تفسير سورة البروج

زاد المسير
تفسير سورة سورة البروج من كتاب زاد المسير في علم التفسير المعروف بـزاد المسير .
لمؤلفه ابن الجوزي . المتوفي سنة 597 هـ
سورة البروج وهي مكية كلها بإجماعهم

سورة البروج
وهي مكّيّة كلّها بإجماعهم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة البروج (٨٥) : الآيات ١ الى ٢٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (١) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢) وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (٣) قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (٤)
النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (٥) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (٦) وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (٧) وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٩)
إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (١٠) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (١١) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤)
ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٦) هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩)
وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢)
قوله تعالى: وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ قد ذكرنا البروج في الحجر «١» وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ هو يوم القيامة بإجماعهم وفي قوله: وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ فيه أربعة وعشرون قولاً «٢» :
(١٥٢٢) أحدها: أن الشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة، رواه أبو هريرة عن
ضعيف، والراجع وقفه، أخرجه الحاكم ٢/ ٥١٩ والبيهقي ٣/ ١٧٠ من حديث أبي هريرة، وإسناده ضعيف، لضعف علي بن زيد، وخالفه يونس فرواه موقوفا، وصحح الحاكم الموقوف، ووافقه الذهبي وهو كما قالا.
والموقوف أخرجه الطبري ٣٦٨٣٨، بإسناد على شرط مسلم من حديث أبي هريرة قال: وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ يوم القيامة. وورد عند الطبري ٣٦٨٥٠ من طريق ابن حرملة عن سعيد أنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إن سيد الأيام الجمعة، وهو الشاهد، والمشهود: يوم عرفة» وهذا مرسل، وهو معلول، فقد كرره الطبري ٣٦٨٥٣ عن سعيد قوله. وأخرجه الطبري ٣٦٨٥٢ من طريق شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «إن الشاهد » فذكره. وفي إسناده محمد بن إسماعيل، وهو واه. وورد موقوفا منجما بألفاظ
__________
(١) الحجر: ١٦.
(٢) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٥٨٢: قال البغوي: الأكثرون على أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة اه. وتوقف ابن جرير ولم يرجّح.
423
رسول الله صلّى الله عليه وسلم وبه قال علي، وابن عباس في رواية، وابن زيد. فعلى هذا سمي يومُ الجمعة شاهداً، لأنه يشهد على كل عامل بما يعمل فيه، وسمي يومُ عرفة مشهوداً، لأن الناس يشهدون فيه موسم الحج، وتشهده الملائكة. والثاني: أن الشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم النحر، قاله ابن عمر.
والثالث: أن الشاهد: الله عزّ وجلّ، والمشهود: يوم القيامة، رواه الوالبي عن ابن عباس. والرابع: أن الشاهد: يوم عرفة، والمشهود: يوم القيامة، رواه مجاهد عن ابن عباس. والخامس: أنّ الشّاهد:
محمّد صلّى الله عليه وسلم، والمشهود: يوم القيامة، رواه يوسف بن مهران عن ابن عباس، وبه قال الحسن بن علي.
والسادس: أن الشاهد: يوم القيامة، والمشهود: الناس، قاله جابر بن عبد الله. والسابع: أن الشاهد:
يوم الجمعة، والمشهود: يوم القيامة، قاله الحسن. والثامن: أن الشاهد: يوم التروية، والمشهود: يوم عرفة، قاله سعيد بن المسيب. والتاسع: أن الشاهد: هو الله، والمشهود: بنو آدم، قاله سعيد بن جبير. والعاشر: أن الشاهد: محمد، والمشهود: يوم عرفة، قاله الضحاك. والحادي عشر: أنّ الشاهد آدم، والمشهود: يوم القيامة، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد. والثاني عشر: أن الشاهد: ابن آدم، والمشهود: يوم القيامة، رواه ليث عن مجاهد، وبه قال عكرمة. والثالث عشر: أنّ الشاهد: آدم، وذريته، والمشهود يوم القيامة، قاله عطاء بن يسار. والرابع عشر: أن الشاهد: الإنسان، والمشهود:
الله عزّ وجلّ، قاله محمد بن كعب. والخامس عشر: أن الشاهد: يوم النحر، والمشهود: يوم عرفة، قاله إبراهيم. والسادس عشر: أنّ الشاهد: عيسى ابن مريم عليه السلام، والمشهود: أمته، قاله أبو مالك. ودليله قوله عزّ وجلّ: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً «١». والسابع عشر: أنّ الشاهد: محمّد صلّى الله عليه وسلم، والمشهود: أمته، قاله عبد العزيز بن يحيى، وبيانه: وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً «٢». والثامن عشر:
أن الشاهد: هذه الأمة، والمشهود: سائر الناس، قاله الحسين بن الفضل، ودليله: لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ «٣». والتاسع عشر: أن الشاهد: الحفظة، والمشهود: بنو آدم، قاله محمد بن علي الترمذي، وحكي عن عكرمة نحوه. والعشرون: أن الشاهد: الحق، والمشهود: الكون، قاله الجنيد. والحادي والعشرون: أن الشاهد، الحجر الأسود، والمشهود: الحجّاج. والثاني والعشرون: أنّ الشاهد: الأنبياء والمشهود: محمّد صلّى الله عليه وسلم، وبيانه: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ الآية «٤». والثالث والعشرون: أنّ الشاهد:
مختلفة عن جماعة من الصحابة والتابعين، وهذا الاختلاف يدل على الاضطراب الخلاصة: الحديث ضعيف بهذا اللفظ. وقد ورد من حديث أبي هريرة مرفوعا وعجزه وما طلعت الشمس ولا غربت في يوم أفضل منه، فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله بخير إلا استجاب الله له، لا يستعيذ من شيء إلا أعاذه منه»، وعجزه هذا محفوظ.
أخرجه الترمذي ٣٣٣٩ والبغوي في «شرح السنة» بإثر ١٠٤٢ عن عبد بن حميد عن روح بن عبادة وعبيد الله بن موسى به. وأخرجه الواحدي في «الوسيط» ٤/ ٤٥٨ من طريق يحيى بن نصر والطبري ٣٦٨٥١ من طريق مهران كلاهما عن موسى بن عبيدة به. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث موسى بن عبيدة، وموسى بن عبيدة يضعف في الحديث، ضعفه يحيى بن سعيد وغيره. وانظر «تفسير الشوكاني» ٢٦٨٣.
__________
(١) المائدة: ١١٧.
(٢) النساء: ٤١.
(٣) البقرة: ١٤٣.
(٤) آل عمران: ٨١.
424
الله عزّ وجلّ، والملائكة، وأولو العلم، والمشهود: لا إله إلا الله، وبيانه: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ «١»، حكى هذه الأقوال الثلاثة الثعلبي. والرابع والعشرون: أنّ الشاهد: الأنبياء والمشهود: الأمم، حكاه شيخنا علي بن عبيد الله.
وفي جواب القسم أقوال: أحدها: أنه قوله عزّ وجلّ: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ قاله قتادة، والزجاج.
والثاني: أنه قوله تعالى: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ، كما أنّ القسم في قوله عزّ وجلّ: وَالشَّمْسِ وَضُحاها... قَدْ أَفْلَحَ، حكاه الفراء. والثالث: أنه متروك، وهذا اختيار ابن جرير.
قوله عزّ وجلّ: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ أي: لُعِنُوا. والأخدود: شق يشق في الأرض، والجمع:
أخاديد. وهؤلاء قوم حفروا حفائر في الأرض وأوقدوا فيها النار، وألقَوا فيها من لم يكفر.
واختلف العلماء فيهم على ستة أقوال «٢» :
(١٥٢٣) أحدها: أنه مَلِكٌ كان له ساحر فبعث إليه غلاماً يعلِّمه السّحر، فكان الغلام يمرُّ على راهب، فأعجبه أمره، فتبعه، فعلم به المَلِك، فأمره أن يرجع عن دينه، فقال: لا أفعل، فاجتهد الملك في إهلاكه، فلم يقدر، فقال الغلام: لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به. اجمع الناس في صعيد واحد، واصلبني على جذع، وارمني بسهم من كنانتي، وقل: بسم الله ربِّ الغلام، ففعل، فمات الغلام، فقال الناس: آمنا برب الغلام، فخدَّ الأخاديد، وأضرم فيها النار، وقال: فمن لم يرجع عن دينه فاقحموه فيها، ففعلوا، وهذا مختصر الحديث، وفيه طول، وقد ذكرته في «المغني» و «الحدائق» بطوله من حديث صهيب عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
(١٥٢٤) والثاني: أن ملكاً من الملوك سكر، فوقع على أخته، فلما أفاق قال لها: ويحك: كيف المخرج؟ فقالت له: اجمع أهل مملكتك فأخبرهم أنّ الله عزّ وجلّ قد أَحَلَّ نكاح الأخوات، فإذا ذهب هذا في الناس وتناسَوه، خطبتَهم فحرَّمته. ففعل ذلك، فأبوا أن يقبلوا ذلك منه، فبسط فيهم السّوط، ثم
صحيح. أخرجه مسلم ٣٠٠٥ وابن حبان ٨٧٣ والواحدي في «الوسيط» ٤/ ٤٥٩- ٤٦٠ من طريق هدبة بن خالد به. من حديث صهيب. وأخرجه الطبري ٣٦٨٧٤ من طريق حرمي بن عمارة ثنا حماد بن سلمة به.
وأخرجه الترمذي ٣٣٤٠ وعبد الرزاق ٩٧٥١ والطبراني ٧٣١٩ من طريق معمر عن ثابت به. وأخرجه النسائي في «الكبرى» ١١٦٦١ وأحمد ٦/ ١٧ و ١٨ والطبراني ٧٣٢٠ من طرق عن حماد بن سلمة به.
موقوف. أخرجه الطبري ٣٦٨٦٨ عن علي موقوفا، وإسناده ضعيف، فيه إرسال بين ابن أبزى وبين علي.
__________
(١) آل عمران: ١٨. [.....]
(٢) قال القرطبي رحمه الله في «تفسيره» ١٩/ ٢٥٦: قال علماؤنا: أعلم الله عز وجل المؤمنين من هذه الأمة في هذه الآية، ما كان يلقاه من وحّد قبلهم من الشدائد، يؤنّسهم بذلك. وذكر لهم النبي صلّى الله عليه وسلم قصة الغلام ليصبروا على ما يلاقون من الأذى والآلام، والمشقات التي كانوا عليها ليتأسوا بمثل هذا الغلام، في صبره وتصلبه في الحقّ وتمسكه به، وبذله نفسه في حقّ إظهار دعوته ودخول الناس في الدين مع صغر سنه وعظم صبره، قال ابن العربي: وهذا منسوخ عندنا. قلت: ليس بمنسوخ عندنا، وأن الصبر على ذلك لمن قويت نفسه وصلب دينه أولى، قال تعالى مخبرا عن لقمان: يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [لقمان: ١٧] اه.
قلت: ذكر المصنف أقوالا عن الصحابة والتابعين والمفسرين، والحجة في المرفوع الآتي.
425
جرَّد السيف، فأبَوْا، فخدَّ لهم أخدودا، وأوقد فيه النار، وقذف من أبى قبول ذلك، قاله عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه.
(١٥٢٥) والثالث: أنهم أناس اقتتل مؤمنوهم وكافروهم، فظهر المؤمنون، ثم تعاهدوا أن لا يَغدِر بعضهم ببعض، فغدر الكفار، فأخذوهم، فقال لهم رجل من المؤمنين: أوقدوا ناراً، واعرضوا عليها، فمن تابعكم على دينكم، فذاك الذي تحبون، ومن لم يتابعكم أُقحم النار فاسترحتم منه. ففعلوا، فجعل المسلمون يقتحمونها، ذكره قتادة.
(١٥٢٦) والرابع: أن قوماً من المؤمنين اعتزلوا الناس في الفترة، فأرسل إليهم جبَّار من عبدة الأوثان، فعرض عليهم الدخول في دينه فأبوا، فخدّ لهم أخدودا، وألقاهم فيه، قاله الربيع بن أنس.
(١٥٢٧) والخامس: أن جماعة آمنوا من قوم يوسف بن ذي نواس بعد ما رفع عيسى، فخدّ لهم خدّا، وأوقد فيه النار، فأحرقهم كلهم، فأنزل الله تعالى: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ وهم: يوسف بن ذي نواس وأصحابه، قاله مقاتل.
والسادس: أنهم قوم كانوا يعبدون صنماً، ومعهم قوم يكتمون إيمانهم، فعلموا بهم، فخدُّوا لهم أُخدوداً، وقذفوهم فيه، حكاه الزجاج.
واختلفوا في الذين أُحرقوا على خمسة أقوال: أحدها: أنهم كانوا من الحبشة، قاله عليّ عليه السلام. والثاني: من بني إسرائيل، قاله ابن عباس. والثالث: من أهل اليمن، قاله الحسن. قال الضحاك: كانوا من نصارى اليمن، وذلك قبل مبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم بأربعين سنة. والرابع: من أهل نجران، قاله مجاهد. والخامس: من النبط، قاله عكرمة.
وفي عددهم ثلاثة أقوال: أحدها: اثنا عشر ألفاً، قاله وهب. والثاني: سبعون ألفاً، قاله ابن السّائب. والثالث: ثمانون رجلا، وتسع نسوة، قاله مقاتل.
قوله عزّ وجلّ: النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ هذا بدل من «الأخدود» كأنه قال: قتل أصحاب النار، و «الوقود» مفسر في البقرة «١» وقرأ أبو رزين العقيلي، وأبو عبد الرحمن السلمي، والحسن، ومجاهد، وأبو العالية، وابن يعمر وابن أبي عبلة «الوُقُود» بضم الواو إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ أي: عند النار. وكان الملك وأصحابه جلوساً على الكراسي عند الأخدود يعرضون المؤمنين على الكفر، فمن أبى ألْقَوْه وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ أي: حضور، فأخبر الله عزّ وجلّ في هذه الآيات بقصة قوم بلغ من إيمانهم ويقينهم أن صبروا على التحريق بالنار، ولم يرجعوا عن دينهم.
قوله عزّ وجلّ: وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ وقرأ ابن أبي عبلة «نقِموا» بكسر القاف. قال الزّجّاج: أي: ما
أخرجه الطبري ٣٦٨٦٩ عن قتادة قال حدثنا أن عليا رضي الله عنه كان يقول:
«هم أناس بمزارع اليمن، اقتتل مؤمنوها وكفارها » فذكره. وهذا ضعيف، قتادة عن علي منقطع.
مرسل. أخرجه الطبري ٣٦٨٧٥ عن الربيع بن أنس به.
عزاه المصنف لمقاتل، وهو متهم، والصحيح في ذلك حديث صهيب، وتقدم برقم ١٥٢٣.
__________
(١) البقرة: ٢٤.
426
أنكروا عليهم إيمانهم. وقد شرحنا معنى «نقموا» في المائدة «١» وبراءة «٢» وشرحنا معنى الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ في البقرة «٣».
قوله عزّ وجلّ: وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ أي: لم يَخْفَ عليه ما صنعوا، فهو شهيد عليهم بما فعلوا.
قوله عزّ وجلّ: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ أي: أحرقوهم، وعذّبوهم. كقوله عزّ وجلّ:
يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ «٤» ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا من شركهم وفعلهم ذلك فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ بكفرهم وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ بما أحرقوا المؤمنين، وكلا العذابَيْن في جهنم عند الأكثرين وقد ذهب الربيع بن أنس في جماعة إلى أن النار ارتفعت إلى الملك وأصحابه فأحرقتهم، فذلك عذاب الحريق في الدنيا. قال الربيع: وقبض الله أرواح المؤمنين قبل أن تمسَّهم النار. وحكى الفراء أن المؤمنين نَجوْا من النار، وأنها ارتفعت فأحرقت الكفرة.
قوله عزّ وجلّ: ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ لأنهم فازوا بالجنة. وقال بعض المفسرين: فازوا من عذاب الكفار، وعذاب الآخرة.
قوله عزّ وجلّ: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ قال ابن عباس: إن أخذه بالعذاب إذا أخذ الظّلمة والجبابرة لشديد.
قوله عزّ وجلّ: إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ فيه قولان: أحدهما: يبدئ الخلق ويعيدهم، قاله الجمهور.
والثاني: يبدئ العذاب في الدنيا على الكفار ثم يعيده عليهم في الآخرة، رواه العوفي عن ابن عباس.
وقد شرحنا في هود «٥» معنى «الودود» و «المجيد».
قوله عزّ وجلّ: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ وقد قرأ حمزة، والكسائي، والمفضل عن عاصم «المجيدِ» بالخفض، وقرأ غيرهم بالرفع، فمن رفع «المجيدُ» جعله من صفات الله عزّ وجلّ، ومن كسر جعله من صفة العرش.
قوله عزّ وجلّ: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ أي: قد أتاك حديث الْجُنُودِ وهم الذين تجنَّدوا على أولياء الله. ثم بيّن من هم، فقال عزّ وجلّ: فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني مشركي مكّة فِي تَكْذِيبٍ لك وللقرآن، أي: لم يعتبروا بمن كان قبلهم وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ أي لا يخفى عليه شيء من أعمالهم بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ أي: كريم، لأنه كلام الله، وليس كما يقولون: شعر، وكهانة، وسحر. وقرأ أبو العالية، وأبو الجوزاء، وأبو عمران، وابن السّميفع «بل قرآن مجيد» بغير تنوين وبخفض «مجيد» فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ وهو اللوح المحفوظ، منه نسخ القرآن وسائر الكتب، فهو محفوظ عند الله محروس به من الشياطين، ومن الزيادة فيه والنقصان منه. وقرأ نافع «محفوظ» رفعاً على نعت القرآن فالمعنى: إنه محفوظ من التحريف والتّبديل.
(١) المائدة: ٥٩.
(٢) التوبة: ٧٤.
(٣) البقرة: ١٢٩ و ٢٦٧.
(٤) الذاريات: ١٣.
(٥) هود: ٩٠.
427
Icon