تفسير سورة سورة طه من كتاب الجامع لأحكام القرآن
.
لمؤلفه
القرطبي
.
المتوفي سنة 671 هـ
ﰡ
ﭵ
ﰀ
طه
سُورَة طَه مَكِّيَّة فِي قَوْل الْجَمِيع نَزَلَتْ قَبْل إِسْلَام عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنه عَنْ أَنَس بْن مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ خَرَجَ عُمَر مُتَقَلِّدًا بِسَيْفٍ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ خَتَنك قَدْ صَبَوْا فَأَتَاهُمَا عُمَر وَعِنْدهمَا رَجُل مِنْ الْمُهَاجِرِينَ يُقَال لَهُ خَبَّاب وَكَانُوا يَقْرَءُونَ " طَه " فَقَالَ : أَعْطُونِي الْكِتَاب الَّذِي عِنْدكُمْ فَأَقْرَأهُ وَكَانَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقْرَأ الْكُتُب فَقَالَتْ لَهُ أُخْته إِنَّك رِجْس وَلَا يَمَسّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ فَقُمْ فَاغْتَسِلْ أَوْ تَوَضَّأْ فَقَامَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَتَوَضَّأَ وَأَخَذَ الْكِتَاب فَقَرَأَ " طَه " وَذَكَرَهُ اِبْن إِسْحَاق مُطَوَّلًا فَإِنَّ عُمَر خَرَجَ مُتَوَشِّحًا سَيْفه يُرِيد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَتْله فَلَقِيَهُ نُعَيْم بْن عَبْد اللَّه فَقَالَ أَيْنَ تُرِيد يَا عُمَر ؟ فَقَالَ أُرِيد مُحَمَّدًا هَذَا الصَّابِئ الَّذِي فَرَّقَ أَمْر قُرَيْش وَسَفَّهُ أَحْلَامهَا وَعَابَ دِينهَا وَسَبَّ آلِهَتهَا فَأَقْتُلْهُ فَقَالَ لَهُ نُعَيْم وَاَللَّه لَقَدْ غَرَّتْك نَفْسك مِنْ نَفْسك يَا عُمَر أَتَرَى بَنِي عَبْد مَنَاف تَارِكِيك تَمْشِي عَلَى الْأَرْض وَقَدْ قَتَلْت مُحَمَّدًا ؟ ! أَفَلَا تَرْجِع إِلَى أَهْلك فَتُقِيم أَمْرهمْ ؟ فَقَالَ وَأَيّ أَهْل بَيْتِي ؟ قَالَ خَتَنك وَابْن عَمّك سَعِيد بْن زَيْد وَأُخْتك فَاطِمَة بِنْت الْخَطَّاب فَقَدْ وَاَللَّه أَسْلَمَا وَتَابَعَا مُحَمَّدًا عَلَى دِينه فَعَلَيْك بِهِمَا قَالَ فَرَجَعَ عُمَر عَامِدًا إِلَى أُخْته وَخَتَنه وَعِنْدهمَا خَبَّاب بْن الْأَرَتّ مَعَهُ صَحِيفَة فِيهَا " طَه " يُقْرِئهُمَا إِيَّاهَا فَلَمَّا سَمِعُوا حِسّ عُمَر تَغَيَّبَ خَبَّاب فِي مَخْدَع لَهُمْ أَوْ فِي بَعْض الْبَيْت وَأَخَذَتْ فَاطِمَة بِنْت الْخَطَّاب الصَّحِيفَة فَجَعَلَتْهَا تَحْت فَخِذهَا وَقَدْ سَمِعَ عُمَر حِين دَنَا إِلَى الْبَيْت قِرَاءَة خَبَّاب عَلَيْهِمَا فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ مَا هَذِهِ الْهَيْنَمَة الَّتِي سَمِعْت ؟ قَالَا لَهُ مَا سَمِعْت شَيْئًا قَالَ بَلَى وَاَللَّه لَقَدْ أُخْبِرْت أَنَّكُمَا تَابَعْتُمَا مُحَمَّدًا إِلَى دِينه وَبَطَشَ بِخَتَنِهِ سَعِيد بْن زَيْد فَقَامَتْ إِلَيْهِ أُخْته فَاطِمَة بِنْت الْخَطَّاب لِتَكُفّهُ عَنْ زَوْجهَا فَضَرَبَهَا فَشَجَّهَا فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ قَالَتْ لَهُ أُخْته وَخَتَنه نَعَمْ قَدْ أَسْلَمْنَا وَآمَنَّا بِاَللَّهِ وَرَسُوله فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَك وَلَمَّا رَأَى عُمَر مَا بِأُخْتِهِ مِنْ الدَّم نَدِمَ عَلَى مَا صَنَعَ فَارْعَوَى وَقَالَ لِأُخْتِهِ أَعْطِنِي هَذِهِ الصَّحِيفَة الَّتِي سَمِعْتُكُمْ تَقْرَءُونَهَا آنِفًا أَنْظُر مَا هَذَا الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّد وَكَانَ كَاتِبًا فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ قَالَتْ لَهُ أُخْته إِنَّا نَخْشَاك عَلَيْهَا قَالَ لَهَا لَا تَخَافِي وَحَلَفَ لَهَا بِآلِهَتِهِ لَيَرُدَّنَّهَا إِذَا قَرَأَهَا فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ طَمِعَتْ فِي إِسْلَامه فَقَالَتْ لَهُ يَا أَخِي إِنَّك نَجَس عَلَى شِرْكك وَأَنَّهُ لَا يَمَسّهَا إِلَّا الطَّاهِر فَقَامَ عُمَر وَاغْتَسَلَ فَأَعْطَتْهُ الصَّحِيفَة وَفِيهَا " طَه " فَلَمَّا قَرَأَ مِنْهَا صَدْرًا قَالَ مَا أَحْسَنَ هَذَا الْكَلَام وَأَكْرَمَهُ ! فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ خَبَّاب خَرَجَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ يَا عُمَر
وَاَللَّه إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُون اللَّه خَصَّك بِدَعْوَةِ نَبِيّه فَإِنِّي سَمِعْته أَمْسِ وَهُوَ يَقُول ( اللَّهُمَّ أَيِّدْ الْإِسْلَام بِأَبِي الْحَكَم بْن هِشَام أَوْ الْخَطَّاب ) فَاَللَّه اللَّه يَا عُمَر فَقَالَ لَهُ عِنْد ذَلِكَ فَدُلَّنِي يَا خَبَّاب عَلَى مُحَمَّد حَتَّى آتِيه فَأُسْلِم وَذَكَرَ الْحَدِيث
مَسْأَلَة أَسْنَدَ الدَّارِمِيّ أَبُو مُحَمَّد فِي مُسْنَده عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَرَأَ " طَه " و " يس " قَبْل أَنْ يَخْلُق السَّمَوَات وَالْأَرْض بِأَلْفَيْ عَام فَلَمَّا سَمِعَتْ الْمَلَائِكَة الْقُرْآن قَالَتْ طُوبَى لِأُمَّةٍ يُنَزَّل هَذَا عَلَيْهَا وَطُوبَى لِأَجْوَافٍ تَحْمِل هَذَا وَطُوبَى لِأَلْسِنَةٍ تَتَكَلَّم بِهَذَا ) قَالَ اِبْن فَوْرَك قَوْله ( إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَرَأَ " طَه " و " يس " ) أَيْ أَظْهَرَ وَأَسْمَعَ وَأَفْهَمَ كَلَامه مَنْ أَرَادَ مِنْ خَلْقه الْمَلَائِكَة فِي ذَلِكَ الْوَقْت وَالْعَرَب تَقُول قَرَأْت الشَّيْء إِذَا تَتَبَّعْته وَتَقُول مَا قَرَأَتْ هَذِهِ النَّاقَة فِي رَحِمَهَا سَلًا قَطُّ أَيْ مَا ظَهَرَ فِيهَا وَلَد فَعَلَى هَذَا يَكُون الْكَلَام سَائِغًا وَقَرَأَتْهُ أَسْمَاعه وَأَفْهَامه بِعِبَارَاتٍ يَخْلُقهَا وَكِتَابَة يُحْدِثهَا وَهِيَ مَعْنَى قَوْلنَا قَرَأْنَا كَلَام اللَّه وَمَعْنَى قَوْله " فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآن " [ الْمُزَّمِّل : ٢٠ ] " فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ " [ الْمُزَّمِّل : ٢٠ ] وَمِنْ أَصْحَابنَا مَنْ قَالَ مَعْنَى قَوْله ( قَرَأَ ) أَيْ تَكَلَّمَ بِهِ وَذَلِكَ مَجَاز كَقَوْلِهِمْ ذُقْت هَذَا الْقَوْل ذَوَاقًا بِمَعْنَى اِخْتَبَرْته وَمِنْهُ قَوْله :" فَأَذَاقَهَا اللَّه لِبَاس الْجُوع وَالْخَوْف بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ " [ النَّحْل : ١١٢ ] أَيْ اِبْتَلَاهُمْ اللَّه تَعَالَى بِهِ فَسُمِّيَ ذَلِكَ ذَوْقًا وَالْخَوْف لَا يُذَاق عَلَى الْحَقِيقَة لِأَنَّ الذَّوْق فِي الْحَقِيقَة بِالْفَمِ دُون غَيْره مِنْ الْجَوَارِح قَالَ اِبْن فَوْرَك وَمَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا أَصَحّ فِي تَأْوِيل هَذَا الْخَبَر لِأَنَّ كَلَام اللَّه تَعَالَى أَزَلِيّ قَدِيم سَابِق لِجُمْلَةِ الْحَوَادِث وَإِنَّمَا أَسْمَعَ وَأَفْهَمَ مَنْ أَرَادَ مِنْ خَلْقه عَلَى مَا أَرَادَ فِي الْأَوْقَات وَالْأَزْمِنَة لَا أَنَّ عَيْن كَلَامه يَتَعَلَّق وُجُوده بِمُدَّةٍ وَزَمَان
" طَه " اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ هُوَ مِنْ الْأَسْرَار ذَكَرَهُ الْغَزْنَوِيّ اِبْن عَبَّاس مَعْنَاهُ يَا رَجُل ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيّ وَقِيلَ إِنَّهَا لُغَة مَعْرُوفَة فِي عُكْل.
وَقِيلَ فِي عَكّ قَالَ الْكَلْبِيّ : لَوْ قُلْت فِي عَكّ لِرَجُلٍ يَا رَجُل لَمْ يُجِبْ حَتَّى تَقُول طَه وَأَنْشَدَ الطَّبَرِيّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ
وَيُرْوَى مُزَايِلَا وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر يَا حَبِيبِي بِلُغَةِ عَكّ ذَكَرَهُ الْغَزْنَوِيّ وَقَالَ قُطْرُب هُوَ بِلُغَةِ طَيِّء وَأَنْشَدَ لِيَزِيدَ بْن الْمُهَلْهِل
مَسْأَلَة أَسْنَدَ الدَّارِمِيّ أَبُو مُحَمَّد فِي مُسْنَده عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَرَأَ " طَه " و " يس " قَبْل أَنْ يَخْلُق السَّمَوَات وَالْأَرْض بِأَلْفَيْ عَام فَلَمَّا سَمِعَتْ الْمَلَائِكَة الْقُرْآن قَالَتْ طُوبَى لِأُمَّةٍ يُنَزَّل هَذَا عَلَيْهَا وَطُوبَى لِأَجْوَافٍ تَحْمِل هَذَا وَطُوبَى لِأَلْسِنَةٍ تَتَكَلَّم بِهَذَا ) قَالَ اِبْن فَوْرَك قَوْله ( إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَرَأَ " طَه " و " يس " ) أَيْ أَظْهَرَ وَأَسْمَعَ وَأَفْهَمَ كَلَامه مَنْ أَرَادَ مِنْ خَلْقه الْمَلَائِكَة فِي ذَلِكَ الْوَقْت وَالْعَرَب تَقُول قَرَأْت الشَّيْء إِذَا تَتَبَّعْته وَتَقُول مَا قَرَأَتْ هَذِهِ النَّاقَة فِي رَحِمَهَا سَلًا قَطُّ أَيْ مَا ظَهَرَ فِيهَا وَلَد فَعَلَى هَذَا يَكُون الْكَلَام سَائِغًا وَقَرَأَتْهُ أَسْمَاعه وَأَفْهَامه بِعِبَارَاتٍ يَخْلُقهَا وَكِتَابَة يُحْدِثهَا وَهِيَ مَعْنَى قَوْلنَا قَرَأْنَا كَلَام اللَّه وَمَعْنَى قَوْله " فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآن " [ الْمُزَّمِّل : ٢٠ ] " فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ " [ الْمُزَّمِّل : ٢٠ ] وَمِنْ أَصْحَابنَا مَنْ قَالَ مَعْنَى قَوْله ( قَرَأَ ) أَيْ تَكَلَّمَ بِهِ وَذَلِكَ مَجَاز كَقَوْلِهِمْ ذُقْت هَذَا الْقَوْل ذَوَاقًا بِمَعْنَى اِخْتَبَرْته وَمِنْهُ قَوْله :" فَأَذَاقَهَا اللَّه لِبَاس الْجُوع وَالْخَوْف بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ " [ النَّحْل : ١١٢ ] أَيْ اِبْتَلَاهُمْ اللَّه تَعَالَى بِهِ فَسُمِّيَ ذَلِكَ ذَوْقًا وَالْخَوْف لَا يُذَاق عَلَى الْحَقِيقَة لِأَنَّ الذَّوْق فِي الْحَقِيقَة بِالْفَمِ دُون غَيْره مِنْ الْجَوَارِح قَالَ اِبْن فَوْرَك وَمَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا أَصَحّ فِي تَأْوِيل هَذَا الْخَبَر لِأَنَّ كَلَام اللَّه تَعَالَى أَزَلِيّ قَدِيم سَابِق لِجُمْلَةِ الْحَوَادِث وَإِنَّمَا أَسْمَعَ وَأَفْهَمَ مَنْ أَرَادَ مِنْ خَلْقه عَلَى مَا أَرَادَ فِي الْأَوْقَات وَالْأَزْمِنَة لَا أَنَّ عَيْن كَلَامه يَتَعَلَّق وُجُوده بِمُدَّةٍ وَزَمَان
" طَه " اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ هُوَ مِنْ الْأَسْرَار ذَكَرَهُ الْغَزْنَوِيّ اِبْن عَبَّاس مَعْنَاهُ يَا رَجُل ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيّ وَقِيلَ إِنَّهَا لُغَة مَعْرُوفَة فِي عُكْل.
وَقِيلَ فِي عَكّ قَالَ الْكَلْبِيّ : لَوْ قُلْت فِي عَكّ لِرَجُلٍ يَا رَجُل لَمْ يُجِبْ حَتَّى تَقُول طَه وَأَنْشَدَ الطَّبَرِيّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ
دَعَوْت بِطَه فِي الْقِتَال فَلَمْ يُجِبْ | فَخِفْت عَلَيْهِ أَنْ يَكُون مُوَائِلَا |
إِنَّ السَّفَاهَة طَه مِنْ شَمَائِلكُمْ | لَا بَارَكَ اللَّه فِي الْقَوْم الْمَلَاعِين |
إِنَّ السَّفَاهَة طَه مِنْ خَلَائِقكُمْ | لَا قَدَّسَ اللَّه أَرْوَاح الْمَلَاعِين |
الزَّمَخْشَرِيّ وَعَنْ الْحَسَن " طَهْ " وَفُسِّرَ بِأَنَّهُ أُمِرَ بِالْوَطْءِ وَأَنَّ النَّبِيّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يَقُوم فِي تَهَجُّده عَلَى إِحْدَى رِجْلَيْهِ فَأُمِرَ أَنْ يَطَأ الْأَرْض بِقَدَمَيْهِ مَعًا وَأَنَّ الْأَصْل طَأْ فَقُلِبَتْ هَمْزَته هَاء كَمَا قُلِبَتْ [ أَلِفًا ] فِي ( يَطَأ ) فِيمَنْ قَالَ
لَا هَنَاكِ الْمَرْتَع
ثُمَّ بَنَى عَلَيْهِ هَذَا الْأَمْر وَالْهَاء لِلسَّكْتِ وَقَالَ مُجَاهِد كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه يَرْبُطُونَ الْحِبَال فِي صُدُورهمْ فِي الصَّلَاة بِاللَّيْلِ مِنْ طُول الْقِيَام ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْفَرْضِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة وَقَالَ الْكَلْبِيّ : لَمَّا نَزَلَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْي بِمَكَّة اِجْتَهَدَ فِي الْعِبَادَة وَاشْتَدَّتْ عِبَادَته، فَجَعَلَ يُصَلِّي اللَّيْل كُلّه زَمَانًا حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فَأَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى أَنْ يُخَفِّف عَنْ نَفْسه فَيُصَلِّي وَيَنَام، فَنَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَة قِيَام اللَّيْل فَكَانَ بَعْد هَذِهِ الْآيَة يُصَلِّي وَيَنَام وَقَالَ مُقَاتِل وَالضَّحَّاك فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآن عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ هُوَ وَأَصْحَابه فَصَلَّوْا فَقَالَ كُفَّار قُرَيْش مَا أَنْزَلَ اللَّه هَذَا الْقُرْآن عَلَى مُحَمَّد إِلَّا لِيَشْقَى فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى " طَه " يَقُول : رَجُل " مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لِتَشْقَى " أَيْ لِتَتْعَب ; عَلَى مَا يَأْتِي وَعَلَى هَذَا الْقَوْل إِنَّ " طَه " ( طَاهَا ) أَيْ طَإِ الْأَرْض فَتَكُون الْهَاء وَالْأَلِف ضَمِير الْأَرْض أَيْ طَإِ الْأَرْض بِرِجْلَيْك فِي صَلَوَاتك وَخُفِّفَتْ الْهَمْزَة فَصَارَتْ أَلِفًا سَاكِنَة وَقَرَأَتْ طَائِفَة " طَهْ " وَأَصْله طَأْ بِمَعْنَى طَإِ الْأَرْض فَحُذِفَتْ الْهَمْزَة وَأُدْخِلَتْ هَاء السَّكْت وَقَالَ زِرّ بْن حُبَيْش قَرَأَ رَجُل عَلَى عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود " طَهَ، مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لِتَشْقَى " فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّه " طِهِ " فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَن أَلَيْسَ قَدْ أُمِرَ أَنْ يَطَأ الْأَرْض بِرِجْلِهِ أَوْ بِقَدَمَيْهِ فَقَالَ " طِهِ " كَذَلِكَ أَقْرَأَنِيهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمَالَ أَبُو عَمْرو وَأَبُو إِسْحَاق الْهَاء وَفَتَحَا الطَّاء وَأَمَالَهُمَا جَمِيعًا أَبُو بَكْر وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَالْأَعْمَش وَقَرَأَهُمَا أَبُو جَعْفَر وَشَيْبَة وَنَافِع بَيْن اللَّفْظَيْنِ وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد.
الْبَاقُونَ بِالتَّفْخِيمِ قَالَ الثَّعْلَبِيّ وَهِيَ كُلّهَا لُغَات صَحِيحَة النَّحَّاس لَا وَجْه لِلْإِمَالَةِ عِنْد أَكْثَر أَهْل الْعَرَبِيَّة لِعِلَّتَيْنِ إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا يَاء وَلَا كَسْرَة فَتَكُون الْإِمَالَة وَالْعِلَّة الْأُخْرَى أَنَّ الطَّاء مِنْ الْحُرُوف الْمَوَانِع لِلْإِمَالَةِ فَهَاتَانِ عِلَّتَانِ بَيِّنَتَانِ.
لَا هَنَاكِ الْمَرْتَع
ثُمَّ بَنَى عَلَيْهِ هَذَا الْأَمْر وَالْهَاء لِلسَّكْتِ وَقَالَ مُجَاهِد كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه يَرْبُطُونَ الْحِبَال فِي صُدُورهمْ فِي الصَّلَاة بِاللَّيْلِ مِنْ طُول الْقِيَام ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْفَرْضِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة وَقَالَ الْكَلْبِيّ : لَمَّا نَزَلَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْي بِمَكَّة اِجْتَهَدَ فِي الْعِبَادَة وَاشْتَدَّتْ عِبَادَته، فَجَعَلَ يُصَلِّي اللَّيْل كُلّه زَمَانًا حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فَأَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى أَنْ يُخَفِّف عَنْ نَفْسه فَيُصَلِّي وَيَنَام، فَنَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَة قِيَام اللَّيْل فَكَانَ بَعْد هَذِهِ الْآيَة يُصَلِّي وَيَنَام وَقَالَ مُقَاتِل وَالضَّحَّاك فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآن عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ هُوَ وَأَصْحَابه فَصَلَّوْا فَقَالَ كُفَّار قُرَيْش مَا أَنْزَلَ اللَّه هَذَا الْقُرْآن عَلَى مُحَمَّد إِلَّا لِيَشْقَى فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى " طَه " يَقُول : رَجُل " مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لِتَشْقَى " أَيْ لِتَتْعَب ; عَلَى مَا يَأْتِي وَعَلَى هَذَا الْقَوْل إِنَّ " طَه " ( طَاهَا ) أَيْ طَإِ الْأَرْض فَتَكُون الْهَاء وَالْأَلِف ضَمِير الْأَرْض أَيْ طَإِ الْأَرْض بِرِجْلَيْك فِي صَلَوَاتك وَخُفِّفَتْ الْهَمْزَة فَصَارَتْ أَلِفًا سَاكِنَة وَقَرَأَتْ طَائِفَة " طَهْ " وَأَصْله طَأْ بِمَعْنَى طَإِ الْأَرْض فَحُذِفَتْ الْهَمْزَة وَأُدْخِلَتْ هَاء السَّكْت وَقَالَ زِرّ بْن حُبَيْش قَرَأَ رَجُل عَلَى عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود " طَهَ، مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لِتَشْقَى " فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّه " طِهِ " فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَن أَلَيْسَ قَدْ أُمِرَ أَنْ يَطَأ الْأَرْض بِرِجْلِهِ أَوْ بِقَدَمَيْهِ فَقَالَ " طِهِ " كَذَلِكَ أَقْرَأَنِيهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمَالَ أَبُو عَمْرو وَأَبُو إِسْحَاق الْهَاء وَفَتَحَا الطَّاء وَأَمَالَهُمَا جَمِيعًا أَبُو بَكْر وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَالْأَعْمَش وَقَرَأَهُمَا أَبُو جَعْفَر وَشَيْبَة وَنَافِع بَيْن اللَّفْظَيْنِ وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد.
الْبَاقُونَ بِالتَّفْخِيمِ قَالَ الثَّعْلَبِيّ وَهِيَ كُلّهَا لُغَات صَحِيحَة النَّحَّاس لَا وَجْه لِلْإِمَالَةِ عِنْد أَكْثَر أَهْل الْعَرَبِيَّة لِعِلَّتَيْنِ إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا يَاء وَلَا كَسْرَة فَتَكُون الْإِمَالَة وَالْعِلَّة الْأُخْرَى أَنَّ الطَّاء مِنْ الْحُرُوف الْمَوَانِع لِلْإِمَالَةِ فَهَاتَانِ عِلَّتَانِ بَيِّنَتَانِ.
مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى
قَوْله تَعَالَى " مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لِتَشْقَى " وَقُرِئَ " مَا نُزِّلَ عَلَيْك الْقُرْآن لِتَشْقَى " قَالَ النَّحَّاس بَعْض النَّحْوِيِّينَ يَقُول هَذِهِ لَام النَّفْي وَبَعْضهمْ يَقُول لَام الْجُحُود وَقَالَ أَبُو جَعْفَر وَسَمِعْت أَبَا الْحَسَن بْن كَيْسَان يَقُول إِنَّهَا لَام الْخَفْض وَالْمَعْنَى مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لِلشَّقَاءِ وَالشَّقَاء يُمَدّ وَيُقْصَر وَهُوَ مِنْ ذَوَات الْوَاو وَأَصْل الشَّقَاء فِي اللُّغَة الْعَنَاء وَالتَّعَب أَيْ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لِتَتْعَب قَالَ الشَّاعِر
فَمَعْنَى لِتَشْقَى " لِتَتْعَب " بِفَرْطِ تَأَسُّفك عَلَيْهِمْ وَعَلَى كُفْرهمْ وَتَحَسُّرك عَلَى أَنْ يُؤْمِنُوا كَقَوْلِهِ تَعَالَى " فَلَعَلَّك بَاخِع نَفْسك عَلَى آثَارهمْ " [ الْكَهْف : ٦ ] أَيْ مَا عَلَيْك إِلَّا أَنْ تُبَلِّغ وَتُذَكِّر وَلَمْ يُكْتَب عَلَيْك أَنْ يُؤْمِنُوا لَا مَحَالَة بَعْد أَنْ لَمْ تُفَرِّط فِي أَدَاء الرِّسَالَة وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا جَهْل لَعَنَهُ اللَّه تَعَالَى وَالنَّضْر بْن الْحَارِث قَالَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّك شَقِيّ لِأَنَّك تَرَكْت دِين آبَائِك فَأُرِيدَ رَدّ ذَلِكَ بِأَنَّ دِين الْإِسْلَام وَهَذَا الْقُرْآن هُوَ السُّلَّم إِلَى نَيْل كُلّ فَوْز وَالسَّبَب فِي دَرْك كُلّ سَعَادَة وَمَا فِيهِ الْكَفَرَة هُوَ الشَّقَاوَة بِعَيْنِهَا وَعَلَى الْأَقْوَال الْمُتَقَدِّمَة أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام صَلَّى بِاللَّيْلِ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل أَبْقِ عَلَى نَفْسك فَإِنَّ لَهَا عَلَيْك حَقًّا أَيْ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لِتُنْهِك نَفْسك فِي الْعِبَادَة وَتُذِيقهَا الْمَشَقَّة الْفَادِحَة وَمَا بُعِثْت إِلَّا بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَة
قَوْله تَعَالَى " مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لِتَشْقَى " وَقُرِئَ " مَا نُزِّلَ عَلَيْك الْقُرْآن لِتَشْقَى " قَالَ النَّحَّاس بَعْض النَّحْوِيِّينَ يَقُول هَذِهِ لَام النَّفْي وَبَعْضهمْ يَقُول لَام الْجُحُود وَقَالَ أَبُو جَعْفَر وَسَمِعْت أَبَا الْحَسَن بْن كَيْسَان يَقُول إِنَّهَا لَام الْخَفْض وَالْمَعْنَى مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لِلشَّقَاءِ وَالشَّقَاء يُمَدّ وَيُقْصَر وَهُوَ مِنْ ذَوَات الْوَاو وَأَصْل الشَّقَاء فِي اللُّغَة الْعَنَاء وَالتَّعَب أَيْ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لِتَتْعَب قَالَ الشَّاعِر
ذُو الْعَقْل يَشْقَى فِي النَّعِيم بِعَقْلِهِ | وَأَخُو الْجَهَالَة فِي الشَّقَاوَة يَنْعَم |
إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى
قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج هُوَ بَدَل مِنْ " تَشْقَى " أَيْ مَا أَنْزَلْنَاهُ إِلَّا تَذْكِرَة.
النَّحَّاس وَهَذَا وَجْه بَعِيد وَأَنْكَرَهُ أَبُو عَلِيّ مِنْ أَجْل أَنَّ التَّذْكِرَة لَيْسَتْ بِشَقَاءٍ وَإِنَّمَا هُوَ مَنْصُوب عَلَى الْمَصْدَر أَيْ أَنْزَلْنَاهُ لِتُذَكِّر بِهِ تَذْكِرَة أَوْ عَلَى الْمَفْعُول مِنْ أَجْله أَيْ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لِتَشْقَى بِهِ مَا أَنْزَلْنَاهُ إِلَّا لِلتَّذْكِرَةِ وَقَالَ الْحَسَن بْن الْفَضْل فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير مَجَازه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن إِلَّا تَذْكِرَة لِمَنْ يَخْشَى وَلِئَلَّا تَشْقَى.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج هُوَ بَدَل مِنْ " تَشْقَى " أَيْ مَا أَنْزَلْنَاهُ إِلَّا تَذْكِرَة.
النَّحَّاس وَهَذَا وَجْه بَعِيد وَأَنْكَرَهُ أَبُو عَلِيّ مِنْ أَجْل أَنَّ التَّذْكِرَة لَيْسَتْ بِشَقَاءٍ وَإِنَّمَا هُوَ مَنْصُوب عَلَى الْمَصْدَر أَيْ أَنْزَلْنَاهُ لِتُذَكِّر بِهِ تَذْكِرَة أَوْ عَلَى الْمَفْعُول مِنْ أَجْله أَيْ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لِتَشْقَى بِهِ مَا أَنْزَلْنَاهُ إِلَّا لِلتَّذْكِرَةِ وَقَالَ الْحَسَن بْن الْفَضْل فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير مَجَازه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن إِلَّا تَذْكِرَة لِمَنْ يَخْشَى وَلِئَلَّا تَشْقَى.
تَنْزِيلًا
مَصْدَر أَيْ نَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا وَقِيلَ بَدَل مِنْ قَوْله " تَذْكِرَة " وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَة الشَّامِيّ " تَنْزِيل " بِالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى هَذَا تَنْزِيل
مَصْدَر أَيْ نَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا وَقِيلَ بَدَل مِنْ قَوْله " تَذْكِرَة " وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَة الشَّامِيّ " تَنْزِيل " بِالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى هَذَا تَنْزِيل
مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا
أَيْ الْعَالِيَة الرَّفِيعَة وَهِيَ جَمْع الْعُلْيَا كَقَوْلِ كُبْرَى وَصُغْرَى وَكُبَر وَصُغَر أَخْبَرَ عَنْ عَظَمَته وَجَبَرُوته وَجَلَاله
أَيْ الْعَالِيَة الرَّفِيعَة وَهِيَ جَمْع الْعُلْيَا كَقَوْلِ كُبْرَى وَصُغْرَى وَكُبَر وَصُغَر أَخْبَرَ عَنْ عَظَمَته وَجَبَرُوته وَجَلَاله
الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى
وَيَجُوز النَّصْب عَلَى الْمَدْح قَالَ أَبُو إِسْحَاق الْخَفْض عَلَى الْبَدَل وَقَالَ سَعِيد بْن مَسْعَدَة الرَّفْع بِمَعْنَى هُوَ الرَّحْمَن.
النَّحَّاس يَجُوز الرَّفْع بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر " لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض " فَلَا يُوقَف عَلَى " اِسْتَوَى " وَعَلَى الْبَدَل مِنْ الْمُضْمَر فِي " خَلَقَ " فَيَجُوز الْوَقْف عَلَى " اِسْتَوَى " وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ خَبَر اِبْتِدَاء مَحْذُوف وَلَا يُوقَف عَلَى " الْعُلَا " وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِي مَعْنَى الِاسْتِوَاء " فِي الْأَعْرَاف " وَاَلَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو الْحَسَن وَغَيْره أَنَّهُ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشه بِغَيْرِ حَدّ وَلَا كَيْفَ كَمَا يَكُون اِسْتِوَاء الْمَخْلُوقِينَ وَقَالَ اِبْن عَبَّاس يُرِيد خَلَقَ مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَبَعْد الْقِيَامَة
وَيَجُوز النَّصْب عَلَى الْمَدْح قَالَ أَبُو إِسْحَاق الْخَفْض عَلَى الْبَدَل وَقَالَ سَعِيد بْن مَسْعَدَة الرَّفْع بِمَعْنَى هُوَ الرَّحْمَن.
النَّحَّاس يَجُوز الرَّفْع بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر " لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض " فَلَا يُوقَف عَلَى " اِسْتَوَى " وَعَلَى الْبَدَل مِنْ الْمُضْمَر فِي " خَلَقَ " فَيَجُوز الْوَقْف عَلَى " اِسْتَوَى " وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ خَبَر اِبْتِدَاء مَحْذُوف وَلَا يُوقَف عَلَى " الْعُلَا " وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِي مَعْنَى الِاسْتِوَاء " فِي الْأَعْرَاف " وَاَلَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو الْحَسَن وَغَيْره أَنَّهُ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشه بِغَيْرِ حَدّ وَلَا كَيْفَ كَمَا يَكُون اِسْتِوَاء الْمَخْلُوقِينَ وَقَالَ اِبْن عَبَّاس يُرِيد خَلَقَ مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَبَعْد الْقِيَامَة
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى
يُرِيد مَا تَحْت الصَّخْرَة الَّتِي لَا يَعْلَم مَا تَحْتهَا إِلَّا اللَّه تَعَالَى وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب يَعْنِي الْأَرْض السَّابِعَة اِبْن عَبَّاس الْأَرْض عَلَى نُون وَالنُّون عَلَى الْبَحْر وَأَنَّ طَرَفَيْ النُّون رَأْسه وَذَنَبه يَلْتَقِيَانِ تَحْت الْعَرْش وَالْبَحْر عَلَى صَخْرَة خَضْرَاء السَّمَاء مِنْهَا وَهِيَ الَّتِي قَالَ اللَّه تَعَالَى فِيهَا " فَتَكُنْ فِي صَخْرَة أَوْ فِي السَّمَوَات أَوْ فِي الْأَرْض " [ لُقْمَان : ١٦ ] وَالصَّخْرَة عَلَى قَرْن ثَوْر وَالثَّوْر عَلَى الثَّرَى وَمَا يَعْلَم مَا تَحْت الثَّرَى إِلَّا اللَّه تَعَالَى وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه عَلَى وَجْه الْأَرْض سَبْعَة أَبْحُر وَالْأَرَضُونَ سَبْع بَيْن كُلّ أَرَضِينَ بَحْر فَالْبَحْر الْأَسْفَل مُطْبِق عَلَى شَفِير جَهَنَّم وَلَوْلَا عِظَمه وَكَثْرَة مَائِهِ وَبَرْده لَأَحْرَقَتْ جَهَنَّم كُلّ مَنْ عَلَيْهَا قَالَ وَجَهَنَّم عَلَى مَتْن الرِّيح وَمَتْن الرِّيح عَلَى حِجَاب مِنْ الظُّلْمَة لَا يَعْلَم عِظَمه إِلَّا اللَّه تَعَالَى وَذَلِكَ الْحِجَاب عَلَى الثَّرَى وَإِلَى الثَّرَى اِنْتَهَى عِلْم الْخَلَائِق
يُرِيد مَا تَحْت الصَّخْرَة الَّتِي لَا يَعْلَم مَا تَحْتهَا إِلَّا اللَّه تَعَالَى وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب يَعْنِي الْأَرْض السَّابِعَة اِبْن عَبَّاس الْأَرْض عَلَى نُون وَالنُّون عَلَى الْبَحْر وَأَنَّ طَرَفَيْ النُّون رَأْسه وَذَنَبه يَلْتَقِيَانِ تَحْت الْعَرْش وَالْبَحْر عَلَى صَخْرَة خَضْرَاء السَّمَاء مِنْهَا وَهِيَ الَّتِي قَالَ اللَّه تَعَالَى فِيهَا " فَتَكُنْ فِي صَخْرَة أَوْ فِي السَّمَوَات أَوْ فِي الْأَرْض " [ لُقْمَان : ١٦ ] وَالصَّخْرَة عَلَى قَرْن ثَوْر وَالثَّوْر عَلَى الثَّرَى وَمَا يَعْلَم مَا تَحْت الثَّرَى إِلَّا اللَّه تَعَالَى وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه عَلَى وَجْه الْأَرْض سَبْعَة أَبْحُر وَالْأَرَضُونَ سَبْع بَيْن كُلّ أَرَضِينَ بَحْر فَالْبَحْر الْأَسْفَل مُطْبِق عَلَى شَفِير جَهَنَّم وَلَوْلَا عِظَمه وَكَثْرَة مَائِهِ وَبَرْده لَأَحْرَقَتْ جَهَنَّم كُلّ مَنْ عَلَيْهَا قَالَ وَجَهَنَّم عَلَى مَتْن الرِّيح وَمَتْن الرِّيح عَلَى حِجَاب مِنْ الظُّلْمَة لَا يَعْلَم عِظَمه إِلَّا اللَّه تَعَالَى وَذَلِكَ الْحِجَاب عَلَى الثَّرَى وَإِلَى الثَّرَى اِنْتَهَى عِلْم الْخَلَائِق
وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى
قَالَ اِبْن عَبَّاس السِّرّ مَا حَدَّثَ بِهِ الْإِنْسَان غَيْره فِي خَفَاء وَأَخْفَى مِنْهُ مَا أَضْمَرَ فِي نَفْسه مِمَّا لَمْ يُحَدِّث بِهِ غَيْره وَعَنْهُ أَيْضًا السِّرّ حَدِيث نَفْسك وَأَخْفَى مِنْ السِّرّ مَا سَتُحَدِّثُ بِهِ نَفْسك مِمَّا لَمْ يَكُنْ وَهُوَ كَائِن أَنْتَ تَعْلَم مَا تُسِرّ بِهِ نَفْسك الْيَوْم وَلَا تَعْلَم مَا تُسِرّ بِهِ غَدًا وَاَللَّه يَعْلَم مَا أَسْرَرْت الْيَوْم وَمَا تُسِرّهُ غَدًا وَالْمَعْنَى اللَّه يَعْلَم السِّرّ وَأَخْفَى مِنْ السِّرّ وَقَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا " السِّرّ " مَا أَسَرَّ اِبْن آدَم فِي نَفْسه " وَأَخْفَى " مَا خَفِيَ عَلَى اِبْن آدَم مِمَّا هُوَ فَاعِله وَهُوَ لَا يَعْلَمهُ فَاَللَّه تَعَالَى يَعْلَم ذَلِكَ كُلّه وَعِلْمه فِيمَا مَضَى مِنْ ذَلِكَ وَمَا يُسْتَقْبَل عِلْم وَاحِد وَجَمِيع الْخَلَائِق فِي عِلْمه كَنَفْسٍ وَاحِدَة وَقَالَ قَتَادَة وَغَيْره " السِّرّ " مَا أَضْمَرَهُ الْإِنْسَان فِي نَفْسه " وَأَخْفَى " مِنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ وَلَا أَضْمَرَهُ أَحَد وَقَالَ اِبْن زَيْد " السِّرّ " مِنْ الْخَلَائِق " وَأَخْفَى " مِنْهُ سِرّه عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الطَّبَرِيّ وَقَالَ إِنَّ الَّذِي " أَخْفَى " مَا لَيْسَ فِي سِرّ الْإِنْسَان وَسَيَكُونُ فِي نَفْسه كَمَا قَالَ اِبْن عَبَّاس
قَالَ اِبْن عَبَّاس السِّرّ مَا حَدَّثَ بِهِ الْإِنْسَان غَيْره فِي خَفَاء وَأَخْفَى مِنْهُ مَا أَضْمَرَ فِي نَفْسه مِمَّا لَمْ يُحَدِّث بِهِ غَيْره وَعَنْهُ أَيْضًا السِّرّ حَدِيث نَفْسك وَأَخْفَى مِنْ السِّرّ مَا سَتُحَدِّثُ بِهِ نَفْسك مِمَّا لَمْ يَكُنْ وَهُوَ كَائِن أَنْتَ تَعْلَم مَا تُسِرّ بِهِ نَفْسك الْيَوْم وَلَا تَعْلَم مَا تُسِرّ بِهِ غَدًا وَاَللَّه يَعْلَم مَا أَسْرَرْت الْيَوْم وَمَا تُسِرّهُ غَدًا وَالْمَعْنَى اللَّه يَعْلَم السِّرّ وَأَخْفَى مِنْ السِّرّ وَقَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا " السِّرّ " مَا أَسَرَّ اِبْن آدَم فِي نَفْسه " وَأَخْفَى " مَا خَفِيَ عَلَى اِبْن آدَم مِمَّا هُوَ فَاعِله وَهُوَ لَا يَعْلَمهُ فَاَللَّه تَعَالَى يَعْلَم ذَلِكَ كُلّه وَعِلْمه فِيمَا مَضَى مِنْ ذَلِكَ وَمَا يُسْتَقْبَل عِلْم وَاحِد وَجَمِيع الْخَلَائِق فِي عِلْمه كَنَفْسٍ وَاحِدَة وَقَالَ قَتَادَة وَغَيْره " السِّرّ " مَا أَضْمَرَهُ الْإِنْسَان فِي نَفْسه " وَأَخْفَى " مِنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ وَلَا أَضْمَرَهُ أَحَد وَقَالَ اِبْن زَيْد " السِّرّ " مِنْ الْخَلَائِق " وَأَخْفَى " مِنْهُ سِرّه عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الطَّبَرِيّ وَقَالَ إِنَّ الَّذِي " أَخْفَى " مَا لَيْسَ فِي سِرّ الْإِنْسَان وَسَيَكُونُ فِي نَفْسه كَمَا قَالَ اِبْن عَبَّاس
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى
" اللَّه " رَفْع بِالِابْتِدَاءِ أَوْ عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَإٍ أَوْ عَلَى الْبَدَل مِنْ الضَّمِير فِي " يَعْلَم " وَحَّدَ نَفْسه سُبْحَانه وَذَلِكَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا الْمُشْرِكِينَ إِلَى عِبَادَة اللَّه تَعَالَى وَحْده لَا شَرِيك لَهُ فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا سَمِعَهُ أَبُو جَهْل يَذْكُر الرَّحْمَن قَالَ لِلْوَلِيدِ بْن الْمُغِيرَة مُحَمَّد يَنْهَانَا أَنْ نَدْعُو مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر وَهُوَ يَدْعُو اللَّه وَالرَّحْمَن فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى " قُلْ اُدْعُوا اللَّه أَوْ اُدْعُوا الرَّحْمَن أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى " [ الْإِسْرَاء : ١١٠ ] وَهُوَ وَاحِد وَأَسْمَاؤُهُ كَثِيرَة ثُمَّ قَالَ " اللَّه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى ".
وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيه عَلَيْهَا فِي سُورَة " الْأَعْرَاف "
" اللَّه " رَفْع بِالِابْتِدَاءِ أَوْ عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَإٍ أَوْ عَلَى الْبَدَل مِنْ الضَّمِير فِي " يَعْلَم " وَحَّدَ نَفْسه سُبْحَانه وَذَلِكَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا الْمُشْرِكِينَ إِلَى عِبَادَة اللَّه تَعَالَى وَحْده لَا شَرِيك لَهُ فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا سَمِعَهُ أَبُو جَهْل يَذْكُر الرَّحْمَن قَالَ لِلْوَلِيدِ بْن الْمُغِيرَة مُحَمَّد يَنْهَانَا أَنْ نَدْعُو مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر وَهُوَ يَدْعُو اللَّه وَالرَّحْمَن فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى " قُلْ اُدْعُوا اللَّه أَوْ اُدْعُوا الرَّحْمَن أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى " [ الْإِسْرَاء : ١١٠ ] وَهُوَ وَاحِد وَأَسْمَاؤُهُ كَثِيرَة ثُمَّ قَالَ " اللَّه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى ".
وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيه عَلَيْهَا فِي سُورَة " الْأَعْرَاف "
وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى
قَالَ أَهْل الْمَعَانِي هُوَ اِسْتِفْهَام وَإِثْبَات وَإِيجَاب مَعْنَاهُ ; أَلَيْسَ قَدْ أَتَاك ؟ وَقِيلَ : مَعْنَاهُ وَقَدْ أَتَاك ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ : لَمْ يَكُنْ أَتَاهُ حَدِيثه بَعْد ثُمَّ أَخْبَرَهُ.
قَالَ أَهْل الْمَعَانِي هُوَ اِسْتِفْهَام وَإِثْبَات وَإِيجَاب مَعْنَاهُ ; أَلَيْسَ قَدْ أَتَاك ؟ وَقِيلَ : مَعْنَاهُ وَقَدْ أَتَاك ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ : لَمْ يَكُنْ أَتَاهُ حَدِيثه بَعْد ثُمَّ أَخْبَرَهُ.
إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : هَذَا حِين قَضَى الْأَجَل وَسَارَ بِأَهْلِهِ وَهُوَ مُقْبِل مِنْ مَدْيَن يُرِيد مِصْر، وَكَانَ قَدْ أَخْطَأَ الطَّرِيق، وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام رَجُلًا غَيُورًا، يَصْحَب النَّاس بِاللَّيْلِ وَيُفَارِقهُمْ بِالنَّهَارِ غَيْرَة مِنْهُ، لِئَلَّا يَرَوْا اِمْرَأَته فَأَخْطَأَ الرُّفْقَة - لِمَا سَبَقَ فِي عِلْم اللَّه تَعَالَى - وَكَانَتْ لَيْلَة مُظْلِمَة.
وَقَالَ مُقَاتِل : وَكَانَتْ لَيْلَة الْجُمْعَة فِي الشِّتَاء.
وَهْب بْن مُنَبِّه : اِسْتَأْذَنَ مُوسَى شُعَيْبًا فِي الرُّجُوع إِلَى وَالِدَته فَأَذِنَ لَهُ فَخَرَجَ بِأَهْلِهِ بِغَنَمِهِ، وَوُلِدَ لَهُ فِي الطَّرِيق غُلَام فِي لَيْلَة شَاتِيَة بَارِدَة مُثْلِجَة، وَقَدْ حَادَ عَنْ الطَّرِيق وَتَفَرَّقَتْ مَاشِيَته، فَقَدَحَ مُوسَى النَّار فَلَمْ تُورِ الْمِقْدَحَة شَيْئًا، إِذْ بَصُرَ بِنَارٍ مِنْ بَعِيد عَلَى يَسَار الطَّرِيق " فَقَالَ لِأَهْلِهِ اُمْكُثُوا " أَيْ أَقِيمُوا بِمَكَانِكُمْ " إِنِّي آنَسْت نَارًا " أَيْ أَبْصَرْت.
قَالَ اِبْن عَبَّاس فَلَمَّا تَوَجَّهَ نَحْو النَّار فَإِذَا النَّار فِي شَجَرَة عُنَّاب، فَوَقَفَ مُتَعَجِّبًا مِنْ حُسْن ذَلِكَ الضَّوْء ; وَشِدَّة خُضْرَة تِلْكَ الشَّجَرَة، فَلَا شِدَّة حَرّ النَّار تُغَيِّر حُسْن خُضْرَة الشَّجَرَة، وَلَا كَثْرَة مَاء الشَّجَرَة وَلَا نِعْمَة الْخُضْرَة تُغَيِّرَانِ حُسْن ضَوْء النَّار.
وَذَكَرَ الْمَهْدَوِيّ : فَرَأَى النَّار - فِيمَا رُوِيَ - وَهِيَ فِي شَجَرَة مِنْ الْعُلَّيْق، فَقَصَدَهَا فَتَأَخَّرَتْ عَنْهُ، فَرَجَعَ وَأَوْجَسَ فِي نَفْسه خِيفَة، ثُمَّ دَنَتْ مِنْهُ وَكَلَّمَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الشَّجَرَة.
الْمَاوَرْدِيّ : كَانَتْ عِنْد مُوسَى نَارًا، وَكَانَتْ عِنْد اللَّه تَعَالَى نُورًا.
وَقَرَأَ حَمْزَة " لِأَهْلِهِ اُمْكُثُوا " بِضَمِّ الْهَاء، وَكَذَا فِي " الْقَصَص ".
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا عَلَى لُغَة مَنْ قَالَ : مَرَرْت بِهِ يَا رَجُل ; فَجَاءَ بِهِ عَلَى الْأَصْل، وَهُوَ جَائِز إِلَّا أَنَّ حَمْزَة خَالَفَ أَصْله فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ خَاصَّة.
وَقَالَ :" اُمْكُثُوا " وَلَمْ يَقُلْ أَقِيمُوا، لِأَنَّ الْإِقَامَة تَقْتَضِي الدَّوَام، وَالْمُكْث لَيْسَ كَذَلِكَ " وَآنَسْت " أَبْصَرْت، قَالَهُ اِبْن الْأَعْرَابِيّ.
وَمِنْهُ قَوْله " فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا " [ النِّسَاء : ٦ ] أَيْ عَلِمْتُمْ.
وَآنَسْت الصَّوْت سَمِعْته، وَالْقَبَس شُعْلَة مِنْ نَار، وَكَذَلِكَ الْمِقْبَاس.
يُقَال قَبَسْت مِنْهُ نَارًا أَقْبِس قَبْسًا فَأَقْبَسَنِي أَيْ أَعْطَانِي مِنْهُ قَبَسًا، وَكَذَلِكَ اِقْتَبَسْت مِنْهُ نَارًا وَاقْتَبَسْت مِنْهُ عِلْمًا أَيْضًا أَيْ اِسْتَفَدْته، قَالَ الْيَزِيدِيّ : أَقَبَسْت الرَّجُل عِلْمًا وَقَبَسْته نَارًا ; فَإِنْ كُنْت طَلَبْتهَا لَهُ قُلْت أَقَبَسْته.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : أَقَبَسْته نَارًا أَوْ عِلْمًا سَوَاء.
وَقَالَ : وَقَبَسْته أَيْضًا فِيهِمَا.
" هُدًى " أَيْ هَادِيًا.
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : هَذَا حِين قَضَى الْأَجَل وَسَارَ بِأَهْلِهِ وَهُوَ مُقْبِل مِنْ مَدْيَن يُرِيد مِصْر، وَكَانَ قَدْ أَخْطَأَ الطَّرِيق، وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام رَجُلًا غَيُورًا، يَصْحَب النَّاس بِاللَّيْلِ وَيُفَارِقهُمْ بِالنَّهَارِ غَيْرَة مِنْهُ، لِئَلَّا يَرَوْا اِمْرَأَته فَأَخْطَأَ الرُّفْقَة - لِمَا سَبَقَ فِي عِلْم اللَّه تَعَالَى - وَكَانَتْ لَيْلَة مُظْلِمَة.
وَقَالَ مُقَاتِل : وَكَانَتْ لَيْلَة الْجُمْعَة فِي الشِّتَاء.
وَهْب بْن مُنَبِّه : اِسْتَأْذَنَ مُوسَى شُعَيْبًا فِي الرُّجُوع إِلَى وَالِدَته فَأَذِنَ لَهُ فَخَرَجَ بِأَهْلِهِ بِغَنَمِهِ، وَوُلِدَ لَهُ فِي الطَّرِيق غُلَام فِي لَيْلَة شَاتِيَة بَارِدَة مُثْلِجَة، وَقَدْ حَادَ عَنْ الطَّرِيق وَتَفَرَّقَتْ مَاشِيَته، فَقَدَحَ مُوسَى النَّار فَلَمْ تُورِ الْمِقْدَحَة شَيْئًا، إِذْ بَصُرَ بِنَارٍ مِنْ بَعِيد عَلَى يَسَار الطَّرِيق " فَقَالَ لِأَهْلِهِ اُمْكُثُوا " أَيْ أَقِيمُوا بِمَكَانِكُمْ " إِنِّي آنَسْت نَارًا " أَيْ أَبْصَرْت.
قَالَ اِبْن عَبَّاس فَلَمَّا تَوَجَّهَ نَحْو النَّار فَإِذَا النَّار فِي شَجَرَة عُنَّاب، فَوَقَفَ مُتَعَجِّبًا مِنْ حُسْن ذَلِكَ الضَّوْء ; وَشِدَّة خُضْرَة تِلْكَ الشَّجَرَة، فَلَا شِدَّة حَرّ النَّار تُغَيِّر حُسْن خُضْرَة الشَّجَرَة، وَلَا كَثْرَة مَاء الشَّجَرَة وَلَا نِعْمَة الْخُضْرَة تُغَيِّرَانِ حُسْن ضَوْء النَّار.
وَذَكَرَ الْمَهْدَوِيّ : فَرَأَى النَّار - فِيمَا رُوِيَ - وَهِيَ فِي شَجَرَة مِنْ الْعُلَّيْق، فَقَصَدَهَا فَتَأَخَّرَتْ عَنْهُ، فَرَجَعَ وَأَوْجَسَ فِي نَفْسه خِيفَة، ثُمَّ دَنَتْ مِنْهُ وَكَلَّمَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الشَّجَرَة.
الْمَاوَرْدِيّ : كَانَتْ عِنْد مُوسَى نَارًا، وَكَانَتْ عِنْد اللَّه تَعَالَى نُورًا.
وَقَرَأَ حَمْزَة " لِأَهْلِهِ اُمْكُثُوا " بِضَمِّ الْهَاء، وَكَذَا فِي " الْقَصَص ".
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا عَلَى لُغَة مَنْ قَالَ : مَرَرْت بِهِ يَا رَجُل ; فَجَاءَ بِهِ عَلَى الْأَصْل، وَهُوَ جَائِز إِلَّا أَنَّ حَمْزَة خَالَفَ أَصْله فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ خَاصَّة.
وَقَالَ :" اُمْكُثُوا " وَلَمْ يَقُلْ أَقِيمُوا، لِأَنَّ الْإِقَامَة تَقْتَضِي الدَّوَام، وَالْمُكْث لَيْسَ كَذَلِكَ " وَآنَسْت " أَبْصَرْت، قَالَهُ اِبْن الْأَعْرَابِيّ.
وَمِنْهُ قَوْله " فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا " [ النِّسَاء : ٦ ] أَيْ عَلِمْتُمْ.
وَآنَسْت الصَّوْت سَمِعْته، وَالْقَبَس شُعْلَة مِنْ نَار، وَكَذَلِكَ الْمِقْبَاس.
يُقَال قَبَسْت مِنْهُ نَارًا أَقْبِس قَبْسًا فَأَقْبَسَنِي أَيْ أَعْطَانِي مِنْهُ قَبَسًا، وَكَذَلِكَ اِقْتَبَسْت مِنْهُ نَارًا وَاقْتَبَسْت مِنْهُ عِلْمًا أَيْضًا أَيْ اِسْتَفَدْته، قَالَ الْيَزِيدِيّ : أَقَبَسْت الرَّجُل عِلْمًا وَقَبَسْته نَارًا ; فَإِنْ كُنْت طَلَبْتهَا لَهُ قُلْت أَقَبَسْته.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : أَقَبَسْته نَارًا أَوْ عِلْمًا سَوَاء.
وَقَالَ : وَقَبَسْته أَيْضًا فِيهِمَا.
" هُدًى " أَيْ هَادِيًا.
فَلَمَّا أَتَاهَا
يَعْنِي النَّار
يَعْنِي النَّار
نُودِيَ يَا
أَيْ مِنْ الشَّجَرَة كَمَا فِي سُورَة " الْقَصَص " أَيْ مِنْ جِهَتهَا وَنَاحِيَتهَا عَلَى مَا يَأْتِي
أَيْ مِنْ الشَّجَرَة كَمَا فِي سُورَة " الْقَصَص " أَيْ مِنْ جِهَتهَا وَنَاحِيَتهَا عَلَى مَا يَأْتِي
إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ
فِيهِ خَمْس مَسَائِل :
الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى " فَاخْلَعْ نَعْلَيْك " رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( كَانَ عَلَى مُوسَى يَوْم كَلَّمَهُ رَبّه كِسَاء صُوف وَجُبَّة صُوف وَكُمَّة صُوف وَسَرَاوِيل صُوف وَكَانَتْ نَعْلَاهُ مِنْ جِلْد حِمَار مَيِّت ) قَالَ : هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نَعْرِفهُ إِلَّا مِنْ حَدِيث حُمَيْد الْأَعْرَج [ حُمَيْد هُوَ اِبْن عَلِيّ الْكُوفِيّ ] مُنْكَر الْحَدِيث، وَحُمَيْد بْن قَيْس الْأَعْرَج الْمَكِّيّ صَاحِب مُجَاهِد ثِقَة ; وَالْكُمَّة الْقَلَنْسُوَة الصَّغِيرَة.
وَقَرَأَ الْعَامَّة " إِنِّي " بِالْكَسْرِ ; أَيْ نُودِيَ فَقِيلَ لَهُ يَا مُوسَى إِنِّي، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد.
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن وَحُمَيْد " أَنِّي " بِفَتْحِ الْأَلِف بِإِعْمَالِ النِّدَاء.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله أُمِرَ بِخَلْعِ النَّعْلَيْنِ.
وَالْخَلْع النَّزْع.
وَالنَّعْل مَا جَعَلْته وِقَايَة لِقَدَمَيْك مِنْ الْأَرْض.
فَقِيلَ : أُمِرَ بِطَرْحِ النَّعْلَيْنِ ; لِأَنَّهَا نَجِسَة إِذْ هِيَ مِنْ جِلْد غَيْر مُذَكًّى ; قَالَهُ كَعْب وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة.
وَقِيلَ : أُمِرَ بِذَلِكَ لِيَنَالَ بَرَكَة الْوَادِي الْمُقَدَّس، وَتَمَسّ قَدَمَاهُ تُرْبَة الْوَادِي ; قَالَهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَالْحَسَن وَابْن جُرَيْج.
وَقِيلَ أُمِرَ بِخَلْعِ النَّعْلَيْنِ لِلْخُشُوعِ وَالتَّوَاضُع عِنْد مُنَاجَاة اللَّه تَعَالَى.
وَكَذَلِكَ فَعَلَ السَّلَف حِين طَافُوا بِالْبَيْتِ.
وَقِيلَ : إِعْظَامًا لِذَلِكَ الْمَوْضِع كَمَا أَنَّ الْحَرَم لَا يُدْخَل بِنَعْلَيْنِ إِعْظَامًا لَهُ.
قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : قِيلَ لَهُ طَإِ الْأَرْض حَافِيًا كَمَا تَدْخُل الْكَعْبَة حَافِيًا.
وَالْعُرْف عِنْد الْمُلُوك أَنْ تُخْلَع النِّعَال وَيَبْلُغ الْإِنْسَان إِلَى غَايَة التَّوَاضُع، فَكَأَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أُمِرَ بِذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْه، وَلَا تُبَالِي كَانَتْ نَعْلَاهُ مِنْ مَيْتَة أَوْ غَيْرهَا.
وَقَدْ كَانَ مَالِك لَا يَرَى لِنَفْسِهِ رُكُوب دَابَّة بِالْمَدِينَةِ بِرًّا بِتُرْبَتِهَا الْمُحْتَوِيَة عَلَى الْأَعْظُم الشَّرِيفَة، وَالْجُثَّة الْكَرِيمَة.
وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِبَشِيرِ بْن الْخَصَاصِيَّة وَهُوَ يَمْشِي بَيْن الْقُبُور بِنَعْلَيْهِ :( إِذَا كُنْت فِي مِثْل هَذَا الْمَكَان فَاخْلَعْ نَعْلَيْك ) قَالَ : فَخَلَعْتهمَا.
وَقَوْل خَامِس إِنَّ ذَلِكَ عِبَارَة عَنْ تَفْرِيغ قَلْبه مِنْ أَمْر الْأَهْل وَالْوَلَد.
وَقَدْ يُعَبَّر عَنْ الْأَهْل بِالنَّعْلِ.
وَكَذَلِكَ هُوَ فِي التَّعْبِير : مَنْ رَأَى أَنَّهُ لَابِس نَعْلَيْنِ فَإِنَّهُ يَتَزَوَّج.
وَقِيلَ : لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى بَسَطَ لَهُ بِسَاط النُّور وَالْهُدَى، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَطَأ بِسَاط رَبّ الْعَالَمِينَ بِنَعْلِهِ.
وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مُوسَى أُمِرَ بِخَلْعِ نَعْلَيْهِ، وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّل فَرْض عَلَيْهِ ; كَمَا كَانَ أَوَّل مَا قِيلَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبّك فَكَبِّرْ وَثِيَابك فَطَهِّرْ وَالرِّجْز فَاهْجُرْ ) [ الْمُدَّثِّر :
٢ -
٣ -
فِيهِ خَمْس مَسَائِل :
الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى " فَاخْلَعْ نَعْلَيْك " رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( كَانَ عَلَى مُوسَى يَوْم كَلَّمَهُ رَبّه كِسَاء صُوف وَجُبَّة صُوف وَكُمَّة صُوف وَسَرَاوِيل صُوف وَكَانَتْ نَعْلَاهُ مِنْ جِلْد حِمَار مَيِّت ) قَالَ : هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نَعْرِفهُ إِلَّا مِنْ حَدِيث حُمَيْد الْأَعْرَج [ حُمَيْد هُوَ اِبْن عَلِيّ الْكُوفِيّ ] مُنْكَر الْحَدِيث، وَحُمَيْد بْن قَيْس الْأَعْرَج الْمَكِّيّ صَاحِب مُجَاهِد ثِقَة ; وَالْكُمَّة الْقَلَنْسُوَة الصَّغِيرَة.
وَقَرَأَ الْعَامَّة " إِنِّي " بِالْكَسْرِ ; أَيْ نُودِيَ فَقِيلَ لَهُ يَا مُوسَى إِنِّي، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد.
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن وَحُمَيْد " أَنِّي " بِفَتْحِ الْأَلِف بِإِعْمَالِ النِّدَاء.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله أُمِرَ بِخَلْعِ النَّعْلَيْنِ.
وَالْخَلْع النَّزْع.
وَالنَّعْل مَا جَعَلْته وِقَايَة لِقَدَمَيْك مِنْ الْأَرْض.
فَقِيلَ : أُمِرَ بِطَرْحِ النَّعْلَيْنِ ; لِأَنَّهَا نَجِسَة إِذْ هِيَ مِنْ جِلْد غَيْر مُذَكًّى ; قَالَهُ كَعْب وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة.
وَقِيلَ : أُمِرَ بِذَلِكَ لِيَنَالَ بَرَكَة الْوَادِي الْمُقَدَّس، وَتَمَسّ قَدَمَاهُ تُرْبَة الْوَادِي ; قَالَهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَالْحَسَن وَابْن جُرَيْج.
وَقِيلَ أُمِرَ بِخَلْعِ النَّعْلَيْنِ لِلْخُشُوعِ وَالتَّوَاضُع عِنْد مُنَاجَاة اللَّه تَعَالَى.
وَكَذَلِكَ فَعَلَ السَّلَف حِين طَافُوا بِالْبَيْتِ.
وَقِيلَ : إِعْظَامًا لِذَلِكَ الْمَوْضِع كَمَا أَنَّ الْحَرَم لَا يُدْخَل بِنَعْلَيْنِ إِعْظَامًا لَهُ.
قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : قِيلَ لَهُ طَإِ الْأَرْض حَافِيًا كَمَا تَدْخُل الْكَعْبَة حَافِيًا.
وَالْعُرْف عِنْد الْمُلُوك أَنْ تُخْلَع النِّعَال وَيَبْلُغ الْإِنْسَان إِلَى غَايَة التَّوَاضُع، فَكَأَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أُمِرَ بِذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْه، وَلَا تُبَالِي كَانَتْ نَعْلَاهُ مِنْ مَيْتَة أَوْ غَيْرهَا.
وَقَدْ كَانَ مَالِك لَا يَرَى لِنَفْسِهِ رُكُوب دَابَّة بِالْمَدِينَةِ بِرًّا بِتُرْبَتِهَا الْمُحْتَوِيَة عَلَى الْأَعْظُم الشَّرِيفَة، وَالْجُثَّة الْكَرِيمَة.
وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِبَشِيرِ بْن الْخَصَاصِيَّة وَهُوَ يَمْشِي بَيْن الْقُبُور بِنَعْلَيْهِ :( إِذَا كُنْت فِي مِثْل هَذَا الْمَكَان فَاخْلَعْ نَعْلَيْك ) قَالَ : فَخَلَعْتهمَا.
وَقَوْل خَامِس إِنَّ ذَلِكَ عِبَارَة عَنْ تَفْرِيغ قَلْبه مِنْ أَمْر الْأَهْل وَالْوَلَد.
وَقَدْ يُعَبَّر عَنْ الْأَهْل بِالنَّعْلِ.
وَكَذَلِكَ هُوَ فِي التَّعْبِير : مَنْ رَأَى أَنَّهُ لَابِس نَعْلَيْنِ فَإِنَّهُ يَتَزَوَّج.
وَقِيلَ : لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى بَسَطَ لَهُ بِسَاط النُّور وَالْهُدَى، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَطَأ بِسَاط رَبّ الْعَالَمِينَ بِنَعْلِهِ.
وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مُوسَى أُمِرَ بِخَلْعِ نَعْلَيْهِ، وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّل فَرْض عَلَيْهِ ; كَمَا كَانَ أَوَّل مَا قِيلَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبّك فَكَبِّرْ وَثِيَابك فَطَهِّرْ وَالرِّجْز فَاهْجُرْ ) [ الْمُدَّثِّر :
٢ -
٣ -
٤ - ٥ ] وَاَللَّه أَعْلَم بِالْمُرَادِ مِنْ ذَلِكَ.
الثَّانِيَة فِي الْخَبَر أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام خَلَعَ نَعْلَيْهِ وَأَلْقَاهُمَا مِنْ وَرَاء الْوَادِي.
وَقَالَ أَبُو الْأَحْوَص : زَارَ عَبْد اللَّه أَبَا مُوسَى فِي دَاره، فَأُقِيمَتْ الصَّلَاة فَأَقَامَ أَبُو مُوسَى ; فَقَالَ أَبُو مُوسَى لِعَبْدِ اللَّه : تَقَدَّمْ.
فَقَالَ عَبْد اللَّه : تَقَدَّمْ أَنْتَ فِي دَارك.
فَتَقَدَّمَ وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ ; فَقَالَ عَبْد اللَّه : أَبِالْوَادِي الْمُقَدَّس أَنْتَ ؟ ! وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ سَعِيد بْن يَزِيد قَالَ : قُلْت لِأَنَسٍ أَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي نَعْلَيْنِ ؟ قَالَ نَعَمْ.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن السَّائِب : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْم الْفَتْح فَوَضَعَ نَعْلَيْهِ عَنْ يَسَاره.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : بَيْنَمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ، إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَاره، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْم أَلْقَوْا نِعَالهمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَائِكُمْ نِعَالكُمْ ) قَالُوا : رَأَيْنَاك أَلْقَيْت نَعْلَيْك فَأَلْقَيْنَا نِعَالنَا.
فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ جِبْرِيل أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا ) وَقَالَ :( إِذَا جَاءَ أَحَدكُمْ الْمَسْجِد فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا ).
صَحَّحَهُ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْحَقّ.
وَهُوَ يَجْمَع بَيْن الْحَدِيثَيْنِ قَبْله، وَيَرْفَع بَيْنهمَا التَّعَارُض.
وَلَمْ يَخْتَلِف الْعُلَمَاء فِي جَوَاز الصَّلَاة فِي النَّعْل إِذَا كَانَتْ طَاهِرَة مِنْ ذَكِيّ، حَتَّى لَقَدْ قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : إِنَّ الصَّلَاة فِيهِمَا أَفْضَل، وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى :" خُذُوا زِينَتكُمْ عِنْد كُلّ مَسْجِد " [ الْأَعْرَاف : ٣١ ] عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ فِي الَّذِينَ يَخْلَعُونَ نِعَالهمْ : لَوَدِدْت أَنَّ مُحْتَاجًا جَاءَ فَأَخَذَهَا.
الثَّالِثَة : فَإِنْ خَلَعَتْهُمَا فَاخْلَعْهُمَا بَيْن رِجْلَيْك ; فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِذَا صَلَّى أَحَدكُمْ فَلْيَخْلَعْ نَعْلَيْهِ بَيْن رِجْلَيْهِ ) قَالَ أَبُو هُرَيْرَة لِلْمَقْبُرِيِّ : اِخْلَعْهُمَا بَيْن رِجْلَيْك وَلَا تُؤْذِ بِهِمَا مُسْلِمًا.
وَمَا رَوَاهُ عَبْد اللَّه بْن السَّائِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خَلَعَهُمَا عَنْ يَسَاره فَإِنَّهُ كَانَ إِمَامًا، فَإِنْ كُنْت إِمَامًا أَوْ وَحْدك فَافْعَلْ ذَلِكَ إِنْ أَحْبَبْت، وَإِنْ كُنْت مَأْمُومًا فِي الصَّفّ فَلَا تُؤْذِ بِهِمَا مَنْ عَلَى يَسَارك، وَلَا تَضَعهُمَا بَيْن قَدَمَيْك فَتَشْغَلَاك، وَلَكِنْ قُدَّام قَدَمَيْك.
وَرُوِيَ عَنْ جُبَيْر بْن مُطْعِم أَنَّهُ قَالَ : وَضْع الرَّجُل نَعْلَيْهِ بَيْن قَدَمَيْهِ بِدْعَة.
الثَّانِيَة فِي الْخَبَر أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام خَلَعَ نَعْلَيْهِ وَأَلْقَاهُمَا مِنْ وَرَاء الْوَادِي.
وَقَالَ أَبُو الْأَحْوَص : زَارَ عَبْد اللَّه أَبَا مُوسَى فِي دَاره، فَأُقِيمَتْ الصَّلَاة فَأَقَامَ أَبُو مُوسَى ; فَقَالَ أَبُو مُوسَى لِعَبْدِ اللَّه : تَقَدَّمْ.
فَقَالَ عَبْد اللَّه : تَقَدَّمْ أَنْتَ فِي دَارك.
فَتَقَدَّمَ وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ ; فَقَالَ عَبْد اللَّه : أَبِالْوَادِي الْمُقَدَّس أَنْتَ ؟ ! وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ سَعِيد بْن يَزِيد قَالَ : قُلْت لِأَنَسٍ أَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي نَعْلَيْنِ ؟ قَالَ نَعَمْ.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن السَّائِب : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْم الْفَتْح فَوَضَعَ نَعْلَيْهِ عَنْ يَسَاره.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : بَيْنَمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ، إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَاره، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْم أَلْقَوْا نِعَالهمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَائِكُمْ نِعَالكُمْ ) قَالُوا : رَأَيْنَاك أَلْقَيْت نَعْلَيْك فَأَلْقَيْنَا نِعَالنَا.
فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ جِبْرِيل أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا ) وَقَالَ :( إِذَا جَاءَ أَحَدكُمْ الْمَسْجِد فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا ).
صَحَّحَهُ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْحَقّ.
وَهُوَ يَجْمَع بَيْن الْحَدِيثَيْنِ قَبْله، وَيَرْفَع بَيْنهمَا التَّعَارُض.
وَلَمْ يَخْتَلِف الْعُلَمَاء فِي جَوَاز الصَّلَاة فِي النَّعْل إِذَا كَانَتْ طَاهِرَة مِنْ ذَكِيّ، حَتَّى لَقَدْ قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : إِنَّ الصَّلَاة فِيهِمَا أَفْضَل، وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى :" خُذُوا زِينَتكُمْ عِنْد كُلّ مَسْجِد " [ الْأَعْرَاف : ٣١ ] عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ فِي الَّذِينَ يَخْلَعُونَ نِعَالهمْ : لَوَدِدْت أَنَّ مُحْتَاجًا جَاءَ فَأَخَذَهَا.
الثَّالِثَة : فَإِنْ خَلَعَتْهُمَا فَاخْلَعْهُمَا بَيْن رِجْلَيْك ; فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِذَا صَلَّى أَحَدكُمْ فَلْيَخْلَعْ نَعْلَيْهِ بَيْن رِجْلَيْهِ ) قَالَ أَبُو هُرَيْرَة لِلْمَقْبُرِيِّ : اِخْلَعْهُمَا بَيْن رِجْلَيْك وَلَا تُؤْذِ بِهِمَا مُسْلِمًا.
وَمَا رَوَاهُ عَبْد اللَّه بْن السَّائِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خَلَعَهُمَا عَنْ يَسَاره فَإِنَّهُ كَانَ إِمَامًا، فَإِنْ كُنْت إِمَامًا أَوْ وَحْدك فَافْعَلْ ذَلِكَ إِنْ أَحْبَبْت، وَإِنْ كُنْت مَأْمُومًا فِي الصَّفّ فَلَا تُؤْذِ بِهِمَا مَنْ عَلَى يَسَارك، وَلَا تَضَعهُمَا بَيْن قَدَمَيْك فَتَشْغَلَاك، وَلَكِنْ قُدَّام قَدَمَيْك.
وَرُوِيَ عَنْ جُبَيْر بْن مُطْعِم أَنَّهُ قَالَ : وَضْع الرَّجُل نَعْلَيْهِ بَيْن قَدَمَيْهِ بِدْعَة.
الرَّابِعَة : فَإِنْ تَحَقَّقَ فِيهِمَا نَجَاسَة مُجْمَع عَلَى تَنْجِيسهَا كَالدَّمِ وَالْعَذِرَة مِنْ بَوْل بَنِي آدَم لَمْ يُطَهِّرهَا إِلَّا الْغَسْل بِالْمَاءِ، عِنْد مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَكْثَر الْعُلَمَاء، وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَة مُخْتَلَفًا فِيهَا كَبَوْلِ الدَّوَابّ وَأَرْوَاثهَا الرَّطْبَة فَهَلْ يُطَهِّرهَا الْمَسْح بِالتُّرَابِ مِنْ النَّعْل وَالْخُفّ أَوْ لَا ؟ قَوْلَانِ عِنْدنَا.
وَأَطْلَقَ الْإِجْزَاء بِمَسْحِ ذَلِكَ بِالتُّرَابِ مِنْ غَيْر تَفْصِيل الْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو ثَوْر.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : يُزِيلهُ إِذَا يَبِسَ الْحَكّ وَالْفَرْك، وَلَا يُزِيل رَطْبه إِلَّا الْغَسْل مَا عَدَا الْبَوْل، فَلَا يُجْزِئ فِيهِ عِنْده إِلَّا الْغَسْل.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : لَا يُطَهِّر شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إِلَّا الْمَاء.
وَالصَّحِيح قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ الْمَسْح يُطَهِّرهُ مِنْ الْخُفّ وَالنَّعْل ; لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيد.
فَأَمَّا لَوْ كَانَتْ النَّعْل وَالْخُفّ مِنْ جِلْد مَيْتَة فَإِنْ كَانَ غَيْر مَدْبُوغ فَهُوَ نَجِس بِاتِّفَاقٍ، مَا عَدَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الزُّهْرِيّ وَاللَّيْث، عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة " النَّحْل " وَمَضَى فِي سُورَة " بَرَاءَة " الْقَوْل فِي إِزَالَة النَّجَاسَة وَالْحَمْد لِلَّهِ.
وَأَطْلَقَ الْإِجْزَاء بِمَسْحِ ذَلِكَ بِالتُّرَابِ مِنْ غَيْر تَفْصِيل الْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو ثَوْر.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : يُزِيلهُ إِذَا يَبِسَ الْحَكّ وَالْفَرْك، وَلَا يُزِيل رَطْبه إِلَّا الْغَسْل مَا عَدَا الْبَوْل، فَلَا يُجْزِئ فِيهِ عِنْده إِلَّا الْغَسْل.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : لَا يُطَهِّر شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إِلَّا الْمَاء.
وَالصَّحِيح قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ الْمَسْح يُطَهِّرهُ مِنْ الْخُفّ وَالنَّعْل ; لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيد.
فَأَمَّا لَوْ كَانَتْ النَّعْل وَالْخُفّ مِنْ جِلْد مَيْتَة فَإِنْ كَانَ غَيْر مَدْبُوغ فَهُوَ نَجِس بِاتِّفَاقٍ، مَا عَدَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الزُّهْرِيّ وَاللَّيْث، عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة " النَّحْل " وَمَضَى فِي سُورَة " بَرَاءَة " الْقَوْل فِي إِزَالَة النَّجَاسَة وَالْحَمْد لِلَّهِ.
إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى
الْمُقَدَّس : الْمُطَهَّر.
وَالْقُدْس : الطَّهَارَة، وَالْأَرْض الْمُقَدَّسَة أَيْ الْمُطَهَّرَة ; سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَخْرَجَ مِنْهَا الْكَافِرِينَ وَعَمَرَهَا بِالْمُؤْمِنِينَ.
وَقَدْ جَعَلَ اللَّه تَعَالَى لِبَعْضِ الْأَمَاكِن زِيَادَة فَضْل عَلَى بَعْض ; كَمَا قَدْ جَعَلَ لِبَعْضِ الْأَزْمَان زِيَادَة فَضْل عَلَى بَعْض، وَلِبَعْضِ الْحَيَوَان كَذَلِكَ.
وَلِلَّهِ أَنْ يُفَضِّل مَا شَاءَ.
وَعَلَى هَذَا فَلَا اِعْتِبَار بِكَوْنِهِ مُقَدَّسًا بِإِخْرَاجِ الْكَافِرِينَ وَإِسْكَان الْمُؤْمِنِينَ ; فَقَدْ شَارَكَهُ فِي ذَلِكَ غَيْره.
و ( طُوًى ) اِسْم الْوَادِي عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَغَيْرهمَا.
وَقَالَ الضَّحَّاك هُوَ وَادٍ عَمِيق مُسْتَدِير مِثْل الطَّوِيّ.
وَقَرَأَ عِكْرِمَة " طِوًى ".
الْبَاقُونَ " طُوًى ".
قَالَ الْجَوْهَرِيّ :" طُوًى " اِسْم مَوْضِع بِالشَّامِ، تُكْسَر طَاؤُهُ وَتُضَمّ، وَيُصْرَف وَلَا يُصْرَف، فَمَنْ صَرَفَهُ جَعَلَهُ اِسْم وَادٍ وَمَكَان وَجَعَلَهُ نَكِرَة، وَمَنْ لَمْ يَصْرِفهُ جَعَلَهُ بَلْدَة وَبُقْعَة وَجَعَلَهُ مَعْرِفَة.
وَقَالَ بَعْضهمْ :" طُوًى " مِثْل " طِوًى " وَهُوَ الشَّيْء الْمَثْنِيّ، وَقَالُوا فِي قَوْله " الْمُقَدَّس طُوًى " : طُوِيَ مَرَّتَيْنِ أَيْ قُدِّسَ.
وَقَالَ الْحَسَن : ثُنِيَتْ فِيهِ الْبَرَكَة وَالتَّقْدِيس مَرَّتَيْنِ.
وَذَكَرَ الْمَهْدَوِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : أَنَّهُ قِيلَ لَهُ " طُوًى " لِأَنَّ مُوسَى طَوَاهُ بِاللَّيْلِ إِذْ مَرَّ بِهِ فَارْتَفَعَ إِلَى أَعْلَى الْوَادِي ; فَهُوَ مَصْدَر عَمِلَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْ لَفْظه، فَكَأَنَّهُ قَالَ :( إِنَّك بِالْوَادِ الْمُقَدَّس ) الَّذِي طَوَيْته طُوًى ; أَيْ تَجَاوَزْته فَطَوَيْته بِسَيْرِك.
الْحَسَن : مَعْنَاهُ أَنَّهُ قُدِّسَ مَرَّتَيْنِ ; فَهُوَ مَصْدَر مِنْ طَوَيْته طُوًى أَيْضًا.
الْمُقَدَّس : الْمُطَهَّر.
وَالْقُدْس : الطَّهَارَة، وَالْأَرْض الْمُقَدَّسَة أَيْ الْمُطَهَّرَة ; سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَخْرَجَ مِنْهَا الْكَافِرِينَ وَعَمَرَهَا بِالْمُؤْمِنِينَ.
وَقَدْ جَعَلَ اللَّه تَعَالَى لِبَعْضِ الْأَمَاكِن زِيَادَة فَضْل عَلَى بَعْض ; كَمَا قَدْ جَعَلَ لِبَعْضِ الْأَزْمَان زِيَادَة فَضْل عَلَى بَعْض، وَلِبَعْضِ الْحَيَوَان كَذَلِكَ.
وَلِلَّهِ أَنْ يُفَضِّل مَا شَاءَ.
وَعَلَى هَذَا فَلَا اِعْتِبَار بِكَوْنِهِ مُقَدَّسًا بِإِخْرَاجِ الْكَافِرِينَ وَإِسْكَان الْمُؤْمِنِينَ ; فَقَدْ شَارَكَهُ فِي ذَلِكَ غَيْره.
و ( طُوًى ) اِسْم الْوَادِي عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَغَيْرهمَا.
وَقَالَ الضَّحَّاك هُوَ وَادٍ عَمِيق مُسْتَدِير مِثْل الطَّوِيّ.
وَقَرَأَ عِكْرِمَة " طِوًى ".
الْبَاقُونَ " طُوًى ".
قَالَ الْجَوْهَرِيّ :" طُوًى " اِسْم مَوْضِع بِالشَّامِ، تُكْسَر طَاؤُهُ وَتُضَمّ، وَيُصْرَف وَلَا يُصْرَف، فَمَنْ صَرَفَهُ جَعَلَهُ اِسْم وَادٍ وَمَكَان وَجَعَلَهُ نَكِرَة، وَمَنْ لَمْ يَصْرِفهُ جَعَلَهُ بَلْدَة وَبُقْعَة وَجَعَلَهُ مَعْرِفَة.
وَقَالَ بَعْضهمْ :" طُوًى " مِثْل " طِوًى " وَهُوَ الشَّيْء الْمَثْنِيّ، وَقَالُوا فِي قَوْله " الْمُقَدَّس طُوًى " : طُوِيَ مَرَّتَيْنِ أَيْ قُدِّسَ.
وَقَالَ الْحَسَن : ثُنِيَتْ فِيهِ الْبَرَكَة وَالتَّقْدِيس مَرَّتَيْنِ.
وَذَكَرَ الْمَهْدَوِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : أَنَّهُ قِيلَ لَهُ " طُوًى " لِأَنَّ مُوسَى طَوَاهُ بِاللَّيْلِ إِذْ مَرَّ بِهِ فَارْتَفَعَ إِلَى أَعْلَى الْوَادِي ; فَهُوَ مَصْدَر عَمِلَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْ لَفْظه، فَكَأَنَّهُ قَالَ :( إِنَّك بِالْوَادِ الْمُقَدَّس ) الَّذِي طَوَيْته طُوًى ; أَيْ تَجَاوَزْته فَطَوَيْته بِسَيْرِك.
الْحَسَن : مَعْنَاهُ أَنَّهُ قُدِّسَ مَرَّتَيْنِ ; فَهُوَ مَصْدَر مِنْ طَوَيْته طُوًى أَيْضًا.
وَأَنَا اخْتَرْتُكَ
أَيْ أَصْطَفَيْتُك لِلرِّسَالَةِ.
وَقَرَأَ أَهْل الْمَدِينَة وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم وَالْكِسَائِيّ " وَأَنَا اِخْتَرْتُك ".
وَقَرَأَ حَمْزَة " وَأَنَّا اِخْتَرْنَاك ".
وَالْمَعْنَى وَاحِد إِلَّا أَنَّ " وَأَنَا اِخْتَرْتُك " هَاهُنَا أَوْلَى مِنْ جِهَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا أَنَّهَا أَشْبَه بِالْخَطِّ، وَالثَّانِيَة أَنَّهَا أَوْلَى بِنَسَقِ الْكَلَام ; لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :" يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبّك فَاخْلَعْ نَعْلَيْك " وَعَلَى هَذَا النَّسَق جَرَتْ الْمُخَاطَبَة ; قَالَهُ النَّحَّاس.
أَيْ أَصْطَفَيْتُك لِلرِّسَالَةِ.
وَقَرَأَ أَهْل الْمَدِينَة وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم وَالْكِسَائِيّ " وَأَنَا اِخْتَرْتُك ".
وَقَرَأَ حَمْزَة " وَأَنَّا اِخْتَرْنَاك ".
وَالْمَعْنَى وَاحِد إِلَّا أَنَّ " وَأَنَا اِخْتَرْتُك " هَاهُنَا أَوْلَى مِنْ جِهَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا أَنَّهَا أَشْبَه بِالْخَطِّ، وَالثَّانِيَة أَنَّهَا أَوْلَى بِنَسَقِ الْكَلَام ; لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :" يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبّك فَاخْلَعْ نَعْلَيْك " وَعَلَى هَذَا النَّسَق جَرَتْ الْمُخَاطَبَة ; قَالَهُ النَّحَّاس.
فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى
فِيهِ مَسْأَلَة وَاحِدَة : قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَحَدَّثَنِي أَبِي - رَحِمَهُ اللَّه - قَالَ سَمِعْت أَبَا الْفَضْل الْجَوْهَرِيّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى يَقُول : لَمَّا قِيلَ لِمُوسَى صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ :" اِسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى " وَقَفَ عَلَى حَجَر، وَاسْتَنَدَ إِلَى حَجَر، وَوَضَعَ يَمِينه عَلَى شِمَاله، وَأَلْقَى ذَقَنه عَلَى صَدْره، وَوَقَفَ يَسْتَمِع، وَكَانَ كُلّ لِبَاسه صُوفًا.
قُلْت : حُسْن الِاسْتِمَاع كَمَا يَجِب قَدْ مَدَحَ اللَّه عَلَيْهِ فَقَالَ :" الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْل فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنه أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّه " [ الزُّمَر : ١٨ ] وَذَمَّ عَلَى خِلَاف هَذَا الْوَصْف فَقَالَ :" نَحْنُ أَعْلَم بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ " الْآيَة.
فَمَدَحَ الْمُنْصِت لِاسْتِمَاعِ كَلَامه مَعَ حُضُور الْعَقْل، وَأَمَرَ عِبَاده بِذَلِكَ أَدَبًا لَهُمْ، فَقَالَ :" وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ " [ الْأَعْرَاف : ٢٠٤ ] وَقَالَ هَاهُنَا :" فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى " لِأَنَّ بِذَلِكَ يُنَال الْفَهْم عَنْ اللَّه تَعَالَى.
رُوِيَ عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه أَنَّهُ قَالَ : مِنْ أَدَب الِاسْتِمَاع سُكُون الْجَوَارِح وَغَضّ الْبَصَر، وَالْإِصْغَاء بِالسَّمْعِ، وَحُضُور الْعَقْل، وَالْعَزْم عَلَى الْعَمَل، وَذَلِكَ هُوَ الِاسْتِمَاع كَمَا يُحِبّ اللَّه تَعَالَى ; وَهُوَ أَنْ يَكُفّ الْعَبْد جَوَارِحه، وَلَا يَشْغَلهَا.
فَيَشْتَغِل قَلْبه عَمَّا يَسْمَع، وَيَغُضّ طَرْفه فَلَا يَلْهُو قَلْبه بِمَا يَرَى، وَيَحْصُر عَقْله فَلَا يُحَدِّث نَفْسه بِشَيْءٍ سِوَى مَا يَسْتَمِع إِلَيْهِ، وَيَعْزِم عَلَى أَنْ يَفْهَم فَيَعْمَل بِمَا يَفْهَم.
وَقَالَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة أَوَّل الْعِلْم الِاسْتِمَاع، ثُمَّ الْفَهْم، ثُمَّ الْحِفْظ، ثُمَّ الْعَمَل، ثُمَّ النَّشْر ; فَإِذَا اِسْتَمَعَ الْعَبْد إِلَى كِتَاب اللَّه تَعَالَى وَسُنَّة نَبِيّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِنِيَّةٍ صَادِقَة عَلَى مَا يُحِبّ اللَّه أَفْهَمَهُ كَمَا يُحِبّ، وَجَعَلَ لَهُ فِي قَلْبه نُورًا.
فِيهِ مَسْأَلَة وَاحِدَة : قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَحَدَّثَنِي أَبِي - رَحِمَهُ اللَّه - قَالَ سَمِعْت أَبَا الْفَضْل الْجَوْهَرِيّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى يَقُول : لَمَّا قِيلَ لِمُوسَى صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ :" اِسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى " وَقَفَ عَلَى حَجَر، وَاسْتَنَدَ إِلَى حَجَر، وَوَضَعَ يَمِينه عَلَى شِمَاله، وَأَلْقَى ذَقَنه عَلَى صَدْره، وَوَقَفَ يَسْتَمِع، وَكَانَ كُلّ لِبَاسه صُوفًا.
قُلْت : حُسْن الِاسْتِمَاع كَمَا يَجِب قَدْ مَدَحَ اللَّه عَلَيْهِ فَقَالَ :" الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْل فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنه أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّه " [ الزُّمَر : ١٨ ] وَذَمَّ عَلَى خِلَاف هَذَا الْوَصْف فَقَالَ :" نَحْنُ أَعْلَم بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ " الْآيَة.
فَمَدَحَ الْمُنْصِت لِاسْتِمَاعِ كَلَامه مَعَ حُضُور الْعَقْل، وَأَمَرَ عِبَاده بِذَلِكَ أَدَبًا لَهُمْ، فَقَالَ :" وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ " [ الْأَعْرَاف : ٢٠٤ ] وَقَالَ هَاهُنَا :" فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى " لِأَنَّ بِذَلِكَ يُنَال الْفَهْم عَنْ اللَّه تَعَالَى.
رُوِيَ عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه أَنَّهُ قَالَ : مِنْ أَدَب الِاسْتِمَاع سُكُون الْجَوَارِح وَغَضّ الْبَصَر، وَالْإِصْغَاء بِالسَّمْعِ، وَحُضُور الْعَقْل، وَالْعَزْم عَلَى الْعَمَل، وَذَلِكَ هُوَ الِاسْتِمَاع كَمَا يُحِبّ اللَّه تَعَالَى ; وَهُوَ أَنْ يَكُفّ الْعَبْد جَوَارِحه، وَلَا يَشْغَلهَا.
فَيَشْتَغِل قَلْبه عَمَّا يَسْمَع، وَيَغُضّ طَرْفه فَلَا يَلْهُو قَلْبه بِمَا يَرَى، وَيَحْصُر عَقْله فَلَا يُحَدِّث نَفْسه بِشَيْءٍ سِوَى مَا يَسْتَمِع إِلَيْهِ، وَيَعْزِم عَلَى أَنْ يَفْهَم فَيَعْمَل بِمَا يَفْهَم.
وَقَالَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة أَوَّل الْعِلْم الِاسْتِمَاع، ثُمَّ الْفَهْم، ثُمَّ الْحِفْظ، ثُمَّ الْعَمَل، ثُمَّ النَّشْر ; فَإِذَا اِسْتَمَعَ الْعَبْد إِلَى كِتَاب اللَّه تَعَالَى وَسُنَّة نَبِيّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِنِيَّةٍ صَادِقَة عَلَى مَا يُحِبّ اللَّه أَفْهَمَهُ كَمَا يُحِبّ، وَجَعَلَ لَهُ فِي قَلْبه نُورًا.
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي
فِيهِ سَبْع مَسَائِل :
الْأُولَى : اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيل قَوْله :" لِذِكْرِي " فَقِيلَ : يَحْتَمِل أَنْ يُرِيد لِتَذْكُرنِي فِيهَا، أَوْ يُرِيد لِأَذْكُرك بِالْمَدْحِ فِي عِلِّيِّينَ بِهَا، فَالْمَصْدَر عَلَى هَذَا يَحْتَمِل الْإِضَافَة إِلَى الْفَاعِل وَإِلَى الْمَفْعُول.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى ; أَيْ حَافِظْ بَعْد التَّوْحِيد عَلَى الصَّلَاة.
وَهَذَا تَنْبِيه عَلَى عِظَم قَدْر الصَّلَاة إِذْ هِيَ تَضَرُّع إِلَى اللَّه تَعَالَى، وَقِيَام بَيْن يَدَيْهِ ; وَعَلَى هَذَا فَالصَّلَاة هِيَ الذِّكْر.
وَقَدْ سَمَّى اللَّه تَعَالَى الصَّلَاة ذِكْرًا فِي قَوْله :" فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْر اللَّه " [ الْجُمْعَة : ٩ ].
وَقِيلَ : الْمُرَاد إِذَا نَسِيت فَتَذَكَّرْت فَصَلِّ كَمَا فِي الْخَبَر ( فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا ).
أَيْ لَا تَسْقُط الصَّلَاة بِالنِّسْيَانِ.
الثَّانِيَة : رَوَى مَالِك وَغَيْره أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاة أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَقُول ( أَقِمْ الصَّلَاة لِذِكْرِي ) ).
وَرَوَى أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْغَنِيّ بْن سَعِيد مِنْ حَدِيث حَجَّاج بْن حَجَّاج - وَهُوَ حَجَّاج الْأَوَّل الَّذِي رَوَى عَنْهُ يَزِيد بْن زُرَيْع - قَالَ حَدَّثَنَا قَتَادَة عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّجُل يَرْقُد عَنْ الصَّلَاة وَيَغْفُل عَنْهَا قَالَ :( كَفَّارَتهَا أَنْ يُصَلِّيهَا إِذَا ذَكَرَهَا ) تَابَعَهُ إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَان عَنْ حَجَّاج، وَكَذَا يَرْوِي هَمَّام بْن يَحْيَى عَنْ قَتَادَة وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( مَنْ نَسِيَ صَلَاة فَوَقْتهَا إِذَا ذَكَرَهَا ) فَقَوْله :( فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا ) دَلِيل عَلَى وُجُوب الْقَضَاء عَلَى النَّائِم وَالْغَافِل، كَثُرَتْ الصَّلَاة أَوْ قَلَّتْ، وَهُوَ مَذْهَب عَامَّة الْعُلَمَاء وَقَدْ حُكِيَ خِلَاف شَاذّ لَا يُعْتَدّ بِهِ، لِأَنَّهُ مُخَالِف لِنَصِّ الْحَدِيث عَنْ بَعْض النَّاس فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْس صَلَوَات أَنَّهُ لَا يَلْزَمهُ قَضَاء.
قُلْت : أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِإِقَامَةِ الصَّلَاة، وَنَصَّ عَلَى أَوْقَات مُعَيَّنَة، فَقَالَ " أَقِمْ الصَّلَاة لِدُلُوكِ الشَّمْس " الْآيَة وَغَيْرهَا مِنْ الْآي.
وَمَنْ أَقَامَ بِاللَّيْلِ مَا أُمِرَ بِإِقَامَتِهِ بِالنَّهَارِ، أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ يَكُنْ فِعْله مُطَابِقًا لِمَا أُمِرَ بِهِ، وَلَا ثَوَاب لَهُ عَلَى فِعْله وَهُوَ عَاصٍ ; وَعَلَى هَذَا الْحَدّ كَانَ لَا يَجِب عَلَيْهِ قَضَاء مَا فَاتَ وَقْته.
وَلَوْلَا قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام :( مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاة أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا ) لَمْ يَنْتَفِع أَحَد بِصَلَاةٍ وَقَعَتْ فِي غَيْر وَقْتهَا، وَبِهَذَا الِاعْتِبَار كَانَ قَضَاء لَا أَدَاء ; لِأَنَّ الْقَضَاء بِأَمْرٍ مُتَجَدِّد وَلَيْسَ بِالْأَمْرِ الْأَوَّل.
الثَّالِثَة : فَأَمَّا مَنْ تَرَكَ الصَّلَاة مُتَعَمِّدًا، فَالْجُمْهُور أَيْضًا عَلَى وُجُوب الْقَضَاء عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا إِلَّا دَاوُد.
فِيهِ سَبْع مَسَائِل :
الْأُولَى : اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيل قَوْله :" لِذِكْرِي " فَقِيلَ : يَحْتَمِل أَنْ يُرِيد لِتَذْكُرنِي فِيهَا، أَوْ يُرِيد لِأَذْكُرك بِالْمَدْحِ فِي عِلِّيِّينَ بِهَا، فَالْمَصْدَر عَلَى هَذَا يَحْتَمِل الْإِضَافَة إِلَى الْفَاعِل وَإِلَى الْمَفْعُول.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى ; أَيْ حَافِظْ بَعْد التَّوْحِيد عَلَى الصَّلَاة.
وَهَذَا تَنْبِيه عَلَى عِظَم قَدْر الصَّلَاة إِذْ هِيَ تَضَرُّع إِلَى اللَّه تَعَالَى، وَقِيَام بَيْن يَدَيْهِ ; وَعَلَى هَذَا فَالصَّلَاة هِيَ الذِّكْر.
وَقَدْ سَمَّى اللَّه تَعَالَى الصَّلَاة ذِكْرًا فِي قَوْله :" فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْر اللَّه " [ الْجُمْعَة : ٩ ].
وَقِيلَ : الْمُرَاد إِذَا نَسِيت فَتَذَكَّرْت فَصَلِّ كَمَا فِي الْخَبَر ( فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا ).
أَيْ لَا تَسْقُط الصَّلَاة بِالنِّسْيَانِ.
الثَّانِيَة : رَوَى مَالِك وَغَيْره أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاة أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَقُول ( أَقِمْ الصَّلَاة لِذِكْرِي ) ).
وَرَوَى أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْغَنِيّ بْن سَعِيد مِنْ حَدِيث حَجَّاج بْن حَجَّاج - وَهُوَ حَجَّاج الْأَوَّل الَّذِي رَوَى عَنْهُ يَزِيد بْن زُرَيْع - قَالَ حَدَّثَنَا قَتَادَة عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّجُل يَرْقُد عَنْ الصَّلَاة وَيَغْفُل عَنْهَا قَالَ :( كَفَّارَتهَا أَنْ يُصَلِّيهَا إِذَا ذَكَرَهَا ) تَابَعَهُ إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَان عَنْ حَجَّاج، وَكَذَا يَرْوِي هَمَّام بْن يَحْيَى عَنْ قَتَادَة وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( مَنْ نَسِيَ صَلَاة فَوَقْتهَا إِذَا ذَكَرَهَا ) فَقَوْله :( فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا ) دَلِيل عَلَى وُجُوب الْقَضَاء عَلَى النَّائِم وَالْغَافِل، كَثُرَتْ الصَّلَاة أَوْ قَلَّتْ، وَهُوَ مَذْهَب عَامَّة الْعُلَمَاء وَقَدْ حُكِيَ خِلَاف شَاذّ لَا يُعْتَدّ بِهِ، لِأَنَّهُ مُخَالِف لِنَصِّ الْحَدِيث عَنْ بَعْض النَّاس فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْس صَلَوَات أَنَّهُ لَا يَلْزَمهُ قَضَاء.
قُلْت : أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِإِقَامَةِ الصَّلَاة، وَنَصَّ عَلَى أَوْقَات مُعَيَّنَة، فَقَالَ " أَقِمْ الصَّلَاة لِدُلُوكِ الشَّمْس " الْآيَة وَغَيْرهَا مِنْ الْآي.
وَمَنْ أَقَامَ بِاللَّيْلِ مَا أُمِرَ بِإِقَامَتِهِ بِالنَّهَارِ، أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ يَكُنْ فِعْله مُطَابِقًا لِمَا أُمِرَ بِهِ، وَلَا ثَوَاب لَهُ عَلَى فِعْله وَهُوَ عَاصٍ ; وَعَلَى هَذَا الْحَدّ كَانَ لَا يَجِب عَلَيْهِ قَضَاء مَا فَاتَ وَقْته.
وَلَوْلَا قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام :( مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاة أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا ) لَمْ يَنْتَفِع أَحَد بِصَلَاةٍ وَقَعَتْ فِي غَيْر وَقْتهَا، وَبِهَذَا الِاعْتِبَار كَانَ قَضَاء لَا أَدَاء ; لِأَنَّ الْقَضَاء بِأَمْرٍ مُتَجَدِّد وَلَيْسَ بِالْأَمْرِ الْأَوَّل.
الثَّالِثَة : فَأَمَّا مَنْ تَرَكَ الصَّلَاة مُتَعَمِّدًا، فَالْجُمْهُور أَيْضًا عَلَى وُجُوب الْقَضَاء عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا إِلَّا دَاوُد.
وَوَافَقَهُ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن الْأَشْعَرِيّ الشَّافِعِيّ، حَكَاهُ عَنْهُ اِبْن الْقَصَّار.
وَالْفَرْق بَيْن الْمُتَعَمِّد وَالنَّاسِي وَالنَّائِم، حَطّ الْمَأْثَم ; فَالْمُتَعَمِّد مَأْثُوم وَجَمِيعهمْ قَاضُونَ.
وَالْحُجَّة لِلْجُمْهُورِ قَوْله تَعَالَى :" أَقِيمُوا الصَّلَاة " [ الْأَنْعَام : ٧٢ ] وَلَمْ يُفَرِّق بَيْن أَنْ يَكُون فِي وَقْتهَا أَوْ بَعْدهَا.
وَهُوَ أَمْر يَقْتَضِي الْوُجُوب.
وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ الْأَمْر بِقَضَاءِ النَّائِم وَالنَّاسِي، مَعَ أَنَّهُمَا غَيْر مَأْثُومَيْنِ، فَالْعَامِد أَوْلَى.
وَأَيْضًا قَوْله :( مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاة أَوْ نَسِيَهَا ) وَالنِّسْيَان التَّرْك ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" نَسُوا اللَّه فَنَسِيَهُمْ " [ التَّوْبَة : ٦٧ ] و " نَسُوا اللَّه فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسهمْ " [ الْحَشْر : ١٩ ] سَوَاء كَانَ مَعَ ذُهُول أَوْ لَمْ يَكُنْ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يَنْسَى وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ تَرَكَهُمْ و " مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ نُنْسِهَا " [ الْبَقَرَة : ١٠٦ ] أَيْ نَتْرُكهَا وَكَذَلِكَ الذِّكْر يَكُون بَعْد نِسْيَان وَبَعْد غَيْره.
قَالَ اللَّه تَعَالَى :" مَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسه ذَكَرْته فِي نَفْسِي " وَهُوَ تَعَالَى لَا يَنْسَى وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ عَلِمْت.
فَكَذَلِكَ يَكُون مَعْنَى قَوْله :( إِذَا ذَكَرَهَا ) أَيْ عَلِمَهَا وَأَيْضًا فَإِنَّ الدُّيُون الَّتِي لِلْآدَمِيِّينَ إِذَا كَانَتْ مُتَعَلِّقَة بِوَقْتٍ، ثُمَّ جَاءَ الْوَقْت لَمْ يَسْقُط قَضَاؤُهَا بَعْد وُجُوبهَا، وَهِيَ مِمَّا يُسْقِطهَا الْإِبْرَاء كَانَ فِي دُيُون اللَّه تَعَالَى أَلَّا يَصِحّ فِيهَا الْإِبْرَاء أَوْلَى أَلَّا يَسْقُط قَضَاؤُهَا إِلَّا بِإِذْنٍ مِنْهُ.
وَأَيْضًا فَقَدْ اِتَّفَقْنَا أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَان مُتَعَمِّدًا بِغَيْرِ عُذْر لَوَجَبَ قَضَاؤُهُ فَكَذَلِكَ الصَّلَاة.
فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِك : مَنْ تَرَكَ الصَّلَاة مُتَعَمِّدًا لَا يَقْضِي أَبَدًا.
فَالْإِشَارَة إِلَى أَنَّ مَا مَضَى لَا يَعُود، أَوْ يَكُون كَلَامًا خَرَجَ عَلَى التَّغْلِيظ ; كَمَا رُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود وَعَلِيّ : أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَان عَامِدًا لَمْ يُكَفِّرْهُ صِيَام الدَّهْر وَإِنْ صَامَهُ.
وَمَعَ هَذَا فَلَا بُدّ مِنْ تَوْفِيَة التَّكْلِيف حَقّه بِإِقَامَةِ الْقَضَاء مَقَام الْأَدَاء، أَوْ إِتْبَاعه بِالتَّوْبَةِ، وَيَفْعَل اللَّه بَعْد ذَلِكَ مَا يَشَاء.
وَقَدْ رَوَى أَبُو الْمُطَوِّس عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَان مُتَعَمِّدًا لَمْ يُجْزِهِ صِيَام الدَّهْر وَإِنْ صَامَهُ ) وَهَذَا يَحْتَمِل أَنْ لَوْ صَحَّ كَانَ مَعْنَاهُ التَّغْلِيظ ; وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد.
وَقَدْ جَاءَتْ الْكَفَّارَة بِأَحَادِيث صِحَاح، وَفِي بَعْضهَا قَضَاء الْيَوْم ; وَالْحَمْد لِلَّهِ تَعَالَى.
وَالْفَرْق بَيْن الْمُتَعَمِّد وَالنَّاسِي وَالنَّائِم، حَطّ الْمَأْثَم ; فَالْمُتَعَمِّد مَأْثُوم وَجَمِيعهمْ قَاضُونَ.
وَالْحُجَّة لِلْجُمْهُورِ قَوْله تَعَالَى :" أَقِيمُوا الصَّلَاة " [ الْأَنْعَام : ٧٢ ] وَلَمْ يُفَرِّق بَيْن أَنْ يَكُون فِي وَقْتهَا أَوْ بَعْدهَا.
وَهُوَ أَمْر يَقْتَضِي الْوُجُوب.
وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ الْأَمْر بِقَضَاءِ النَّائِم وَالنَّاسِي، مَعَ أَنَّهُمَا غَيْر مَأْثُومَيْنِ، فَالْعَامِد أَوْلَى.
وَأَيْضًا قَوْله :( مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاة أَوْ نَسِيَهَا ) وَالنِّسْيَان التَّرْك ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" نَسُوا اللَّه فَنَسِيَهُمْ " [ التَّوْبَة : ٦٧ ] و " نَسُوا اللَّه فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسهمْ " [ الْحَشْر : ١٩ ] سَوَاء كَانَ مَعَ ذُهُول أَوْ لَمْ يَكُنْ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يَنْسَى وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ تَرَكَهُمْ و " مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ نُنْسِهَا " [ الْبَقَرَة : ١٠٦ ] أَيْ نَتْرُكهَا وَكَذَلِكَ الذِّكْر يَكُون بَعْد نِسْيَان وَبَعْد غَيْره.
قَالَ اللَّه تَعَالَى :" مَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسه ذَكَرْته فِي نَفْسِي " وَهُوَ تَعَالَى لَا يَنْسَى وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ عَلِمْت.
فَكَذَلِكَ يَكُون مَعْنَى قَوْله :( إِذَا ذَكَرَهَا ) أَيْ عَلِمَهَا وَأَيْضًا فَإِنَّ الدُّيُون الَّتِي لِلْآدَمِيِّينَ إِذَا كَانَتْ مُتَعَلِّقَة بِوَقْتٍ، ثُمَّ جَاءَ الْوَقْت لَمْ يَسْقُط قَضَاؤُهَا بَعْد وُجُوبهَا، وَهِيَ مِمَّا يُسْقِطهَا الْإِبْرَاء كَانَ فِي دُيُون اللَّه تَعَالَى أَلَّا يَصِحّ فِيهَا الْإِبْرَاء أَوْلَى أَلَّا يَسْقُط قَضَاؤُهَا إِلَّا بِإِذْنٍ مِنْهُ.
وَأَيْضًا فَقَدْ اِتَّفَقْنَا أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَان مُتَعَمِّدًا بِغَيْرِ عُذْر لَوَجَبَ قَضَاؤُهُ فَكَذَلِكَ الصَّلَاة.
فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِك : مَنْ تَرَكَ الصَّلَاة مُتَعَمِّدًا لَا يَقْضِي أَبَدًا.
فَالْإِشَارَة إِلَى أَنَّ مَا مَضَى لَا يَعُود، أَوْ يَكُون كَلَامًا خَرَجَ عَلَى التَّغْلِيظ ; كَمَا رُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود وَعَلِيّ : أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَان عَامِدًا لَمْ يُكَفِّرْهُ صِيَام الدَّهْر وَإِنْ صَامَهُ.
وَمَعَ هَذَا فَلَا بُدّ مِنْ تَوْفِيَة التَّكْلِيف حَقّه بِإِقَامَةِ الْقَضَاء مَقَام الْأَدَاء، أَوْ إِتْبَاعه بِالتَّوْبَةِ، وَيَفْعَل اللَّه بَعْد ذَلِكَ مَا يَشَاء.
وَقَدْ رَوَى أَبُو الْمُطَوِّس عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَان مُتَعَمِّدًا لَمْ يُجْزِهِ صِيَام الدَّهْر وَإِنْ صَامَهُ ) وَهَذَا يَحْتَمِل أَنْ لَوْ صَحَّ كَانَ مَعْنَاهُ التَّغْلِيظ ; وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد.
وَقَدْ جَاءَتْ الْكَفَّارَة بِأَحَادِيث صِحَاح، وَفِي بَعْضهَا قَضَاء الْيَوْم ; وَالْحَمْد لِلَّهِ تَعَالَى.
الرَّابِعَة : قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ( مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاة أَوْ نَسِيَهَا ) الْحَدِيث يُخَصِّص عُمُوم قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام :( رُفِعَ الْقَلَم عَنْ ثَلَاثَة عَنْ النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ ) وَالْمُرَاد بِالرَّفْعِ هُنَا رَفْع الْمَأْثَم لَا رَفْع الْفَرْض عَنْهُ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَاب قَوْله :( وَعَنْ الصَّبِيّ حَتَّى يَحْتَلِم ) وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَاءَ فِي أَثَر وَاحِد ; فَقِفْ عَلَى هَذَا الْأَصْل.
الْخَامِسَة : اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي هَذَا الْمَعْنَى فِيمَنْ ذَكَرَ صَلَاة فَائِتَة وَهُوَ فِي آخِر وَقْت صَلَاة، أَوْ ذَكَرَ صَلَاة وَهُوَ فِي صَلَاة، فَجُمْلَة مَذْهَب مَالِك : أَنَّ مَنْ ذَكَرَ صَلَاة وَقَدْ حَضَرَ وَقْت صَلَاة أُخْرَى، بَدَأَ بِاَلَّتِي نَسِيَ إِذَا كَانَ خَمْس صَلَوَات فَأَدْنَى، وَإِنْ فَاتَ وَقْت هَذِهِ.
وَإِنْ كَانَ أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ بَدَأَ بِاَلَّتِي حَضَرَ وَقْتهَا، وَعَلَى نَحْو هَذَا مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة وَالثَّوْرِيّ وَاللَّيْث ; إِلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَة وَأَصْحَابه قَالُوا : التَّرْتِيب عِنْدنَا وَاجِب فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة إِذَا كَانَ فِي الْوَقْت سَعَة لِلْفَائِتَةِ وَلِصَلَاةِ الْوَقْت.
فَإِنْ خَشِيَ فَوَات الْوَقْت بَدَأَ بِهَا، فَإِنْ زَادَ عَلَى صَلَاة يَوْم وَلَيْلَة لَمْ يَجِب التَّرْتِيب عِنْدهمْ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الثَّوْرِيّ وُجُوب التَّرْتِيب، وَلَمْ يُفَرِّق بَيْن الْقَلِيل وَالْكَثِير.
وَهُوَ تَحْصِيل مَذْهَب الشَّافِعِيّ.
قَالَ الشَّافِعِيّ : الِاخْتِيَار أَنْ يَبْدَأ بِالْفَائِتَةِ مَا لَمْ يَخَفْ فَوَات هَذِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل وَبَدَأَ بِصَلَاةِ الْوَقْت أَجْزَأَهُ.
وَذَكَرَ الْأَثْرَم أَنَّ التَّرْتِيب عِنْد أَحْمَد وَاجِب فِي صَلَاة سِتِّينَ سَنَة فَأَكْثَر.
وَقَالَ : لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّي صَلَاة وَهُوَ ذَاكِر لِمَا قَبْلهَا لِأَنَّهَا تَفْسُد عَلَيْهِ.
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام :( إِذَا ذَكَرَ أَحَدكُمْ صَلَاة فِي صَلَاة مَكْتُوبَة فَلْيَبْدَأْ بِاَلَّتِي هُوَ فِيهَا فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا صَلَّى الَّتِي نَسِيَ ) وَعُمَر بْن أَبِي عُمَر مَجْهُول.
قُلْت وَهَذَا لَوْ صَحَّ كَانَتْ حُجَّة لِلشَّافِعِيِّ فِي الْبُدَاءَة بِصَلَاةِ الْوَقْت.
وَالصَّحِيح مَا رَوَاهُ أَهْل الصَّحِيح عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه أَنَّ عُمَر يَوْم الْخَنْدَق جَعَلَ يَسُبّ كُفَّار قُرَيْش، وَقَالَ يَا رَسُول اللَّه وَاَللَّه مَا كِدْت أَنْ أُصَلِّي الْعَصْر حَتَّى كَادَتْ الشَّمْس تَغْرُب ; فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( فَوَاَللَّهِ إِنْ صَلَّيْتهَا ) فَنَزَلْنَا الْبُطْحَان فَتَوَضَّأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَتَوَضَّأْنَا فَصَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْر بَعْد مَا غَرَبَتْ الشَّمْس، ثُمَّ صَلَّى بَعْدهَا الْمَغْرِب.
وَهَذَا نَصّ فِي الْبُدَاءَة بِالْفَائِتَةِ قَبْل الْحَاضِرَة، وَلَا سِيَّمَا وَالْمَغْرِب وَقْتهَا وَاحِد مُضَيَّق غَيْر مُمْتَدّ فِي الْأَشْهَر عِنْدنَا، وَعِنْد الشَّافِعِيّ كَمَا تَقَدَّمَ.
الْخَامِسَة : اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي هَذَا الْمَعْنَى فِيمَنْ ذَكَرَ صَلَاة فَائِتَة وَهُوَ فِي آخِر وَقْت صَلَاة، أَوْ ذَكَرَ صَلَاة وَهُوَ فِي صَلَاة، فَجُمْلَة مَذْهَب مَالِك : أَنَّ مَنْ ذَكَرَ صَلَاة وَقَدْ حَضَرَ وَقْت صَلَاة أُخْرَى، بَدَأَ بِاَلَّتِي نَسِيَ إِذَا كَانَ خَمْس صَلَوَات فَأَدْنَى، وَإِنْ فَاتَ وَقْت هَذِهِ.
وَإِنْ كَانَ أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ بَدَأَ بِاَلَّتِي حَضَرَ وَقْتهَا، وَعَلَى نَحْو هَذَا مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة وَالثَّوْرِيّ وَاللَّيْث ; إِلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَة وَأَصْحَابه قَالُوا : التَّرْتِيب عِنْدنَا وَاجِب فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة إِذَا كَانَ فِي الْوَقْت سَعَة لِلْفَائِتَةِ وَلِصَلَاةِ الْوَقْت.
فَإِنْ خَشِيَ فَوَات الْوَقْت بَدَأَ بِهَا، فَإِنْ زَادَ عَلَى صَلَاة يَوْم وَلَيْلَة لَمْ يَجِب التَّرْتِيب عِنْدهمْ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الثَّوْرِيّ وُجُوب التَّرْتِيب، وَلَمْ يُفَرِّق بَيْن الْقَلِيل وَالْكَثِير.
وَهُوَ تَحْصِيل مَذْهَب الشَّافِعِيّ.
قَالَ الشَّافِعِيّ : الِاخْتِيَار أَنْ يَبْدَأ بِالْفَائِتَةِ مَا لَمْ يَخَفْ فَوَات هَذِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل وَبَدَأَ بِصَلَاةِ الْوَقْت أَجْزَأَهُ.
وَذَكَرَ الْأَثْرَم أَنَّ التَّرْتِيب عِنْد أَحْمَد وَاجِب فِي صَلَاة سِتِّينَ سَنَة فَأَكْثَر.
وَقَالَ : لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّي صَلَاة وَهُوَ ذَاكِر لِمَا قَبْلهَا لِأَنَّهَا تَفْسُد عَلَيْهِ.
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام :( إِذَا ذَكَرَ أَحَدكُمْ صَلَاة فِي صَلَاة مَكْتُوبَة فَلْيَبْدَأْ بِاَلَّتِي هُوَ فِيهَا فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا صَلَّى الَّتِي نَسِيَ ) وَعُمَر بْن أَبِي عُمَر مَجْهُول.
قُلْت وَهَذَا لَوْ صَحَّ كَانَتْ حُجَّة لِلشَّافِعِيِّ فِي الْبُدَاءَة بِصَلَاةِ الْوَقْت.
وَالصَّحِيح مَا رَوَاهُ أَهْل الصَّحِيح عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه أَنَّ عُمَر يَوْم الْخَنْدَق جَعَلَ يَسُبّ كُفَّار قُرَيْش، وَقَالَ يَا رَسُول اللَّه وَاَللَّه مَا كِدْت أَنْ أُصَلِّي الْعَصْر حَتَّى كَادَتْ الشَّمْس تَغْرُب ; فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( فَوَاَللَّهِ إِنْ صَلَّيْتهَا ) فَنَزَلْنَا الْبُطْحَان فَتَوَضَّأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَتَوَضَّأْنَا فَصَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْر بَعْد مَا غَرَبَتْ الشَّمْس، ثُمَّ صَلَّى بَعْدهَا الْمَغْرِب.
وَهَذَا نَصّ فِي الْبُدَاءَة بِالْفَائِتَةِ قَبْل الْحَاضِرَة، وَلَا سِيَّمَا وَالْمَغْرِب وَقْتهَا وَاحِد مُضَيَّق غَيْر مُمْتَدّ فِي الْأَشْهَر عِنْدنَا، وَعِنْد الشَّافِعِيّ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَة بْن عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَبِيهِ : أَنَّ الْمُشْرِكِينَ شَغَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَرْبَع صَلَوَات يَوْم الْخَنْدَق، حَتَّى ذَهَبَ مِنْ اللَّيْل مَا شَاءَ اللَّه تَعَالَى، فَأَمَرَ بِالْأَذَانِ بِلَالًا فَقَامَ فَأَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْر، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْر، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِب، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاء، وَبِهَذَا اِسْتَدَلَّ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاة، قَضَاهَا مُرَتَّبَة كَمَا فَاتَتْهُ إِذَا ذَكَرَهَا فِي وَقْت وَاحِد.
وَاخْتَلَفُوا إِذَا ذَكَرَ فَائِتَة فِي مُضَيَّق وَقْت حَاضِرَة عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال يَبْدَأ بِالْفَائِتَةِ وَإِنْ خَرَجَ وَقْت الْحَاضِرَة، وَبِهِ قَالَ مَالِك وَاللَّيْث وَالزَّهْرِيّ وَغَيْرهمْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
الثَّانِي : يَبْدَأ بِالْحَاضِرَةِ وَبِهِ قَالَ الْحَسَن وَالشَّافِعِيّ وَفُقَهَاء أَصْحَاب الْحَدِيث وَالْمُحَاسِبِيّ وَابْن وَهْب مِنْ أَصْحَابنَا.
الثَّالِث : يَتَخَيَّر فَيُقَدِّم أَيَّتهمَا شَاءَ، وَبِهِ قَالَ أَشْهَب.
وَجْه الْأَوَّل : كَثْرَة الصَّلَوَات وَلَا خِلَاف أَنَّهُ يَبْدَأ بِالْحَاضِرَةِ مَعَ الْكَثْرَة ; قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاض.
وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَار الْيَسِير ; فَعَنْ مَالِك : الْخَمْس فَدُون، وَقَدْ قِيلَ : الْأَرْبَع فَدُون لِحَدِيثِ جَابِر ; وَلَمْ يَخْتَلِف الْمَذْهَب أَنَّ السِّتّ كَثِير.
السَّادِسَة : وَأَمَّا مَنْ ذَكَرَ صَلَاة وَهُوَ فِي صَلَاة ; فَإِنْ كَانَ وَرَاء الْإِمَام فَكُلّ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ التَّرْتِيب وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ، يَتَمَادَى مَعَ الْإِمَام حَتَّى يُكْمِل صَلَاته.
وَالْأَصْل فِي هَذَا مَا رَوَاهُ مَالِك وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ :( إِذَا نَسِيَ أَحَدكُمْ صَلَاة فَلَمْ يَذْكُرهَا إِلَّا وَهُوَ مَعَ الْإِمَام فَلْيُصَلِّ مَعَ الْإِمَام فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاته فَلْيُصَلِّ الصَّلَاة الَّتِي نَسِيَ ثُمَّ لِيُعِدْ صَلَاته الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَام ) لَفْظ الدَّارَقُطْنِيّ ; وَقَالَ مُوسَى بْن هَارُونَ : وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو إِبْرَاهِيم التَّرْجُمَانِيّ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد [ بِهِ ] وَرَفَعَهُ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَهِمَ فِي رَفْعه، فَإِنْ كَانَ قَدْ رَجَعَ عَنْ رَفْعه فَقَدْ وُفِّقَ لِلصَّوَابِ.
ثُمَّ اِخْتَلَفُوا ; فَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَحْمَد بْن حَنْبَل : يُصَلِّي الَّتِي ذَكَرَ، ثُمَّ يُصَلِّي الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَام إِلَّا أَنْ يَكُون بَيْنهمَا أَكْثَر مِنْ خَمْس صَلَوَات ; عَلَى مَا قَدَّمْنَا ذِكْره عَنْ الْكُوفِيِّينَ.
وَهُوَ مَذْهَب جَمَاعَة مِنْ أَصْحَاب مَالِك الْمَدَنِيِّينَ.
وَذَكَرَ الْخِرَقِيّ عَنْ أَحْمَد بْن حَنْبَل أَنَّهُ قَالَ : مَنْ ذَكَرَ صَلَاة وَهُوَ فِي أُخْرَى فَإِنَّهُ يُتِمّهَا وَيَقْضِي الْمَذْكُورَة، وَأَعَادَ الَّتِي كَانَ فِيهَا إِذَا كَانَ الْوَقْت وَاسِعًا فَإِنْ خَشِيَ خُرُوج الْوَقْت وَهُوَ فِيهَا أَعْتَقِدُ أَلَّا يُعِيدهَا، وَقَدْ أَجْزَأَتْهُ وَيَقْضِي الَّتِي عَلَيْهِ.
وَقَالَ مَالِك : مَنْ ذَكَرَ صَلَاة وَهُوَ فِي صَلَاة قَدْ صَلَّى مِنْهَا رَكْعَتَيْنِ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ، فَإِنْ كَانَ إِمَامًا اِنْهَدَمَتْ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ خَلْفه وَبَطَلَتْ.
وَاخْتَلَفُوا إِذَا ذَكَرَ فَائِتَة فِي مُضَيَّق وَقْت حَاضِرَة عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال يَبْدَأ بِالْفَائِتَةِ وَإِنْ خَرَجَ وَقْت الْحَاضِرَة، وَبِهِ قَالَ مَالِك وَاللَّيْث وَالزَّهْرِيّ وَغَيْرهمْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
الثَّانِي : يَبْدَأ بِالْحَاضِرَةِ وَبِهِ قَالَ الْحَسَن وَالشَّافِعِيّ وَفُقَهَاء أَصْحَاب الْحَدِيث وَالْمُحَاسِبِيّ وَابْن وَهْب مِنْ أَصْحَابنَا.
الثَّالِث : يَتَخَيَّر فَيُقَدِّم أَيَّتهمَا شَاءَ، وَبِهِ قَالَ أَشْهَب.
وَجْه الْأَوَّل : كَثْرَة الصَّلَوَات وَلَا خِلَاف أَنَّهُ يَبْدَأ بِالْحَاضِرَةِ مَعَ الْكَثْرَة ; قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاض.
وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَار الْيَسِير ; فَعَنْ مَالِك : الْخَمْس فَدُون، وَقَدْ قِيلَ : الْأَرْبَع فَدُون لِحَدِيثِ جَابِر ; وَلَمْ يَخْتَلِف الْمَذْهَب أَنَّ السِّتّ كَثِير.
السَّادِسَة : وَأَمَّا مَنْ ذَكَرَ صَلَاة وَهُوَ فِي صَلَاة ; فَإِنْ كَانَ وَرَاء الْإِمَام فَكُلّ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ التَّرْتِيب وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ، يَتَمَادَى مَعَ الْإِمَام حَتَّى يُكْمِل صَلَاته.
وَالْأَصْل فِي هَذَا مَا رَوَاهُ مَالِك وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ :( إِذَا نَسِيَ أَحَدكُمْ صَلَاة فَلَمْ يَذْكُرهَا إِلَّا وَهُوَ مَعَ الْإِمَام فَلْيُصَلِّ مَعَ الْإِمَام فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاته فَلْيُصَلِّ الصَّلَاة الَّتِي نَسِيَ ثُمَّ لِيُعِدْ صَلَاته الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَام ) لَفْظ الدَّارَقُطْنِيّ ; وَقَالَ مُوسَى بْن هَارُونَ : وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو إِبْرَاهِيم التَّرْجُمَانِيّ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد [ بِهِ ] وَرَفَعَهُ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَهِمَ فِي رَفْعه، فَإِنْ كَانَ قَدْ رَجَعَ عَنْ رَفْعه فَقَدْ وُفِّقَ لِلصَّوَابِ.
ثُمَّ اِخْتَلَفُوا ; فَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَحْمَد بْن حَنْبَل : يُصَلِّي الَّتِي ذَكَرَ، ثُمَّ يُصَلِّي الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَام إِلَّا أَنْ يَكُون بَيْنهمَا أَكْثَر مِنْ خَمْس صَلَوَات ; عَلَى مَا قَدَّمْنَا ذِكْره عَنْ الْكُوفِيِّينَ.
وَهُوَ مَذْهَب جَمَاعَة مِنْ أَصْحَاب مَالِك الْمَدَنِيِّينَ.
وَذَكَرَ الْخِرَقِيّ عَنْ أَحْمَد بْن حَنْبَل أَنَّهُ قَالَ : مَنْ ذَكَرَ صَلَاة وَهُوَ فِي أُخْرَى فَإِنَّهُ يُتِمّهَا وَيَقْضِي الْمَذْكُورَة، وَأَعَادَ الَّتِي كَانَ فِيهَا إِذَا كَانَ الْوَقْت وَاسِعًا فَإِنْ خَشِيَ خُرُوج الْوَقْت وَهُوَ فِيهَا أَعْتَقِدُ أَلَّا يُعِيدهَا، وَقَدْ أَجْزَأَتْهُ وَيَقْضِي الَّتِي عَلَيْهِ.
وَقَالَ مَالِك : مَنْ ذَكَرَ صَلَاة وَهُوَ فِي صَلَاة قَدْ صَلَّى مِنْهَا رَكْعَتَيْنِ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ، فَإِنْ كَانَ إِمَامًا اِنْهَدَمَتْ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ خَلْفه وَبَطَلَتْ.
هَذَا هُوَ الظَّاهِر مِنْ مَذْهَب مَالِك، وَلَيْسَ عِنْد أَهْل النَّظَر مِنْ أَصْحَابه كَذَلِكَ ; لِأَنَّ قَوْله فِيمَنْ ذَكَرَ صَلَاة فِي صَلَاة قَدْ صَلَّى مِنْهَا رَكْعَة أَنَّهُ يُضِيف إِلَيْهَا أُخْرَى وَيُسَلِّم.
وَلَوْ ذَكَرَهَا فِي صَلَاة قَدْ صَلَّى مِنْهَا ثَلَاث رَكَعَات أَضَافَ إِلَيْهَا رَابِعَة وَسَلَّمَ، وَصَارَتْ نَافِلَة غَيْر فَاسِدَة وَلَوْ اِنْهَدَمَتْ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَ وَبَطَلَتْ لَمْ يُؤْمَر أَنْ يُضِيف إِلَيْهَا أُخْرَى، كَمَا لَوْ أَحْدَثَ بَعْد رَكْعَة لَمْ يُضِفْ إِلَيْهَا أُخْرَى.
السَّابِعَة : رَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي قَتَادَة قَالَ : خَطَبَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ حَدِيث الْمِيضَأَة بِطُولِهِ، وَقَالَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ :( أَمَا لَكُمْ فِيَّ أُسْوَة ) ثُمَّ قَالَ :( أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْم تَفْرِيط إِنَّمَا التَّفْرِيط عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاة حَتَّى يَجِيء وَقْت الصَّلَاة الْأُخْرَى فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِين يَنْتَبِه لَهَا فَإِذَا كَانَ الْغَد فَلْيُصَلِّهَا عِنْد وَقْتهَا ) وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ هَكَذَا بِلَفْظِ مُسْلِم سَوَاء، فَظَاهِره يَقْتَضِي إِعَادَة الْمَقْضِيَّة مَرَّتَيْنِ عِنْد ذِكْرهَا وَحُضُور مِثْلهَا مِنْ الْوَقْت الْآتِي ; وَيَعْضُد هَذَا الظَّاهِر مَا خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيث عِمْرَان بْن حُصَيْن، وَذَكَرَ الْقِصَّة وَقَالَ فِي آخِرهَا :( فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ صَلَاة الْغَدَاة مِنْ غَد صَالِحًا فَلْيَقْضِ مَعَهَا مِثْلهَا ).
قُلْت وَهَذَا لَيْسَ عَلَى ظَاهِره، وَلَا تُعَاد غَيْر مَرَّة وَاحِدَة ; لِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عِمْرَان بْن حُصَيْن قَالَ : سَرَيْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاة - أَوْ قَالَ فِي سَرِيَّة فَلَمَّا كَانَ وَقْت السَّحَر عَرَّسْنَا، فَمَا اِسْتَيْقَظْنَا حَتَّى أَيْقَظَنَا حَرّ الشَّمْس، فَجَعَلَ الرَّجُل مِنَّا يَثِب فَزِعًا دَهِشًا، فَلَمَّا اِسْتَيْقَظَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا فَارْتَحَلْنَا، ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى اِرْتَفَعَتْ الشَّمْس، فَقَضَى الْقَوْم حَوَائِجهمْ، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ فَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ فَصَلَّيْنَا الْغَدَاة ; فَقُلْنَا : يَا نَبِيّ اللَّه أَلَا نَقْضِيهَا لِوَقْتِهَا مِنْ الْغَد ؟ فَقَالَ لَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَيَنْهَاكُمْ اللَّه عَنْ الرِّبَا وَيَقْبَلهُ مِنْكُمْ ).
وَقَالَ الْخَطَّابِيّ : لَا أَعْلَم أَحَدًا قَالَ بِهَذَا وُجُوبًا، وَيُشْبِه أَنْ يَكُون الْأَمْر بِهِ اِسْتِحْبَابًا لِيُحْرِزَ فَضِيلَة الْوَقْت فِي الْقَضَاء.
وَالصَّحِيح تَرْك الْعَمَل لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( أَيَنْهَاكُمْ اللَّه عَنْ الرِّبَا وَيَقْبَلهُ مِنْكُمْ ) وَلِأَنَّ الطُّرُق الصِّحَاح مِنْ حَدِيث عِمْرَان بْن حُصَيْن لَيْسَ فِيهَا مِنْ تِلْكَ الزِّيَادَة شَيْء، إِلَّا مَا ذُكِرَ مِنْ حَدِيث أَبِي قَتَادَة وَهُوَ مُحْتَمَل كَمَا بَيَّنَّاهُ.
وَلَوْ ذَكَرَهَا فِي صَلَاة قَدْ صَلَّى مِنْهَا ثَلَاث رَكَعَات أَضَافَ إِلَيْهَا رَابِعَة وَسَلَّمَ، وَصَارَتْ نَافِلَة غَيْر فَاسِدَة وَلَوْ اِنْهَدَمَتْ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَ وَبَطَلَتْ لَمْ يُؤْمَر أَنْ يُضِيف إِلَيْهَا أُخْرَى، كَمَا لَوْ أَحْدَثَ بَعْد رَكْعَة لَمْ يُضِفْ إِلَيْهَا أُخْرَى.
السَّابِعَة : رَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي قَتَادَة قَالَ : خَطَبَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ حَدِيث الْمِيضَأَة بِطُولِهِ، وَقَالَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ :( أَمَا لَكُمْ فِيَّ أُسْوَة ) ثُمَّ قَالَ :( أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْم تَفْرِيط إِنَّمَا التَّفْرِيط عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاة حَتَّى يَجِيء وَقْت الصَّلَاة الْأُخْرَى فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِين يَنْتَبِه لَهَا فَإِذَا كَانَ الْغَد فَلْيُصَلِّهَا عِنْد وَقْتهَا ) وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ هَكَذَا بِلَفْظِ مُسْلِم سَوَاء، فَظَاهِره يَقْتَضِي إِعَادَة الْمَقْضِيَّة مَرَّتَيْنِ عِنْد ذِكْرهَا وَحُضُور مِثْلهَا مِنْ الْوَقْت الْآتِي ; وَيَعْضُد هَذَا الظَّاهِر مَا خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيث عِمْرَان بْن حُصَيْن، وَذَكَرَ الْقِصَّة وَقَالَ فِي آخِرهَا :( فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ صَلَاة الْغَدَاة مِنْ غَد صَالِحًا فَلْيَقْضِ مَعَهَا مِثْلهَا ).
قُلْت وَهَذَا لَيْسَ عَلَى ظَاهِره، وَلَا تُعَاد غَيْر مَرَّة وَاحِدَة ; لِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عِمْرَان بْن حُصَيْن قَالَ : سَرَيْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاة - أَوْ قَالَ فِي سَرِيَّة فَلَمَّا كَانَ وَقْت السَّحَر عَرَّسْنَا، فَمَا اِسْتَيْقَظْنَا حَتَّى أَيْقَظَنَا حَرّ الشَّمْس، فَجَعَلَ الرَّجُل مِنَّا يَثِب فَزِعًا دَهِشًا، فَلَمَّا اِسْتَيْقَظَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا فَارْتَحَلْنَا، ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى اِرْتَفَعَتْ الشَّمْس، فَقَضَى الْقَوْم حَوَائِجهمْ، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ فَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ فَصَلَّيْنَا الْغَدَاة ; فَقُلْنَا : يَا نَبِيّ اللَّه أَلَا نَقْضِيهَا لِوَقْتِهَا مِنْ الْغَد ؟ فَقَالَ لَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَيَنْهَاكُمْ اللَّه عَنْ الرِّبَا وَيَقْبَلهُ مِنْكُمْ ).
وَقَالَ الْخَطَّابِيّ : لَا أَعْلَم أَحَدًا قَالَ بِهَذَا وُجُوبًا، وَيُشْبِه أَنْ يَكُون الْأَمْر بِهِ اِسْتِحْبَابًا لِيُحْرِزَ فَضِيلَة الْوَقْت فِي الْقَضَاء.
وَالصَّحِيح تَرْك الْعَمَل لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( أَيَنْهَاكُمْ اللَّه عَنْ الرِّبَا وَيَقْبَلهُ مِنْكُمْ ) وَلِأَنَّ الطُّرُق الصِّحَاح مِنْ حَدِيث عِمْرَان بْن حُصَيْن لَيْسَ فِيهَا مِنْ تِلْكَ الزِّيَادَة شَيْء، إِلَّا مَا ذُكِرَ مِنْ حَدِيث أَبِي قَتَادَة وَهُوَ مُحْتَمَل كَمَا بَيَّنَّاهُ.
قُلْت : ذَكَرَ إِلْكِيَا الطَّبَرِيّ فِي [ أَحْكَام الْقُرْآن ] لَهُ أَنَّ مِنْ السَّلَف مَنْ خَالَفَ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام :( مَنْ نَسِيَ صَلَاة فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا لَا كَفَّارَة لَهَا إِلَّا ذَلِكَ ) فَقَالَ : يَصْبِر إِلَى مِثْل وَقْته فَلْيُصَلِّ ; فَإِذَا فَاتَ الصُّبْح فَلْيُصَلِّ مِنْ الْغَد.
وَهَذَا قَوْل بَعِيدٌ شَاذّ.
وَهَذَا قَوْل بَعِيدٌ شَاذّ.
إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى
آيَة مُشْكِلَة ; ف
ُوِيَ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَنَّهُ قَرَأَ " أَكَاد أَخْفِيهَا " بِفَتْحِ الْهَمْزَة ; قَالَ : أُظْهِرهَا.
" لِتُجْزَى " أَيْ الْإِظْهَار لِلْجَزَاءِ ; رَوَاهُ أَبُو عُبَيْد عَنْ الْكِسَائِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن سَهْل عَنْ وِقَاء بْن إِيَاس عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَقَالَ النَّحَّاس : وَلَيْسَ لِهَذِهِ الرِّوَايَة طَرِيق غَيْر هَذَا.
قُلْت : وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ فِي كِتَاب الرَّدّ ; حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْجَهْم حَدَّثَنَا الْفَرَّاء حَدَّثَنَا الْكِسَائِيّ ; ح - وَحَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن نَاجِيَة، حَدَّثَنَا يُوسُف حَدَّثَنَا يَحْيَى الْحِمَّانِيّ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَهْل.
قَالَ النَّحَّاس ; وَأَجْوَد مِنْ هَذَا الْإِسْنَاد مَا رَوَاهُ يَحْيَى الْقَطَّان عَنْ الثَّوْرِيّ عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : أَنَّهُ قَرَأَ " أَكَاد أُخْفِيهَا " بِضَمِّ الْهَمْزَة.
قُلْت : وَأَمَّا قِرَاءَة اِبْن جُبَيْر " أَخْفِيهَا " بِفَتْحِ الْهَمْزَة بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور فَقَالَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ قَالَ الْفَرَّاء مَعْنَاهُ أُظْهِرهَا مِنْ خَفَيْت الشَّيْء أُخْفِيه إِذَا أَظْهَرْته.
وَأَنْشَدَ الْفَرَّاء لِامْرِئِ الْقَيْس
أَرَادَ لَا نُظْهِرهُ ؟ وَقَدْ قَالَ بَعْض اللُّغَوِيِّينَ : يَجُوز أَنْ يَكُون " أُخْفِيهَا " بِضَمِّ الْهَمْزَة مَعْنَاهُ أُظْهِرهَا لِأَنَّهُ يُقَال : خَفِيت الشَّيْء وَأَخْفَيْته إِذَا أَظْهَرْته ; فَأَخْفَيْته مِنْ حُرُوف الْأَضْدَاد يَقَع عَلَى السَّتْر وَالْإِظْهَار.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : خَفِيت وَأَخْفَيْت بِمَعْنًى وَاحِد النَّحَّاس : وَهَذَا حَسَن ; وَقَدْ حَكَاهُ عَنْ أَبِي الْخَطَّاب وَهُوَ رَئِيس مِنْ رُؤَسَاء اللُّغَة لَا يُشَكّ فِي صِدْقه ; وَقَدْ رَوَى عَنْهُ سِيبَوَيْهِ وَأَنْشَدَ :
كَذَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَة عَنْ أَبِي الْخَطَّاب بِضَمِّ النُّون.
وَقَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس أَيْضًا :
أَيْ أَظْهَرهُنَّ.
وَرَوَى :" مِنْ سَحَاب مُرَكَّب " بَدَل " مِنْ عَشِيّ مُجَلِّب ".
وَقَالَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ وَتَفْسِير لِلْآيَةِ آخَر :" إِنَّ السَّاعَة آتِيَة أَكَاد " اِنْقَطَعَ الْكَلَام عَلَى " أَكَاد " وَبَعْده مُضْمَر أَكَاد آتِي بِهَا، وَالِابْتِدَاء " أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلّ نَفْس " قَالَ ضَابِئ الْبُرْجُمِيّ :
أَرَادَ وَكِدْت أَفْعَل، فَأَضْمَرَ مَعَ كِدْت فِعْلًا كَالْفِعْلِ الْمُضْمَر مَعَهُ فِي الْقُرْآن.
آيَة مُشْكِلَة ; ف
ُوِيَ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَنَّهُ قَرَأَ " أَكَاد أَخْفِيهَا " بِفَتْحِ الْهَمْزَة ; قَالَ : أُظْهِرهَا.
" لِتُجْزَى " أَيْ الْإِظْهَار لِلْجَزَاءِ ; رَوَاهُ أَبُو عُبَيْد عَنْ الْكِسَائِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن سَهْل عَنْ وِقَاء بْن إِيَاس عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَقَالَ النَّحَّاس : وَلَيْسَ لِهَذِهِ الرِّوَايَة طَرِيق غَيْر هَذَا.
قُلْت : وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ فِي كِتَاب الرَّدّ ; حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْجَهْم حَدَّثَنَا الْفَرَّاء حَدَّثَنَا الْكِسَائِيّ ; ح - وَحَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن نَاجِيَة، حَدَّثَنَا يُوسُف حَدَّثَنَا يَحْيَى الْحِمَّانِيّ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَهْل.
قَالَ النَّحَّاس ; وَأَجْوَد مِنْ هَذَا الْإِسْنَاد مَا رَوَاهُ يَحْيَى الْقَطَّان عَنْ الثَّوْرِيّ عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : أَنَّهُ قَرَأَ " أَكَاد أُخْفِيهَا " بِضَمِّ الْهَمْزَة.
قُلْت : وَأَمَّا قِرَاءَة اِبْن جُبَيْر " أَخْفِيهَا " بِفَتْحِ الْهَمْزَة بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور فَقَالَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ قَالَ الْفَرَّاء مَعْنَاهُ أُظْهِرهَا مِنْ خَفَيْت الشَّيْء أُخْفِيه إِذَا أَظْهَرْته.
وَأَنْشَدَ الْفَرَّاء لِامْرِئِ الْقَيْس
فَإِنْ تَدْفِنُوا الدَّاء لَا نُخْفِهِ | وَإِنْ تَبْعَثُوا الْحَرْب لَا نَقْعُد |
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : خَفِيت وَأَخْفَيْت بِمَعْنًى وَاحِد النَّحَّاس : وَهَذَا حَسَن ; وَقَدْ حَكَاهُ عَنْ أَبِي الْخَطَّاب وَهُوَ رَئِيس مِنْ رُؤَسَاء اللُّغَة لَا يُشَكّ فِي صِدْقه ; وَقَدْ رَوَى عَنْهُ سِيبَوَيْهِ وَأَنْشَدَ :
وَإِنْ تَكْتُمُوا الدَّاء لَا نُخْفِهِ | وَإِنْ تَبْعَثُوا الْحَرْب لَا نَقْعُد |
وَقَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس أَيْضًا :
خَفَاهُنَّ مِنْ أَنْفَاقهنَّ كَأَنَّمَا | خَفَاهُنَّ وَدْق مِنْ عَشِيّ مُجَلِّب |
وَرَوَى :" مِنْ سَحَاب مُرَكَّب " بَدَل " مِنْ عَشِيّ مُجَلِّب ".
وَقَالَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ وَتَفْسِير لِلْآيَةِ آخَر :" إِنَّ السَّاعَة آتِيَة أَكَاد " اِنْقَطَعَ الْكَلَام عَلَى " أَكَاد " وَبَعْده مُضْمَر أَكَاد آتِي بِهَا، وَالِابْتِدَاء " أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلّ نَفْس " قَالَ ضَابِئ الْبُرْجُمِيّ :
هَمَمْت وَلَمْ أَفْعَل وَكِدْت وَلَيْتَنِي | تَرَكْت عَلَى عُثْمَان تَبْكِي حَلَائِله |
قُلْت : هَذَا الَّذِي أَخْتَارهُ النَّحَّاس ; وَزَيَّفَ الْقَوْل الَّذِي قَبْله فَقَالَ يُقَال : خَفَى الشَّيْء يُخْفِيه إِذَا أَظْهَرَهُ، وَقَدْ حُكِيَ أَنَّهُ يُقَال : أَخْفَاهُ أَيْضًا إِذَا أَظْهَرَهُ، وَلَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ ; قَالَ : وَقَدْ رَأَيْت عَلِيّ بْن سُلَيْمَان لَمَّا أَشْكَلَ عَلَيْهِ مَعْنَى " أُخْفِيهَا " عَدَلَ إِلَى هَذَا الْقَوْل، وَقَالَ مَعْنَاهُ كَمَعْنَى " أَخْفِيهَا ".
قَالَ النَّحَّاس : لَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى أُظْهِرهَا وَلَا سِيَّمَا و " أَخْفِيهَا " قِرَاءَة شَاذَّة، فَكَيْفَ تُرَدّ الْقِرَاءَة الصَّحِيحَة الشَّائِعَة إِلَى الشَّاذَّة، وَالْمُضْمَر أَوْلَى ; وَيَكُون التَّقْدِير : إِنَّ السَّاعَة آتِيَة أَكَاد آتِي بِهَا ; وَدَلَّ " آتِيَة " عَلَى آتِي بِهَا ; ثُمَّ قَالَ :" أُخْفِيهَا " عَلَى الِابْتِدَاء.
وَهَذَا مَعْنًى صَحِيح ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَخْفَى السَّاعَة الَّتِي هِيَ الْقِيَامَة، وَالسَّاعَة الَّتِي يَمُوت فِيهَا الْإِنْسَان لِيَكُونَ الْإِنْسَان يَعْمَل، وَالْأَمْر عِنْده مُبْهَم فَلَا يُؤَخِّر التَّوْبَة.
قُلْت : وَعَلَى هَذَا الْقَوْل تَكُون اللَّام فِي " لِتُجْزَى " مُتَعَلِّقَة ب " أُخْفِيهَا ".
وَقَالَ أَبُو عَلِيّ هَذَا مِنْ بَاب السَّلْب وَلَيْسَ مِنْ بَاب الْأَضْدَاد، وَمَعْنَى " أُخْفِيهَا " أُزِيل عَنْهَا خَفَاءَهَا، وَهُوَ سَتْرهَا كَخِفَاءِ الْأَخْفِيَة [ وَهِيَ الْأَكْسِيَة ] وَالْوَاحِد خِفَاء بِكَسْرِ الْخَاء [ مَا تُلَفّ بِهِ ] الْقِرْبَة، وَإِذَا زَالَ عَنْهَا سِتْرهَا ظَهَرَتْ.
وَمِنْ هَذَا قَوْلهمْ : أَشْكَيْته، أَيْ أَزَلْت شَكْوَاهُ، وَأَعْدَيْته أَيْ قَبِلْت اِسْتِعْدَاءَهُ وَلَمْ أُحْوِجه إِلَى إِعَادَته.
وَحَكَى أَبُو حَاتِم عَنْ الْأَخْفَش : أَنَّ " كَادَ " زَائِدَة مُوَكِّدَة.
قَالَ : وَمِثْله " إِذَا أَخْرَجَ يَده لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا " [ النُّور : ٤٠ ] لِأَنَّ الظُّلُمَات الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه تَعَالَى بَعْضهَا يَحُول بَيْن النَّاظِر وَالْمَنْظُور إِلَيْهِ.
وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ اِبْن جُبَيْر، وَالتَّقْدِير : إِنَّ السَّاعَة آتِيَة أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلّ نَفْس بِمَا تَسْعَى.
وَقَالَ الشَّاعِر :
أَرَادَ فَمَا يَتَنَفَّس.
وَقَالَ آخَر : ش/ وَأَلَّا أَلُوم النَّفْس فِيمَا أَصَابَنِي /و وَأَلَّا أَكَاد بِاَلَّذِي نِلْت أَنْجَح
مَعْنَاهُ : وَأَلَّا أَنْجَح بِاَلَّذِي نِلْت ; فَأَكَاد تَوْكِيد لِلْكَلَامِ.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى " أَكَاد أُخْفِيهَا " أَيْ أُقَارِب ذَلِكَ ; لِأَنَّك إِذَا قُلْت كَادَ زَيْد يَقُوم، جَازَ أَنْ يَكُون قَامَ، وَأَنْ يَكُون لَمْ يَقُمْ.
وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أَخْفَاهَا بِدَلَالَةِ غَيْر هَذِهِ عَلَى هَذَا الْجَوَاب.
قَالَ اللُّغَوِيُّونَ : كِدْت أَفْعَل مَعْنَاهُ عِنْد الْعَرَب : قَارَبْت الْفِعْل وَلَمْ أَفْعَل، وَمَا كِدْت أَفْعَل مَعْنَاهُ : فَعَلْت بَعْد إِبْطَاء.
وَشَاهِده قَوْل اللَّه عَزَّتْ عَظَمَته " فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ " [ الْبَقَرَة : ٧١ ] مَعْنَاهُ : وَفَعَلُوا بَعْد إِبْطَاء لِتَعَذُّرِ وِجْدَان الْبَقَرَة عَلَيْهِمْ.
وَقَدْ يَكُون مَا كِدْت أَفْعَل بِمَعْنَى مَا فَعَلْت وَلَا قَارَبْت إِذَا أَكَّدَ الْكَلَام ب " أَكَاد ".
وَقِيلَ مَعْنَى " أَكَاد أُخْفِيهَا " أُرِيد أُخْفِيهَا.
قَالَ النَّحَّاس : لَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى أُظْهِرهَا وَلَا سِيَّمَا و " أَخْفِيهَا " قِرَاءَة شَاذَّة، فَكَيْفَ تُرَدّ الْقِرَاءَة الصَّحِيحَة الشَّائِعَة إِلَى الشَّاذَّة، وَالْمُضْمَر أَوْلَى ; وَيَكُون التَّقْدِير : إِنَّ السَّاعَة آتِيَة أَكَاد آتِي بِهَا ; وَدَلَّ " آتِيَة " عَلَى آتِي بِهَا ; ثُمَّ قَالَ :" أُخْفِيهَا " عَلَى الِابْتِدَاء.
وَهَذَا مَعْنًى صَحِيح ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَخْفَى السَّاعَة الَّتِي هِيَ الْقِيَامَة، وَالسَّاعَة الَّتِي يَمُوت فِيهَا الْإِنْسَان لِيَكُونَ الْإِنْسَان يَعْمَل، وَالْأَمْر عِنْده مُبْهَم فَلَا يُؤَخِّر التَّوْبَة.
قُلْت : وَعَلَى هَذَا الْقَوْل تَكُون اللَّام فِي " لِتُجْزَى " مُتَعَلِّقَة ب " أُخْفِيهَا ".
وَقَالَ أَبُو عَلِيّ هَذَا مِنْ بَاب السَّلْب وَلَيْسَ مِنْ بَاب الْأَضْدَاد، وَمَعْنَى " أُخْفِيهَا " أُزِيل عَنْهَا خَفَاءَهَا، وَهُوَ سَتْرهَا كَخِفَاءِ الْأَخْفِيَة [ وَهِيَ الْأَكْسِيَة ] وَالْوَاحِد خِفَاء بِكَسْرِ الْخَاء [ مَا تُلَفّ بِهِ ] الْقِرْبَة، وَإِذَا زَالَ عَنْهَا سِتْرهَا ظَهَرَتْ.
وَمِنْ هَذَا قَوْلهمْ : أَشْكَيْته، أَيْ أَزَلْت شَكْوَاهُ، وَأَعْدَيْته أَيْ قَبِلْت اِسْتِعْدَاءَهُ وَلَمْ أُحْوِجه إِلَى إِعَادَته.
وَحَكَى أَبُو حَاتِم عَنْ الْأَخْفَش : أَنَّ " كَادَ " زَائِدَة مُوَكِّدَة.
قَالَ : وَمِثْله " إِذَا أَخْرَجَ يَده لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا " [ النُّور : ٤٠ ] لِأَنَّ الظُّلُمَات الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه تَعَالَى بَعْضهَا يَحُول بَيْن النَّاظِر وَالْمَنْظُور إِلَيْهِ.
وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ اِبْن جُبَيْر، وَالتَّقْدِير : إِنَّ السَّاعَة آتِيَة أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلّ نَفْس بِمَا تَسْعَى.
وَقَالَ الشَّاعِر :
سَرِيع إِلَى الْهَيْجَاء شَاكٍ سِلَاحه | فَمَا إِنْ يَكَاد قِرْنه يَتَنَفَّس |
وَقَالَ آخَر : ش/ وَأَلَّا أَلُوم النَّفْس فِيمَا أَصَابَنِي /و وَأَلَّا أَكَاد بِاَلَّذِي نِلْت أَنْجَح
مَعْنَاهُ : وَأَلَّا أَنْجَح بِاَلَّذِي نِلْت ; فَأَكَاد تَوْكِيد لِلْكَلَامِ.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى " أَكَاد أُخْفِيهَا " أَيْ أُقَارِب ذَلِكَ ; لِأَنَّك إِذَا قُلْت كَادَ زَيْد يَقُوم، جَازَ أَنْ يَكُون قَامَ، وَأَنْ يَكُون لَمْ يَقُمْ.
وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أَخْفَاهَا بِدَلَالَةِ غَيْر هَذِهِ عَلَى هَذَا الْجَوَاب.
قَالَ اللُّغَوِيُّونَ : كِدْت أَفْعَل مَعْنَاهُ عِنْد الْعَرَب : قَارَبْت الْفِعْل وَلَمْ أَفْعَل، وَمَا كِدْت أَفْعَل مَعْنَاهُ : فَعَلْت بَعْد إِبْطَاء.
وَشَاهِده قَوْل اللَّه عَزَّتْ عَظَمَته " فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ " [ الْبَقَرَة : ٧١ ] مَعْنَاهُ : وَفَعَلُوا بَعْد إِبْطَاء لِتَعَذُّرِ وِجْدَان الْبَقَرَة عَلَيْهِمْ.
وَقَدْ يَكُون مَا كِدْت أَفْعَل بِمَعْنَى مَا فَعَلْت وَلَا قَارَبْت إِذَا أَكَّدَ الْكَلَام ب " أَكَاد ".
وَقِيلَ مَعْنَى " أَكَاد أُخْفِيهَا " أُرِيد أُخْفِيهَا.
قَالَ الْأَنْبَارِيّ : وَشَاهِد هَذَا قَوْل الْفَصِيح مِنْ الشِّعْر :
كَادَتْ وَكِدْت وَتِلْكَ خَيْر إِرَادَة /و لَوْ عَادَ مِنْ لَهْو الصَّبَابَة مَا مَضَى
مَعْنَاهُ : أَرَادَتْ وَأَرَدْت.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَأَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ فِيمَا ذَكَرَ الثَّعْلَبِيّ أَنَّ الْمَعْنَى أَكَاد أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي ; وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُصْحَف أُبَيّ.
وَفِي مُصْحَف اِبْن مَسْعُود : أَكَاد أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي فَكَيْفَ يَعْلَمهَا مَخْلُوق.
وَفِي بَعْض الْقِرَاءَات : فَكَيْفَ أُظْهِرهَا لَكُمْ.
وَهُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ جَاءَ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَة الْعَرَب فِي كَلَامهَا، مِنْ أَنَّ أَحَدهمْ إِذَا بَالَغَ فِي كِتْمَان الشَّيْء قَالَ : كِدْت أُخْفِيه مِنْ نَفْسِي.
وَاَللَّه تَعَالَى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء ; قَالَ مَعْنَاهُ قُطْرُب وَغَيْره.
وَقَالَ الشَّاعِر :
أَيَّام تَصْحَبنِي هِنْد وَأُخْبِرهَا /و مَا أَكْتُم النَّفْس مِنْ حَاجِّي وَأَسْرَارِي
فَكَيْفَ يُخْبِرهَا بِمَا تَكْتُم نَفْسه.
وَمِنْ هَذَا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( وَرَجُل تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَم شِمَاله مَا تُنْفِق يَمِينه ) الزَّمَخْشَرِيّ وَقِيلَ مَعْنَاهُ : أَكَاد أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي، وَلَا دَلِيل فِي الْكَلَام عَلَى هَذَا الْمَحْذُوف ; وَمَحْذُوف لَا دَلِيل عَلَيْهِ مُطْرَح، وَاَلَّذِي غَرَّهُمْ مِنْهُ أَنَّ فِي مُصْحَف أُبَيّ : أَكَاد أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي ; وَفِي بَعْض الْمَصَاحِف أَكَاد أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي فَكَيْفَ أُظْهِركُمْ عَلَيْهَا.
قُلْت : وَقِيلَ إِنَّ مَعْنَى قَوْل مَنْ قَالَ أَكَاد أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي ; أَيْ إِنَّ إِخْفَاءَهَا كَانَ مِنْ قِبَلِي وَمِنْ عِنْدِي لَا مِنْ قِبَل غَيْرِي.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : أَكَاد أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي ; وَرَوَاهُ طَلْحَة بْن عُمَر وَعَنْ عَطَاء.
وَرَوَى عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : لَا أُظْهِر عَلَيْهَا أَحَدًا.
وَرُوِيَ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : قَدْ أَخْفَاهَا.
وَهَذَا عَلَى أَنَّ كَادَ زَائِدَة.
أَيْ إِنَّ السَّاعَة آتِيَة أُخْفِيهَا، وَالْفَائِدَة فِي إِخْفَائِهَا التَّخْوِيف وَالتَّهْوِيل.
وَقِيلَ : تَعَلَّقَ " لِتُجْزَى " بِقَوْلِهِ تَعَالَى :( وَأَقِمْ الصَّلَاة ) فَيَكُون فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير ; أَيْ أَقِمْ الصَّلَاة لِتَذْكُرنِي ( لِتُجْزَى كُلّ نَفْس بِمَا تَسْعَى ) أَيْ بِسَعْيِهَا ( إِنَّ السَّاعَة آتِيَة أَكَاد أُخْفِيهَا ).
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقِيلَ : هِيَ مُتَعَلِّقَة بِقَوْلِهِ :( آتِيَة ) أَيْ إِنَّ السَّاعَة آتِيَة لِتُجْزَى
كَادَتْ وَكِدْت وَتِلْكَ خَيْر إِرَادَة /و لَوْ عَادَ مِنْ لَهْو الصَّبَابَة مَا مَضَى
مَعْنَاهُ : أَرَادَتْ وَأَرَدْت.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَأَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ فِيمَا ذَكَرَ الثَّعْلَبِيّ أَنَّ الْمَعْنَى أَكَاد أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي ; وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُصْحَف أُبَيّ.
وَفِي مُصْحَف اِبْن مَسْعُود : أَكَاد أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي فَكَيْفَ يَعْلَمهَا مَخْلُوق.
وَفِي بَعْض الْقِرَاءَات : فَكَيْفَ أُظْهِرهَا لَكُمْ.
وَهُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ جَاءَ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَة الْعَرَب فِي كَلَامهَا، مِنْ أَنَّ أَحَدهمْ إِذَا بَالَغَ فِي كِتْمَان الشَّيْء قَالَ : كِدْت أُخْفِيه مِنْ نَفْسِي.
وَاَللَّه تَعَالَى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء ; قَالَ مَعْنَاهُ قُطْرُب وَغَيْره.
وَقَالَ الشَّاعِر :
أَيَّام تَصْحَبنِي هِنْد وَأُخْبِرهَا /و مَا أَكْتُم النَّفْس مِنْ حَاجِّي وَأَسْرَارِي
فَكَيْفَ يُخْبِرهَا بِمَا تَكْتُم نَفْسه.
وَمِنْ هَذَا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( وَرَجُل تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَم شِمَاله مَا تُنْفِق يَمِينه ) الزَّمَخْشَرِيّ وَقِيلَ مَعْنَاهُ : أَكَاد أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي، وَلَا دَلِيل فِي الْكَلَام عَلَى هَذَا الْمَحْذُوف ; وَمَحْذُوف لَا دَلِيل عَلَيْهِ مُطْرَح، وَاَلَّذِي غَرَّهُمْ مِنْهُ أَنَّ فِي مُصْحَف أُبَيّ : أَكَاد أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي ; وَفِي بَعْض الْمَصَاحِف أَكَاد أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي فَكَيْفَ أُظْهِركُمْ عَلَيْهَا.
قُلْت : وَقِيلَ إِنَّ مَعْنَى قَوْل مَنْ قَالَ أَكَاد أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي ; أَيْ إِنَّ إِخْفَاءَهَا كَانَ مِنْ قِبَلِي وَمِنْ عِنْدِي لَا مِنْ قِبَل غَيْرِي.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : أَكَاد أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي ; وَرَوَاهُ طَلْحَة بْن عُمَر وَعَنْ عَطَاء.
وَرَوَى عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : لَا أُظْهِر عَلَيْهَا أَحَدًا.
وَرُوِيَ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : قَدْ أَخْفَاهَا.
وَهَذَا عَلَى أَنَّ كَادَ زَائِدَة.
أَيْ إِنَّ السَّاعَة آتِيَة أُخْفِيهَا، وَالْفَائِدَة فِي إِخْفَائِهَا التَّخْوِيف وَالتَّهْوِيل.
وَقِيلَ : تَعَلَّقَ " لِتُجْزَى " بِقَوْلِهِ تَعَالَى :( وَأَقِمْ الصَّلَاة ) فَيَكُون فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير ; أَيْ أَقِمْ الصَّلَاة لِتَذْكُرنِي ( لِتُجْزَى كُلّ نَفْس بِمَا تَسْعَى ) أَيْ بِسَعْيِهَا ( إِنَّ السَّاعَة آتِيَة أَكَاد أُخْفِيهَا ).
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقِيلَ : هِيَ مُتَعَلِّقَة بِقَوْلِهِ :( آتِيَة ) أَيْ إِنَّ السَّاعَة آتِيَة لِتُجْزَى
فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا
أَيْ لَا يَصْرِفَنَّك عَنْ الْإِيمَان بِهَا وَالتَّصْدِيق لَهَا
أَيْ لَا يَصْرِفَنَّك عَنْ الْإِيمَان بِهَا وَالتَّصْدِيق لَهَا
مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى
أَيْ فَتَهْلِك.
وَهُوَ فِي مَوْضِع نَصْب بِجَوَابِ النَّهْي.
أَيْ فَتَهْلِك.
وَهُوَ فِي مَوْضِع نَصْب بِجَوَابِ النَّهْي.
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا
قِيلَ : كَانَ هَذَا الْخِطَاب مِنْ اللَّه تَعَالَى لِمُوسَى وَحْيًا ; لِأَنَّهُ قَالَ :( فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ) وَلَا بُدّ لِلنَّبِيِّ فِي نَفْسه مِنْ مُعْجِزَة يَعْلَم بِهَا صِحَّة نُبُوَّة نَفْسه، فَأَرَاهُ فِي الْعَصَا وَفِي نَفْسه مَا أَرَاهُ لِذَلِكَ.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَا أَرَاهُ فِي الشَّجَرَة آيَة كَافِيَة لَهُ فِي نَفْسه، ثُمَّ تَكُون الْيَد وَالْعَصَا زِيَادَة تَوْكِيد، وَبُرْهَانًا يَلْقَى بِهِ قَوْمه.
وَاخْتُلِفَ فِي " مَا " فِي قَوْله ( وَمَا تِلْكَ ) فَقَالَ الزَّجَّاج وَالْفَرَّاء : هِيَ اِسْم نَاقِص وُصِلَتْ ب " يَمِينك " أَيْ مَا الَّتِي بِيَمِينِك ؟ وَقَالَ أَيْضًا :" تِلْكَ " بِمَعْنَى هَذِهِ ; وَلَوْ قَالَ : مَا ذَلِكَ لَجَازَ ; أَيْ مَا ذَلِكَ الشَّيْء : وَمَقْصُود السُّؤَال تَقْرِير الْأَمْر حَتَّى يَقُول مُوسَى : هِيَ عَصَايَ ; لِيُثْبِت الْحُجَّة عَلَيْهِ بَعْد مَا اِعْتَرَفَ، وَإِلَّا فَقَدْ عَلِمَ اللَّه مَا هِيَ فِي الْأَزَل.
وَقَالَ اِبْن الْجَوْهَرِيّ وَفِي بَعْض الْآثَار أَنَّ اللَّه تَعَالَى عَتَبَ عَلَى مُوسَى إِضَافَة الْعَصَا إِلَى نَفْسه فِي ذَلِكَ الْمَوْطِن، فَقِيلَ لَهُ : أَلْقِهَا لِتَرَى مِنْهَا الْعَجَب فَتَعْلَم أَنَّهُ لَا مِلْك عَلَيْهَا وَلَا تَنْضَاف إِلَيْك.
وَقَرَأَ اِبْن أَبِي إِسْحَاق " عَصَيّ " عَلَى لُغَة هُذَيْل ; وَمِثْله " يَا بُشْرَيَّ " و " مَحْيَيَّ " وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَقَرَأَ الْحَسَن " عَصَايِ " بِكَسْرِ الْيَاء لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
وَمِثْل هَذَا قِرَاءَة حَمْزَة " وَمَاأَنْتُمْ بِمُصْرِخِيِّ " [ إِبْرَاهِيم : ٢٢ ].
وَعَنْ اِبْن أَبِي إِسْحَاق سُكُون الْيَاء.
فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى جَوَاب السُّؤَال بِأَكْثَر مِمَّا سُئِلَ ; لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ " وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِك يَا مُوسَى " ذَكَرَ مَعَانِي أَرْبَعَة وَهِيَ إِضَافَة الْعَصَا إِلَيْهِ، وَكَانَ حَقّه أَنْ يَقُول عَصَا ; وَالتَّوَكُّؤ ; وَالْهَشّ، وَالْمَآرِب الْمُطْلَقَة.
فَذَكَرَ مُوسَى مِنْ مَنَافِع عَصَاهُ عُظْمهَا وَجُمْهُورهَا وَأَجْمَل سَائِر ذَلِكَ.
وَفِي الْحَدِيث سُئِلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَاء الْبَحْر فَقَالَ ( هُوَ الطَّهُور مَاؤُهُ الْحِلّ مَيْتَته ).
وَسَأَلَتْهُ اِمْرَأَة عَنْ الصَّغِير حِين رَفَعَتْهُ إِلَيْهِ فَقَالَتْ : أَلِهَذَا حَجّ ؟ قَالَ ( نَعَمْ وَلَك أَجْر ).
وَمِثْله فِي الْحَدِيث كَثِير.
قِيلَ : كَانَ هَذَا الْخِطَاب مِنْ اللَّه تَعَالَى لِمُوسَى وَحْيًا ; لِأَنَّهُ قَالَ :( فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ) وَلَا بُدّ لِلنَّبِيِّ فِي نَفْسه مِنْ مُعْجِزَة يَعْلَم بِهَا صِحَّة نُبُوَّة نَفْسه، فَأَرَاهُ فِي الْعَصَا وَفِي نَفْسه مَا أَرَاهُ لِذَلِكَ.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَا أَرَاهُ فِي الشَّجَرَة آيَة كَافِيَة لَهُ فِي نَفْسه، ثُمَّ تَكُون الْيَد وَالْعَصَا زِيَادَة تَوْكِيد، وَبُرْهَانًا يَلْقَى بِهِ قَوْمه.
وَاخْتُلِفَ فِي " مَا " فِي قَوْله ( وَمَا تِلْكَ ) فَقَالَ الزَّجَّاج وَالْفَرَّاء : هِيَ اِسْم نَاقِص وُصِلَتْ ب " يَمِينك " أَيْ مَا الَّتِي بِيَمِينِك ؟ وَقَالَ أَيْضًا :" تِلْكَ " بِمَعْنَى هَذِهِ ; وَلَوْ قَالَ : مَا ذَلِكَ لَجَازَ ; أَيْ مَا ذَلِكَ الشَّيْء : وَمَقْصُود السُّؤَال تَقْرِير الْأَمْر حَتَّى يَقُول مُوسَى : هِيَ عَصَايَ ; لِيُثْبِت الْحُجَّة عَلَيْهِ بَعْد مَا اِعْتَرَفَ، وَإِلَّا فَقَدْ عَلِمَ اللَّه مَا هِيَ فِي الْأَزَل.
وَقَالَ اِبْن الْجَوْهَرِيّ وَفِي بَعْض الْآثَار أَنَّ اللَّه تَعَالَى عَتَبَ عَلَى مُوسَى إِضَافَة الْعَصَا إِلَى نَفْسه فِي ذَلِكَ الْمَوْطِن، فَقِيلَ لَهُ : أَلْقِهَا لِتَرَى مِنْهَا الْعَجَب فَتَعْلَم أَنَّهُ لَا مِلْك عَلَيْهَا وَلَا تَنْضَاف إِلَيْك.
وَقَرَأَ اِبْن أَبِي إِسْحَاق " عَصَيّ " عَلَى لُغَة هُذَيْل ; وَمِثْله " يَا بُشْرَيَّ " و " مَحْيَيَّ " وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَقَرَأَ الْحَسَن " عَصَايِ " بِكَسْرِ الْيَاء لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
وَمِثْل هَذَا قِرَاءَة حَمْزَة " وَمَاأَنْتُمْ بِمُصْرِخِيِّ " [ إِبْرَاهِيم : ٢٢ ].
وَعَنْ اِبْن أَبِي إِسْحَاق سُكُون الْيَاء.
فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى جَوَاب السُّؤَال بِأَكْثَر مِمَّا سُئِلَ ; لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ " وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِك يَا مُوسَى " ذَكَرَ مَعَانِي أَرْبَعَة وَهِيَ إِضَافَة الْعَصَا إِلَيْهِ، وَكَانَ حَقّه أَنْ يَقُول عَصَا ; وَالتَّوَكُّؤ ; وَالْهَشّ، وَالْمَآرِب الْمُطْلَقَة.
فَذَكَرَ مُوسَى مِنْ مَنَافِع عَصَاهُ عُظْمهَا وَجُمْهُورهَا وَأَجْمَل سَائِر ذَلِكَ.
وَفِي الْحَدِيث سُئِلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَاء الْبَحْر فَقَالَ ( هُوَ الطَّهُور مَاؤُهُ الْحِلّ مَيْتَته ).
وَسَأَلَتْهُ اِمْرَأَة عَنْ الصَّغِير حِين رَفَعَتْهُ إِلَيْهِ فَقَالَتْ : أَلِهَذَا حَجّ ؟ قَالَ ( نَعَمْ وَلَك أَجْر ).
وَمِثْله فِي الْحَدِيث كَثِير.
قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا
أَيْ أَتَحَامَل عَلَيْهَا فِي الْمَشْي وَالْوُقُوف ; وَمِنْهُ الِاتِّكَاء
أَيْ أَتَحَامَل عَلَيْهَا فِي الْمَشْي وَالْوُقُوف ; وَمِنْهُ الِاتِّكَاء
وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي
" وَأَهِشّ " أَيْضًا ; ذَكَرَهُ النَّحَّاس.
وَهِيَ قِرَاءَة النَّخَعِيّ، أَيْ أَخْبِط بِهَا الْوَرَق، أَيْ أَضْرِب أَغْصَان الشَّجَر لِيَسْقُط وَرَقهَا، فَيَسْهُل عَلَى غَنَمِي تَنَاوُله فَتَأْكُلهُ.
قَالَ الرَّاجِز :
يُقَال : هَشَّ عَلَى غَنَمه يَهُشّ بِضَمِّ الْهَاء فِي الْمُسْتَقْبَل.
وَهَشَّ إِلَى الرَّجُل يَهَشّ بِالْفَتْحِ وَكَذَلِكَ هَشَّ لِلْمَعْرُوفِ يَهَشّ وَهَشِشْت أَنَا : وَفِي حَدِيث عُمَر : هَشِشْت يَوْمًا فَقَبَّلْت وَأَنَا صَائِم.
قَالَ شِمْر : أَيْ فَرِحْت وَاشْتَهَيْت.
قَالَ : وَيَجُوز هَاشَ بِمَعْنَى هَشَّ.
قَالَ الرَّاعِي
أَيْ طَرِب.
وَالْأَصْل فِي الْكَلِمَة الرَّخَاوَة.
يُقَال رَجُل هَشّ وَزَوْج هَشّ.
وَقَرَأَ عِكْرِمَة " وَأَهُسُّ " بِالسِّينِ غَيْر مُعْجَمَة ; قِيلَ : هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد.
وَقِيلَ : مَعْنَاهُمَا مُخْتَلِف ; فَالْهَشّ بِالْإِعْجَامِ خَبْط الشَّجَر ; وَالْهَسّ بِغَيْرِ إِعْجَام زَجْر الْغَنَم ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ ; وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيّ.
وَعَنْ عِكْرِمَة :" وَأَهُسُّ " بِالسِّينِ أَيْ أَنْحَى عَلَيْهَا زَاجِرًا لَهَا وَالْهَسّ زَجْر الْغَنَم.
" وَأَهِشّ " أَيْضًا ; ذَكَرَهُ النَّحَّاس.
وَهِيَ قِرَاءَة النَّخَعِيّ، أَيْ أَخْبِط بِهَا الْوَرَق، أَيْ أَضْرِب أَغْصَان الشَّجَر لِيَسْقُط وَرَقهَا، فَيَسْهُل عَلَى غَنَمِي تَنَاوُله فَتَأْكُلهُ.
قَالَ الرَّاجِز :
أَهُشّ بِالْعَصَا عَلَى أَغْنَامِي | مِنْ نَاعِم الْأَرَاك وَالْبَشَام |
وَهَشَّ إِلَى الرَّجُل يَهَشّ بِالْفَتْحِ وَكَذَلِكَ هَشَّ لِلْمَعْرُوفِ يَهَشّ وَهَشِشْت أَنَا : وَفِي حَدِيث عُمَر : هَشِشْت يَوْمًا فَقَبَّلْت وَأَنَا صَائِم.
قَالَ شِمْر : أَيْ فَرِحْت وَاشْتَهَيْت.
قَالَ : وَيَجُوز هَاشَ بِمَعْنَى هَشَّ.
قَالَ الرَّاعِي
فَكَبَّرَ لِلرُّؤْيَا وَهَاشَ فُؤَاده | وَبَشَّرَ نَفْسًا كَانَ قَبْل يَلُومهَا |
وَالْأَصْل فِي الْكَلِمَة الرَّخَاوَة.
يُقَال رَجُل هَشّ وَزَوْج هَشّ.
وَقَرَأَ عِكْرِمَة " وَأَهُسُّ " بِالسِّينِ غَيْر مُعْجَمَة ; قِيلَ : هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد.
وَقِيلَ : مَعْنَاهُمَا مُخْتَلِف ; فَالْهَشّ بِالْإِعْجَامِ خَبْط الشَّجَر ; وَالْهَسّ بِغَيْرِ إِعْجَام زَجْر الْغَنَم ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ ; وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيّ.
وَعَنْ عِكْرِمَة :" وَأَهُسُّ " بِالسِّينِ أَيْ أَنْحَى عَلَيْهَا زَاجِرًا لَهَا وَالْهَسّ زَجْر الْغَنَم.
وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى
أَيْ حَوَائِج.
وَ
ِدهَا مَأْرُبَة وَمَأْرَبَة وَمَأْرِبَة.
وَقَالَ :" أُخْرَى " عَلَى صِيغَة الْوَاحِد ; لِأَنَّ مَآرِب فِي مَعْنَى الْجَمَاعَة، لَكِنَّ الْمَهْيَع فِي تَوَابِع جَمْع مَا لَا يَعْقِل الْإِفْرَاد وَالْكِنَايَة عَنْهُ بِذَلِكَ ; فَإِنَّ ذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى الْوَاحِدَة الْمُؤَنَّثَة ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " [ الْأَعْرَاف : ١٨٠ ] وَكَقَوْلِهِ " يَا جِبَال أَوِّبِي مَعَهُ " [ سَبَأ : ١٠ ] وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي " الْأَعْرَاف ".
تَعَرَّضَ قَوْم لِتَعْدِيدِ مَنَافِع الْعَصَا مِنْهُمْ اِبْن عَبَّاس، قَالَ : إِذَا اِنْتَهَيْت إِلَى رَأْس بِئْر فَقَصُرَ الرِّشَا وَصَلْته بِالْعَصَا، وَإِذَا أَصَابَنِي حَرّ الشَّمْس غَرَزْتهَا فِي الْأَرْض وَأَلْقَيْت عَلَيْهَا مَا يُظِلّنِي، وَإِذَا خِفْت شَيْئًا مِنْ هَوَامّ الْأَرْض قَتَلْته بِهَا، وَإِذَا مَشَيْت أَلْقَيْتهَا عَلَى عَاتِقِي وَعَلَّقْت عَلَيْهَا الْقَوْس وَالْكِنَانَة وَالْمِخْلَاة، وَأُقَاتِل بِهَا السِّبَاع عَنْ الْغَنَم.
وَرُوِيَ عَنْهُ مَيْمُون بْن مِهْرَان قَالَ : إِمْسَاك الْعَصَا سُنَّة لِلْأَنْبِيَاءِ، وَعَلَامَة لِلْمُؤْمِنِ.
وَقَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ : فِيهَا سِتّ خِصَال ; سُنَّة لِلْأَنْبِيَاءِ، وَزِينَة الصُّلَحَاء، وَسِلَاح عَلَى الْأَعْدَاء، وَعَوْن لِلضُّعَفَاءِ، وَغَمّ الْمُنَافِقِينَ، وَزِيَادَة فِي الطَّاعَات.
وَيُقَال : إِذَا كَانَ مَعَ الْمُؤْمِن الْعَصَا يَهْرُب مِنْهُ الشَّيْطَان، وَيَخْشَع مِنْهُ الْمُنَافِق وَالْفَاجِر، وَتَكُون قِبْلَته إِذَا صَلَّى، وَقُوَّة إِذَا أَعْيَا.
وَلَقِيَ الْحَجَّاج أَعْرَابِيًّا فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْت يَا أَعْرَابِيّ ؟ قَالَ : مِنْ الْبَادِيَة.
قَالَ : وَمَا فِي يَدك ؟ قَالَ : عَصَايَ أُرَكِّزهَا لِصَلَاتِي، وَأَعُدّهَا لِعِدَاتِي، وَأَسُوق بِهَا دَابَّتِي، وَأَقْوَى بِهَا عَلَى سَفَرِي، وَأَعْتَمِد بِهَا فِي مِشْيَتِي لِتَتَّسِع خُطْوَتِي، وَأَثِب بِهَا النَّهْر، وَتُؤْمِننِي مِنْ الْعَثْر، وَأُلْقِي عَلَيْهَا كِسَائِي فَيَقِينِي الْحَرّ، وَيُدْفِئنِي مِنْ الْقُرّ، وَتُدْنِي إِلَيَّ مَا بَعُدَ مِنِّي، وَهِيَ مَحْمَل سُفْرَتِي، وَعَلَاقَة إِدَاوَتِي، أَعْصِي بِهَا عِنْد الضِّرَاب، وَأَقْرَع بِهَا الْأَبْوَاب، وَأَتَّقِي بِهَا عَقُور الْكِلَاب ; وَتَنُوب عَنْ الرُّمْح فِي الطِّعَان ; وَعَنْ السَّيْف عِنْد مُنَازَلَة الْأَقْرَان ; وَرِثْتهَا عَنْ أَبِي، وَأُوَرِّثهَا بَعْدِي اِبْنِي، وَأَهُشّ بِهَا عَلَى غَنَمِي، وَلِيَ فِيهَا مَآرِب أُخْرَى، كَثِيرَة لَا تُحْصَى.
قُلْت : مَنَافِع الْعَصَا كَثِيرَة، وَلَهَا مَدْخَل فِي مَوَاضِع مِنْ الشَّرِيعَة : مِنْهَا أَنَّهَا تُتَّخَذ قِبْلَة فِي الصَّحْرَاء ; وَقَدْ كَانَ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَنَزَة تُرْكَز لَهُ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا، وَكَانَ إِذَا خَرَجَ يَوْم الْعِيد أَمَرَ بِالْحَرْبَةِ فَتُوضَع بَيْن يَدَيْهِ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا ; وَذَلِكَ ثَابِت فِي الصَّحِيح.
وَالْحَرْبَة وَالْعَنَزَة وَالنَّيْزَك وَالْآلَة اِسْم لِمُسَمًّى وَاحِد.
وَكَانَ لَهُ مِحْجَن وَهُوَ عَصَا مُعْوَجَّة الطَّرَف يُشِير بِهِ إِلَى الْحَجَر إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُقَبِّلهُ ; ثَابِت فِي الصَّحِيح أَيْضًا.
أَيْ حَوَائِج.
وَ
ِدهَا مَأْرُبَة وَمَأْرَبَة وَمَأْرِبَة.
وَقَالَ :" أُخْرَى " عَلَى صِيغَة الْوَاحِد ; لِأَنَّ مَآرِب فِي مَعْنَى الْجَمَاعَة، لَكِنَّ الْمَهْيَع فِي تَوَابِع جَمْع مَا لَا يَعْقِل الْإِفْرَاد وَالْكِنَايَة عَنْهُ بِذَلِكَ ; فَإِنَّ ذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى الْوَاحِدَة الْمُؤَنَّثَة ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " [ الْأَعْرَاف : ١٨٠ ] وَكَقَوْلِهِ " يَا جِبَال أَوِّبِي مَعَهُ " [ سَبَأ : ١٠ ] وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي " الْأَعْرَاف ".
تَعَرَّضَ قَوْم لِتَعْدِيدِ مَنَافِع الْعَصَا مِنْهُمْ اِبْن عَبَّاس، قَالَ : إِذَا اِنْتَهَيْت إِلَى رَأْس بِئْر فَقَصُرَ الرِّشَا وَصَلْته بِالْعَصَا، وَإِذَا أَصَابَنِي حَرّ الشَّمْس غَرَزْتهَا فِي الْأَرْض وَأَلْقَيْت عَلَيْهَا مَا يُظِلّنِي، وَإِذَا خِفْت شَيْئًا مِنْ هَوَامّ الْأَرْض قَتَلْته بِهَا، وَإِذَا مَشَيْت أَلْقَيْتهَا عَلَى عَاتِقِي وَعَلَّقْت عَلَيْهَا الْقَوْس وَالْكِنَانَة وَالْمِخْلَاة، وَأُقَاتِل بِهَا السِّبَاع عَنْ الْغَنَم.
وَرُوِيَ عَنْهُ مَيْمُون بْن مِهْرَان قَالَ : إِمْسَاك الْعَصَا سُنَّة لِلْأَنْبِيَاءِ، وَعَلَامَة لِلْمُؤْمِنِ.
وَقَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ : فِيهَا سِتّ خِصَال ; سُنَّة لِلْأَنْبِيَاءِ، وَزِينَة الصُّلَحَاء، وَسِلَاح عَلَى الْأَعْدَاء، وَعَوْن لِلضُّعَفَاءِ، وَغَمّ الْمُنَافِقِينَ، وَزِيَادَة فِي الطَّاعَات.
وَيُقَال : إِذَا كَانَ مَعَ الْمُؤْمِن الْعَصَا يَهْرُب مِنْهُ الشَّيْطَان، وَيَخْشَع مِنْهُ الْمُنَافِق وَالْفَاجِر، وَتَكُون قِبْلَته إِذَا صَلَّى، وَقُوَّة إِذَا أَعْيَا.
وَلَقِيَ الْحَجَّاج أَعْرَابِيًّا فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْت يَا أَعْرَابِيّ ؟ قَالَ : مِنْ الْبَادِيَة.
قَالَ : وَمَا فِي يَدك ؟ قَالَ : عَصَايَ أُرَكِّزهَا لِصَلَاتِي، وَأَعُدّهَا لِعِدَاتِي، وَأَسُوق بِهَا دَابَّتِي، وَأَقْوَى بِهَا عَلَى سَفَرِي، وَأَعْتَمِد بِهَا فِي مِشْيَتِي لِتَتَّسِع خُطْوَتِي، وَأَثِب بِهَا النَّهْر، وَتُؤْمِننِي مِنْ الْعَثْر، وَأُلْقِي عَلَيْهَا كِسَائِي فَيَقِينِي الْحَرّ، وَيُدْفِئنِي مِنْ الْقُرّ، وَتُدْنِي إِلَيَّ مَا بَعُدَ مِنِّي، وَهِيَ مَحْمَل سُفْرَتِي، وَعَلَاقَة إِدَاوَتِي، أَعْصِي بِهَا عِنْد الضِّرَاب، وَأَقْرَع بِهَا الْأَبْوَاب، وَأَتَّقِي بِهَا عَقُور الْكِلَاب ; وَتَنُوب عَنْ الرُّمْح فِي الطِّعَان ; وَعَنْ السَّيْف عِنْد مُنَازَلَة الْأَقْرَان ; وَرِثْتهَا عَنْ أَبِي، وَأُوَرِّثهَا بَعْدِي اِبْنِي، وَأَهُشّ بِهَا عَلَى غَنَمِي، وَلِيَ فِيهَا مَآرِب أُخْرَى، كَثِيرَة لَا تُحْصَى.
قُلْت : مَنَافِع الْعَصَا كَثِيرَة، وَلَهَا مَدْخَل فِي مَوَاضِع مِنْ الشَّرِيعَة : مِنْهَا أَنَّهَا تُتَّخَذ قِبْلَة فِي الصَّحْرَاء ; وَقَدْ كَانَ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَنَزَة تُرْكَز لَهُ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا، وَكَانَ إِذَا خَرَجَ يَوْم الْعِيد أَمَرَ بِالْحَرْبَةِ فَتُوضَع بَيْن يَدَيْهِ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا ; وَذَلِكَ ثَابِت فِي الصَّحِيح.
وَالْحَرْبَة وَالْعَنَزَة وَالنَّيْزَك وَالْآلَة اِسْم لِمُسَمًّى وَاحِد.
وَكَانَ لَهُ مِحْجَن وَهُوَ عَصَا مُعْوَجَّة الطَّرَف يُشِير بِهِ إِلَى الْحَجَر إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُقَبِّلهُ ; ثَابِت فِي الصَّحِيح أَيْضًا.
وَفِي الْمُوَطَّأ عَنْ السَّائِب بْن يَزِيد أَنَّهُ قَالَ : أَمَرَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أُبَيّ بْن كَعْب وَتَمِيمًا الدَّارِيّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَة رَكْعَة، وَكَانَ الْقَارِئ يَقْرَأ بِالْمِئِين حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِد عَلَى الْعِصِيّ مِنْ طُول الْقِيَام، وَمَا كُنَّا نَنْصَرِف إِلَّا فِي بُزُوغ الْفَجْر.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ : أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ لَهُ مِخْصَرَة.
وَالْإِجْمَاع مُنْعَقِد عَلَى أَنَّ الْخَطِيب يَخْطُب مُتَوَكِّئًا عَلَى سَيْف أَوْ عَصًا، فَالْعَصَا مَأْخُوذَة مِنْ أَصْل كَرِيم، وَمَعْدِن شَرِيف، وَلَا يُنْكِرهَا إِلَّا جَاهِل.
وَقَدْ جَمَعَ اللَّه لِمُوسَى فِي عَصَاهُ مِنْ الْبَرَاهِين الْعِظَام، وَالْآيَات الْجِسَام، مَا آمَنَ بِهِ السَّحَرَة الْمُعَانِدُونَ.
وَاِتَّخَذَهَا سُلَيْمَان لِخُطْبَتِهِ وَمَوْعِظَته وَطُول صَلَاته.
وَكَانَ اِبْن مَسْعُود صَاحِب عَصَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنَزَته ; وَكَانَ يَخْطُب بِالْقَضِيبِ - وَكَفَى بِذَلِكَ فَضْلًا عَلَى شَرَف حَال الْعَصَا - وَعَلَى ذَلِكَ الْخُلَفَاء وَكُبَرَاء الْخُطَبَاء، وَعَادَة الْعَرَب الْعَرْبَاء، الْفُصَحَاء اللَّسِن الْبُلَغَاء أَخْذ الْمِخْصَرَة وَالْعَصَا وَالِاعْتِمَاد عَلَيْهَا عِنْد الْكَلَام، وَفِي الْمَحَافِل وَالْخُطَب.
وَأَنْكَرَتْ الشُّعُوبِيَّة عَلَى خُطَبَاء الْعَرَب أَخْذ الْمِخْصَرَة وَالْإِشَارَة بِهَا إِلَى الْمَعَانِي.
وَالشُّعُوبِيَّة تُبْغِض الْعَرَب وَتُفَضِّل الْعَجَم.
قَالَ مَالِك : كَانَ عَطَاء بْن السَّائِب يُمْسِك الْمِخْصَرَة يَسْتَعِين بِهَا.
قَالَ مَالِك : وَالرَّجُل إِذَا كَبُرَ لَمْ يَكُنْ مِثْل الشَّبَاب يَقْوَى بِهَا عِنْد قِيَامه.
قُلْت : وَفِي مِشْيَته كَمَا قَالَ بَعْضهمْ :
قَالَ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه وَرَضِيَ عَنْهُ : وَقَدْ كَانَ النَّاس إِذَا جَاءَهُمْ الْمَطَر خَرَجُوا بِالْعِصِيِّ يَتَوَكَّئُونَ عَلَيْهَا، حَتَّى لَقَدْ كَانَ الشَّبَاب يَحْبِسُونَ عِصِيّهمْ، وَرُبَّمَا أَخَذَ رَبِيعَة الْعَصَا مِنْ بَعْض مَنْ يَجْلِس إِلَيْهِ حَتَّى يَقُوم.
وَمِنْ مَنَافِع الْعَصَا ضَرْب الرَّجُل نِسَاءَهُ بِهَا فِيمَا يُصْلِحهُمْ، وَيُصْلِح حَاله وَحَالهمْ مَعَهُ.
وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام ( وَأَمَّا أَبُو جَهْم فَلَا يَضَع عَصَاهُ عَنْ عَاتِقه ) فِي إِحْدَى الرِّوَايَات.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ أَوْصَاهُ :( لَا تَرْفَع عَصَاك عَنْ أَهْلك أَخْفِهِمْ فِي اللَّه ) رَوَاهُ عُبَادَة بْن الصَّامِت ; خَرَّجَهُ النَّسَائِيّ.
وَمِنْ هَذَا الْمَعْنِيّ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( عَلِّقْ سَوْطك حَيْثُ يَرَاهُ أَهْلك ) وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي " النِّسَاء ".
وَمِنْ فَوَائِدهَا التَّنْبِيه عَلَى الِانْتِقَال مِنْ هَذِهِ الدَّار ; كَمَا قِيلَ لِبَعْضِ الزُّهَّاد : مَا لَك تَمْشِي عَلَى عَصًا وَلَسْت بِكَبِيرٍ وَلَا مَرِيض ؟ قَالَ إِنِّي أَعْلَم أَنِّي مُسَافِر، وَأَنَّهَا دَار قَلْعَة، وَأَنَّ الْعَصَا مِنْ آلَة السَّفَر ; فَأَخَذَهُ بَعْض الشُّعَرَاء فَقَالَ :
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ : أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ لَهُ مِخْصَرَة.
وَالْإِجْمَاع مُنْعَقِد عَلَى أَنَّ الْخَطِيب يَخْطُب مُتَوَكِّئًا عَلَى سَيْف أَوْ عَصًا، فَالْعَصَا مَأْخُوذَة مِنْ أَصْل كَرِيم، وَمَعْدِن شَرِيف، وَلَا يُنْكِرهَا إِلَّا جَاهِل.
وَقَدْ جَمَعَ اللَّه لِمُوسَى فِي عَصَاهُ مِنْ الْبَرَاهِين الْعِظَام، وَالْآيَات الْجِسَام، مَا آمَنَ بِهِ السَّحَرَة الْمُعَانِدُونَ.
وَاِتَّخَذَهَا سُلَيْمَان لِخُطْبَتِهِ وَمَوْعِظَته وَطُول صَلَاته.
وَكَانَ اِبْن مَسْعُود صَاحِب عَصَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنَزَته ; وَكَانَ يَخْطُب بِالْقَضِيبِ - وَكَفَى بِذَلِكَ فَضْلًا عَلَى شَرَف حَال الْعَصَا - وَعَلَى ذَلِكَ الْخُلَفَاء وَكُبَرَاء الْخُطَبَاء، وَعَادَة الْعَرَب الْعَرْبَاء، الْفُصَحَاء اللَّسِن الْبُلَغَاء أَخْذ الْمِخْصَرَة وَالْعَصَا وَالِاعْتِمَاد عَلَيْهَا عِنْد الْكَلَام، وَفِي الْمَحَافِل وَالْخُطَب.
وَأَنْكَرَتْ الشُّعُوبِيَّة عَلَى خُطَبَاء الْعَرَب أَخْذ الْمِخْصَرَة وَالْإِشَارَة بِهَا إِلَى الْمَعَانِي.
وَالشُّعُوبِيَّة تُبْغِض الْعَرَب وَتُفَضِّل الْعَجَم.
قَالَ مَالِك : كَانَ عَطَاء بْن السَّائِب يُمْسِك الْمِخْصَرَة يَسْتَعِين بِهَا.
قَالَ مَالِك : وَالرَّجُل إِذَا كَبُرَ لَمْ يَكُنْ مِثْل الشَّبَاب يَقْوَى بِهَا عِنْد قِيَامه.
قُلْت : وَفِي مِشْيَته كَمَا قَالَ بَعْضهمْ :
قَدْ كُنْت أَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ مُعْتَمِدًا | فَصِرْت أَمْشِي عَلَى أُخْرَى مِنْ الْخَشَب |
وَمِنْ مَنَافِع الْعَصَا ضَرْب الرَّجُل نِسَاءَهُ بِهَا فِيمَا يُصْلِحهُمْ، وَيُصْلِح حَاله وَحَالهمْ مَعَهُ.
وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام ( وَأَمَّا أَبُو جَهْم فَلَا يَضَع عَصَاهُ عَنْ عَاتِقه ) فِي إِحْدَى الرِّوَايَات.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ أَوْصَاهُ :( لَا تَرْفَع عَصَاك عَنْ أَهْلك أَخْفِهِمْ فِي اللَّه ) رَوَاهُ عُبَادَة بْن الصَّامِت ; خَرَّجَهُ النَّسَائِيّ.
وَمِنْ هَذَا الْمَعْنِيّ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( عَلِّقْ سَوْطك حَيْثُ يَرَاهُ أَهْلك ) وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي " النِّسَاء ".
وَمِنْ فَوَائِدهَا التَّنْبِيه عَلَى الِانْتِقَال مِنْ هَذِهِ الدَّار ; كَمَا قِيلَ لِبَعْضِ الزُّهَّاد : مَا لَك تَمْشِي عَلَى عَصًا وَلَسْت بِكَبِيرٍ وَلَا مَرِيض ؟ قَالَ إِنِّي أَعْلَم أَنِّي مُسَافِر، وَأَنَّهَا دَار قَلْعَة، وَأَنَّ الْعَصَا مِنْ آلَة السَّفَر ; فَأَخَذَهُ بَعْض الشُّعَرَاء فَقَالَ :
حَمَلْت الْعَصَا لَا الضَّعْف أَوْجَبَ حَمْلهَا | عَلَيَّ وَلَا أَنِّي تَحَنَّيْت مِنْ كِبَر |
أَلَيْسَ أَبُونَا هَاشِم شَدَّ أَزْره | وَأَوْصَى بَنِيهِ بِالطِّعَانِ وَبِالضَّرْبِ |
قَالَ الشَّاعِر :
شَدَدْت بِهِ أَزْرِي وَأَيْقَنْت أَنَّهُ | أَخُو الْفَقْر مَنْ ضَاقَتْ عَلَيْهِ مَذَاهِبه |
وَمَاتَ قَبْل مُوسَى بِثَلَاثِ سِنِينَ وَكَانَ فِي جَبْهَة هَارُون شَامَة، وَعَلَى أَرْنَبَة أَنْف مُوسَى شَامَة، وَعَلَى طَرَف لِسَانه شَامَة، وَلَمْ تَكُنْ عَلَى أَحَد قَبْله وَلَا تَكُون عَلَى أَحَد بَعْده، وَقِيلَ : إِنَّهَا كَانَتْ سَبَب الْعُقْدَة الَّتِي فِي لِسَانه.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي
أَيْ فِي النُّبُوَّة وَتَبْلِيغ الرِّسَالَة.
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ كَانَ هَارُون يَوْمئِذٍ بِمِصْرَ، فَأَمَرَ اللَّه مُوسَى أَنْ يَأْتِي هُوَ هَارُون، وَأَوْحَى إِلَى هَارُون وَهُوَ بِمِصْرَ أَنْ يَتَلَقَّى مُوسَى، فَتَلَقَّاهُ إِلَى مَرْحَلَة وَأَخْبَرَهُ بِمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ ; فَقَالَ لَهُ مُوسَى : إِنَّ اللَّه أَمَرَنِي أَنْ آتِي فِرْعَوْن فَسَأَلْت رَبِّي أَنْ يَجْعَلك مَعِي رَسُولًا.
وَقَرَأَ الْعَامَّة " أَخِي اُشْدُدْ " بِوَصْلِ الْأَلِف " وَأَشْرِكْهُ " بِفَتْحِ الْهَمْزَة عَلَى الدُّعَاء، أَيْ اُشْدُدْ يَا رَبّ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ مَعِي فِي أَمْرِي.
وَقَرَأَ اِبْن عَامِر وَيَحْيَى بْن الْحَارِث وَأَبُو حَيْوَة وَالْحَسَن وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي إِسْحَاق " أَشْدُدْ " بِقَطْعِ الْأَلِف " وَأُشْرِكهُ " أَيْ أَنَا يَا رَبّ " فِي أَمْرِي ".
قَالَ النَّحَّاس : جَعَلُوا الْفِعْلَيْنِ فِي مَوْضِع جَزْم جَوَابًا لِقَوْلِهِ :" اِجْعَلْ لِي وَزِيرًا " وَهَذِهِ الْقِرَاءَة شَاذَّة بَعِيدَة ; لِأَنَّ جَوَاب مِثْل هَذَا إِنَّمَا يَتَخَرَّج بِمَعْنَى الشَّرْط وَالْمُجَازَاة ; فَيَكُون الْمَعْنَى : إِنْ تَجْعَل لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي أَشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأُشْرِكهُ فِي أَمْرِي.
وَأَمْره النُّبُوَّة وَالرِّسَالَة، وَلَيْسَ هَذَا إِلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُخْبِر بِهِ، إِنَّمَا سَأَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُشْرِكهُ مَعَهُ فِي النُّبُوَّة.
وَفَتَحَ الْيَاء مِنْ " أَخِي " اِبْن كَثِير وَأَبُو عُمَر.
أَيْ فِي النُّبُوَّة وَتَبْلِيغ الرِّسَالَة.
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ كَانَ هَارُون يَوْمئِذٍ بِمِصْرَ، فَأَمَرَ اللَّه مُوسَى أَنْ يَأْتِي هُوَ هَارُون، وَأَوْحَى إِلَى هَارُون وَهُوَ بِمِصْرَ أَنْ يَتَلَقَّى مُوسَى، فَتَلَقَّاهُ إِلَى مَرْحَلَة وَأَخْبَرَهُ بِمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ ; فَقَالَ لَهُ مُوسَى : إِنَّ اللَّه أَمَرَنِي أَنْ آتِي فِرْعَوْن فَسَأَلْت رَبِّي أَنْ يَجْعَلك مَعِي رَسُولًا.
وَقَرَأَ الْعَامَّة " أَخِي اُشْدُدْ " بِوَصْلِ الْأَلِف " وَأَشْرِكْهُ " بِفَتْحِ الْهَمْزَة عَلَى الدُّعَاء، أَيْ اُشْدُدْ يَا رَبّ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ مَعِي فِي أَمْرِي.
وَقَرَأَ اِبْن عَامِر وَيَحْيَى بْن الْحَارِث وَأَبُو حَيْوَة وَالْحَسَن وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي إِسْحَاق " أَشْدُدْ " بِقَطْعِ الْأَلِف " وَأُشْرِكهُ " أَيْ أَنَا يَا رَبّ " فِي أَمْرِي ".
قَالَ النَّحَّاس : جَعَلُوا الْفِعْلَيْنِ فِي مَوْضِع جَزْم جَوَابًا لِقَوْلِهِ :" اِجْعَلْ لِي وَزِيرًا " وَهَذِهِ الْقِرَاءَة شَاذَّة بَعِيدَة ; لِأَنَّ جَوَاب مِثْل هَذَا إِنَّمَا يَتَخَرَّج بِمَعْنَى الشَّرْط وَالْمُجَازَاة ; فَيَكُون الْمَعْنَى : إِنْ تَجْعَل لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي أَشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأُشْرِكهُ فِي أَمْرِي.
وَأَمْره النُّبُوَّة وَالرِّسَالَة، وَلَيْسَ هَذَا إِلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُخْبِر بِهِ، إِنَّمَا سَأَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُشْرِكهُ مَعَهُ فِي النُّبُوَّة.
وَفَتَحَ الْيَاء مِنْ " أَخِي " اِبْن كَثِير وَأَبُو عُمَر.
كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا
قِيلَ : مَعْنَى " نُسَبِّحك " نُصَلِّي لَك.
وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون التَّسْبِيح بِاللِّسَانِ.
أَيْ نُنَزِّهك عَمَّا لَا يَلِيق بِجَلَالِك.
" وَكَثِيرًا " نَعْت لِمَصْدَرِ مَحْذُوف.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون نَعْتًا لِوَقْتٍ.
وَالْإِدْغَام حَسَن.
قِيلَ : مَعْنَى " نُسَبِّحك " نُصَلِّي لَك.
وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون التَّسْبِيح بِاللِّسَانِ.
أَيْ نُنَزِّهك عَمَّا لَا يَلِيق بِجَلَالِك.
" وَكَثِيرًا " نَعْت لِمَصْدَرِ مَحْذُوف.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون نَعْتًا لِوَقْتٍ.
وَالْإِدْغَام حَسَن.
ﯾﯿ
ﰡ
وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا
" كَثِيرًا " نَعْت لِمَصْدَرٍ مَحْذُوف.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون نَعْتًا لِوَقْتٍ.
وَالْإِدْغَام حَسَن.
" كَثِيرًا " نَعْت لِمَصْدَرٍ مَحْذُوف.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون نَعْتًا لِوَقْتٍ.
وَالْإِدْغَام حَسَن.
إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا
قَالَ الْخَطَّابِيّ : الْبَصِير الْمُبْصِر، وَالْبَصِير الْعَالِم بِخَفِيَّاتِ الْأُمُور، فَالْمَعْنَى ; أَيْ عَالِمًا بِنَا، وَمُدْرِكًا لَنَا فِي صِغَرنَا فَأَحْسَنْت إِلَيْنَا، فَأَحْسِنْ إِلَيْنَا كَذَلِكَ يَا رَبّ.
قَالَ الْخَطَّابِيّ : الْبَصِير الْمُبْصِر، وَالْبَصِير الْعَالِم بِخَفِيَّاتِ الْأُمُور، فَالْمَعْنَى ; أَيْ عَالِمًا بِنَا، وَمُدْرِكًا لَنَا فِي صِغَرنَا فَأَحْسَنْت إِلَيْنَا، فَأَحْسِنْ إِلَيْنَا كَذَلِكَ يَا رَبّ.
قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا
لَمَّا سَأَلَهُ شَرْح الصَّدْر، وَتَيْسِير الْأَمْر إِلَى مَا ذَكَرَ، أَجَابَ سُؤْله، وَأَتَاهُ طِلْبَته وَمَرْغُوبه.
وَالسُّؤْل الطِّلْبَة ; فُعْل بِمَعْنَى مَفْعُول، كَقَوْلِك خُبْز بِمَعْنَى مَخْبُوز وَأُكْل بِمَعْنَى مَأْكُول.
لَمَّا سَأَلَهُ شَرْح الصَّدْر، وَتَيْسِير الْأَمْر إِلَى مَا ذَكَرَ، أَجَابَ سُؤْله، وَأَتَاهُ طِلْبَته وَمَرْغُوبه.
وَالسُّؤْل الطِّلْبَة ; فُعْل بِمَعْنَى مَفْعُول، كَقَوْلِك خُبْز بِمَعْنَى مَخْبُوز وَأُكْل بِمَعْنَى مَأْكُول.
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى
أَيْ قَبْل هَذِهِ، وَهِيَ حِفْظه سُبْحَانه لَهُ مِنْ شَرّ الْأَعْدَاء فِي الِابْتِدَاء ; وَذَلِكَ حِين الذَّبْح.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَالْمَنّ الْإِحْسَان وَالْإِفْضَال.
أَيْ قَبْل هَذِهِ، وَهِيَ حِفْظه سُبْحَانه لَهُ مِنْ شَرّ الْأَعْدَاء فِي الِابْتِدَاء ; وَذَلِكَ حِين الذَّبْح.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَالْمَنّ الْإِحْسَان وَالْإِفْضَال.
إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى
قِيلَ :" أَوْحَيْنَا " أَلْهَمْنَا وَقِيلَ : أَوْحَى إِلَيْهَا فِي النَّوْم.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَوْحَى إِلَيْهَا كَمَا أَوْحَى إِلَى النَّبِيِّينَ.
قِيلَ :" أَوْحَيْنَا " أَلْهَمْنَا وَقِيلَ : أَوْحَى إِلَيْهَا فِي النَّوْم.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَوْحَى إِلَيْهَا كَمَا أَوْحَى إِلَى النَّبِيِّينَ.
أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ
قَالَ مُقَاتِل مُؤْمِن آل فِرْعَوْن هُوَ الَّذِي صَنَعَ التَّابُوت وَنَجَرَهُ وَكَانَ اِسْمه حِزْقِيل.
وَكَانَ التَّابُوت مِنْ جُمَّيْز.
قَالَ مُقَاتِل مُؤْمِن آل فِرْعَوْن هُوَ الَّذِي صَنَعَ التَّابُوت وَنَجَرَهُ وَكَانَ اِسْمه حِزْقِيل.
وَكَانَ التَّابُوت مِنْ جُمَّيْز.
فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ
أَيْ اِطْرَحِيهِ فِي الْبَحْر : نَهْر النِّيل.
" فَاقْذِفِيهِ " قَالَ الْفَرَّاء :" فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمّ " أَمْر وَفِيهِ مَعْنَى الْمُجَازَاة.
أَيْ اِقْذِفِيهِ يُلْقِهِ الْيَمّ.
وَكَذَا قَوْله :" اِتَّبِعُوا سَبِيلنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ " [ الْعَنْكَبُوت : ١٢ ].
أَيْ اِطْرَحِيهِ فِي الْبَحْر : نَهْر النِّيل.
" فَاقْذِفِيهِ " قَالَ الْفَرَّاء :" فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمّ " أَمْر وَفِيهِ مَعْنَى الْمُجَازَاة.
أَيْ اِقْذِفِيهِ يُلْقِهِ الْيَمّ.
وَكَذَا قَوْله :" اِتَّبِعُوا سَبِيلنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ " [ الْعَنْكَبُوت : ١٢ ].
فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ
يَعْنِي فِرْعَوْن ; فَاتَّخَذَتْ تَابُوتًا، وَجَعَلَتْ فِيهِ نِطْعًا وَوَضَعَتْ فِيهِ مُوسَى، وَقَيَّرَتْ رَأْسه وَخِصَاصه يَعْنِي شُقُوقه ثُمَّ أَلْقَتْهُ فِي النِّيل، وَكَانَ يَشْرَع مِنْهُ نَهْر كَبِير فِي دَار فِرْعَوْن، فَسَاقَهُ اللَّه فِي ذَلِكَ النَّهْر إِلَى دَار فِرْعَوْن.
وَرُوِيَ أَنَّهَا جَعَلَتْ فِي التَّابُوت قُطْنًا مَحْلُوجًا، فَوَضَعَتْهُ فِيهِ وَقَيَّرَتْهُ وَجَصَّصَتْهُ، ثُمَّ أَلْقَتْهُ فِي الْيَمّ.
وَكَانَ يَشْرَع مِنْهُ إِلَى بُسْتَان فِرْعَوْن نَهْر كَبِير، فَبَيْنَا هُوَ جَالِس عَلَى رَأْس بِرْكَة مَعَ آسِيَة، إِذَا بِالتَّابُوتِ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، فَفُتِحَ فَإِذَا صَبِيّ أَصْبَحَ النَّاس، فَأَحَبَّهُ عَدُوّ اللَّه حُبًّا شَدِيدًا لَا يَتَمَالَك أَنْ يَصْبِر عَنْهُ.
وَظَاهِر الْقُرْآن يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْبَحْر أَلْقَاهُ بِسَاحِلِهِ وَهُوَ شَاطِئُهُ، فَرَأَى فِرْعَوْن التَّابُوت بِالسَّاحِلِ فَأَمَرَ بِأَخْذِهِ.
وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون إِلْقَاء الْيَمّ بِمَوْضِعٍ مِنْ السَّاحِل، فِيهِ فُوَّهَة نَهْر فِرْعَوْن، ثُمَّ أَدَّاهُ النَّهْر إِلَى حَيْثُ الْبِرْكَة.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقِيلَ : وَجَدَتْهُ اِبْنَة فِرْعَوْن وَكَانَ بِهَا بَرَص، فَلَمَّا فَتَحَتْ التَّابُوت شُفِيَتْ.
وَرُوِيَ أَنَّهُمْ حِين اِلْتَقَطُوا التَّابُوت عَالَجُوا فَتْحه فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَعَالَجُوا كَسْره فَأَعْيَاهُمْ، فَدَنَتْ آسِيَة فَرَأَتْ فِي جَوْف التَّابُوت نُورًا فَعَالَجَتْهُ فَفَتَحَتْهُ، فَإِذَا صَبِيّ نُوره بَيْن عَيْنَيْهِ، وَهُوَ يَمُصّ إِبْهَامه لَبَنًا فَأَحَبُّوهُ.
وَكَانَتْ لِفِرْعَوْن بِنْت بَرْصَاء، وَقَالَ لَهُ الْأَطِبَّاء : لَا تَبْرَأ إِلَّا مِنْ قِبَل الْبَحْر يُوجَد فِيهِ شَبَه إِنْسَان دَوَاؤُهَا رِيقه ; فَلَطَّخَتْ الْبَرْصَاء بَرَصهَا بِرِيقِهِ فَبَرِئَتْ.
وَقِيلَ : لَمَّا نَظَرَتْ إِلَى وَجْهه بَرِئَتْ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقِيلَ : وَجَدَتْهُ جَوَارٍ لِامْرَأَةِ فِرْعَوْن، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ فِرْعَوْن فَرَأَى صَبِيًّا مِنْ أَصْبَح النَّاس وَجْهًا، فَأَحَبَّهُ فِرْعَوْن.
يَعْنِي فِرْعَوْن ; فَاتَّخَذَتْ تَابُوتًا، وَجَعَلَتْ فِيهِ نِطْعًا وَوَضَعَتْ فِيهِ مُوسَى، وَقَيَّرَتْ رَأْسه وَخِصَاصه يَعْنِي شُقُوقه ثُمَّ أَلْقَتْهُ فِي النِّيل، وَكَانَ يَشْرَع مِنْهُ نَهْر كَبِير فِي دَار فِرْعَوْن، فَسَاقَهُ اللَّه فِي ذَلِكَ النَّهْر إِلَى دَار فِرْعَوْن.
وَرُوِيَ أَنَّهَا جَعَلَتْ فِي التَّابُوت قُطْنًا مَحْلُوجًا، فَوَضَعَتْهُ فِيهِ وَقَيَّرَتْهُ وَجَصَّصَتْهُ، ثُمَّ أَلْقَتْهُ فِي الْيَمّ.
وَكَانَ يَشْرَع مِنْهُ إِلَى بُسْتَان فِرْعَوْن نَهْر كَبِير، فَبَيْنَا هُوَ جَالِس عَلَى رَأْس بِرْكَة مَعَ آسِيَة، إِذَا بِالتَّابُوتِ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، فَفُتِحَ فَإِذَا صَبِيّ أَصْبَحَ النَّاس، فَأَحَبَّهُ عَدُوّ اللَّه حُبًّا شَدِيدًا لَا يَتَمَالَك أَنْ يَصْبِر عَنْهُ.
وَظَاهِر الْقُرْآن يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْبَحْر أَلْقَاهُ بِسَاحِلِهِ وَهُوَ شَاطِئُهُ، فَرَأَى فِرْعَوْن التَّابُوت بِالسَّاحِلِ فَأَمَرَ بِأَخْذِهِ.
وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون إِلْقَاء الْيَمّ بِمَوْضِعٍ مِنْ السَّاحِل، فِيهِ فُوَّهَة نَهْر فِرْعَوْن، ثُمَّ أَدَّاهُ النَّهْر إِلَى حَيْثُ الْبِرْكَة.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقِيلَ : وَجَدَتْهُ اِبْنَة فِرْعَوْن وَكَانَ بِهَا بَرَص، فَلَمَّا فَتَحَتْ التَّابُوت شُفِيَتْ.
وَرُوِيَ أَنَّهُمْ حِين اِلْتَقَطُوا التَّابُوت عَالَجُوا فَتْحه فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَعَالَجُوا كَسْره فَأَعْيَاهُمْ، فَدَنَتْ آسِيَة فَرَأَتْ فِي جَوْف التَّابُوت نُورًا فَعَالَجَتْهُ فَفَتَحَتْهُ، فَإِذَا صَبِيّ نُوره بَيْن عَيْنَيْهِ، وَهُوَ يَمُصّ إِبْهَامه لَبَنًا فَأَحَبُّوهُ.
وَكَانَتْ لِفِرْعَوْن بِنْت بَرْصَاء، وَقَالَ لَهُ الْأَطِبَّاء : لَا تَبْرَأ إِلَّا مِنْ قِبَل الْبَحْر يُوجَد فِيهِ شَبَه إِنْسَان دَوَاؤُهَا رِيقه ; فَلَطَّخَتْ الْبَرْصَاء بَرَصهَا بِرِيقِهِ فَبَرِئَتْ.
وَقِيلَ : لَمَّا نَظَرَتْ إِلَى وَجْهه بَرِئَتْ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقِيلَ : وَجَدَتْهُ جَوَارٍ لِامْرَأَةِ فِرْعَوْن، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ فِرْعَوْن فَرَأَى صَبِيًّا مِنْ أَصْبَح النَّاس وَجْهًا، فَأَحَبَّهُ فِرْعَوْن.
وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي
قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَحَبَّهُ اللَّه وَحَبَّبَهُ إِلَى خَلْقه.
وَقَالَ اِبْن عَطِيَّة : جَعَلَ عَلَيْهِ مَسْحَة مِنْ جَمَال لَا يَكَاد يَصْبِر عَنْهُ مَنْ رَآهُ.
وَقَالَ قَتَادَة : كَانَتْ فِي عَيْنَيْ مُوسَى مَلَاحَة مَا رَآهُ أَحَد إِلَّا أَحَبَّهُ وَعَشَقه.
وَقَالَ عِكْرِمَة : الْمَعْنَى جَعَلْت فِيك حُسْنًا وَمَلَاحَة فَلَا يَرَاك أَحَد إِلَّا أَحَبَّك.
وَقَالَ الطَّبَرِيّ : الْمَعْنَى أَلْقَيْت عَلَيْك رَحْمَتِي.
وَقَالَ اِبْن زَيْد : جَعَلْت مَنْ رَآك أَحَبَّك حَتَّى أَحَبَّك فِرْعَوْن فَسَلِمْت مِنْ شَرّه، وَأَحَبَّتْك آسِيَة بِنْت مُزَاحِم فَتَبَنَّتْك.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَحَبَّهُ اللَّه وَحَبَّبَهُ إِلَى خَلْقه.
وَقَالَ اِبْن عَطِيَّة : جَعَلَ عَلَيْهِ مَسْحَة مِنْ جَمَال لَا يَكَاد يَصْبِر عَنْهُ مَنْ رَآهُ.
وَقَالَ قَتَادَة : كَانَتْ فِي عَيْنَيْ مُوسَى مَلَاحَة مَا رَآهُ أَحَد إِلَّا أَحَبَّهُ وَعَشَقه.
وَقَالَ عِكْرِمَة : الْمَعْنَى جَعَلْت فِيك حُسْنًا وَمَلَاحَة فَلَا يَرَاك أَحَد إِلَّا أَحَبَّك.
وَقَالَ الطَّبَرِيّ : الْمَعْنَى أَلْقَيْت عَلَيْك رَحْمَتِي.
وَقَالَ اِبْن زَيْد : جَعَلْت مَنْ رَآك أَحَبَّك حَتَّى أَحَبَّك فِرْعَوْن فَسَلِمْت مِنْ شَرّه، وَأَحَبَّتْك آسِيَة بِنْت مُزَاحِم فَتَبَنَّتْك.
وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي
قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد أَنَّ ذَلِكَ بِعَيْنِي حَيْثُ جُعِلْت فِي التَّابُوت، وَحَيْثُ أُلْقِيَ التَّابُوت فِي الْبَحْر، وَحَيْثُ اِلْتَقَطَك جَوَارِي اِمْرَأَة فِرْعَوْن ; فَأَرَدْنَ أَنْ يَفْتَحْنَ التَّابُوت لِيَنْظُرْنَ مَا فِيهِ، فَقَالَتْ مِنْهُنَّ وَاحِدَة : لَا تَفْتَحْنَهُ حَتَّى تَأْتِينَ بِهِ سَيِّدَتكُنَّ فَهُوَ أَحْظَى لَكُنَّ عِنْدهَا، وَأَجْدَر بِأَلَّا تَتَّهِمكُنَّ بِأَنَّكُنَّ وَجَدْتُنَّ فِيهِ شَيْئًا فَأَخَذْتُمُوهُ لِأَنْفُسِكُنَّ.
وَكَانَتْ اِمْرَأَة فِرْعَوْن لَا تَشْرَب مِنْ الْمَاء إِلَّا مَا اِسْتَقَيْنَهُ أُولَئِكَ الْجَوَارِي فَذَهَبْنَ بِالتَّابُوتِ إِلَيْهَا مُغْلَقًا، فَلَمَّا فَتَحَتْهُ رَأَتْ صَبِيًّا لَمْ يُرَ مِثْله قَطُّ ; وَأُلْقِيَ عَلَيْهَا مَحَبَّته فَأَخَذَتْهُ فَدَخَلَتْ بِهِ عَلَى فِرْعَوْن، فَقَالَتْ لَهُ :" قُرَّة عَيْن لِي وَلَك " [ الْقَصَص : ٩ ] قَالَ لَهَا فِرْعَوْن : أَمَّا لَك فَنَعَمْ، وَأَمَّا لِي فَلَا.
فَبَلَغْنَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( لَوْ أَنَّ فِرْعَوْن قَالَ نَعَمْ هُوَ قُرَّة عَيْن لِي وَلَك لَآمَنَ وَصَدَّقَ ) فَقَالَتْ : هَبْهُ لِي وَلَا تَقْتُلهُ ; فَوَهَبَهُ لَهَا.
وَقِيلَ :" وَلِتُصْنَع عَلَى عَيْنِي " أَيْ تُرَبَّى وَتُغَذَّى عَلَى مَرْأًى مِنِّي ; قَالَهُ قَتَادَة.
قَالَ النَّحَّاس : وَذَلِكَ مَعْرُوف فِي اللُّغَة ; يُقَال : صَنَعْت الْفَرَس وَأَصْنَعْته إِذَا أَحْسَنْت الْقِيَام عَلَيْهِ.
وَالْمَعْنَى " وَلِتُصْنَع عَلَى عَيْنِي " فَعَلْت ذَلِكَ.
وَقِيلَ : اللَّام مُتَعَلِّقَة بِمَا بَعْدهَا مِنْ قَوْله :" إِذْ تَمْشِي أُخْتك " عَلَى التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير ف " إِذْ " ظَرْف " لِتُصْنَع ".
وَقِيلَ : الْوَاو فِي " وَلِتُصْنَع " زَائِدَة.
وَقَرَأَ اِبْن الْقَعْقَاع " وَلِتُصْنَع " بِإِسْكَانِ اللَّام عَلَى الْأَمْر، وَظَاهِره لِلْمُخَاطَبِ وَالْمَأْمُور غَائِب.
وَقَرَأَ أَبُو نَهِيك " وَلِتَصْنَع " بِفَتْحِ التَّاء.
وَالْمَعْنَى وَلِتَكُونَ حَرَكَتك وَتَصَرُّفك بِمَشِيئَتِي وَعَلَى عَيْن مِنِّي.
ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد أَنَّ ذَلِكَ بِعَيْنِي حَيْثُ جُعِلْت فِي التَّابُوت، وَحَيْثُ أُلْقِيَ التَّابُوت فِي الْبَحْر، وَحَيْثُ اِلْتَقَطَك جَوَارِي اِمْرَأَة فِرْعَوْن ; فَأَرَدْنَ أَنْ يَفْتَحْنَ التَّابُوت لِيَنْظُرْنَ مَا فِيهِ، فَقَالَتْ مِنْهُنَّ وَاحِدَة : لَا تَفْتَحْنَهُ حَتَّى تَأْتِينَ بِهِ سَيِّدَتكُنَّ فَهُوَ أَحْظَى لَكُنَّ عِنْدهَا، وَأَجْدَر بِأَلَّا تَتَّهِمكُنَّ بِأَنَّكُنَّ وَجَدْتُنَّ فِيهِ شَيْئًا فَأَخَذْتُمُوهُ لِأَنْفُسِكُنَّ.
وَكَانَتْ اِمْرَأَة فِرْعَوْن لَا تَشْرَب مِنْ الْمَاء إِلَّا مَا اِسْتَقَيْنَهُ أُولَئِكَ الْجَوَارِي فَذَهَبْنَ بِالتَّابُوتِ إِلَيْهَا مُغْلَقًا، فَلَمَّا فَتَحَتْهُ رَأَتْ صَبِيًّا لَمْ يُرَ مِثْله قَطُّ ; وَأُلْقِيَ عَلَيْهَا مَحَبَّته فَأَخَذَتْهُ فَدَخَلَتْ بِهِ عَلَى فِرْعَوْن، فَقَالَتْ لَهُ :" قُرَّة عَيْن لِي وَلَك " [ الْقَصَص : ٩ ] قَالَ لَهَا فِرْعَوْن : أَمَّا لَك فَنَعَمْ، وَأَمَّا لِي فَلَا.
فَبَلَغْنَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( لَوْ أَنَّ فِرْعَوْن قَالَ نَعَمْ هُوَ قُرَّة عَيْن لِي وَلَك لَآمَنَ وَصَدَّقَ ) فَقَالَتْ : هَبْهُ لِي وَلَا تَقْتُلهُ ; فَوَهَبَهُ لَهَا.
وَقِيلَ :" وَلِتُصْنَع عَلَى عَيْنِي " أَيْ تُرَبَّى وَتُغَذَّى عَلَى مَرْأًى مِنِّي ; قَالَهُ قَتَادَة.
قَالَ النَّحَّاس : وَذَلِكَ مَعْرُوف فِي اللُّغَة ; يُقَال : صَنَعْت الْفَرَس وَأَصْنَعْته إِذَا أَحْسَنْت الْقِيَام عَلَيْهِ.
وَالْمَعْنَى " وَلِتُصْنَع عَلَى عَيْنِي " فَعَلْت ذَلِكَ.
وَقِيلَ : اللَّام مُتَعَلِّقَة بِمَا بَعْدهَا مِنْ قَوْله :" إِذْ تَمْشِي أُخْتك " عَلَى التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير ف " إِذْ " ظَرْف " لِتُصْنَع ".
وَقِيلَ : الْوَاو فِي " وَلِتُصْنَع " زَائِدَة.
وَقَرَأَ اِبْن الْقَعْقَاع " وَلِتُصْنَع " بِإِسْكَانِ اللَّام عَلَى الْأَمْر، وَظَاهِره لِلْمُخَاطَبِ وَالْمَأْمُور غَائِب.
وَقَرَأَ أَبُو نَهِيك " وَلِتَصْنَع " بِفَتْحِ التَّاء.
وَالْمَعْنَى وَلِتَكُونَ حَرَكَتك وَتَصَرُّفك بِمَشِيئَتِي وَعَلَى عَيْن مِنِّي.
ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ.
إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ
" إِذْ تَمْشِي أُخْتك " الْعَامِل فِي " إِذْ تَمْشِي " " أَلْقَيْت " أَوْ " تُصْنَع ".
وَيَجُوز أَنْ يَكُون بَدَلًا مِنْ " إِذْ أَوْحَيْنَا " وَأُخْته اِسْمهَا مَرْيَم
" إِذْ تَمْشِي أُخْتك " الْعَامِل فِي " إِذْ تَمْشِي " " أَلْقَيْت " أَوْ " تُصْنَع ".
وَيَجُوز أَنْ يَكُون بَدَلًا مِنْ " إِذْ أَوْحَيْنَا " وَأُخْته اِسْمهَا مَرْيَم
فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ
وَذَلِكَ أَنَّهَا خَرَجَتْ مُتَعَرِّفَة خَبَره، وَكَانَ مُوسَى لَمَّا وَهَبَهُ فِرْعَوْن مِنْ اِمْرَأَته طَلَبَتْ لَهُ الْمَرَاضِع، وَكَانَ لَا يَأْخُذ مِنْ أَحَد حَتَّى أَقْبَلَتْ أُخْته، فَأَخَذَتْهُ وَوَضَعَتْهُ فِي حِجْرهَا وَنَاوَلَتْهُ ثَدْيهَا فَمَصَّهُ وَفَرِحَ بِهِ.
فَقَالُوا لَهَا : تُقِيمِينَ عِنْدنَا ; فَقَالَتْ : إِنَّهُ لَا لَبَن لِي وَلَكِنْ أَدُلّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلهُ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ.
قَالُوا : وَمَنْ هِيَ ؟.
قَالَتْ : أُمِّي.
فَقَالُوا : لَهَا لَبَن ؟ قَالَتْ : لَبَن أَخِي هَارُون.
وَكَانَ هَارُون أَكْبَر مِنْ مُوسَى بِسَنَةٍ.
وَقِيلَ بِثَلَاثٍ.
وَقِيلَ بِأَرْبَعٍ.
وَذَلِكَ أَنَّ فِرْعَوْن رَحِمَ بَنِي إِسْرَائِيل فَرَفَعَ عَنْهُمْ الْقَتْل أَرْبَع سِنِينَ، فَوُلِدَ هَارُون فِيهَا ; قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَجَاءَتْ الْأُمّ فَقَبِلَ ثَدْيهَا.
وَذَلِكَ أَنَّهَا خَرَجَتْ مُتَعَرِّفَة خَبَره، وَكَانَ مُوسَى لَمَّا وَهَبَهُ فِرْعَوْن مِنْ اِمْرَأَته طَلَبَتْ لَهُ الْمَرَاضِع، وَكَانَ لَا يَأْخُذ مِنْ أَحَد حَتَّى أَقْبَلَتْ أُخْته، فَأَخَذَتْهُ وَوَضَعَتْهُ فِي حِجْرهَا وَنَاوَلَتْهُ ثَدْيهَا فَمَصَّهُ وَفَرِحَ بِهِ.
فَقَالُوا لَهَا : تُقِيمِينَ عِنْدنَا ; فَقَالَتْ : إِنَّهُ لَا لَبَن لِي وَلَكِنْ أَدُلّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلهُ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ.
قَالُوا : وَمَنْ هِيَ ؟.
قَالَتْ : أُمِّي.
فَقَالُوا : لَهَا لَبَن ؟ قَالَتْ : لَبَن أَخِي هَارُون.
وَكَانَ هَارُون أَكْبَر مِنْ مُوسَى بِسَنَةٍ.
وَقِيلَ بِثَلَاثٍ.
وَقِيلَ بِأَرْبَعٍ.
وَذَلِكَ أَنَّ فِرْعَوْن رَحِمَ بَنِي إِسْرَائِيل فَرَفَعَ عَنْهُمْ الْقَتْل أَرْبَع سِنِينَ، فَوُلِدَ هَارُون فِيهَا ; قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَجَاءَتْ الْأُمّ فَقَبِلَ ثَدْيهَا.
فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ
وَفَى مُصْحَف أُبَيّ " فَرَدَدْنَاك "
وَفَى مُصْحَف أُبَيّ " فَرَدَدْنَاك "
كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا
وَرَوَى عَبْد الْحَمِيد عَنْ اِبْن عَامِر " كَيْ تَقِرّ عَيْنهَا " بِكَسْرِ الْقَاف.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَقَرِرْت بِهِ عَيْنًا وَقَرَرْت بِهِ قُرَّة وَقُرُورًا فِيهِمَا.
رَجُل قَرِير الْعَيْن ; وَقَدْ قَرَّتْ عَيْنه تَقِرّ وَتَقَرّ نَقِيض سَخِنَتْ.
وَأَقَرَّ اللَّه عَيْنه أَيْ أَعْطَاهُ حَتَّى تَقَرّ فَلَا تَطْمَح إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقه، وَيُقَال : حَتَّى تَبْرُد وَلَا تَسْخَن.
وَلِلسُّرُورِ دَمْعَة بَارِدَة، وَلِلْحُزْنِ دَمْعَة حَارَّة.
وَرَوَى عَبْد الْحَمِيد عَنْ اِبْن عَامِر " كَيْ تَقِرّ عَيْنهَا " بِكَسْرِ الْقَاف.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَقَرِرْت بِهِ عَيْنًا وَقَرَرْت بِهِ قُرَّة وَقُرُورًا فِيهِمَا.
رَجُل قَرِير الْعَيْن ; وَقَدْ قَرَّتْ عَيْنه تَقِرّ وَتَقَرّ نَقِيض سَخِنَتْ.
وَأَقَرَّ اللَّه عَيْنه أَيْ أَعْطَاهُ حَتَّى تَقَرّ فَلَا تَطْمَح إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقه، وَيُقَال : حَتَّى تَبْرُد وَلَا تَسْخَن.
وَلِلسُّرُورِ دَمْعَة بَارِدَة، وَلِلْحُزْنِ دَمْعَة حَارَّة.
وَلَا تَحْزَنَ
أَيْ عَلَى فَقْدك.
أَيْ عَلَى فَقْدك.
وَقَتَلْتَ نَفْسًا
قَالَ اِبْن عَبَّاس : قَتَلَ قِبْطِيًّا كَافِرًا.
قَالَ كَعْب : وَكَانَ إِذْ ذَاكَ اِبْن اِثْنَتَيْ عَشْرَة سَنَة.
فِي صَحِيح مُسْلِم : وَكَانَ قَتْله خَطَأ ; عَلَى مَا يَأْتِي
قَالَ اِبْن عَبَّاس : قَتَلَ قِبْطِيًّا كَافِرًا.
قَالَ كَعْب : وَكَانَ إِذْ ذَاكَ اِبْن اِثْنَتَيْ عَشْرَة سَنَة.
فِي صَحِيح مُسْلِم : وَكَانَ قَتْله خَطَأ ; عَلَى مَا يَأْتِي
فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ
أَيْ آمَنَّاك مِنْ الْخَوْف وَالْقَتْل وَالْحَبْس.
أَيْ آمَنَّاك مِنْ الْخَوْف وَالْقَتْل وَالْحَبْس.
وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا
أَيْ اِخْتَبَرْنَاك اِخْتِبَارًا حَتَّى صَلَحْت لِلرِّسَالَةِ، وَقَالَ قَتَادَة : بَلَوْنَاك بَلَاء.
مُجَاهِد : أَخْلَصْنَاك إِخْلَاصًا.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : اِخْتَبَرْنَاك بِأَشْيَاء قَبْل الرِّسَالَة، أَوَّلهَا حَمَلَتْهُ أُمّه فِي السَّنَة الَّتِي كَانَ فِرْعَوْن يَذْبَح فِيهَا الْأَطْفَال، ثُمَّ إِلْقَاؤُهُ فِي الْيَمّ، ثُمَّ مَنْعه مِنْ الرَّضَاع إِلَّا مِنْ ثَدْي أُمّه، ثُمَّ جَرّه بِلِحْيَةِ فِرْعَوْن، ثُمَّ تَنَاوُله الْجَمْرَة بَدَل الدُّرَّة، فَدَرَأَ ذَلِكَ عَنْهُ قَتْل فِرْعَوْن، ثُمَّ قَتْله الْقِبْطِيّ وَخُرُوجه خَائِفًا يَتَرَقَّب، ثُمَّ رِعَايَته الْغَنَم لِيَتَدَرَّب بِهَا عَلَى رِعَايَة الْخَلْق.
فَيُقَال : إِنَّهُ نَدَّ لَهُ مِنْ الْغَنَم جَدْي فَاتَّبَعَهُ أَكْثَر النَّهَار، وَأَتْعَبَهُ، ثُمَّ أَخَذَهُ فَقَبَّلَهُ وَضَمَّهُ إِلَى صَدْره، وَقَالَ لَهُ أَتْعَبْتنِي وَأَتْعَبْت نَفْسك ; وَلَمْ يَغْضَب عَلَيْهِ.
قَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : وَلِهَذَا اِتَّخَذَهُ اللَّه كَلِيمًا.
أَيْ اِخْتَبَرْنَاك اِخْتِبَارًا حَتَّى صَلَحْت لِلرِّسَالَةِ، وَقَالَ قَتَادَة : بَلَوْنَاك بَلَاء.
مُجَاهِد : أَخْلَصْنَاك إِخْلَاصًا.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : اِخْتَبَرْنَاك بِأَشْيَاء قَبْل الرِّسَالَة، أَوَّلهَا حَمَلَتْهُ أُمّه فِي السَّنَة الَّتِي كَانَ فِرْعَوْن يَذْبَح فِيهَا الْأَطْفَال، ثُمَّ إِلْقَاؤُهُ فِي الْيَمّ، ثُمَّ مَنْعه مِنْ الرَّضَاع إِلَّا مِنْ ثَدْي أُمّه، ثُمَّ جَرّه بِلِحْيَةِ فِرْعَوْن، ثُمَّ تَنَاوُله الْجَمْرَة بَدَل الدُّرَّة، فَدَرَأَ ذَلِكَ عَنْهُ قَتْل فِرْعَوْن، ثُمَّ قَتْله الْقِبْطِيّ وَخُرُوجه خَائِفًا يَتَرَقَّب، ثُمَّ رِعَايَته الْغَنَم لِيَتَدَرَّب بِهَا عَلَى رِعَايَة الْخَلْق.
فَيُقَال : إِنَّهُ نَدَّ لَهُ مِنْ الْغَنَم جَدْي فَاتَّبَعَهُ أَكْثَر النَّهَار، وَأَتْعَبَهُ، ثُمَّ أَخَذَهُ فَقَبَّلَهُ وَضَمَّهُ إِلَى صَدْره، وَقَالَ لَهُ أَتْعَبْتنِي وَأَتْعَبْت نَفْسك ; وَلَمْ يَغْضَب عَلَيْهِ.
قَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : وَلِهَذَا اِتَّخَذَهُ اللَّه كَلِيمًا.
فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ
يُرِيد عَشْر سِنِينَ أَتَمّ الْأَجَلَيْنِ.
وَقَالَ وَهْب : لَبِثَ عِنْد شُعَيْب ثَمَانِي وَعِشْرِينَ سَنَة، مِنْهَا عَشَرَة مَهْر اِمْرَأَته صفورا اِبْنَة شُعَيْب، وَثَمَانِي عَشْرَة أَقَامَهَا عِنْده حَتَّى وُلِدَ لَهُ عِنْده.
يُرِيد عَشْر سِنِينَ أَتَمّ الْأَجَلَيْنِ.
وَقَالَ وَهْب : لَبِثَ عِنْد شُعَيْب ثَمَانِي وَعِشْرِينَ سَنَة، مِنْهَا عَشَرَة مَهْر اِمْرَأَته صفورا اِبْنَة شُعَيْب، وَثَمَانِي عَشْرَة أَقَامَهَا عِنْده حَتَّى وُلِدَ لَهُ عِنْده.
ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَعَبْد الرَّحْمَن بْن كَيْسَان : يُرِيد مُوَافِقًا لِلنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَة ; لِأَنَّ الْأَنْبِيَاء لَا يُبْعَثُونَ إِلَّا أَبْنَاء أَرْبَعِينَ سَنَة.
وَقَالَ مُجَاهِد وَمُقَاتِل :" عَلَى قَدَر " عَلَى وَعْد.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب : ثُمَّ جِئْت عَلَى الْقَدَر الَّذِي قَدَّرْت لَك أَنَّك تَجِيء فِيهِ.
وَالْمَعْنَى وَاحِد.
أَيْ جِئْت الْوَقْت الَّذِي أَرَدْنَا إِرْسَالك فِيهِ.
وَقَالَ الشَّاعِر :
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَعَبْد الرَّحْمَن بْن كَيْسَان : يُرِيد مُوَافِقًا لِلنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَة ; لِأَنَّ الْأَنْبِيَاء لَا يُبْعَثُونَ إِلَّا أَبْنَاء أَرْبَعِينَ سَنَة.
وَقَالَ مُجَاهِد وَمُقَاتِل :" عَلَى قَدَر " عَلَى وَعْد.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب : ثُمَّ جِئْت عَلَى الْقَدَر الَّذِي قَدَّرْت لَك أَنَّك تَجِيء فِيهِ.
وَالْمَعْنَى وَاحِد.
أَيْ جِئْت الْوَقْت الَّذِي أَرَدْنَا إِرْسَالك فِيهِ.
وَقَالَ الشَّاعِر :
نَالَ الْخِلَافَة أَوْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا | كَمَا أَتَى رَبَّهُ مُوسَى عَلَى قَدَر |
فَمَا وَنَى مُحَمَّد مُذْ اَنْ غَفَرْ | لَهُ الْإِلَه مَا مَضَى وَمَا غَبَرْ |
وَقَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس :
مِسَحٍّ إِذَا مَا السَّابِحَات عَلَى الْوَنَى | أَثَرْنَ غُبَارًا بِالْكَدِيدِ الْمُرَكَّل |
كَأَنَّ الْقُدُور الرَّاسِيَات أَمَامهمْ | قِبَاب بَنَوْهَا لَا تَنِي أَبَدًا تَغْلِي |
وَفِي قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود " وَلَا تَهِنَا فِي ذِكْرِي " وَتَحْمِيدِي وَتَمْجِيدِي وَتَبْلِيغ رِسَالَتِي.
اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى
" اِذْهَبَا " قَالَ فِي أَوَّل الْآيَة :" اِذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوك بِآيَاتِي " وَقَالَ هُنَا " اِذْهَبَا " فَقِيلَ أَمَرَ اللَّه تَعَالَى مُوسَى وَهَارُون فِي هَذِهِ الْآيَة بِالنُّفُوذِ إِلَى دَعْوَة فِرْعَوْن، وَخَاطَبَ أَوَّلًا مُوسَى وَحْده تَشْرِيفًا لَهُ ; ثُمَّ كَرَّرَ لِلتَّأْكِيدِ.
وَقِيلَ بَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا يَكْفِي ذَهَاب أَحَدهمَا.
وَقِيلَ : الْأَوَّل أَمْر بِالذَّهَابِ إِلَى كُلّ النَّاس، وَالثَّانِي بِالذَّهَابِ إِلَى فِرْعَوْن.
" اِذْهَبَا " قَالَ فِي أَوَّل الْآيَة :" اِذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوك بِآيَاتِي " وَقَالَ هُنَا " اِذْهَبَا " فَقِيلَ أَمَرَ اللَّه تَعَالَى مُوسَى وَهَارُون فِي هَذِهِ الْآيَة بِالنُّفُوذِ إِلَى دَعْوَة فِرْعَوْن، وَخَاطَبَ أَوَّلًا مُوسَى وَحْده تَشْرِيفًا لَهُ ; ثُمَّ كَرَّرَ لِلتَّأْكِيدِ.
وَقِيلَ بَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا يَكْفِي ذَهَاب أَحَدهمَا.
وَقِيلَ : الْأَوَّل أَمْر بِالذَّهَابِ إِلَى كُلّ النَّاس، وَالثَّانِي بِالذَّهَابِ إِلَى فِرْعَوْن.
فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا
دَلِيل عَلَى جَوَاز الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر، وَأَنَّ ذَلِكَ يَكُون بِاللَّيِّنِ مِنْ الْقَوْل لِمَنْ مَعَهُ الْقُوَّة، وَضُمِنَتْ لَهُ الْعِصْمَة، أَلَا تَرَاهُ قَالَ :" فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا " وَقَالَ :" لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَع وَأَرَى " [ طَه : ٤٦ ] فَكَيْفَ بِنَا فَنَحْنُ أَوْلَى بِذَلِكَ.
وَحِينَئِذٍ يَحْصُل الْآمِر وَالنَّاهِي عَلَى مَرْغُوبه، وَيَظْفَر بِمَطْلُوبِهِ ; وَهَذَا وَاضِح.
وَاخْتَلَفَ النَّاس فِي مَعْنَى قَوْله ( لَيِّنًا ) فَقَالَتْ فِرْقَة مِنْهُمْ الْكَلْبِيّ وَعِكْرِمَة : مَعْنَاهُ كَنِّيَاهُ ; وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَالسُّدِّيّ.
ثُمَّ قِيلَ : وَكُنْيَته أَبُو الْعَبَّاس.
وَقِيلَ : أَبُو الْوَلِيد.
وَقِيلَ : أَبُو مُرَّة ; فَعَلَى هَذَا الْقَوْل تَكْنِيَة الْكَافِر جَائِزَة إِذَا كَانَ وَجِيهًا ذَا شَرَف وَطُمِعَ بِإِسْلَامِهِ.
وَقَدْ يَجُوز ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُطْمَع بِإِسْلَامِهِ، لِأَنَّ الطَّمَع لَيْسَ بِحَقِيقَةٍ تُوجِب عَمَلًا.
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيم قَوْم فَأَكْرِمُوهُ ) وَلَمْ يَقُلْ وَإِنْ طَمِعْتُمْ فِي إِسْلَامه، وَمِنْ الْإِكْرَام دُعَاؤُهُ بِالْكُنْيَةِ.
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَفْوَان بْن أُمَيَّة :( اِنْزِلْ أَبَا وَهْب ) فَكَنَّاهُ.
وَقَالَ لِسَعْدٍ :( أَلَمْ تَسْمَع مَا يَقُول أَبُو حُبَاب ) يَعْنِي عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ.
وَرُوِيَ فِي الْإِسْرَائِيلِيَّات أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَامَ عَلَى بَاب فِرْعَوْن سَنَة، لَا يَجِد رَسُولًا يُبَلِّغ كَلَامًا حَتَّى خَرَجَ.
فَجَرَى لَهُ مَا قَضَى اللَّه مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ ذَلِكَ تَسْلِيَة لِمَنْ جَاءَ بَعْده مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي سِيرَتهمْ مَعَ الظَّالِمِينَ، وَرَبّك أَعْلَم بِالْمُهْتَدِينَ.
وَقِيلَ قَالَ لَهُ مُوسَى تُؤْمِنْ بِمَا جِئْت بِهِ، وَتَعْبُدْ رَبّ الْعَالَمِينَ ; عَلَى أَنَّ لَك شَبَابًا لَا يَهْرَم إِلَى الْمَوْت، وَمُلْكًا لَا يُنْزَع مِنْك إِلَى الْمَوْت، وَيُنْسَأ فِي أَجَلك أَرْبَعمِائَةِ سَنَة، فَإِذَا مُتّ دَخَلْت الْجَنَّة.
فَهَذَا الْقَوْل اللَّيِّن.
وَقَالَ اِبْن مَسْعُود الْقَوْل اللَّيِّن قَوْله تَعَالَى " فَقُلْ هَلْ لَك إِلَى أَنْ تَزَكَّى.
وَأَهْدِيك إِلَى رَبّك فَتَخْشَى " [ النَّازِعَات :
١٨ - ١٩ ].
وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْقَوْل اللَّيِّن قَوْل مُوسَى : يَا فِرْعَوْن إِنَّا رَسُولَا رَبّك رَبّ الْعَالَمِينَ.
فَسَمَّاهُ بِهَذَا الِاسْم لِأَنَّهُ أَحَبّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُ مِمَّا قِيلَ لَهُ، كَمَا يُسَمَّى عِنْدنَا الْمَلِك وَنَحْوه.
قُلْت : الْقَوْل اللَّيِّن هُوَ الْقَوْل الَّذِي لَا خُشُونَة فِيهِ ; يُقَال : لَانَ الشَّيْء يَلِين لَيْنًا ; وَشَيْء لَيِّن وَلَيْن مُخَفَّف مِنْهُ ; وَالْجَمْع أَلْيِنَاء.
فَإِذَا كَانَ مُوسَى أُمِرَ بِأَنْ يَقُول لِفِرْعَوْن قَوْلًا لَيِّنًا، فَمَنْ دُونه أَحْرَى بِأَنْ يَقْتَدِي بِذَلِكَ فِي خِطَابه، وَأَمْره بِالْمَعْرُوفِ فِي كَلَامه.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى " وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا " [ الْبَقَرَة : ٨٣ ].
عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة " بَيَانه وَالْحَمْد لِلَّهِ.
دَلِيل عَلَى جَوَاز الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر، وَأَنَّ ذَلِكَ يَكُون بِاللَّيِّنِ مِنْ الْقَوْل لِمَنْ مَعَهُ الْقُوَّة، وَضُمِنَتْ لَهُ الْعِصْمَة، أَلَا تَرَاهُ قَالَ :" فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا " وَقَالَ :" لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَع وَأَرَى " [ طَه : ٤٦ ] فَكَيْفَ بِنَا فَنَحْنُ أَوْلَى بِذَلِكَ.
وَحِينَئِذٍ يَحْصُل الْآمِر وَالنَّاهِي عَلَى مَرْغُوبه، وَيَظْفَر بِمَطْلُوبِهِ ; وَهَذَا وَاضِح.
وَاخْتَلَفَ النَّاس فِي مَعْنَى قَوْله ( لَيِّنًا ) فَقَالَتْ فِرْقَة مِنْهُمْ الْكَلْبِيّ وَعِكْرِمَة : مَعْنَاهُ كَنِّيَاهُ ; وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَالسُّدِّيّ.
ثُمَّ قِيلَ : وَكُنْيَته أَبُو الْعَبَّاس.
وَقِيلَ : أَبُو الْوَلِيد.
وَقِيلَ : أَبُو مُرَّة ; فَعَلَى هَذَا الْقَوْل تَكْنِيَة الْكَافِر جَائِزَة إِذَا كَانَ وَجِيهًا ذَا شَرَف وَطُمِعَ بِإِسْلَامِهِ.
وَقَدْ يَجُوز ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُطْمَع بِإِسْلَامِهِ، لِأَنَّ الطَّمَع لَيْسَ بِحَقِيقَةٍ تُوجِب عَمَلًا.
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيم قَوْم فَأَكْرِمُوهُ ) وَلَمْ يَقُلْ وَإِنْ طَمِعْتُمْ فِي إِسْلَامه، وَمِنْ الْإِكْرَام دُعَاؤُهُ بِالْكُنْيَةِ.
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَفْوَان بْن أُمَيَّة :( اِنْزِلْ أَبَا وَهْب ) فَكَنَّاهُ.
وَقَالَ لِسَعْدٍ :( أَلَمْ تَسْمَع مَا يَقُول أَبُو حُبَاب ) يَعْنِي عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ.
وَرُوِيَ فِي الْإِسْرَائِيلِيَّات أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَامَ عَلَى بَاب فِرْعَوْن سَنَة، لَا يَجِد رَسُولًا يُبَلِّغ كَلَامًا حَتَّى خَرَجَ.
فَجَرَى لَهُ مَا قَضَى اللَّه مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ ذَلِكَ تَسْلِيَة لِمَنْ جَاءَ بَعْده مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي سِيرَتهمْ مَعَ الظَّالِمِينَ، وَرَبّك أَعْلَم بِالْمُهْتَدِينَ.
وَقِيلَ قَالَ لَهُ مُوسَى تُؤْمِنْ بِمَا جِئْت بِهِ، وَتَعْبُدْ رَبّ الْعَالَمِينَ ; عَلَى أَنَّ لَك شَبَابًا لَا يَهْرَم إِلَى الْمَوْت، وَمُلْكًا لَا يُنْزَع مِنْك إِلَى الْمَوْت، وَيُنْسَأ فِي أَجَلك أَرْبَعمِائَةِ سَنَة، فَإِذَا مُتّ دَخَلْت الْجَنَّة.
فَهَذَا الْقَوْل اللَّيِّن.
وَقَالَ اِبْن مَسْعُود الْقَوْل اللَّيِّن قَوْله تَعَالَى " فَقُلْ هَلْ لَك إِلَى أَنْ تَزَكَّى.
وَأَهْدِيك إِلَى رَبّك فَتَخْشَى " [ النَّازِعَات :
١٨ - ١٩ ].
وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْقَوْل اللَّيِّن قَوْل مُوسَى : يَا فِرْعَوْن إِنَّا رَسُولَا رَبّك رَبّ الْعَالَمِينَ.
فَسَمَّاهُ بِهَذَا الِاسْم لِأَنَّهُ أَحَبّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُ مِمَّا قِيلَ لَهُ، كَمَا يُسَمَّى عِنْدنَا الْمَلِك وَنَحْوه.
قُلْت : الْقَوْل اللَّيِّن هُوَ الْقَوْل الَّذِي لَا خُشُونَة فِيهِ ; يُقَال : لَانَ الشَّيْء يَلِين لَيْنًا ; وَشَيْء لَيِّن وَلَيْن مُخَفَّف مِنْهُ ; وَالْجَمْع أَلْيِنَاء.
فَإِذَا كَانَ مُوسَى أُمِرَ بِأَنْ يَقُول لِفِرْعَوْن قَوْلًا لَيِّنًا، فَمَنْ دُونه أَحْرَى بِأَنْ يَقْتَدِي بِذَلِكَ فِي خِطَابه، وَأَمْره بِالْمَعْرُوفِ فِي كَلَامه.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى " وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا " [ الْبَقَرَة : ٨٣ ].
عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة " بَيَانه وَالْحَمْد لِلَّهِ.
لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى
مَعْنَاهُ : عَلَى رَجَائِكُمَا وَطَمَعكُمَا ; فَالتَّوَقُّع فِيهَا إِنَّمَا هُوَ رَاجِع إِلَى جِهَة الْبَشَر ; قَالَهُ كُبَرَاء النَّحْوِيِّينَ : سِيبَوَيْهِ وَغَيْره.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّل " الْبَقَرَة "
قَالَ الزَّجَّاج :" لَعَلَّ " لَفْظَة طَمَع وَتَرَجٍّ فَخَاطَبَهُمْ بِمَا يَعْقِلُونَ.
وَقِيلَ " لَعَلَّ " هَاهُنَا بِمَعْنَى الِاسْتِفْهَام، وَالْمَعْنَى فَانْظُرْ هَلْ يَتَذَكَّر.
وَقِيلَ : هَلْ بِمَعْنَى كَيْ.
وَقِيلَ : هُوَ إِخْبَار مِنْ اللَّه تَعَالَى عَنْ قَوْل هَارُون لِمُوسَى لَعَلَّهُ يَتَذَكَّر أَوْ يَخْشَى ; قَالَهُ الْحَسَن.
وَقِيلَ : إِنَّ لَعَلَّ وَعَسَى فِي جَمِيع الْقُرْآن لِمَا قَدْ وَقَعَ.
وَقَدْ تَذَّكَّر فِرْعَوْن حِين أَدْرَكَهُ الْغَرَق وَخَشِيَ فَقَالَ :" آمَنْت أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا الَّذِي آمَنْت بِهِ بَنُو إِسْرَائِيل وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ " [ يُونُس : ٩٠ ] وَلَكِنْ لَمْ يَنْفَعهُ ذَلِكَ ; قَالَهُ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق وَغَيْره وَقَالَ يَحْيَى بْن مُعَاذ فِي هَذِهِ الْآيَة : هَذَا رِفْقك بِمَنْ يَقُول أَنَا الْإِلَه فَكَيْف رِفْقك بِمَنْ يَقُول أَنْتَ الْإِلَه ؟ !.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ فِرْعَوْن رَكَنَ إِلَى قَوْل مُوسَى لَمَّا دَعَاهُ، وَشَاوَرَ اِمْرَأَته فَآمَنَتْ وَأَشَارَتْ عَلَيْهِ بِالْإِيمَانِ، فَشَاوَرَ هَامَان فَقَالَ : لَا تَفْعَل ; بَعْد أَنْ كُنْت مَالِكًا تَصِير مَمْلُوكًا، وَبَعْد أَنْ كُنْت رَبًّا تَصِير مَرْبُوبًا.
وَقَالَ لَهُ : أَنَا أُرِدْك شَابًّا فَخَضَّبَ لِحْيَته بِالسَّوَادِ فَهُوَ أَوَّل مَنْ خَضَّبَ.
مَعْنَاهُ : عَلَى رَجَائِكُمَا وَطَمَعكُمَا ; فَالتَّوَقُّع فِيهَا إِنَّمَا هُوَ رَاجِع إِلَى جِهَة الْبَشَر ; قَالَهُ كُبَرَاء النَّحْوِيِّينَ : سِيبَوَيْهِ وَغَيْره.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّل " الْبَقَرَة "
قَالَ الزَّجَّاج :" لَعَلَّ " لَفْظَة طَمَع وَتَرَجٍّ فَخَاطَبَهُمْ بِمَا يَعْقِلُونَ.
وَقِيلَ " لَعَلَّ " هَاهُنَا بِمَعْنَى الِاسْتِفْهَام، وَالْمَعْنَى فَانْظُرْ هَلْ يَتَذَكَّر.
وَقِيلَ : هَلْ بِمَعْنَى كَيْ.
وَقِيلَ : هُوَ إِخْبَار مِنْ اللَّه تَعَالَى عَنْ قَوْل هَارُون لِمُوسَى لَعَلَّهُ يَتَذَكَّر أَوْ يَخْشَى ; قَالَهُ الْحَسَن.
وَقِيلَ : إِنَّ لَعَلَّ وَعَسَى فِي جَمِيع الْقُرْآن لِمَا قَدْ وَقَعَ.
وَقَدْ تَذَّكَّر فِرْعَوْن حِين أَدْرَكَهُ الْغَرَق وَخَشِيَ فَقَالَ :" آمَنْت أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا الَّذِي آمَنْت بِهِ بَنُو إِسْرَائِيل وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ " [ يُونُس : ٩٠ ] وَلَكِنْ لَمْ يَنْفَعهُ ذَلِكَ ; قَالَهُ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق وَغَيْره وَقَالَ يَحْيَى بْن مُعَاذ فِي هَذِهِ الْآيَة : هَذَا رِفْقك بِمَنْ يَقُول أَنَا الْإِلَه فَكَيْف رِفْقك بِمَنْ يَقُول أَنْتَ الْإِلَه ؟ !.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ فِرْعَوْن رَكَنَ إِلَى قَوْل مُوسَى لَمَّا دَعَاهُ، وَشَاوَرَ اِمْرَأَته فَآمَنَتْ وَأَشَارَتْ عَلَيْهِ بِالْإِيمَانِ، فَشَاوَرَ هَامَان فَقَالَ : لَا تَفْعَل ; بَعْد أَنْ كُنْت مَالِكًا تَصِير مَمْلُوكًا، وَبَعْد أَنْ كُنْت رَبًّا تَصِير مَرْبُوبًا.
وَقَالَ لَهُ : أَنَا أُرِدْك شَابًّا فَخَضَّبَ لِحْيَته بِالسَّوَادِ فَهُوَ أَوَّل مَنْ خَضَّبَ.
قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى
قَالَ الضَّحَّاك :" يَفْرُط " يَعْجَل.
قَالَ : و " يَطْغَى " يَعْتَدِي.
النَّحَّاس : التَّقْدِير نَخَاف أَنْ يَفْرُط عَلَيْنَا مِنْهُ أَمْر، قَالَ الْفَرَّاء : فَرَطَ مِنْهُ أَمْر أَيْ بَدَرَ ; قَالَ : وَأَفْرَطَ أَسْرَفَ.
قَالَ : وَفَرَّطَ تَرَكَ وَقِرَاءَة الْجُمْهُور " يَفْرُط " بِفَتْحِ الْيَاء وَضَمّ الرَّاء، وَمَعْنَاهُ يَعْجَل وَيُبَادِر بِعُقُوبَتِنَا.
يُقَال : فَرَطَ مِنِّي أَمْر أَيْ بَدَرَ ; وَمِنْهُ الْفَارِط فِي الْمَاء الَّذِي يَتَقَدَّم الْقَوْم إِلَى الْمَاء.
أَيْ يُعَذِّبنَا عَذَاب الْفَارِط فِي الذَّنْب وَهُوَ الْمُتَقَدِّم فِيهِ ; قَالَهُ الْمُبَرِّد.
وَقَرَأَتْ فِرْقَة مِنْهُمْ اِبْن مُحَيْصِن " يَفْرَط " بِفَتْحِ الْيَاء وَالرَّاء ; قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَلَعَلَّهَا لُغَة.
وَعَنْهُ أَيْضًا بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْح الرَّاء وَمَعْنَاهَا أَنْ يَحْمِلهُ حَامِل التَّسَرُّع إِلَيْنَا.
وَقَرَأَتْ طَائِفَة " يُفْرِط " بِضَمِّ الْيَاء وَكَسْر الرَّاء ; وَبِهَا قَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد عِكْرِمَة وَابْن مُحَيْصِن أَيْضًا.
وَمَعْنَاهُ يُشْطِط فِي أَذِيَّتنَا ; قَالَ الرَّاجِز :
قَدْ أَفْرَطَ الْعِلْج عَلَيْنَا وَعَجَل
قَالَ الضَّحَّاك :" يَفْرُط " يَعْجَل.
قَالَ : و " يَطْغَى " يَعْتَدِي.
النَّحَّاس : التَّقْدِير نَخَاف أَنْ يَفْرُط عَلَيْنَا مِنْهُ أَمْر، قَالَ الْفَرَّاء : فَرَطَ مِنْهُ أَمْر أَيْ بَدَرَ ; قَالَ : وَأَفْرَطَ أَسْرَفَ.
قَالَ : وَفَرَّطَ تَرَكَ وَقِرَاءَة الْجُمْهُور " يَفْرُط " بِفَتْحِ الْيَاء وَضَمّ الرَّاء، وَمَعْنَاهُ يَعْجَل وَيُبَادِر بِعُقُوبَتِنَا.
يُقَال : فَرَطَ مِنِّي أَمْر أَيْ بَدَرَ ; وَمِنْهُ الْفَارِط فِي الْمَاء الَّذِي يَتَقَدَّم الْقَوْم إِلَى الْمَاء.
أَيْ يُعَذِّبنَا عَذَاب الْفَارِط فِي الذَّنْب وَهُوَ الْمُتَقَدِّم فِيهِ ; قَالَهُ الْمُبَرِّد.
وَقَرَأَتْ فِرْقَة مِنْهُمْ اِبْن مُحَيْصِن " يَفْرَط " بِفَتْحِ الْيَاء وَالرَّاء ; قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَلَعَلَّهَا لُغَة.
وَعَنْهُ أَيْضًا بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْح الرَّاء وَمَعْنَاهَا أَنْ يَحْمِلهُ حَامِل التَّسَرُّع إِلَيْنَا.
وَقَرَأَتْ طَائِفَة " يُفْرِط " بِضَمِّ الْيَاء وَكَسْر الرَّاء ; وَبِهَا قَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد عِكْرِمَة وَابْن مُحَيْصِن أَيْضًا.
وَمَعْنَاهُ يُشْطِط فِي أَذِيَّتنَا ; قَالَ الرَّاجِز :
قَدْ أَفْرَطَ الْعِلْج عَلَيْنَا وَعَجَل
قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْأُولَى : قَالَ الْعُلَمَاء : لَمَّا لَحِقَهُمَا مَا يَلْحَق الْبَشَر مِنْ الْخَوْف عَلَى أَنْفُسهمَا عَرَّفَهُمَا اللَّه سُبْحَانه أَنَّ فِرْعَوْن لَا يَصِل إِلَيْهِمَا وَلَا قَوْمه.
وَهَذِهِ الْآيَة تَرُدّ عَلَى مَنْ قَالَ : إِنَّهُ لَا يَخَاف ; وَالْخَوْف مِنْ الْأَعْدَاء سُنَّة اللَّه فِي أَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ مَعَ مَعْرِفَتهمْ بِهِ وَثِقَتهمْ.
وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْبَصْرِيّ رَحِمَهُ اللَّه حِين قَالَ لِلْمُخْبِرِ عَنْ عَامِر بْن عَبْد اللَّه - أَنَّهُ نَزَلَ مَعَ أَصْحَابه فِي طَرِيق الشَّام عَلَى مَاء، فَحَالَ الْأَسَد بَيْنهمْ وَبَيْن الْمَاء، فَجَاءَ عَامِر إِلَى الْمَاء فَأَخَذَ مِنْهُ حَاجَته، فَقِيلَ لَهُ : فَقَدْ خَاطَرْت بِنَفْسِك.
فَقَالَ : لَأَنْ تَخْتَلِف الْأَسِنَّة فِي جَوْفِي أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَعْلَم اللَّه أَنِّي أَخَاف شَيْئًا سِوَاهُ - قَدْ خَافَ مَنْ كَانَ خَيْرًا مِنْ عَامِر ; مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين قَالَ لَهُ :" إِنَّ الْمَلَأ يَأْتَمِرُونَ بِك لِيَقْتُلُوك فَاخْرُجْ إِنِّي لَك مِنْ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّب قَالَ رَبّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْم الظَّالِمِينَ " [ الْقَصَص :
٢٠ - ٢١ ] وَقَالَ :" فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَة خَائِفًا يَتَرَقَّب " [ الْقَصَص : ١٨ ] وَقَالَ حِين أَلْقَى السَّحَرَة حِبَالهمْ وَعِصِيّهمْ :" فَأَوْجَسَ فِي نَفْسه خِيفَة مُوسَى.
قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّك أَنْتَ الْأَعْلَى " [ طَه :
٦٧ - ٦٨ ].
قُلْت : وَمِنْهُ حَفْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَنْدَق حَوْل الْمَدِينَة تَحْصِينًا لِلْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالهمْ، مَعَ كَوْنه مِنْ التَّوَكُّل وَالثِّقَة بِرَبِّهِ بِمَحَلٍّ لَمْ يَبْلُغهُ أَحَدًا ; ثُمَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابه مَا لَا يَجْهَلهُ أَحَد مِنْ تَحَوُّلهمْ عَنْ مَنَازِلهمْ، مَرَّة إِلَى الْحَبَشَة، وَمَرَّة إِلَى الْمَدِينَة ; تَخَوُّفًا عَلَى أَنْفُسهمْ مِنْ مُشْرِكِي مَكَّة ; وَهَرَبًا بِدِينِهِمْ أَنْ يَفْتِنُوهُمْ عَنْهُ بِتَعْذِيبِهِمْ.
وَقَدْ قَالَتْ أَسْمَاء بِنْت عُمَيْس لِعُمَر لَمَّا قَالَ لَهَا سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ، فَنَحْنُ أَحَقّ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكُمْ كَذَبْت يَا عُمَر، كَلَّا وَاَللَّه كُنْتُمْ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُطْعِم جَائِعكُمْ وَيَعِظ جَاهِلكُمْ، وَكُنَّا فِي دَار - أَوْ أَرْض - الْبُعَدَاء الْبَغْضَاء فِي الْحَبَشَة ; وَذَلِكَ فِي اللَّه وَرَسُوله ; وَاَيْم اللَّه لَا أَطْعَم طَعَامًا وَلَا أَشْرَب شَرَابًا حَتَّى أَذْكُر مَا قُلْت لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ كُنَّا نُؤْذَى وَنُخَاف.
الْحَدِيث بِطُولِهِ خَرَّجَهُ مُسْلِم.
قَالَ الْعُلَمَاء : فَالْمُخْبِر عَنْ نَفْسه بِخِلَافِ مَا طَبَعَ اللَّه نُفُوس بَنِي آدَم [ عَلَيْهِ ] كَاذِب ; وَقَدْ طَبَعَهُمْ عَلَى الْهَرَب مِمَّا يَضُرّهَا وَيُؤْلِمهَا أَوْ يُتْلِفهَا.
قَالُوا : وَلَا ضَارّ أَضَرّ مِنْ سَبُع عَادٍ فِي فَلَاة مِنْ الْأَرْض عَلَى مَنْ لَا آلَة مَعَهُ يَدْفَعهُ بِهَا عَنْ نَفْسه، مِنْ سَيْف أَوْ رُمْح أَوْ نَبْل أَوْ قَوْس وَمَا أَشْبَه ذَلِكَ.
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْأُولَى : قَالَ الْعُلَمَاء : لَمَّا لَحِقَهُمَا مَا يَلْحَق الْبَشَر مِنْ الْخَوْف عَلَى أَنْفُسهمَا عَرَّفَهُمَا اللَّه سُبْحَانه أَنَّ فِرْعَوْن لَا يَصِل إِلَيْهِمَا وَلَا قَوْمه.
وَهَذِهِ الْآيَة تَرُدّ عَلَى مَنْ قَالَ : إِنَّهُ لَا يَخَاف ; وَالْخَوْف مِنْ الْأَعْدَاء سُنَّة اللَّه فِي أَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ مَعَ مَعْرِفَتهمْ بِهِ وَثِقَتهمْ.
وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْبَصْرِيّ رَحِمَهُ اللَّه حِين قَالَ لِلْمُخْبِرِ عَنْ عَامِر بْن عَبْد اللَّه - أَنَّهُ نَزَلَ مَعَ أَصْحَابه فِي طَرِيق الشَّام عَلَى مَاء، فَحَالَ الْأَسَد بَيْنهمْ وَبَيْن الْمَاء، فَجَاءَ عَامِر إِلَى الْمَاء فَأَخَذَ مِنْهُ حَاجَته، فَقِيلَ لَهُ : فَقَدْ خَاطَرْت بِنَفْسِك.
فَقَالَ : لَأَنْ تَخْتَلِف الْأَسِنَّة فِي جَوْفِي أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَعْلَم اللَّه أَنِّي أَخَاف شَيْئًا سِوَاهُ - قَدْ خَافَ مَنْ كَانَ خَيْرًا مِنْ عَامِر ; مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين قَالَ لَهُ :" إِنَّ الْمَلَأ يَأْتَمِرُونَ بِك لِيَقْتُلُوك فَاخْرُجْ إِنِّي لَك مِنْ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّب قَالَ رَبّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْم الظَّالِمِينَ " [ الْقَصَص :
٢٠ - ٢١ ] وَقَالَ :" فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَة خَائِفًا يَتَرَقَّب " [ الْقَصَص : ١٨ ] وَقَالَ حِين أَلْقَى السَّحَرَة حِبَالهمْ وَعِصِيّهمْ :" فَأَوْجَسَ فِي نَفْسه خِيفَة مُوسَى.
قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّك أَنْتَ الْأَعْلَى " [ طَه :
٦٧ - ٦٨ ].
قُلْت : وَمِنْهُ حَفْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَنْدَق حَوْل الْمَدِينَة تَحْصِينًا لِلْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالهمْ، مَعَ كَوْنه مِنْ التَّوَكُّل وَالثِّقَة بِرَبِّهِ بِمَحَلٍّ لَمْ يَبْلُغهُ أَحَدًا ; ثُمَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابه مَا لَا يَجْهَلهُ أَحَد مِنْ تَحَوُّلهمْ عَنْ مَنَازِلهمْ، مَرَّة إِلَى الْحَبَشَة، وَمَرَّة إِلَى الْمَدِينَة ; تَخَوُّفًا عَلَى أَنْفُسهمْ مِنْ مُشْرِكِي مَكَّة ; وَهَرَبًا بِدِينِهِمْ أَنْ يَفْتِنُوهُمْ عَنْهُ بِتَعْذِيبِهِمْ.
وَقَدْ قَالَتْ أَسْمَاء بِنْت عُمَيْس لِعُمَر لَمَّا قَالَ لَهَا سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ، فَنَحْنُ أَحَقّ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكُمْ كَذَبْت يَا عُمَر، كَلَّا وَاَللَّه كُنْتُمْ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُطْعِم جَائِعكُمْ وَيَعِظ جَاهِلكُمْ، وَكُنَّا فِي دَار - أَوْ أَرْض - الْبُعَدَاء الْبَغْضَاء فِي الْحَبَشَة ; وَذَلِكَ فِي اللَّه وَرَسُوله ; وَاَيْم اللَّه لَا أَطْعَم طَعَامًا وَلَا أَشْرَب شَرَابًا حَتَّى أَذْكُر مَا قُلْت لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ كُنَّا نُؤْذَى وَنُخَاف.
الْحَدِيث بِطُولِهِ خَرَّجَهُ مُسْلِم.
قَالَ الْعُلَمَاء : فَالْمُخْبِر عَنْ نَفْسه بِخِلَافِ مَا طَبَعَ اللَّه نُفُوس بَنِي آدَم [ عَلَيْهِ ] كَاذِب ; وَقَدْ طَبَعَهُمْ عَلَى الْهَرَب مِمَّا يَضُرّهَا وَيُؤْلِمهَا أَوْ يُتْلِفهَا.
قَالُوا : وَلَا ضَارّ أَضَرّ مِنْ سَبُع عَادٍ فِي فَلَاة مِنْ الْأَرْض عَلَى مَنْ لَا آلَة مَعَهُ يَدْفَعهُ بِهَا عَنْ نَفْسه، مِنْ سَيْف أَوْ رُمْح أَوْ نَبْل أَوْ قَوْس وَمَا أَشْبَه ذَلِكَ.
الثَّانِيَة : قَوْله تَعَالَى :" إِنَّنِي مَعَكُمَا " يُرِيد بِالنَّصْرِ وَالْمَعُونَة وَالْقُدْرَة عَلَى فِرْعَوْن.
وَهَذَا كَمَا تَقُول : الْأَمِير مَعَ فُلَان إِذَا أَرَدْت أَنَّهُ يَحْمِيه.
وَقَوْله :" أَسْمَع وَأَرَى " عِبَارَة عَنْ الْإِدْرَاك الَّذِي لَا تَخْفَى مَعَهُ خَافِيَة، تَبَارَكَ اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ.
وَهَذَا كَمَا تَقُول : الْأَمِير مَعَ فُلَان إِذَا أَرَدْت أَنَّهُ يَحْمِيه.
وَقَوْله :" أَسْمَع وَأَرَى " عِبَارَة عَنْ الْإِدْرَاك الَّذِي لَا تَخْفَى مَعَهُ خَافِيَة، تَبَارَكَ اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ.
فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ
فِي الْكَلَام حَذْف، وَالْمَعْنَى : فَأَتَيَاهُ فَقَالَا لَهُ ذَلِكَ.
فِي الْكَلَام حَذْف، وَالْمَعْنَى : فَأَتَيَاهُ فَقَالَا لَهُ ذَلِكَ.
فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ
أَيْ خَلِّ عَنْهُمْ.
أَيْ خَلِّ عَنْهُمْ.
وَلَا تُعَذِّبْهُمْ
أَيْ بِالسُّخْرَةِ وَالتَّعَب فِي الْعَمَل، وَكَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيل عِنْد فِرْعَوْن فِي عَذَاب شَدِيد ; يُذَبِّح أَبْنَاءَهُمْ، وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ، وَيُكَلِّفهُمْ مِنْ الْعَمَل فِي الطِّين وَاللَّبِن وَبِنَاء الْمَدَائِن مَا لَا يُطِيقُونَهُ.
أَيْ بِالسُّخْرَةِ وَالتَّعَب فِي الْعَمَل، وَكَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيل عِنْد فِرْعَوْن فِي عَذَاب شَدِيد ; يُذَبِّح أَبْنَاءَهُمْ، وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ، وَيُكَلِّفهُمْ مِنْ الْعَمَل فِي الطِّين وَاللَّبِن وَبِنَاء الْمَدَائِن مَا لَا يُطِيقُونَهُ.
قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ
قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد الْعَصَا وَالْيَد.
وَقِيلَ : إِنَّ فِرْعَوْن قَالَ لَهُ : وَمَا هِيَ ؟ فَأَدْخَلَ يَده فِي جَيْب قَمِيصه، ثُمَّ أَخْرَجَهَا بَيْضَاء لَهَا شُعَاع مِثْل شُعَاع الشَّمْس، غَلَبَ نُورهَا عَلَى نُور الشَّمْس فَعَجِبَ مِنْهَا وَلَمْ يُرِهِ الْعَصَا إِلَّا يَوْم الزِّينَة.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد الْعَصَا وَالْيَد.
وَقِيلَ : إِنَّ فِرْعَوْن قَالَ لَهُ : وَمَا هِيَ ؟ فَأَدْخَلَ يَده فِي جَيْب قَمِيصه، ثُمَّ أَخْرَجَهَا بَيْضَاء لَهَا شُعَاع مِثْل شُعَاع الشَّمْس، غَلَبَ نُورهَا عَلَى نُور الشَّمْس فَعَجِبَ مِنْهَا وَلَمْ يُرِهِ الْعَصَا إِلَّا يَوْم الزِّينَة.
وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى
قَالَ الزَّجَّاج : أَيْ مَنْ اِتَّبَعَ الْهُدَى سَلِمَ مِنْ سَخَط اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَعَذَابه.
قَالَ : وَلَيْسَ بِتَحِيَّةٍ، وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِابْتِدَاءِ لِقَاء وَلَا خِطَاب.
الْفَرَّاء : السَّلَام عَلَى مَنْ اِتَّبَعَ الْهُدَى وَلِمَنْ اِتَّبَعَ الْهُدَى سَوَاء.
قَالَ الزَّجَّاج : أَيْ مَنْ اِتَّبَعَ الْهُدَى سَلِمَ مِنْ سَخَط اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَعَذَابه.
قَالَ : وَلَيْسَ بِتَحِيَّةٍ، وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِابْتِدَاءِ لِقَاء وَلَا خِطَاب.
الْفَرَّاء : السَّلَام عَلَى مَنْ اِتَّبَعَ الْهُدَى وَلِمَنْ اِتَّبَعَ الْهُدَى سَوَاء.
إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ
يَعْنِي الْهَلَاك وَالدَّمَار فِي الدُّنْيَا وَالْخُلُود فِي جَهَنَّم فِي الْآخِرَة.
يَعْنِي الْهَلَاك وَالدَّمَار فِي الدُّنْيَا وَالْخُلُود فِي جَهَنَّم فِي الْآخِرَة.
عَلَى مَنْ كَذَّبَ
أَنْبِيَاء اللَّه
أَنْبِيَاء اللَّه
وَتَوَلَّى
أَعْرَضَ عَنْ الْإِيمَان.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : هَذِهِ أَرْجَى آيَة لِلْمُوَحِّدِينَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُكَذِّبُوا وَلَمْ يَتَوَلَّوْا.
أَعْرَضَ عَنْ الْإِيمَان.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : هَذِهِ أَرْجَى آيَة لِلْمُوَحِّدِينَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُكَذِّبُوا وَلَمْ يَتَوَلَّوْا.
قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا
ذَكَرَ فِرْعَوْن مُوسَى دُون هَارُون لِرُءُوسِ الْآي.
وَقِيلَ : خَصَّصَهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ صَاحِب الرِّسَالَة وَالْكَلَام وَالْآيَة.
وَقِيلَ إِنَّهُمَا جَمِيعًا بَلَّغَا الرِّسَالَة وَإِنْ كَانَ سَاكِتًا ; لِأَنَّهُ فِي وَقْت الْكَلَام إِنَّمَا يَتَكَلَّم وَاحِد، فَإِذَا اِنْقَطَعَ وَازَرَهُ الْآخَر وَأَيَّدَهُ.
فَصَارَ لَنَا فِي هَذَا الْبِنَاء فَائِدَة عِلْم ; أَنَّ الِاثْنَيْنِ إِذَا قُلِّدَا أَمْرًا فَقَامَ بِهِ أَحَدهمَا، وَالْآخَر شَخْصه هُنَاكَ مَوْجُود مُسْتَغْنًى عَنْهُ فِي وَقْت دُون وَقْت أَنَّهُمَا أَدَّيَا الْأَمْر الَّذِي قُلِّدَا وَقَامَا بِهِ وَاسْتَوْجَبَا الثَّوَاب ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ :" اِذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْن " وَقَالَ :" اِذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوك " وَقَالَ :" فَقُولَا لَهُ " فَأَمَرَهُمَا جَمِيعًا بِالذَّهَابِ وَبِالْقَوْلِ، ثُمَّ أَعْلَمَنَا فِي وَقْت الْخِطَاب بِقَوْلِهِ :" فَمَنْ رَبّكُمَا " أَنَّهُ كَانَ حَاضِرًا مَعَ مُوسَى.
ذَكَرَ فِرْعَوْن مُوسَى دُون هَارُون لِرُءُوسِ الْآي.
وَقِيلَ : خَصَّصَهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ صَاحِب الرِّسَالَة وَالْكَلَام وَالْآيَة.
وَقِيلَ إِنَّهُمَا جَمِيعًا بَلَّغَا الرِّسَالَة وَإِنْ كَانَ سَاكِتًا ; لِأَنَّهُ فِي وَقْت الْكَلَام إِنَّمَا يَتَكَلَّم وَاحِد، فَإِذَا اِنْقَطَعَ وَازَرَهُ الْآخَر وَأَيَّدَهُ.
فَصَارَ لَنَا فِي هَذَا الْبِنَاء فَائِدَة عِلْم ; أَنَّ الِاثْنَيْنِ إِذَا قُلِّدَا أَمْرًا فَقَامَ بِهِ أَحَدهمَا، وَالْآخَر شَخْصه هُنَاكَ مَوْجُود مُسْتَغْنًى عَنْهُ فِي وَقْت دُون وَقْت أَنَّهُمَا أَدَّيَا الْأَمْر الَّذِي قُلِّدَا وَقَامَا بِهِ وَاسْتَوْجَبَا الثَّوَاب ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ :" اِذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْن " وَقَالَ :" اِذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوك " وَقَالَ :" فَقُولَا لَهُ " فَأَمَرَهُمَا جَمِيعًا بِالذَّهَابِ وَبِالْقَوْلِ، ثُمَّ أَعْلَمَنَا فِي وَقْت الْخِطَاب بِقَوْلِهِ :" فَمَنْ رَبّكُمَا " أَنَّهُ كَانَ حَاضِرًا مَعَ مُوسَى.
قَالَ
مُوسَى.
مُوسَى.
رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ
أَيْ أَنَّهُ يُعْرَف بِصِفَاتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ اِسْم عَلَم حَتَّى يُقَال فُلَان بَلْ هُوَ خَالِق الْعَالَم، وَاَلَّذِي خَصَّ كُلّ مَخْلُوق بِهَيْئَةٍ وَصُورَة، وَلَوْ كَانَ الْخِطَاب مَعَهُمَا لَقَالَا : قَالَا رَبّنَا وَ " خَلْقه " أَوَّل مَفْعُولَيْ أَعْطَى، أَيْ أَعْطَى خَلِيقَته كُلّ شَيْء يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ وَيَرْتَفِقُونَ بِهِ، أَوْ ثَانِيهمَا أَيْ أَعْطَى كُلّ شَيْء صُورَته وَشَكْله الَّذِي يُطَابِق الْمَنْفَعَة الْمَنُوطَة بِهِ ; عَلَى قَوْل الضَّحَّاك عَلَى مَا يَأْتِي.
أَيْ أَنَّهُ يُعْرَف بِصِفَاتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ اِسْم عَلَم حَتَّى يُقَال فُلَان بَلْ هُوَ خَالِق الْعَالَم، وَاَلَّذِي خَصَّ كُلّ مَخْلُوق بِهَيْئَةٍ وَصُورَة، وَلَوْ كَانَ الْخِطَاب مَعَهُمَا لَقَالَا : قَالَا رَبّنَا وَ " خَلْقه " أَوَّل مَفْعُولَيْ أَعْطَى، أَيْ أَعْطَى خَلِيقَته كُلّ شَيْء يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ وَيَرْتَفِقُونَ بِهِ، أَوْ ثَانِيهمَا أَيْ أَعْطَى كُلّ شَيْء صُورَته وَشَكْله الَّذِي يُطَابِق الْمَنْفَعَة الْمَنُوطَة بِهِ ; عَلَى قَوْل الضَّحَّاك عَلَى مَا يَأْتِي.
ثُمَّ هَدَى
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَالسُّدِّيّ : أَعْطَى كُلّ شَيْء زَوْجه مِنْ جِنْسه، ثُمَّ هَدَاهُ إِلَى مَنْكَحه وَمَطْعَمه وَمَشْرَبه وَمَسْكَنه، وَعَنْ اِبْن عَبَّاس ثُمَّ هَدَاهُ إِلَى الْأُلْفَة وَالِاجْتِمَاع وَالْمُنَاكَحَة.
وَقَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة : أَعْطَى كُلّ شَيْء صَلَاحه، وَهَدَاهُ لِمَا يُصْلِحهُ.
وَقَالَ مُجَاهِد : أَعْطَى كُلّ شَيْء صُورَة ; وَلَمْ يَجْعَل خَلْق الْإِنْسَان فِي خَلْق الْبَهَائِم، وَلَا خَلْق الْبَهَائِم فِي خَلْق الْإِنْسَان، وَلَكِنْ خَلَقَ كُلّ شَيْء فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا.
وَقَالَ الشَّاعِر :
يَعْنِي بِالْخِلْقَةِ الصُّورَة ; وَهُوَ قَوْل عَطِيَّة وَمُقَاتِل.
وَقَالَ الضَّحَّاك أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلْقه مِنْ الْمَنْفَعَة الْمَنُوطَة بِهِ الْمُطَابِقَة لَهُ.
يَعْنِي الْيَد لِلْبَطْشِ، وَالرِّجْل لِلْمَشْيِ، وَاللِّسَان لِلنُّطْقِ، وَالْعَيْن لِلنَّظَرِ، وَالْأُذُن لِلسَّمْعِ.
وَقِيلَ : أَعْطَى كُلّ شَيْء مَا أَلْهَمَهُ مِنْ عِلْم أَوْ صِنَاعَة.
وَقَالَ الْفَرَّاء : خَلَقَ الرَّجُل لِلْمَرْأَةِ وَلِكُلٍّ ذَكَرَ مَا يُوَافِقهُ مِنْ الْإِنَاث ثُمَّ هَدَى الذَّكَر لِلْأُنْثَى.
فَالتَّقْدِير عَلَى هَذَا أَعْطَى كُلّ شَيْء مِثْل خَلْقه.
قُلْتُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْل اِبْن عَبَّاس.
الْآيَة بِعُمُومِهَا تَتَنَاوَل جَمِيع الْأَقْوَال.
وَرَوَى زَائِدَة عَنْ الْأَعْمَش أَنَّهُ قَرَأَ " الَّذِي أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلَقه " بِفَتْحِ اللَّام ; وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن إِسْحَاق.
وَرَوَاهَا نُصَيْر عَنْ الْكِسَائِيّ وَغَيْره ; أَيْ أَعْطَى بَنِي آدَم كُلّ شَيْء خَلَقَهُ مِمَّا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ.
فَالْقِرَاءَتَانِ مُتَّفِقَتَانِ فِي الْمَعْنَى.
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَالسُّدِّيّ : أَعْطَى كُلّ شَيْء زَوْجه مِنْ جِنْسه، ثُمَّ هَدَاهُ إِلَى مَنْكَحه وَمَطْعَمه وَمَشْرَبه وَمَسْكَنه، وَعَنْ اِبْن عَبَّاس ثُمَّ هَدَاهُ إِلَى الْأُلْفَة وَالِاجْتِمَاع وَالْمُنَاكَحَة.
وَقَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة : أَعْطَى كُلّ شَيْء صَلَاحه، وَهَدَاهُ لِمَا يُصْلِحهُ.
وَقَالَ مُجَاهِد : أَعْطَى كُلّ شَيْء صُورَة ; وَلَمْ يَجْعَل خَلْق الْإِنْسَان فِي خَلْق الْبَهَائِم، وَلَا خَلْق الْبَهَائِم فِي خَلْق الْإِنْسَان، وَلَكِنْ خَلَقَ كُلّ شَيْء فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا.
وَقَالَ الشَّاعِر :
وَلَهُ فِي كُلّ شَيْء خِلْقَة | وَكَذَاك اللَّه مَا شَاءَ فَعَل |
وَقَالَ الضَّحَّاك أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلْقه مِنْ الْمَنْفَعَة الْمَنُوطَة بِهِ الْمُطَابِقَة لَهُ.
يَعْنِي الْيَد لِلْبَطْشِ، وَالرِّجْل لِلْمَشْيِ، وَاللِّسَان لِلنُّطْقِ، وَالْعَيْن لِلنَّظَرِ، وَالْأُذُن لِلسَّمْعِ.
وَقِيلَ : أَعْطَى كُلّ شَيْء مَا أَلْهَمَهُ مِنْ عِلْم أَوْ صِنَاعَة.
وَقَالَ الْفَرَّاء : خَلَقَ الرَّجُل لِلْمَرْأَةِ وَلِكُلٍّ ذَكَرَ مَا يُوَافِقهُ مِنْ الْإِنَاث ثُمَّ هَدَى الذَّكَر لِلْأُنْثَى.
فَالتَّقْدِير عَلَى هَذَا أَعْطَى كُلّ شَيْء مِثْل خَلْقه.
قُلْتُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْل اِبْن عَبَّاس.
الْآيَة بِعُمُومِهَا تَتَنَاوَل جَمِيع الْأَقْوَال.
وَرَوَى زَائِدَة عَنْ الْأَعْمَش أَنَّهُ قَرَأَ " الَّذِي أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلَقه " بِفَتْحِ اللَّام ; وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن إِسْحَاق.
وَرَوَاهَا نُصَيْر عَنْ الْكِسَائِيّ وَغَيْره ; أَيْ أَعْطَى بَنِي آدَم كُلّ شَيْء خَلَقَهُ مِمَّا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ.
فَالْقِرَاءَتَانِ مُتَّفِقَتَانِ فِي الْمَعْنَى.
قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى
الْبَال الْحَال ; أَيْ وَمَا حَالهَا وَمَا شَأْنهَا، فَأَعْلَمَهُ أَنَّ عِلْمهَا عِنْد اللَّه تَعَالَى، أَيْ إِنَّ هَذَا مِنْ عِلْم الْغَيْب الَّذِي سَأَلْت عَنْهُ، وَهُوَ مِمَّا اِسْتَأْثَرَ اللَّه تَعَالَى بِهِ لَا يَعْلَمهُ إِلَّا هُوَ، وَمَا أَنَا إِلَّا عَبْد مِثْلك لَا أَعْلَم إِلَّا مَا أَخْبَرَنِي بِهِ عَلَّام الْغُيُوب، وَعِلْم أَحْوَال الْقُرُون مَكْتُوبَة عِنْد اللَّه فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى فَمَا بَال الْقُرُون الْأُولَى لَمْ يُقِرُّوا بِذَلِكَ.
أَيْ فَمَا بَالهمْ ذَهَبُوا وَقَدْ عَبَدُوا غَيْر رَبّك.
وَقِيلَ : إِنَّمَا سَأَلَ عَنْ أَعْمَال الْقُرُون الْأُولَى فَأَعْلَمَهُ أَنَّهَا مُحْصَاة عِنْد اللَّه تَعَالَى، وَمَحْفُوظَة عِنْده فِي كِتَاب.
أَيْ هِيَ مَكْتُوبَة فَسَيُجَازِيهِمْ غَدًا بِهَا وَعَلَيْهَا.
وَعَنَى بِالْكِتَابِ اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
وَقِيلَ : هُوَ كِتَاب مَعَ بَعْض الْمَلَائِكَة.
الْبَال الْحَال ; أَيْ وَمَا حَالهَا وَمَا شَأْنهَا، فَأَعْلَمَهُ أَنَّ عِلْمهَا عِنْد اللَّه تَعَالَى، أَيْ إِنَّ هَذَا مِنْ عِلْم الْغَيْب الَّذِي سَأَلْت عَنْهُ، وَهُوَ مِمَّا اِسْتَأْثَرَ اللَّه تَعَالَى بِهِ لَا يَعْلَمهُ إِلَّا هُوَ، وَمَا أَنَا إِلَّا عَبْد مِثْلك لَا أَعْلَم إِلَّا مَا أَخْبَرَنِي بِهِ عَلَّام الْغُيُوب، وَعِلْم أَحْوَال الْقُرُون مَكْتُوبَة عِنْد اللَّه فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى فَمَا بَال الْقُرُون الْأُولَى لَمْ يُقِرُّوا بِذَلِكَ.
أَيْ فَمَا بَالهمْ ذَهَبُوا وَقَدْ عَبَدُوا غَيْر رَبّك.
وَقِيلَ : إِنَّمَا سَأَلَ عَنْ أَعْمَال الْقُرُون الْأُولَى فَأَعْلَمَهُ أَنَّهَا مُحْصَاة عِنْد اللَّه تَعَالَى، وَمَحْفُوظَة عِنْده فِي كِتَاب.
أَيْ هِيَ مَكْتُوبَة فَسَيُجَازِيهِمْ غَدًا بِهَا وَعَلَيْهَا.
وَعَنَى بِالْكِتَابِ اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
وَقِيلَ : هُوَ كِتَاب مَعَ بَعْض الْمَلَائِكَة.
قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ
هَذِهِ الْآيَة وَن
َائِرهَا مِمَّا تَقَدَّمَ وَيَأْتِي تَدُلّ عَلَى تَدْوِين الْعُلُوم وَكَتْبهَا لِئَلَّا تُنْسَى.
فَإِنَّ الْحِفْظ قَدْ تَعْتَرِيه الْآفَات مِنْ الْغَلَط وَالنِّسْيَان.
وَقَدْ لَا يَحْفَظ الْإِنْسَان مَا يَسْمَع فَيُقَيِّدهُ لِئَلَّا يَذْهَب عَنْهُ.
وَرُوِّينَا بِالْإِسْنَادِ الْمُتَّصِل عَنْ قَتَادَة أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : أَنَكْتُبُ مَا نَسْمَع مِنْك ؟ قَالَ : وَمَا يَمْنَعك أَنْ تَكْتُب وَقَدْ أَخْبَرَك اللَّطِيف الْخَبِير أَنَّهُ يَكْتُب ; فَقَالَ :" عِلْمهَا عِنْد رَبِّي فِي كِتَاب لَا يَضِلّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ".
وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَمَّا قَضَى اللَّه الْخَلْق كَتَبَ فِي كِتَابه عَلَى نَفْسه فَهُوَ مَوْضُوع عِنْده إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِب غَضَبِي ).
وَأَسْنَدَ الْخَطِيب أَبُو بَكْر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ :( كَانَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار يَجْلِس إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَمِع مِنْهُ الْحَدِيث وَيُعْجِبهُ وَلَا يَحْفَظهُ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي أَسْمَع مِنْك الْحَدِيث يُعْجِبنِي وَلَا أَحْفَظهُ ; فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( اِسْتَعِنْ بِيَمِينِك ) وَأَوْمَأَ إِلَى الْخَطّ وَهَذَا نَصّ.
وَعَلَى جَوَاز كَتْب الْعِلْم وَتَدْوِينه جُمْهُور الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ ; وَقَدْ أَمَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَتْبِ الْخُطْبَة الَّتِي خَطَبَ بِهَا فِي الْحَجّ لِأَبِي شَاه - رَجُل مِنْ الْيَمَن - لَمَّا سَأَلَهُ كَتْبهَا.
أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
وَرَوَى عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( قَيِّدُوا الْعِلْم بِالْكِتَابَةِ ).
وَقَالَ مُعَاوِيَة بْن قُرَّة : مَنْ لَمْ يَكْتُب الْعِلْم لَمْ يَعُدْ عِلْمه عِلْمًا.
وَقَدْ ذَهَبَ قَوْم إِلَى الْمَنْع مِنْ الْكَتْب ; فَرَوَى أَبُو نَصْرَة قَالَ قِيلَ لِأَبِي سَعِيد : أَنَكْتُبُ حَدِيثكُمْ هَذَا ؟ قَالَ : لِمَ تَجْعَلُونَهُ قُرْآنًا ؟ وَلَكِنْ اِحْفَظُوا كَمَا حَفِظْنَا.
وَمِمَّنْ كَانَ لَا يَكْتُب الشَّعْبِيّ وَيُونُس بْن عُبَيْد وَخَالِد الْحَذَّاء - قَالَ خَالِد مَا كَتَبْت شَيْئًا قَطُّ إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا، فَلَمَّا حَفِظْته مَحَوْته - وَابْن عَوْن وَالزُّهْرِيّ.
وَقَدْ كَانَ بَعْضهمْ يَكْتُب فَإِذَا حَفِظَ مَحَاهُ ; مِنْهُمْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ وَعَاصِم بْن ضَمْرَة.
وَقَالَ هِشَام بْن حَسَّان : مَا كَتَبْت حَدِيثًا قَطُّ إِلَّا حَدِيث الْأَعْمَاق فَلَمَّا حَفِظْته مَحَوْته.
قُلْت : وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ خَالِد الْحَذَّاء مِثْل هَذَا.
وَحَدِيث الْأَعْمَاق خَرَّجَهُ مُسْلِم فِي آخِر الْكِتَاب :( لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يَنْزِل الرُّوم بِالْأَعْمَاقِ - أَوْ - بِدَابِق ) الْحَدِيث ذَكَرَهُ فِي كِتَاب الْفِتَن.
وَكَانَ بَعْضهمْ يَحْفَظ ثُمَّ يَكْتُب مَا يَحْفَظ مِنْهُمْ الْأَعْمَش وَعَبْد اللَّه بْن إِدْرِيس وَهُشَيْم وَغَيْرهمْ.
وَهَذَا اِحْتِيَاط عَلَى الْحِفْظ.
هَذِهِ الْآيَة وَن
َائِرهَا مِمَّا تَقَدَّمَ وَيَأْتِي تَدُلّ عَلَى تَدْوِين الْعُلُوم وَكَتْبهَا لِئَلَّا تُنْسَى.
فَإِنَّ الْحِفْظ قَدْ تَعْتَرِيه الْآفَات مِنْ الْغَلَط وَالنِّسْيَان.
وَقَدْ لَا يَحْفَظ الْإِنْسَان مَا يَسْمَع فَيُقَيِّدهُ لِئَلَّا يَذْهَب عَنْهُ.
وَرُوِّينَا بِالْإِسْنَادِ الْمُتَّصِل عَنْ قَتَادَة أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : أَنَكْتُبُ مَا نَسْمَع مِنْك ؟ قَالَ : وَمَا يَمْنَعك أَنْ تَكْتُب وَقَدْ أَخْبَرَك اللَّطِيف الْخَبِير أَنَّهُ يَكْتُب ; فَقَالَ :" عِلْمهَا عِنْد رَبِّي فِي كِتَاب لَا يَضِلّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ".
وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَمَّا قَضَى اللَّه الْخَلْق كَتَبَ فِي كِتَابه عَلَى نَفْسه فَهُوَ مَوْضُوع عِنْده إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِب غَضَبِي ).
وَأَسْنَدَ الْخَطِيب أَبُو بَكْر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ :( كَانَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار يَجْلِس إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَمِع مِنْهُ الْحَدِيث وَيُعْجِبهُ وَلَا يَحْفَظهُ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي أَسْمَع مِنْك الْحَدِيث يُعْجِبنِي وَلَا أَحْفَظهُ ; فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( اِسْتَعِنْ بِيَمِينِك ) وَأَوْمَأَ إِلَى الْخَطّ وَهَذَا نَصّ.
وَعَلَى جَوَاز كَتْب الْعِلْم وَتَدْوِينه جُمْهُور الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ ; وَقَدْ أَمَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَتْبِ الْخُطْبَة الَّتِي خَطَبَ بِهَا فِي الْحَجّ لِأَبِي شَاه - رَجُل مِنْ الْيَمَن - لَمَّا سَأَلَهُ كَتْبهَا.
أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
وَرَوَى عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( قَيِّدُوا الْعِلْم بِالْكِتَابَةِ ).
وَقَالَ مُعَاوِيَة بْن قُرَّة : مَنْ لَمْ يَكْتُب الْعِلْم لَمْ يَعُدْ عِلْمه عِلْمًا.
وَقَدْ ذَهَبَ قَوْم إِلَى الْمَنْع مِنْ الْكَتْب ; فَرَوَى أَبُو نَصْرَة قَالَ قِيلَ لِأَبِي سَعِيد : أَنَكْتُبُ حَدِيثكُمْ هَذَا ؟ قَالَ : لِمَ تَجْعَلُونَهُ قُرْآنًا ؟ وَلَكِنْ اِحْفَظُوا كَمَا حَفِظْنَا.
وَمِمَّنْ كَانَ لَا يَكْتُب الشَّعْبِيّ وَيُونُس بْن عُبَيْد وَخَالِد الْحَذَّاء - قَالَ خَالِد مَا كَتَبْت شَيْئًا قَطُّ إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا، فَلَمَّا حَفِظْته مَحَوْته - وَابْن عَوْن وَالزُّهْرِيّ.
وَقَدْ كَانَ بَعْضهمْ يَكْتُب فَإِذَا حَفِظَ مَحَاهُ ; مِنْهُمْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ وَعَاصِم بْن ضَمْرَة.
وَقَالَ هِشَام بْن حَسَّان : مَا كَتَبْت حَدِيثًا قَطُّ إِلَّا حَدِيث الْأَعْمَاق فَلَمَّا حَفِظْته مَحَوْته.
قُلْت : وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ خَالِد الْحَذَّاء مِثْل هَذَا.
وَحَدِيث الْأَعْمَاق خَرَّجَهُ مُسْلِم فِي آخِر الْكِتَاب :( لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يَنْزِل الرُّوم بِالْأَعْمَاقِ - أَوْ - بِدَابِق ) الْحَدِيث ذَكَرَهُ فِي كِتَاب الْفِتَن.
وَكَانَ بَعْضهمْ يَحْفَظ ثُمَّ يَكْتُب مَا يَحْفَظ مِنْهُمْ الْأَعْمَش وَعَبْد اللَّه بْن إِدْرِيس وَهُشَيْم وَغَيْرهمْ.
وَهَذَا اِحْتِيَاط عَلَى الْحِفْظ.
وَالْكَتْب أَوْلَى عَلَى الْجُمْلَة، وَبِهِ وَرَدَتْ الْآي وَالْأَحَادِيث ; وَهُوَ مَرْوِيّ عَنْ عُمَر وَعَلِيّ وَجَابِر وَأَنَس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ، وَمَنْ يَلِيهِمْ مِنْ كُبَرَاء التَّابِعِينَ كَالْحَسَنِ وَعَطَاء وَطَاوُس وَعُرْوَة بْن الزُّبَيْر، وَمَنْ بَعْدهمْ مِنْ أَهْل الْعِلْم ; قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاح مِنْ كُلّ شَيْء " [ الْأَعْرَاف : ١٤٥ ].
وَقَالَ تَعَالَى :" وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُور مِنْ بَعْد الذِّكْر أَنَّ الْأَرْض يَرِثهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ " [ الْأَنْبِيَاء : ١٠٥ ].
وَقَالَ تَعَالَى :" وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَة " [ الْأَعْرَاف : ١٥٦ ] الْآيَة.
وَقَالَ تَعَالَى :" وَكُلّ شَيْء فَعَلُوهُ فِي الزُّبُر.
وَكُلّ صَغِير وَكَبِير مُسْتَطَر " [ الْقَمَر :
٥٢ - ٥٣ ].
" قَالَ عِلْمهَا عِنْد رَبِّي فِي كِتَاب " إِلَى غَيْر هَذَا مِنْ الْآي.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعِلْم لَا يُضْبَط إِلَّا بِالْكِتَابِ، ثُمَّ بِالْمُقَابَلَةِ وَالْمُدَارَسَة وَالتَّعَهُّد وَالتَّحَفُّظ وَالْمُذَاكَرَة وَالسُّؤَال وَالْفَحْص عَنْ النَّاقِلِينَ وَالثِّقَة بِمَا نَقَلُوا، وَإِنَّمَا كَرِهَ الْكَتْب مَنْ كَرِهَ مِنْ الصَّدْر الْأَوَّل لِقُرْبِ الْعَهْد، وَتَقَارُب الْإِسْنَاد لِئَلَّا يَعْتَمِدهُ الْكَاتِب فَيُهْمِلهُ، أَوْ يَرْغَب عَنْ حِفْظه وَالْعَمَل بِهِ ; فَأَمَّا وَالْوَقْت مُتَبَاعِد، وَالْإِسْنَاد غَيْر مُتَقَارِب، وَالطُّرُق مُخْتَلِفَة، وَالنَّقَلَة مُتَشَابِهُونَ، وَآفَة النِّسْيَان مُعْتَرِضَة، وَالْوَهْم غَيْر مَأْمُون ; فَإِنَّ تَقْيِيد الْعِلْم بِالْكِتَابِ أَوْلَى وَأَشْفَى، وَالدَّلِيل عَلَى وُجُوبه أَقْوَى ; فَإِنْ اِحْتَجَّ مُحْتَجّ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيد عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( لَا تَكْتُبُوا عَنِّي وَمَنْ كَتَبَ غَيْر الْقُرْآن فَلْيَمْحُهُ ) خَرَّجَهُ مُسْلِم ; فَالْجَوَاب أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُتَقَدِّمًا ; فَهُوَ مَنْسُوخ بِأَمْرِهِ بِالْكِتَابِ، وَإِبَاحَتهَا لِأَبِي شَاه وَغَيْره.
وَأَيْضًا كَانَ ذَلِكَ لِئَلَّا يُخْلَط بِالْقُرْآنِ مَا لَيْسَ مِنْهُ.
وَكَذَا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيد أَيْضًا - حَرَصْنَا أَنْ يَأْذَن لَنَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكِتَابَة فَأَبَى - إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَهُوَ قَبْل الْهِجْرَة، وَحِين كَانَ لَا يُؤْمَن الِاشْتِغَال بِهِ عَنْ الْقُرْآن.
قَالَ أَبُو بَكْر الْخَطِيب : يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَب الْحَدِيث بِالسَّوَادِ ; ثُمَّ الْحِبْر خَاصَّة دُون الْمِدَاد لِأَنَّ السَّوَاد أَصْبَغ الْأَلْوَان، وَالْحِبْر أَبْقَاهَا عَلَى مَرّ الدُّهُور.
وَهُوَ آلَة ذَوِي الْعِلْم، وَعُدَّة أَهْل الْمَعْرِفَة.
ذَكَرَ عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن حَنْبَل حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : رَآنِي الشَّافِعِيّ وَأَنَا فِي مَجْلِسه وَعَلَى قَمِيصِي حِبْر وَأَنَا أُخْفِيه ; فَقَالَ لِمَ تُخْفِيه وَتَسْتُرهُ ؟ إِنَّ الْحِبْر عَلَى الثَّوْب مِنْ الْمُرُوءَة لِأَنَّ صُورَته فِي الْأَبْصَار سَوَاد، وَفِي الْبَصَائِر بَيَاض.
وَقَالَ خَالِد بْن زَيْد : الْحِبْر فِي ثَوْب صَاحِب الْحَدِيث مِثْل الْخَلُوق فِي ثَوْب الْعَرُوس.
وَأَخَذَ هَذَا الْمَعْنَى أَبُو عَبْد اللَّه الْبَلَوِيّ فَقَالَ :
وَقَالَ تَعَالَى :" وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُور مِنْ بَعْد الذِّكْر أَنَّ الْأَرْض يَرِثهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ " [ الْأَنْبِيَاء : ١٠٥ ].
وَقَالَ تَعَالَى :" وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَة " [ الْأَعْرَاف : ١٥٦ ] الْآيَة.
وَقَالَ تَعَالَى :" وَكُلّ شَيْء فَعَلُوهُ فِي الزُّبُر.
وَكُلّ صَغِير وَكَبِير مُسْتَطَر " [ الْقَمَر :
٥٢ - ٥٣ ].
" قَالَ عِلْمهَا عِنْد رَبِّي فِي كِتَاب " إِلَى غَيْر هَذَا مِنْ الْآي.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعِلْم لَا يُضْبَط إِلَّا بِالْكِتَابِ، ثُمَّ بِالْمُقَابَلَةِ وَالْمُدَارَسَة وَالتَّعَهُّد وَالتَّحَفُّظ وَالْمُذَاكَرَة وَالسُّؤَال وَالْفَحْص عَنْ النَّاقِلِينَ وَالثِّقَة بِمَا نَقَلُوا، وَإِنَّمَا كَرِهَ الْكَتْب مَنْ كَرِهَ مِنْ الصَّدْر الْأَوَّل لِقُرْبِ الْعَهْد، وَتَقَارُب الْإِسْنَاد لِئَلَّا يَعْتَمِدهُ الْكَاتِب فَيُهْمِلهُ، أَوْ يَرْغَب عَنْ حِفْظه وَالْعَمَل بِهِ ; فَأَمَّا وَالْوَقْت مُتَبَاعِد، وَالْإِسْنَاد غَيْر مُتَقَارِب، وَالطُّرُق مُخْتَلِفَة، وَالنَّقَلَة مُتَشَابِهُونَ، وَآفَة النِّسْيَان مُعْتَرِضَة، وَالْوَهْم غَيْر مَأْمُون ; فَإِنَّ تَقْيِيد الْعِلْم بِالْكِتَابِ أَوْلَى وَأَشْفَى، وَالدَّلِيل عَلَى وُجُوبه أَقْوَى ; فَإِنْ اِحْتَجَّ مُحْتَجّ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيد عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( لَا تَكْتُبُوا عَنِّي وَمَنْ كَتَبَ غَيْر الْقُرْآن فَلْيَمْحُهُ ) خَرَّجَهُ مُسْلِم ; فَالْجَوَاب أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُتَقَدِّمًا ; فَهُوَ مَنْسُوخ بِأَمْرِهِ بِالْكِتَابِ، وَإِبَاحَتهَا لِأَبِي شَاه وَغَيْره.
وَأَيْضًا كَانَ ذَلِكَ لِئَلَّا يُخْلَط بِالْقُرْآنِ مَا لَيْسَ مِنْهُ.
وَكَذَا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيد أَيْضًا - حَرَصْنَا أَنْ يَأْذَن لَنَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكِتَابَة فَأَبَى - إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَهُوَ قَبْل الْهِجْرَة، وَحِين كَانَ لَا يُؤْمَن الِاشْتِغَال بِهِ عَنْ الْقُرْآن.
قَالَ أَبُو بَكْر الْخَطِيب : يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَب الْحَدِيث بِالسَّوَادِ ; ثُمَّ الْحِبْر خَاصَّة دُون الْمِدَاد لِأَنَّ السَّوَاد أَصْبَغ الْأَلْوَان، وَالْحِبْر أَبْقَاهَا عَلَى مَرّ الدُّهُور.
وَهُوَ آلَة ذَوِي الْعِلْم، وَعُدَّة أَهْل الْمَعْرِفَة.
ذَكَرَ عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن حَنْبَل حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : رَآنِي الشَّافِعِيّ وَأَنَا فِي مَجْلِسه وَعَلَى قَمِيصِي حِبْر وَأَنَا أُخْفِيه ; فَقَالَ لِمَ تُخْفِيه وَتَسْتُرهُ ؟ إِنَّ الْحِبْر عَلَى الثَّوْب مِنْ الْمُرُوءَة لِأَنَّ صُورَته فِي الْأَبْصَار سَوَاد، وَفِي الْبَصَائِر بَيَاض.
وَقَالَ خَالِد بْن زَيْد : الْحِبْر فِي ثَوْب صَاحِب الْحَدِيث مِثْل الْخَلُوق فِي ثَوْب الْعَرُوس.
وَأَخَذَ هَذَا الْمَعْنَى أَبُو عَبْد اللَّه الْبَلَوِيّ فَقَالَ :