ﰡ
والدليل عليه هو أنه قد ثبت وتقرر أن الفعل والصنع يقتضي فاعلا وخالقا لا محالة. ويستغني وجود الفعل بصانع واحد، فإذا الفاعل الواحد لا بد منه، وما زاد فيه فتتعارض فيه الأعداد وتتساقط، إذ لا رجحان لبعض الأعداد على البعض، قال الله تعالى :﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا ءَالِهَةٌ اِلا اَللَّهُ لَفَسَدَتَا ﴾ فبين الله تعالى أن لا إله إلا هو، إذ لو كان أكثر من واحد لما كانت السماوات والأرض، إذ الكثرة توجب صحة وقوع الاختلاف والتمانع من المواد، قال الله تعالى :﴿ أَنَّمَا إِلَـاهُكُمُ إِلَـاهٌ وَاحِدٌ ﴾١. ( الكوكب الأزهر شرح الفقه الأكبر ص : ١١. )
قال الشافعي : أخبرنا الدراوردي، عن يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم٢، عن بُسر بن سعيد٣، عن أبي قيس٤ مولى عمرو بن العاص، عن عمرو ابن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول :« إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطا فله أجر » قال يزيد : فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن حزم فقال : هكذا حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة٥.
ومن أُمِرَ أن يجتهد على مغيب فإنما كلف الاجتهاد، ويسعه فيه الاختلاف. فيكون فرضا على المجتهد أن يجتهد برأي نفسه لا برأي غيره، أنه ليس لأحد أن يقلد أحدا من أهل زمانه، كما لا يكون لأحد له علم بالتوجه إلى القبلة يرى أنه في موضع أن يقلد غيره، إن رأى أنها في غير ذلك الموضع. وإذا كلفوا الاجتهاد فبين أن الاستحسان بغير قياس لا يجوز كلف لأحد.
قال : والقياس قياسان : أحدهما : يكون في مثل معنى الأصل، فذلك الذي لا يحل لأحد خلافه. ثم قياس أن يشبه الشيء بالشيء من الأصل، والشيء من الأصل غيره، فيشبه هذا بهذا الأصل، ويشبه غيره بالأصل غيره.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : وموضع الصواب فيه عندنا ـ والله تعالى أعلم ـ أن ينظر، فأيهما كان أولى بشبهه صيره إليه. إن أشبه أحدهما في خصلتين والآخر في خصلة، ألحقه بالذي هو أشبه في خصلتين.
ومن اجتهد من الحكام ثم رأى أن اجتهاده خطأ، أو قد خالف كتابا أو سنة أو إجماعا أو شيئا في مثل معنى هذا، ردَّه ولا يسعه غير ذلك. وإن كان مما يحتمل ما ذهب إليه ويحتمل غيره، لم يرده من ذلك أن على من اجتهد على مغيب فاستيقن الخطأ، كان عليه الرجوع. ولو صلى على جبل من جبال مكة ليلا فتأخى البيت، ثم أبصر فرأى البيت في غير الجهة التي صلى إليها، أعاد. وإن كان بموضع لا يراه لم يُعد، من قبل أنه رجع في المرة الأولى من مغيب إلى يقين، وهو في هذه المرة يرجع من مغيب إلى مغيب. ( الأم : ٧/٩٣-٩٤. ون أحكام الشافعي : ٢/١٢٢. )
وروى في نفس الباب عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله عز وجل: ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِى اِلْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ اَلْقَوْمِ﴾ قال: كرْم وقد أنبتت عناقيده فأفسدته الغنم قال: فقضى داوود عليه السلام بالغنم لصاحب الكرْم، فقال سليمان: غير هذا يا نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقال: وما ذاك؟ قال: تدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان، وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها حتى إذا كان الكرم كما كان، دفعت الكرم إلى صاحبه ودفعت الغنم إلى صاحبها قال الله عز وجل:
﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا ـاتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾..
٢ - محمد بن إبراهيم التيمي المدني، أبو عبد الله الفقيه. عن: عائشة، وأبي سعيد. وعنه: يحيى بن سعيد، والأوزاعي، وخلق. وثقوه. وقال أحمد: روى مناكير. مات سنة: ١٢٠. الكاشف: ٣/٣. ون التهذيب: ٧/٦. وقال في التقريب: ثقة له أفراد. وتعقبه صاحب التحرير ٣/٢٠٥ فقال: قوله « له أفراد » لا معنى لذكرها، وإنما جاءت الأفراد من رواية بعض الضعفاء عنه ولاسيما ابنه، أما هو فثقة متقن، أطلق توثيقه: ابن معين، وأبو حاتم، والنسائي، وابن خراش، وابن سعد، وابن المديني، ويعقوب بن سفيان، ويعقوب بن شيبة، وغيرهم، وقال البخاري: صحيح الحديث، وقال ابن المديني: هو حسن الحديث، مستقيم الرواية، ثقة إذا روى عنه ثقة، رأيت على حديثه النور، وأما رواية أهل الكوفة عن ابنه عنه، فليس بشيء، ابنه ضعيف منكر الحديث.
قلنا على أن روايته عن كثير من الصحابة منقطعة، بل قال ابن محرز: قيل ليحيى بن معين: لقي أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لم أسمعه. وقد أشار علماء الجرح والتعديل أن روايته مرسلة عن: أسامة بن زيد بن حارثة، وأسيد بن حضير، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وقيس بن عمرو الأنصاري، وأبي سعيد الخذري، وعائشة أم المؤمنين، رضي الله عنهم أجمعين..
٣ - بسر بن سعيد المدني الزاهد. عن: زيد، وأبي هريرة، وسعد. وعنه: ابنا الأشج، وزيد بن أسلم، وعدة. مات سنة: ١٠٠هـ ولم يخلف كفنا. الكاشف: ١/١٠٤. ون التهذيب: ١/٤٥٦. وقال في التقريب: ثقة جليل..
٤ - أبو قيس عبد الرحمن بن ثابت. عن: مولاه عمرو بن العاص، وأم سلمة. وعنه: ابنه عروة، وعلي بن رباح. ثقة فقيه. الكاشف: ٣/٣٤٥. ون التهذيب: ١٠/٢٣٢. وقال في التقريب: ثقة..
٥ - أخرجه البخاري في الاعتصام بالكتاب والسنة (٩٩) باب: أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطا (٢١)(ر٦٩١٩).
وأخرجه مسلم في الأقضية (٣٠) باب: بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطا (٦)(ر١٧١٦).
وأخرجه أصحاب السنن، وأحمد، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر١٦٣٤)..
قال الشافعي : أخبرنا الدراوردي، عن يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم٢، عن بُسر بن سعيد٣، عن أبي قيس٤ مولى عمرو بن العاص، عن عمرو ابن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول :« إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطا فله أجر » قال يزيد : فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن حزم فقال : هكذا حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة٥.
ومن أُمِرَ أن يجتهد على مغيب فإنما كلف الاجتهاد، ويسعه فيه الاختلاف. فيكون فرضا على المجتهد أن يجتهد برأي نفسه لا برأي غيره، أنه ليس لأحد أن يقلد أحدا من أهل زمانه، كما لا يكون لأحد له علم بالتوجه إلى القبلة يرى أنه في موضع أن يقلد غيره، إن رأى أنها في غير ذلك الموضع. وإذا كلفوا الاجتهاد فبين أن الاستحسان بغير قياس لا يجوز كلف لأحد.
قال : والقياس قياسان : أحدهما : يكون في مثل معنى الأصل، فذلك الذي لا يحل لأحد خلافه. ثم قياس أن يشبه الشيء بالشيء من الأصل، والشيء من الأصل غيره، فيشبه هذا بهذا الأصل، ويشبه غيره بالأصل غيره.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : وموضع الصواب فيه عندنا ـ والله تعالى أعلم ـ أن ينظر، فأيهما كان أولى بشبهه صيره إليه. إن أشبه أحدهما في خصلتين والآخر في خصلة، ألحقه بالذي هو أشبه في خصلتين.
ومن اجتهد من الحكام ثم رأى أن اجتهاده خطأ، أو قد خالف كتابا أو سنة أو إجماعا أو شيئا في مثل معنى هذا، ردَّه ولا يسعه غير ذلك. وإن كان مما يحتمل ما ذهب إليه ويحتمل غيره، لم يرده من ذلك أن على من اجتهد على مغيب فاستيقن الخطأ، كان عليه الرجوع. ولو صلى على جبل من جبال مكة ليلا فتأخى البيت، ثم أبصر فرأى البيت في غير الجهة التي صلى إليها، أعاد. وإن كان بموضع لا يراه لم يُعد، من قبل أنه رجع في المرة الأولى من مغيب إلى يقين، وهو في هذه المرة يرجع من مغيب إلى مغيب. ( الأم : ٧/٩٣-٩٤. ون أحكام الشافعي : ٢/١٢٢. )
وروى في نفس الباب عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله عز وجل: ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِى اِلْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ اَلْقَوْمِ﴾ قال: كرْم وقد أنبتت عناقيده فأفسدته الغنم قال: فقضى داوود عليه السلام بالغنم لصاحب الكرْم، فقال سليمان: غير هذا يا نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقال: وما ذاك؟ قال: تدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان، وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها حتى إذا كان الكرم كما كان، دفعت الكرم إلى صاحبه ودفعت الغنم إلى صاحبها قال الله عز وجل:
﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا ـاتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾..
٢ - محمد بن إبراهيم التيمي المدني، أبو عبد الله الفقيه. عن: عائشة، وأبي سعيد. وعنه: يحيى بن سعيد، والأوزاعي، وخلق. وثقوه. وقال أحمد: روى مناكير. مات سنة: ١٢٠. الكاشف: ٣/٣. ون التهذيب: ٧/٦. وقال في التقريب: ثقة له أفراد. وتعقبه صاحب التحرير ٣/٢٠٥ فقال: قوله « له أفراد » لا معنى لذكرها، وإنما جاءت الأفراد من رواية بعض الضعفاء عنه ولاسيما ابنه، أما هو فثقة متقن، أطلق توثيقه: ابن معين، وأبو حاتم، والنسائي، وابن خراش، وابن سعد، وابن المديني، ويعقوب بن سفيان، ويعقوب بن شيبة، وغيرهم، وقال البخاري: صحيح الحديث، وقال ابن المديني: هو حسن الحديث، مستقيم الرواية، ثقة إذا روى عنه ثقة، رأيت على حديثه النور، وأما رواية أهل الكوفة عن ابنه عنه، فليس بشيء، ابنه ضعيف منكر الحديث.
قلنا على أن روايته عن كثير من الصحابة منقطعة، بل قال ابن محرز: قيل ليحيى بن معين: لقي أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لم أسمعه. وقد أشار علماء الجرح والتعديل أن روايته مرسلة عن: أسامة بن زيد بن حارثة، وأسيد بن حضير، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وقيس بن عمرو الأنصاري، وأبي سعيد الخذري، وعائشة أم المؤمنين، رضي الله عنهم أجمعين..
٣ - بسر بن سعيد المدني الزاهد. عن: زيد، وأبي هريرة، وسعد. وعنه: ابنا الأشج، وزيد بن أسلم، وعدة. مات سنة: ١٠٠هـ ولم يخلف كفنا. الكاشف: ١/١٠٤. ون التهذيب: ١/٤٥٦. وقال في التقريب: ثقة جليل..
٤ - أبو قيس عبد الرحمن بن ثابت. عن: مولاه عمرو بن العاص، وأم سلمة. وعنه: ابنه عروة، وعلي بن رباح. ثقة فقيه. الكاشف: ٣/٣٤٥. ون التهذيب: ١٠/٢٣٢. وقال في التقريب: ثقة..
٥ - أخرجه البخاري في الاعتصام بالكتاب والسنة (٩٩) باب: أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطا (٢١)(ر٦٩١٩).
وأخرجه مسلم في الأقضية (٣٠) باب: بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطا (٦)(ر١٧١٦).
وأخرجه أصحاب السنن، وأحمد، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر١٦٣٤)..