تفسير سورة سورة التوبة من كتاب تفسير العز بن عبد السلام
المعروف بـتفسير العز بن عبد السلام
.
لمؤلفه
عز الدين بن عبد السلام
.
المتوفي سنة 660 هـ
سورة التوبة سورة التوبة مدنية اتفاقاً، أو إلا آيتين في آخرها، ﴿ لقد جاءكم ﴾ [ ١٢٨، ١٢٩ ]، نزلتا بمكة، وكانت تسمى على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم الفاضحة " ع "، وسورة البحوث لبحثها عن أسرار المنافقين وفضحها لهم، وسميت في عهده وبعده المبعثرة لما كشفت من السرائر. وتُركت البسملة في أولها، لأنها مع الأنفال كسورة واحدة الأنفال في العهود وبراءة في رفع العهود، وكانتا تدعيان القرينتين، أو البسملة أمان، وبراءة نزلت برفع الأمان. ونزلت سنة تسع فأنزلها الرسول صلى الله عليه وسلم مع علي - رضي الله تعالى عنه - وكان أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - صاحب الموسم فقال الرسول صلى الله عليه وسلم :" لا يُبلِّغ عني إلا رجل مني "، أو أنفذه بعشر آيات من أولها، أو بتسع تقرأ في الموسم، فقرأها علي - رضي الله تعالى عنه - يوم النحر على جمرة العقبة.
١ - ﴿بَرَآءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ انقطاع للعصمة منهما، أو انقضاء عهدهما.
٢ - ﴿فَسِيحُواْ﴾ أمان ﴿فِى الأَرْضِ﴾ تصرفوا كيف شئتم، أو سافروا حيث أردتم، والسياحة: السير على مَهل، أو البعد على وَجل. ﴿أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ أمان لمن له عهد مطلق، أو أقل من الأربعة، ومن لا أمان له فهو حرب، أو من كان له عهد أكثر من الأربعة حُط إليها، ومن كان دونها رفع إليها ومن لا عهد له فله أمان خمسين ليلة من يوم النحر إلى سلخ المُحرم لقوله تعالى - ﴿فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ﴾ " ع "، أو الأربعة لجميع الكفار من كان له عهد، أو لم يكن، أو هي أمان لمن لا عهد له ومن له عهد فأمانه إلى مدة عهده. وأول المدة يوم الحج الأكبر يوم النحر إلى انقضاء العاشر من ربيع الآخر، او شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، أو أولها يوم العشرين من ذي القعدة وآخرها يوم العشرين من ربيع الأول لأن الحج وقع تلك السنة في ذلك اليوم من ذي القعدة لأجل النسئ وكان الرسول [صلى الله عليه وسلم] قد أقره حتى نزل تحريم النسئ، فقال " ألا إن الزمان قد استدار ".
6
﴿وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله برىءٌ من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزى الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم إلا الذين عهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئاً ولم يظهروا عليكم أحداً فأتمّوا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين﴾
7
٣ - ﴿وأذان﴾ قصص، أونداء بالأمن يسمع بالأذن، أو إعلام عند الكافة. ﴿يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ﴾ يوم عرفة خطب فيه الرسول [صلى الله عليه وسلم] وقال: " هذا يوم الحج الأكبر "، أو يوم النحر، وهو مروي عن الرسول [صلى الله عليه وسلم] أو أيام الحج كلها كيوم صفين ويوم الجمل عبَّر باليوم عن الأيام ﴿الأَكْبَرِ﴾ القِرآن والأصغر الإفراد، أو الأكبر الحج والأصغر العمرة، أو سمي به لأنه اجتمع فيه حج
7
المسلمين والمشركين ووافق عيد اليهود والنصارى، قاله الحسن - رضي الله تعالى عنه -. ﴿فَإِذَا انسَلَخَ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصدٍ فإن تابوا وأقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفورٌ رحيم﴾
8
٥ - ﴿فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ﴾ رجب وذو القعده وذو الحجة والمحرم عند الجمهور، أو أشهر السياحة عشرون من ذي الحجة إلى العشر من ربيع الآخر، قاله الحسن - رضي الله عنه ﴿وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ في حل أو حرم، أو في أشهر الحرم وغيرها. ﴿وَخُذُوهُمْ﴾ الواو بمعنى " أو " خذوهم أو تقديره: " فخذوا المشركين حيث وجدتموهم واقتلوهم " مقدم ومؤخر. ﴿وَاحْصُرُوهُمْ﴾ بالاسترقاق، أو بالفداء. ﴿كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ اطلبوهم في كل مكان، فالقتل إذا وجدوا والطلب إذا بعدوا، أو افعلوا بهم كل ما أرصده الله لهم من قتل أو استرقاق أو مَنٍّ، أو فداء. ﴿تَابُواْ﴾ أسلموا ﴿وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ﴾ / أدّوها، أو اعترفوا بها ﴿وآتوا الزَّكَاةَ﴾ اعترفوا بها لا غير إذ لا يُقتل تاركها لا بل تُؤخذ منه قهراً. ﴿وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون﴾
٦ - ﴿اسْتَجَارَكَ﴾ استعانك، أو استأمنك. ﴿كَلامَ اللَّهِ﴾ القرآن كله، أو براءة خاصة ليعرف ما فيها من أحكام العهد والسيرة مع الكفار. ﴿كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين﴾.
٧ - ﴿الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ﴾ خزاعة، أو بنو ضمرة، أو قريش " ع "، أو قوم من بكر بن كنانة. ﴿فَمَا اسْتَقَامُواْ﴾ دُوموا على عهدهم ما داموا عليه. ﴿كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمّة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون اشتروا بئايت الله ثمناً قليلاً فصدّوا عن سبيله إنّهم ساء ما كانوا يعملون لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمةً وأولئك هم المعتدون﴾. ﴿يَظْهَرُواْ﴾ يقووا عليكم بالظفر. ﴿لا يَرْقُبُواْ﴾ لا يخافوا، أو لا يراعوا ﴿إِلاَّ﴾ عهداً أو قرابة، قال: فأقسم إنَّ إلَّكَ من قريش. أو جواراً، أو يميناً، أو هو اسم لله عز وجل. ﴿ذِمَّةً﴾ عهداً، أو جواراً، أو التذمم ممن لا عهد له. ﴿وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾ بنقض العهد، أو فاسق في دينه وإن كان دينهم فسقاً.
﴿ يظهروا ﴾ يقووا عليكم بالظفر. ﴿ لا يرقبوا ﴾ لا يخافوا، أو لا يراعوا ﴿ إلاّ ﴾ عهدا أو قرابة، قال :
فأقسم إنّ إلك من قريش.
أو جواراً، أو يميناً، أو هو اسم لله عز وجل. ﴿ ذمة ﴾ عهداً، أو جواراً، أو التذمم ممن لا عهد له. ﴿ وأكثرهم فاسقون ﴾ بنقض العهد، أو فاسق في دينه وإن كان دينهم فسقاً.
فأقسم إنّ إلك من قريش.
أو جواراً، أو يميناً، أو هو اسم لله عز وجل. ﴿ ذمة ﴾ عهداً، أو جواراً، أو التذمم ممن لا عهد له. ﴿ وأكثرهم فاسقون ﴾ بنقض العهد، أو فاسق في دينه وإن كان دينهم فسقاً.
٩ - ﴿بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ دلائله وحججه، أو التوراة التي فيها صفة الرسول [صلى الله عليه وسلم]
9
﴿قَلِيلاً﴾، لأنه حرام، أو لأنه من عرض الدنيا وبقاؤها قليل نزلت في الأعراب الذين جمعهم أبو سفيان على طعامه، أو في قوم من اليهود عاهدوا ثم نقضوا. ﴿فإن تابوا وأقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة فإخوانكم في الدّين ونفصّل الآيات لقوم يعلمون وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلّهم ينتهون﴾.
10
١٢ - ﴿نكثوا أيمانهم﴾ نقضوا العهد الذي عقدوه بأيمانهم. ﴿أَئِمَّةَ الْكُفْرِ﴾ رؤساء المشركين، أو زعماء قريش " ع "، أو الذين هموا بإخراج الرسول [صلى الله عليه وسلم]. ﴿لآ أَيْمَانَ لَهُمْ﴾ بارة و ﴿لا إيمان﴾ من الأمان، أو التصديق. ﴿ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهمّوا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أوّل مرّة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قومٍ مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجةً والله خبير بما تعملون﴾.
١٦ - ﴿وَلِيجَةً﴾ خيانة، أو بطانة، أو دخولاً في ولاية المشركين، ولج في كذا: دخل فيه. {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك
10
حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون إنما يعمر مساجد الله من ءآمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وءاتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين}
11
١٧ - ﴿يعمروا مسجد الله﴾ بالزيارة والدخول إليه، أو بالكفر، لأن المسجد إنما يعمر بالإيمان. ﴿شَاهِدِينَ﴾ لما دلت أموالهم وأفعالهم على كفرهم تنزل ذلك منزلة شهادتهم على أنفسهم، أو شهدوا على رسولهم بالكفر لأنهم كذبوه وكفروه وهو من أنفسهم، أو إذا سُئل اليهودي ما أنت يقول: يهودي، وكذلك النصارى [و] المشركون وكلهم كفرة وإن لم يقروا بالكفر.
١٨ - ﴿مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ مواضع السجود من المصلي، أو البيوت المتخذة للصلوات. ﴿فَعَسَى أُوْلَئِكَ﴾ كل عسى من الله واجبة " ع "، أو ذكره ليكونوا على خوف ورجاء. ﴿أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن ءامن بالله واليوم الأخر وجاهد في سبيل الله لا يستون عند الله والله لا يهدى القوم الظالمين الذين ءامنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون يبشرهم ربّهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيمٌ مقيم خالدين فيها أبداً إن الله عنده أجرٌ عظيم﴾
١٩ - ﴿سِقَايَةَ الْحَآجَّ وَعِمَارَةَ الْمسجِدِ﴾ بسدانته والقيام به، لما فضلت قريش ذلك على الإيمان بالله - تعالى - نزلت أو نزلت في العباس صاحب السقاية، وشيبة بن عثمان صاحب السدانة وحاجب الكعبة، لما أُسرا ببدر عيرهما المهاجرون بالكفر والإقامة بمكة فقالا نحن أفضل أجراً منكم بعمارة المسجد وحجب الكعبة وسقي الحاج. ﴿يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا ءاباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون ٢٣ قل إن كان ءاباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال أقترفتموها وتجارةٌ تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبّ إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين ٧﴾
٢٤ - ﴿إن كان آباؤكم﴾ نزلت في قوم أسلموا بمكة ولم يهاجروا ميلاً إلى ما ذكر في هذه الآية. ﴿اقْتَرَفْتُمُوهَا﴾ اكتسبتموها. ﴿وَتِجَارَةٌ﴾ أموال التجارة
12
تكسد سوقها وينقص سعرها، أو البنات الأيامى يكسدن على أبائهن فلا يخطبن. ﴿بِأَمْرِهِ﴾ بعقوبة عاجلة أو آجلة، أو بفتح مكة. ﴿لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم﴾
13
٢٦ - ﴿سكينة﴾ الوقار، أو الطمأنينة، أو الرحمة. ﴿جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا﴾ الملائكة، أو بتكثيرهم في أعين أعدائهم، وهو محتمل ﴿وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ بالخوف، أو بالقتل والسبي. ﴿يا أيها الذين ءامنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم ٢٨﴾
٢٨ - ﴿نَجَسٌ﴾ نجاسة الأبدان كالكلب والخنزير، قاله عمر بن عبد العزيز والحسن رضي الله تعالى عنهما - وأوجب الوضوء على من صافحهم، أو لأنهم لا يغتسلون من الجنابة فصاروا كالأنجاس، أو عبّر عن
13
اجتنابنا لهم ومنعهم من المساجد بالنجس كما يفعل ذلك بالأنجاس، أو نجاستهم خبث ظواهرهم بالكفر وبواطنهم بالعداوة. ﴿الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ﴾ الحرم كله. ﴿عَامِهِمْ هَذَا﴾ سنة تسع، أو سنة عشر، ويمنع منه الحربي والذمي عند الجمهور، أو يمنعون إلا الذمي والعبد المملوك لمسلم. ﴿عَيْلَةً﴾ فقراً وفاقة، أو ضيعة من يقوته من عياله. ﴿يُغْنِيكُمُ اللَّهُ﴾ تعالى بالمطر في النبات، أو بالجزية المأخوذة منهم، أو عام في كل ما يغني. ﴿قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون﴾
14
٢٩ - ﴿الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ دخل فيه أهل الكتاب وإن آمنوا باليوم الآخر إذ لا يعتد بإيمانهم فصار كالمعدوم، أو ذمهم ذم من لا يؤمن به، ﴿وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ﴾ بنسخه من شرائعهم، أو ما حرمه وأحله لهم. ﴿دِينَ الْحَقِّ﴾ الإسلام عند الجمهور، أو العمل بما في التوراة من اتباع الرسول [صلى الله عليه وسلم] والحق هنا هو الله ﴿مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ﴾ من أبناء الذين أوتوا، أو الذين أوتوه بين أظهرهم. ﴿يُعْطُواْ الْجِزْيَةً﴾ يضمنوها، أو يدفعوها، والجزية مجملة، أو عامة تجري على العموم إلا ما خصه الدليل. ﴿عَن يَدٍ﴾ غنى وقدرة، أو لا يقابلها جزاء، أولنا عليهم يد نأخذها لما فيه من حقن دمائهم، أو يؤدونها بأيديهم دون رسلهم كما يفعل المتكبرون ﴿صَاغِرُونَ﴾ قياماً وآخذها جالس، أو يمشوا بها كارهين " ع " أو أذلاء مقهورين، أو دفعها هو الصغار، أو إجراء أحكام الإسلام عليهم. {وقالت اليهود عزيز ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنّى يؤفكون أتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله
14
والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عمّا يشركون}
15
٣٠ - ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ﴾ لمّا حرق بختنصر التوراة ولم يبق بأيديهم شيء منها ولم يكونوا يحفظونها ساءهم ذلك وسألوا الله ردها فقذفها في قلب عُزير فقرأها عليهم فعرفوا، فلذلك قالوا: إنه ابن الله. وكان ذلك قول جميعهم " ع "، أو قول طائفة من سلفهم، أومن معاصري الرسول [صلى الله عليه وسلم]، فنحاص وحده، أو جماعة سلام بن مشكم ونعمان بن أوفى، وشاس بن قيس، ومالك بن الصيف " ع "، وأضيف إلى جميعهم لمَّا لم ينكروه. ﴿وَقَالَتِ النَّصَارَى﴾ بأجمعهم ﴿الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ﴾ لأنه ولد من غير أب، أو لأنه أحيا الموتى، وأبرأ من الأسقام. ﴿بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ لما لم يكن عليه دليل قيده
15
بأفواههم لا يتجاوزها ﴿يضاهون﴾ يشابهون، والتي لم تحض " ضهياء " لشبهها بالرجل. يضاهون بقولهم عبدة الأوثان في اللات والعزى ومناة وأن [٧٠ / ب] الملائكة / بنات الله، أو ضاهت النصارى بقولهم المسيح ابن الله قول اليهود عُزير ابن الله، أو ضاهوا في تقليد أسلافهم من تقدمهم. ﴿قَاتَلَهُمُ اللَّهُ﴾ لعنهم " ع "، أو قتلهم، أو هو كالمقاتل لهم بما أعده من عذابهم وأبانه من عداوتهم. ﴿يُؤْفَكُونَ﴾ يصرفون عن الحق إلى الإفك وهو الكذب.
16
٣١ - ﴿أحبارهم﴾ جمع حبر، لتحبيره المعاني، وهو التحسين بالبيان عنها، والرهبان: جمع راهب، من رهبة الله وخشيته، وكثر استعماله في نُسَّاك النصارى. ﴿أَرْبَاباً﴾ آلهة يطيعونهم فيما حرموه وأحلوه دون العبادة وهو مروي عن الرسول [صلى الله عليه وسلم]. {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدّين
16
كلّه ولو كره المشركون}
17
٣٢ - ﴿نُورَ اللَّهِ﴾ القرآن والإسلام، أو دلائله التي يُهتدى بها كما يُهتدى بالنور.
٣٣ - ﴿بِالْهُدَى﴾ الهدى: البيان، ﴿وَدِينِ الْحَقِّ﴾ الإسلام، أو كلاهما واحد، أو الهدى: الدليل، ودين الحق المدلول، أو بالهدى إلى دين الحق. ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ عند نزول عيسى ٠ عليه السلام - فلا يعبد الله - تعالى - إلا بالإسلام، أو يطلعه على شرائع الدين كله، أو يظهر دلائله وحججه، أو يرعب المشركين من أهله، أو لما أسلمت قريش انقطعت رحلتاهم إلى الشام واليمن لتباينهم في الدين فذكروا ذلك للرسول [صلى الله عليه وسلم] فنزلت ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ﴾ في الشام واليمن وقد أظهره الله - تعالى - أو الظهور: الاستعلاء، والإسلام أعلى الأديان كلها. ﴿يا أيها الذين ءامنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدّون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون﴾
٣٤ - ﴿بِالْبَاطِلِ﴾ جميع الوجوه المحرمة، أو الرِّشا في الحكم. ﴿يَكْنِزُونَ﴾ الكنز الذي توعد عليه كل ما لم تؤدَّ زكاته مدفوناً أو غير مدفون، أو ما زاد على أربعة آلاف درهم أُديت زكاته أو لم تؤدَّ، والأربعة آلاف فما دونها
17
ليست بكنز، قاله علي رضي الله تعالى عنه، أو ما فضل من المال عن الحاجة، ولما نزلت قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] :" تباً للذهب والفضة، فقال له عمر - رضي الله تعالى عنه -: إن أصحابك قد شق عليهم وقالوا فأي المال نتخذ، فقال: لساناً ذاكراً وقلباً شاكراً، وزوجة مؤمنة تعين أحدكم على دينه، مات رجل من أهل الصُّفة فوجد في مئزره دينار، فقال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : كَيَّة ومات آخر فوجد في مئزره ديناران، فقال كيَّتان. والكنز في اللغة كل مجموع بعضه إلى بعض ظاهراً كان أو مدفوناً، ومنه كنز التمر. ﴿وَلا يُنفِقُونَهَا﴾ الكنوز، أو الفضة اكتفى بذكر أحدهما، قال: