تفسير سورة الحجرات

تفسير الثعالبي
تفسير سورة سورة الحجرات من كتاب الجواهر الحسان في تفسير القرآن المعروف بـتفسير الثعالبي .
لمؤلفه الثعالبي . المتوفي سنة 875 هـ
مدنية وآياتها ١٨.

تفسير سورة «الحجرات»
وهي مدنيّة بإجماع
[سورة الحجرات (٤٩) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٢) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٣)
قوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ... الآية: قال ابن زيد: معنى: لاَ تُقَدِّمُوا لا تمشوا «١»، وقرأ ابن عباس، والضَّحَّاكُ، ويعقوب: - بفتح التاءِ والدال «٢» -، على معنى: لا تَتَقَدَّمُوا، وعلى هذا يجيء تأويل ابن زيد، والمعنى على ضم التاء: بين يدي قولِ اللَّه ورسوله، ورُوِيَ أَنَّ سَبَبَ هذه الآية أَنَّ وفد بني تميم لما قَدِمَ، قال أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ- رضي اللَّه عَنْهُ-: يا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَمَرْتَ الْقَعْقَاعَ بنَ مَعْبَدٍ؟
وَقَالَ عُمَرُ: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلْ أَمِّرِ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَرَدْتَ إلا خِلافي، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلاَفَكَ، وَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَنَزَلَتِ الآيةُ، وذهب بعض قَائِلِي هذه المَقَالَةِ إلى أَنَّ قوله: لاَ تُقَدِّمُوا: أي: وُلاَةً، فهو من تقديم الأمراء، وعموم اللفظ أحسن، أي: اجعلوه مبدأ في الأَقوال والأَفعال، وعبارة البخاريِّ: وقال مجاهد: «لا تقدموا» : لا تفتاتوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى يقضي الله عز وجل على لسانه، انتهى «٣».
وقوله سبحانه: لاَ تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ الآية، هي أيضاً في هذا الفنِّ المتقدِّم فرُويَ أَنَّ سببها ما تقدم عن أبي بكر وعمر- رضي اللَّه عنهما- والصحيح أَنَّها نزلت بسبب عادة الأَعراب من الجَفَاءِ وعُلُوِّ الصَّوْتِ، وكان ثابت بن قيس بن شماس- رضي الله عنه- ممّن
(١) ذكره ابن عطية (٥/ ١٤٤).
(٢) ينظر: «المحتسب» (٢/ ٢٧٨)، و «المحرر الوجيز» (٥/ ١٤٤)، و «البحر المحيط» (٨/ ١٠٥)، وزاد نسبتها إلى أبي حيوة، وابن مقسم، وهي في «الدر المصون» (٦/ ١٦٨). [.....]
(٣) أخرجه الطبري (١١/ ٣٧٧) برقم: (٣١٦٥٩)، وذكره البغوي (٤/ ٢٠٩)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٠٥)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٨٦)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في «شعب الإيمان».
267
في صوته/ جهارة فلما نزلت هذه الآية اهْتَمَّ وخاف على نفسه، وجلس في بيته لم يخرج، وهو كئيب حزين حتى عَرَفَ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم خبره فبعث إليه، فآنسه، وقال له: «امْشِ في الأَرْضِ بَسْطاً فإنَّكَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ»، وَقَالَ لَهُ مَرَّةً: «أَمَا ترضى أَنْ تَعِيشَ حَمِيداً، وَتَمُوتَ شَهِيداً؟» «١» فعاش كذلك، ثم قُتِلَ شَهِيداً بِاليَمَامَةِ يَوْمَ مُسَيْلَمَةَ.
ت: وحديث ثابت بن قيس وتبشيره بالجنة خَرَّجَهُ البخاريُّ، وكذلك حديث أبي بكر وعمر وارتفاع أصواتهما خَرَّجه البخاريُّ أيضاً، انتهى.
وقوله: كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أي: كحال أحدكم في جفائه، فلا تنادوه باسمه:
يا محمد، يا أحمد قاله ابن عباس وغيره «٢»، فأمرهم اللَّه بتوقيره، وأنْ يدعوه بالنبوَّةِ والرسالة، والكلام اللَّيِّنِ، وكَرِهَ العلماءُ رفعَ الصوت عند قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم وبحضرة العَالِمِ وفي المساجد، وفي هذه كلها آثار قال ابن العربيِّ في «أحكامه» «٣» : وحُرْمَةُ النبي صلّى الله عليه وسلّم مَيِّتاً كحرمته حَيًّا، وكلامه المأثور بعد موته في الرِّفْعَةِ مِثْلُ كلامه المسموع من لفظه، فإذا قُرىءَ كلامُه وجب على كل حاضر أَلاَّ يرفعَ صوتَهُ عليه، ولا يُعْرِضَ عنه، كما كان يلزمه ذلك في مجلسه عند تَلَفُّظِهِ بِه، وقد نَبَّهَ اللَّه تعالى على دوام الحُرْمَةِ المذكورة على مرور الأزمنة بقوله: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا [الأعراف: ٢٠٤] وكلام النبي صلّى الله عليه وسلّم هو من الوحي، وله من الحُرْمَةِ مِثْلُ ما للقرآن، انتهى.
وقوله تعالى: أَنْ تَحْبَطَ مفعول من أجله، أي: مخافةَ أَنْ تحبطَ، ثم مدح سبحانه الذين يَغُضّون/ أصواتهم عند رسول اللَّه، وغَضُّ الصوت خَفْضُهُ وكَسْرُهُ، وكذلك البصر، ورُوِيَ: أَنَّ أبا بكر وعمر كانا بعد ذلك لا يكلّمان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا كأخي السّرار، وأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يحتاج مع عمر بعد ذلك إلى استعادة اللفظ لأَنَّهُ كان لا يسمعه من إخفائه إيّاه «٤»، وامْتَحَنَ معناه: اختبر وطَهَّرَ كما يُمْتَحَنُ الذهبُ بالنار، فَيَسَّرَهَا وهَيَّأها للتقوى، وقال عمر بن الخطاب: امتحنها للتقوى: أذهب عنها الشهوات «٥».
(١) أخرجه الحاكم (٣/ ٢٣٤)، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(٢) ذكره ابن عطية (٥/ ١٤٥).
(٣) ينظر: «أحكام القرآن» (٤/ ١٧١٤- ١٧١٥).
(٤) أخرجه الطبري (١١/ ٣٨٠) برقم: (٣١٦٧٣)، وذكره البغوي (٤/ ٢١٠)، وابن عطية (٥/ ١٤٥)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٠٦)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٨٦)، وعزاه للبزار، وابن عدي، والحاكم، وابن مردويه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
(٥) ذكره ابن عطية (٥/ ١٤٥)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٠٦)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٨٩)، وعزاه لأحمد في «الزهد» عن مجاهد.
268
قال ع «١» : من غَلَبَ شهوتَه وغضبَه فذلك الذي امتحن اللَّه قلبه للتقوى، وبذلك تكونُ الاستقامة، وقال البخاريّ: امْتَحَنَ: أخلص، انتهى.
[سورة الحجرات (٤٩) : الآيات ٤ الى ٨]
إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٤) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (٦) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (٧) فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٨)
وقوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ نزلت في وفد بني تميم وقولِهِمْ: يا محمدُ، اخرج إلينا، يا محمد، اخرج إلينا، وفي مصحف ابن مسعود: «أَكْثَرُهُمْ بَنُو تَمِيمٍ لاَ يَعْقِلُونَ» وباقي الآية بيّن.
وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا وقُرِىءَ «فَتَثَبَّتُوا» روي في سبب الآية: «أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بَعَثَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنَ أبي مُعَيْطٍ إلَى بَنِي المُصْطَلِقِ مُصَدِّقاً، فَلَمَّا قَرُبَ مِنْهُمْ خَرَجُوا إلَيْهِ، فَفَزِعَ مِنْهُمْ، وظَنَّ بِهِمْ شَرًّا، فرجع، وقال للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم: قَدْ مَنَعُونِي الصَّدَقَةَ، وَطَرَدُونِي، وارتدوا، فَغَضِبَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم وَهَمَّ بِغَزْوِهِمْ، فَوَرَدَ وَفْدُهُمْ مُنْكِرِينَ لِذَلِكَ» «٢»، ورُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا قَرُبَ مِنْهُمْ بَلَغَهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: لاَ نُعْطِيهِ الصَّدَقَةَ وَلا نُطِيعُهُ، فقال ما ذكرناه فنزلت الآية، وأَنْ تُصِيبُوا معناه: مخافة أنْ/ تصيبوا، قال قتادة: وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم عند ما نزلت هذه الآية: «التَّثَبُّتُ مِنَ اللَّهِ وَالْعَجَلَةُ من الشيطان» «٣».
(١) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ١٤٦).
(٢) أخرجه الطبري (١١/ ٣٨٣- ٣٨٤) برقم: (٣١٦٨٦)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٩٢)، وعزاه إلى ابن منده، وابن مردويه.
(٣) أخرجه البيهقي (١٠/ ١٠٤) كتاب «آداب القاضي» باب: التثبت في الحكم، وأبو يعلى (٧/ ٢٤٧- ٢٤٨)، (١٥٠١/ ٤٢٥٦).
قال الهيثمي في «المجمع» (٨/ ٢٢) : رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح.
قلت: فيه سعد بن سنان، ويقال له: سنان بن سعد، وقد قال المزي في «تهذيب الكمال» : وقال أبو حاتم بن حبّان في كتاب «الثقات» : حدّث عنه المصريّون، وهم مختلفون فيه، وأرجو أن يكون الصحيح سنان بن سعد، وقد اعتبرت حديثه، فرأيت ما روي عن سنان بن سعد يشبه أحاديث الثّقات، وما روي عن سعد بن سنان، وسعيد بن سنان فيه المناكير، كأنّهما اثنان، فالله أعلم.
وقال أبو عبيد الآجري: سألت أبا داود عن سنان بن سعد، فقال: كان أحمد لا يكتب حديثه. -
وقوله سبحانه: وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ توبيخ للكذبة، والعَنَتُ: المشقة.
وقوله تعالى: أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ رجوع من الخطاب إلى الغيبة، كأنه قال:
ومنِ اتصف بما تقدم من المحاسن أولئك هم الراشدون.
وقوله سبحانه: فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً أي: كان هذا فضلاً من اللَّه ونعمةً، وكان قتادة- رحمه اللَّه- يقول: قد قال الله تعالى لأصحاب محمّد ع: وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وأنتم واللَّه أسخف رأياً، وأطيش أحلاماً، فَلْيَتَّهِمَ رَجُلٌ نفسَه، ولينتصح كتاب الله تعالى «١».
[سورة الحجرات (٤٩) : الآيات ٩ الى ١٠]
وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠)
وقوله تعالى: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما سبب الآية- في قول الجمهور- هو ما وقع بين المسلمين المتحزبين في قضية عَبْد اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابن سَلُولَ حين مرّ به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم راكباً على حماره مُتَوَجِّهاً إلى زيارة سعد بن عبادة في مرضه، حسبما
- قال أبو داود: قلت لأحمد بن صالح: سنان بن سعد سمع أنسا؟ فغضب من إجلاله له.
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: تركت حديثه لأن حديثه مضطرب، غير محفوظ. قال:
وسمعته مرة أخرى يقول: يشبه حديثه حديث الحسن، لا يشبه حديث أنس.
وقال أحمد بن أبي يحيى، عن أحمد بن حنبل: لم أكتب أحاديث سنان بن سعد لأنّهم اضطربوا فيها، فقال بعضهم: سعد بن سنان، وبعضهم: سنان بن سعد.
وقال محمّد بن علي الورّاق، عن أحمد بن حنبل: روى خمسة عشر حديثا منكرة كلّها، ما أعرف منها واحدا.
وقال أبو بكر بن أبي خيثمة. سألت يحيى بن معين عن سعد بن سنان الذي روى عنه يزيد بن أبي حبيب، فقال: ثقة.
وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجانيّ: أحاديثه واهية، لا تشبه أحاديث الناس عن أنس.
وقال النسائيّ: منكر الحديث.
وقال أبو أحمد بن عديّ: وهذه الأحاديث يحمل بعضها بعضا، وليس هذه الأحاديث ممّا يجب أن يترك أصلا، كما ذكر ابن حنبل: أنه ترك هذه الأحاديث.
روى له البخاريّ في «الأدب»، وأبو داود، والتّرمذيّ، وابن ماجه.
(١) أخرجه الطبري (١١/ ٣٨٦) برقم: (٣١٦٩٣)، وذكره ابن عطية (٥/ ١٤٨)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٩٤)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير.
هو معلوم في الحديث الطويل، ومدافعة الفئة الباغية مُتَوَجِّهَةٌ في كل حال، [وأَمَّا التَهَيُّؤُ] لقتالهم فمع الولاة، وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «حَكَمَ اللَّهُ في الْفِئَةِ البَاغِيَةِ أَلاَّ يُجْهَزَ على جَرِيحِهَا، وَلا يُطْلَبَ هَارِبُهَا، وَلاَ يُقْتَلَ أسيرها، ولا يقسم فيئها» «١» وتَفِيءَ معناه: ترجع، وقرأ الجمهور: «بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ» وذلك رعايةً لحال أَقَلِّ عدد يقع فيه القتال والتشاجر، وقرأ ابن عامر: «بَيْنَ إخْوَتِكُمْ» «٢» وقرأ عاصم الجَحْدَرِيُّ: «بَيْنَ إخْوَانِكُمْ» »
وهي قراءة حسنة لأَنَّ الأكثر في جمع الأخ في الدِّينِ ونحوه من غير النسب/: «إخْوَان»، والأكثر في جمعه من النسب: «إِخْوَة» و «آخَاء»، وقد تتداخل هذه الجموعُ، وكُلُّها في كتاب اللَّه.
[سورة الحجرات (٤٩) : الآيات ١١ الى ١٢]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (١٢)
وقوله سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ الآية: هذه الآية والتي بعدها نزلت في خُلُقِ أهل الجاهلية وذلك أَنَّهم كانوا يجرون مع شهواتِ نفوسهم، لم يقومهم أمر من اللَّه ولا نهي، فكان الرجل يسخر، ويلمز، وينبز بالألقاب، ويَظُنُّ الظنونَ، ويتكلم بها، ويغتاب، ويفتخر بنسبه، إلى غير ذلك من أخلاق النفوس البطَّالة، فنزلت هذه الآية تأديباً لهذه الأُمَّةِ، وروى البخاريُّ ومسلم والترمذيُّ واللفظ له عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لاَ يَخُونُهُ وَلاَ يَكْذِبُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ: عرضه، وماله، ودمه، التّقوى هاهنا، بحسب امرئ من الشرّ أن يحتقر
(١) ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٦/ ٢٤٦)، وقال: رواه البزار، والطبراني في «الأوسط»، وقال لا يروى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم إلا بهذه الإسناد، وفيه كوثر بن حكيم، وهو ضعيف.
(٢) ينظر: «السبعة» (٦٠٦)، و «الحجة» (٦/ ٢٠٧)، و «معاني القراءات» (٣/ ٢٤)، و «شرح الطيبة» (٦/ ١٥)، و «حجة القراءات» (٦٧٥)، و «إتحاف» (٢/ ٤٨٦).
(٣) وقرأ بها زيد بن ثابت، وابن مسعود، والحسن، وابن سيرين. قال ابن خالويه: وسمعت ابن مجاهد يقول: روى عبد الوارث عن أبي عمرو أنه كان ربما قرأ «بين إخوتكم»، وربما قرأ بالنون «إخوانكم»، وربما قرأ بالياء «بين أخويكم».
ينظر: «الشواذ» ص: (١٤٤)، و «المحتسب» (٢/ ٢٧٨)، و «المحرر الوجيز» (٥/ ١٤٩)، وزاد نسبتها إلى حماد بن سلمة.
وينظر: «البحر المحيط» (٨/ ١١١)، وزاد نسبتها إلى ثابت البناني. وهي في «الدر» (٦/ ١٧٠). [.....]
271
أَخَاهُ الْمُسْلِمَ» «١» انتهى، ويسخر معناه: يستهزىء، وقد يكون ذلك المُسْتَهْزَأُ به خيراً من الساخر، والقوم في كلام العرب واقع على الذُّكْرَان، وهو من أسماء الجَمْع ومن هذا قول زُهَيْر: [من الوافر]
وَمَا أَدْرِي وَسَوْفَ إخَالُ أَدْرِي أَقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِسَاءُ «٢»
وهذه الآية أيضاً تقتضي اختصاص القوم بالذكران، وقد يكون مع الذكران نساء، فيقال لهم قوم على تغليب حال الذكور، وتَلْمِزُوا معناه: يطعن بعضُكم على بعض بذكر النقائص ونحوه، وقد يكون اللَّمْزُ بالقول وبالإشارة ونحوه مِمَّا يفهمه آخر، والهَمْزُ لا يكون إلاَّ باللسان، وحكى الثعلبيُّ أَنَّ اللمز ما كان في المشهد، والهَمْزَ ما كان في المغيب، وحكى الزهراويُّ عكس ذلك.
وقوله تعالى: أَنْفُسَكُمْ معناه: بعضكم بعضاً كما قال تعالى: أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء: ٦٦] كأنَّ المؤمنين كنفس واحدة، إذ هم/ إخوة كما قال صلّى الله عليه وسلّم:
«كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ إذَا اشتكى مِنْهُ عُضْوٌ تداعى سَائِرُهُ بِالسَّهَرِ والحمى» «٣»، وهم كما قال أيضاً: «كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً»، والتنابز: التَّلَقُّبُ، والتَّنَبزُ واللقب واحدٌ، واللقب- يعني المذكور في الآية- هو: ما يُعْرَفُ به الإنسان من الأسماء التي يَكْرَهُ سماعَهَا، وليس من هذا قول المُحَدِّثِينَ: سليمان الأعمش، وواصل الأحدب ونحوه مِمَّا تدعو الضرورة إليه، وليس فيه قصد استخفاف وأذى، وقال ابن زيد: معنى: وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ أي: لا يَقُلْ أحد لأحد: يا يهوديُّ، بعد إسلامه، ولا: يا فاسقُ، بعد توبته، ونحو هذا.
وقوله سبحانه: بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ يحتمل معنيين:
أحدهما: بئس اسم تكتسبونه بعصيانكم ونبزكم بالألقاب فتكونون فُسَّاقاً بالمعصية بعد إيمانكم.
(١) تقدم تخريجه.
(٢) ينظر: «ديوانه» ص: (٧٣)، و «الاشتقاق» ص: (٤٦)، و «جمهرة اللغة» ص: (٩٧٨)، و «الدرر» (٢/ ٢٦١، ٤/ ٢٨، ٥/ ١٢٦)، و «شرح شواهد الإيضاح» ص: (٥٠٩)، و «شرح شواهد المغني» ص:
(١٣٠، ٤١٢)، والصاحبي في «فقه اللغة» ص: (١٨٩)، و «مغني اللبيب» ص: (٤١، ١٣٩، ٣٩٣، ٣٩٨)، وبلا نسبة في «همع الهوامع» (١/ ١٥٣، ٢٤٨، ٢/ ٧٢).
(٣) أخرجه البخاري (١٠/ ٤٥٢) كتاب «الأدب» باب: رحمة الناس والبهائم (٦٠١١)، ومسلم (٤/ ١٩٩٩- ٢٠٠٠) كتاب «البر والصلة والآداب» باب: تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم (٦٦، ٦٦/ ٢٥٨٥).
272
والثاني: بئس قول الرجل لأخيه: يا فاسق بعد إيمانه وعن حذيفةَ- رضي اللَّه عنه- قال: شكوت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذَرَبَ لِسَانِي، فَقَالَ: «أَيْنَ أَنْتَ مِنَ الاِسْتِغْفَارِ؟! إنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ» «١» رواه النسائي واللفظُ له، وابنُ ماجه، والحاكمُ في «المستدرك»، وقال: صحيح على شرط مسلم، وفي رواية للنسائي: «إنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ في الْيَوْمِ وَأَتُوبُ إلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ» «٢»، والذَّرَبُ- بفتح الذال والراء- هو الفُحْشُ، انتهى من «السلاح»، ومنه عن ابن عمر: «إنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المَجْلِسِ الوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ:
رَبِّ اغفر لِي، وَتُبْ عَلَيَّ، إنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمِ»
«٣» رَوَاه أبو داود، وهذا لفظه، والترمذي والنسائي، / وابن ماجه، وابن حبان في «صحيحه»، وقال الترمذيُّ: حسن صحيح غريب، انتهى.
ثم أمر تعالى المؤمنين باجتناب كثير من الظن، وأَلاَّ يعملوا ولا يتكلموا بحسبه لما في ذلك وفي التجسس من التقاطُع والتَّدَابُرِ، وحكم على بعضه أَنَّه إثم، إذ بعضُه ليس بإثم، والظَّنُّ المنهيُّ عنه هو أَنْ تَظُنَّ شرًّا برجل ظاهره الصلاح، بلِ الواجب أنْ تزيل الظن وحكمه، وتتأوَّلَ الخيرَ قال ع «٤» : وما زال أولو العزم يحترسون من سُوءِ الظنِ، ويجتنبون ذرائعه، قال النوويُّ: واعلم أَنَّ سوء الظن حرام، مثل القول، فكما يَحْرُمُ أَنْ تحدّث غيرك بمساوئ إنسان- يَحْرُمُ أَنْ تحدث نفسَك بذلك، وتسيءَ الظّنّ به وفي الصحيح عنه صلّى الله عليه وسلّم: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإنَّهُ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» «٥» والأحاديث بمعنى ما ذكرناه
(١) أخرجه النسائي (٦/ ١١٧) - «الكبرى» كتاب «عمل اليوم والليلة» باب: ما يقول من كان ذرب اللسان (١٠٢٨٤/ ٣)، وابن ماجه (٢/ ١٢٥٤) كتاب «الأدب» باب: الاستغفار (٣٨١٧)، والحاكم (١/ ٥١١) نحوه.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(٢) أخرجه النسائي (٦/ ١١٧)، كتاب «عمل اليوم والليلة» باب: ما يقول من كان ذرب اللسان (١٠٢٨٢/ ١).
(٣) أخرجه أبو داود (١/ ٤٧٥) كتاب «الصلاة» باب: في الاستغفار (١٥١٦)، والترمذي (٥/ ٤٩٤- ٤٩٥) كتاب «الدعوات» باب: ما يقول إذا قام من المجلس (٣٤٣٤)، وابن ماجه (٢/ ١٢٥٣) كتاب «الأدب» باب: الاستغفار (٣٨١٤)، وأحمد (٢/ ٢١، ٦٧، ٨٤)، وابن حبان (٨/ ١١٤) - الموارد (٢٤٥٩)، و (٣/ ٢٠٦- ٢٠٧) كتاب «الرقائق» باب: الأدعية ذكر وصف الاستغفار الذي كان يستغفر صلّى الله عليه وسلّم بالعدد الذي ذكرناه (٩٢٧)، والنسائي في «الكبرى» (٦/ ١١٩) كتاب «عمل اليوم والليلة» باب: كيف الاستغفار (١٠٢٩٢/ ١).
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ١٥١).
(٥) أخرجه البخاري معلقا بصيغة الجزم (٥/ ٤٤١)، كتاب «الوصايا» باب: قول الله عز وجل: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ [النساء: ١٢]، وقال ابن حجر: هو طرف من حديث وصله المصنف في
273
كثيرة، والمراد بذلك عَقْدُ القلب وحكمه على غيره بالسوء، فأَمَّا الخواطر وحديث النفس، إذا لم يستقر، ويستمر عليه صاحبه- فَمَعْفُوٌّ عنه باتفاق العلماء لأَنَّهُ لا اختيارَ له في وقوعه، ولا طريقَ له إلى الانفِكاك عنه، انتهى.
قال أبو عمر في «التمهيد» : وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أَنَّهُ قال: «حَرَّمَ اللَّهُ مِنَ المُؤْمِنِ دَمَهُ، وَمَالَهُ، وعِرْضَهُ، وأَلاَّ يُظَنَّ بِهِ إلاَّ الْخَيْرَ» «١» انتهى، ونقل في موضع آخر بسنده: أَنَّ عمر بن عبد العزيز كان إذا ذُكِرَ عنده رجل بفضل أو صلاح قال: كيف هو إذا ذُكِرَ عنده إخوانه؟ فإنْ قالوا: إنَّه يتنقَّصهم، وينالُ منهم، قال عمر: ليس هو كما تقولون، وإنْ قالوا:
إنَّه يذكر منهم جميلاً وخيراً، ويُحْسِنُ الثَّنَاءَ عليهم، قال: هو كما تقولون إن شاء اللَّه، انتهى من «التمهيد»، وروى أبو داودَ في «سننه» عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم/ قال: «حُسْنُ الظَّنِّ مِنْ حُسْنِ الْعِبَادَةِ» «٢» انتهى. وقوله تعالى: وَلا تَجَسَّسُوا أي: لا تبحثوا عن مخبَّآت أمور الناس، وادفعوا بالتي هي أحسن، واجتزءوا بالظواهر الحسنة، وقرأ الحسن وغيره: «وَلاَ تَحَسَّسُوا» بالحاء المهملة قال بعض الناس: التَجَسُّسُ بالجيم في الشَّرِّ، وبالحاء في الخير، قال ع «٣» : وهكذا ورد القرآن، ولكن قد يتداخلان في الاستعمال.
«الأدب» من وجهين عن أبي هريرة، وقد أخرجه (١٠/ ١٠٦) كتاب «النكاح» باب: لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع (٥١٤٣) موصولا عن أبي هريرة، وأخرجه أيضا (١٠/ ٤٩٦)، كتاب «الأدب» باب: ما ينهى عن التحاسد والتدابر، وقوله تعالى: وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (٦٠٦٤)، (١٠/ ٤٩٩)، كتاب «الأدب» باب: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ، وَلا تَجَسَّسُوا (٦٠٦٦)، (١٢/ ٦) كتاب «الفرائض» باب: تعليم الفرائض رقم: (٦٧٢٤)، وأبو داود (٢/ ٦٩٧) كتاب «الأدب» باب: في الظن برقم: (٤٩١٧)، والترمذي (٤/ ٣٥٦) كتاب «البر والصلة» باب: ما جاء في ظن السوء (١٩٨٨)، وأحمد (٢/ ٢٤٥، ٢٨٧، ٣١٢، ٣٤٢، ٤٦٥، ٤٧٠، ٤٧٢، ٤٩١، ٤٩٢، ٥٠٤، ٥١٧، ٥٣٩)، وابن حبان (١٢/ ٤٩٩- ٥٠٠)، كتاب «الحظر والإباحة» باب: الاستماع المكروه، وسوء الظن، والغضب والفحش، ذكر الزجر عن سوء الظن بأحد المسلمين (٥٦٨٧)، ومالك (٢/ ٩٠٧- ٩٠٨) كتاب «حسن الخلق» باب: ما جاء في المهاجرة (١٥٠)، والبيهقي (٦/ ٨٥) كتاب «الإقرار» باب: ما جاء في إقرار المريض لورثته (٧/ ١٨٠) كتاب «النكاح» باب: لا يخطب الرجل على خطبة أخيه إذا رضيت به المخطوبة أو رضي به أبو البكر حتى يأذن أو يترك، (٨/ ٣٣٣) كتاب «الأشربة والحد فيها» باب: ما جاء في النهي عن التجسس، (١٠/ ٢٣١) كتاب «الشهادات» باب: شهادة أهل العصبية.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(١) أخرجه الطبراني (١١/ ٣٧) برقم: (١٠٩٦٦).
(٢) أخرجه أبو داود (٢/ ٧١٦- ٧١٧) كتاب «الأدب» باب: في حسن الظن (٤٩٩٣)، والحاكم (٤/ ٢٥٦)، وأحمد (٢/ ٤٠٧، ٤٩١)، وابن حبان (٨/ ٣٠- ٣١) - الموارد (٢٣٩٥)، وابن حبان (٢/ ٣٩٩) كتاب «الرقائق» باب: حسن الظن بالله تعالى، وذكر البيان بأن حسن الظن للمرء المسلم من حسن العبادة (٦٣١).
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ١٥١).
274
ت: وقد وردت أحاديث صحيحة في هذا الباب، لولا الإطالة لجلبناها.
وَلا يَغْتَبْ معناه: لا يذكرْ أحدُكم من أخيه شيئاً هو فيه، ويكره سماعه، وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذَا ذَكَرْتَ مَا في أَخِيكَ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإذَا ذَكَرْتَ مَا لَيْسَ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّه» «١»، وفي حديث آخر: «الغِيبَةُ أَنْ تَذْكُرَ الْمُؤْمِنَ بِمَا يَكْرَهُ، قِيلَ: وَإنْ كَان حَقًّا؟ قَالَ: إذَا قُلْتَ بَاطِلاً فَذَلِكَ هُوَ الْبُهْتَانُ» «٢» وحكى الزهراوي عن جابر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أَنَّهُ قال: «الغِيبَةُ أَشَدُّ مِنَ الزِّنَا، قِيلَ: وَكَيْفَ؟! قال: لأَنَّ الزَّانِيَ يَتُوبُ فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَالَّذِي يَغْتَابُ لاَ يُتَابُ عَلَيْهِ حتى يَسْتَحِلَّ» «٣»، قال ع «٤» : وقد يموت من اغْتِيبَ، أو يأبى، وروى أبو داودَ في «سننه» عن أنس بن مالك قال: قَالَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: «لَمَّا عُرِجَ بي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ، يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هؤلاء يَا جِبْرِيلُ؟! قَالَ: هؤلاء الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ في أَعْرَاضِهِمْ» «٥» انتهى.
والغِيبَةُ مشتقة من «غَابَ يَغِيبُ» وهي القول في الغائب، واسْتُعْمِلَتْ في المكروه، ولم يُبَحْ في هذا المعنى إلاَّ ما تدعو الضرورةُ إليه، من تجريح الشهود، وفي التعريف/ بمن استنصح في الخطاب ونحوهم: لقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لاَ مَالَ لَهُ» وما يقال في الفَسَقَةِ أيضاً، وفي وُلاَةِ الجَوْرِ، ويقصد به: التحذير منهم ومنه قوله ع:
«أعن الفاجر ترعوون؟! اذْكُرُوا الْفَاجِرَ بِمَا فِيهِ، مَتَى يَعْرِفُهُ النَّاسُ إذا لم تذكروه؟!» «٦».
(١) أخرجه مسلم (٤/ ٢٠٠١) كتاب «البر والصلة والآداب» باب: تحريم الغيبة (٧٠/ ٢٥٨٩)، وأبو داود (٢/ ٦٨٥) كتاب «الأدب» باب: في الغيبة (٤٨٧٤)، والترمذي (٤/ ٣٢٩) كتاب «البر والصلة» باب: ما جاء في الغيبة (١٩٣٤)، وأحمد (٢/ ٢٣٠، ٣٨٦، ٤٥٨).
(٢) ينظر: ما قبله. [.....]
(٣) أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (٥/ ٣٠٦) باب: في تحريم أعراض الناس (٦٧٤١) عن أبي سعيد الخدري، وجابر.
قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٨/ ٩٤- ٩٥) : رواه الطبراني في «الأوسط» وفيه عباد بن كثير الثقفي وهو متروك اهـ.
وللبيهقي رواية عن أنس في «شعب الإيمان» (٥/ ٣٠٦) (٦٧٤٢).
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ١٥١).
(٥) أخرجه أبو داود (٢/ ٦٨٥- ٦٨٦) كتاب «الأدب» باب: في الغيبة (٤٨٧٨)، وذكره الألباني في «الصحيحة» (٢/ ٥٩) (٥٣٣).
(٦) أخرجه البيهقي (١٠/ ٢١٠) كتاب «الشهادات» باب: الرجل من أهل الفقه يسأل عن الرجل من أهل الحديث، فيقول: كفوا عن حديثه لأنه يغلط أو يحدث بما لم يسمع، أو أنه لا يبصر الفتوى.
قال العجلوني في «كشف الخفاء» (١/ ١١٤)، رواه ابن أبي الدنيا، وابن عدي، والطبراني، والخطيب عن معاوية بن حيدة، وقال في «التمييز» : أخرجه أبو يعلى، ولا يصح. اهـ. -
275
ت: وهذا الحديث خَرَّجه أيضاً أبو بكر ابن الخطيب بسنده عن بَهْزٍ، عن أبيه، عن جدّه، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «أترعوون عَنْ ذِكْرِ الْفَاجِرِ، اذْكُرُوهُ بِمَا فِيهِ يَحْذَرْهُ النَّاسُ» «١» ولم يذكر في سنده مَطْعَناً، انتهى، ومنه قوله ع: «بِئْسَ ابنُ الْعَشِيرَةِ» «٢».
ثُمَّ مَثَّلَ تعالى الغيبة بأكل لحم ابن آدم الميت، ووقف تعالى على جهة التوبيخ بقوله:
أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ أي: فكذلك فاكرهوا الغِيبَةَ، قال أبو حيان «٣» : فَكَرِهْتُمُوهُ قيل: خبر بمعنى الأَمر، أي: فاكرهوه، وقيل على بابه، فقال الفَرَّاءُ: فقد كرهتموه، فلا تفعلوه، انتهى.
وقد روى البخاريّ عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أَنَّهُ قَالَ: «لاَ يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلاً بِالْفُسُوقِ، وَلاَ يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ إلاَّ ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ» «٤» وفي رواية مسلم: «مَنْ دَعَا رَجُلاً بِالْكُفْرِ، أوْ قَالَ: عَدُوُّ اللَّهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ- إلاَّ حَارَ عَلَيْهِ» «٥» وفي الصحيحين عنه صلّى الله عليه وسلّم:
«أَيُّ رَجُلٍ قَالَ لأَخِيهِ: كَافِرٌ فَقَدْ بَاءَ بها أحدهما» «٦» انتهى، وباقي الآية بيّن.
- قال ابن حبان في «المجروحين» (١/ ٢٢٠) : الجارود بن يزيد العامري- أبو علي من أهل نيسابور، يروي عن بهز بن حكيم، والثوري، روى عنه سلمة بن شعيب يتفرد بالمناكير عن المشاهير، ويروي عن الثقات ما لا أصل له، روى عن بهز بن حكيم، عن أبيه عن جده قال: «أتنزعون عن ذكر الفاجر اذكروه بما فيه كي يحذر الناس» اهـ.
وجدّ بهز بن حكيم هو معاوية بن حيدة.
(١) انظر الحديث السابق.
(٢) أخرجه البخاري (١٠/ ٤٨٦) كتاب «الأدب» باب: ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب (٦٠٥٤)، ومسلم (٤/ ٢٠٠٢) كتاب «البر والصلة والآداب» باب: مداراة من يتقى فحشه (٧٣، ٧٣/ ٢٥٩١)، وأبو داود (٢/ ٦٦٦) كتاب «الأدب» باب: في حسن العشرة (٤٧٩٢)، والترمذي (٤/ ٢٥٩) كتاب «البر والصلة» باب: ما جاء في المداراة (١٩٩٦)، ومالك (٢/ ٩٠٣) كتاب «حسن الخلق» باب: ما جاء في حسن الخلق (٤)، وأحمد (٦/ ١٥٨).
(٣) ينظر: «البحر المحيط» (٨/ ١١٤).
(٤) أخرجه البخاري (١٠/ ٤٧٩) كتاب «الأدب» باب: ما ينهى عن السباب واللعن (٦٠٤٥)، وأحمد (٥/ ١٨١).
(٥) أخرجه مسلم (١/ ٢٨٠) - الأبي كتاب «الإيمان» باب: بيان حال من رغب عن أبيه وهو يعلم. (١١٢/
٦١)، وأحمد (٥/ ٢٦٦).
(٦) أخرجه البخاري (١٠/ ٥٣١) كتاب «الأدب» باب: من أكفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال (٦١٠٤)، ومسلم (١/ ٢٧٩- ٢٨٠)، كتاب «الإيمان» باب: بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم: يا كافر (١١١/ ٦٠) عن عبد الله بن دينار، والترمذي (٥/ ٢٢) كتاب «الإيمان» باب: ما جاء فيمن رمى أخاه بكفر (٢٦٣٧).
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
276

[سورة الحجرات (٤٩) : الآيات ١٣ الى ١٤]

يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣) قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤)
وقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى... الآية: المعنى: يا أيها الناس، أَنتم سواء من حيثُ أنتم مخلوقون، وإنَّما جعلتم قبائل لأَنْ تتعارفوا، أوْ لأَنْ تعرفوا الحَقَائِقَ، وَأَمَّا الشرفُ والكرمُ فهو/ بتقوى اللَّه تعالى وسلامة القلوب، وقرأ ابن مسعود:
«لِتَعَارَفُوا بَيْنَكُمْ وَخَيْرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» «١» وقرأ ابن عباس: «لِتَعْرِفُوا أَنَّ» «٢» عَلَى وزن «تَفْعَلُوا» بكسر العين- وبفتح الهمزة من «أَنَّ»، وَرُوِيَ أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ أَكْرَمَ النَّاسِ، فَلْيَتَّقِ اللَّه «٣» » وأَمَّا الشعوب فهو جمع شَعْبٍ، وهو أعظم ما يوجد من جماعات الناس مرتبطاً بنسب واحد كمُضَرٍ ورَبِيعَةَ وحِمْيَرَ، ويتلوه القبيلة، ثم العمارة، ثم البطن، ثم الفخذ، ثم الفصيلة، والأسرة وهما قرابة الرجل الأَدْنَوْنَ، ثم نَبَّهَ سبحانه على الحذر بقوله:
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ أي: بالمتقي الذي يستحق رُتْبَةَ الكرم، وَخرَّج مسلم في صحيحه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أَنَّهُ قال: «إنَّ اللَّهَ أوحى إلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أَحَدٌ على أَحَدٍ وَلاَ يَبْغِي أَحَدٌ على أَحَدٍ» «٤» وروى أبو داود والترمذيّ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أَنَّهُ قال: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمْ، إنَّما هُمْ فَحْمٌ مِنْ جَهَنَّمَ- أوْ لَيَكُونُنَّ عَلَى اللَّهِ أَهْوَنَ مِنَ الجُعَلِ الَّذِي يُدَهْدِهُ الخُرَاءَ بِأَنْفِهِ، إنَّ اللَّهَ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا إنَّما هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، أوْ فَاجِرٌ شَقِيٌّ، كُلُّكُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ» «٥» انتهى، ونقله البغويّ في «مصابيحه».
(١) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ١٥٣).
(٢) وقرأ بها أبان عن عاصم. قال أبو الفتح: المفعول هنا محذوف، أي: لتعرفوا ما أنتم محتاجون إلى معرفته من هذا الوجه.
ينظر: «المحتسب» (٢/ ٢٨٠)، و «الشواذ» ص: (١٤٤)، و «المحرر الوجيز» (٥/ ١٥٣)، و «البحر المحيط» (٨/ ١١٦)، و «الدر المصون» (٦/ ١٧٢).
(٣) ذكره العجلوني في «كشف الخفاء» (١/ ٣٧٣) وقال: رواه البيهقي، وأبو يعلى، والطبراني، وأبو نعيم، والحاكم عن ابن عبّاس رضي الله عنهما مرفوعا، لكن قال البيهقي في «الزهد» : تكلموا في هشام بن زياد أحد رواة الحديث. [.....]
(٤) أخرجه مسلم (٤/ ٢١٩٩) كتاب «الجنة وصفة نعيمها وأهلها» باب: الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة، وأهل النار (٦٤/ ٢٨٦٥)، وأبو داود (٢/ ٦٩١) كتاب «الأدب» باب: في التواضع (٤٨٩٠)، وابن ماجه (٢/ ١٣٩٩) كتاب «الزهد» باب: البراءة من الكبر، والتواضع (٤١٧٩).
(٥) أخرجه أبو داود (٢/ ٧٥٢) كتاب «الأدب» باب: في التفاخر بالأحساب (٥١١٦) بنحوه، والترمذي (٥/ ٧٣٤) كتاب «المناقب» باب: في فضل الشام واليمن (٣٩٥٥)، وأحمد (٢/ ٥٢٤).
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
وقوله تعالى: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قال مجاهد: نزلت في بني أسد «١»، وهي قبيلة كانت تجاور المدينة، أظهروا الإسلام، وفي الباطن إنَّما يريدون المغانمَ وَعَرَضَ الدنيا، ثم أمر اللَّه تعالى نَبِيَّهُ أَنْ يقول لهؤلاء المُدَّعِينَ للإيمان: لَمْ تُؤْمِنُوا أي: لم تصدقوا بقلوبكم، وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا أي: استسلمنا، والإسلام يقال بمعنيين:
أحدهما: الذي يَعُمُّ الإيمانَ والأعمالَ، وهو الذي في قوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمران: ١٩] والذي في قوله ع: «بُنِيَ الإسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ» «٢».
والمعنى الثاني للفظ الإسلام: هو الاستسلام، والإظهار الذي يُسْتَعْصَمُ به ويحقن الدم، وهذا هو الذي في الآية، ثم صَرَّحَ بأَنَّ الإيمان لم يدخل في قلوبهم، ثم فتح باب التوبة بقوله: وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ... الآية، وقرأ الجمهور: «لاَ يَلِتْكُمْ» من «لاَتَ يَلِيتُ» إذا نقص يقال: لاَتَ حَقَّهُ إذا نَقَصَهُ منه، وقرأ أبو عمرو: «لاَ يَأْلِتْكُمْ» من «أَلَتَ يَأْلِتُ» «٣» وهي بمعنى لات.
[سورة الحجرات (٤٩) : الآيات ١٥ الى ١٨]
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٦) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٧) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨)
وقوله سبحانه: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إنما هنا حاصرة.
وقوله: ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا أي: لم يشكوا، ثم أمر الله تعالى نبيّه ع بتوبيخهم بقوله: أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ أي: بقولكم آمنا، وهو يعلم منكم خلاف ذلك
(١) أخرجه الطبري (١١/ ٣٩٩) برقم: (٣١٧٧٥)، وذكره ابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢١٩)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ١١١)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر.
(٢) تقدم.
(٣) وحجة أبي عمرو في قراءته، قوله تعالى: وَما أَلَتْناهُمْ [الطور: ٢١] ف «ألتناهم» مضارعه «يألتكم».
وحجة الباقين: أنهم زعموا أنه ليس في الكتاب ألف، ولو كانت منه كتبت بالألف، كما يكتب في يأمر، ويأبق.
ينظر: «الحجة» (٦/ ٢١٠- ٢١١)، و «السبعة» (٦٠٦)، و «معاني القراءات» (٣/ ٢٥)، و «شرح الطيبة» (٦/ ١٥- ١٦) و «العنوان» (١٧٨)، و «حجة القراءات» (٦٧٦)، و «إتحاف» (٢/ ٤٨٧).
278
لأَنَّهُ العليم بكل شيء.
وقوله سبحانه: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا نزلت في بني أسد أيضاً، وقرأ ابن مسعود: «يَمنُّونَ عَلَيْكَ إسْلاَمَهُمْ» وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية: «وَاللَّهُ بصير بما يعملون» «١».
(١) ينظر: «السبعة» (٦٠٦)، و «الحجة» (٦/ ٢١١)، و «شرح الطيبة» (٦/ ١٦)، و «العنوان» (١٧٨)، و «حجة القراءات» (٦٧٧)، و «شرح شعلة» (٥٨٨)، و «إتحاف» (٢/ ٤٨٧).
279
Icon