ﰡ
هي مكيّة إلا ثمان آيات، وهي قوله: وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ إلى قوله: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ. [قاله] «١» ابن عباس وابن الزبير، وبه قال الحسن ومجاهد وعكرمة وعطاء وجابر بن زيد «٢».
وقال قتادة: آية من الأعراف مدنية: وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ وسائرها مكية.
وقد ثبت أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يقرأ بها في المغرب، يفرقها في الركعتين «٣».
[الآية الأولى]
يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١).
يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ هذا خطاب لجميع بني آدم وإن كان واردا على سبب خاص، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب «٤».
والزينة: ما يتزين به الناس من الملبوس، أمروا بالتزيين عند الحضور إلى المساجد للصلاة والطواف «٥».
(٢) انظر: الطبري (٨/ ٨٥)، وزاد المسير (٣/ ١٦٤)، الدر المنثور (٣/ ٦٧).
(٣) حديث صحيح: رواه البخاري (٢/ ٢٤٦)، وأبو داود (٨١٢)، والنسائي (٢/ ١٦٩، ١٧٠)، وأحمد في «المسند» (٥/ ٤١٨)، والطبراني (٣٨٩٣)، (٤٨٢٣) عن زيد بن ثابت مرفوعا.
(٤) فائدة: في سبب نزول هذه الآية انظر: مسلم (١/ ١٦٢)، والطبري (٨/ ١٦٠)، والحاكم (٢/ ٣١٩، ٣٢٠)، وتفسير ابن كثير (٢/ ٢١٠).
(٥) انظر: زاد المسير لابن الجوزي (٣/ ١٨٧)، والطبري (٨/ ١٦٠)، وابن كثير (٢/ ٢١٠)، والدر المنثور (٣/ ٧٨). [.....]
[الآية الثانية]
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣٢).
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ الزينة: ما يتزين به الإنسان، من ملبوس أو غيره من الأشياء المباحة، كالمعادن التي لم يرو نهي عن التزين بها، والجواهر ونحوها، وما قيل لها الملبوس خاصة فلا وجه له بل هو من جملة ما تشمله الآية، فلا حرج على من لبس الثياب الجيدة، الغالية القيمة، إذا لم يكن مما حرّمه الله، ولا حرج على من تزين بشيء من الأشياء التي لها مدخل في الزينة، ولا يمنع منها مانع شرعي، ومن زعم أن ذلك يخالف الزهد فقد غلط غلطا بينا.
وهكذا الطيبات من المطاعم والمشارب ونحوهما مما يأكله الناس، فإنه لا زهد في ترك الطيّب منها، ولهذا جاءت الآية هذه معنونة بالاستفهام المتضمن للإنكار على من حرّم ذلك على نفسه، أو حرمه على غيره.
(٢) قال ابن حزم: «واتفقوا أن ستر العورة في الصلاة لمن قدر على ثوب مباح لباسه له فرض. (مراتب الإجماع ص ٣٤).
قال ابن الحاجب: في ستر العورة في الرجل ثلاثة أقوال: السوأتان خاصة، ومن السرّة إلى الركبة، والسرة حتى الركبة، وقيل: ستر جميع البدن واجب. (جامع الأمهات ص ٨٩).
قال الحصني: السرة والركبة ليستا من العورة وهو ذلك على الصحيح الذي نصّ عليه الشافعي، انظر: كفاية الأخيار (ص ١١٩). وكلام المصنف في «الروضة النّدية (ص ٨١، ٨٢) ».
ونيل الأوطار للشوكاني (٢/ ٦١، ٧٠).
وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ: أي المستلذات من الطعام، وقيل: هو اسم عام كسيا ومطعما.
قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا: أي أنها لهم بالأصالة والاستحقاق وإن شاركهم الكفار فيها ما داموا في الحياة.
خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ أي مختصة بهم يوم القيامة، لا يشاركهم فيها الكفار «٢».
قرأ نافع خالصة بالرفع، وهي قراءة ابن عباس على أنها خبر بعد خبر، وقرأ الباقون بالنصب على الحال «٣».
قال أبو علي الفارسي: ولا يجوز الوقف على الدنيا لأن ما بعدها متعلق بقوله لِلَّذِينَ آمَنُوا حال بتقدير قُلْ هِيَ ثابتة للذين آمنوا في الحياة الدنيا في حال خلوصها لهم يوم القيامة «٤».
(٢) قال ابن الأنباري: هي للذين آمنوا في الدنيا مشتركة، وهي لهم في الآخرة خالصة (النكت ٢/ ٥٢، الزاد ٣/ ١٨٩).
(٣) قال الأزهري: «من رفع فقال: (خالصة) فهي على أنه خبر بعد خبر، كما تقول: زيد عاقل لبيب، المعنى: قل هي ثابتة للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة، أراد جلّ وعزّ أنها حلال للمؤمنين، يعني: الطيبات من الرّزق ويشركهم فيها الكافر، واعلم أنها تخلص للمؤمنين في الآخرة لا يشركهم فيها كافر.
ومن قرأ (خالصة) بالنصب نصبها على الحال، على أن العامل في قوله (في الحياة الدنيا) في تأويل الحال، كأنك قلت: هي ثابتة للمؤمنين مستقرة في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة (معاني القراءات ص ١٧٨) بتحقيقنا- المزيدي- وكذلك الحجة لابن خالويه (ص ٨٤) والإقناع لابن الباذش، والمفتاح للمغربي- بتحقيقنا- أيضا- دار الكتب- بيروت.
(٤) قال النحاس: «قال الأخفش (قل هي للذين آمنوا لأن المعنى: هي خالصة يوم القيامة) هاهنا تمّ الكلام لأن المعنى: هي خالصة يوم القيامة للذين آمنوا في الحياة الدنيا، قال أبو جعفر: وهذا شرح حسن، وفي المعنى قول آخر، قال الضحاك وغيره من أهل التأويل أن المعنى: قل هي للذين آمنوا يشاركهم فيها غيرهم في الحياة الدنيا وتخلص يوم القيامة للذين آمنوا، والتمام- كما قال الأخفش- على المعنيين جميعا (القطع والائتناف) بتحقيقنا- دار الكتب العلميّة- بيروت.
[الآية الثالثة]
قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٣).قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ جمع فاحشة، وهي كل معصية.
ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ: أي ما أعلن منها وما أستر، وقيل هي خاصة بفواحش الزنا! ولا وجه لذلك.
وَالْإِثْمَ: يتناول كل معصية يتسبب عنها الإثم، وقيل: هو الخمر خاصة، ومنه قول الشاعر:
شربت الإثم حتى ضل عقلي | كذاك الإثم يذهب بالعقول |
وقال الفراء: الإثم ما دون الحق والاستطالة على الناس «١». انتهى.
وليس في إطلاق الإثم على الخمر ما يدل على اختصاصه به.
وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ: أي الظلم المجاوز للحد، وإفراده بالذكر بعد دخوله فيما قبله لكونه ذنبا عظيما كقوله: وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ [النحل: ٩٠].
وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً أي وأن تجعلوا لله شريكا، لم ينزل عليكم به حجة، والمراد التهكم بالمشركين لأن الله لا ينزل برهانا بأن يكون غيره شريكا.
وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٣) : بحقيقته، وأن الله قاله، وهذا مثل ما كانوا ينسبون إلى الله سبحانه من التحليلات والتحريمات التي لم يأذن بها.
[الآية الرابعة]
وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤)
قيل: هذا الأمر خاص بوقت الصلاة عند قراءة الإمام وقيل: هذا خاص بقراءة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم للقرآن دون غيره! ولا وجه لذلك، مع أن اللفظ أوسع من هذا، والعام لا يقصر على سببه فيكون الاستماع والإنصات عند قراءة القرآن في كل حالة، وعلى أي صفة، مما يجب على السامع، إلا ما استثنى الذي أنزل عليه القرآن صلّى الله عليه وآله وسلّم، كقراءة المأموم الفاتحة خلف إمامه سرا وجهرا، فإنه قد صح في ذلك أخبار شهيرة واضحة، وآثار كثيرة فائحة، توجب تأكد قراءة فاتحة الكتاب، ولزومها للمقتدي، بل صرح غير واحد من أئمة الفقه والحديث المعتبرين بكون ذلك مذهب أكثر الصحابة والتابعين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
ولم يصح أثر، فضلا عن خبر، صريح في النهي عن الفاتحة خاصة، وإن استدل جماعة من أهل العلم بالعمومات الواردة فلينصف.
ولقد فصلت المرام بعون الله في «مسك الختام» و «الروضة الندية» «١» و «هداية السائل إلى أدلة المسائل» وفيه «إعلام الأعلام بقراءة الفاتحة خلف الإمام» لبعض الأحباب لنا، وهي مختصر نفيس «٢».
لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤) : أي تنالون الرحمة، وتفوزون بها، بامتثال أمر الله سبحانه وتعالى.
[الآية الخامسة] وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (٢٠٥).
وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ: أمره الله سبحانه أن يذكره في نفسه، فإن الإخفاء أدخل في الإخلاص، وأدعى للقبول.
(٢) انظر: الطبري (٩/ ١٦٤)، ابن كثير (٣/ ٥٤١)، الدر المنثور (٣/ ١٥٦)، وتفسير ابن عطية (٦/ ١٩٦).
وقال النحاس: لم يختلف في معنى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ أنه الدعاء «١».
وقيل: هو خاص بالقرآن، أي اقرأ القرآن بتأمل وتدبر.
وتَضَرُّعاً وَخِيفَةً: تنتصبان على الحال.
وَدُونَ الْجَهْرِ: أي المجهور به معطوف على ما قبله، أي اذكره حال كونك متضرعا وخائفا ومتكلما بكلام هو دون الجهر.
مِنَ الْقَوْلِ، وفوق السر يعني قصدا بينهما.
بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ: متعلق ب (اذكر)، أي: أوقات الغدوات والأصائل.
والغدو: جمع غدوة.
والآصال: جمع أصيل، قاله الزجاج والأخفش، مثل يمين وأيمان، وقيل:
الآصال جمع [أصل، والأصل] «٢» جميع أصيل، فهو على هذا جمع الجمع. قاله الفرّاء «٣».
قال الجوهري «٤» : الأصيل من بعد العصر إلى المغرب، وجمعه أصل وآصال وأصائل كأنه جمع أصلية، وخص هذين الوقتين لشرفهما، والمراد دوام الذكر لله كما قال تعالى: وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (٢٠٥) أي عن ذكر الله عز وجل.
(٢) ما بين [المعقوفين] سقط من المطبوعة واستدرك من فتح القدير (٢/ ٢٨١).
(٣) انظر: معاني الفراء (١/ ٤١٠)، والزجاج (٢/ ٤٤٨).
(٤) انظر: الصحاح (أصل).