ﰡ
وهذه الآيات كلها واضحات في إبطال قول المعتزلة١٠، وأما ادعاؤهم المجاز في الاستواء وقولهم في تأويل ﴿ استوى ﴾، استولى فلا معنى له، لأنه غير ظاهر في اللغة، ومعنى الاستيلاء في اللغة : المغالبة، والله لا يغالبه ولا يعلوه أحد، وهو الواحد الصمد. ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته، حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز، إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا إلا على ذلك، وإنما يوجه كلام الله- عز وجل- إلى الأشهر والأظهر من وجوهه، ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم، ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع، ما ثبت شيء من العبارات، وجل الله- عز وجل- أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها، مما يصح معناه عند السامعين.
والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم، هو العلو والارتفاع على الشيء والاستقرار والتمكن فيه. قال أبو عبيدة١١في قوله تعالى :﴿ استوى ﴾، قال : علا، قال : وتقول العرب : استويت فوق الدابة، واستويت فوق البيت. وقال غيره : استوى أي انتهى شبابه واستقر، فلم يكن في شبابه مزيد.
قال أبو عمر : الاستواء، الاستقرار في العلو، وبهذا خاطبنا الله- عز وجل- وقال ﴿ لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم ﴾١٢، وقال :﴿ واستوت على الجودي ﴾١٣، وقال :﴿ فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك ﴾١٤، وقال الشاعر :
فأوردتهم ماء بفيفاء قفرة | وقد حلق النجم اليماني فاستوى |
٢ سورة البقرة: ٢٥٤..
٣ سورة الرعد: ١٠..
٤ سورة غافر: ١٤..
٥ سورة النحل: ٥٠..
٦ سورة المعارج: ٢-٣..
٧ سورة الملك: ١٦..
٨ سورة التوبة: ٢..
٩ سورة المعارج: ٤..
١٠ قالوا: إن الله- عز وجل- في كل مكان وليس على العرش. انظر التمهيد: ٧/١٢٩..
١١ هو معمر بن المثنى، أبو عبيدة التيمي البصري النحوي العلامة، أسند الحديث عن هشام بن عروة، ورؤية بن العجاج، وأبي عمرو بن العلاء... وعنه علي بن المديني، وأبو عبيد القاسم بن سلام. وعلي بن المغيرة الأثرم. وغيرهم. من مؤلفاته كتاب"مجاز القرآن"، توفي سنة ٢١٣ هـ انظر تاريخ بغداد: ١٣/٢٥٢-٢٥٨. وطبقات المفسرين: ٢/٣٢٦..
١٢ سورة الزخرف: ١٢..
١٣ سورة هود: ٤٤..
١٤ سورة المؤمنون: ٢٨..
وقد قرئت ( لذكري ) على هذا المعنى. وكان ابن شهاب يقرؤها كذلك١.
وقال مجاهد :﴿ وأقم الصلاة لذكري ﴾، أن يذكر فيها، قال : فإذا صلى عبد ذكر ربه. ( س : ١/٣٢٧ )
٣٢٣- حدثنا عبد الرحمان بن يحيى قال : حدثنا عمر بن محمد قال : حدثنا علي بن عبد العزيز، قال : حدثنا إسحاق بن إسماعيل، حدثنا جرير عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال : ألا تسألني عن آية فيها مائة آية ؟ قال : قلت ما هي ؟ قال : قوله – عز وجل- :﴿ وفتناك فتونا ﴾، قال : كل شيء أوتي من خير أو شر كان فتنة، وذكر حين حملت به أمه، وحين وضعت، وحين التقطه آل فرعون حتى بلغ ما بلغ، ثم قال : ألا ترى قوله :﴿ ونبلوكم بالشر والخير فتنة ﴾١. ( جامع بيان العلم وفضله : ١/١٣٩ )