مكية إلا آية١٧ فمدنية
وآياتها ٦٠ نزلت بعد الانشقاق.
ﰡ
مكية إلا آية ١٧ فمدنية وآياتها ٦٠ نزلت بعد الانشقاق بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سورة الروم) الم، غُلِبَتِ الرُّومُ أي هزم كسرى ملك الفرس جيش ملك الروم، وسميت الروم باسم جدهم وهو روم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم «١» فِي أَدْنَى الْأَرْضِ قيل: هي الجزيرة، وهي بين الشام والعراق وهي أدنى أرض الروم إلى فارس، وقيل في أدنى أرض العرب منهم وهي أطراف الشام وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ إخبار بأن الروم سيغلبون الفرس فِي بِضْعِ سِنِينَ البضع ما بين الثلاث إلى التسع وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ روي أن غلب الروم فارس وقع يوم بدر، وقيل: يوم الحديبية ففرح المؤمنون بنصر الله لهم على كفار قريش وقيل: فرح المؤمنون بنصر الروم على الفرس، لأن الروم أهل كتاب فهم أقرب إلى الإسلام، كذلك فرح الكفار من قريش بنصر الفرس على الروم، لأن الفرس ليسوا بأهل كتاب، فهم أقرب إلى كفار قريش، وروي أنه لما فرح الكفار بذلك خرج إليهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فقال: إن نبينا ﷺ قد أخبرنا عن الله تعالى أنهم سيغلبون، وراهنهم على عشرة قلاص [القلاص مفردها: قلوص وهي الناقة الشابة] إلى ثلاث سنين، وذلك قبل أن يحرم القمار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: زدهم في الرهن واستزدهم في الأجل، فجعل القلاص مائة، والأجل تسعة أعوام، وجعل معه أبيّ بن خلف مثل ذلك، فلما وقع الأمر على ما أخبر به أخذ أبو بكر القلاص من ذرية أبيّ بن خلف، إذ كان قد مات وجاء بها إلى النبي ﷺ فقال له: تصدق بها وَعْدَ اللَّهِ مصدر مؤكد كقوله: له علي ألف درهم عرفا، لأن معناه اعترفت له بها اعترافا.
يَعْلَمُونَ ظاهِراً قيل: معناه يعلمون ما يدرك بالحواس دون ما يدرك بالعقول فهم في
فَسُبْحانَ اللَّهِ هذا تعليم للعباد أي: قولوا سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ أي حين تدخلون في وقت الظهيرة وهي وسط النهار، وقوله: وله الحمد في السموات والأرض: اعتراض بين المعطوفات وقيل: أراد بذلك الصلوات الخمس، فحين تمسون: المغرب والعشاء، وحين تصبحون: الصبح، وعشيا: العصر، وحين تظهرون الظهر يُخْرِجُ الْحَيَّ ذكر في آل عمران وَيُحْيِ الْأَرْضَ أي ينبت فيها النبات وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ
تَنْتَشِرُونَ أي تنصرفون في الدنيا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً أي صنفكم وجنسكم، قيل أراد خلقة حواء من ضلع آدم، وخاطب الناس بذلك لأنهم ذرية آدم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً قيل: بسبب المصاهرة، والعموم أحسن وأبلغ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ أي لغاتكم وَأَلْوانِكُمْ «١» يعني البياض والسواد، وقيل: يعني أصنافكم، والأول أظهر.
خَوْفاً وَطَمَعاً ذكر في الرعد: ١٢ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ معناه تثبت أو يقوم تدبيرها ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ إذا الأولى شرطية، والثانية فجائية وهي جواب الأولى، والدعوة في هذه الآية قوله للموتى: قوموا بالنفخة الثانية في الصور، ومن الأرض يتعلق بقوله مخرجون أو بقوله دعاكم، على أن تكون الغاية بالنظر إلى المدعوّ كقولك: دعوتك من الجبل إذا كان المدعو في الجبل قانِتُونَ ذكر في [البقرة: ١١٦] وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ أي الإعادة يوم القيامة أهون عليه من الخلقة الأولى، وهذا تقريب لفهم السامع وتحقيق للبعث، فإن من صنع صنعة أول مرة كانت أسهل عليه ثاني مرة، ولكن الأمور كلها متساوية عند الله، فإن كل شيء على الله يسير وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى أي الوصف الأعلى الذي يصفه به أهل السموات والأرض هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ هذا هو المثل المضروب معناه: أنكم أيها الناس لا يشارككم عبيدكم في أموالكم، ولا يستوون معكم في أحوالكم، فكذلك الله تعالى لا يشارك عبيده في ملكه، ولا يماثله أحد في ربوبيته، فذكر حرف الاستفهام ومعناه: التقرير على النفي، ودخل في النفي قوله: فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ: أي لستم في أموالكم سواء مع عبيدكم، ولستم تخافونهم
بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ الإضراب ببل عما تضمنه معنى الآية المتقدمة كأنه يقول: ليس لهم حجة في إشراكهم بالله بل اتبعوا في ذلك أهواءهم بغير علم فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ هو دين الإسلام، وإقامة الوجه في الموضعين من السورة عبارة عن الإقبال عليه والإخلاص فيه في قوله: أقم، والقيم ضرب من ضروب التجنيس فِطْرَتَ اللَّهِ منصوب على المصدر:
كقوله: صبغة الله أو مفعولا بفعل مضمر تقديره: الزموا فطرة الله، أو عليكم فطرة الله، ومعناه خلقة الله، والمراد به دين الإسلام، لأن الله خلق الخلق عليه، إذ هو الذي تقتضيه عقولهم السليمة، وإنما كفر من كفر لعارض أخرجه عن أصل فطرته، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصرانه «١».
لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ يعني بخلق الله الفطرة التي خلق الناس عليها من الإيمان، ومعنى أن الله لا يبدلها، أي لا يخلق الناس على غيرها، ولكن يبدلها شياطين الإنس والجن بعد الخلقة الأولى، أو يكون المعنى أن تلك الفطرة لا ينبغي للناس أن يبدلوها، فالنفي على هذا حكم لا خبر وقيل: إنه على الخصوص في المؤمنين أي لا تبديل لفطرة الله في حق من قضى الله أنه يثبت على إيمانه، وقيل: إنه نهى عن تبديل الخلقة كخصاء الفحول من الحيوان، وقطع آذانها وشبه ذلك مُنِيبِينَ إِلَيْهِ منصوب على الحال من قوله: أقم وجهك لأن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد هو وأمته، ولذلك جمعهم في قوله منيبين، وقيل: هو حال من ضمير الفاعل المستتر في الزموا فطرة الله، وقيل: هو حال من قوله: فطر الناس وهذا بعيد وَاتَّقُوهُ وما بعده معطوف على أقم وجهك أو على العامل في فطرة الله وهو الزموا المضمر مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ المجرور بدل من المجرور قبله، ومعنى فرقوا دينهم: جعلوه فرقا أي اختلفوا فيه، وقرئ: فارقوا من المفارقة أي تركوه، والمراد بالمشركين هنا أصناف الكفار، وقيل: هم المسلمون الذي تفرقوا فرقا مختلفة، وفي لفظ المشركين هنا تجوّز بعيد، ولعل قائل هذا القول إنما قاله في قول الله في [الأنعام: ١٥٩] «إن الذين فرقوا دينهم» فإنه ليس هناك ذكر المشركين وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ بالآية: إنحاء على المشركين، لأنهم يدعون الله في
لِيَكْفُرُوا ذكر في [النحل: ٥٥] أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً أم هنا منقطعة بمعنى بل، والسلطان الحجة، وكلامه مجاز كما تقول نطق: بكذا، والمعنى ليس لهم حجة تشهد بصحة شركهم وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً إنحاء على من يفرح ويبطر إذا أصابه الخير، ويقنط إذا أصابه الشر، وانظر كيف قال هنا إذا، وقال في الشر إن تصبهم سيئة، لأن إذا للقطع بوقوع الشرط، بخلاف إن فإنها للشك في وقوعه، ففي ذلك إشارة إلى أن الخير الذي يصيب به عباده أكثر من الشرّ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ المعنى أن ما يصيب الناس من المصائب، فإنه بسبب ذنوبهم فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ يعني صلة رحم القرابة بالإحسان والمودّة، ولو بالكلام الطيب.
وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ الآية: معناها كقوله يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ [البقرة: ٢٧] أي ما أعطيتم من أموالكم على وجه الربا فلا يزكو عند الله، وما آتيتم من الصدقات: فهو الذي يزكو عند الله وينفعكم به، وقيل: المراد أن يهب الرجل للرجل أو يهدي له ليعوض له أكثر من ذلك، فهذا وإن كان جائزا فإنه لا ثواب فيه.
وقرئ «وما آتيتم» بالمد بمعنى أعطيتم «١» وبالقصر يعني: جئتم أي فعلتموه، [وقرأ نافع] لتربوا بالتاء المضمومة [والباقون] ليربوا بالياء مفتوحة ونصب الواو فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ المضعف ذو الإضعاف من الحسنات، وفي هذه الجملة التفات لخروجه من الغيبة إلى الخطاب، وكان الأصل أن يقال: وما آتيتم من زكاة فأنتم المضعفون، وفيه أيضا حذف، لأنه لا بد من ضمير يرجع إلى ما، وتقديره المضعفون به أو فمؤتوه هم المضعفون.
ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ «٢» قيل: البر البلاد البعيدة من البحر، والبحر هو البلاد التي على ساحل البحر، وقيل: البر اللسان والبحر القلب وهذا ضعيف، والصحيح أن البر والبحر المعروفان، فظهور الفساد في البر بالقحط والفتن وشبه ذلك، وظهور الفساد في البحر بالغرق وقلة الصيد وكساد التجارات وشبه ذلك، وكل ذلك بسبب ما يفعله الناس من
(٢). هذا من إعجاز القرآن فقد ظهر الفساد بجميع صورة في البر والبحر مما لم يكن في عصر المؤلف. [.....]
يأتي أو بقوله لا مردّ له أي لا يرده الله يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ من الصدع وهو الفرقة أي يتفرقون: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ، وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى: ٧] فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ أي يوطنون وهو استعارة من تمهيد الفراش ونحوه، والمعنى أنهم يعملون ما ينتفعون به في الآخرة لِيَجْزِيَ يتعلق بيمهدون أو يصدعون، أو بمحذوف مُبَشِّراتٍ أي تبشر بالمطر وَلِيُذِيقَكُمْ عطف على مبشرات كأنه قال: ليبشركم وليذيقكم ويحتمل أن يتعلق بمحذوف تقديره: ليذيقكم مِنْ رَحْمَتِهِ أرسلها كانَ حَقًّا
انتصب حقا لأنه خبر كان واسمها نصر المؤمنين، وقيل: اسمها مضمر يعود على مصدر انتقمنا: أي وكان الانتقام حقا، فعلى هذا يوقف على حقا ويكون نصر المؤمنين مبتدأ وهذا ضعيف.
فَتُثِيرُ سَحاباً أي تحركها وتنشرها كِسَفاً أي قطعا، وقرئ بإسكان السين وهما بناءان للجمع، وقيل: معنى الإسكان أن السحاب قطعة واحدة الْوَدْقَ هو المطر مِنْ خِلالِهِ الخلال الشقاق الذي بين بعضه وبعض، لأنه متخلل الأجزاء والضمير يعود على السحاب مِنْ قَبْلِهِ كرر للتأكيد وليفيد سرعة تقلب قلوب الناس من القنوط إلى الاستبشار لَمُبْلِسِينَ أي قانطين كقوله: ينزل الغيث من بعد ما قنطوا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا الضمير للنبات الذي ينبته الله بالمطر، والمعنى لئن أرسل الله ريحا فاصفر به النبات لكفر الناس بالقنوط والاعتراض على الله، وقيل: الضمير للريح، وقيل: للسحاب والأول أحسن في المعنى فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى الآية: استعارة في عدم سماع الكفار للمواعظ والبراهين، فشبه الكفار بالموتى في عدم إحساسهم خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ الضعف الأول كون الإنسان من
ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ هذا جواب القسم، ومعناه أنهم يحلفون أنهم ما لبثوا في القبور تحت التراب إلا ساعة، أي ما لبثوا في الدنيا إلا ساعة، وذلك لاستقصار تلك المدّة كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ أي مثل هذا الصرف كانوا يصرفون في الدنيا عن الصدق، والتحقيق حتى يروا الأشياء على ما هي عليه وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ هم الملائكة والأنبياء والمؤمنون ردّوا مقالة الكفار التي حلفوا عليها فِي كِتابِ اللَّهِ يعني اللوح المحفوظ أو علم الله، والمجرور على هذا يتعلق بقوله: لبثتم، وقيل: يعني القرآن، فعلى هذا يتعلق هذا المجرور بقوله أوتوا العلم، وفي الكلام تقديم وتأخير، وتقديره على هذا: قال الذين أوتوا العلم في كتاب الله أي العلماء بكتاب الله وقولهم: لقد لبثتم: خطاب للكفار، وقولهم: فهذا يوم البعث: تقرير لهم، وهو في المعنى جواب لشرط مقدّر تقديره:
إن كنتم تنكرون البعث فهذا يوم البعث وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ من العتبى بمعنى الرضا: أي ولا يرضون وليست استفعل هنا للطلب إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ يعني ما وعد من النصر على الكفار وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ من الخفة: أي لا تضطرب لكلامهم.