاء البادي منهم..
قوله تعالى:
«وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» هو إلفات إلى هؤلاء الأعراب، وتوجيه حكيم رفيق بهم، إلى هذا الأدب الذي لم يألفوه بينهم..
وفى قوله تعالى: «وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» - تطمين لهؤلاء الأعراب الذين قد يقع منهم هذا الفعل، وأنهم فى سعة من رحمة الله ومغفرته، إذا هم أخذوا بأدب القرآن، ونزعوا عما غلبتهم عليه طبيعتهم.. كما أنه دعوة إلى النبي الكريم، أن يغفر ويرحم، فقد غفر الله ورحم!..
438
الآيات (١٣- ٦) [سورة الحجرات (٤٩) : الآيات ٦ الى ١٣]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (٦) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (٧) فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٨) وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (١٢) يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣)
439
التفسير:
فى هذه الآية استكمال للأدب الذي تحكم به الروابط التي ينبغى أن تقوم بين أفراد المجتمع الإسلامى، بعد أن بيّنت الآيات السابقة الأدب الذي ينبغى أن يتأدب به المسلمون فى حضرة النبي الكريم..
وقوله تعالى:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ»..
النبأ: الخبر ذو الشأن، وأصله من النبوّ وهو الظهور، والخروج عن المألوف..
قيل إن هذه الآية نزلت فى شأن الوليد بن عقبة، وقد بعثه النبىّ إلى بنى المصطلق، ليجمع مال الصدقة منهم.. فلما أشرف عليهم.. وكانوا قد علموا بمقدم مبعوث رسول الله إليهم خرجوا للقائه، ظنّ أنّهم إنما يريدون به شرّا، فقفل راجعا، وأخبر النبىّ والمسلمين أن القوم قد منعوا الزكاة، وأنهم همّوا بقتله، فأعدّ النبىّ العدة لقتالهم، وقبل أن يسير النبىّ بالمسلمين إليهم جاءه وفدهم يكذّب ما كان من مقولة الوليد بن عقبة فيهم، وأنهم على الإسلام، يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة.. فنزلت هذه الآية مصدقة لهم..
وأيّا كان سبب النزول، فإن الآية عامة مطلقة، تحذّر المسلمين من الأنباء الكاذبة التي يرجف بها المرجفون، ليشيعوا فى المسلمين قالة السوء، وليوغروا بها صدورهم على أهل الإيمان والسلامة فيهم، وأن هذا من شأنه لو وقع موقع
440
القبول والتسليم من المؤمنين، من غير تبصر أو تمحيص، لأفسد عليهم أمرهم، ولنزع الثقة والطمأنينة من بينهم..
فما أكثر ما كان يلقى به المنافقون، واليهود، فى محيط المسلمين من أكاذيب وأراجيف وشائعات، الأمر الذي يقضى على المسلمين بأن يمحصوا هذه الأخبار، وألّا يأخذوها مأخذ القبول والتسليم دون نظر فاخص لها..
وفى قوله تعالى: «فاسِقٌ».. إشارة إلى أن المقولة إنما ينظر فيها إلى صاحبها الذي وردت منه، فإن كان من أهل الإيمان والثقة استمع لقوله، وأخذ به، وإن كان ممن يتهّم، استمع إليه ووضع قوله موضع التمحيص، فلا يحكم على قوله بالردّ ابتداء، فقد يكون فى قوله صدق، أو شىء من الصدق ينتفع به المسلمون..
وقوله تعالى: «أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ» هو بيان.. للعلة التي من أجلها كان الأمر بالتبين والتثبت لما يجىء للمسلمين من أنباء يحملها قوم لم يعرفوا فى المسلمين بالصدق، ووثاقة الإيمان..
وقوله تعالى: «بِجَهالَةٍ» إلفات للمسلمين إلى ألّا يقيموا أمرا من أمورهم على جهل، وعلى عدم رؤية واضحة لهذا الأمر، فذلك من شأنه إن أصاب مرة أن يخطىء مرات كثيرة.
وقوله تعالى: «فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ» أي أن الأخذ بالنبإ الوارد من فاسق قبل التثبت منه، يعود على المسلمين بالحسرة والندم، لأنهم وضعوا الأمر فى غير موضعه، ورتّبوا على هذا القول الكاذب أمورا لا يمكن إصلاحها بعد أن وقع عليها ما وقع.
441
قوله تعالى:
«وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ».
هو إلفات إلى المؤمنين بأنهم مع الرسول، فى حراسة من السماء، وأنه قائم فيهم، يكشف ما يقع على طريقهم من خيانات الخائنين، وأراجيف المرجفين..
ولكن الأمر سيختلف بعد وفاة النبىّ، ويكون عليهم حينئذ أن يتدبّروا أمرهم بأنفسهم، وأن يتثبتوا من الأخبار التي تحمل إليهم..
وقوله تعالى: «وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ» توجيه للمسلمين ألّا يقدّموا بين يدى الله ورسوله، وأن ينتظروا بالأمر غير الجلّى الذي بين أيديهم، حتى يبينه الرسول لهم، فإن من الغبن والضلال معا، أن يتخبط المرء فى الظلام وهناك مصباح سماوىّ مضىء، يكشف له كل خافية، ويجلى له كل خفىّ..
وقوله تعالى: «لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ».. بيان لما بين النبىّ وبين المسلمين من فرق بعيد، فى حكمه على الأمور، وحكمهم عليها..
فالنبى، يرى بنور الله، ويهتدى بهدى الله، فإذا قضى فى الأمر كان قضاؤه الحق، وحكمه العدل والخير والإحسان.. أما ما يقضى به المسلمون فى أمورهم، فهو قضاء قائم على مستوى الفهم البشرى، الذي قد يصيب وقد يخطىء..
ومن هنا كان على المؤمنين- ما دام الرسول فيهم- ألا يقطعوا أمرا ذا بال دونه، وألا يخرجوا عن أمر يدعوهم إليه، فإنهم إن فعلوا، وأكرهوا الرسول على أمر لم يكن موضع رضا منه- لم يجئهم من هذا الأمر إلا ما فيه إعنات لهم، وإلّا أصابهم منه ما لا يحبون..
442
والمثل لهذا ما يذكره المسلمون من يوم أحد، وقد أكرهوا النبىّ على الخروج من المدينة، للقاء المشركين، وكان من رأيه- صلوات الله وسلامه عليه- أن يتحصّن بها، فإن دخلها عليه المشركون قاتلهم المسلمون، وقاتل معهم الصبيان والنساء، وكانت الدور حصونا لهم.. وقد خرج النبىّ بالمسلمين إلى أحد، على غير رضا، وكان الذي حدث! ومثل آخر، يذكره المسلمون من يوم الحديبية، فلو أن الرسول استجاب لما كان يراه المسلمون يومئذ من قتال المشركين، حتى يتمكنوا من دخول مكة، والطواف بالمسجد الحرام- لو أن الرسول فعل هذا وكان قتال بينهم وبين المشركين، لسالت دماء غزيرة، ولذهبت نفوس كريمة من المؤمنين وربما كانت الدائرة عليهم.. وهاهم أولاء يرون أن الطريق إلى البيت الحرام قد صار مفتوحا لهم من غير قتال، وأنهم قد غنموا خيبر أيضا، إلى جانب هذا الفتح الذي لم ترق فيه دماء، ولم تذهب فيه أرواح! قوله تعالى: «وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ».
أي ولكنكم أيها المسلمون لم تخالفوا رسول الله، ولم تخرجوا عن أمره، إذ قد حبّب الله سبحانه وتعالى إليكم الإيمان وزيّنه فى قلوبكم، وبهذا الحبّ للإيمان، والولاء لجماله وجلاله فى نفوسكم، كنتم على طاعة وولاء لرسول الله، لأن ذلك من ثمرات الإيمان الوثيق، الذي تعلقت به القلوب، وانتعشت به النفوس، وذلك الإيمان الذي غرسه الله فى قلوبكم، وحببه إليكم، وزينه لكم- قد كرّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان.. إذ لا يجتمع إيمان وكفر، ولا يلتقى إيمان وفسوق عن أمر الله ورسوله، وعصيان لله ورسوله..
وقوله تعالى: «أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ».. إشارة إلى هؤلاء المؤمنين
443
الذين حبب الله إليهم الإيمان، وزينه فى قلوبهم، وكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان.. فهؤلاء المؤمنون هم الراشدون، الذين قام أمرهم على الرشد والخير والفلاح..
وفى العدول عن الخطاب إلى ضمير الغيبة عند الإشارة إلى هؤلاء المؤمنين- فى هذا إلفات إليهم، وإلى علوّ مقامهم، وأنهم بحيث ترنو الأبصار إليهم، وتمتد مطارح النظر نحوهم.. حتى لكأنهم- وهم فى مقام الحضور أجسادا- هم بعيدون منزلة ومقاما..
قوله تعالى:
«فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» - أي أن هذا الذي سكبه الله سبحانه وتعالى فى قلوب المؤمنين من حب الإيمان، وتزيينه فى قلوبهم، ومن كراهية الكفر، وما يجر وراءه من فسوق وعصيان- هو فضل من الله ونعمة أنعم بها على عباده المؤمنين.. «وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» ينزل فضله، ويوفد روافد نعمه حيث قضت حكمته المؤاخية لعلمه، الذي لا تخفى عليه خافية.
قوله تعالى:
«وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ».
كانت الآيات السابقة دستورا فى الأدب للمسلمين مع النبي، ثم دستورا بين المسلمين وبين أعدائهم الذين يدسّون عليهم الأخبار الكاذبة..
وفى هذه الآية وما بعدها دستور من الأخلاق، والأدب والسياسة، فيما بين المسلمين أنفسهم..
444
فالمسلمون، وقد فرغوا أو كادوا يفرغون من مواجهة العدو الذي كان يحيط بهم من المشركين، واليهود، والمنافقين- فإن ذلك من شأنه أن يتيح فرصة لطبيعة العدوان فى النفس البشرية، فإذا لم يجد المسلمون من يقاتلون من أعدائهم، لم يسلم الأمر من أن يقع الشر بينهم هم أنفسهم، ويقاتل بعضهم بعضا.. فتلك هى الطبيعة الإنسانية، والتي يمثلها قول الشاعر الجاهلى، وهو يتحدث عن الخيل التي أعدّها قومه للغارات:
وكنّ إذا أغرن على جناب وأعوزهنّ نهب حيث كانا
نزلن من الرّباب على حلول وضبّة إنه من حان حانا
وأحيانا على بكر أخينا إذا ما لم نجد إلا أخانا!!
ومن هنا نبه القرآن الكريم إلى حماية المسلمين من هذا الشر الذي قد يرد عليهم من ذات أنفسهم، ولم ينبه إلى عدم وقوع الشر والقتال أصلا، لأن ذلك مما لا تحتمله النفوس احتمالا لازما مطلقا..
فالقرآن يسلّم- وإن كان ذلك على غير ما لا يرضاه للمؤمنين- يسلّم بالأمر الواقع فى الحياة، ويفترض وقوع القتال بين المؤمنين، ولكنه يدعو إلى إطفاء وقدة هذا الشر، ويدعو المسلمين جميعا إلى المشاركة فى إخماده، قبل أن يتسع، ويستغلظ.
فيقول سبحانه وتعالى: «وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما».. فهاتان طائفتان من المؤمنين، قد وقع بينهما قتال، وهم مع هذا القتال مؤمنون، لم يخرجهم القتال عن الإيمان..
إنهم مؤمنون، وإن كانوا على هذا المكروه.. وواجب المؤمنين حينئذ،
445
هو أن يعملوا على إصلاح ذات البين بين الطائفتين، وأن ينزلوهما على ما يقضى به كتاب الله وسنة رسوله..
وقوله تعالى: «فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ».. يشير إلى الخطوة الثانية بعد دعوة الطائفتين إلى الصلح، وإلى النزول على حكم الله ورسوله الذي يقضى به المسلمون بينهما- والخطوة الثانية هى أنه إذا لم تقبل إحدى الطائفتين النزول على حكم الله ورسوله، كانت باغية معتدية، وكان على المؤمنين أن ينصروا الطائفة الأخرى، المبغىّ عليها..
وقوله تعالى: «فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ».. هو بيان للخطوة الثالثة، بعد أن ينتصر المؤمنون للطائفة المبغىّ عليها، وبعد أن تنزل الطائفة المعتدية على حكم الله ورسوله.. عندئذ لا يترك الأمر هكذا، باستسلام الفئة الباغية تحت حكم السيف.. فإن ذلك من شأنه أن يترك آثارا من الضغينة والبغضاء، لا ينحسم معها شر أبدا، وإن خمد إلى حين..
ومن هنا كانت الدعوة إلى المصالحة بين الفريقين، وجمعهما على الإخاء والمودة، ونزع ما فى النفوس من سخائم، وغسل ما نجم عن هذا القتال من آثار، ومداواة ما كان منها من جراح..
وفى قوله تعالى: «فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ».. إشارة إلى ما يكون قد وقع فى نفوس المسلمين الذين قاتلوا الفئة الباغية، من بغضة لها، وكراهية لموقفها المتعنت.. الأمر الذي قد يحمل المسلمين على أن يجوروا عليها، وينزلوها منزلة العقاب والانتقام.. إن ذلك من شأنه- وهو فى ذاته خارج على سنن الحق والعدل- أن يؤجج نار الحقد، والعداوة
446
ولا يطفىء نار الفتنة التي قام المسلمون لإطفائها.. فوجب على المسلمين أن يأخذوا الفئة الباغية بالعدل، وأن يقسطوا أي يعدلوا فى حكمهم عليها «إن الله يحب المقسطين» فى كل حال، مع الأولياء والأعداء على السواء.. والله سبحانه وتعالى يقول: «وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى» (٨: المائدة) قوله تعالى:
«إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»..
هو تعقيب على الآية السابقة، وعلى ما دعت إليه المؤمنين من حسم الخلاف الذي يقع بين جماعاتهم، ثم هو إلفات إلى أن الأخوّة القائمة بين المؤمنين لا تتغير صفتها، ولا تنقطع آثارها بتلك العوارض التي تعرض لهم فى حياتهم، فإنما هى موجات من ريح عابرة، لا تلبث أن تفتر، ثم يعود إلى البحر سكونه، وصفاؤه، وجلاله..
ومن جهة أخرى، فإن الفئة الباغية، لا يزال لها مكانها فى المؤمنين، ولا تزال لها أخوّتها فيهم، وإذن فلا يجار عليهم لأنهم جاروا، ولا يعتدى عليهم، لأنهم اعتدوا، وإنما يقبل منهم قبولهم لما قضى به المؤمنون عليهم، ثم إن لهم بعد هذا حقهم كاملا لا ينقص منه شىء.. فالمعتدون والمعتدى عليهم إخوان للمؤمنين جميعا..
قوله تعالى:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا
447
تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»
..
إن من أفتك الآفات التي تغتال مشاعر الإخاء والمودة بين المجتمعات، استخفاف جماعة بجماعة، والنظر إليها نظرا ساخرا، فإن ذلك من شأنه أن يغرى هؤلاء المستخفّين المستهزئين بمن استخفوا بهم، ونظروا إليهم باستصغار واستهزاء، ثم هو من جهة أخرى يحمل الجماعة المستخفّ بها، المستصغر لشأنها- على أن تدافع عن نفسها، وأن تردّ هذه السخرية، وهذا الاستهزاء بالسخرية والاستهزاء، ممن سخروا منهم، وهزءوا بهم.. وهذا أول قدح لشرارة الحرب.. فإن الحرب أولها الكلام، كما يقولون..
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن هؤلاء المستهزئين الساخرين قد يكونون أقل عند الله شأنا، من هؤلاء الذين اتخذوهم غرضا للهزء والسخرية..
فلا ينبغى الانخداع بالظاهر، ووزن الأمور عليها.. فكيف يكون الحال لو أن هؤلاء المستهزأ بهم كانوا عند الله أفضل وأكرم من هؤلاء المستهزئين؟
ألا يخافون أن ينتقم منهم الله لأوليائه؟ ألا يستحون أن يستخفّوا بمن هم أثقل منهم ميزانا، وأكرم منهم معدنا؟ إن هذا أمر لو لم يؤثمه الدين، لأنكره العقل، ورفضته المروءة، وجفاه المنطق، ولفظه العدل والإنصاف.
وفى جمع الرجال والنساء، إشارة إلى أن هذه السخرية إنما تكون على غايتها من الشناعة والسوء، حين تكون فى صورة جماعية، إذ أنها تشد أعدادا كثيرة من الناس إلى هذا الشر، وتوقعهم فى هذا البلاء.
وقوله تعالى: «وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»..
اللّمز هو الغمز بالمعايب، والتلويح بها..
448
والتنابز بالألقاب: الترامي بها..
ومن الآفات التي تهدد كيان المجتمع، وتقوض بنيانه، شيوع الاستخفاف بأنفسهم، وعدم التحرج من ذكر بعضهم بعضا بالمقابح والمساويء، فهذا إنما يكون من إفرازات الجماعات المتحلّلة من القيم الخلقية، التي تتبادل المنكرات كما تتبادل السلع الرخيصة فى البيع والشراء..
ذلك أن الذي يعيب الناس، ويرميهم بما يسوء من الألقاب، لا يسوؤه كثيرا أن يعيبه الناس، وأن يرجموه بكل سوء.. وهذا- والله أعلم- هو ما قصد إليه قوله تعالى: «وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ»
بأيقاع الفعل عليهم، فكأنهم إذ يلمزون غيرهم يلمزون أنفسهم ضمنا..
وقوله تعالى: «بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ» أي بئس الاسم الذي يطلق عليكم بعد أن ينزع عنكم الإيمان الذي خرجتم منه بما كان منكم من لمز لأنفسكم وتنابز بالألقاب بينكم.. فقد كنتم مؤمنين، ثم ها أنتم أولاء أصبحتم فاسقين، أي خارجين عن الإيمان، بهذا اللغو الساقط من الكلام..
فبئس هذا الاسم الذي سمّيتم به فاسقين، بعد أن كنتم مؤمنين..
قوله تعالى: «وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»..
أي ومن لم يرجع عن هذا الترامي بكلمات السوء، ويستقيم على ما يدعوه إليه دينه ومروءته، من القول المعروف، وتجنب اللغو والسّقط من الكلام- ومن لم يرجع عن هذا، ثم يرضى لنفسه أن يقيم على الفسق ويهجر الإيمان، فهو من الظالمين وللظالمين عذاب أليم، كما يقول سبحانه: «يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً».. (٣١: الإنسان)
449
قوله تعالى:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ»..
الظنّ: ما يقع فى نفس الإنسان من تصورات للأمر، من واردات خيالاته، وأوهامه، دون أن يكون بين يديه دليل ظاهر، أو حجة قاطعة..
والظنون التي ترد على الناس كثيرة لا تحصى، إنها خواطر تتردد فى صدور الناس، ويكون لها دور كبير فى تصرفاتهم..
ولهذا جاء النهى باجتناب كثير من الظن، لا كلّ الظن، وهذا يعنى ألا يأخذ الإنسان بكل ما يقع له من ظنون، بل يجب أن يكون حذرا فى مواجهة كل ظن، وعليه أن يمحصه كما يمحص النبأ الذي يرد عليه من فاسق.. فإن مورد الظنون متّهم، لأنه مورد يقوم عليه هوى النفس، ووساوس الشيطان..
وفى الحديث: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا..» وفى المأثور: «الظنّ أكذب الحديث» : أي أن الأحاديث الواردة من موارد الظنون، هى أحاديث يغلب عليها الكذب أكثر من أي أحاديث أخرى..
وفى قوله تعالى: «إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ» - إشارة إلى أن بعض الظن، هو الذي يقع تحت حكم المنهي عنه، لأنه إثم، إذ كان قائما على باطل، وفى الحديث: «إذا حسدت فاستغفر، وإذا ظننت فلا تحقّق، وإذا تطيرت فأمض»..
450
وقوله تعالى: «وَلا تَجَسَّسُوا» أي لا تتبعوا مساوئ بعضكم، ولا تكشفوا عما ستره الله من عيوبكم..
وقوله تعالى: «وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً» أي ولا يتحدث بعضكم عن بعض بمكروه فى غيبته..
وقوله تعالى: «أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ»..
هو تشنيع على الغيبة، وازدراء وتنديد بأهلها، إنهم أسوأ من أخس الحيوانات موقفا، وأنزلهم منزلة.. إنهم يأكلون لحم إخوانهم، والحيوانات تعاف أن يأكل الجنس لحم جنسه.. وليس هذا وحسب، بل إنهم ليأكلون هذا اللحم ميتا، متعفنا، وكثير من الحيوانات- كالأسود مثلا- تعاف أكل الميتة، ولو ماتت جوعا..!!
فهذا مثل ضربه الله سبحانه وتعالى للمغتاب.. فإنه إذ يغتاب شخصا ما، فإنما ينهش عرضه، وهو غائب دون أن يملك صاحبه أن يدفع هذه السهام التي تفرى جلده، وتنفذ إلى عظمه.. تماما كشأنه لو كان ميتا، ثم جاء هذا المغتاب إلى جسده، وأعمل فيه أسنانه، وأكله كما تأكل الذئاب جريحها.. إنه لا يملك من أمره شيئا..
وقوله تعالى: «فَكَرِهْتُمُوهُ».. هو تعقيب على هذا الجواب المحذوف الذي تنطق به الحال من قوله تعالى: «أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً» ؟ والجواب على هذا، جواب واحد، لا خلاف عليه، وهو: «لا»..
فكان التعقيب على هذا الجواب: أما هذا «فَكَرِهْتُمُوهُ».. وأما شبيهه ومثيله فما زال طعمه حلوا فى أفواهكم، فاكرهوه كما كرهتم مثيله طبيعة «وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ» يقبل توبتكم إن أنتم نزعتم عن هذه المنكرات واستقمتم على طريق الإيمان..
451
وفى الحديث: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه.. لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبّعوا عوراتهم، فإن من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه فى بيته..»
قوله تعالى:
«يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» هو تعقيب عام على هذه الأحكام وتلك الآداب، التي كانت خطابا للذين آمنوا، ليرتلوها، ويأخذوا أنفسهم بها.. وليس هذا فحسب، بل إن عليهم أن يراعوا هذه الأحكام وتلك الآداب مع غير المؤمنين.. مع الناس جميعا، من كل أمة، ومن كل دين.. إنها أخلاق إنسانية، يجب أن تكون طبعا وجبلّة فى المؤمن، يعيش بها فى الحياة كلها، ومع الناس جميعا، فلا تكون ثوابا بلبسه مع المؤمنين، حتى إذا كان مع غير المؤمنين نزعه.. فإنه بهذا إنما ينزع كمالا خلعه الله عليه، ويتعرّى من جلال كساه الله إياه..
ولهذا جاء الخطاب هنا للناس جميعا: «يا أَيُّهَا النَّاسُ» والمستمع لهذا الخطاب، والعامل به، هم المؤمنون..
ثم أعقب هذا الخطاب، تقرير هذه الحقيقة التي ينبغى أن يعيها المؤمنون:
«إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى».. فأنتم أيها الناس- مؤمنين وغير مؤمنين- إخوة فى الإنسانية، إذ كنتم من طينة واحدة، ومن جرثومة واحدة:
«كلكم لآدم وآدم من تراب» وأنه إذا كان للمؤمنين منزلة عند الله، وفضل على غير المؤمنين، فذلك رزق من رزق الله، وإن من الخير للمؤمنين أن ينفقوا من هذا الخير على الإنسانية كلها، وأن يكونوا الوجه الكريم الطيب، الرحيم، فيها..
452
وقوله تعالى:
«وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا».
الجعل، كما قلنا فى أكثر من موضع، هو إضافة جديدة تدخل على أصل الشيء، فهو من متعلقات الموجودات، وليس له هو وجود ذاتى..
فتوزّع الناس إلى شعوب وقبائل، ليس أمرا ذاتيا، تتغير به حقيقة الإنسانية فى الناس.. إنهم مهما اختلفوا شعوبا وأوطانا، فإنهم إخوة قرابة ونسبا، وقوله تعالى: «لِتَعارَفُوا» تعليل لهذا التقسيم الذي وقع فى محيط الناس، فكانوا شعوبا وقبائل، وذلك ليتعارفوا، وليكون لهم فى مجتمع الشعب أو القبيلة، تماسك وترابط، لأنهم فى هذا المحيط الضيق- نسبيّا- أقدر على أن يتعارفوا، ويتآخوا، الأمر الذي لا يقع- إن وقع- إلا باهتا، لا يكاد يحسّ، لو أن الإنسان كان فردا فى الإنسانية كلها..
فلما جعل الله سبحانه وتعالى لنا من أنفسنا أزواجا نسكن إليها، وأولادا تقرّ بهم أعيننا، وتصبّ فيهم روافد عواطفنا- جعل الله لنا المجتمعات التي ننتمى إليها، والأمم التي نرتبط بالحياة معها..
وكما أن الأسرة لا تعزلنا عن أمتنا، ولا تقطعنا عن مجتمعنا، كذلك ينبغى ألا تعزلنا أمتنا عن الأمم، ولا يقطعنا مجتمعنا عن المجتمعات الأخرى..
فالاختلاف الواقع بين الناس، وتمايزهم شعوبا وأمما، هو فى الواقع سبب تعارفهم، وداعية إلى قيام هذه الوحدات الحية فى كيان المجتمع الإنسانى، الممثلة فى الشعوب والأمم.. فهذه الوحدات هى التي غذّت مشاعر العصبية للقومية، ووثقت من روابط الجماعة التي تضمها وحدة، من وطن، أو لغة، أو دين، فتعاونت، وترابطت، وصارت أشبه بالكيان الواحد.
وقوله تعالى: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ» هو استكمال لوجه القضية
453
التي عرضها القرآن الكريم فى قوله تعالى: «إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا» - فقد كان من داعية هذا الانقسام بين الجماعات الإنسانية، وانحياز كل جماعة منها إلى موطن خاص بها، ولسان تتخاطب به، ودين تدين به، وحياة اجتماعية وسياسية تعيش فيها- كان من داعية هذا أن تمايزت الجماعات، وتفاوتت حظوظها فى الحياة. وكان من هذا تعالى بعض الشعوب على بعض، وتفاخرها بما جمعت بين يديها من أسباب القوة والسلطان- ولقد جاء قوله تعالى: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ» ليصحح هذه المفاهيم الخاطئة، التي دخلت على الناس من مظاهر التفاوت المادي والعقلي بين جماعاتهم، وليقيم المفهوم الصحيح الذي هو ميزان التفاضل بين الناس، إن كان ثمّة تفاضل، وهو التقوى، فمن كان لله أتقى، كان عند الله- وينبغى أن يكون كذلك عند الناس- أفضل وأكرم، ففى مجال التقوى ينبغى أن يتنافس المنافسون، وعلى ميزان التقوى يجب أن تقوم منازلهم، وتتحدد مراتبهم..
وقوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» - إشارة إلى أن التقوى- ومحلها القلوب- أمر قد يخفى على الناس، فلا يعرفون من التقىّ، ولا مقداره من التقوى.. وإذ كان ذلك شأن الناس، فإن الله سبحانه وتعالى: «عَلِيمٌ خَبِيرٌ» يعلم ما تخفى الضمائر، وما تسرّ الصدور.. وفى هذا إشارة أيضا إلى أن السخرية بالناس ولمزهم وعيبهم، وسوء الظن بهم- قد يكون عن تقدير خاطئ وحساب مغلوط، قائم على حكم الظاهر، على حين تكون القلوب عامرة بالتقوى، مزهرة بالخير.. ولو اطلع هؤلاء اللامزون المتنابزون بالألقاب، على قلوب الناس، لتغيّر رأيهم فيهم.. وإذن فيجب ألا يأخذ الناس بحكم الظاهر، وألا يحكموا على الإنسان من ظاهره وحسب.. وهذا ما يشير إليه
454
قوله تعالى: «لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ» (١١: الحجرات)
الآيات (١٨- ١٤) [سورة الحجرات (٤٩) : الآيات ١٤ الى ١٨]
قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٦) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٧) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨)
التفسير:
قوله تعالى:
«قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ».
الأعراب، هم سكان البادية، الذين يعيشون فى مضارب الخيام
455
ويشتغلون بالرعي، ويتتبعون مواقع الماء والكلأ.. وقد طبعتهم هذه الحياة المتبدّية، على الجفاء والغلظة، ومن هنا لم يجد الإسلام طريقه إليهم إلا وسط هذه الأحراش النابتة فى صدورهم، من النّفار والوحشة..
وفى هذا يقول الله تعالى: «الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ» (٩٧: التوبة).. وفى المأثور: «من بدا جفا»..
وقوله تعالى: «قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ».. هو تصحيح لما يفهمه الأعراب من الإيمان، ومن حقائقه التي ضمّ عليها، فهو ليس كلمة تقال، وإنما هو عقيدة، وعمل يقوم فى ظل هذه العقيدة وهدبها.. فقول الأعراب «آمنا» بمجرد تلفظهم بشهادة «أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله» هو قول غير صحيح.. إن هذا إسلام، لا إيمان..
وهم بالتلفظ بالشهادة، وإقرارهم بالإسلام، إنما يدخلون فى المسلمين، وتجرى عليهم أحكامهم، وتعصم بهذا دماؤهم، وأموالهم، كما فى الحديث الشريف: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإن قالوها عصموا منّى دماءهم وأموالهم، وحسابهم على الله»..
فقوله تعالى: «قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا» هو ردّ على قول الأعراب آمنا..
وقوله تعالى: «وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا» هو بيان للقول الحق الذي يقال فى هذا المقام.. فهم مسلمون، غير مؤمنين..
وقوله تعالى: «وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ» هو بيان للعلة التي من أجلها لم يكن الأعراب مؤمنين، بل كانوا مجرد مسلمين.. لأن الإيمان لم يدخل فى قلوبهم بعد، وأنه ما زال مجرد كلمة تجرى على ألسنتهم..
456
وقوله تعالى: «وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً» لا يلتكم: أي لا ينقصكم، ولا يبخسكم حقكم..
وفى هذا دعوة إلى الأعراب أن ينتقلوا من الإسلام إلى الإيمان، وأن يجعلوا هذه الكلمات التي دخلوا بها فى الإسلام غرسا طيبا يغرسونه فى قلوبهم، ومشعلا هاديا يقودهم إلى طريق الخير والإحسان، آخذين بما يأمرهم به الله ورسوله، فإن هم فعلوا كانوا فى المؤمنين حقا، وكان لهم كل ما للمؤمنين عند الله من رحمة ورضوان.. وإن صفة «الأعراب» التي وصفوا بها، لا أثر لها فى أعمالهم، وإن كان لها أثرها فى تأبّيهم على الإيمان، وفتور خطوهم إليه، وتأخرهم عن اللحاق بركب المؤمنين.. ومع هذا فإنهم فى أي وقت يدخلون فيه إلى الإيمان دخولا صحيحا، ويستقيمون على أوامر الله ونواهيه- يلحقون فورا بالمؤمنين، ويجزون بأعمالهم جزاء من سبقوهم إلى الإيمان.. «إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» يتجاوز لهم عن هذا الجفاء الذي كان بينهم وبين الإيمان..
قوله تعالى:
«إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ».
هذا هو الإيمان الذي فات الأعراب أن يحصّلوه، وتلك حقيقة المؤمنين التي لم يحققها الأعراب بعد بإسلامهم..
فالمؤمنون، هم الذين آمنوا بالله ورسوله فنزل هذا الإيمان فى قلوبهم منزلة اليقين، لا يزحزحهم عنه أي عارض من عوارض الحياة، ولا يغيّر وجهه فى قلوبهم ما يلقاهم على طريق الحياة من بأساء وضرّاء، ثقة منهم بالله، وركونا إليه، ورضاء بقضائه، وصبرا لحكمه..
457
«إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا».. هذا هو الإيمان فى صميمه.. أمّا الإيمان الذي يهتزّ كيانه فى قلب الإنسان لأى عارض، ويتضاءل شخصه عند أي بلاء، فهو إيمان غير خالص، بل هو مشوب بآفات كثيرة من الشك، وسوء الفهم، فإذا وضع على محك التجربة والامتحان، ظهر ما فيه من ضعف، فلم يحتمل صدمة التجربة، ولم يصمد أمام تيار الامتحان.
وقوله تعالى: «وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».. وهذا هو مجال الامتحان لإيمان المؤمنين.. فمن آمن بالله ورسوله، ووقع منه هذا الإيمان موقع القبول واليقين، لم ينكل عن دعوة الجهاد فى سبيل الله بماله ونفسه، بل يقدم ماله ونفسه قربانا لله، فى رضا وغبطة..
وفى الآية الكريمة إشارة إلى أن الجهاد بالمال والنفس، هو الميدان الذي يمتحن به إيمان المؤمنين، والذي به تظهر حقيقة ما فى قلوبهم من إيمان..
فالمؤمن، قد يصلىّ، ويصوم، ويحجّ، ويزكى، ولكنه حين يمتحن فى ماله أو نفسه بالجهاد فى سبيل الله، يضنّ بماله، ويحرص على سلامة نفسه، وعندئذ يعلم حقيقة إيمانه، وأنه لم يستوف حقيقة الإيمان بعد.. والله سبحانه وتعالى يقول: «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ» ويقول سبحانه: «أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ..» (٢، ٣: العنكبوت).
وقوله تعالى: «أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ».. هو الوصف الذي يستحقّه الذين آمنوا بالله ورسوله ولم يرتابوا، وجاهدوا فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، وهو أنهم مؤمنون حقا.. قد صدّق فعلهم قولهم..
458
قوله تعالى:
«قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»..
هو إنكار على هؤلاء الأعراب، الذين ادّعوا تلك الدعوى، بأنهم مؤمنون، وهم فى حقيقة أمرهم غير مؤمنين، إذ أنهم أسلموا، ولم يدخل الإيمان فى قلوبهم بعد..
فلمن يقولون هذا القول؟
أيقولونه لله؟ وكيف يتفق قولهم هذا مع الإيمان بالله؟ إن الإيمان بالله حقا، يقضى على المؤمن ألا يقول غير الحق.. لأن الله سبحانه وتعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، وإنه لن يكذب على الله إلا من استخفّ بجلال الله وعظمة الله، وعلم الله، جهلا منه بما لله سبحانه من كمال مطلق. «ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» (٧: المجادلة) قوله تعالى:
«يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ».
المنّ: الإدلال بالإحسان على من أحسن إليه.. وهو مما يذهب بثواب الإحسان، ويفسد مغارسه.. والله سبحانه وتعالى يقول: «الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً» (٢٦٢، ٢٦٣ البقرة).
459
وهذا من جفاء الأعراب، ومن بعدهم عن الإيمان، وفساد تصورهم له..
إنهم يمنّون على النبي والمؤمنين، أنهم آمنوا بالله، واستجابوا لما يدعوهم إليه الرسول، وإنهم ليعدّون هذا مأثرة لهم عند الرسول، ويدا يحسبونها لهم عليه.. وهذا وضع مقلوب للقضية.. إنهم إن كانوا مؤمنين حقا، فإن عائدة هذا الإيمان وثمراته راجعة إليهم، لأنهم خرجوا بهذا الإيمان من الضلال إلى الهدى، ومن الظلام إلى النور، ومن البلاء والهلاك والعذاب الأليم فى الآخرة، إلى العافية، والسلام، والخلود فى جنات النعيم.. وتلك نعمة أو نعم لا يقدر أن يقوم بشكرها إنسان..
وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها.. كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» (١٠٣:
آل عمران)..
فعجيب أن يمنّ الآخذ على المعطى، ويطلب المريض الجزاء من الطبيب الذي طبّ لمرضه، وشفاه من علته!! ولكن هكذا يفعل الجهل بأهله..
وفى قوله تعالى: «يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا» - بدلا من أن يقال:
يمنون عليك أن آمنوا، أخذا برأيهم فى أنفسهم، وبما نطقت به ألسنتهم- فى هذا تكذيب ضمنى لقولهم: «آمنا» بعد أن كذبهم الله تكذيبا صريحا فى قوله تعالى: «لَمْ تُؤْمِنُوا».. فهو تقرير للأمر الواقع منهم، وهو الإسلام، لا الإيمان..
وقوله تعالى: «بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ
460
صادِقِينَ»
- هو دعوة لهؤلاء الأعراب أن يحقّقوا حقيقة الإيمان الذي يدّعونه، وأنهم إذا كانوا مؤمنين حقّا، فليحمدوا الله، وليشكروا له، لأنه سبحانه صاحب المنّة عليهم، أن هداهم للإيمان.. فهم مسلمون، وهم بهذا الإسلام يستطيعون أن يخطوا الخطوة التالية إلى الإيمان، وأن ينقلوا كلمة الإسلام من ألسنتهم إلى قلوبهم، وبهذا يكونون مسلمين مؤمنين..
قوله تعالى:
«إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ» - هو تعقيب على قوله تعالى: «إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ»، وجواب على ما قد يتردد فى أنفسهم من تساؤلات، مثل أن يقولوا: ومن يعلم إن كنا صادقين أو كاذبين، إذا كان مرجع الإيمان إلى ما استقر منه فى القلوب؟ ومن يكشف ما فى قلوبنا من هذا الإيمان؟.. فكان الجواب. إن الله يعلم غيب السموات والأرض، لا غيب القلوب وحدها، وهو البصير الذي يرى ما يعمل العاملون، مما هو مستقيم على طريق الإيمان، أو مائل عنه، فيجزى كلّا بما عمل..
461
٥٠- سورة «ق»
نزولها: مكية عدد آياتها: خمس وأربعون آية..
عدد كلماتها: ثلاثمائة وخمس وسبعون كلمة عدد حروفها: ألف وأربعمائة وأربع وسبعون حرفا (مثل الحجرات) !!
مناسبتها لما قبلها
هذه السورة مكية، وسورة الحجرات قبلها مدنية، ومع هذا، فإن المناسبة بينهما قريبة، والجامعة بينهما وثيقة..
فأولا: كانت سورة «الفتح» - وهى مدنية أيضا- أول بشائر النصر، الذي تعلو به راية الإسلام، ويتم به دين الله، ويرى به النبي والمهاجرون والأنصار ثمرة الجهاد فى سبيل الله، وما احتمل النبي وأصحابه من بلاء عظيم..
ثم تلا هذه السورة، سورة «الحجرات»، التي كانت أشبه بتعليق وتعقيب على سورة الفتح، وعلى ما وقع فيها من أحداث وخاصة فى صلح الحديبية..
فجاءت سورة «ق» تذكر النبي وأصحابه بما كان فى بدء الدعوة الإسلامية، من عناد المشركين وضلالهم وسفههم، وأن هؤلاء المشركين الضالين السفهاء قد تحولت بهم الأحوال، وأوشكوا أن يدخلوا فى دين الله، بعد أن كسرت شوكتهم، وبدأت غشاوة الضلال والسفه تنجلى عن أبصارهم، بما رأوا من إعزاز الله لدينه، ونصره لأوليائه..
وثانيا: جاء فى ختام سورة «الحجرات» ما كان من موقف الأعراب
462
Icon