ﰡ
﴿ أَلاَ ﴾ أداة استفتاح، والجملة مستأنفة مقررة لما قبلها من الأمر بالإخلاص. قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ﴾ إلخ، اسم الموصول مبتدأ.
﴿ ٱتَّخَذُواْ ﴾ صلته، والخبر محذوف قدره المفسر بقوله: (قالوا) وقوله: ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ ﴾ إلخ، مقول لذلك القول، وقوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ﴾ إلخ، استئناف بياني واقع في جواب سؤال مقدر تقديره ماذا يحصل لهم؟ وهذا هو الأحسن، وقيل: إن خبر المبتدأ وهو قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ ﴾ إلخ، وقوله: ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ ﴾ حال من فاعل ﴿ ٱتَّخَذُواْ ﴾ على تقدير القول، أي قائلين ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ ﴾ الخ. قوله: (الأصنام) قدره إشارة إلى أن ﴿ ٱتَّخَذُواْ ﴾ تنصب مفعولين، الأول محذوف. قوله: (وهم كفار مكة) تفسير للموصول. قوله: (قالوا) ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ ﴾ إلخ، أي فكانوا إذا قيل لهم: من خلقكم، ومن خلق السماوات والأرض، ومن ربكم؟ فيقولون: الله، فيقال لهم: وما معنى عبادتكم الأصنام؟ فيقولون لتقربنا إلى الله زلفى، تشفع لنا عنده. قوله: (مصدر) أي مؤكد ملاق لعامله في المعنى، والتقدير ليزلفونا زلفى، أو ليقربونا قربى، قوله: (وبين المسلمين) أشار بذلك إلى أن المقابل محذوف. قوله: (فيدخل المؤمنين الجنة) أي فالمراد بالحكم تمييز كل فريق عن الآخر. قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ﴾ أي لا يوفق للهدي من هو كاذب كفار، أي مجبول على الكذب والكفر في علمه تعالى. قوله: (في نسبة الولد إليه) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ﴾ إلخ، توطئة لقوله: ﴿ لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ ﴾ إلخ، ويصح أن يكون من تتمة ما قبله، وحينئذ فيقال كاذب في نسبة الألوهية لغيره تعالى. قوله: ﴿ لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً ﴾ أو لو تعلقت ارادته باتخاذ ولد على سبيل الفرض والتقدير، والآية إشارة إلى قياس استثنائي حذفت صغراه، ونتيجته وتقريره أن يقال: لو أراد الله أن يتخذ ولداً، لاصطفى مما يخلق ما يشاء، لكنه لم يصطف من خلقه شيئاً، فلم يرد أن يتخذ ولداً. قوله: (غير من قالوا) أي غير المخلوق الذي قالوا في شأنه أنه ابن الله. قوله: (تنزيهاً عن اتخاذ الولد) أي لأنه امتنع عقلاً ونقلاً، أما عقلاً فلأنه يلزم أن يكون الولد من جنس خالقه، وكونه جنساً منه، يستلزم حدوث الخالق وهو باطل، وأما نقلاً فقد تواترت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والكتب السماوية، على أن الله تعالى لم يتخذ ولداً. قوله: ﴿ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ ﴾ هذا بيان لتنزه في الصفات، اثر بيان تنزهه في الذات، لأن الوحدة تنافي المماثلة فضلاً عن الولد، والقهارية تنافي قبول الزوال المحوج إلى الولد، وإلا لكان مقهوراً، تعالى الله عن ذلك.
﴿ حَسَنَةٌ ﴾ مبتدأ مؤخر. قوله: (هي الجنة) أي بجميع ما فيها من النعيم المقيم، فهي بمعنى قوله تعالى:﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ﴾[يونس: ٢٦].
قوله: ﴿ وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ ﴾ جملة من مبتدأ وخبر، وهي حالية. قوله: (فهاجروا إليها) إلخ، أشار بذلك إلى أن المراد بالأرض أرض الدنيا، والمعنى: من تعسرت عليه التقوى في محل، فليهاجر إلى محل آخر يتمكن فيه من ذلك، إذ لا عذر في التفريط أصلاً، وكانت الهجرة قبل فتح مكة شرطاً في صحة الإسلام، فلما فتحت مكة نسخ كونه شرطاً، وصارت تعتريها الأحكام، فتارة تكون واجبة، كما إذ هاجر من أرض لا أخيار بها، لأرض بها أخيار، يجتمع عليهم للإرشاد، وتكون مكروهة، كما إذا هاجر من أرض بها الأخيار وأهل العلم والصلاح، لأرض لا أخيار بها ولا علم ولا عمل، وتارة تكون محرمة، كما إذا هاجر من أرض يأمن فيها على دينه، لأرض لا يأمن فيها عليه. قوله: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ ﴾ هذا ترغيب في التقوى المأمور بها. قوله: (على الطاعات) أي أو عن المعاصي. قوله: (وما يبتلون) أي ومن جملته مفارقة الوطن المأمور بها في قوله: ﴿ وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ ﴾.
قوله: ﴿ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ أي لما ورد:" تنصب الموازين يوم القيامة لأهل الصلاة والصدقة والحج؛ فيوفون بها أجورهم، ولا تنصب لأهل البلاء، بل يصب عليهم الأجر صباً حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا، أن أجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب به أهل البلاء من الفضل ". قوله: ﴿ قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ ﴾ إلخ، الحكمة في هذا الأخبار، اعلام الأمة بأن يتصفوا به ويلزموه، فإن العادة أن المتصف بخلق، ثم يأمر به، أو يعرض بالأمر به ويؤثر في غيره كما قيل: حال رجل في ألف رجل، أنفع من حال ألف رجل في رجل. قوله: (من هذه الأمة) جواب عما يقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس أول المسلمين مطلقاً: فأجاب: بأن الأولية بحسب سبق الدعوة. قوله: ﴿ قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ ﴾ سبب نزولها: أن كفار قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ما حملك على هذا الذي أتيتنا به، ألا تنظر إلى ملة أبيك وجدك وقومك فتأخذ بها؟ فنزلت، فالمقصود منها زجر الغير عن المعاصي، لأنه صلى الله عليه وسلم إذا كان خائفاً مع كمال طهارته وعصمته، فغيره أولى، وذلك سنة الأنبياء والصالحين، حيث يخبرون غيرهم بما هم متصفون به ليكونوا مثلهم، لا الملوك والمتجبرين، حيث يأمرون غيرهم بما لم يتصفوا به. قوله: (فيه تهديد لهم) أي من حيث الأمر. قوله: (وإيذان) أي إعلام.
قوله: ﴿ وَأَهْلِيهِمْ ﴾ أي أزواجهم وخدمهم يوم القيامة، لما ورد: أن الله تعالى جعل لكل إنسان منزلاً وأهلاً في الجنة، فمن عمل بطاعة الله، كان ذلك المنزل والأهل له، ومن عمل بمعصية الله دخل النار، وكان ذلك المنزل والأهل لغيره ممن عمل بطاعة الله، فخسر نفسه وأهله ومنزله، وقيل: المراد أهلهم في الدنيا، لأنهم إن كانوا من أهل النار، فقد خسروهم كما خسروا أنفسهم، وإن كانوا من أهل الجنة، فقد ذهبوا عنهم ذهاباً لا رجوع بعده. قوله: ﴿ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ﴾ أي حين يدخلون النار. قوله: (بتخليد الأنفس) راجع لقوله: ﴿ أَنفُسَهُمْ ﴾.
قوله: (بعد وصولهم إلى الحور العين) إلخ، راجع لقوله: ﴿ وَأَهْلِيهِمْ ﴾ على سبيل اللف والنشر والمرتب. قوله: ﴿ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ ﴾ أي الذي لا خفاء فيه، وتصدير الجملة بأداة التنبيه، إشارة إلى فظاعته وشناعته. قوله: ﴿ لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ ﴾ ﴿ لَهُمْ ﴾ خبر مقدم، و ﴿ ظُلَلٌ ﴾ مبتدأ مؤخر، و ﴿ مِّن فَوْقِهِمْ ﴾ حال. قوله: (طباق) أي قطع كبار، وإطلاق الظلل عليها تهكم، وإلا فهي محرقة، والظلة تقي من الحر. قوله: ﴿ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ﴾ أي ولغيرهم وإن كان فراشاً لهم، لأن النار دركات، فما كان فراشاً لجماعة، يكون ظلة لآخرين. قوله: ﴿ ذَلِكَ يُخَوِّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ ﴾ أي فالحكمة في ذكر أحوال أهل النار، تخويف المؤمنين منها ليتقوها بطاعة ربهم. قوله: (يدل عليه) أي على الوصف المقدر وهو قوله: (المؤمنين). قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّاغُوتَ ﴾ إلخ، قيل: نزلت هذه الآية في عثمان بن عفان وعبد الرحمن ابن عوف وسعد وسعيد وطلحة والزبير رضي الله عنهم، سألوا أبا بكر رضي الله عنه، فأخبرهم بإيمانه فآمنوا. قوله: (الأوثان) هذا أحد أقوال في تفسيره، وقيل هو الشيطان، وقيل: كل ما عبد من دون الله تعالى، وقيل: غير ذلك. قوله: ﴿ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ ﴾ (بالجنة) أي على ألسنة الرسل، أو على ألسنة الملائكة، عند حضور الموت، وفي الحقيقة البشرى تحصل لهم في الدنيا، بالثناء عليهم بصالح أعمالهم، وعند الموت وعند الوضع في القبر، وعند الخروج من القبور، وعند الوقوف للحساب، وعند المرور على الصراط، ففي كل موقف من هذه المواقف، تحصل لهم البشارة بالروح والريحان. قوله: ﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ ﴾ أي الموصوفين باجتناب الوثان، والإثابة إلى الله تعالى، والإضافة لتشريف المضاف.
قوله: ﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا ﴾ اللام موطئة لقسم محذوف، ومعنى ﴿ ضَرَبْنَا ﴾ بينا ووضحنا. قوله: (حال مؤكدة) أي لفظ قرآناً، وكما تسمى (مؤكدة) بالنسبة لما قبلها، تسمى موطئة بالنسبة لما بعدها، كما تقول: جاء زيد رجلاً صالحاً. قوله: ﴿ غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ﴾ نعت لقرآناً أو حال أخرى. قوله: (أي لبس واختلاف) أي فمعناه صحيح لا لبس ولا تناقض فيه. قوله: ﴿ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ علة لقوله: ﴿ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾.
قوله: (بمعنى السيئ والحسن) أي فافعل التفضيل ليس على بابه، وهو جواب عما يقال: مقتضاه أنه يكفر عنهم الأسوأ فقط، ويجاوزون على الأحسن فقط، ولا يكفر عنهم السيئ، ولا يجاوزون على الحسن. قوله: ﴿ عَبْدَهُ ﴾ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: المراد به الخالص في العبودية لله وهو التم، ويؤيده قراءة عباده بالجمع، وهي سبعية أيضاً، والمعنى أنه من أخلص لله في عبادته، كفاه ما أهمه في دينه ودنياه وآخرته. قوله: ﴿ وَيُخَوِّفُونَكَ ﴾ يصح أن تكون الجملة حالية، والمعنى أن الله كافيك في كل حال تخويفهم لك، ويصح أن تكون مستأنفة. قوله: (أو تخبله) أي تفسد أعضاءه وتذهب عقله. قوله: ﴿ ذِي ٱنتِقَامٍ ﴾ أي ينتقم من أعدائه لأوليائه، وتأخير قوله: (بلى) للإشارة إلى أنه راجع لقوله ﴿ ذِي ٱنتِقَامٍ ﴾ أيضاً. قوله: ﴿ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ ﴾ أي فلا جواب لهم غيره، لقيام البراهين الواضحة على أنه المنفرد بالخلق والإيجاد. قوله: ﴿ قُلْ أَفَرَأَيْتُم ﴾ إلخ، رأى متعدية لمفعولين: الأول قوله: ﴿ مَّا تَدْعُونَ ﴾، والثاني قوله: ﴿ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ ﴾ إلخ، وقوله: ﴿ إِنْ أَرَادَنِيَ ﴾ إلخ، جملة شرطية معترضة بين المفعول الأول والثاني، وجوابها محذوف لدلالة المفعول الثاني عليه، وتقديره لا كاشف له غيره. قوله: ﴿ إِنْ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ ﴾ قدمه لأن دفعه أهم وخص نفسه لأنه جواب لتخويفه من الأصنام. قوله: ﴿ هَلْ هُنَّ ﴾ عبر عنها بضمير الإناث تحقيراً لها، ولأنهم كانوا يسمونها بأسماء الإناث، كاللات والعزى ومناة. قوله: (وفي قراءة بالإضافة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: ﴿ قُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ ﴾ أي كافيّ فلا ألتفت لغيره. قوله: (يثق الواثقون) أي يعتمد المعتمدون.
قوله: ﴿ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ أي تردون فيجازيكم بأعمالكم. قوله: ﴿ وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ﴾ ﴿ إِذَا ﴾ معمولة لقوله: ﴿ ٱشْمَأَزَّتْ ﴾ قوله: ﴿ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ أي لنسيانهم حق الله تعالى، وهذه الآية تجر بذيلها على أهل اللهو والفسوق، الذين يختارون مجالس اللهو ويفرحون بها، على مجالس الطاعات. قوله: ﴿ قُلِ ٱللَّهُمَّ ﴾ أي التجئ إلى ربك بالدعاء والتضرع، فإنه القادر على كل شيء. قوله: (أي يا الله) أي فحذفت يا النداء، وعوض عنها الميم وشددت، لتكون على حرفين كالمعوض عنه. قوله: (اهدني) هذا هو المقصود بالدعاء، وتمام تلك الدعوة النبوية على ما ورد: اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. قوله: ﴿ وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ إلخ، بيان لغاية شدة ما ينزل بهم. قوله: ﴿ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ ﴾ أي بالمذكور من الأمرين. قوله: ﴿ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ﴾ ظرف ﴿ لاَفْتَدَوْاْ ﴾.
قوله: ﴿ وَبَدَا لَهُمْ ﴾ إلخ، كلام مستأنف أو معطوف على قوله: ﴿ وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ إلخ. قوله: ﴿ سَيِّئَاتُ مَا كَـسَبُواْ ﴾ أي الأعمال السيئة حين تعرض عليهم صفائحهم. قوله: (الجنس) أي فهو إخبار عن الجنس بما يفعله غالب أفراده. قوله: (إنعاماً) أي تفضلاً وإحساناً. قوله:﴿ عَلَىٰ عِلْمٍ ﴾[الزمر: ٤٩] (من الله) إلخ أي أو مني بوجود سببه، أو أني أعطيته بسبب محبة الله لي وفلاحي. قوله: (أي القولة) أشار بذلك إلى أن الضمير عائد على (القولة) وقيل عائد على النعمة، والمعنى أن النعمة فتنة، أي امتحان واختبار، هل يشكر عليها أو يكفرها. قوله: (أن التخويل) أي إعطاء النعم تفضلاً وإحساناً. قوله: (الراضين بها) أشار بذلك إلى أن قومه لم يقولوها بالفعل، وإنما نسبت لهم من حيث رضتهم بها. قوله: ﴿ سَيِّئَاتُ مَا كَـسَبُواْ ﴾ أي جزاء أعمالهم السيئة.
ومنها: إضافة الرحمة لأجل أسمائه، الجامع لجميع الأسماء والصفات، وهو لفظ الجلالة. ومنها: الإتيان بالجملة المعرفة الطرفين المؤكدة بأن وضمير الفصل في قوله: ﴿ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ﴾ للإشارة إلى أنه تعالى لا وصف له مع عباده إلا الغفران والرحمة، ومناسبة هذه الآية لما قبلها، أن الله تعالى لما شدد على الكفار التشديد العظيم في قوله﴿ وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ﴾[الزمر: ٤٧] الآية، أتبعها بذكر عظيم غفرانه ورحمته لمن آمن، ليجمع العبد بين الرجاء والخوف. قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ﴾ أي فرطوا في الأعمال الصالحة، وارتكبوا سيئ الأعمال، وأكثروا منه. قوله: ﴿ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ ﴾ إن قلت: إن في هذا إغراء بالمعاصي، واتكالاً على غفرانه تعالى، وهو لا يليق. اجيب: بأن المقصود تنبيه العاصي على إنه ينبغي له أن يقدم على التوبة، ولا يقنط من رحمة الله، وليس ذلك إغراء بالمعاصي، بل هو تطمين للعصاة، وترغيب لهم في الإقبال على ربهم. قوله: (بكسر النون وفتحها) أي من باب جلس وسلم وهما سبعيتان. قوله: (وقرئ بضمها) أي من باب دخل، وهي شاذة. قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾ أي إشراكاً أو غيره، وهو مقيد بالتوبة كما قال المفسر، لأن بها يخرج العاصي من ذنوبه كيوم ولدته أمه لما في الحديث:" التائب من الذنب كمن لا ذنب له "وأما من مات مسلماً ولم يتب من ذنوبه فأمره مفوض لربه، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه بقدر جرمه، ثم يدخله الجنة، وأما من مات مشركاً، فلا يغفر له بنص قوله تعالى:﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ﴾[النساء: ٤٨] ومن هنا قيل: رحمة الله غلبت غضبه، لأن دار الغضب مخصوصة بمن مات مشركاً، بخلاف دار الرحمة، فهي لمن عدا ذلك. قوله: (لمن تاب من الشرك) إنما خص الشرك، لأن التوبة منه مقبولة قطعاً بنص قوله تعالى:﴿ قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ ﴾[الأنفال: ٣٨] بخلاف التوبة من غير الشرك، ففيها قولان: قيل مقبولة ظناً، وقيل قطعاً، والفرق أن تعذيب العاصي تطهير، وتعذيب الكافر غضب، فمآل العاصي للجنة، وإن طالت مدته في النار، لأن معاملته بالفضل والرحمة بخلال الكافر، فمعاملته بالعدل. قوله: ﴿ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ﴾ تعليل لما قبله، وهذان الوصفان يكونان لمن تاب، فالغفران له دخول الجنة. قوله: ﴿ وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ ﴾ أتى بهذه الآية عقب التي قبلها لئلاً يتكل العاصي على الغفران، ويترك التوبة والرجوع إلى الله، فأفاد أن الرجوع إلى الله والإقبال عليه مطلوب، ومن ترك ذلك فله الوعيد العظيم. قوله: (إن لم يتوبوا) راجع لقوله: ﴿ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ ﴾.
قوله: ﴿ وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـمْ ﴾ أي على لسان أحسن نبي وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا معطوف على قوله: ﴿ وَأَنِـيبُوۤاْ ﴾ والمعنى: ارجعوا إلى ربكم، والزموا أوامر أحسن كتاب أنزل إليكم ونواهيه، وهذا الخطاب عام للأولين والآخرين من لدن آدم إلى يوم القيامة، ولكن من أدركه التكليف كلف باتباعه، ومن لم يدركه بأن كان متقدماً عليه، يلزمه اتباعه لو فرض أنه أدركه، ومن هنا أخذ الميثاق على الأنبياء وأممهم، إن ظهر محمد صلى الله عليه وسلم واحدهم حي يلزمه اتباعه، وفي الحديث:" لو أدركني موسى ما وسعه إلا اتباعي "وحينئذ فالمعنى: اتبعوا يا عبادي من أول الزمان لآخره، أحسن كتاب أنزل إليكم من ربكم، فالمكلف بها الخطاب من أدركه ومن لم يدركه، لكم من لم يدركه مكلف به لولا مانع الموت، ولذا كلف به من بقي حياً حتى أدركه، كالخضر وإلياس وعيسى عليهم السم. قوله: (القرآن) تفسير لأحسن، فإن ما أنزل إلينا من ربنا كتب كثيرة، وأحسنها القرآن، وهذا كله على ما فهم المفسر، وقيل: معنى ﴿ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم ﴾ الخ، أي من القرآن وهو أوامره جون نواهيه، أو عزائمه دون رخصته، أو ناسخه دون منسوخه، أو ما هو أعم، والخطاب لخصوص هذه الآمة فتدبر.
قوله: ﴿ ٱللَّهُ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ ﴾ هذا دليل لما قبله، ودخل في الشيء الجنة وما فيها، والنار وما فيها، وحينئذ فلا مشارك لله في خلقه. قوله: ﴿ لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ المقاليد جمع مقلاد أو مقليد، والكلام كناية عن شدة التمكن والتصرف في كل شيء في السماوات أو الأرض، وروي عن عثمان رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المقاليد فقال: تفسيرها لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله وبحمده واستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، بيده الخير، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، فهذه الكلمات مفاتيح خزائن السماوات والأرض، من تكلم بها فتحت له. قوله: (من المطر) الخ، بيان للخزائن. قوله: (متصل بقوله وينجي) أي فهو معطوف عيه، من عطف جملة اسمية على فعلية ولا مانع منه. قوله: (المعمول لتأمروني) أي والأصل أتأمروني بأن أعبد غير الله، قدم مفعول ﴿ أَعْبُدُ ﴾ على تأمرونني العامل في عامله وحذفت. قوله: (بنون واحدة) أي مخففة مع فتح الياء لا غير، وهذه النون الرفع، كسرت للمناسبة، واستغني بها عن نون الوقاية. قوله: (بإدغام) أي مع فتح الياء وسكونها وقوله: (وفك) أي مع سكون الياء لا غير، فالقراءات أربع سبعيات.
قوله: ﴿ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ ﴾ بالرفع في قراءة العامة خبر عن الضمير، وقرئ شذوذاً بالنصب على الحال، وخبر الضمير. قوله: ﴿ يَنظُرُونَ ﴾.
قوله: (ما يفعل بهم) أي من الحساب والمرور على الصراط، وإدخالهم الجنة أو النار.
قوله: (بعنف) أي شدة، لأنهم يضربون من خلف بالمقامع، ويسبحون من أمام بالسلاسل والأغلال. قوله: ﴿ إِلَىٰ جَهَنَّمَ ﴾ المراد دار العذاب بجميع طبقاتها. قوله: ﴿ زُمَراً ﴾ جمع زمرة من الزمر وهو الصوت، سموا بذلك لأن الجماعة لا تخلو غالباً عنه. قوله: (جماعات متفرقة) أي فوجاً فوجاً كما في آية﴿ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ ﴾[الملك: ٨] والمعنى كل أمة على حدة. قوله: ﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا ﴾ ﴿ حَتَّىٰ ﴾ ابتدائية تبدأ بعدها بالجمل. قوله: ﴿ فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ﴾ أي ليتلقوا حرارتها بأنفسهم. قوله: (جواب إذا) أي باتفاق. قوله: ﴿ رُسُلٌ مِّنكُمْ ﴾ أي من جنسكم. قوله: (القرآن) أي بالنسبة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقوله: (وغيره) أي بالنسبة لبقية الأمم. قوله: ﴿ لِقَـآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا ﴾ أضاف اليوم لهم باعتبار انحصار شدته فيهم، وليس المراد به يوم القيامة جميعه، فإنه مختلف باعتبار الأشخاص، فيكون نعيماً وسروراً للمؤمنين، وشدة وعذاباً للكافرين. قوله: ﴿ قَالُواْ بَلَىٰ ﴾ إقرار بما وقع منهم، وإنما أنكروا حين سألهم الله تعالى طمعاً في النجاة، فلما قامت الحجج عليهم، وتحتم الأمر بعذابهم، رأوا أن الإنكار لا فائدة فيه فأقروا، وبالجملة فالقيامة مواطن، تارة ينكرون وتارة تقر أعضاؤهم، وتارة يقرون بألسنتهم. قوله: ﴿ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ ﴾ أظهر في محل الإضمار، اشارة لسبب استحقاقهم العذاب وهو الكفر. قوله: (مقدرين الخلود) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ خَالِدِينَ ﴾ حال مقدرة، وذلك لأنهم عند الدخول ليسوا خالدين، وإنما هم منتظرون ومقدرون الخلود. قوله: ﴿ مَثْوَى ٱلْمُتَكَـبِّرِينَ ﴾ أظهر في محل الإضمار، إشارة إلى بيان سبب كفرهم الذي استحقوا به العذاب، وقوله: (جهنم) هو المخصوص بالذم. قوله: ﴿ وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ ﴾ أخر وعد المؤمنين ليحسن اختتام السورة به، ليكون آخر الكلام بشرى المؤمنين. قوله: (بلطف) أشار بذلك إلى أن السوق في الموضعين مختلف، فسوق الكفار سوق إهانة وانتقام، وسوق المؤمنين سوق تشريف وإكرام، وفي المعنى: سوق المؤمنين مختلف، فسوق الكفار سوق إهانة وانتقام، وسوق المؤمنين سوق تشريف وإكرام، وفي المعنى: سوق المؤمنين سوق مراكبهم، لأنهم يذهبون راكبين، فيسرع بهم إلى دار الكرامة والرضوان، فشتان ما بين السوقين، وهذا من بديع الكلام، وهو أن يؤتى بكلمة واحدة تدل على الهوان في حق جماعة، وعلى العز والرضوان في حق آخرين. قوله: ﴿ زُمَراً ﴾ أي جماعات على حساب قربهم ومراتبهم. قوله: ﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا ﴾ ﴿ حَتَّىٰ ﴾ ابتدائية. قوله: (الواو فيه للحال) والحكمة في زيادة الواو هنا دون التي قبلها، أن أبواب السجن مغلقة، إلى أن مجيئها صاحب الجريمة، فتفتح له ثم تغلق عليه، فناسب ذلك عدم الواو فيها، بخلاف أبواب السرور والفرح، فإنها تفتح انتظاراً لمن يدخلها. قوله: ﴿ وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا ﴾ عطف على قوله: ﴿ جَآءُوهَا ﴾.
قوله: ﴿ سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ ﴾ أي سلمتم من كل مكروه، وقوله: ﴿ طِبْتُمْ ﴾ أي طهرتم من دنس المعاصي، لما ورد: أنه على باب الجنة شجرة ينبع من ساقها عينان، يشرب المؤمنون من إحداهما، فتطهر أجوافهم، وذلك قوله تعالى:﴿ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً ﴾[الإنسان: ٢١] ثم يغتسلون من الأخرى فتطيب أجسادهم، فعندها يقول لهم خزنتها ﴿ سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾.
قوله: (وجواب إذا مقدر) هذا أحد أقوال ثلاثة، وقيل: إن جوابها قوله: ﴿ وَفُتِحَتْ ﴾ والواو زائدة، وقيل: هو قوله: ﴿ وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا ﴾ والواو زائدة. قوله: (وسوقهم) مبتدأ و (تكرمة) خبره، وكذا ما بعده.
قوله: ﴿ وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ ﴾ أي ملكها لنا نتصرف فيها تصرف الوارث فيما يرثه، وقد كانت لآدم وحده، فأخذها أولاده إرثاً لها منه، وقيل: المراد أورثنا أرض الجنة التي كانت للكفار لو آمنوا، والأقرب أن المراد ملكنا إياها كالميراث، فإنه ملك بلا ثمن، ولا شبهة لأحد فيه، فكذلك منازل الجنة. قوله: (لا يختار فيها مكان على مكان) أي بل يرى كل إنسان بمكانه الذي أعد له، بحيث لو أطلق الاختيار لا يختار غيره، لزوال الحقد والحسد، من القلوب، وهذا جواب عما قيل: كيف ذلك، مع أن كل إنسان له محل معد لا سبيل له إلى غيره؟ وأجيب أيضاً: بأن المعنى يختار من منازله من يشاء، لما ورد: أن كل واحد له جنة لا توصف سعة ولا حسناً، فيتبوأ من جنته حيث يشاء، ولا يخطر بباله غيرها. قوله: ﴿ فَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ ﴾ هذا من كلام الله تعالى، زيادة في سرور أهل الجنة، وقوله: (الجنة) هو المخصوص بالمدح. قوله: ﴿ وَتَرَى ٱلْمَلاَئِكَةَ ﴾ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، بل ولكل مؤمن زيادة في السرور، لأن رؤية الملائكة في الآخرة من النعيم، لاتحاد روحانيتهم مع الإنس، وأما في الدنيا فمفزع، لأن النوع الإنساني في الدنيا ضعيف مكبل بأنواع الشهوات والحجب، فلا يستطيع رؤية المقربين. قوله: (حافين) أي محيطين مصطفين بحافته وجوانبه. قوله: (أي يقولون سبحان الله وبحمده) أي تلذذاً، لأن منتهى درجاتهم الاستغراق في تسبيحه تعالى وتقديسه. قوله: (ختم استقرار الفريقين) الخ، أي كما ابتدأ ذكر الخلق بالحمد في قوله:﴿ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ ﴾[الأنعام: ١] ففيه تنبيه على أنه تعالى ينبغي حمده في مبدأ كل أمر ونهايته. قوله: (من الملائكة) أي بل ومن جميع الخلق، فإن جميع أهل الجنة، يحمدون الله تعالى على ما أعطاهم وأولاهم من تلك النعم العظيمة ويجدون لذلك الحمد لذة عظيمة لزوال الحجاب عنهم. والله سبحانه وتعالى أعلم.