تفسير سورة سورة الأعراف من كتاب معاني القرآن
.
لمؤلفه
الأخفش
.
المتوفي سنة 215 هـ
ﰡ
[ قال ] ﴿ كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ ﴾ ( ٢ ) على الابتداء.
وقال ﴿ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ ﴾ ( ٢ ) على النهي كما قال ﴿ وَلاَ تَعْدُ* عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ﴾ أي : " الحَرَجُ فَلا يَكُنْ في صَدْرِكَ "، و " عينَاكَ فَلا تَعْدُواَ عَنْهُم ".
وقال﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ ﴾ ( ٦ ) يقول " [ لَنَسْأَلَنَّ ] القوم الذين بُعِثَ إِلَيْهِم وأُنذروا. ﴿ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ﴾.
﴿ فَلَنَقُصَّنَّ ﴾ ( ٧ ) أدخل النون واللام لأن قوله ﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ ﴾ ﴿ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ﴾ على القسم.
وقال ﴿ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ ﴾ ( ١٠ ) فالياء غير مهموزة وقد همز بعض القراء وهو رديء لأنها ليست بزائدة. [ ١١٥ ء ] وإِنّما يُهْمز ما كان على مثال " مَفاعِل " إذا جاءت الياء زائدة في الواحد والألف والواو التي تكون الهمزة مكانها نحو " مَدائِن " لأنها " فَعايِل ". ومن جعل " المدائِن " من " دان " " يَدِين " لم يهمز لأن الياء حينئذ من الأصل. وأما " قَطائِع " و " رسائِل " و " عَجائزِ " و " كبائر " فان هذا كله مهموز لأن واو " عَجُوز " زائدة، ألا ترى انك تقول : " عجزَ " وألف " رسالة " زائدة [ إذ ] تقول " أَرسلت " فتذهب الألف منها. وتقول في " كبيرة " " كبرت " فتذهب الياء منها. وأما " مصايِب " فكان أصلها " مصاوب " لأن الياء إذا كانت أصلها الواو فجاءت في موضع لا بد من أن تحرك [ فيه ] قلبت الواو في ذلك الموضع إذا كان الأصل من الواو فلما قلبت صارت كأنها قد أفسدت حتى صارت كأنها الياء الزائدة فلذلك همزت ولم يكن القياس أن تهمز. وناس من العرب يقولون " المصاوب " وهي قياس.
وقال ﴿ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ ﴾ ( ١١ ) لأنَّ " ثُمَّ " في معنى الواو ويجوز أن يكون معناه ﴿ لآدَم ﴾ ( ١١ ) كما تقول للقوم : " قَدْ ضَرَبْناكُم " وإنما ضربت سيدهم.
وقال
﴿ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ ﴾ ( ١٢ ) ومعناه : ما منعك أَنْ تسجد، و
﴿ لا ﴾ ها هنا زائدة. وقال الشاعر :[ من الطويل وهو الشاهد الرابع بعد المائتين ] :
أَبى جُودُهُ " لا " البُخْل واستعجلتْ بِهِ | " نَعَمْ " مِنْ فَتىً لا يَمْنَع الجوعِ قاتلَه |
[ ١١٥ ب ] وفسرته العرب : أَبى* جودُه البخلَ " وجعلوا
﴿ لا ﴾ زائدة حشوا ها هنا وصلوا بها الكلام. وزعم يونس أن أَبا عمرو كان يجرّ " البخل " ولا يجعل " لا " مضافة إليه أراد : أبى جوده
﴿ لا ﴾ التي هي للبخل لأن
﴿ لا ﴾ قد تكون للجود والبخل. لأنه لو قال له : " إِمْنَعْ الحقَّ " أو " لا تُعْطِ المساكينَ " فقال " لا " كان هذا جودا منه.
وقال
﴿ لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ ( ١٦ ) أي : على صراطك. وكما تقول : " تَوَجَّهَ مَكَّةَ " أي : إِلى مكة. وقال الشاعر :[ من الطويل وهو الشاهد الخامس بعد المائتين ] :
كَأَنِّيَ إِذْ أَسْعَى لأَظْفَرَ طائراً | معَ النَّجْم في جَوِّ السَّماءِ يَصُوبُ |
يريد : لأَظْفَرَ بطائرٍ. فالقي الباء ومثله
﴿ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ﴾ يريد : عن أمر ربكم.
وقال ﴿ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً ﴾ ( ١٨ ) لأنه من " الذَأمِ " تقول : " ذَأَمْتُه " ف " هُوَ مَذْؤُومٌ " والوجه الآخَر من " الذَمِّ " : " ذَمَمْتُه " ف " هو مَذْمُومٌ " تقول : " ذَأَمْتُهُ " و " ذَمَمْتُه " و " ذِمْتُه " كله في معنى واحد ومصدر : " ذِمْتُهُ " " الذَّيْم ".
وقال ﴿ وَلَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ ﴾ ( ١٨ ) فاللام الأولى للابتداء والثانية للقسم.
وقال ﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ ﴾ ( ٢٠ ) والمعنى : فوسوس إليهما الشيطان. ولكن العرب توصل بهذه الحروف كلها الفعل، ومنهم من تقول : " غَرِضْتُ " في معنى : اشتقت إليه. وتفسيرها [ ١١٦ ء ] : غَرِضْتُ مِنْ هؤلاءِ إِلَيْهِ.
وقال ﴿ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ ﴾ ( ٢٠ ) يقول :﴿ ما نَهاكُما إلاّ ﴾ كَراهَة ﴿ أَن تَكُونَا ﴾ كما تقول : " إِيَاكَ أَنْ تَفْعَلَ " أي : كَراهَة أَنْ تَفْعَلَ.
وقال ﴿ وَطَفِقَا ﴾ ( ٢٢ ) وقال بعضُهم ﴿ وَطَفقَا ﴾ فمن قال : " طَفَقَ " قال : " يَطْفِقُ " ومن قال " طَفِقَ " قال " يَطْفَقُ ".
وقال ﴿ يَخْصِفَانِ ﴾ ( ٢٢ ) جعلها من " يَخْتَصِفانِ " فادغم التاء في الصاد فسكنت وبقيت الخاء ساكنة فحركت الخاء بالكسر لاجتماع الساكنين. ومنهم من يفتح الخاء ويحول عليها حركة التاء وهو كقوله ﴿ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي ﴾ وقال بعضهم ﴿ يَهِدِّي إلا أن يُهْدَى ﴾.
وقال ﴿ وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ ( ٢٣ ) فكأنه على القسم و الله أعلم كأنه قال : " وَاللهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرِينَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا ".
وقال ﴿ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِياشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذلك خَيْرٌ ﴾ ( ٢٦ ) فرفع قوله ﴿ وَلِبَاسُ التَّقْوى ﴾ على الابتداء وجعل خبره في قوله ﴿ ذلك خَيْرٌ ﴾ وقد نصب بعضهم ﴿ وَلِباسَ التّقْوى ﴾ وقرأ بعضهم ﴿ وَرِيشاً ﴾ وبها نقرأ وكلُّ حَسَنٌ ومعناه واحد.
وقال ﴿ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ ﴾ ( ٣٠ ) فذكّر الفعل لما فصل كما قال ﴿ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ ﴾.
وقال ﴿ يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى* [ ١١٦ ب ] وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾ ( ٣٥ ) كان كأَنَّهُ قالَ فَأَطِيعُوهُم.
وقال ﴿ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ﴾ ( ٤٠ ) من " وَلَجَ " " يَلِجُ " " وُلُوجاً ".
وقال ﴿ لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ ﴾ ( ٤١ ) فإنما انكسر قوله ( غَواشٍ ) لأن هذه الشين في موضع عين " فواعِل " فهي مكسورة. وأما موضع اللام منه فالياء، والياء والواو إذا كانت بعد كسرة وهما في موضع تحرك برفع أو جرّ صارتا ياء ساكنة في الرفع وانجرّ ونصبا في النصب. فلما صارتا ياء ساكنة وأدخلت عليها التنوين وهو ساكن ذهبت الياء لاجتماع الساكنين.
وقال ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ ﴾ ( ٤٣ ) وهو ما يكون في الصدور، وأما الذي يُغَلُّ به الموثق فهو " الغُلُّ ".
وقال ﴿ الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا ﴾* ( ٤٣ ) كما قال ﴿ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ﴾ وتقول العرب : " هوَ لا يَهتَدِي لهذا " أي : لا يعرفه. وتقول : " هَدَيْتُ العروسَ إِلى بَعْلِها ". وتقول أيضاً : أَهْدَيْتُها إلَيْه " و " هُدِيَتْ لَهُ " وتقول : " أَهْدَيْتُ لَهُ هَدِيَّةً ". وبنو تميم يقولون " هَدَيْت العروسَ إِلى زَوْجِها " جعلوه في معنى " دَلَلْتُها " وقيس تقول : " أَهْدَيْتُها " جعلوها بمنزلة الهدية. وقال ﴿ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ ﴾ ( ٤٣ ).
و
﴿ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ ( ٤٤ ) وقال في موضع آخر
﴿ أَنِ الْحَمْدُ للَّهِ ﴾ و
﴿ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً ﴾ ( ٤٤ ) فهذه " أَنّ " الثقيلة خُفِّفَتْ وأُضْمِرَ فيها [ و ] ولا يستقيم أن تجعلها الخفيفة [ ١١٧ ء ] لأن بعدها اسما. والخفيفة لا يليها الأسماء. وقال الشاعر :[ من البسيط وهو الشاهد السادس بعد المائتين ] :
فِيَ فِتْيَةٍ كَسُيوفِ الهِنْدِ قَدْ عَلِمُوا | أنْ هالِكٌ كُلُّ مَنْ يَخْفى وَينْتَعِل |
وقال الشاعر :[ من الوافر وهو الشاهد السابع بعد المائتين ] :
أُكاشِرُهُ وَاَعْلَمُ أَنْ كِلانا | عَلَى ما سَاءَ صاحِبَهُ حَريصُ |
فمعناه : أَنْهُ كِلانا. وتكون
﴿ أَن قَدْ وَجَدْنَا ﴾ في معنى : " أي ".
وقوله ﴿ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ ﴾ ( ٥٠ ) تكون " أيْ أَفِيضوا " وتكون على " أنْ " التي تعمل في الأفعال لأنك تقول : " غَاظَني أَنْ قامَ " و " غَاظَنِي أَنْ ذَهَب " فتقع على الأفعال وان كانت لا تعمل فيها وفي كتاب الله ﴿ وَانطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُواْ ﴾ معناها : أي امْشُوا.
وقال ﴿ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ﴾ ( ٥٣ ) فنصب ما بعد الفاء لأنه جواب استفهام.
وقال ﴿ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ﴾ ( ٥٤ ) عطف على قوله ﴿ خَلَقَ السَمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ﴾ ( ٥٤ ) وخلق ﴿ الشَمْسَ والقَمَرَ ﴾.
وقال
﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ ( ٥٦ ) فذكّر
﴿ قَرِيب ﴾ وهي صفة " الرحمة " وذلك كقول العرب " رِيحٌ خَريقٌ " و " مِلْحَفَةٌ جَديدٌ " و " شاةٌ سَدِيسٌ ". وان شئت قلت : تفسير " الرحمة " ها هنا : المطر، ونحوه. فلذلك ذكر. كما قال
﴿ وَإِن كَانَ [ ١١٧ ب ] طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ ﴾ فذكر لأنه أراد " الناس ". وان شئت جعلته كبعض ما يذكرون من المؤنث كقول الشاعر :[ من المتقارب وهو الشاهد الحادي والثلاثون ] :
[ فَلا مِزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَها ] | وَلا أَرْضُ* أَبْقَلَ إِبْقَالها |
وقال
﴿ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ﴾ ( ٥٧ ) لأنَّها جماعة " النَشُور " وتقول : " رِيحٌ نَشُور " و " رياحٌ نُشُر ". وقال بعضهم " نَشْرا " من " نَشَرها " " نَشْراً ".
وقال في أول هذه السورة
﴿ كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ ﴾ ( ٢ )
﴿ لِتُنذِرَ بِهِ ﴾ ( ٢ )
﴿ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ ﴾ ( ٢ ) هكذا تأويلها على التقديم والتأخير. وفي كتاب الله مثل ذلك كثير قال
﴿ اذْهَب بِّكِتَابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ﴾ والمعنى - و الله أعلم -
﴿ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ﴾ ﴿ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ ﴾ وفي كتاب الله
﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ* ( ٤٣ ) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ﴾ والمعنى - و الله أعلم -
﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ ﴾ ﴿ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ﴾ ﴿ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ ﴾ ﴿ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ وفي " حم المؤمن "
﴿ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ الْعِلْمِ ﴾ والمعنى - و الله أعلم -
﴿ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ﴾ ﴿ مِّنَ الْعِلْمِ ﴾ ﴿ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ ﴾. وقال بعضهم
﴿ فَرِحُوا بِما ﴾ هو
﴿ عِنْدَهُم مِنَ الِعلْم ﴾ أي : كان عندهم العلم وهو جهل ومثل هذا [ ١١٨ ء ] في كلام العرب وفي الشعر كثير في التقديم والتأخير. يكتب الرجل : " أَمّا بَعْدُ حَفِظَكَ اللهُ وَعافاكَ فإِنّي كَتَبْتُ إِلَيْكَ " فقوله " فَإِنِّي " محمول على " أَمَّا بَعْدُ " [ و ] إنما هو " أَمَّا بَعْدُ فإِنّي " وبينهما كما ترى كلام. قال الشاعر :[ من الكامل وهو الشاهد الثامن بعد المائتين ] :
خَيْرٌ مِنَ القَوْمِ العُصاةِ أَمِيرَهُم | يا قومُ فاستَحْيُوا النِسَاءُ الجُلَّسُ |
والمعنى : خيرٌ مِنَ القَوْمِ العصاةِ أميرَهُم النِّساءُ الجُلَّسُ يا قومُ فاسْتَحْيُوا. قال الآخر :[ من البسيط وهو الشاهد التاسع بعد المائتين ] :
الشَّمْشُ طالِعَةٌ لَيْسَتْ بِكاسِفَةٍ | تَبْكِي عليكَ نُجُومَ اللَّيْلِ والقَمَرا |
ومعناه : الشمسُ طالعةٌ لَمْ تكسِفْ نُجُومَ الليلِ والقمرَا لِحُزْنِها على " عُمَر ". وذلك أن الشمس كلما طلعت كسفت القمر والنجوم فلم تترك* لها ضوءا.
ومن معاني القرآن قول الله عزّ وجل
﴿ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ فليس المعنى : انكحوا ما قَدْ سَلَف. وهذا لا يجوز في الكلام والمعنى - و الله أعلم - " لا تَنْكِحُوا ما نكحَ آباؤُكُم من النساء فإِنَّكُمْ تُعَذَّبُون بِهِ إِلاّ ما قد سلف فقد وضعه الله عنكم " وكذلك قوله
﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ ﴾ ثم قال
﴿ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأختين إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ والمعنى - و الله أعلم - أَنَّكُمْ تؤخذون بذلك إِلاّ ما قد سلف فقد وضعه الله عنكم.
[ ١١٨ ب ] وقوله
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ ﴾ ثم قال
﴿ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ ﴾ ف " الكاف " تزاد في الكلام. والمعنى : أَلَم تَرَ إِلَى الذي حاجَّ إبراهيم في رَبِّهِ أَوْ الذي مَرَّ على قَرْيَةٍ. ومثلها في القرآن
﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ والمعنى : ليس مثله شيء. لأَنه ليس لله مثل. وقال الشاعر :[ من الرجز وهو الشاهد العاشر بعد المائتين ] :
* فَصُيِّرُوا مثلَ كَعَصْفٍ مَأْكُول *
والمعنى : صُيِّرُوا مثلَ عَصْفٍ، والكاف زائدة. وقال الآخر :[ الرجز وهو الشاهد الحادي عشر بعد المائتين ] :
* وَصَالِباتٍ كَكَما يُؤَثْفِين *
إحدى الكافين زائدة.
وقوله :
﴿ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا ﴾ يعني غيرها في النضج، لأَنَّ الله عز وجل يجددها فيكون أشد للعذاب عليهم. وهي تلك الجلود بعينها التي عصت الله تعالى ولكن أذهب عنها النضج، كما يقول الرجل للرجل : " أنتَ اليومَ غيرُك أمْسِ " وهو ذلك بعينه إلا انه نقص منه شيء أو زاد فيه. وفي كتاب الله عز وجل
﴿ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ فيسأل السائل فيقول كيف كانوا كاذبين ولم يعودوا بعد. [ و ] إنما يكونون كاذبين إِذا عادوا. وقد قلتم إنه لا يقال له كافر قبل أن يكفر إذا علم أنه كافر. وهذا يجوز أن يكون [ ١١٩ ء ] أَنَّهُم الكاذبون بعد اليوم كما يقول الرجل : " أَنَا قائِمٌ " وهو قاعد يريد " إِني سأَقوم " أو يقول
﴿ إِنَّهم لَكَاذِبُونَ ﴾ يعني ما وافوا به القيامة من كذبهم وكفرهم لأن الذين دخلوا النار كانوا كاذبين كافرين.
وقوله
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ( ٢٢ ) إِلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ يقول " تنظر في رزقها وما يأتيها من الله " كما يقول الرجل : " ما أَنْظُرُ إِلاّ إِلَيك " ولو كان نظر البصر كما يقول بعض الناس كان في الآية التي بعدها بيان ذلك. ألا ترى انه قال
﴿ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرةٌ ( ٢٤ ) تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِها فَاقِرَةٌ ﴾ ولم يقل : " وُوُجُوهٌ لا تَنْظُر ولا تَرى " وقوله
﴿ تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ﴾ يدلّ " الظن " ها هنا على أن النظر ثم الثقة بالله وحسن اليقين ولا يدل على ما قالوا. وكيف يكون ذلك و الله يقول
﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ﴾ وقوله
﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ يعني ما تشاؤون من الخير شيئاً إِلاّ أَنْ يشاءَ اللهُ أَنْ تَشاؤوه.
وقوله
﴿ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ﴾ حمل على المعنى وذلك انه لا يراها وذلك انك إذا قلت : " كادَ يفعل إنما. تعني قارب الفعل ولم يفعل فإذا قلت " لم يكد يفعل " كان المعنى أنه لم يقارب الفعل ولم يفعل على صحة الكلام [ ١١٩ ب ] وهكذا معنى هذه الآية. إِلاّ أَنَّ اللُّغَةَ قد أَجازَتْ : " لَمْ يَكَدْ يَفْعَلُ " في معنى : فعل بعد شدة، وليس هذا صحة الكلام [ ل ] انه إذا قال : " كاد يفعل " فإنما يعني : قارب الفعل. وإذا قال : " لم يكد يفعل " يقول : " لم يقارب الفعل " إِلا أَنّ اللغة جاءت على ما فسرت لك وليس هو على صحة الكلمة.
وقال ﴿ أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ ( ٦٣ ) كأنه قال : " صنعوا كذا وكذا وعجبوا " فقال " صنعتم كذا وكذا أَوَعَجِبْتُمْ " فهذه واو العطف دخلت عليها ألف الاستفهام.
وقال ﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً ﴾ ( ٦٥ ) ﴿ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً ﴾ ( ٧٣ ) فكل هذا - و الله أعلم - نصبه على الكلام الأول على قوله ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ ﴾ ( ٥٩ ) وكذلك ﴿ لُوطاً ﴾ ( ٨٠ )، وقال بعضهم : " واذْكُرْ لُوطاً ". وإنما يجيء هذا النصب على هذين الوجهين، أو يجيء على أن يكون الفعل قد عمل فيما قبله وقد سقط بعده فعل على شيء من سببه فيضمر له فعلا. فإنما يكون على احد هذه الثلاثة وهو في القرآن كثير.
وقال ﴿ خَلاَئِفَ الأَرْضِ ﴾ وقال ﴿ خُلَفَاءَ ﴾ ( ٦٩ )و ( ٧٤ ) وكل جائز وهو جماعة " الخليفة ".
وقال ﴿ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ﴾ ( ٦٩ ) أي : انْبِساطاً. وهو في موضع آخر ﴿ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ﴾ وهو [ ١٢٠ ء ] مثل الأول.
وقال ﴿ فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ ﴾ ( ٧٣ ) جزم إذا جعلتَهُ جوابا ورفع إذا أردت " فَذَرُوها آكِلَةً " وقال ﴿ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا ﴾ وقال ﴿ قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ ﴾ و﴿ فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ ﴾ فصار جواباً في اللفظ وليس كذلك في المعنى.
ثم قال ﴿ وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ ﴾ ( ٨٦ ) تقول : " هُمْ فِي البَصْرَةِ " و " بِالبَصْرَةِ " و " قَعَدْتُ لَهُ في الطَّريق " و " بِالطَّريق ".
وقال ﴿ كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا ﴾ ( ٩٢ ) وهي من " غَنِيتَ " " تَغْنَى " " غِنَى ".
وقال ﴿ أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى ﴾ ( ٩٨ ) فهذه الواو للعطف دخلت عليها ألف الاستفهام.
وقال ﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا ﴾ ( ١٠٠ ) يقول : " أَوَلمِ يَتَبَيَّنْ لَهُم " وقال بعضهم ﴿ نَهْدِ ﴾ بالنون أي : أولم نُبَيَّنْ لهم ﴿ أَن لَّوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ﴾.
وقال ﴿ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا ﴾ ( ١٠١ ) صيّر " مِنْ " زائدة وأراد " قصَصْنا " كما تقول " هل لكَ في ذا " وتحذف " حاجة ".
وقال ﴿ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ ﴾ ( ١٠١ ) فقوله ﴿ بما كذبوا ﴾ و الله أعلم يقول : " بِتَكْذِيبِهِم " جعل - و الله أعلم - ﴿ مَا كَذَّبُوا ﴾ اسما للفعل والمعنى : " لَمْ يَكُونُوا لِيُؤْمِنُوا بالتكذيب " أي لا نسميهم بالإيمان [ ١٢٠ ب ] بالتكذيب.
وقال ﴿ حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ ﴾ ( ١٠٥ ) وقال بعضهم ﴿ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ ﴾ والأُولى أحسنهما عندنا، أراد : واجبٌ علي أَنْ لا أقول. والأخرى : أَنَا حقيقٌ عَلَي أَنْ لا أقول على الله. ويريد : بِأَنْ لا أقولَ على الله. كما قال :﴿ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ ﴾ في معنى " على كُلِّ صِراطٍ تُوعِدُون ".
وقال ﴿ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ ﴾ ( ١١١ ) وقال ﴿ تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ ﴾ لأنه من " أَرْجأْتُ " وقد قرئت ﴿ أَرْجِهِ وَأَخاه ﴾ خفيفة بغير همزة وبها نقرأ و﴿ تُرْجِي مَن تَشَاءُ ﴾ وهي لغة تقول : " أَرْجَيْتُ " وبعض العرب تقول : " أَخْطَيْتُ " و " تَوَضَّيْتُ " لا يهمزون.
وقال ﴿ وَمَا تَنقِمُ مِنَّا ﴾ ( ١٢٦ ) وقال بعضهم ﴿ وَمَا تَنْقَمُ مِنّا ﴾ وهما لغتان " نَقَمَ " " يَنْقِمُ " و " نَقِم " " يَنْقَمُ " وبها نقرأ. أي بالأولى.
وقال ﴿ وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ ﴾ ( ١٣٢ ) لأن ﴿ مَهْما ﴾ من حروف المجازاة وجوابها ﴿ فَمَا نَحْنُ ﴾.
وقال ﴿ الطُّوفَانَ ﴾ ( ١٣٣ ) فواحدتها في القياس " الطُوفانَة ". قال الشاعر :[ من الرمل وهو الشاهد الثاني عشر بعد المائتين ] :
غَيْرَ اَلجِدَّةَ مِنْ آياتِها*** خُرُقُ الرِّيحِ وَطُوفَانُ المَطَر
[ ١٢١ ء ] وهي من " طافَ " " يَطُوفُ ".
وقال ﴿ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ ﴾ ( ١٣٧ ) و " يَعْرُشونَ " لغتان وكذلك ﴿ نَبْطِشُ ﴾ و " نَبْطُشُ " و " يَحْشُرُ " و﴿ يحشِرُ ﴾، و﴿ يعكُفُ ﴾ و﴿ يعكِفُ ﴾، و﴿ ينفُرُ ﴾ و﴿ ينفِرُ ﴾.
وقال ﴿ جَعَلَهُ دَكّاً ﴾ ( ١٤٣ ) لأَنَّهُ حين قال ﴿ جَعَلَه ﴾ كان كأنه قال " دَكَّهُ " ويقال ﴿ دَكّاء ﴾ وإذا أراد ذا ف[ قد ] أُجْرِيَ مُجْرَى ﴿ وأَسْألِ الْقَرْيَةَ ﴾ لأنه يقال : " نَاقَةٌ دَكّاءُ " إذا ذهب سنامها.
وقال ﴿ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ﴾ ( ١٤٣ ) يقول " تَجَلّى أَمْرُهُ " نحو ما يقول الناس : " بَرَزَ فُلانٌ لفُلانٍ " وإِنَّما برز جُنْدُه.
وأَمَّا قولُه ﴿ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ﴾ ( ١٤٣ ) فإنما أراد علما لا يدرك مثله إِلاّ في الآخرة فأَعْلَمَ اللهُ موسى إن ذلك لا يكون في الدنيا. وقرأها بعضهم ﴿ دَكّاء ﴾ جعله " فَعْلاء " وهذا لا يشبه أن يكون. وهو في كلام العرب : " ناقَةٌ دَكّاءُ " أي : ليس لها سنام. والجبل مذكر إلا أن يكون " جَعَلَهُ مِثْلَ دَكّاءَ " وحذف " مِثْل ".
وقال ﴿ مِنْ حُلِيِّهِمْ ﴾ ( ١٤٨ ) وقال بعضهم ﴿ حِلِيِّهِم ﴾ و﴿ حَلْيِهِم ﴾ ﴿ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ ﴾ ( ١٤٨ ) وقال بعضهم ﴿ جُوْارٌ ﴾ وكلٌّ من لغات العرب.
وأمّا قوله ﴿ مِنْ حُلِيِّهِمْ ﴾ بضم الحاء فانه " فُعول " وهي جماعة " الحَلْيِ " ومن قال ﴿ حِلِيِّهِم ﴾ في اللغة الأخرى [ ف ]* لمكان الياء كما قالوا : " قِسِيّ " و " عِصِيّ ".
وقال ﴿ وَلَمَّا سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ ﴾ وقال بعضهم ﴿ سَقَطَ ﴾ وكل جائز والعرب تقول : " سُقِطَ في يديه " و﴿ أُسْقِطَ في أيْدِيهِم ﴾.
وقال
﴿ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ ﴾ ( ١٥٠ ). وذلك - و الله أعلم - أنه جعله اسما واحدا مثل قولهم " ابْنَ عَمِّ أَقْبِلْ " وهذا لا يقاس عليه [ ١٢١ ب ]. وقال بعضهم
﴿ يا ابنَ أُمي لا تَأْخُذ ﴾ وهو القياس ولكن الكتاب ليست فيه ياء فلذلك كره هذا. وقال الشاعر :[ من الخفيف وهو الشاهد الثالث عشر بعد المائتين ] :
يَا ابْنَ أُميّ وَلَوْ شَهِدْتُكَ إِذْ تَدْ | عَو تَمِيماً وَأَنْتَ غَيْرَ مُجابِ |
وقال بعضهم
﴿ يا ابْنَ أُمِّ ﴾، فجعله على لغة الذين يقولون هذا غلام قد جاء " أو جعله اسما واحدا آخره مكسور " مثل " خازِبازِ ".
وقال
﴿ وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي ﴾ ( ١٥٠ ) فثبتت فيه نونان واحدة للفعل والأخرى للاسم المضمر وإنما ثبتت في الفعل لأنه رفع، ورفع الفعل إذا كان للجميع والاثنين بثبات النون إلا أن نون الجميع مفتوحة ونون الاثنين مكسورة وقد قال
﴿ أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ ﴾ وقد يجوز في هذا الإدغام والإخفاء.
وقال ﴿ وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ ﴾ ( ١٥٤ ) وقال بعضهم ﴿ سَكَنَ ﴾ إِلاّ أَنَّها ليست على الكتاب فتقرأ ﴿ سَكَتَ ﴾ وكلٌّ من كلام العرب.
وقال ﴿ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ﴾ ( ١٥٤ ) كما قال ﴿ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ﴾ أوصل الفعل باللام. وقال بعضهم ﴿ مِنْ أَجْلِ رَبِّهِم يَرْهَبُون ﴾.
وقال ﴿ وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً ﴾ ( ١٥٥ ) أَيْ : اخْتارَ مِنْ قَوْمِهِ، فَلَمَا نزع " مِنْ " عمل الفعل. وقال الشاعر :[ من الطويل وهو الشاهد الرابع عشر ] :
مِنا الذي اخْتِيرَ الرجال سَماحَةً * وَجْوداً إِذا هَبَّ الرِّياحُ الزَعازِعُ
وقال آخر :[ من البسيط وهو الشاهد الخامس عشر ] :
[ ١٢٢ ء ] أَمَرْتُكَ الخَيْرَ فافْعَلْ ما أُمِرْتَ بِهِ * فَقَدْ تَرَكْتُكَ ذا مالٍ وَذا نَشَبِ
وقال النابعة :[ من الكامل وهو الشاهد السادس عشر ] :
نُبِّئْتُ زُرْعةَ وَالسفَاهَةُ كاسْمِها * يُهْدِي إِلَيَّ أَوَابِدَ الأشْعار
وقال ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ ( ١٥٦ ) أي : وسعت كل من يدخل فيها لا تعجز عن من دخل فيها، أو يكون يعني الرحمة التي قسمها بين الخلائق يعطف بها بضعهم على بعض حتى عطف البهيمة على ولدها.
وقال ﴿ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً ﴾ ( ١٦٠ ) أراد اثنتي عشرة فرقة ثم أخبر أن الفرق أسباط ولم يجعل العدد على الأسباط.
وقال ﴿ مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذالِكَ ﴾ ( ١٦٨ ) لا نعلم أحدا يقرؤها إِلاّ نصبا.
وقال
﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ ﴾ ( ١٦٩ ) إذا قلت " خَلَفُ سَوءٍ " و " خَلَفُ صِدْقٍ " فهما سواء. و " الخَلْفُ " إنما يريد به الذي بعد ما مضى خَلَفاً كانَ منْهُ أَوْ لَمْ يكن خَلَفاً إنّما يكون يعني به القرن الذي يكون بعد القرن و " الخَلَفُ " الذي هو بدل مما كان قبله قد قام مقامه وأغنى غناه. تقول : " أَصَبْتُ مِنْكَ خَلَفا ".
وقال
﴿ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذا الأَدْنَى ﴾ ( ١٦٩ ) فأضاف " العَرَضَ " إلى " هذا " وفسر " هذا " ب " الأَدْنى " وكل شيء فهو عَرْضٌ سوى الدراهم والدنانير فإنها عَيْنٌ. وما كان غير ذلك فهو عَرْضٌ وأما " العَرَضُ " فهو كل شيء عَرَض لك تقول : " قد عرض له بعدي عَرُضٌ " أي : " أصابَتْهُ بلِيَّةٌ وشَرّ " وتقول :[ ١٢٢ ب ] " هذا عُرْضَةٌ للشَرِّ " و " عُرْضَةٌ للخَيْر " كلُّ هذا تقوله العرب. وقال
﴿ وَلاَ تَجْعَلُواْ اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ ﴾ وتقول : " أَعْرَضَ لكَ الخيرُ " و " عَرَضَ لكَ الخَيْرُ " وقال الشاعر :[ من الكامل وهو الشاهد السابع عشر بعد المائتين ] :
أَعْرِفَنَّكَ مُعْرِضاً لِرِماحِنَا | في جُفِّ تُغْلِبَ واردَ الأَمْرارِ |
و " العارِضُ " من السحاب : ما استقبلك وهو قول الله عز وجل
﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً ﴾ وأما " الحَبِيُّ " : فما كان من كل ناحية وتقول : " خُذُوهْ من عُرْضِ الناس " أي : مما وَلِيَكَ منهم، وكذلك " اضرب به عُرْضَ الحائط " أي : ما وَلِيَكَ منه وأما " العَرْضُ " و " الطول " فانه ساكن. وأما قوله [ من الطويل وهو الشاهد الثامن عشر بعد المائتين ] :
[ لَهُنَّ عَلَيْهِمْ عادَةٌ قَدْ عَرَفْنَها ] | إِذا عَرَضُوا الخَطِّيَّ فَوْقَ الكَوَاثِب |
وأعرضوا فهذا لأن* : عَرَضَ عَرْضاً. و : " عَرَضْتُ عَلَيْهِ المَنْزِلَ عَرْضاً " و " عَرَضَ لِيَ أَمْرٌ عَرْضاً " هذا مصدره. و " العَرَضُ من الخَيْرِ والشَرِّ " : ما أصبت عَرَضاً من الدنيا فانتفعت به تعني به الخير. و " عَرَضَ لك عَرَضُ سَوْءٍ ".
وقال ﴿ ولكنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ ﴾ ( ١٧٦ ) ولا نعلم أحدا يقول ﴿ خَلَدَ ﴾. وقوله ﴿ أَخْلَدَ ﴾ أي : لَجَأَ إلَيْها.
وقال ﴿ سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ ﴾ فجعل " القومُ " هم " المَثَل " في اللفظ وأراد : مثلُ القومِ، فحذف كما قال " وَاسْأَل القَرْيَةَ ".
وقال ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ ﴾ ( ١٧٩ ) تقول : " ذَرَأَ " " يَذْرأُ " " ذَرْءاً ".
وقال ﴿ وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ﴾ ( ١٨٠ ) وقال بَعْضُهُم ﴿ يُلْحَدُونَ ﴾ جعله من " لَحَدَ " [ ١٢٣ ء ] " يَلْحَدُ " وهي لغة. وقال في موضع آخر ﴿ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ ﴾ و﴿ يَلْحَدُون ﴾ وهما لغتان و﴿ يُلْحدُونَ ﴾ أكثر وبها نقرأ ويقوّيها ﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾.
وقال ﴿ حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً ﴾ ( ١٨٩ ) لأَنّ " الحَمْلَ " ما كان في الجَوْفِ و " الحِمْل " ما كان على الظهر. وقال ﴿ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ﴾ وأما قوله ﴿ أَثْقَلَتْ ﴾ ( ١٨٩ ) فيقول : " صارت ذاتَ ثِقَلٍ " كما تقول " أَتْمَرْنا " أيْ : " صِرْنا ذَوِي تَمْرٍ " و " أَلْبَنَّا " [ أي : صرنا ذوي لبن ] و " أَعْشَبَتِ الأَرْضُ " و " أَكْمَأَتْ " وقرأ بعضهم ﴿ فَلَمّا أُثْقِلَتْ ﴾.
وقال ﴿ جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ﴾ ( ١٩٠ ) وقال بعضهم ﴿ شِرْكاً ﴾ لأنَّ " الشِرْكَ " إنما هو : " الشِرْكَةُ " وكان ينبغي في قول من قال هذا أن يقول " فَجَعلا لغيرِه شِرْكاً فيما آتاهما ".
وقال
﴿ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ ﴾ ( ٢٠١ ) و
﴿ الطَيْفُ ﴾ أَكْثرُ في كلام العرب وقال الشاعر :[ من المتقارب وهو الشاهد التاسع عشر بعد المائتين ] :
أَلا يَا لَقَوْمٍ لِطَيْفِ الخَيالِ | أَرَّقَ مِنْ نازِحٍ ذِي دَلالِ |
ونقرؤها
﴿ طائِف ﴾ لأَنَّ عامة القراء عليها.
وقال ﴿ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ﴾ ( ٢٠٥ ) وتفسيرها " بالغَدَواَتِ " كما تقول : " آتيك طلوعَ الشَمْسِ " أي : في [ ١٢٣ ب ] وقتِ طلوعِ الشمس كما قال ﴿ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ ﴾ وهو مثل " آتيكَ في الصَّباحِ وبِالمَساءِ " وأما ﴿ الآصال ﴾ فواحدها : " أَصيلٌ " مثل : " الأَشْرار " واحدها : " الشَرِير " و " الأَيْمانُ " واحدتها : " اليَمِينُ ".