تفسير سورة البروج

إعراب القرآن للنحاس
تفسير سورة سورة البروج من كتاب إعراب القرآن المعروف بـإعراب القرآن للنحاس .
لمؤلفه ابن النَّحَّاس . المتوفي سنة 338 هـ

٨٥ شرح إعراب سورة البروج

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة البروج (٨٥) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (١)
وَالسَّماءِ خفض بواو القسم ذاتِ الْبُرُوجِ نعت للسماء، واختلف النحويون في جواب القسم فمنهم من قال: هو محذوف، ومنهم من قال: التقدير لقتل أصحاب الأخدود وحذفت اللام، ومنهم من قال: الجواب إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢)، وقال أبو حاتم: التقدير قتل أصحاب الأخدود والسماء ذات البروج. قال أبو جعفر: وهذا غلط بيّن وقد أجمع النحويون على أنه لا يجوز والله قام زيد بمعنى قام زيد والله وأصل هذا في العربية أنّ القسم إذا ابتدئ به لم يجز أن يلغى ولا ينوى به التأخير، وإذا توسّط أو تأخّر جاز أن يلغى، وفيها جواب خامس أن يكون التقدير وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (١) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [الآية: ١٠] وما اعترض بينهما معطوف وتوطئة للقسم قال محمد بن يزيد: واعلم أن القسم قد يؤكد بما يصدّق الخبر قبل ذكر المقسم عليه ثم يذكر ما يقع عليه القسم فمن ذلك وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (١) ثم ذكر قصّة أصحاب الأخدود، وإنما وقع القسم على قوله إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢).
[سورة البروج (٨٥) : الآيات ٢ الى ٣]
وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢) وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (٣)
وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢) واو عطف لا واو قسم، وكذا وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (٣) قال أبو جعفر: قد ذكرنا معناه، وقد قيل: لا يخلو الناس يوم القيامة من شاهد ومشهود فالمعنى وربّ الناس.
[سورة البروج (٨٥) : الآيات ٤ الى ٥]
قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (٤) النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (٥)
النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (٥) خفض على بدل الاشتمال. وفيه تقديران: أحدهما نارها والألف واللام عوض من المضمر، والآخر النار التي فيها، وهذا بدل الاشتمال. وفي معنى قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (٤) قولان: أحدهما أنهم المؤمنون قتلهم الكفار، والآخر أنهم الكفار، ويكون معنى قتلوا أو لعنوا أو أهلكوا. وأجاز «النحويون» قتل أصحاب
الأخدود النار ذات الوقود، بالرفع كما قرأه أبو عبد الرّحمن السلمي وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ [الأنعام: ١٣٧]. قال أبو جعفر: وهذا باب من النحو دقيق قد ذكره سيبويه وذلك أنه يجوز: ضرب زيد عمرو لأنك إذا قلت:
ضرب زيد، دل على أنه له ضاربا، والتقدير ضربه عمرو، وكذا قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (٤) قتلتهم النار، وأنشد سيبويه: [الطويل] ٥٥٤-
ليبك يزيد ضارع لخصومة وأشعث ممّن طوّحته الطّوائح «١»
أي يبكيه ضارع. قال الأخفش: الوقود بالفتح الحطب، والوقود بالضم الفعل:
يريد المصدر أي الإيقاد.
[سورة البروج (٨٥) : آية ٦]
إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (٦)
قال قتادة: المؤمنون، وهذا على أحد التّأويلين.
[سورة البروج (٨٥) : آية ٧]
وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (٧)
أي ليس هم بغيب.
[سورة البروج (٨٥) : آية ٨]
وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨)
وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ ويقال: نقموا أي وما وجدوا عليهم في شيء إلا في إيمانهم بالله العزيز الحميد بانتقامه الْحَمِيدِ أي المحمود عند عباده بأفعاله الجميلة.
[سورة البروج (٨٥) : آية ٩]
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٩)
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ نعت فيه معنى المدح في موضع خفض، ويجوز أن يكون في موضع نصب على المدح، ورفع على إضمار مبتدأ. وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ أي قد شهد على فعلهم وفعل غيرهم وعلمه ليجازيهم عليه.
[سورة البروج (٨٥) : آية ١٠]
إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (١٠)
إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ قال قتادة: أحرقوهم ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا أي من فعلهم ذلك فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ قال محمد بن إسحاق احترقوا في الدنيا، وكذا قال أبو العالية ولهم عذاب جهنم في الآخرة.
[سورة البروج (٨٥) : آية ١١]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (١١)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا أي أمروا بتوحيد الله سبحانه. وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ انتهوا إلى أمر الله ونهيه. لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وهي أنهار الماء وأنهار الخمر واللبن والعسل ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ أي الظفر بما طلبوا.
(١) مرّ الشاهد رقم (١٣٢).

[سورة البروج (٨٥) : آية ١٢]

إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢)
أي كما بطش بأصحاب الأخدود تحذيرا منه عقابه.
[سورة البروج (٨٥) : الآيات ١٣ الى ١٤]
إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤)
إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) في معناه قولان قال ابن زيد: يبتدئ خلق الخلق ثم يعيدهم يوم القيامة، وعن ابن عباس يبدئ العذاب في الدنيا ثم يعيده عليهم في الآخرة. قال أبو جعفر: وهذا أشبه بالمعنى لأن سياق القصة أنهم أحرقوا في الدنيا ولهم عذاب جهنم فإن قيل: كيف يوافق هذا الحديث من عوقب في الدنيا فإن الله أكرم من أن يعيد عليه العقوبة؟ فالجواب عن هذا أنه ينقص من عقوبته يوم القيامة بمقدار ما لحقه في الدنيا لا أنّ الكلّ يزال عنه يوم القيامة، ويدلّ على ذلك الجواب المروي عن ابن عباس أن بعده وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) مبتدأ وخبره.
[سورة البروج (٨٥) : آية ١٥]
ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥)
«١» بالرفع قراءة أبي جعفر ونافع وابن كثير وأبي عمرو وعاصم، وقرأ يحيى بن وثاب وحمزة والكسائي ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ بالخفض فبعض النحويين يستبعد الخفض لأن المجيد معروف من صفات الله جلّ وعزّ فلا يجوز الجواب في كتاب الله بل على مذهب سيبويه «٢» لا يجوز في كلام ولا شعر وإنما هو غلط في قولهم: هذا جحر ضبّ خرب، ونظيره في الغلط الإقواء، ولكن القراءة بالخفض جائزة على غير الجوار على أن يكون التقدير إنّ بطش ربك الْمَجِيدُ نعت.
[سورة البروج (٨٥) : آية ١٦]
فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٦)
يكون خبرا بعد خبر كما حكى سيبويه «٣» : هذا حلو حامض، ويجوز أن يكون مرفوعا على إضمار مبتدأ ولا يكون نعتا لأنه نكرة: ولكن يجوز أن يكون بدلا أيضا.
[سورة البروج (٨٥) : آية ١٧]
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧)
أي الذين تجنّدوا على عصيان الله جلّ وعزّ والردّ على رسله.
[سورة البروج (٨٥) : آية ١٨]
فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨)
بدل.
[سورة البروج (٨٥) : آية ١٩]
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩)
مبتدأ وخبره، وكذا
[سورة البروج (٨٥) : آية ٢٠]
وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠)
وكذا
[سورة البروج (٨٥) : الآيات ٢١ الى ٢٢]
بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢)
(١) انظر تيسير الداني ١٧٩.
(٢) انظر الكتاب ١/ ٥٠٠.
(٣) انظر الكتاب ١/ ٥٠٠.
121
بالخفض قراءة أبي جعفر وابن كثير وأبي عمرو وعاصم ويحيى وحمزة والكسائي، وهو المعروف في الحديث والروايات إنه اللوح المحفوظ أي المحفوظ من أن يزاد فيه أو ينقص منه مما رسمه الله فيه، وقرأ نافع وابن محيصن فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ «١» بالرفع على أنه نعت لقرآن أي بل هو قرآن مجيد محفوظ من أن يغير ويزاد فيه أو ينقص منه قد حفظه الله جلّ وعزّ من هذه الأشياء. فقد صحّت القراءة أيضا بالرفع ولهذا قال كثير من العلماء: من زعم أن القرآن قد بقي شيء منه فهو رادّ على الله كافر بذلك، والنص الذي لا اختلاف فيه إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: ٩] فنظير هذا «محفوظ» بالرفع.
(١) انظر تيسير الداني ١٧٩، والبحر المحيط ٨/ ٤٤٦.
122
Icon