تفسير سورة سورة الأعراف من كتاب جامع البيان في تأويل آي القرآن
المعروف بـالطبري
.
لمؤلفه
الطبري
.
المتوفي سنة 310 هـ
القول في تفسير السورة التي يذكر فيها الأعراف
ﰡ
ﭑ
ﰀ
تفسير سورة الأعراف تفسير السورة التي يذكر فيها الأعراف بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله جل ثناؤه وتقدَّست أسماؤه ﴿المص (١) ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قول الله تعالى ذكره: (المص).
فقال بعضهم: معناه: أنا الله أفضل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٣١٠- حدثنا سفيان قال، حدثنا أبي، عن شريك، عن عطاء بن السائب، عن أبي الضحى، عن ابن عباس: (المص)، أنا الله أفضل.
١٤٣١١- حدثني الحارث قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا عمار بن محمد، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير في قوله: (المص)، أنا الله أفضل.
* * *
وقال آخرون: هو هجاء حروف اسم الله تبارك وتعالى الذي هو"المصوّر".
* ذكر من قال ذلك:
١٤٣١٢- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (المص)، قال: هي هجاء"المصوّر".
* * *
وقال آخرون: هي اسم من أسماء الله، أقسم ربنا به.
* ذكر من قال ذلك:
القول في تأويل قوله جل ثناؤه وتقدَّست أسماؤه ﴿المص (١) ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قول الله تعالى ذكره: (المص).
فقال بعضهم: معناه: أنا الله أفضل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٣١٠- حدثنا سفيان قال، حدثنا أبي، عن شريك، عن عطاء بن السائب، عن أبي الضحى، عن ابن عباس: (المص)، أنا الله أفضل.
١٤٣١١- حدثني الحارث قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا عمار بن محمد، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير في قوله: (المص)، أنا الله أفضل.
* * *
وقال آخرون: هو هجاء حروف اسم الله تبارك وتعالى الذي هو"المصوّر".
* ذكر من قال ذلك:
١٤٣١٢- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (المص)، قال: هي هجاء"المصوّر".
* * *
وقال آخرون: هي اسم من أسماء الله، أقسم ربنا به.
* ذكر من قال ذلك:
291
١٤٣١٣- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (المص)، قسم أقسمه الله، وهو من أسماء الله.
* * *
وقال آخرون: هو اسم من أسماء القرآن.
ذكر من قال ذلك:
١٤٣١٤- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (المص)، قال: اسم من أسماء القرآن.
١٤٣١٥- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله.
* * *
وقال آخرون: هي حروف هجاء مقطّعة.
* * *
وقال آخرون: هي من حساب الجمَّل.
* * *
وقال آخرون: هي حروف تحوي معاني كثيرة، دلّ الله بها خلقه على مراده من ذلك.
* * *
وقال آخرون: هي حروف اسم الله الأعظم.
* * *
وقد ذكرنا كل ذلك بالرواية فيه، وتعليل كلّ فريق قال فيه قولا. وما الصواب من القول عندنا في ذلك، بشواهده وأدلته فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (١)
* * *
* * *
وقال آخرون: هو اسم من أسماء القرآن.
ذكر من قال ذلك:
١٤٣١٤- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (المص)، قال: اسم من أسماء القرآن.
١٤٣١٥- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله.
* * *
وقال آخرون: هي حروف هجاء مقطّعة.
* * *
وقال آخرون: هي من حساب الجمَّل.
* * *
وقال آخرون: هي حروف تحوي معاني كثيرة، دلّ الله بها خلقه على مراده من ذلك.
* * *
وقال آخرون: هي حروف اسم الله الأعظم.
* * *
وقد ذكرنا كل ذلك بالرواية فيه، وتعليل كلّ فريق قال فيه قولا. وما الصواب من القول عندنا في ذلك، بشواهده وأدلته فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (١)
* * *
(١) انظر ما سلف ١: ٢٠٥ - ٢٢٤. وانظر أيضًا معاني القرآن للفراء ١: ٣٦٨ - ٣٧٠.
294
القول في تأويل قول الله تعالى ذكره ﴿كِتَابٌ أُنزلَ إِلَيْكَ﴾
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: هذا القرآن، يا محمد، كتاب أنزله الله إليك.
* * *
ورفع"الكتاب" بتأويل: هذا كتابٌ.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فلا يضق صدرك، يا محمد، من الإنذار به مَنْ أرسلتك لإنذاره به، وإبلاغه مَنْ أمرتك بإبلاغه إياه، ولا تشك في أنه من عندي، واصبر للمضيّ لأمر الله واتباع طاعته فيما كلفك وحملك من عبء أثقال النبوة، (١) كما صبر أولو العزم من الرسل، فإن الله معك.
* * *
و"الحرج"، هو الضيق، في كلام العرب، وقد بينا معنى ذلك بشواهده وأدلته في قوله: (ضَيِّقًا حَرَجًا) [سورة الأنعام: ١٢٥]، بما أغنى عن إعادته. (٢)
* * *
وقال أهل التأويل في ذلك ما:-
١٤٣١٦- حدثني به محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: (فلا يكن في صدرك حرج منه)، قال: لا تكن في شك منه.
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: هذا القرآن، يا محمد، كتاب أنزله الله إليك.
* * *
ورفع"الكتاب" بتأويل: هذا كتابٌ.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فلا يضق صدرك، يا محمد، من الإنذار به مَنْ أرسلتك لإنذاره به، وإبلاغه مَنْ أمرتك بإبلاغه إياه، ولا تشك في أنه من عندي، واصبر للمضيّ لأمر الله واتباع طاعته فيما كلفك وحملك من عبء أثقال النبوة، (١) كما صبر أولو العزم من الرسل، فإن الله معك.
* * *
و"الحرج"، هو الضيق، في كلام العرب، وقد بينا معنى ذلك بشواهده وأدلته في قوله: (ضَيِّقًا حَرَجًا) [سورة الأنعام: ١٢٥]، بما أغنى عن إعادته. (٢)
* * *
وقال أهل التأويل في ذلك ما:-
١٤٣١٦- حدثني به محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: (فلا يكن في صدرك حرج منه)، قال: لا تكن في شك منه.
(١) في المطبوعة: ((واصبر بالمضي لأمر الله))، وغير ما في المخطوطة بلا طائل.
(٢) انظر ما سلف ص: ١٠٣ - ١٠٧.
(٢) انظر ما سلف ص: ١٠٣ - ١٠٧.
295
١٤٣١٧- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (فلا يكن في صدرك حرج منه)، قال: شك.
١٤٣١٨- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٤٣١٩- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة: (فلا يكن في صدرك حرج منه)، شك منه.
١٤٣٢٠- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، مثله.
١٤٣٢١- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (فلا يكن في صدرك حرج منه)، قال: أما"الحرج"، فشك.
١٤٣٢٢- حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، سمعت مجاهدًا في قوله: (فلا يكن في صدرك حرج منه)، قال: شك من القرآن.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا الذي ذكرته من التأويل عن أهل التأويل، هو معنى ما قلنا في"الحرج"، لأن الشك فيه لا يكون إلا من ضيق الصدر به، وقلة الاتساع لتوجيهه وجهته التي هي وجهته الصحيحة. وإنما اخترنا العبارة عنه بمعنى"الضيق"، لأن ذلك هو الغالب عليه من معناه في كلام العرب، كما قد بيناه قبل.
* * *
١٤٣١٨- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٤٣١٩- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة: (فلا يكن في صدرك حرج منه)، شك منه.
١٤٣٢٠- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، مثله.
١٤٣٢١- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (فلا يكن في صدرك حرج منه)، قال: أما"الحرج"، فشك.
١٤٣٢٢- حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، سمعت مجاهدًا في قوله: (فلا يكن في صدرك حرج منه)، قال: شك من القرآن.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا الذي ذكرته من التأويل عن أهل التأويل، هو معنى ما قلنا في"الحرج"، لأن الشك فيه لا يكون إلا من ضيق الصدر به، وقلة الاتساع لتوجيهه وجهته التي هي وجهته الصحيحة. وإنما اخترنا العبارة عنه بمعنى"الضيق"، لأن ذلك هو الغالب عليه من معناه في كلام العرب، كما قد بيناه قبل.
* * *
296
القول في تأويل قوله: ﴿لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢) ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره: هذا كتاب أنزلناه إليك، يا محمد، لتنذر به من أمرتك بإنذاره، (وذكرى للمؤمنين) = وهو من المؤخر الذي معناه التقديم. ومعناه: "كتاب أنزل إليك لتنذر به"، و"ذكرى للمؤمنين"،"فلا يكن في صدرك حرج منه".
وإذا كان ذلك معناه، كان موضع قوله: (وذكرى) نصبًا، بمعنى: أنزلنا إليك هذا الكتاب لتنذر به، وتذكر به المؤمنين.
* * *
ولو قيل معنى ذلك: هذا كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه، أن تنذر به، وتذكّر به المؤمنين = كان قولا غير مدفوعة صحته.
وإذا وُجِّه معنى الكلام إلى هذا الوجه، كان في قوله: (وذكرى) من الإعراب وجهان:
أحدهما: النصب بالردّ على موضع"لتنذر به".
والآخر: الرفع، عطفًا على"الكتاب"، كأنه قيل:"المص كتاب أنزل إليك"، و"ذكرى للمؤمنين". (١)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ (٣) ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء المشركين من قومك الذين يعبدون الأوثان والأصنام: اتبعوا، أيها
قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره: هذا كتاب أنزلناه إليك، يا محمد، لتنذر به من أمرتك بإنذاره، (وذكرى للمؤمنين) = وهو من المؤخر الذي معناه التقديم. ومعناه: "كتاب أنزل إليك لتنذر به"، و"ذكرى للمؤمنين"،"فلا يكن في صدرك حرج منه".
وإذا كان ذلك معناه، كان موضع قوله: (وذكرى) نصبًا، بمعنى: أنزلنا إليك هذا الكتاب لتنذر به، وتذكر به المؤمنين.
* * *
ولو قيل معنى ذلك: هذا كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه، أن تنذر به، وتذكّر به المؤمنين = كان قولا غير مدفوعة صحته.
وإذا وُجِّه معنى الكلام إلى هذا الوجه، كان في قوله: (وذكرى) من الإعراب وجهان:
أحدهما: النصب بالردّ على موضع"لتنذر به".
والآخر: الرفع، عطفًا على"الكتاب"، كأنه قيل:"المص كتاب أنزل إليك"، و"ذكرى للمؤمنين". (١)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ (٣) ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء المشركين من قومك الذين يعبدون الأوثان والأصنام: اتبعوا، أيها
(١) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٧٠.
297
الناس، ما جاءكم من عند ربكم بالبينات والهدى، واعملوا بما أمركم به ربكم، ولا تتبعوا شيئًا من دونه = يعني: شيئًا غير ما أنزل إليكم ربكم. يقول: لا تتبعوا أمر أوليائكم الذين يأمرونكم بالشرك بالله وعبادة الأوثان، فإنهم يضلونكم ولا يهدونكم.
* * *
فإن قال قائل: وكيف قلت:"معنى الكلام: قل اتبعوا"، وليس في الكلام موجودًا ذكرُ القول؟
قيل: إنه وإن لم يكن مذكورًا صريحًا، فإن في الكلام دلالة عليه، وذلك قوله: (فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به)، ففي قوله:"لتنذر به"، الأمر بالإنذار، وفي الأمر بالإنذار، الأمرُ بالقول، لأن الإنذار قول. فكأن معنى الكلام: أنذر القومَ وقل لهم: اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم.
ولو قيل معناه: لتنذر به وتذكر به المؤمنين فتقول لهم: اتبعوا ما أنزل إليكم = كان غير مدفوع.
* * *
وقد كان بعض أهل العربية يقول: قوله: (اتبعوا)، خطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم، ومعناه: كتاب أنزل إليك، فلا يكن في صدرك حرج منه، اتبع ما أنزل إليك من ربك = ويرى أن ذلك نظير قول الله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) [سورة الطلاق: ١]، إذ ابتدأ خطابَ النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جعل الفعل للجميع، إذ كان أمر الله نبيه بأمرٍ، أمرًا منه لجميع أمته، كما يقال للرجل يُفْرَد بالخطاب والمراد به هو وجماعة أتباعه أو عشيرته وقبيلته:"أما تتقون الله، أما تستحيون من الله! "، ونحو ذلك من الكلام. (١)
وذلك وإن كان وجهًا غير مدفوع، فالقولُ الذي اخترناه أولى بمعنى الكلام،
* * *
فإن قال قائل: وكيف قلت:"معنى الكلام: قل اتبعوا"، وليس في الكلام موجودًا ذكرُ القول؟
قيل: إنه وإن لم يكن مذكورًا صريحًا، فإن في الكلام دلالة عليه، وذلك قوله: (فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به)، ففي قوله:"لتنذر به"، الأمر بالإنذار، وفي الأمر بالإنذار، الأمرُ بالقول، لأن الإنذار قول. فكأن معنى الكلام: أنذر القومَ وقل لهم: اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم.
ولو قيل معناه: لتنذر به وتذكر به المؤمنين فتقول لهم: اتبعوا ما أنزل إليكم = كان غير مدفوع.
* * *
وقد كان بعض أهل العربية يقول: قوله: (اتبعوا)، خطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم، ومعناه: كتاب أنزل إليك، فلا يكن في صدرك حرج منه، اتبع ما أنزل إليك من ربك = ويرى أن ذلك نظير قول الله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) [سورة الطلاق: ١]، إذ ابتدأ خطابَ النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جعل الفعل للجميع، إذ كان أمر الله نبيه بأمرٍ، أمرًا منه لجميع أمته، كما يقال للرجل يُفْرَد بالخطاب والمراد به هو وجماعة أتباعه أو عشيرته وقبيلته:"أما تتقون الله، أما تستحيون من الله! "، ونحو ذلك من الكلام. (١)
وذلك وإن كان وجهًا غير مدفوع، فالقولُ الذي اخترناه أولى بمعنى الكلام،
(١) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٧١، فهذه مقالته.
298
لدلالة الظاهر الذي وصفنا عليه.
* * *
وقوله: (قليلا ما تذكرون)، يقول: قليلا ما تتعظون وتعتبرون فتراجعون الحق. (١)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (٤) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: حذّر هؤلاء العابدين غيري، والعادلين بي الآلهة والأوثان، سَخَطي لا أُحِلّ بهم عقوبتي فأهلكهم، (٢) كما أهلكت من سلك سبيلهم من الأمم قبلهم، فكثيرًا ما أهلكت قبلهم من أهل قرى عصوني وكذَّبوا رسلي وعبدوا غيري (٣) = (فجاءها بأسنا بياتًا)، يقول: فجاءتهم عقوبتنا ونقمتنا ليلا قبل أن يصبحوا (٤) = أو جاءتهم"قائلين"، يعني: نهارًا في وقت القائلة.
* * *
وقيل:"وكم" لأن المراد بالكلام ما وصفت من الخبر عن كثرة ما قد أصاب الأمم السالفة من المَثُلاث، بتكذيبهم رسلَه وخلافهم عليه. وكذلك تفعل العرب إذا أرادوا الخبر عن كثرة العدد، كما قال الفرزدق:
* * *
وقوله: (قليلا ما تذكرون)، يقول: قليلا ما تتعظون وتعتبرون فتراجعون الحق. (١)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (٤) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: حذّر هؤلاء العابدين غيري، والعادلين بي الآلهة والأوثان، سَخَطي لا أُحِلّ بهم عقوبتي فأهلكهم، (٢) كما أهلكت من سلك سبيلهم من الأمم قبلهم، فكثيرًا ما أهلكت قبلهم من أهل قرى عصوني وكذَّبوا رسلي وعبدوا غيري (٣) = (فجاءها بأسنا بياتًا)، يقول: فجاءتهم عقوبتنا ونقمتنا ليلا قبل أن يصبحوا (٤) = أو جاءتهم"قائلين"، يعني: نهارًا في وقت القائلة.
* * *
وقيل:"وكم" لأن المراد بالكلام ما وصفت من الخبر عن كثرة ما قد أصاب الأمم السالفة من المَثُلاث، بتكذيبهم رسلَه وخلافهم عليه. وكذلك تفعل العرب إذا أرادوا الخبر عن كثرة العدد، كما قال الفرزدق:
(١) انظر تفسير ((التذكر)) فيما سلف ١١: ٤٨٩، تعليق ٣، والمراجع هناك.
(٢) في المطبوعة والمخطوطة: ((لأحل بهم عقوبتي))، والسياق يقتضي ما أثبت.
(٣) انظر تفسير ((كم)) فيما سلف ٥: ٣٥٢:
= تفسير ((القرية)) فيما سلف ٨: ٥٤٣.
= وتفسير ((الإهلاك)) فيما سلف: ١١: ٣١٦، تعليق: ١، والمراجع هناك.
= وتفسير ((البأس)) فيما سلف ص: ٢٠٧، تعليق ٢، والمراجع هناك.
(٤) انظر تفسير ((البيات)) فيما سلف ٨: ٥٦٢، ٥٦٣ /٩: ١٩١، ١٩٢.
(٢) في المطبوعة والمخطوطة: ((لأحل بهم عقوبتي))، والسياق يقتضي ما أثبت.
(٣) انظر تفسير ((كم)) فيما سلف ٥: ٣٥٢:
= تفسير ((القرية)) فيما سلف ٨: ٥٤٣.
= وتفسير ((الإهلاك)) فيما سلف: ١١: ٣١٦، تعليق: ١، والمراجع هناك.
= وتفسير ((البأس)) فيما سلف ص: ٢٠٧، تعليق ٢، والمراجع هناك.
(٤) انظر تفسير ((البيات)) فيما سلف ٨: ٥٦٢، ٥٦٣ /٩: ١٩١، ١٩٢.
299
كَمْ عَمةٍ لَكَ يا جَرِيرُ وَخَالَةٍ | فَدْعَاءَ قَدْ حَلَبَتْ عَلَيَّ عِشَارِي (١) |
فإن قال قائل: فإن الله تعالى ذكره إنما أخبر أنه"أهلك قرًى"، فما في خبره عن إهلاكه"القرى" من الدليل على إهلاكه أهلها؟
قيل: إن"القرى" لا تسمى"قرى" ولا"القرية""قرية"، إلا وفيها مساكن لأهلها وسكان منهم، ففي إهلاكها إهلاك مَنْ فيها من أهلها.
* * *
وقد كان بعض أهل العربية يرى أن الكلام خرج مخرج الخبر عن"القرية"، والمراد به أهلها.
* * *
قال أبو جعفر: والذي قلنا في ذلك أولى بالحق، لموافقته ظاهر التنزيل المتلوّ.
* * *
فإن قال قائل: وكيف قيل: (وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتًا أو هم قائلون) ؟ وهل هلكت قرية إلا بمجيء بأس الله وحلول نقمته وسَخَطه بها؟ فكيف قيل: "أهلكناها فجاءها"؟ وإن كان مجيء بأس الله إياها بعد هلاكها، فما وجه مجيء ذلك قومًا قد هلكوا وبادوا، ولا يشعرون بما ينزل بهم ولا بمساكنهم؟
قيل: إن لذلك من التأويل وجهين، كلاهما صحيح واضح منهجه:
أحدهما: أن يكون معناه:"وكم من قرية أهلكناها"، بخذلاننا إياها عن اتباع ما أنزلنا إليها من البينات والهدى، واختيارها اتباع أمر أوليائها المُغْوِيتِهَا عن طاعة ربها (٢) = "فجاءها بأسنا" إذ فعلت ذلك ="بياتا أو هم قائلون"، فيكون"إهلاك الله إياها"، خذلانه لها عن طاعته، ويكون"مجيء بأس الله إياهم"، جزاء لمعصيتهم ربهم بخذلانه إياهم.
(١) ديوانه: ٤٥١، والنقائض: ٣٣٢، وقد سلف هذا البيت وشرحه في تخريج بيت آخر من القصيدة ٩: ٤٩٥، ٤٩٦، تعليق: ١.
(٢) في المطبوعة: ((المغويها))، وأثبت ما في المخطوطة.
(٢) في المطبوعة: ((المغويها))، وأثبت ما في المخطوطة.
300
والآخر منهما: أن يكون"الإهلاك" هو"البأس" بعينه، فيكون في ذكر"الإهلاك" الدلالةُ على ذكر"مجيء البأس"، وفي ذكر"مجيء البأس" الدلالة على ذكر"الإهلاك".
وإذا كان ذلك كذلك، كان سواء عند العرب، بُدئ بالإهلاك ثم عطف عليه بالبأس، أو بدئ بالبأس ثم عطف عليه بالإهلاك. وذلك كقولهم:"زرتني فأكرمتني"، إذ كانت "الزيارة" هي"الكرامة"، فسواء عندهم قدم"الزيارة" وأخر"الكرامة"، أو قدم"الكرامة" وأخر"الزيارة" فقال:"أكرمتني فزرتني". (١)
* * *
وكان بعض أهل العربية يزعم أن في الكلام محذوفًا، لولا ذلك لم يكن الكلام صحيحًا = وأن معنى ذلك: وكم من قرية أهلكناها، فكان مجيء بأسنا إياها قبل إهلاكنا. (٢) وهذا قول لا دلالة على صحته من ظاهر التنزيل، ولا من خبر يجب التسليم له. وإذا خلا القولُ من دلالة على صحته من بعض الوجوه التي يجبُ التسليم لها، كان بيّنًا فساده.
* * *
وقال آخر منهم أيضًا: معنى"الفاء" في هذا الموضع معنى"الواو". وقال: تأويل الكلام: وكم من قرية أهلكناها، وجاءها بأسنا بياتًا. وهذا قول لا معنى له، إذ كان لـ"الفاء" عند العرب من الحكم ما ليس للواو في الكلام، فصرفها إلى الأغلب من معناها عندهم، ما وجد إلى ذلك سبيل، أولى من صرفها إلى غيره.
* * *
فإن قال: وكيف قيل: (فجاءها بأسنا بياتًا أو هم قائلون)، وقد علمت أن الأغلب من شأن"أو" في الكلام، اجتلابُ الشك، وغير جائز أن يكون في خبر الله شك؟
وإذا كان ذلك كذلك، كان سواء عند العرب، بُدئ بالإهلاك ثم عطف عليه بالبأس، أو بدئ بالبأس ثم عطف عليه بالإهلاك. وذلك كقولهم:"زرتني فأكرمتني"، إذ كانت "الزيارة" هي"الكرامة"، فسواء عندهم قدم"الزيارة" وأخر"الكرامة"، أو قدم"الكرامة" وأخر"الزيارة" فقال:"أكرمتني فزرتني". (١)
* * *
وكان بعض أهل العربية يزعم أن في الكلام محذوفًا، لولا ذلك لم يكن الكلام صحيحًا = وأن معنى ذلك: وكم من قرية أهلكناها، فكان مجيء بأسنا إياها قبل إهلاكنا. (٢) وهذا قول لا دلالة على صحته من ظاهر التنزيل، ولا من خبر يجب التسليم له. وإذا خلا القولُ من دلالة على صحته من بعض الوجوه التي يجبُ التسليم لها، كان بيّنًا فساده.
* * *
وقال آخر منهم أيضًا: معنى"الفاء" في هذا الموضع معنى"الواو". وقال: تأويل الكلام: وكم من قرية أهلكناها، وجاءها بأسنا بياتًا. وهذا قول لا معنى له، إذ كان لـ"الفاء" عند العرب من الحكم ما ليس للواو في الكلام، فصرفها إلى الأغلب من معناها عندهم، ما وجد إلى ذلك سبيل، أولى من صرفها إلى غيره.
* * *
فإن قال: وكيف قيل: (فجاءها بأسنا بياتًا أو هم قائلون)، وقد علمت أن الأغلب من شأن"أو" في الكلام، اجتلابُ الشك، وغير جائز أن يكون في خبر الله شك؟
(١) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٧١.
(٢) هذه مقالة الفراء في معاني القرآن ١: ٣٧١، قال: ((وإن شئت كان المعنى: وكم من قرية أهلكناها، فكان مجيء البأس قبل الإهلاك، فأضمرت كان.)).
(٢) هذه مقالة الفراء في معاني القرآن ١: ٣٧١، قال: ((وإن شئت كان المعنى: وكم من قرية أهلكناها، فكان مجيء البأس قبل الإهلاك، فأضمرت كان.)).
301
قيل: إن تأويل ذلك خلافُ ما إليه ذهبتَ. وإنما معنى الكلام: وكم من قرية أهلكناها فجاء بعضها بأسنا بياتًا، وبعضها وهم قائلون. ولو جعل مكان"أو" في هذا الموضع"الواو"، لكان الكلام كالمحال، ولصار الأغلب من معنى الكلام: أن القرية التي أهلكها الله جاءها بأسه بياتًا وفي وقت القائلة. وذلك خبرٌ عن البأس أنه أهلك من قد هلك، وأفنى من قد فني. وذلك من الكلام خَلْفٌ. (١) ولكن الصحيح من الكلام هو ما جاء به التنزيل، إذ لم يفصل القرى التي جاءها البأس بياتًا، من القرى التي جاءها ذلك قائلةً. ولو فُصلت، لم يخبر عنها إلا بالواو.
وقيل:"فجاءها بأسنا" خبرًا عن"القرية" أن البأس أتاها، وأجرى الكلام على ما ابتدئ به في أول الآية. ولو قيل:"فجاءهم بأسنا بياتًا"، لكان صحيحًا فصيحًا، ردًّا للكلام إلى معناه، إذ كان البأس إنما قصد به سكان القرية دون بنيانها، وإن كان قد نال بنيانها ومساكنها من البأس بالخراب، نحوٌ من الذي نال سكانها. وقد رجع في قوله: (أو هم قائلون)، إلى خصوص الخبر عن سكانها دون مساكنها، لما وصفنا من أن المقصود بالبأس كان السكان، وإن كان في هلاكهم هلاك مساكنهم وخرابها. (٢)
ولو قيل:"أو هي قائلة"، كان صحيحًا، إذ كان السامعون قد فهموا المراد من الكلام.
* * *
فإن قال قائل: أو ليس قوله: (أو هم قائلون)، خبرًا عن الوقت الذي أتاهم فيه بأس الله من النهار؟
قيل: بلى!
وقيل:"فجاءها بأسنا" خبرًا عن"القرية" أن البأس أتاها، وأجرى الكلام على ما ابتدئ به في أول الآية. ولو قيل:"فجاءهم بأسنا بياتًا"، لكان صحيحًا فصيحًا، ردًّا للكلام إلى معناه، إذ كان البأس إنما قصد به سكان القرية دون بنيانها، وإن كان قد نال بنيانها ومساكنها من البأس بالخراب، نحوٌ من الذي نال سكانها. وقد رجع في قوله: (أو هم قائلون)، إلى خصوص الخبر عن سكانها دون مساكنها، لما وصفنا من أن المقصود بالبأس كان السكان، وإن كان في هلاكهم هلاك مساكنهم وخرابها. (٢)
ولو قيل:"أو هي قائلة"، كان صحيحًا، إذ كان السامعون قد فهموا المراد من الكلام.
* * *
فإن قال قائل: أو ليس قوله: (أو هم قائلون)، خبرًا عن الوقت الذي أتاهم فيه بأس الله من النهار؟
قيل: بلى!
(١) ((خلف)) (بفتح فسكون). يقال: ((هذا خلف من القول))، أي: رديء ساقط ومنه المثل: ((سكت ألفًا، ونطق خلفًا)).
(٢) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٧١.
(٢) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٧١.
302
فإن قال: أو ليس المواقيت في مثل هذا تكون في كلام العرب بالواو الدالِّ على الوقت؟
قيل: إن ذلك، وإن كان كذلك، فإنهم قد يحذفون من مثل هذا الموضع، استثقالا للجمع بين حرفي عطف، إذ كان"أو" عندهم من حروف العطف، (١) وكذلك"الواو"، فيقولون:"لقيتني مملقًا أو أنا مسافر"، بمعنى: أو وأنا مسافر، فيحذفون"الواو" وهم مريدوها في الكلام، لما وصفت. (٢)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (٥) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلم يكن دعوى أهل القرية التي أهلكناها، إذ جاءهم بأسنا وسطوتُنا بياتًا أو هم قائلون، إلا اعترافهم على أنفسهم بأنهم كانوا إلى أنفسهم مسيئين، وبربهم آثمين، ولأمره ونهيه مخالفين. (٣)
* * *
وعنى بقوله جل ثناؤه: (دعواهم)، في هذا الموضع دعاءَهم.
* * *
ولـ"الدعوى"، في كلام العرب، وجهان: أحدهما: الدعاء، والآخر: الادعاء للحق.
ومن"الدعوى" التي معناها الدعاء، قول الله تبارك وتعالى: (فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ) [سورة الأنبياء: ١٥]، ومنه قول الشاعر: (٤)
قيل: إن ذلك، وإن كان كذلك، فإنهم قد يحذفون من مثل هذا الموضع، استثقالا للجمع بين حرفي عطف، إذ كان"أو" عندهم من حروف العطف، (١) وكذلك"الواو"، فيقولون:"لقيتني مملقًا أو أنا مسافر"، بمعنى: أو وأنا مسافر، فيحذفون"الواو" وهم مريدوها في الكلام، لما وصفت. (٢)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (٥) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلم يكن دعوى أهل القرية التي أهلكناها، إذ جاءهم بأسنا وسطوتُنا بياتًا أو هم قائلون، إلا اعترافهم على أنفسهم بأنهم كانوا إلى أنفسهم مسيئين، وبربهم آثمين، ولأمره ونهيه مخالفين. (٣)
* * *
وعنى بقوله جل ثناؤه: (دعواهم)، في هذا الموضع دعاءَهم.
* * *
ولـ"الدعوى"، في كلام العرب، وجهان: أحدهما: الدعاء، والآخر: الادعاء للحق.
ومن"الدعوى" التي معناها الدعاء، قول الله تبارك وتعالى: (فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ) [سورة الأنبياء: ١٥]، ومنه قول الشاعر: (٤)
(١) في المخطوطة: ((إذ كان وعندهم من حروف العطف)) بياض، وفوق البياض (كذا)، وفي الهامش حرف (ط). والذي في المطبوعة شبيه بالصواب.
(٢) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٧٢.
(٣) انظر بيان قول ((بربهم آثمين)) فيما سلف ص: ١٧١، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٤) كثير عزة.
(٢) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٧٢.
(٣) انظر بيان قول ((بربهم آثمين)) فيما سلف ص: ١٧١، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٤) كثير عزة.
303
وَإِنْ مَذِلَتْ رِجْلِي دَعَوْتُكِ أَشْتَفِي | بِدَعْوَاكِ مِنْ مَذْلٍ بِهَا فَيَهُونُ (١) |
وقد بينا فيما مضى قبل أن"البأس" و"البأساء" الشدة، بشواهد ذلك الدالة على صحته، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (٢)
* * *
وفي هذه الآية الدلالةُ الواضحة على صحة ما جاءت به الرواية عن رسول الله ﷺ من قوله:"ما هلك قوم حتى يُعْذِروا من أنفسهم".
* * *
وقد تأوّل ذلك كذلك بعضهم.
١٤٣٢٣- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن أبي سنان، عن عبد الملك بن ميسرة الزرَّاد قال، قال عبد الله بن مسعود: قال رسول الله: ما هلك قوم حتى يُعْذِروا من أنفسهم - قال قلت لعبد الملك: كيف يكون ذلك؟ قال: فقرأ هذه الآية: (فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا)، الآية (٣).
* * *
فإن قال قائل: وكيف قيل: (فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين) ؟ وكيف أمكنتهم الدعوى بذلك، وقد جاءهم بأس الله بالهلاك؟ أقالوا ذلك قبل الهلاك؟ فإن كانوا قالوه قبل الهلاك، فإنهم قالوا قبل
(١) ديوانه ٢: ٢٤٥، في باب الزيادات، نهاية الأرب ٢: ١٢٥، واللسان (مذل).
((مذلت رجله (بفتح وسكون) ومذلا (بفتحتين) : خدرت، كانوا يزعمون أن المرء إذا خدرت رجله ثم دعا باسم مَنْ أحب، زال خدرها.
(٢) انظر تفسير ((البأس)) فيما سلف ص: ٢٩٩، تعليق: ٣، والمراجع هناك.
(٣) الأثر: ١٤٣٢٣ - ((عبد الملك بن ميسرة الهلالي الزراد))، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: ٥٠٣، ٥٠٤، ١٣٢٦، مات في العشر الثاني من المئة الثانية. لم يدرك ابن مسعود ولا غيره من الصحابة. فإسناده منقطع.
وهذا الخبر ذكره ابن كثير في تفسيره ٣: ٤٤٨، عن الطبري ولم يخرجه. وخرجه السيوطي في الدر المنثور ٣: ٦٧، ولم ينسبه إلى غير ابن أبي حاتم.
((أعذر من نفسه))، إذا أمكن معاقبة بذنبه منها. يعني: أنهم لا يهلكون حتى تكثر ذنوبهم وعيوبهم، فيعذروا من أنفسهم، ويستوجبوا العقوبة، ويكون لمن يعذبهم عذر في إلحاق العذاب بهم.
((مذلت رجله (بفتح وسكون) ومذلا (بفتحتين) : خدرت، كانوا يزعمون أن المرء إذا خدرت رجله ثم دعا باسم مَنْ أحب، زال خدرها.
(٢) انظر تفسير ((البأس)) فيما سلف ص: ٢٩٩، تعليق: ٣، والمراجع هناك.
(٣) الأثر: ١٤٣٢٣ - ((عبد الملك بن ميسرة الهلالي الزراد))، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: ٥٠٣، ٥٠٤، ١٣٢٦، مات في العشر الثاني من المئة الثانية. لم يدرك ابن مسعود ولا غيره من الصحابة. فإسناده منقطع.
وهذا الخبر ذكره ابن كثير في تفسيره ٣: ٤٤٨، عن الطبري ولم يخرجه. وخرجه السيوطي في الدر المنثور ٣: ٦٧، ولم ينسبه إلى غير ابن أبي حاتم.
((أعذر من نفسه))، إذا أمكن معاقبة بذنبه منها. يعني: أنهم لا يهلكون حتى تكثر ذنوبهم وعيوبهم، فيعذروا من أنفسهم، ويستوجبوا العقوبة، ويكون لمن يعذبهم عذر في إلحاق العذاب بهم.
304
مجيء البأس، والله يخبر عنهم أنهم قالوه حين جاءهم، لا قبل ذلك؟ أو قالوه بعد ما جاءهم، فتلك حالة قد هلكوا فيها، فكيف يجوز وصفهم بقيل ذلك إذا عاينوا بأس الله، وحقيقة ما كانت الرسل تَعِدهم من سطوة الله؟. (١)
قيل: ليس كل الأمم كان هلاكها في لحظة ليس بين أوّله وآخره مَهَلٌ، بل كان منهم من غرق بالطوفان. فكان بين أوّل ظهور السبب الذي علموا أنهم به هالكون، وبين آخره الذي عمَّ جميعهم هلاكُه، المدة التي لا خفاء بها على ذي عقل. ومنهم من مُتِّع بالحياة بعد ظهور علامة الهلاك لأعينهم أيامًا ثلاثة، كقوم صالح وأشباههم. فحينئذ لما عاينوا أوائل بأس الله الذي كانت رسل الله تتوعدهم به، وأيقنوا حقيقة نزول سطوة الله بهم، دعوا: (يا ويلنا إنا كنا ظالمين)، فلم يك ينفعهم إيمانهم مع مجيء وعيد الله وحلول نقمته بساحتهم. فحذّر ربنا جل ثناؤه الذين أرسل إليهم نبيه محمدًا ﷺ من سطوته وعقابه على كفرهم به وتكذيبهم رسوله، ما حلَّ بمن كان قبلهم من الأمم إذ عصوا رُسله، واتبعوا أمر كل جبار عنيد.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لنسألن الأمم الذين أرسلت إليهم رسلي: ماذا عملت فيما جاءتهم به الرسل من عندي من أمري ونهيي؟ هل عملوا بما أمرتهم به، وانتهوا عما نهيتهم عنه، وأطاعوا أمري، أم عصوني فخالفوا ذلك؟ = (ولنسألن
قيل: ليس كل الأمم كان هلاكها في لحظة ليس بين أوّله وآخره مَهَلٌ، بل كان منهم من غرق بالطوفان. فكان بين أوّل ظهور السبب الذي علموا أنهم به هالكون، وبين آخره الذي عمَّ جميعهم هلاكُه، المدة التي لا خفاء بها على ذي عقل. ومنهم من مُتِّع بالحياة بعد ظهور علامة الهلاك لأعينهم أيامًا ثلاثة، كقوم صالح وأشباههم. فحينئذ لما عاينوا أوائل بأس الله الذي كانت رسل الله تتوعدهم به، وأيقنوا حقيقة نزول سطوة الله بهم، دعوا: (يا ويلنا إنا كنا ظالمين)، فلم يك ينفعهم إيمانهم مع مجيء وعيد الله وحلول نقمته بساحتهم. فحذّر ربنا جل ثناؤه الذين أرسل إليهم نبيه محمدًا ﷺ من سطوته وعقابه على كفرهم به وتكذيبهم رسوله، ما حلَّ بمن كان قبلهم من الأمم إذ عصوا رُسله، واتبعوا أمر كل جبار عنيد.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لنسألن الأمم الذين أرسلت إليهم رسلي: ماذا عملت فيما جاءتهم به الرسل من عندي من أمري ونهيي؟ هل عملوا بما أمرتهم به، وانتهوا عما نهيتهم عنه، وأطاعوا أمري، أم عصوني فخالفوا ذلك؟ = (ولنسألن
(١) في المخطوطة وصل الكلام هكذا: ((وحقيقة ما كانت الرسل تعدهم من سطوة الله وليس كل الأمم))، بالواو، وليس فيها ((قيل))، وقد أحسن الناشر الأول فيما فعل، وإن كنت أظن أن في الكلام سقطًا.
305
المرسلين)، يقول: ولنسألن الرسل الذين أرسلتهم إلى الأمم: هل بلغتهم رسالاتي، وأدَّت إليهم ما أمرتهم بأدائه إليهم، أم قصّروا في ذلك ففرَّطوا ولم يبلغوهم؟.
* * *
وكذلك كان أهل التأويل يتأولونه.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٣٢٤- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين)، قال: يسأل الله الناس عما أجابوا المرسلين، ويسأل المرسلين عما بلغوا.
١٤٣٢٥- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (فلنسألن الذين أرسل إليهم) إلى قوله: (غائبين)، قال: يوضع الكتاب يوم القيامة، فيتكلم بما كانوا يعملون.
١٤٣٢٦- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (فلنسألنّ الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين)، يقول فلنسألن الأمم: ما عملوا فيما جاءت به الرسل؟ ولنسألن الرسل: هل بلغوا ما أرسلوا به؟
١٤٣٢٧- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، قال مجاهد: (فلنسألن الذين أرسل إليهم)، الأمم = ولنسألن الذين أرسلنا إليهم عما ائتمناهم عليه: هل بلغوا؟ (١)
* * *
* * *
وكذلك كان أهل التأويل يتأولونه.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٣٢٤- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين)، قال: يسأل الله الناس عما أجابوا المرسلين، ويسأل المرسلين عما بلغوا.
١٤٣٢٥- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (فلنسألن الذين أرسل إليهم) إلى قوله: (غائبين)، قال: يوضع الكتاب يوم القيامة، فيتكلم بما كانوا يعملون.
١٤٣٢٦- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (فلنسألنّ الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين)، يقول فلنسألن الأمم: ما عملوا فيما جاءت به الرسل؟ ولنسألن الرسل: هل بلغوا ما أرسلوا به؟
١٤٣٢٧- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، قال مجاهد: (فلنسألن الذين أرسل إليهم)، الأمم = ولنسألن الذين أرسلنا إليهم عما ائتمناهم عليه: هل بلغوا؟ (١)
* * *
(١) الأثر: ١٤٣٢٧ - ((أبو سعد المدني))، مضى في الأثر رقم: ١٤٣٢٢، ولم أعرف من هو، ولم أجد له ترجمة.
306
القول في تأويل قوله: ﴿فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (٧) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلنخبرن الرسل ومَنْ أرسلتهم إليه بيقين علمٍ بما عملوا في الدنيا فيما كنت أمرتهم به، وما كنت نهيتهم عنه (١) ="وما كنا غائبين"، عنهم وعن أفعالهم التي كانوا يفعلونها.
* * *
فإن قال قائل: وكيف يسأل الرسلَ، والمرسل إليهم، وهو يخبر أنه يقصّ عليهم بعلم بأعمالهم وأفعالهم في ذلك؟
قيل: إن ذلك منه تعالى ذكره ليس بمسألة استرشاد، ولا مسألة تعرّف منهم ما هو به غير عالم، وإنما هو مسألة توبيخ وتقرير معناها الخبر، كما يقول الرجل للرجل:"ألم أحسن إليك فأسأت؟ "، و"ألم أصلك فقطعت؟ ". فكذلك مسألة الله المرسلَ إليهم، بأن يقول لهم:"ألم يأتكم رسلي بالبينات؟ ألم أبعث إليكم النذر فتنذركم عذابي وعقابي في هذا اليوم من كفر بي وعبد غيري"؟ كما أخبر جل ثناؤه أنه قائل لهم يومئذ: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ)،
[سورة يس: ٦٠-٦١]، ونحو ذلك من القول الذي ظاهره ظاهر مسألة، ومعناه الخبر والقصص، وهو بعدُ توبيخ وتقرير.
وأما مسألة الرسل الذي هو قصص وخبر، فإن الأمم المشركة لما سئلت في القيامة قيل لها: (ألم يأتكم رُسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم) ؟ أنكر ذلك كثير منهم وقالوا:"ما جاءنا من بشير ولا نذير". فقيل للرسل:"هل بلغتم ما أرسلتم به"؟ أو قيل لهم:"ألم تبلغوا إلى هؤلاء ما أرسلتم به؟ "، كما جاء الخبر
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلنخبرن الرسل ومَنْ أرسلتهم إليه بيقين علمٍ بما عملوا في الدنيا فيما كنت أمرتهم به، وما كنت نهيتهم عنه (١) ="وما كنا غائبين"، عنهم وعن أفعالهم التي كانوا يفعلونها.
* * *
فإن قال قائل: وكيف يسأل الرسلَ، والمرسل إليهم، وهو يخبر أنه يقصّ عليهم بعلم بأعمالهم وأفعالهم في ذلك؟
قيل: إن ذلك منه تعالى ذكره ليس بمسألة استرشاد، ولا مسألة تعرّف منهم ما هو به غير عالم، وإنما هو مسألة توبيخ وتقرير معناها الخبر، كما يقول الرجل للرجل:"ألم أحسن إليك فأسأت؟ "، و"ألم أصلك فقطعت؟ ". فكذلك مسألة الله المرسلَ إليهم، بأن يقول لهم:"ألم يأتكم رسلي بالبينات؟ ألم أبعث إليكم النذر فتنذركم عذابي وعقابي في هذا اليوم من كفر بي وعبد غيري"؟ كما أخبر جل ثناؤه أنه قائل لهم يومئذ: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ)،
[سورة يس: ٦٠-٦١]، ونحو ذلك من القول الذي ظاهره ظاهر مسألة، ومعناه الخبر والقصص، وهو بعدُ توبيخ وتقرير.
وأما مسألة الرسل الذي هو قصص وخبر، فإن الأمم المشركة لما سئلت في القيامة قيل لها: (ألم يأتكم رُسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم) ؟ أنكر ذلك كثير منهم وقالوا:"ما جاءنا من بشير ولا نذير". فقيل للرسل:"هل بلغتم ما أرسلتم به"؟ أو قيل لهم:"ألم تبلغوا إلى هؤلاء ما أرسلتم به؟ "، كما جاء الخبر
(١) انظر تفسير ((القصص)) فيما سلف ٩: ٤٠٢ /١٢: ١٢٠
307
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما قال جل ثناؤه لأمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)، [سورة البقرة: ١٤٣]. فكل ذلك من الله مسألة للرسل على وجه الاستشهاد لهم على من أرسلوا إليه من الأمم، وللمرسَل إليهم على وجه التقرير والتوبيخ، وكل ذلك بمعنى القصص والخبر.
فأما الذي هو عن الله منفيٌّ من مسألته خلقه، فالمسألة التي هي مسألة استرشاد واستثبات فيما لا يعلمه السائل عنها ويعلمه المسؤول، ليعلم السائل علم ذلك من قِبَله، فذلك غير جائز أن يوصف الله به، لأنه العالم بالأشياء قبل كونها وفي حال كونها وبعد كونها، وهي المسألة التي نفاها جل ثناؤه عن نفسه بقوله: (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ)، [سورة الرحمن: ٣٩]، وبقوله: (وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ)، [سورة القصص: ٧٨]، يعني: لا يسأل عن ذلك أحدًا منهم مستثبت، (١) ليعلم علم ذلك من قبل مَنْ سأل منه، لأنه العالم بذلك كله وبكل شيء غيره.
* * *
وقد ذكرنا ما روي في معنى ذلك من الخبر في غير هذا الموضع، فكرهنا إعادته. (٢)
* * *
وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقول في معنى قوله: (فلنقصن عليهم بعلم)، أنه ينطق لهم كتاب عملهم عليهم بأعمالهم.
هذا قولٌ غيرُ بعيد من الحق، غير أن الصحيح من الخبر عن رسول الله ﷺ أنه قال: ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه يوم القيامة ليس بينه وبينه تَرْجُمان، فيقول له:"أتذكر يوم فعلت كذا وفعلت كذا"؟ حتى
فأما الذي هو عن الله منفيٌّ من مسألته خلقه، فالمسألة التي هي مسألة استرشاد واستثبات فيما لا يعلمه السائل عنها ويعلمه المسؤول، ليعلم السائل علم ذلك من قِبَله، فذلك غير جائز أن يوصف الله به، لأنه العالم بالأشياء قبل كونها وفي حال كونها وبعد كونها، وهي المسألة التي نفاها جل ثناؤه عن نفسه بقوله: (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ)، [سورة الرحمن: ٣٩]، وبقوله: (وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ)، [سورة القصص: ٧٨]، يعني: لا يسأل عن ذلك أحدًا منهم مستثبت، (١) ليعلم علم ذلك من قبل مَنْ سأل منه، لأنه العالم بذلك كله وبكل شيء غيره.
* * *
وقد ذكرنا ما روي في معنى ذلك من الخبر في غير هذا الموضع، فكرهنا إعادته. (٢)
* * *
وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقول في معنى قوله: (فلنقصن عليهم بعلم)، أنه ينطق لهم كتاب عملهم عليهم بأعمالهم.
هذا قولٌ غيرُ بعيد من الحق، غير أن الصحيح من الخبر عن رسول الله ﷺ أنه قال: ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه يوم القيامة ليس بينه وبينه تَرْجُمان، فيقول له:"أتذكر يوم فعلت كذا وفعلت كذا"؟ حتى
(١) في المطبوعة والمخطوطة: (لا يسأل عن ذلك أحدًا منهم علم مستثبت)) وهو غير مستقيم، والصواب ما أثبت.
(٢) انظر ما سلف ٣: ١٤٥ - ١٥٤.
(٢) انظر ما سلف ٣: ١٤٥ - ١٥٤.
308
يذكره ما فعل في الدنيا (١) = والتسليم لخبر رسول الله ﷺ أولى من التسليم لغيره.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨) ﴾
قال أبو جعفر:"الوزن" مصدر من قول القائل:"وزنت كذا وكذا أزِنه وَزْنًا وزِنَةً"، مثل:"وَعدته أعده وعدًا وعدة".
وهو مرفوع بـ"الحق"، و"الحق" به. (٢)
* * *
ومعنى الكلام: والوزن يوم نسأل الذين أرسل إليهم والمرسلين، الحق = ويعني بـ"الحق"، العدلَ.
* * *
وكان مجاهد يقول:"الوزن"، في هذا الموضع، القضاء.
١٤٣٢٨- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"والوزن يومئذ"، القضاء.
* * *
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨) ﴾
قال أبو جعفر:"الوزن" مصدر من قول القائل:"وزنت كذا وكذا أزِنه وَزْنًا وزِنَةً"، مثل:"وَعدته أعده وعدًا وعدة".
وهو مرفوع بـ"الحق"، و"الحق" به. (٢)
* * *
ومعنى الكلام: والوزن يوم نسأل الذين أرسل إليهم والمرسلين، الحق = ويعني بـ"الحق"، العدلَ.
* * *
وكان مجاهد يقول:"الوزن"، في هذا الموضع، القضاء.
١٤٣٢٨- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"والوزن يومئذ"، القضاء.
* * *
(١) هذا الخبر الذي صححه الطبري، لم أجده بتمامه، ووجدت صدره من رواية ابن خزيمة، عن أبي خالد عبد العزيز بن أبان القرشي، قال: حدثنا بشير بن المهاجر، عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به يوم القيامة، ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان)) (حادي الأرواح ٢: ١٠٨، ١٠٩)، وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد: ٣٤٦، بلفظ: (ليس منكم من أحد إلا سيكلمه الله عز وجل... ))، ثم قال: ((رواه البزار، وفيه عبد العزيز بن أبان، وهو متروك)). وسيأتي في التعليق على رقم: ١٤٣٣٣.
وأما الأخبار بمعنى هذا الخبر، فقد جاءت بالأسانيد الصحاح. رواه الترمذي بهذا اللفظ في أبواب صفة القيامة، من حديث عدي بن حاتم، وقال: ((هذا حديث حسن صحيح)).
(٢) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٧٣.
وأما الأخبار بمعنى هذا الخبر، فقد جاءت بالأسانيد الصحاح. رواه الترمذي بهذا اللفظ في أبواب صفة القيامة، من حديث عدي بن حاتم، وقال: ((هذا حديث حسن صحيح)).
(٢) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٧٣.
309
وكان يقول أيضًا: معنى"الحق"، هاهنا، العدل.
* ذكر الرواية بذلك:
١٤٣٢٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن مجاهد: (والوزن يومئذ الحق)، قال: العدل.
* * *
وقال آخرون: معنى قوله: (والوزن يومئذ الحق)، وزن الأعمال.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٣٣٠- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي، قوله: (والوزن يومئذ الحق)، توزن الأعمال.
١٤٣٣١- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (والوزن يومئذ الحق)، قال: قال عبيد بن عمير: يؤتى بالرجل العظيم الطويل الأكول الشَّروب، فلا يزن جناح بَعُوضة.
١٤٣٣٢- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (والوزن يومئذ الحق)، قال: قال عبيد بن عمير: يؤتى بالرجل الطويل العظيم فلا يزن جناح بعوضة.
١٤٣٣٣- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا يوسف بن صهيب، عن موسى، عن بلال بن يحيى، عن حذيفة قال: صاحب الموازين يوم القيامة جبريل عليه السلام، قال: يا جبريل، زِن بينهم! فردَّ من بعضٍ على بعض. قال: وليس ثم ذهبٌ ولا فضة. قال: فإن كان للظالم حسنات، أخذ من حسناته فترد على المظلوم، (١) وإن لم يكن له حسنات حُمِل عليه من
* ذكر الرواية بذلك:
١٤٣٢٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن مجاهد: (والوزن يومئذ الحق)، قال: العدل.
* * *
وقال آخرون: معنى قوله: (والوزن يومئذ الحق)، وزن الأعمال.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٣٣٠- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي، قوله: (والوزن يومئذ الحق)، توزن الأعمال.
١٤٣٣١- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (والوزن يومئذ الحق)، قال: قال عبيد بن عمير: يؤتى بالرجل العظيم الطويل الأكول الشَّروب، فلا يزن جناح بَعُوضة.
١٤٣٣٢- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (والوزن يومئذ الحق)، قال: قال عبيد بن عمير: يؤتى بالرجل الطويل العظيم فلا يزن جناح بعوضة.
١٤٣٣٣- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا يوسف بن صهيب، عن موسى، عن بلال بن يحيى، عن حذيفة قال: صاحب الموازين يوم القيامة جبريل عليه السلام، قال: يا جبريل، زِن بينهم! فردَّ من بعضٍ على بعض. قال: وليس ثم ذهبٌ ولا فضة. قال: فإن كان للظالم حسنات، أخذ من حسناته فترد على المظلوم، (١) وإن لم يكن له حسنات حُمِل عليه من
(١) في المطبوعة أسقط من الكلام ما لا يستقيم إلا به، فرددتها إلى أصلها من المخطوطة. كان في المطبوعة: ((يا جبريل زن بينهم، فرد على المظلوم... )).
310
سيئات صاحبه، فيرجع الرجل عليه مثل الجبال، فذلك قوله: (والوزن يومئذ الحق). (١)
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (فمن ثقلت موازينه).
فقال بعضهم: معناه: فمن كثرت حسناته.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٣٣٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن مجاهد: (فمن ثقلت موازينه)، قال: حسناته.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: فمن ثقلت موازينه التي توزن بها حسناته وسيئاته. قالوا: وذلك هو"الميزان" الذي يعرفه الناس، له لسان وكِفَّتان.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٣٣٥- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، قال لي عمرو بن دينار قوله: (والوزن يومئذ الحق)، قال: إنا نرى ميزانًا وكفتين، سمعت عبيد بن عمير يقول: يُجْعَل الرجل العظيم الطويل في الميزان، ثم لا يقوم بجناح ذباب.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي، القول الذي ذكرناه عن عمرو بن دينار، من أن ذلك هو"الميزان" المعروف الذي يوزن به،
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (فمن ثقلت موازينه).
فقال بعضهم: معناه: فمن كثرت حسناته.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٣٣٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن مجاهد: (فمن ثقلت موازينه)، قال: حسناته.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: فمن ثقلت موازينه التي توزن بها حسناته وسيئاته. قالوا: وذلك هو"الميزان" الذي يعرفه الناس، له لسان وكِفَّتان.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٣٣٥- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، قال لي عمرو بن دينار قوله: (والوزن يومئذ الحق)، قال: إنا نرى ميزانًا وكفتين، سمعت عبيد بن عمير يقول: يُجْعَل الرجل العظيم الطويل في الميزان، ثم لا يقوم بجناح ذباب.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي، القول الذي ذكرناه عن عمرو بن دينار، من أن ذلك هو"الميزان" المعروف الذي يوزن به،
(١) الأثر: ١٤٣٣٣ - ((الحارث))، هو ((الحارث بن أبي أسامة))، ثقة مضى مرارًا.
و ((عبد العزيز))، هو ((عبد العزيز بن أبان الأموي))، كذاب خبيث يضع الأحاديث، مضى ذكره مرارًا، رقم: ١٠٢٩٥، ١٠٣١٥، ١٠٣٦٠، ١٠٥٥٣.
((يوسف بن صهيب الكندي))، ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير ٤ /٢ /٣٨٠، وابن أبي حاتم ٤ /٢ /٢٢٤. و ((موسى)) كثير، ولم أستطع أن أعينه.
و ((بلال بن يحي العبسي))، يروي عن حذيفة. ثقة، مترجم في التهذيب، والكبير ١ /٢ /١٠٨، وابن أبي حاتم ١ /١ / ٣٩٦.
و ((عبد العزيز))، هو ((عبد العزيز بن أبان الأموي))، كذاب خبيث يضع الأحاديث، مضى ذكره مرارًا، رقم: ١٠٢٩٥، ١٠٣١٥، ١٠٣٦٠، ١٠٥٥٣.
((يوسف بن صهيب الكندي))، ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير ٤ /٢ /٣٨٠، وابن أبي حاتم ٤ /٢ /٢٢٤. و ((موسى)) كثير، ولم أستطع أن أعينه.
و ((بلال بن يحي العبسي))، يروي عن حذيفة. ثقة، مترجم في التهذيب، والكبير ١ /٢ /١٠٨، وابن أبي حاتم ١ /١ / ٣٩٦.
311
وأن الله جل ثناؤه يزن أعمال خلقه الحسنات منها والسيئات، كما قال جل ثناؤه: (فمن ثقلت موازينه)، موازين عمله الصالح = (فأولئك هم المفلحون)، يقول: فأولئك هم الذين ظفروا بالنجاح، وأدركوا الفوز بالطلبات، والخلود والبقاء في الجنات، (١) لتظاهر الأخبار عن رسول الله ﷺ بقوله:"ما وُضِع في الميزان شيء أثقل من حسن الخُلق"، (٢) ونحو ذلك من الأخبار التي تحقق أن ذلك ميزانٌ يوزن به الأعمال، على ما وصفت.
* * *
فإن أنكر ذلك جاهل بتوجيه معنى خبر الله عن الميزان وخبر رسوله ﷺ عنه، وِجْهَته، وقال: أوَ بالله حاجة إلى وزن الأشياء، وهو العالم بمقدار كل شيء قبل خلقه إياه وبعده، وفي كل حال؟ = أو قال: وكيف توزن الأعمال، والأعمال ليست بأجسام توصف بالثقل والخفة، وإنما توزن الأشياء ليعرف ثقلها من خفتها، وكثرتها من قلتها، وذلك لا يجوز إلا على الأشياء التي توصف بالثقل والخفة، والكثرة والقلة؟
قيل له في قوله:"وما وجه وزن الله الأعمالَ، وهو العالم بمقاديرها قبل كونها": وزن ذلك، نظيرُ إثباته إياه في أمِّ الكتاب واستنساخه ذلك في الكتب، من غير حاجة به إليه، ومن غير خوف من نسيانه، وهو العالم بكل ذلك في كل حال ووقت قبل كونه وبعد وجوده، بل ليكون ذلك حجة على خلقه، كما قال جل ثناؤه في تنزيله: (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ) [سورة الجاثية: ٢٨-٢٩] الآية. فكذلك
* * *
فإن أنكر ذلك جاهل بتوجيه معنى خبر الله عن الميزان وخبر رسوله ﷺ عنه، وِجْهَته، وقال: أوَ بالله حاجة إلى وزن الأشياء، وهو العالم بمقدار كل شيء قبل خلقه إياه وبعده، وفي كل حال؟ = أو قال: وكيف توزن الأعمال، والأعمال ليست بأجسام توصف بالثقل والخفة، وإنما توزن الأشياء ليعرف ثقلها من خفتها، وكثرتها من قلتها، وذلك لا يجوز إلا على الأشياء التي توصف بالثقل والخفة، والكثرة والقلة؟
قيل له في قوله:"وما وجه وزن الله الأعمالَ، وهو العالم بمقاديرها قبل كونها": وزن ذلك، نظيرُ إثباته إياه في أمِّ الكتاب واستنساخه ذلك في الكتب، من غير حاجة به إليه، ومن غير خوف من نسيانه، وهو العالم بكل ذلك في كل حال ووقت قبل كونه وبعد وجوده، بل ليكون ذلك حجة على خلقه، كما قال جل ثناؤه في تنزيله: (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ) [سورة الجاثية: ٢٨-٢٩] الآية. فكذلك
(١) انظر تفسير ((الفلاح)) فيما سلف ص: ١٣٠ تعليق: ٢ والمراجع هناك.
(٢) روى الترمذي في سننه في كتاب ((البر والصلة)) باب ((ما جاء في حسن الخلق))، عن أبي الدرداء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق خسن، فإن الله تعالى يبغض الفاحش البذيء))، ثم قال: ((وفي الباب عن عائشة، وأبي هريرة، وأنس، وأسامة بن شريك. هذا حديث حسن صحيح)). وقال السيوطي في الدر المنثور ٣: ٧١ ((وأخرجه أبو داود والترمذي وصححه وابن حبان واللالكائي، عن أبي الدرداء)).
(٢) روى الترمذي في سننه في كتاب ((البر والصلة)) باب ((ما جاء في حسن الخلق))، عن أبي الدرداء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق خسن، فإن الله تعالى يبغض الفاحش البذيء))، ثم قال: ((وفي الباب عن عائشة، وأبي هريرة، وأنس، وأسامة بن شريك. هذا حديث حسن صحيح)). وقال السيوطي في الدر المنثور ٣: ٧١ ((وأخرجه أبو داود والترمذي وصححه وابن حبان واللالكائي، عن أبي الدرداء)).
312
وزنه تعالى أعمال خلقه بالميزان، حجة عليهم ولهم، إما بالتقصير في طاعته والتضييع، وإما بالتكميل والتتميم. (١)
* * *
وأمّا وجه جواز ذلك، فإنه كما:
١٤٣٣٦- حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال، حدثنا جعفر بن عون قال، حدثنا عبد الرحمن بن زياد الإفريقي، عن عبد الله بن يزيد، عن عبد الله بن عمرو، قال: يُؤْتى بالرجل يوم القيامة إلى الميزان، فيوضع في الكِفّة، فيخرج له تسعة وتسعون سِجِلا فيها خطاياه وذنوبه. قال: ثم يخرج له كتاب مثل الأنْمُلة، فيها شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم. قال: فتوضع في الكِفّة، فترجح بخطاياه وذنوبه. (٢)
* * *
* * *
وأمّا وجه جواز ذلك، فإنه كما:
١٤٣٣٦- حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال، حدثنا جعفر بن عون قال، حدثنا عبد الرحمن بن زياد الإفريقي، عن عبد الله بن يزيد، عن عبد الله بن عمرو، قال: يُؤْتى بالرجل يوم القيامة إلى الميزان، فيوضع في الكِفّة، فيخرج له تسعة وتسعون سِجِلا فيها خطاياه وذنوبه. قال: ثم يخرج له كتاب مثل الأنْمُلة، فيها شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم. قال: فتوضع في الكِفّة، فترجح بخطاياه وذنوبه. (٢)
* * *
(١) هذه إحدى حجج أبي جعفر، التي تدل على لطف نظره، ودقة حكمه، وصفاء بيانه، وقدرته على ضبط المعاني ضبطًا لا يختل. فجزاه الله عن كتابه ودينه أحسن الجزاء، يوم توفى كل نفس ما كسبت.
(٢) الأثر: ١٤٣٣٦ - ((موسى بن عبد الرحمن المسروق)) شيخ أبي جعفر، مضى مرارًا، آخرها رقم: ٨٩٠٦.
و ((جعفر بن عون بن عمرو بن حريث المخزومي))، ثقة، مضى برقم: ٩٥٠٦، ١٤٢٤٤.
و ((عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي المعافري))، هو ((ابن أنعم))، ثقة. مضى برقم: ٢١٩٥، ١٠١٨٠، ١١٣٣٧.
و ((عبد الله بن يزيد المعافري)) أبو عبد الرحمن الحبلي المصري، ثقة، مضى برقم: ٦٦٥٧، ٩٤٨٣، ١١٩١٧.
وكان في المطبوعة: ((عن عبد الله بن عمر))، وهو خطأ، صوابه من المخطوطة. وهذا خبر صحيح الإسناد.
ورواه أحمد في مسنده بغير هذا اللفظ مطولا، في مسند عبد الله بن عمرو رقم: ٦٩٩٤ من طريق الليث بن سعد، عن عامر بن يحيى، عن أبي عبد الرحمن الحبلى = ثم رواه أيضًا رقم: ٧٠٦٦ من طريق ابن لهيعة، عن عمرو بن يحيى (عامر بن يحيى)، عن أبي عبد الرحمن الحبلى. ورواه من الطريق الأولي عند أحمد ابن ماجه في سننه ص: ١٤٣٧.
ورواه الحاكم في المستدرك ١: ٦ من طريق يونس بن محمد، عن الليث بن سعد، عن عامر بن يحيى، عن أبي عبد الرحمن المعافري وقال: ((هذا حديث صحيح، لم يخرج في الصحيحين، وهو صحيح على شرط مسلم))، ووافقه الذهبي. ثم عاد فرواه في المستدرك أيضًا ١: ٥٢٩ من طريق يحيى بن عبد الله بن بكير، عن الليث، مثل إسناده وقال: ((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)) ووافقه الذهبي.
(٢) الأثر: ١٤٣٣٦ - ((موسى بن عبد الرحمن المسروق)) شيخ أبي جعفر، مضى مرارًا، آخرها رقم: ٨٩٠٦.
و ((جعفر بن عون بن عمرو بن حريث المخزومي))، ثقة، مضى برقم: ٩٥٠٦، ١٤٢٤٤.
و ((عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي المعافري))، هو ((ابن أنعم))، ثقة. مضى برقم: ٢١٩٥، ١٠١٨٠، ١١٣٣٧.
و ((عبد الله بن يزيد المعافري)) أبو عبد الرحمن الحبلي المصري، ثقة، مضى برقم: ٦٦٥٧، ٩٤٨٣، ١١٩١٧.
وكان في المطبوعة: ((عن عبد الله بن عمر))، وهو خطأ، صوابه من المخطوطة. وهذا خبر صحيح الإسناد.
ورواه أحمد في مسنده بغير هذا اللفظ مطولا، في مسند عبد الله بن عمرو رقم: ٦٩٩٤ من طريق الليث بن سعد، عن عامر بن يحيى، عن أبي عبد الرحمن الحبلى = ثم رواه أيضًا رقم: ٧٠٦٦ من طريق ابن لهيعة، عن عمرو بن يحيى (عامر بن يحيى)، عن أبي عبد الرحمن الحبلى. ورواه من الطريق الأولي عند أحمد ابن ماجه في سننه ص: ١٤٣٧.
ورواه الحاكم في المستدرك ١: ٦ من طريق يونس بن محمد، عن الليث بن سعد، عن عامر بن يحيى، عن أبي عبد الرحمن المعافري وقال: ((هذا حديث صحيح، لم يخرج في الصحيحين، وهو صحيح على شرط مسلم))، ووافقه الذهبي. ثم عاد فرواه في المستدرك أيضًا ١: ٥٢٩ من طريق يحيى بن عبد الله بن بكير، عن الليث، مثل إسناده وقال: ((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)) ووافقه الذهبي.
313
فكذلك وزن الله أعمال خلقه، بأن يوضع العبد وكتب حسناته في كفة من كفتي الميزان، وكتب سيئاته في الكفة الأخرى، ويحدث الله تبارك وتعالى ثقلا وخفة في الكفة التي الموزون بها أولى، احتجاجًا من الله بذلك على خلقه، كفعله بكثير منهم: من استنطاق أيديهم وأرجلهم، استشهادًا بذلك عليهم، وما أشبه ذلك من حججه.
ويُسأل مَن أنكر ذلك فيقال له: إن الله أخبرنا تعالى ذكره أنه يثقل موازين قوم في القيامة، ويخفف موازين آخرين، وتظاهرت الأخبار عن رسول الله ﷺ بتحقيق ذلك، فما الذي أوجب لك إنكار الميزان أن يكون هو الميزان الذي وصفنا صفته، الذي يتعارفه الناس؟ أحجة عقل تُبْعِد أن يُنال وجه صحته من جهة العقل؟ (١) وليس في وزن الله جل ثناؤه خلقَه وكتبَ أعمالهم لتعريفهم أثقل القسمين منها بالميزان، خروجٌ من حكمة، ولا دخول في جور في قضية، فما الذي أحال ذلك عندك من حجةِ عقلٍ أو خبر؟ (٢) إذ كان لا سبيل إلى حقيقة القول بإفساد ما لا يدفعه العقل إلا من أحد الوجهين اللذين ذكرتُ، ولا سبيل إلى ذلك. وفي عدم البرهان على صحة دعواه من هذين الوجهين، وضوحُ فساد قوله، وصحة ما قاله أهل الحق في ذلك.
وليس هذا الموضع من مواضع الإكثار في هذا المعنى على من أنكر الميزان الذي وصفنا صفته، إذ كان قصدُنا في هذا الكتاب: البيانَ عن تأويل القرآن دون غيره. ولولا ذلك لقرنَّا إلى ما ذكرنا نظائره، وفي الذي ذكرنا من ذلك كفاية لمن وُفِّق لفهمه إن شاء الله.
ويُسأل مَن أنكر ذلك فيقال له: إن الله أخبرنا تعالى ذكره أنه يثقل موازين قوم في القيامة، ويخفف موازين آخرين، وتظاهرت الأخبار عن رسول الله ﷺ بتحقيق ذلك، فما الذي أوجب لك إنكار الميزان أن يكون هو الميزان الذي وصفنا صفته، الذي يتعارفه الناس؟ أحجة عقل تُبْعِد أن يُنال وجه صحته من جهة العقل؟ (١) وليس في وزن الله جل ثناؤه خلقَه وكتبَ أعمالهم لتعريفهم أثقل القسمين منها بالميزان، خروجٌ من حكمة، ولا دخول في جور في قضية، فما الذي أحال ذلك عندك من حجةِ عقلٍ أو خبر؟ (٢) إذ كان لا سبيل إلى حقيقة القول بإفساد ما لا يدفعه العقل إلا من أحد الوجهين اللذين ذكرتُ، ولا سبيل إلى ذلك. وفي عدم البرهان على صحة دعواه من هذين الوجهين، وضوحُ فساد قوله، وصحة ما قاله أهل الحق في ذلك.
وليس هذا الموضع من مواضع الإكثار في هذا المعنى على من أنكر الميزان الذي وصفنا صفته، إذ كان قصدُنا في هذا الكتاب: البيانَ عن تأويل القرآن دون غيره. ولولا ذلك لقرنَّا إلى ما ذكرنا نظائره، وفي الذي ذكرنا من ذلك كفاية لمن وُفِّق لفهمه إن شاء الله.
(١) في المطبوعة: أحجة عقل فقد يقال وجه صحته... وهو كلام غير مستقيم. وفي المخطوطة. ((أحجة عقل بعدان ننال وجه صحته... ))، وكأن الصواب ما قرأته وأثبته.
(٢) في المطبوعة: ((فما الذي أحال عندك من حجة أعقل أو خبر))، وهو فاسد، وفي المخطوطة: ((... من حجة أو عقل أو خبر))، بزيادة ((أو))، وبحذفها يستقيم الكلام.
(٢) في المطبوعة: ((فما الذي أحال عندك من حجة أعقل أو خبر))، وهو فاسد، وفي المخطوطة: ((... من حجة أو عقل أو خبر))، بزيادة ((أو))، وبحذفها يستقيم الكلام.
314
القول في تأويل قوله: ﴿وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (٩) ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: ومن خفت موازين أعماله الصالحة، فلم تثقل بإقراره بتوحيد الله، والإيمان به وبرسوله، واتباع أمره ونهيه، فأولئك الذين غَبَنوا أنفسهم حظوظها من جزيل ثواب الله وكرامته (١) = (بما كانوا بآياتنا يظلمون)، يقول: بما كانوا بحجج الله وأدلته يجحدون، فلا يقرّون بصحتها، ولا يوقنون بحقيقتها، (٢) كالذي:-
١٤٣٣٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن مجاهد: (ومن خفت موازينه)، قال: حسناته.
* * *
وقيل:"فأولئك"، و"من" في لفظ الواحد، لأن معناه الجمع. ولو جاء موحَدًا كان صوابًا فصيحًا. (٣)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ (١٠) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولقد وطَّأْنا لكم، أيها الناس، في الأرض، (٤) وجعلناها لكم قرارًا تستقرُّون فيها، ومهادًا تمتهدونها، وفراشًا تفترشونها (٥) = (
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: ومن خفت موازين أعماله الصالحة، فلم تثقل بإقراره بتوحيد الله، والإيمان به وبرسوله، واتباع أمره ونهيه، فأولئك الذين غَبَنوا أنفسهم حظوظها من جزيل ثواب الله وكرامته (١) = (بما كانوا بآياتنا يظلمون)، يقول: بما كانوا بحجج الله وأدلته يجحدون، فلا يقرّون بصحتها، ولا يوقنون بحقيقتها، (٢) كالذي:-
١٤٣٣٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن مجاهد: (ومن خفت موازينه)، قال: حسناته.
* * *
وقيل:"فأولئك"، و"من" في لفظ الواحد، لأن معناه الجمع. ولو جاء موحَدًا كان صوابًا فصيحًا. (٣)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ (١٠) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولقد وطَّأْنا لكم، أيها الناس، في الأرض، (٤) وجعلناها لكم قرارًا تستقرُّون فيها، ومهادًا تمتهدونها، وفراشًا تفترشونها (٥) = (
(١) انظر تفسير ((الخسارة)) فيما سلف ص: ١٥٣، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير ((الظلم)) فيما سلف من فهارس اللغة (ظلم).
(٣) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٧٣.
(٤) في المطبوعة: ((ولقد وطنا لكم أيها الناس))، والصواب من المخطوطة.
(٥) انظر تفسير ((مكن)) فيما سلف ١١: ٢٦٣.
(٢) انظر تفسير ((الظلم)) فيما سلف من فهارس اللغة (ظلم).
(٣) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٧٣.
(٤) في المطبوعة: ((ولقد وطنا لكم أيها الناس))، والصواب من المخطوطة.
(٥) انظر تفسير ((مكن)) فيما سلف ١١: ٢٦٣.
315
وجعلنا لكم فيها معايش)، تعيشون بها أيام حياتكم، من مطاعم ومشارب، نعمة مني عليكم، وإحسانًا مني إليكم = (قليلا ما تشكرون)، يقول: وأنتم قليل شكركم على هذه النعم التي أنعمتها عليكم لعبادتكم غيري، واتخاذكم إلهًا سواي.
* *
والمعايش: جمع "معيشة".
* * *
واختلفت القرأة في قراءتها.
فقرأ ذلك عامة قرأة الأمصار: (مَعَايِشَ) بغير همز.
* * *
وقرأه عبد الرحمن الأعرج:"مَعَائِشَ" بالهمز.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا: (مَعَايِشَ) بغير همز، لأنها"مفاعل" من قول القائل"عشتَ تعيش"، فالميم فيها زائدة، والياء في الحكم متحركة، لأن واحدها "مَفْعلة"،"مَعْيشة"، متحركة الياء، نقلت حركة الياء منها إلى"العين" في واحدها. فلما جُمعت، رُدّت حركتها إليها لسكون ما قبلها وتحركها. وكذلك تفعل العرب بالياء والواو إذا سكن ما قبلهما وتحركتا، في نظائر ما وصفنا من الجمع الذي يأتي على مثال "مفاعل"، وذلك مخالف لما جاء من الجمع على مثال"فعائل" التي تكون الياء فيها زائدة ليست بأصل. فإن ما جاء من الجمع على هذا المثال، فالعرب تهمزه، كقولهم:"هذه مدائن" و"صحائف" ونظائرهما، (١) لأن"مدائن" جمع"مدينة"، و"المدينة"،"فعيلة" من قولهم:"مدنت المدينة"، وكذلك،"صحائف" جمع"صحيفة"، و"الصحيفة"،"فعيلة" من قولك:"صحفت الصحيفة"، فالياء في واحدها زائدة ساكنة، فإذا جمعت همزت، لخلافها في الجمع الياء التي كانت في واحدها، وذلك أنها كانت
* *
والمعايش: جمع "معيشة".
* * *
واختلفت القرأة في قراءتها.
فقرأ ذلك عامة قرأة الأمصار: (مَعَايِشَ) بغير همز.
* * *
وقرأه عبد الرحمن الأعرج:"مَعَائِشَ" بالهمز.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا: (مَعَايِشَ) بغير همز، لأنها"مفاعل" من قول القائل"عشتَ تعيش"، فالميم فيها زائدة، والياء في الحكم متحركة، لأن واحدها "مَفْعلة"،"مَعْيشة"، متحركة الياء، نقلت حركة الياء منها إلى"العين" في واحدها. فلما جُمعت، رُدّت حركتها إليها لسكون ما قبلها وتحركها. وكذلك تفعل العرب بالياء والواو إذا سكن ما قبلهما وتحركتا، في نظائر ما وصفنا من الجمع الذي يأتي على مثال "مفاعل"، وذلك مخالف لما جاء من الجمع على مثال"فعائل" التي تكون الياء فيها زائدة ليست بأصل. فإن ما جاء من الجمع على هذا المثال، فالعرب تهمزه، كقولهم:"هذه مدائن" و"صحائف" ونظائرهما، (١) لأن"مدائن" جمع"مدينة"، و"المدينة"،"فعيلة" من قولهم:"مدنت المدينة"، وكذلك،"صحائف" جمع"صحيفة"، و"الصحيفة"،"فعيلة" من قولك:"صحفت الصحيفة"، فالياء في واحدها زائدة ساكنة، فإذا جمعت همزت، لخلافها في الجمع الياء التي كانت في واحدها، وذلك أنها كانت
(١) في المطبوعة والمخطوطة: ((ونظائر)) والسياق ما أثبت.
316
في واحدها ساكنة، وهي في الجمع متحركة. ولو جعلت"مدينة""مَفْعلة" من:"دان يدين"، وجمعت على"مفاعل"، كان الفصيح ترك الهمز فيها. وتحريك الياء. وربما همزت العرب جمع"مفعلة" في ذوات الياء والواو = وإن كان الفصيح من كلامها ترك الهمز فيها. إذا جاءت على"مفاعل" = تشبيهًا منهم جمعها بجمع"فعيلة"، كما تشبه"مَفْعلا""بفعيل" فتقول:"مَسِيل الماء"، من:"سال يسيل"، ثم تجمعها جمع"فعيل"، فتقول:"هي أمسلة"، في الجمع، تشبيهًا منهم لها بجمع"بعير" وهو"فعيل"، إذ تجمعه"أبعرة". وكذلك يجمع"المصير" وهو"مَفْعل"،"مُصْران" تشبيهًا له بجمع:"بعير" وهو"فعيل"، إذ تجمعه"بُعْران"، (١) وعلى هذا همز الأعرج"معايش". وذلك ليس بالفصيح في كلامها، وأولى ما قرئ به كتاب الله من الألسن أفصحها وأعرفها، دون أنكرها وأشذِّها.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١) ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: تأويل ذلك: (ولقد خلقناكم)، في ظهر آدم، أيها الناس = (ثم صورناكم)، في أرحام النساء. خلقًا مخلوقًا ومثالا ممثلا في صورة آدم.
* ذكر من قال ذلك:
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١) ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: تأويل ذلك: (ولقد خلقناكم)، في ظهر آدم، أيها الناس = (ثم صورناكم)، في أرحام النساء. خلقًا مخلوقًا ومثالا ممثلا في صورة آدم.
* ذكر من قال ذلك:
(١) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٧٣، ٣٧٤
317
١٤٣٣٨- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، قوله: (خلقناكم)، يعني آدم = وأما"صورناكم"، فذريّته.
١٤٣٣٩- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) الآية، قال: أمّا"خلقناكم"، فآدم. وأمّا"صورناكم"، فذرية آدم من بعده.
١٤٣٤٠- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع: (ولقد خلقناكم)، يعني: آدم = (ثم صورناكم)، يعني: في الأرحام.
١٤٣٤١- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال، أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس في قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، يقول: خلقناكم خلق آدم، ثم صَوَّرناكم في بطون أمهاتكم.
١٤٣٤٢- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، يقول: خلقنا آدم، ثم صورنا الذرية في الأرحام.
١٤٣٤٣- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، قال: خلق الله آدم من طين ="ثم صورناكم"، في بطون أمهاتكم خلقًا من بعد خلق: علقة، ثم مضغة، ثم عظامًا، ثم كسا العظام لحمًا، ثم أنشأناه خلقًا آخر. (١)
١٤٣٤٤- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
١٤٣٣٩- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) الآية، قال: أمّا"خلقناكم"، فآدم. وأمّا"صورناكم"، فذرية آدم من بعده.
١٤٣٤٠- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع: (ولقد خلقناكم)، يعني: آدم = (ثم صورناكم)، يعني: في الأرحام.
١٤٣٤١- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال، أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس في قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، يقول: خلقناكم خلق آدم، ثم صَوَّرناكم في بطون أمهاتكم.
١٤٣٤٢- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، يقول: خلقنا آدم، ثم صورنا الذرية في الأرحام.
١٤٣٤٣- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، قال: خلق الله آدم من طين ="ثم صورناكم"، في بطون أمهاتكم خلقًا من بعد خلق: علقة، ثم مضغة، ثم عظامًا، ثم كسا العظام لحمًا، ثم أنشأناه خلقًا آخر. (١)
١٤٣٤٤- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
(١) الأثر: ١٤٣٤٣ - ((بشر بن معاذ العقدي))، مضى مرارًا، وهذا إسناد يدور في التفسير دورانًا، ولكنه جاء هنا في المخطوطة والمطبوعة: ((بشر بن آدم))، وهو خطأ. لا شك في ذلك.
318
معمر، عن قتادة قال: خلق الله آدم، ثم صوّر ذريته من بعده.
١٤٣٤٥- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمر بن هارون، عن نصر بن مُشارس، عن الضحاك: (خلقناكم ثم صورناكم)، قال: ذريته. (١)
١٤٣٤٦- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك، قوله: (ولقد خلقناكم)، يعني آدم = (ثم صورناكم)، يعني: ذريته.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك:"ولقد خلقناكم"، في أصلاب آبائكم ="ثم صورناكم"، في بطون أمهاتكم.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٣٤٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن شريك، عن سماك، عن عكرمة: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، قال: خلقناكم في أصلاب الرجال، وصوّرناكم في أرحام النساء.
١٤٣٤٨- حدثني المثنى قال، حدثنا الحمانى قال، حدثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة، مثله.
١٤٣٤٩- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان قال، سمعت الأعمش يقرأ: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، قال: خلقناكم في أصلاب الرجال، ثم صورناكم في أرحام النساء.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: (خلقناكم)، يعني آدم = (ثم صورناكم)، يعني = في ظهره.
١٤٣٤٥- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمر بن هارون، عن نصر بن مُشارس، عن الضحاك: (خلقناكم ثم صورناكم)، قال: ذريته. (١)
١٤٣٤٦- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك، قوله: (ولقد خلقناكم)، يعني آدم = (ثم صورناكم)، يعني: ذريته.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك:"ولقد خلقناكم"، في أصلاب آبائكم ="ثم صورناكم"، في بطون أمهاتكم.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٣٤٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن شريك، عن سماك، عن عكرمة: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، قال: خلقناكم في أصلاب الرجال، وصوّرناكم في أرحام النساء.
١٤٣٤٨- حدثني المثنى قال، حدثنا الحمانى قال، حدثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة، مثله.
١٤٣٤٩- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان قال، سمعت الأعمش يقرأ: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، قال: خلقناكم في أصلاب الرجال، ثم صورناكم في أرحام النساء.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: (خلقناكم)، يعني آدم = (ثم صورناكم)، يعني = في ظهره.
(١) الأثر: ١٤٣٤٥ - ((عمر بن هارون بن يزيد البلخي))، متكلم فيه وجرح، مضى برقم: ١٢٣٨٩.
و ((نصر بن مشاري)) أو ((نصر بن مشيرس))، هو ((أبو مصلح الخراساني)) مشهور بكنيته، وكذلك مضى في الأثر رقم: ١٢٣٨٩.
وكان في المطبوعة: ((مشاوش))، وفي المخطوطة: ((مشاوس)) والصواب ما أثبته.
و ((نصر بن مشاري)) أو ((نصر بن مشيرس))، هو ((أبو مصلح الخراساني)) مشهور بكنيته، وكذلك مضى في الأثر رقم: ١٢٣٨٩.
وكان في المطبوعة: ((مشاوش))، وفي المخطوطة: ((مشاوس)) والصواب ما أثبته.
319
* ذكر من قال ذلك:
١٤٣٥٠- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (ولقد خلقناكم)، قال: آدم = (ثم صورناكم)، قال: في ظهر آدم.
١٤٣٥١- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، في ظهر آدم.
١٤٣٥٢- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، قال: صورناكم في ظهر آدم.
١٤٣٥٣- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، سمعت مجاهدًا في قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، قال: في ظهر آدم، لما تصيرون إليه من الثواب في الآخرة.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك:"ولقد خلقناكم"، في بطون أمهاتكم ="ثم صورناكم"، فيها.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٣٥٤- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عمن ذكره قال: (خلقناكم ثم صورناكم)، قال: خلق الله الإنسان في الرحم، ثم صوّره، فشقَّ سمعه وبصره وأصابعه.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: تأويله: (ولقد خلقناكم)، ولقد خلقنا آدم = (ثم صورناكم)، بتصويرنا آدم، كما قد بينا
١٤٣٥٠- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (ولقد خلقناكم)، قال: آدم = (ثم صورناكم)، قال: في ظهر آدم.
١٤٣٥١- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، في ظهر آدم.
١٤٣٥٢- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، قال: صورناكم في ظهر آدم.
١٤٣٥٣- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، سمعت مجاهدًا في قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، قال: في ظهر آدم، لما تصيرون إليه من الثواب في الآخرة.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك:"ولقد خلقناكم"، في بطون أمهاتكم ="ثم صورناكم"، فيها.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٣٥٤- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عمن ذكره قال: (خلقناكم ثم صورناكم)، قال: خلق الله الإنسان في الرحم، ثم صوّره، فشقَّ سمعه وبصره وأصابعه.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: تأويله: (ولقد خلقناكم)، ولقد خلقنا آدم = (ثم صورناكم)، بتصويرنا آدم، كما قد بينا
320
فيما مضى من خطاب العرب الرجلَ بالأفعال تضيفها إليه، والمعنيُّ في ذلك سلفه، (١) وكما قال جل ثناؤه لمن بين أظهر المؤمنين من اليهود على عهد رسول الله: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ)، [سورة البقرة: ٦٣]. وما أشبه ذلك من الخطاب الموجَّه إلى الحيّ الموجود، والمراد به السلف المعدوم، فكذلك ذلك في قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، معناه: ولقد خلقنا أباكم آدم ثم صوَّرناه.
وإنما قلنا هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب، لأن الذي يتلو ذلك قوله: (ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم)، ومعلوم أن الله تبارك وتعالى قد أمر الملائكة بالسجود لآدم، قبل أن يصوِّر ذريته في بطون أمهاتهم، بل قبل أن يخلُق أمهاتهم.
و"ثم" في كلام العرب لا تأتي إلا بإيذان انقطاع ما بعدها عما قبلها، (٢) وذلك كقول القائل:"قمت ثم قعدت"، لا يكون"القعود" إذ عطف به بـ"ثم" على قوله:"قمت" إلا بعد القيام، (٣) وكذلك ذلك في جميع الكلام. ولو كان العطف في ذلك بالواو، جاز أن يكون الذي بعدها قد كان قبل الذي قبلها، وذلك كقول القائل:"قمت وقعدت"، فجائز أن يكون"القعود" في هذا الكلام قد كان قبل"القيام"، لأن الواو تدخل في الكلام إذا كانت عطفًا، لتوجب للذي بعدها من المعنى ما وجب للذي قبلها، من غير دلالة منها بنفسها على أن ذلك كان في وقت واحد أو وقتين مختلفين، أو إن كانا في وقتين، أيهما
وإنما قلنا هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب، لأن الذي يتلو ذلك قوله: (ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم)، ومعلوم أن الله تبارك وتعالى قد أمر الملائكة بالسجود لآدم، قبل أن يصوِّر ذريته في بطون أمهاتهم، بل قبل أن يخلُق أمهاتهم.
و"ثم" في كلام العرب لا تأتي إلا بإيذان انقطاع ما بعدها عما قبلها، (٢) وذلك كقول القائل:"قمت ثم قعدت"، لا يكون"القعود" إذ عطف به بـ"ثم" على قوله:"قمت" إلا بعد القيام، (٣) وكذلك ذلك في جميع الكلام. ولو كان العطف في ذلك بالواو، جاز أن يكون الذي بعدها قد كان قبل الذي قبلها، وذلك كقول القائل:"قمت وقعدت"، فجائز أن يكون"القعود" في هذا الكلام قد كان قبل"القيام"، لأن الواو تدخل في الكلام إذا كانت عطفًا، لتوجب للذي بعدها من المعنى ما وجب للذي قبلها، من غير دلالة منها بنفسها على أن ذلك كان في وقت واحد أو وقتين مختلفين، أو إن كانا في وقتين، أيهما
(١) انظر هذا من خطاب العرب فيما سلف ٢: ٣٨، ٣٩ ثم ص: ١٦٤، ١٦٥، ومواضع أخرى بعد ذلك في فهرس مباحث العربية والنحو وغيرها.
(٢) انظر القول في ((ثم)) فيما سلف ص: ٢٣٣.
(٣) كان في هذه الجملة في المخطوطة تكرار، ووضع الناسخ في الهامش (كذا)، والصواب ما في المطبوعة.
(٢) انظر القول في ((ثم)) فيما سلف ص: ٢٣٣.
(٣) كان في هذه الجملة في المخطوطة تكرار، ووضع الناسخ في الهامش (كذا)، والصواب ما في المطبوعة.
321
المتقدم وأيهما المتأخر. فلما وصفنا قلنا إنّ قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)، لا يصح تأويله إلا على ما ذكرنا.
فإن ظن ظانّ أن العربَ، إذ كانت ربما نطقت بـ"ثم" في موضع"الواو" في ضرورة شعره، كما قال بعضهم:
سَأَلْتُ رَبِيعَةَ: مَنْ خَيْرُهَا... أَبًا ثُمَّ أُمًّا؟ فَقَالَتْ: لِمَهْ؟ (١)
بمعنى: أبًا وأمًّا، فإن ذلك جائز أن يكون نظيره= فإن ذلك بخلاف ما ظن. وذلك أن كتاب الله جل ثناؤه نزل بأفصح لغات العرب، وغير جائز توجيه شيء منه إلى الشاذّ من لغاتها، وله في الأفصح الأشهر معنى مفهومٌ ووجه معروف.
* * *
وقد وجَّه بعض من ضعفت معرفته بكلام العرب ذلك إلى أنه من المؤخر الذي معناه التقديم، وزعم أن معنى ذلك: ولقد خلقناكم، ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، ثم صورناكم. وذلك غير جائز في كلام العرب، لأنها لا تدخل"ثم" في الكلام وهي مرادٌ بها التقديم على ما قبلها من الخبر، وإن كانوا قد يقدِّمونها في الكلام، (٢) إذا كان فيه دليل على أن معناها التأخير، وذلك كقولهم:"قام ثم عبد الله عمرو"، فأما إذا قيل:"قام عبد الله ثم قعد عمرو"، فغير جائز أن يكون قعود عمرو كان إلا بعد قيام عبد الله، إذا كان الخبر صدقًا، فقول الله تبارك وتعالى: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا)، نظير قول القائل:"قام عبد الله ثم قعد عمرو"، في أنه غير جائز أن يكون أمرُ الله الملائكةَ بالسجود لآدم كان إلا بعد الخلق والتصوير، لما وصفنا قبل.
* * *
وأما قوله للملائكة: (اسجدوا لآدم)، فإنه يقول جل ثناؤه: فلما صوّرنا
فإن ظن ظانّ أن العربَ، إذ كانت ربما نطقت بـ"ثم" في موضع"الواو" في ضرورة شعره، كما قال بعضهم:
سَأَلْتُ رَبِيعَةَ: مَنْ خَيْرُهَا... أَبًا ثُمَّ أُمًّا؟ فَقَالَتْ: لِمَهْ؟ (١)
بمعنى: أبًا وأمًّا، فإن ذلك جائز أن يكون نظيره= فإن ذلك بخلاف ما ظن. وذلك أن كتاب الله جل ثناؤه نزل بأفصح لغات العرب، وغير جائز توجيه شيء منه إلى الشاذّ من لغاتها، وله في الأفصح الأشهر معنى مفهومٌ ووجه معروف.
* * *
وقد وجَّه بعض من ضعفت معرفته بكلام العرب ذلك إلى أنه من المؤخر الذي معناه التقديم، وزعم أن معنى ذلك: ولقد خلقناكم، ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، ثم صورناكم. وذلك غير جائز في كلام العرب، لأنها لا تدخل"ثم" في الكلام وهي مرادٌ بها التقديم على ما قبلها من الخبر، وإن كانوا قد يقدِّمونها في الكلام، (٢) إذا كان فيه دليل على أن معناها التأخير، وذلك كقولهم:"قام ثم عبد الله عمرو"، فأما إذا قيل:"قام عبد الله ثم قعد عمرو"، فغير جائز أن يكون قعود عمرو كان إلا بعد قيام عبد الله، إذا كان الخبر صدقًا، فقول الله تبارك وتعالى: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا)، نظير قول القائل:"قام عبد الله ثم قعد عمرو"، في أنه غير جائز أن يكون أمرُ الله الملائكةَ بالسجود لآدم كان إلا بعد الخلق والتصوير، لما وصفنا قبل.
* * *
وأما قوله للملائكة: (اسجدوا لآدم)، فإنه يقول جل ثناؤه: فلما صوّرنا
(١) لم أعرف قائله.
(٢) في المخطوطة: ((وإن كان يعبر فنرنها في الكلام))، فلم استبن لقراءتها وجهًا أرضاه، فتركت ما في المطبوعة على حاله، لأنه مستقيم المعنى إن شاء الله.
(٢) في المخطوطة: ((وإن كان يعبر فنرنها في الكلام))، فلم استبن لقراءتها وجهًا أرضاه، فتركت ما في المطبوعة على حاله، لأنه مستقيم المعنى إن شاء الله.
322
آدم وجعلناه خلقًا سويًّا، ونفخنا فيه من روحنا، قلنا للملائكة:"اسجدوا لآدم"، ابتلاء منا واختبارًا لهم بالأمر، ليعلم الطائع منهم من العاصي، = (فسجدوا)، يقول: فسجد الملائكة، إلا إبليس فإنه لم يكن من الساجدين لآدم، حين أمره الله مع مَنْ أمرَ من سائر الملائكة غيره بالسجود.
* * *
وقد بينا فيما مضى، المعنى الذي من أجله امتحن جَلّ جلاله ملائكته بالسجود لآدم، وأمْرَ إبليس وقصصه، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (١)
* * *
* * *
وقد بينا فيما مضى، المعنى الذي من أجله امتحن جَلّ جلاله ملائكته بالسجود لآدم، وأمْرَ إبليس وقصصه، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (١)
* * *
(١) انظر ما سلف ١: ٥٠١ - ٥١٢.
323
القول في تأويل قوله: ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢) ﴾
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قيله لإبليس، إذ عصاه فلم يسجد لآدم إذ أمره بالسجود له. يقول: قال الله لإبليس: = (ما منعك)، أيّ شيء منعك = (ألا تسجد)، أن تدع السجود لآدم = (إذ أمرتك)، أن تسجد ="قال أنا خير منه"، يقول: قال إبليس: أنا خير من آدم ="خلقتني من نار وخلقته من طين".
* * *
فإن قال قائل: أخبرنا عن إبليس، ألحقته الملامة على السجود، أم على ترك السجود؟ فإن تكن لحقته الملامة على ترك السجود، فكيف قيل له: (ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك) ؟ وإن كان النكير على السجود، فذلك خلافُ ما جاء به التنزيل في سائر القرآن، وخلاف ما يعرفه المسلمون!
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قيله لإبليس، إذ عصاه فلم يسجد لآدم إذ أمره بالسجود له. يقول: قال الله لإبليس: = (ما منعك)، أيّ شيء منعك = (ألا تسجد)، أن تدع السجود لآدم = (إذ أمرتك)، أن تسجد ="قال أنا خير منه"، يقول: قال إبليس: أنا خير من آدم ="خلقتني من نار وخلقته من طين".
* * *
فإن قال قائل: أخبرنا عن إبليس، ألحقته الملامة على السجود، أم على ترك السجود؟ فإن تكن لحقته الملامة على ترك السجود، فكيف قيل له: (ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك) ؟ وإن كان النكير على السجود، فذلك خلافُ ما جاء به التنزيل في سائر القرآن، وخلاف ما يعرفه المسلمون!
323
قيل: إن الملامة لم تلحق إبليس إلا على معصيته ربه بتركه السجود لآدم إذ أمره بالسجود له.
غير أن في تأويل قوله: (ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك)، بين أهل المعرفة بكلام العرب اختلافًا، أبدأ بذكر ما قالوا، ثم أذكر الذي هو أولى ذلك بالصواب.
فقال بعض نحويي البصرة: معنى ذلك: ما منعك أن تسجد = و"لا" ها هنا زائدة، كما قال الشاعر: (١)
وقال: فسرته العرب:"أبى جوده البخل"، وجعلوا"لا" زائدةً حشوًا ها هنا، وصلوا بها الكلام. قال: وزعم يونس أن أبا عمرو كان يجر"البخل"، ويجعل"لا" مضافة إليه، أراد: أبى جوده"لا" التي هي للبخل، ويجعل"لا" مضافة، لأن"لا" قد تكون للجود والبخل، لأنه لو قال له:"امنع الحق ولا تعط المسكين" فقال:"لا" كان هذا جودًا منه.
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة نحو القول الذي ذكرناه عن البصريين في معناه وتأويله، غير أنه زعم أن العلة في دخول"لا" في قوله: (أن لا تسجد)، أن في أول الكلام جحدا = يعني بذلك قوله: (لم يكن من الساجدين)، فإن العرب ربما أعادوا في الكلام الذي فيه جحد، الجحدَ، كالاستيثاق والتوكيد له. قال: وذلك كقولهم: (٣)
غير أن في تأويل قوله: (ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك)، بين أهل المعرفة بكلام العرب اختلافًا، أبدأ بذكر ما قالوا، ثم أذكر الذي هو أولى ذلك بالصواب.
فقال بعض نحويي البصرة: معنى ذلك: ما منعك أن تسجد = و"لا" ها هنا زائدة، كما قال الشاعر: (١)
أبَى جُودُهُ لا البُخْلَ، وَاسْتَعْجَلَتْ بِهِ | نَعَمْ، مِنْ فَتًى لا يَمْنَعُ الجُوعَ قَاتِلهْ (٢) |
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة نحو القول الذي ذكرناه عن البصريين في معناه وتأويله، غير أنه زعم أن العلة في دخول"لا" في قوله: (أن لا تسجد)، أن في أول الكلام جحدا = يعني بذلك قوله: (لم يكن من الساجدين)، فإن العرب ربما أعادوا في الكلام الذي فيه جحد، الجحدَ، كالاستيثاق والتوكيد له. قال: وذلك كقولهم: (٣)
(١) لا يعرف قائله.
(٢) اللسان (نعم)، أمالي ابن الشجري ٢: ٢٢٨، ٢٣١، شرح شواهد المغنى ٢١٧، وكان في المخطوطة والمطبوعة: ((لا يمنع الجوع))، كما أثبته، وكذلك ورد عن الفارسي في اللسان. وأما في المراجع الأخرى فروايته: ((لا يمنع الجود)).
(٣) لم يعرف قائله.
(٢) اللسان (نعم)، أمالي ابن الشجري ٢: ٢٢٨، ٢٣١، شرح شواهد المغنى ٢١٧، وكان في المخطوطة والمطبوعة: ((لا يمنع الجوع))، كما أثبته، وكذلك ورد عن الفارسي في اللسان. وأما في المراجع الأخرى فروايته: ((لا يمنع الجود)).
(٣) لم يعرف قائله.
324
مَا إنْ رَأَيْنَا مِثْلَهُنَّ لِمَعْشَرٍ | سُودِ الرُّؤُوسِ، فَوَالِجٌ وَفُيُولُ (١) |
* * *
وقال آخر منهم: ليست"لا"، بحشو في هذا الموضع ولا صلة، (٢) ولكن"المنع" هاهنا بمعنى"القول"، وإنما تأويل الكلام: مَنْ قال لك لا تسجد إذ أمرتك بالسجود = ولكن دخل في الكلام"أن"، إذ كان"المنع" بمعنى"القول"، لا في لفظه، كما يُفعل ذلك في سائر الكلام الذي يضارع القول، وهو له في اللفظ مخالف، كقولهم:"ناديت أن لا تقم"، و"حلفت أن لا تجلس"، وما أشبه ذلك من الكلام. وقال: خفض"البخل" من روى:"أبى جوده لا البخل"، (٣) بمعنى: كلمة البخل، لأن"لا" هي كلمة البخل، فكأنه قال: كلمة البخل.
* * *
وقال بعضهم: معنى"المنع"، الحول بين المرء وما يريده. قال: والممنوع مضطّر به إلى خلاف ما منع منه، كالممنوع من القيام وهو يريده، فهو مضطر من الفعل إلى ما كان خلافًا للقيام، إذ كان المختار للفعل هو الذي له السبيل إليه وإلى خلافه، فيوثر أحدهما على الآخر فيفعله. قال: فلما كانت صفة"المنع" ذلك، فخوطب إبليس بالمنع فقيل له: (ما منعك ألا تسجد)، كان معناه كأنه قيل له: أيّ شيء اضطرك إلى أن لا تسجد؟
* * *
قال أبو جعفر: والصواب عندي من القول في ذلك أن يقال: إن في الكلام محذوفًا قد كفى دليلُ الظاهر منه، وهو أن معناه: ما منعك من السجود
(١) معاني القرآن للفراء ١: ١٧٦، ٣٧٤ و ((الفوالج)) جمع ((فالج))، وهو جمل ذو سنامين كان يجلب من السند للفحلة. و ((الفيول)، جمع ((فيل)).
(٢) ((الصلة)) : الزيادة، كما سلف، انظر فهارس المصطلحات.
(٣) في المطبوعة: ((وقال بعض من روى: أبي جود لا البخل))، فغير ما في المخطوطة، وأفسد الكلام إفسادًا.
(٢) ((الصلة)) : الزيادة، كما سلف، انظر فهارس المصطلحات.
(٣) في المطبوعة: ((وقال بعض من روى: أبي جود لا البخل))، فغير ما في المخطوطة، وأفسد الكلام إفسادًا.
325
فأحوجك أن لا تسجد = فترك ذكر"أحوجك"، استغناء بمعرفة السامعين قوله: (إلا إبليس لم يكن من الساجدين)، أن ذلك معنى الكلام، من ذكره. (١) ثم عمل قوله: (ما منعك)، في"أن" ما كان عاملا فيه قبل"أحوجك" لو ظهر، إذ كان قد ناب عنه.
وإنما قلنا إن هذا القول أولى بالصواب، لما قد مضى من دلالتنا قبل على أنه غير جائز أن يكون في كتاب الله شيء لا معنى له، وأن لكل كلمة معنًى صحيحًا، فتبين بذلك فسادُ قول من قال:"لا" في الكلام حشو لا معنى لها.
وأما قول من قال: معنى"المنع" ههنا"القول"، فلذلك دخلت"لا" مع"أن" = فإن"المنعَ" وإن كان قد يكون قولا وفعلا فليس المعروف في الناس استعمالُ"المنع"، في الأمر بترك الشيء، لأن المأمور بترك الفعل إذا كان قادرًا على فعله وتركه ففعله، لا يقال:"فعله"، وهو ممنوع من فعله، إلا على استكراه للكلام. وذلك أن المنع من الفعل حَوْلٌ بينه وبينه، فغير جائز أن يكون وهو مَحُولٌ بينه وبينه فاعلا له، لأنه إن جاز ذلك، وجب أن يكون مَحُولا بينه وبينه لا محولا وممنوعًا لا ممنوعًا. (٢)
وبعدُ، فإن إبليس لم يأتمر لأمر الله تعالى ذكره بالسجود لآدم كبرًا، فكيف كان يأتمر لغيره في ترك أمر الله وطاعته بترك السجود لآدم، فيجوز أن يقال له:"أي شيء قال لك: لا تسجد لآدم إذ أمرتك بالسجود له؟ ولكن معناه إن شاء الله ما قلت: "ما منعك من السجود له فأحوجك، أو: فأخرجك، أو: فاضطرك إلى أن لا تسجد له"، على ما بيَّنت.
* * *
وأما قوله: (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين)، فإنه خبرٌ من الله جل ثناؤه عن جواب إبليس إياه إذ سأله: ما الذي منعه من السجود لآدم،
وإنما قلنا إن هذا القول أولى بالصواب، لما قد مضى من دلالتنا قبل على أنه غير جائز أن يكون في كتاب الله شيء لا معنى له، وأن لكل كلمة معنًى صحيحًا، فتبين بذلك فسادُ قول من قال:"لا" في الكلام حشو لا معنى لها.
وأما قول من قال: معنى"المنع" ههنا"القول"، فلذلك دخلت"لا" مع"أن" = فإن"المنعَ" وإن كان قد يكون قولا وفعلا فليس المعروف في الناس استعمالُ"المنع"، في الأمر بترك الشيء، لأن المأمور بترك الفعل إذا كان قادرًا على فعله وتركه ففعله، لا يقال:"فعله"، وهو ممنوع من فعله، إلا على استكراه للكلام. وذلك أن المنع من الفعل حَوْلٌ بينه وبينه، فغير جائز أن يكون وهو مَحُولٌ بينه وبينه فاعلا له، لأنه إن جاز ذلك، وجب أن يكون مَحُولا بينه وبينه لا محولا وممنوعًا لا ممنوعًا. (٢)
وبعدُ، فإن إبليس لم يأتمر لأمر الله تعالى ذكره بالسجود لآدم كبرًا، فكيف كان يأتمر لغيره في ترك أمر الله وطاعته بترك السجود لآدم، فيجوز أن يقال له:"أي شيء قال لك: لا تسجد لآدم إذ أمرتك بالسجود له؟ ولكن معناه إن شاء الله ما قلت: "ما منعك من السجود له فأحوجك، أو: فأخرجك، أو: فاضطرك إلى أن لا تسجد له"، على ما بيَّنت.
* * *
وأما قوله: (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين)، فإنه خبرٌ من الله جل ثناؤه عن جواب إبليس إياه إذ سأله: ما الذي منعه من السجود لآدم،
(١) السياق: ((استغناء بمعرفة السامعين... من ذكره)).
(٢) يعني أنه يجمع الصفتين معًا ((محول بينه وبينه، وغير محول = وممنوع، وغير ممنوع))، وهو تناقض.
(٢) يعني أنه يجمع الصفتين معًا ((محول بينه وبينه، وغير محول = وممنوع، وغير ممنوع))، وهو تناقض.
326
فأحوجه إلى أن لا يسجد له، واضطره إلى خلافه أمرَه به، وتركه طاعته = أنّ المانعَ كان له من السجود، والداعيَ له إلى خلافه أمر ربه في ذلك: أنه أشد منه أيْدًا، (١) وأقوى منه قوة، وأفضل منه فضلا لفضل الجنس الذي منه خلق، وهو النارُ، على الذي خلق منه آدم، (٢) وهو الطين. فجهل عدوّ الله وجه الحق، وأخطأ سبيل الصواب. إذ كان معلومًا أن من جوهر النار الخفة والطيش والاضطراب والارتفاع علوًّا، والذي في جوهرها من ذلك هو الذي حملَ الخبيث بعد الشقاء الذي سبق له من الله في الكتاب السابق، على الاستكبار عن السجود لآدم، والاستخفاف بأمر ربه، فأورثه العطبَ والهلاكَ. وكان معلومًا أن من جوهر الطين الرزانة والأناة والحلم والحياء والتثبُّت، وذلك الذي هو في جوهره من ذلك، (٣) كان الداعي لآدم بعد السعادة التي كانت سبقت له من ربه في الكتاب السابق، إلى التوبة من خطيئته، ومسألته ربَّه العفوَ عنه والمغفرة. ولذلك كان الحسن وابن سيرين يقولان:"أول مَنْ قاسَ إبليس"، يعنيان بذلك: القياسَ الخطأ، وهو هذا الذي ذكرنا من خطأ قوله، وبعده من إصابة الحق، في الفضل الذي خص الله به آدم على سائر خلقه: من خلقه إياه بيده، ونفخه فيه من روحه، وإسجاده له الملائكة، وتعليمه أسماء كلِّ شيء، مع سائر ما خصه به من كرامته. فضرب عن ذلك كلِّه الجاهلُ صفحًا، وقصد إلى الاحتجاج بأنه خُلق من نار وخلق آدم من طين!! (٤) وهو في ذلك أيضًا له غير كفء، لو لم يكن لآدم من الله جل ذكره تكرمة شيء غيره، فكيف والذي خصّ به من كرامته يكثر تعداده، ويملّ إحصاؤه؟
١٤٣٥٥- حدثني عمرو بن مالك قال، حدثنا يحيى بن سليم الطائفي، عن هشام، عن ابن سيرين قال: أوّل من قاس إبليس، وما عُبِدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس. (٥)
١٤٣٥٦- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا محمد بن كثير، عن ابن شوذب، عن مطر الورّاق، عن الحسن قوله: (خلقتني من نار وخلقته من طين)، قال: قاس إبليس وهو أول من قاس.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٣٥٧- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك عن ابن عباس قال: لما خلق الله آدم قال للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة، دون الملائكة الذين في السموات:"اسجدوا لآدم"، فسجدوا كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر، لما كان حدَّث نفسه، من كبره واغتراره، فقال:"لا أسجد له، وأنا خير منه، وأكبر سنًّا، وأقوى خلقًا، خلقتني من نار وخلقته من طين! " يقول: إنّ النار أقوى من الطين.
١٤٣٥٨- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (خلقتني من نار)، قال: ثم جعل ذريته من ماء.
* * *
١٤٣٥٥- حدثني عمرو بن مالك قال، حدثنا يحيى بن سليم الطائفي، عن هشام، عن ابن سيرين قال: أوّل من قاس إبليس، وما عُبِدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس. (٥)
١٤٣٥٦- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا محمد بن كثير، عن ابن شوذب، عن مطر الورّاق، عن الحسن قوله: (خلقتني من نار وخلقته من طين)، قال: قاس إبليس وهو أول من قاس.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٣٥٧- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك عن ابن عباس قال: لما خلق الله آدم قال للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة، دون الملائكة الذين في السموات:"اسجدوا لآدم"، فسجدوا كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر، لما كان حدَّث نفسه، من كبره واغتراره، فقال:"لا أسجد له، وأنا خير منه، وأكبر سنًّا، وأقوى خلقًا، خلقتني من نار وخلقته من طين! " يقول: إنّ النار أقوى من الطين.
١٤٣٥٨- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (خلقتني من نار)، قال: ثم جعل ذريته من ماء.
* * *
(١) في المطبوعة: ((أشد منه يدا))، والصواب من المخطوطة، و ((الأيد))، القوة.
(٢) في المطبوعة: ((من الذي خلق منه آدم))، زاد ((من))، والمخطوطة سقط منها حرف الجر المتعلق بفضل الجنس، والصواب ما أُبت.
(٣) في المطبوعة: ((وذلك الذي في جوهره... )) حذف ((هو))، وفي المخطوطة: ((وذلك الذي هو من جوهره من ذلك))، وصوابها ((في جوهره))، وإنما هو خطأ من الناسخ.
(٤) في المطبوعة: ((بأنه خلقه من نار))، واليد ما في المخطوطة.
(٥) الأثر: ١٤٣٥٥ - ((عمرو بن مالك الراسبي الغبري))، أبو عثمان البصري، شيخ الطبري. قال ابن عدي: ((منكر الحديث عن الثقات، ويسرق الحديث))، وقال ابن أبي حاتم: ((ترك أبي التحديث عنه)). مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٣ /١ / ٢٥٩.
و ((يحيى بن سليم الطائفي))، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: ٤٨٩٤، ٧٨٣١.
(٢) في المطبوعة: ((من الذي خلق منه آدم))، زاد ((من))، والمخطوطة سقط منها حرف الجر المتعلق بفضل الجنس، والصواب ما أُبت.
(٣) في المطبوعة: ((وذلك الذي في جوهره... )) حذف ((هو))، وفي المخطوطة: ((وذلك الذي هو من جوهره من ذلك))، وصوابها ((في جوهره))، وإنما هو خطأ من الناسخ.
(٤) في المطبوعة: ((بأنه خلقه من نار))، واليد ما في المخطوطة.
(٥) الأثر: ١٤٣٥٥ - ((عمرو بن مالك الراسبي الغبري))، أبو عثمان البصري، شيخ الطبري. قال ابن عدي: ((منكر الحديث عن الثقات، ويسرق الحديث))، وقال ابن أبي حاتم: ((ترك أبي التحديث عنه)). مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٣ /١ / ٢٥٩.
و ((يحيى بن سليم الطائفي))، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: ٤٨٩٤، ٧٨٣١.
327
قال أبو جعفر: وهذا الذي قاله عدوّ الله ليس لما سأله عنه بجواب. وذلك أن الله تعالى ذكره قال له: ما منعك من السجود؟ فلم يجب بأن الذي منعه من السجود أنه خُلِقَ من نار وخلق آدم من طين، (١) ولكنه ابتدأ خبرًا عن نفسه، فيه دليل على موضع الجواب فقال: (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (١٣) ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: قال الله لإبليس عند ذلك: (فاهبط منها).
وقد بيَّنا معنى"الهبوط" فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته. (٢)
* * *
= (فما يكون لك أن تتكبر فيها)، يقول تعالى ذكره: فقال الله له:"اهبط منها"، يعني: من الجنة ="فما يكون لك"، يقول: فليس لك أن تستكبر في الجنة عن طاعتي وأمري.
* * *
فإن قال قائل: هل لأحد أن يتكبر في الجنة؟ قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبتَ، وإنما معنى ذلك: فاهبط من الجنة، فإنه لا يسكن الجنة متكبر عن أمر الله، فأما غيرها، فإنه قد يسكنها المستكبر عن أمر الله، والمستكين لطاعته.
* * *
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (١٣) ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: قال الله لإبليس عند ذلك: (فاهبط منها).
وقد بيَّنا معنى"الهبوط" فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته. (٢)
* * *
= (فما يكون لك أن تتكبر فيها)، يقول تعالى ذكره: فقال الله له:"اهبط منها"، يعني: من الجنة ="فما يكون لك"، يقول: فليس لك أن تستكبر في الجنة عن طاعتي وأمري.
* * *
فإن قال قائل: هل لأحد أن يتكبر في الجنة؟ قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبتَ، وإنما معنى ذلك: فاهبط من الجنة، فإنه لا يسكن الجنة متكبر عن أمر الله، فأما غيرها، فإنه قد يسكنها المستكبر عن أمر الله، والمستكين لطاعته.
* * *
(١) في المطبوعة: ((أنه خلقه من نار))، والجيد في المخطوطة.
(٢) انظر تفسير ((الهبوط)) فيما سلف ١: ٥٣٤، ٥٤٨ /٢: ١٣٢، ٢٣٩.
(٢) انظر تفسير ((الهبوط)) فيما سلف ١: ٥٣٤، ٥٤٨ /٢: ١٣٢، ٢٣٩.
وقوله: (فاخرج إنك من الصاغرين)، يقول: فاخرج من الجنة، إنك من الذين قد نالهم من الله الصَّغَار والذلّ والمَهانة.
* * *
يقال منه:"صَغِرَ يَصْغَرُ صَغَرًا وصَغارًا وصُغْرَانًا"، وقد قيل:"صغُرَ يَصْغُرُ صَغارًا وصَغارَة". (١)
* * *
وبنحو ذلك قال السدي. (٢)
١٤٣٥٩- حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (فاخرج إنك من الصاغرين)، و"الصغار"، هو الذل.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥) ﴾
قال أبو جعفر: وهذه أيضًا جَهْلة أخرى من جَهَلاته الخبيثة. سأل ربه ما قد علم أنه لا سبيل لأحد من خلق الله إليه. وذلك أنه سأل النَّظِرة إلى قيام الساعة، وذلك هو يوم يبعث فيه الخلق. ولو أعطي ما سأل من النَّظِرة، كان قد أعطي الخلودَ وبقاءً لا فناء معه، وذلك أنه لا موت بعد البعث. فقال جل ثناؤه له: (إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) [سورة الحجر: ٣٧-٣٨ / سورة ص: ٨٠، ٨١]، وذلك إلى اليوم الذي قد كتب الله عليه فيه الهلاك والموت والفناء، لأنه لا شيء يبقى فلا يفنى، غير ربِّنا الحيِّ الذي لا يموت. يقول الله تعالى
* * *
يقال منه:"صَغِرَ يَصْغَرُ صَغَرًا وصَغارًا وصُغْرَانًا"، وقد قيل:"صغُرَ يَصْغُرُ صَغارًا وصَغارَة". (١)
* * *
وبنحو ذلك قال السدي. (٢)
١٤٣٥٩- حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (فاخرج إنك من الصاغرين)، و"الصغار"، هو الذل.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥) ﴾
قال أبو جعفر: وهذه أيضًا جَهْلة أخرى من جَهَلاته الخبيثة. سأل ربه ما قد علم أنه لا سبيل لأحد من خلق الله إليه. وذلك أنه سأل النَّظِرة إلى قيام الساعة، وذلك هو يوم يبعث فيه الخلق. ولو أعطي ما سأل من النَّظِرة، كان قد أعطي الخلودَ وبقاءً لا فناء معه، وذلك أنه لا موت بعد البعث. فقال جل ثناؤه له: (إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) [سورة الحجر: ٣٧-٣٨ / سورة ص: ٨٠، ٨١]، وذلك إلى اليوم الذي قد كتب الله عليه فيه الهلاك والموت والفناء، لأنه لا شيء يبقى فلا يفنى، غير ربِّنا الحيِّ الذي لا يموت. يقول الله تعالى
(١) انظر تفسير ((الصغار)) فيما سلف ص: ٩٦.
(٢) في المطبوعة: ((وبنحو الذي قلنا قال السدي))، وأثبت ما في المخطوطة.
(٢) في المطبوعة: ((وبنحو الذي قلنا قال السدي))، وأثبت ما في المخطوطة.
330
ذكره: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)، [سورة آل عمران: ١٨٥ / سورة الأنبياء: ٣٥ / سورة العنكبوت: ٥٧].
* * *
و"الإنظار" في كلام العرب، التأخير. يقال منه:"أنظرته بحقي عليه أنظره به إنظارًا. (١)
* * *
فإن قال قائل: فإن الله قد قال له إذ سأله الإنظار إلى يوم يبعثون: (إنك من المنظرين) في هذا الموضع، فقد أجابه إلى ما سأل؟
قيل له: ليس الأمر كذلك، وإنما كان مجيبًا له إلى ما سأل لو كان قال له:"إنك من المنظرين إلى الوقت الذي سألت = أو: إلى يوم البعث = أو إلى يوم يبعثون"، أو ما أشبه ذلك، مما يدل على إجابته إلى ما سأل من النظرة. وأما قوله: (إنك من المنظرين)، فلا دليل فيه لولا الآية الأخرى التي قد بيَّن فيها مدة إنظاره إياه إليها، وذلك قوله: (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ)، [سورة الحجر: ٣٧، ٣٨ / سورة ص: ٨٠، ٨١]، كم المدة التي أنظره إليها، (٢) لأنه إذا أنظره يومًا واحدًا أو أقل منه أو أكثر، فقد دخل في عداد المنظرين، وتمَّ فيه وعد الله الصادق، ولكنه قد بيَّن قدر مدة ذلك بالذي ذكرناه، فعلم بذلك الوقت الذي أُنظِر إليه.
* * *
وبنحو ذلك كان السدي يقول.
١٤٣٦٠- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ. إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) [سورة الحجر: ٣٦-٣٨ / سورة ص: ٨٠، ٨١]، فلم ينظره إلى يوم البعث، ولكن أنظره إلى يوم الوقت المعلوم، وهو يوم ينفخ
* * *
و"الإنظار" في كلام العرب، التأخير. يقال منه:"أنظرته بحقي عليه أنظره به إنظارًا. (١)
* * *
فإن قال قائل: فإن الله قد قال له إذ سأله الإنظار إلى يوم يبعثون: (إنك من المنظرين) في هذا الموضع، فقد أجابه إلى ما سأل؟
قيل له: ليس الأمر كذلك، وإنما كان مجيبًا له إلى ما سأل لو كان قال له:"إنك من المنظرين إلى الوقت الذي سألت = أو: إلى يوم البعث = أو إلى يوم يبعثون"، أو ما أشبه ذلك، مما يدل على إجابته إلى ما سأل من النظرة. وأما قوله: (إنك من المنظرين)، فلا دليل فيه لولا الآية الأخرى التي قد بيَّن فيها مدة إنظاره إياه إليها، وذلك قوله: (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ)، [سورة الحجر: ٣٧، ٣٨ / سورة ص: ٨٠، ٨١]، كم المدة التي أنظره إليها، (٢) لأنه إذا أنظره يومًا واحدًا أو أقل منه أو أكثر، فقد دخل في عداد المنظرين، وتمَّ فيه وعد الله الصادق، ولكنه قد بيَّن قدر مدة ذلك بالذي ذكرناه، فعلم بذلك الوقت الذي أُنظِر إليه.
* * *
وبنحو ذلك كان السدي يقول.
١٤٣٦٠- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ. إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) [سورة الحجر: ٣٦-٣٨ / سورة ص: ٨٠، ٨١]، فلم ينظره إلى يوم البعث، ولكن أنظره إلى يوم الوقت المعلوم، وهو يوم ينفخ
(١) انظر تفسير ((الإنظار)) فيما سلف ٢: ٤٦٧، ٤٦٨ /٣: ٢٦٤ / ٦: ٥٧٧ /١١: ٢٦٧.
(٢) في المطبوعة: ((على المدة))، وأثبت ما في المخطوطة.
(٢) في المطبوعة: ((على المدة))، وأثبت ما في المخطوطة.
331
في الصور النفخة الأولى، فصعق مَنْ في السموات ومَنْ في الأرض، فمات. (١)
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام: قال إبليس لربه:"أنظرني"، أي أخّرني وأجّلني، وأنسئْ في أجلي، ولا تمتني ="إلى يوم يبعثون"، يقول: إلى يوم يبعث الخلق. فقال تعالى ذكره: (إنك من المنظرين)، إلى يوم ينفخ في الصور، فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله.
* * *
فإن قال قائل: فهل أحَدٌ مُنْظرٌ إلى ذلك اليوم سوى إبليس، فيقال له:"إنك منهم"؟
قيل: نعم، مَنْ لم يقبض الله روحه من خلقه إلى ذلك اليوم، ممن تقوم عليه الساعة، فهم من المنظرين بآجالهم إليه. ولذلك قيل لإبليس: (إنك من المنظرين)، بمعنى: إنك ممن لا يميته الله إلا ذلك اليوم.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: قال إبليس لربه: (فبما أغويتني)، يقول: فبما أضللتني، كما:-
١٤٣٦١- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (فبما أغويتني)، يقول: أضللتني.
١٤٣٦٢- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام: قال إبليس لربه:"أنظرني"، أي أخّرني وأجّلني، وأنسئْ في أجلي، ولا تمتني ="إلى يوم يبعثون"، يقول: إلى يوم يبعث الخلق. فقال تعالى ذكره: (إنك من المنظرين)، إلى يوم ينفخ في الصور، فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله.
* * *
فإن قال قائل: فهل أحَدٌ مُنْظرٌ إلى ذلك اليوم سوى إبليس، فيقال له:"إنك منهم"؟
قيل: نعم، مَنْ لم يقبض الله روحه من خلقه إلى ذلك اليوم، ممن تقوم عليه الساعة، فهم من المنظرين بآجالهم إليه. ولذلك قيل لإبليس: (إنك من المنظرين)، بمعنى: إنك ممن لا يميته الله إلا ذلك اليوم.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: قال إبليس لربه: (فبما أغويتني)، يقول: فبما أضللتني، كما:-
١٤٣٦١- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (فبما أغويتني)، يقول: أضللتني.
١٤٣٦٢- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في
(١) الأثر: ١٤٣٦٠ - ((موسى بن هارون الهمداني))، مضى مرارًا، وكان في المخطوطة والمطبوعة: ((يونس بن هارون))، وهو خطأ محض، فهذا إسناد دائر في التفسير.
332
قوله: (فبما أغويتني)، قال: فبما أضللتني.
* * *
وكان بعضهم يتأول قوله: (فبما أغويتني)، بما أهلكتني، من قولهم:"غَوِيَ الفصيل يَغوَى غَوًى"، وذلك إذا فقد اللبن فمات، من قول الشاعر: (١)
* * *
وأصل الإغواء في كلام العرب: تزيين الرجل للرجل الشيء حتى يحسّنه عنده، غارًّا له. (٣)
وقد حكي عن بعض قبائل طيئ، أنها تقول:"أصبح فلان غاويًا"، أي: أصبح مريضًا. (٤)
* * *
وكان بعضهم يتأوّل ذلك أنه بمعنى القسم، كأن معناه عنده: فبإغوائك إياي، لأقعدن لهم صراطك المستقيم، كما يقال:"بالله لأفعلن كذا".
* * *
وكان بعضهم يتأول ذلك بمعنى المجازاة، كأن معناه عنده: فلأنك أغويتني = أو: فبأنك أغويتني = لأقعدن لهم صراطك المستقيم.
* * *
* * *
وكان بعضهم يتأول قوله: (فبما أغويتني)، بما أهلكتني، من قولهم:"غَوِيَ الفصيل يَغوَى غَوًى"، وذلك إذا فقد اللبن فمات، من قول الشاعر: (١)
مُعَطَّفَةُ الأَثْنَاءِ لَيْسَ فَصِيلُهَا | بِرَازِئِهَا دَرًّا وَلا مَيِّتٍ غَوَى (٢) |
وأصل الإغواء في كلام العرب: تزيين الرجل للرجل الشيء حتى يحسّنه عنده، غارًّا له. (٣)
وقد حكي عن بعض قبائل طيئ، أنها تقول:"أصبح فلان غاويًا"، أي: أصبح مريضًا. (٤)
* * *
وكان بعضهم يتأوّل ذلك أنه بمعنى القسم، كأن معناه عنده: فبإغوائك إياي، لأقعدن لهم صراطك المستقيم، كما يقال:"بالله لأفعلن كذا".
* * *
وكان بعضهم يتأول ذلك بمعنى المجازاة، كأن معناه عنده: فلأنك أغويتني = أو: فبأنك أغويتني = لأقعدن لهم صراطك المستقيم.
* * *
(١) هو ((مدرج الريح الجرمي))، واسمه ((عامر بن المجنون)) كما في الشعر والشعراء: ٧١٣، وفي الوحشيات رقم: ٣٨٠، والأغاني ٣: ١١٥، وجاء في المعاني الكبير: ١٠٤٧ ((عامر المجنون))، صوابه ما أثبت.
(٢) المعاني الكبير: ١٠٤٧، المخصص ٧: ٤١، ١٨٠، تهذيب إصلاح المنطق ٢: ٥٤، اللسان (غوى). يصف قوسًا. قال التبريزي في شرحه: ((أثناؤها))، أطرفها المتلئبة. و ((فصيلها))، السهم، و ((رزائها)) أي: أخذ منها شيئًا. يقول: ليس فصيل هذه القوس يشرب إذا فقد اللبن.
(٣) انظر تفسير ((الغي)) و ((الإغواء)) فيما سلف ٥: ٤١٦.
(٤) هذا النص ينبغي إثباته في كتب اللغة، فلم يذكر فيها فيما علمت.
(٢) المعاني الكبير: ١٠٤٧، المخصص ٧: ٤١، ١٨٠، تهذيب إصلاح المنطق ٢: ٥٤، اللسان (غوى). يصف قوسًا. قال التبريزي في شرحه: ((أثناؤها))، أطرفها المتلئبة. و ((فصيلها))، السهم، و ((رزائها)) أي: أخذ منها شيئًا. يقول: ليس فصيل هذه القوس يشرب إذا فقد اللبن.
(٣) انظر تفسير ((الغي)) و ((الإغواء)) فيما سلف ٥: ٤١٦.
(٤) هذا النص ينبغي إثباته في كتب اللغة، فلم يذكر فيها فيما علمت.
333
قال أبو جعفر: وفي هذا بيان واضح على فساد ما يقول القدرية، (١) من أن كل من كفر أو آمن فبتفويض الله أسبابَ ذلك إليه، (٢) وأن السبب الذي به يصل المؤمن إلى الإيمان، هو السبب الذي به يصل الكافر إلى الكفر. وذلك أنّ ذلك لو كان كما قالوا: لكان الخبيث قد قال بقوله: (فبما أغويتني)، "فبما أصلحتني"، إذ كان سبب"الإغواء" هو سبب"الإصلاح"، وكان في إخباره عن الإغواء إخبارٌ عن الإصلاح، ولكن لما كان سبباهما مختلفين، وكان السبب الذي به غوَى وهلك من عند الله. أضاف ذلك إليه فقال: (فبما أغويتني).
* * *
وكذلك قال محمد بن كعب القرظي، فيما:-
١٤٣٦٣- حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال، حدثنا زيد بن الحباب قال، حدثنا أبو مودود، سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: قاتل الله القدريّة، لإبليس أعلمُ بالله منهم!
* * *
وأما قوله: (لأقعدن لهم صراطك المستقيم)، فإنه يقول: لأجلسن لبني آدم"صراطك المستقيم"، يعني: طريقك القويم، وذلك دين الله الحق، وهو الإسلام وشرائعه. (٣) وإنما معنى الكلام: لأصدَّن بني آدم عن عبادتك وطاعتك، ولأغوينهم كما أغويتني، ولأضلنهم كما أضللتني.
وذلك كما روي عن سبرة بن أبي الفاكه:- (٤)
١٤٣٦٤- أنه سمع النبي ﷺ يقول: إن الشيطان قعد لابن آدم
* * *
وكذلك قال محمد بن كعب القرظي، فيما:-
١٤٣٦٣- حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال، حدثنا زيد بن الحباب قال، حدثنا أبو مودود، سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: قاتل الله القدريّة، لإبليس أعلمُ بالله منهم!
* * *
وأما قوله: (لأقعدن لهم صراطك المستقيم)، فإنه يقول: لأجلسن لبني آدم"صراطك المستقيم"، يعني: طريقك القويم، وذلك دين الله الحق، وهو الإسلام وشرائعه. (٣) وإنما معنى الكلام: لأصدَّن بني آدم عن عبادتك وطاعتك، ولأغوينهم كما أغويتني، ولأضلنهم كما أضللتني.
وذلك كما روي عن سبرة بن أبي الفاكه:- (٤)
١٤٣٦٤- أنه سمع النبي ﷺ يقول: إن الشيطان قعد لابن آدم
(١) ((القدرية)) هم نفاة القدر الكافرون به، وأما المؤمنون بالقدر، وهم أهل الحق، فيقال لهم ((أهل الإثبات))، وانظر فهارس المصطلحات والفرق فيما سلف.
(٢) ((التفويض))، رد الأسباب إليه، وانظر بيان ذلك فيما سلف ١: ١٦٢، تعليق: ٣ /١١: ٣٤٠، /١٢: ٩٢، وهو مقالة المعتزلة وأشباههم.
(٣) انظر تفسير ((الصراط المستقيم))، فيما سلف ص: ٢٨٢، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٤) في المطبوعة: ((سبرة بن الفاكه))، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب. انظر التعليق التالي ص ٣٣٥، تعليق: ٢:
(٢) ((التفويض))، رد الأسباب إليه، وانظر بيان ذلك فيما سلف ١: ١٦٢، تعليق: ٣ /١١: ٣٤٠، /١٢: ٩٢، وهو مقالة المعتزلة وأشباههم.
(٣) انظر تفسير ((الصراط المستقيم))، فيما سلف ص: ٢٨٢، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٤) في المطبوعة: ((سبرة بن الفاكه))، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب. انظر التعليق التالي ص ٣٣٥، تعليق: ٢:
334
بأطْرِقَةٍ، (١) فقعد له بطريق الإسلام فقال: أتسلم وتذرُ دينك ودين آبائك؟ فعصاه فأسلم. ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: أتهاجر وتذر أرضك وسماءك، وإنما مثل المهاجر كالفرس في الطِّوَل؟ (٢) فعصاه وهاجر. ثم قعد له بطريق الجهاد، وهو جَهْدُ النفس والمال، فقال: أتقاتل فتقتل، فتنكح المرأة، ويقسم المال؟ قال: فعصاه فجاهد. (٣)
* * *
وروي عن عون بن عبد الله في ذلك ما:-
١٤٣٦٥- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حَبّويه أبو يزيد، عن عبد الله بن بكير، عن محمد بن سوقة، عن عون بن عبد الله: (لأقعدن لهم صراطك المستقيم)، قال: طريق مكة. (٤)
* * *
* * *
وروي عن عون بن عبد الله في ذلك ما:-
١٤٣٦٥- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حَبّويه أبو يزيد، عن عبد الله بن بكير، عن محمد بن سوقة، عن عون بن عبد الله: (لأقعدن لهم صراطك المستقيم)، قال: طريق مكة. (٤)
* * *
(١) ((أطرقة)) جمع ((طريق))، مثل ((رغيف)) و ((أرغفة))، وهو جمعه مع تذكير ((طريق))، ويجمع أيضًا على ((أطرق)) (بضم الراء)، وهو جمع ((طريق)) إذا أنثتها، نحو ((يمين))، و ((أيمن)). وبهذه الأخيرة ضبط في أكثر الكتب.
(٢) ((الطول)) (بكسر الطاء وفتح الواو) : وهو الحبل الطويل، يشد أحد طرفيه في وتد أو في غيره، والآخر في يد الفرس، فيدور فيه ويرعى، ولا يذهب لوجهه. ويعني بذلك: أن الهجرة تحبسه عن التصرف والضرب في الأرض، والعودة إلى أرضه وسمائه، والهجرة أمرها شديد كما تعلم.
(٣) الأثر: ١٤٣٦٤ - هذا خبر رواه الأئمة، ذكره أبو جعفر بغير إسناده. و ((سبرة بن أبي الفاكهة))، و ((سبرة بن أبي الفاكهة))، صحابي نزل الكوفة. مترجم في التهذيب، وأسد الغابة ٢: ٢٦٠، والإصابة، في اسمه والكبير للبخاري ٢ /٢ / ١٨٨، وابن أبي حاتم ٢ /١ / ٢٩٥.
وهذا الخبر، رواه أحمد في مسنده مطولا ٣: ٤٨٣، والنسائي ٦: ٢١، ٢٢، والبخاري في التاريخ ٢ /٢ / ١٨٨، ١٨٩، وابن الأثير في أسد الغابة ٢: ٢٦٠، قال الحافظ ابن حجر في الإصابة في ترجمته: ((له حديث عند النسائي، بإسناد حسن، إلا أن في إسناده اختلافًا))، ثم قال: ((وصححه ابن حبان)).
(٤) الأثر: ١٤٣٦٥ - ((حبويه أبو يزيد)) هكذا في المخطوطة، ولكنه غير منقوط، وكان في المطبوعة: ((حيوة أبو يزيد))، تغير بلا دليل.
و ((حبويه))، أبو يزيد، هو: ((إسحاق بن إسماعيل الرازي))، روى عن نافع بن عمر الجمحي، وعمرو بن أبي قيس، ونعيم بن ميسرة. روى عنه محمد بن سعيد الأصفهاني، وعثمان وأبو بكر ابنا شيبة، وإبراهيم بن موسى. قال يحيى بن معين: ((أرجو أن يكون صدوقًا)). مترجم في الجرح والتعديل ١ /١ / ٢١٢، وعبد الغني بن سعيد في المؤتلف والمختلف: ٤٣، ((حبويه)) بالباء المشددة بعد الحاء.
وسيأتي أيضًا في الإسناد رقم: ١٤٥٥٠.
و ((عبد الله بن بكير الغنوي الكوفي))، روى عن ((محمد بن سوقة))، وهو ليس بقوي، وإن كان من أهل الصدق، وذكر له ابن عدي مناكير. مترجم في لسان الميزان، وابن أبي حاتم ٢ /٢ / ١٦، وميزان الاعتدال ٢: ٢٦.
(٢) ((الطول)) (بكسر الطاء وفتح الواو) : وهو الحبل الطويل، يشد أحد طرفيه في وتد أو في غيره، والآخر في يد الفرس، فيدور فيه ويرعى، ولا يذهب لوجهه. ويعني بذلك: أن الهجرة تحبسه عن التصرف والضرب في الأرض، والعودة إلى أرضه وسمائه، والهجرة أمرها شديد كما تعلم.
(٣) الأثر: ١٤٣٦٤ - هذا خبر رواه الأئمة، ذكره أبو جعفر بغير إسناده. و ((سبرة بن أبي الفاكهة))، و ((سبرة بن أبي الفاكهة))، صحابي نزل الكوفة. مترجم في التهذيب، وأسد الغابة ٢: ٢٦٠، والإصابة، في اسمه والكبير للبخاري ٢ /٢ / ١٨٨، وابن أبي حاتم ٢ /١ / ٢٩٥.
وهذا الخبر، رواه أحمد في مسنده مطولا ٣: ٤٨٣، والنسائي ٦: ٢١، ٢٢، والبخاري في التاريخ ٢ /٢ / ١٨٨، ١٨٩، وابن الأثير في أسد الغابة ٢: ٢٦٠، قال الحافظ ابن حجر في الإصابة في ترجمته: ((له حديث عند النسائي، بإسناد حسن، إلا أن في إسناده اختلافًا))، ثم قال: ((وصححه ابن حبان)).
(٤) الأثر: ١٤٣٦٥ - ((حبويه أبو يزيد)) هكذا في المخطوطة، ولكنه غير منقوط، وكان في المطبوعة: ((حيوة أبو يزيد))، تغير بلا دليل.
و ((حبويه))، أبو يزيد، هو: ((إسحاق بن إسماعيل الرازي))، روى عن نافع بن عمر الجمحي، وعمرو بن أبي قيس، ونعيم بن ميسرة. روى عنه محمد بن سعيد الأصفهاني، وعثمان وأبو بكر ابنا شيبة، وإبراهيم بن موسى. قال يحيى بن معين: ((أرجو أن يكون صدوقًا)). مترجم في الجرح والتعديل ١ /١ / ٢١٢، وعبد الغني بن سعيد في المؤتلف والمختلف: ٤٣، ((حبويه)) بالباء المشددة بعد الحاء.
وسيأتي أيضًا في الإسناد رقم: ١٤٥٥٠.
و ((عبد الله بن بكير الغنوي الكوفي))، روى عن ((محمد بن سوقة))، وهو ليس بقوي، وإن كان من أهل الصدق، وذكر له ابن عدي مناكير. مترجم في لسان الميزان، وابن أبي حاتم ٢ /٢ / ١٦، وميزان الاعتدال ٢: ٢٦.
335
والذي قاله عون، وإن كان من صراط الله المستقيم، فليس هو الصراط كله. وإنما أخبر عدوّ الله أنه يقعد لهم صراط الله المستقيم، ولم يخصص منه شيئًا دون شيء. فالذي روي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أشبهُ بظاهر التنزيل، وأولى بالتأويل، لأن الخبيث لا يألو عباد الله الصدَّ عن كل ما كان لهم قربة إلى الله.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل في معنى"المستقيم"، في هذا الموضع.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٣٦٦- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (صراطك المستقيم)، قال: الحق.
١٤٣٦٧- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٤٣٦٨- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، سمعت مجاهدًا يقول: (لأقعدنَّ لهم صراطك المستقيم)، قال: سبيل الحق، فلأضلنَّهم إلا قليلا.
* * *
قال أبو جعفر: واختلف أهل العربية في ذلك.
فقال بعض نحويي البصرة: معناه: لأقعدن لهم على صراطك المستقيم، كما
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل في معنى"المستقيم"، في هذا الموضع.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٣٦٦- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (صراطك المستقيم)، قال: الحق.
١٤٣٦٧- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٤٣٦٨- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، سمعت مجاهدًا يقول: (لأقعدنَّ لهم صراطك المستقيم)، قال: سبيل الحق، فلأضلنَّهم إلا قليلا.
* * *
قال أبو جعفر: واختلف أهل العربية في ذلك.
فقال بعض نحويي البصرة: معناه: لأقعدن لهم على صراطك المستقيم، كما
336
يقال:"توجَّه مكة"، أي إلى مكة، وكما قال الشاعر: (١)
بمعنى: لأظفر بطائر، فألقى"الباء"، وكما قال: (أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ)، [سورة الأعراف: ١٥٠]، بمعنى: أعجلتم عن أمر ربكم.
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة، المعنى، والله أعلم: لأقعدن لهم على طريقهم، وفي طريقهم. قال: وإلقاء الصفة من هذا جائز، (٣) كما تقول:"قعدت لك وجهَ الطريق" و"على وجه الطريق"، لأن الطريق صفة في المعنى، (٤) فاحتمل ما يحتمله"اليوم" و"الليلة" و"العام"، (٥) إذا قيل:"آتيك غدًا"، و"آتيك في غد".
* * *
قال أبو جعفر: وهذا القول هو أولى القولين في ذلك عندي بالصواب، لأن "القعود" مقتضٍ مكانًا يقعد فيه، فكما يقال:"قعدت في مكانك"، يقال:"قعدت على صراطك"، و"في صراطك"، كما قال الشاعر: (٦)
كَأَنِّي إذْ أَسْعَى لأظْفَرَ طَائِرًا | مَعَ النَّجْمِ مِنْ جَوِّ السَّمَاءِ يَصُوبُ (٢) |
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة، المعنى، والله أعلم: لأقعدن لهم على طريقهم، وفي طريقهم. قال: وإلقاء الصفة من هذا جائز، (٣) كما تقول:"قعدت لك وجهَ الطريق" و"على وجه الطريق"، لأن الطريق صفة في المعنى، (٤) فاحتمل ما يحتمله"اليوم" و"الليلة" و"العام"، (٥) إذا قيل:"آتيك غدًا"، و"آتيك في غد".
* * *
قال أبو جعفر: وهذا القول هو أولى القولين في ذلك عندي بالصواب، لأن "القعود" مقتضٍ مكانًا يقعد فيه، فكما يقال:"قعدت في مكانك"، يقال:"قعدت على صراطك"، و"في صراطك"، كما قال الشاعر: (٦)
لَدْنٌ بِهَزِّ الْكَفِّ يَعْسِلُ مَتْنُهُ | فِيهِ، كَمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ (٧) |
(١) لم أعرف قائله.
(٢) لم أجد البيت في غير هذا المكان.
(٣) ((الصفة)) هنا حرف الجر، انظر فهارس المصطلحات فيما سلف، ستأتي بعد قليل بمعنى ((الظرف)). انظر التعليق التالي.
(٤) ((الصفة)) هنا، هي ((الظرف))، وكذلك يسميه الكوفيون.
(٥) في المطبوعة: ((يحتمل ما يحتمله))، وفي المخطوطة سقط، كتب: ((في المعنى ما يحتمله)) ولكني أثبت ما في معاني القرآن للفراء ١: ٣٧٥، فهذا نص كلامه.
(٦) هو ساعدة بن جؤية الهذلي.
(٧) ديوان الهذليين ١: ١٩٠، سيبويه ١: ١٦، ١٠٩، الخزانة ١: ٤٧٤، وغيرها كثير من قصيدة طويلة، وصف في آخرها رمحه، وهذا البيت في صفة رمح من الرماح الخطية. ورواية الديوان ((لذا))، أي تلذ الكف بهزه. و ((يعسل))، أي يضطرب. وقوله. ((فيه)) : أي في الهز. وقوله: ((عسل الطريق الثعلب))، أي: عسل في الطريق الثعلب واضطربت مشيته. شبه اهتزاز الرمح في يد الذي يهزه ليضرب به، باهتزاز الثعلب في عدوه في الطريق.
(٢) لم أجد البيت في غير هذا المكان.
(٣) ((الصفة)) هنا حرف الجر، انظر فهارس المصطلحات فيما سلف، ستأتي بعد قليل بمعنى ((الظرف)). انظر التعليق التالي.
(٤) ((الصفة)) هنا، هي ((الظرف))، وكذلك يسميه الكوفيون.
(٥) في المطبوعة: ((يحتمل ما يحتمله))، وفي المخطوطة سقط، كتب: ((في المعنى ما يحتمله)) ولكني أثبت ما في معاني القرآن للفراء ١: ٣٧٥، فهذا نص كلامه.
(٦) هو ساعدة بن جؤية الهذلي.
(٧) ديوان الهذليين ١: ١٩٠، سيبويه ١: ١٦، ١٠٩، الخزانة ١: ٤٧٤، وغيرها كثير من قصيدة طويلة، وصف في آخرها رمحه، وهذا البيت في صفة رمح من الرماح الخطية. ورواية الديوان ((لذا))، أي تلذ الكف بهزه. و ((يعسل))، أي يضطرب. وقوله. ((فيه)) : أي في الهز. وقوله: ((عسل الطريق الثعلب))، أي: عسل في الطريق الثعلب واضطربت مشيته. شبه اهتزاز الرمح في يد الذي يهزه ليضرب به، باهتزاز الثعلب في عدوه في الطريق.
337
فلا تكاد العرب تقول ذلك في أسماء البلدان، لا يكادون يقولون:"جلست مكة"، و"قمت بغداد".
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (١٧) ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معنى قوله: (لآتينهم من بين أيديهم)، من قبل الآخرة = (ومن خلفهم)، من قبل الدنيا = (وعن أيمانهم)، من قِبَل الحق = (وعن شمائلهم)، من قبل الباطل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٣٦٩- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم)، يقول: أشككهم في آخرتهم = (ومن خلفهم)، أرغبهم في دنياهم = (وعن أيمانهم)، أشبِّه عليهم أمرَ دينهم = (وعن شمائلهم)، أشَهِّي لهم المعاصي.
* * *
وقد روي عن ابن عباس بهذا الإسناد في تأويل ذلك خلاف هذا التأويل، وذلك ما:-
١٤٣٧٠- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم)،
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (١٧) ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معنى قوله: (لآتينهم من بين أيديهم)، من قبل الآخرة = (ومن خلفهم)، من قبل الدنيا = (وعن أيمانهم)، من قِبَل الحق = (وعن شمائلهم)، من قبل الباطل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٣٦٩- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم)، يقول: أشككهم في آخرتهم = (ومن خلفهم)، أرغبهم في دنياهم = (وعن أيمانهم)، أشبِّه عليهم أمرَ دينهم = (وعن شمائلهم)، أشَهِّي لهم المعاصي.
* * *
وقد روي عن ابن عباس بهذا الإسناد في تأويل ذلك خلاف هذا التأويل، وذلك ما:-
١٤٣٧٠- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم)،
338
يعني من الدنيا = (ومن خلفهم)، من الآخرة = (وعن أيمانهم)، من قبل حسناتهم = (وعن شمائلهم)، من قبل سيئاتهم.
* * *
وتحقق هذه الرواية، الأخرى التي:
١٤٣٧١- حدثني بها محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم)، قال: أما بين "أيديهم"، فمن قبلهم، وأما"من خلفهم"، فأمر آخرتهم، وأما"عن أيمانهم"، فمن قبل حسناتهم، وأما"عن شمائلهم"، فمن قبل سيئاتهم.
١٤٣٧٢- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم) الآية، أتاهم من بين أيديهم فأخبرهم أنه لا بعث ولا جنة ولا نار="ومن خلفهم"، من أمر الدنيا، فزيَّنها لهم ودعاهم إليها ="وعن أيمانهم"، من قبل حسناتهم بطَّأهم عنها ="وعن شمائلهم"، زين لهم السيئات والمعاصي، ودعاهم إليها، وأمرهم بها. أتاك يابن آدم من كل وجه، غير أنه لم يأتك من فوقك، لم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله!
* * *
وقال آخرون: بل معنى قوله: (من بين أيديهم)، من قبل دنياهم = (ومن خلفهم)، من قبل آخرتهم.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٣٧٣- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم في قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم)، قال: (من بين أيديهم)، من قبل دنياهم = (ومن خلفهم)، من قبل آخرتهم = (وعن أيمانهم) من قبل حسناتهم = (وعن شمائلهم)، من قبل سيئاتهم.
١٤٣٧٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور،
* * *
وتحقق هذه الرواية، الأخرى التي:
١٤٣٧١- حدثني بها محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم)، قال: أما بين "أيديهم"، فمن قبلهم، وأما"من خلفهم"، فأمر آخرتهم، وأما"عن أيمانهم"، فمن قبل حسناتهم، وأما"عن شمائلهم"، فمن قبل سيئاتهم.
١٤٣٧٢- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم) الآية، أتاهم من بين أيديهم فأخبرهم أنه لا بعث ولا جنة ولا نار="ومن خلفهم"، من أمر الدنيا، فزيَّنها لهم ودعاهم إليها ="وعن أيمانهم"، من قبل حسناتهم بطَّأهم عنها ="وعن شمائلهم"، زين لهم السيئات والمعاصي، ودعاهم إليها، وأمرهم بها. أتاك يابن آدم من كل وجه، غير أنه لم يأتك من فوقك، لم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله!
* * *
وقال آخرون: بل معنى قوله: (من بين أيديهم)، من قبل دنياهم = (ومن خلفهم)، من قبل آخرتهم.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٣٧٣- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم في قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم)، قال: (من بين أيديهم)، من قبل دنياهم = (ومن خلفهم)، من قبل آخرتهم = (وعن أيمانهم) من قبل حسناتهم = (وعن شمائلهم)، من قبل سيئاتهم.
١٤٣٧٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور،
339
عن الحكم: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم)، قال: (من بين أيديهم)، من دنياهم = (ومن خلفهم)، من آخرتهم = (وعن أيمانهم)، من حسناتهم = (وعن شمائلهم)، من قِبَل سيئاتهم.
١٤٣٧٥- حدثنا سفيان قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن الحكم: (ثم لآتينهم من بين أيديهم)، قال: من قبل الدنيا يزيِّنها لهم = (ومن خلفهم) من قبل الآخرة يبطّئهم عنها = (وعن أيمانهم)، من قبل الحق يصدّهم عنه = (وعن شمائلهم)، من قبل الباطل يرغّبهم فيه ويزينه لهم.
١٤٣٧٦- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم)، أما (من بين أيديهم)، فالدنيا، أدعوهم إليها وأرغبهم فيها = (ومن خلفهم)، فمن الآخرة أشككهم فيها وأباعدها عليهم (١) = (وعن أيمانهم)، يعني الحق فأشككهم فيه = (وعن شمائلهم)، يعني الباطل أخفّفه عليهم وأرغّبهم فيه.
١٤٣٧٧- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قوله: (من بين أيديهم)، من دنياهم، أرغّبهم فيها = (ومن خلفهم)، آخرتهم، أكفّرهم بها وأزهِّدهم فيها = (وعن أيمانهم)، حسناتهم أزهدهم فيها = (وعن شمائلهم)، مساوئ أعمالهم، أحسِّنها إليهم.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: من حيث يبصرون ومن حيث لا يبصرون.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٣٧٨- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قول الله: (من بين أيديهم وعن
١٤٣٧٥- حدثنا سفيان قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن الحكم: (ثم لآتينهم من بين أيديهم)، قال: من قبل الدنيا يزيِّنها لهم = (ومن خلفهم) من قبل الآخرة يبطّئهم عنها = (وعن أيمانهم)، من قبل الحق يصدّهم عنه = (وعن شمائلهم)، من قبل الباطل يرغّبهم فيه ويزينه لهم.
١٤٣٧٦- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم)، أما (من بين أيديهم)، فالدنيا، أدعوهم إليها وأرغبهم فيها = (ومن خلفهم)، فمن الآخرة أشككهم فيها وأباعدها عليهم (١) = (وعن أيمانهم)، يعني الحق فأشككهم فيه = (وعن شمائلهم)، يعني الباطل أخفّفه عليهم وأرغّبهم فيه.
١٤٣٧٧- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قوله: (من بين أيديهم)، من دنياهم، أرغّبهم فيها = (ومن خلفهم)، آخرتهم، أكفّرهم بها وأزهِّدهم فيها = (وعن أيمانهم)، حسناتهم أزهدهم فيها = (وعن شمائلهم)، مساوئ أعمالهم، أحسِّنها إليهم.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: من حيث يبصرون ومن حيث لا يبصرون.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٣٧٨- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قول الله: (من بين أيديهم وعن
(١) في المطبوعة: ((وأبعدها))، وأثبت ما في المخطوطة.
340
أيمانهم)، قال: حيث يبصرون = (ومن خلفهم) = (وعن شمائلهم)، حيث لا يبصرون.
١٤٣٧٩- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٤٣٨٠- حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير، عن منصور قال، تذاكرنا عند مجاهد قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم)، فقال مجاهد: هو كما قال، يأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم = زاد ابن حميد، قال:"يأتيهم من ثَمَّ".
١٤٣٨١- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، قال مجاهد، فذكر نحو حديث محمد بن عمرو، عن أبي عاصم.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قولُ من قال: معناه: ثم لآتينهم من جميع وجوه الحقّ والباطل، فأصدّهم عن الحق، وأحسِّن لهم الباطل. وذلك أن ذلك عَقِيب قوله: (لأقعدن لهم صراطك المستقيم)، فاخبر أنه يقعد لبني آدم على الطريق الذي أمرَهم الله أن يسلكوه، وهو ما وصفنا من دين الله دينِ الحق، فيأتيهم في ذلك من كل وجوهه، من الوجه الذي أمرهم الله به، فيصدّهم عنه، وذلك"من بين أيديهم وعن أيمانهم" = ومن الوجه الذي نهاهم الله عنه، فيزيّنه لهم ويدعوهم إليه، وذلك"من خلفهم وعن شمائلهم".
* * *
وقيل: ولم يقل:"من فوقهم"، لأن رحمة الله تنزل على عباده من فوقهم.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٣٨٢- حدثنا سعد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قال، حدثنا حفص بن عمر قال، حدثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم)، ولم يقل:
١٤٣٧٩- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٤٣٨٠- حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير، عن منصور قال، تذاكرنا عند مجاهد قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم)، فقال مجاهد: هو كما قال، يأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم = زاد ابن حميد، قال:"يأتيهم من ثَمَّ".
١٤٣٨١- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، قال مجاهد، فذكر نحو حديث محمد بن عمرو، عن أبي عاصم.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قولُ من قال: معناه: ثم لآتينهم من جميع وجوه الحقّ والباطل، فأصدّهم عن الحق، وأحسِّن لهم الباطل. وذلك أن ذلك عَقِيب قوله: (لأقعدن لهم صراطك المستقيم)، فاخبر أنه يقعد لبني آدم على الطريق الذي أمرَهم الله أن يسلكوه، وهو ما وصفنا من دين الله دينِ الحق، فيأتيهم في ذلك من كل وجوهه، من الوجه الذي أمرهم الله به، فيصدّهم عنه، وذلك"من بين أيديهم وعن أيمانهم" = ومن الوجه الذي نهاهم الله عنه، فيزيّنه لهم ويدعوهم إليه، وذلك"من خلفهم وعن شمائلهم".
* * *
وقيل: ولم يقل:"من فوقهم"، لأن رحمة الله تنزل على عباده من فوقهم.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٣٨٢- حدثنا سعد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قال، حدثنا حفص بن عمر قال، حدثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم)، ولم يقل:
341
"من فوقهم"، لأن الرحمة تنزل من فوقهم.
* * *
وأما قوله: (ولا تجد أكثرهم شاكرين). فإنه يقول: ولا تجد، ربِّ، أكثر بني آدم شاكرين لك نعمتَك التي أنعمت عليهم، كتكرمتك أباهم آدم بما أكرمته به، من إسجادك له ملائكتك، وتفضيلك إياه عليَّ = و"شكرهم إياه"، طاعتهم له بالإقرار بتوحيده، واتّباع أمره ونهيه.
* * *
وكان ابن عباس يقول في ذلك بما:-
١٤٣٨٣- حدثني به المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (ولا تجد أكثرهم شاكرين)، يقول: موحِّدين.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا﴾
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن إحلاله بالخبيث عدوِّ الله ما أحلّ به من نقمته ولعنته، وطرده إياه عن جنته، إذ عصاه وخالف أمره، وراجعه من الجواب بما لم يكن له مراجعته به. يقول: قال الله له عند ذلك: (اخرج منها)، أي من الجنة = (مذؤُومًا مدحورًا)، يقول: مَعِيبًا.
* * *
و"الذأم"، العيب. يقال منه:"ذأمَه يذأمه ذأمًا فهو مذؤوم"، ويتركون الهمز فيقولون: ذِمْته أذيمه ذيمًا وذامًا"، و"الذأم" و"الذيم"، أبلغ في العيب من"الذمّ"، وقد أنشد بعضهم هذا البيت: (١)
* * *
وأما قوله: (ولا تجد أكثرهم شاكرين). فإنه يقول: ولا تجد، ربِّ، أكثر بني آدم شاكرين لك نعمتَك التي أنعمت عليهم، كتكرمتك أباهم آدم بما أكرمته به، من إسجادك له ملائكتك، وتفضيلك إياه عليَّ = و"شكرهم إياه"، طاعتهم له بالإقرار بتوحيده، واتّباع أمره ونهيه.
* * *
وكان ابن عباس يقول في ذلك بما:-
١٤٣٨٣- حدثني به المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (ولا تجد أكثرهم شاكرين)، يقول: موحِّدين.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا﴾
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن إحلاله بالخبيث عدوِّ الله ما أحلّ به من نقمته ولعنته، وطرده إياه عن جنته، إذ عصاه وخالف أمره، وراجعه من الجواب بما لم يكن له مراجعته به. يقول: قال الله له عند ذلك: (اخرج منها)، أي من الجنة = (مذؤُومًا مدحورًا)، يقول: مَعِيبًا.
* * *
و"الذأم"، العيب. يقال منه:"ذأمَه يذأمه ذأمًا فهو مذؤوم"، ويتركون الهمز فيقولون: ذِمْته أذيمه ذيمًا وذامًا"، و"الذأم" و"الذيم"، أبلغ في العيب من"الذمّ"، وقد أنشد بعضهم هذا البيت: (١)
(١) هو الحارث بن خالد المخزومي.
342
صَحِبْتُكَ إذْ عَيْنِي عَلَيْهَا غِشَاوَةٌ | فَلَمَّا انْجَلَتْ قَطَّعْتُ نَفْسِي أَذِيمُهَا (١) |
* * *
وأما المدحور: فهو المُقْصَى، يقال:"دحره يدحَرُه دَحْرًا ودُحُورًا"، إذا أقصاه وأخرجه، ومنه قولهم:"ادحَرْ عنكَ الشيطان". (٢)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٣٨٤- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (اخرج منها مذؤومًا مدحورًا)، يقول: اخرج منها لعينًا منفيًّا.
١٤٣٨٥- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس:"مذؤومًا" ممقوتًا.
١٤٣٨٦- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبى قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (قال اخرج منها مذؤومًا)، يقول: صغيرًا منفيًّا.
١٤٣٨٧- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: (اخرج منها مذؤومًا مدحورًا)، أما"مذؤومًا"، فمنفيًّا، وأما"مدحورا"، فمطرودًا.
١٤٣٨٨- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (مذؤومًا)، قال: منفيًّا = (مدحورًا)، قال: مطرودًا.
١٤٣٨٩- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي
(١) مضى البيت وشرحه وتخريجه، وبغير هذه الرواية فيما سلف ١: ٢٦٥.
(٢) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٢١٢.
(٢) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٢١٢.
343
جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: (اخرج منها مذؤومًا)، قال: منفيًّا. = و"المدحور"، قال: المصغَّر.
١٤٣٩٠- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال: ، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة، عن يونس وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس: (اخرج منها مذؤومًا)، قال: منفيًّا.
١٤٣٩١- حدثني أبو عمرو القرقساني عثمان بن يحيى قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن التميمي، سأل ابن عباس: ما (اخرج منها مذؤومًا مدحورًا)، قال: مقيتًا. (١)
١٤٣٩٢- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (اخرج منها مذؤومًا مدحورًا)، فقال: ما نعرف"المذؤوم" و"المذموم" إلا واحدًا، ولكن تكون حروف منتقصة، وقد قال الشاعر لعامر: يا"عام"، ولحارث:"يا حار"، (٢) وإنما أنزل القرآن على كلام العرب.
* * *
١٤٣٩٠- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال: ، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة، عن يونس وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس: (اخرج منها مذؤومًا)، قال: منفيًّا.
١٤٣٩١- حدثني أبو عمرو القرقساني عثمان بن يحيى قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن التميمي، سأل ابن عباس: ما (اخرج منها مذؤومًا مدحورًا)، قال: مقيتًا. (١)
١٤٣٩٢- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (اخرج منها مذؤومًا مدحورًا)، فقال: ما نعرف"المذؤوم" و"المذموم" إلا واحدًا، ولكن تكون حروف منتقصة، وقد قال الشاعر لعامر: يا"عام"، ولحارث:"يا حار"، (٢) وإنما أنزل القرآن على كلام العرب.
* * *
(١) الأثر: ١٤٣٩١ - ((أبو عمرو القرقساني))، ((عثمان بن يحيى))، شيخ الطبري، لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من الكتب. ويزيد الأمر إشكالا أني وجدت أبا جعفر في تاريخه يذكر إسنادًا عن شيخ يقال له ((عثمان بن يحيى))، فيه نصه: ((حدثني عثمان بن يحيى، عن عثمان القرقساني، قال حدثنا سفيان بن عيينة))، فجعل بين ((عثمان بن يحيى)) و ((سفيان بن عيينة)) رجلا يقال له ((عثمان القرقساني)) ! والذي في التفسير يدل على أن الراوي عن سفيان بن عيينة هو ((عثمان بن يحيى)) نفسه. فظني أن في إسناد التاريخ خطأ، ولعل صوابه: ((حدثني عثمان بن يحيى بن عثمان القرقساني، قال حدثنا سفيان بن عيينة)). هذا ما وجدت، فعسى أن يجتمع عندي ما أتبين به صواب ذلك أو خطأه.
(٢) في المطبوعة: ((ولكن يكون منتقصة، وقال العرب لعامر... ))، وبين الكلام بياض. وفي المخطوطة: ((ولكن تكون ف منتقصة. وقد قال الشاعر... )) بياض بين الكلام، فغير ناشر المطبوعة ما في المخطوطة بلا أمانة. وفي المخطوطة فوق البياض ((كذا)) وفي الهامش حرف (ط) للدلالة على الخطأ. ودلتني لافاء بعد البياض أن صواب هذا الذي بيض له ناسخ المخطوطة هو ((حروف))، فاستقام الكلام.
ومثال الترخيم في ((عامر)) قول الحطيئة لعامر بن الطفيل: يَا عَامِ، قد كُنْتَ ذَا بَاعٍ وَمَكْرُمَةٍ... لَوْ أَنَّ مَسْعَاةَ مَنْ جَارَيْتَهُ أَمَمُ
ومثال الترخيم في ((الحارث)) قول زهير: يَا حارِ، لا أُرْمَيَنْ مِنْكُمْ بِدَاهِيَةٍ... لَم يَلْقَهَا سُوقَةٌ قَبْلِي وَلا مَلِكُ
(٢) في المطبوعة: ((ولكن يكون منتقصة، وقال العرب لعامر... ))، وبين الكلام بياض. وفي المخطوطة: ((ولكن تكون ف منتقصة. وقد قال الشاعر... )) بياض بين الكلام، فغير ناشر المطبوعة ما في المخطوطة بلا أمانة. وفي المخطوطة فوق البياض ((كذا)) وفي الهامش حرف (ط) للدلالة على الخطأ. ودلتني لافاء بعد البياض أن صواب هذا الذي بيض له ناسخ المخطوطة هو ((حروف))، فاستقام الكلام.
ومثال الترخيم في ((عامر)) قول الحطيئة لعامر بن الطفيل: يَا عَامِ، قد كُنْتَ ذَا بَاعٍ وَمَكْرُمَةٍ... لَوْ أَنَّ مَسْعَاةَ مَنْ جَارَيْتَهُ أَمَمُ
ومثال الترخيم في ((الحارث)) قول زهير: يَا حارِ، لا أُرْمَيَنْ مِنْكُمْ بِدَاهِيَةٍ... لَم يَلْقَهَا سُوقَةٌ قَبْلِي وَلا مَلِكُ
344
القول في تأويل قوله: ﴿لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (١٨) ﴾
قال أبو جعفر: وهذا قسم من الله جل ثناؤه. أقسم أن مَنْ اتبع من بني آدم عدوَّ الله إبليس وأطاعه وصَدَّق ظنه عليه، أن يملأ من جميعهم = يعني: من كفرة بني آدم تُبّاع إبليس، ومن إبليس وذريته = جهنم. فرحم الله امرأً كذّب ظن عدوِّ الله في نفسه، وخيَّب فيها أمله وأمنيته، ولم يمكّن من طمعَ طمعٍ فيها عدوَّه، (١) واستغشَّه ولم يستنصحه، فإن الله تعالى ذكره إنما نبّه بهذه الآيات عباده على قِدَم عداوة عدوِّه وعدوهم إبليس لهم، وسالف ما سلف من حسده لأبيهم، وبغيه عليه وعليهم، وعرّفهم مواقع نعمه عليهم قديمًا في أنفسهم ووالدهم ليدّبروا آياته، وليتذكر أولو الألباب، فينزجروا عن طاعة عدوه وعدوهم إلى طاعته ويُنيبوا إليها.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٩) ﴾
قال أبو جعفر: يقول الله تعالى ذكره: وقال الله لآدم: (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما). فأسكن جل ثناؤه آدم وزوجته الجنة
قال أبو جعفر: وهذا قسم من الله جل ثناؤه. أقسم أن مَنْ اتبع من بني آدم عدوَّ الله إبليس وأطاعه وصَدَّق ظنه عليه، أن يملأ من جميعهم = يعني: من كفرة بني آدم تُبّاع إبليس، ومن إبليس وذريته = جهنم. فرحم الله امرأً كذّب ظن عدوِّ الله في نفسه، وخيَّب فيها أمله وأمنيته، ولم يمكّن من طمعَ طمعٍ فيها عدوَّه، (١) واستغشَّه ولم يستنصحه، فإن الله تعالى ذكره إنما نبّه بهذه الآيات عباده على قِدَم عداوة عدوِّه وعدوهم إبليس لهم، وسالف ما سلف من حسده لأبيهم، وبغيه عليه وعليهم، وعرّفهم مواقع نعمه عليهم قديمًا في أنفسهم ووالدهم ليدّبروا آياته، وليتذكر أولو الألباب، فينزجروا عن طاعة عدوه وعدوهم إلى طاعته ويُنيبوا إليها.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٩) ﴾
قال أبو جعفر: يقول الله تعالى ذكره: وقال الله لآدم: (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما). فأسكن جل ثناؤه آدم وزوجته الجنة
(١) في المطبوعة: ((ولم يكن ممن طمع فيها عدوه))، غير ما في المخطوطة لأنه لم يفهمه، فأساء غاية الإساءة، وافسد الكلام.
345
بعد أن أهبط منها إبليس وأخرجه منها، وأباح لهما أن يأكلا من ثمارها من أيّ مكان شاءا منها، ونهاهما أن يقربا ثمر شجرة بعينها.
* * *
وقد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في ذلك، وما نرى من القول فيه صوابًا، في غير هذا الموضع، فكرهنا إعادته. (١)
* * *
= (فتكونا من الظالمين)، يقول: فتكونا ممن خالف أمر ربِّه، وفعل ما ليس له فعله.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (فوسوس لهما)، فوسوس إليهما، وتلك "الوسوسة" كانت قوله لهما: (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين)، وإقسامه لهما على ذلك.
* * *
وقيل:"وسوس لهما"، والمعنى ما ذكرت، كما قيل:"غَرِضت إليه"، بمعنى: اشتقْتُ إليه، وإنما تعني: غَرضت من هؤلاء إليه. (٢) فكذلك معنى ذلك.
* * *
وقد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في ذلك، وما نرى من القول فيه صوابًا، في غير هذا الموضع، فكرهنا إعادته. (١)
* * *
= (فتكونا من الظالمين)، يقول: فتكونا ممن خالف أمر ربِّه، وفعل ما ليس له فعله.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (فوسوس لهما)، فوسوس إليهما، وتلك "الوسوسة" كانت قوله لهما: (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين)، وإقسامه لهما على ذلك.
* * *
وقيل:"وسوس لهما"، والمعنى ما ذكرت، كما قيل:"غَرِضت إليه"، بمعنى: اشتقْتُ إليه، وإنما تعني: غَرضت من هؤلاء إليه. (٢) فكذلك معنى ذلك.
(١) انظر ما سلف ١: ٥١٢ - ٥٢٤.
(٢) في المطبوعة: ((كما قيل: عرضت له، بمعنى: استبنت إليه))، غير ما في المخطوطة تغييرًا تامًا، فأتانا بلغو مبتذل لا معنى له. وكان في المخطوطة: ((كما قيل: عرضت إليه بمعنى: اشتقت إليه))، هكذا، وصواب قراءتها ما أثبت.
وقوله: ((غرضت إليه)) بمعنى: اشتقت إليه، ((إنما تعني: غرضت من هؤلاء إليه))، هذا كأنه نص قول الأخفش في تفسير قول ابن هرمة:
قوله: ((تناصف وجهها))، أي محاسن وجهها التي ينصف بعضها بعضًا في الحسن. قال الأخفش: ((تفسيره: غرضت من هؤلاء إليه، لأن العرب توصل بهذه الحروف كلها الفعل)) ويريد الأخفش أنهم يقولون: ((غرض غرضًا))، إذا ضجر وقلق ومل، فلما أدخل مع الفعل ((إلى))، صار معناه: ضجر من هذا نزاعًا واشتياقًا إلى هذا.
وموضع الاستشهاد أن ((الوسوسة)) الصوت الخفي من حديث النفس، فنقل إبليس ما حاك في نفسه إليهما، فلذلك أدخل على ((الوسوسة)) ((اللام)) و ((إلى)). ولكن أبا جعفر أدمج الكلام ههنا إدماجًا.
(٢) في المطبوعة: ((كما قيل: عرضت له، بمعنى: استبنت إليه))، غير ما في المخطوطة تغييرًا تامًا، فأتانا بلغو مبتذل لا معنى له. وكان في المخطوطة: ((كما قيل: عرضت إليه بمعنى: اشتقت إليه))، هكذا، وصواب قراءتها ما أثبت.
وقوله: ((غرضت إليه)) بمعنى: اشتقت إليه، ((إنما تعني: غرضت من هؤلاء إليه))، هذا كأنه نص قول الأخفش في تفسير قول ابن هرمة:
مَنْ ذَا رَسُولٌ ناصِحٌ فَمُبَلِّغٌ | عَنِّي عُلَيَّةَ غَيْرَ قَوْلِ الكاذِبِ ؟ |
أَنِّي غَرِضْتُ إلَى تَنَاصُفِ وَجْهِهَا | غَرَضَ المُحِبِّ إلى الحَبِيبِ الغائِبِ |
وموضع الاستشهاد أن ((الوسوسة)) الصوت الخفي من حديث النفس، فنقل إبليس ما حاك في نفسه إليهما، فلذلك أدخل على ((الوسوسة)) ((اللام)) و ((إلى)). ولكن أبا جعفر أدمج الكلام ههنا إدماجًا.
346
فوسوس من نفسه إليهما الشيطان بالكذب من القيل، ليبدي لهما ما وُوري عنهما من سوءاتهما، كما قال رؤبة:
* وَسْوَسَ يَدْعُو مُخْلِصًا رَبَّ الفَلَقْ * (١)
* * *
ومعنى الكلام: فجذب إبليس إلى آدم حوّاء، وألقى إليهما: ما نهاكما ربكما عن أكل ثمر هذه الشجرة، إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين = ليبدي لهما ما واراه الله عنهما من عوراتهما فغطاه بستره الذي ستره عليهما.
* * *
وكان وهب بن منبه يقول في الستر الذي كان الله سترهما به، ما:-
١٤٣٩٣- حدثني به حوثرة بن محمد المنقري قال، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن ابن منبه، في قوله: (فبدت لهما سوءاتهما)، قال: كان عليهما نور، لا ترى سوءاتهما. (٢)
* * *
* وَسْوَسَ يَدْعُو مُخْلِصًا رَبَّ الفَلَقْ * (١)
* * *
ومعنى الكلام: فجذب إبليس إلى آدم حوّاء، وألقى إليهما: ما نهاكما ربكما عن أكل ثمر هذه الشجرة، إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين = ليبدي لهما ما واراه الله عنهما من عوراتهما فغطاه بستره الذي ستره عليهما.
* * *
وكان وهب بن منبه يقول في الستر الذي كان الله سترهما به، ما:-
١٤٣٩٣- حدثني به حوثرة بن محمد المنقري قال، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن ابن منبه، في قوله: (فبدت لهما سوءاتهما)، قال: كان عليهما نور، لا ترى سوءاتهما. (٢)
* * *
(١) ديوانه: ١٠٨، اللسان (وسس)، وهذا بيت من أرجوزته التي مضت منها أبيات كثيرة. وهذا البيت من أبيات في صفة الصائد المختفي، يترقب حمر الوحش، ليصيب منها. يقول لما أحس بالصيد وأراد رميه، وسوس نفسه بالدعاء حذر بالدعاء حذر الخيبة ورجاء الإصابة.
(٢) الأثر: ١٤٣٩٣ - ((حوثرة بن محمد بن قديد المنقري))، أبو الأزهر الوراق روى عنه ابن ماجه، وابن خزيمة، وابن صاعد، وغيرهم. ذكره ابن حبان في الثقات. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ١ /٢ / ٢٨٣.
(٢) الأثر: ١٤٣٩٣ - ((حوثرة بن محمد بن قديد المنقري))، أبو الأزهر الوراق روى عنه ابن ماجه، وابن خزيمة، وابن صاعد، وغيرهم. ذكره ابن حبان في الثقات. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ١ /٢ / ٢٨٣.
347
القول في تأويل قوله: ﴿وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (٢٠) ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وقال الشيطان لآدم وزوجته حواء: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة أن تأكلا ثمرَها، إلا لئلا تكونا ملكين.
* * *
= وأسقطت"لا" من الكلام، لدلالة ما ظهر عليها، كما أسقطت من قوله: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا)، [سورة النساء: ١٧٦]. والمعنى: يبين الله لكم أن لا تضلوا.
* * *
وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يزعم أن معنى الكلام: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا كراهة أن تكونا ملكين، كما يقال:"إياك أن تفعل" كراهيةَ أن تفعل.
* * *
="أو تكونا من الخالدين"، في الجنة، الماكثين فيها أبدًا، فلا تموتا. (١)
* * *
والقراءة على فتح"اللام"، بمعنى: ملكين من الملائكة.
* * *
وروي عن ابن عباس، ما:-
١٤٣٩٤- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي حماد قال، حدثنا عيسى الأعمى، عن السدّي قال: كان ابن عباس يقرأ:"إلا أَنْ تَكُونَا مَلِكَيْنِ"، بكسر "اللام".
* * *
وعن يحيى بن أبي كثير، ما:-
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وقال الشيطان لآدم وزوجته حواء: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة أن تأكلا ثمرَها، إلا لئلا تكونا ملكين.
* * *
= وأسقطت"لا" من الكلام، لدلالة ما ظهر عليها، كما أسقطت من قوله: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا)، [سورة النساء: ١٧٦]. والمعنى: يبين الله لكم أن لا تضلوا.
* * *
وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يزعم أن معنى الكلام: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا كراهة أن تكونا ملكين، كما يقال:"إياك أن تفعل" كراهيةَ أن تفعل.
* * *
="أو تكونا من الخالدين"، في الجنة، الماكثين فيها أبدًا، فلا تموتا. (١)
* * *
والقراءة على فتح"اللام"، بمعنى: ملكين من الملائكة.
* * *
وروي عن ابن عباس، ما:-
١٤٣٩٤- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي حماد قال، حدثنا عيسى الأعمى، عن السدّي قال: كان ابن عباس يقرأ:"إلا أَنْ تَكُونَا مَلِكَيْنِ"، بكسر "اللام".
* * *
وعن يحيى بن أبي كثير، ما:-
(١) انظر تفسير ((الخلود)) فيما سلف من فهارس اللغة (خلد).
348
١٤٣٩٥- حدثني أحمد بن يوسف قال، حدثني القاسم بن سلام قال، حدثنا حجاج، عن هارون قال، حدثنا يعلى بن حكيم، عن يحيى بن أبي كثير أنه قرأها:"مَلِكَيْنِ"، بكسر"اللام".
* * *
وكأنَّ ابن عباس ويحيى وجَّها تأويل الكلام إلى أن الشيطان قال لهما: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين من الملوك = وأنهما تأوّلا في ذلك قول الله في موضع آخر: (قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى)، [سورة طه: ١٢٠].
* * *
قال أبو جعفر: والقراءة التي لا أستجيز القراءة في ذلك بغيرها، القراءةُ التي عليها قرأة الأمصار وهي، فتح"اللام" من: "مَلَكَيْنِ"، بمعنى: ملكين، من الملائكة، لما قد تقدم من بياننا في أن كل ما كان مستفيضًا في قرأة الإسلام من القراءة، فهو الصواب الذي لا يجوزُ خلافه.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (٢١) ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (وقاسمهما)، وحلف لهما، كما قال في موضع آخر: (تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ)، [سورة النمل: ٤٩]، بمعنى تحالفوا بالله، وكما قال خالد بن زهير [ابن] عمّ أبي ذويب: (١)
* * *
وكأنَّ ابن عباس ويحيى وجَّها تأويل الكلام إلى أن الشيطان قال لهما: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين من الملوك = وأنهما تأوّلا في ذلك قول الله في موضع آخر: (قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى)، [سورة طه: ١٢٠].
* * *
قال أبو جعفر: والقراءة التي لا أستجيز القراءة في ذلك بغيرها، القراءةُ التي عليها قرأة الأمصار وهي، فتح"اللام" من: "مَلَكَيْنِ"، بمعنى: ملكين، من الملائكة، لما قد تقدم من بياننا في أن كل ما كان مستفيضًا في قرأة الإسلام من القراءة، فهو الصواب الذي لا يجوزُ خلافه.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (٢١) ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (وقاسمهما)، وحلف لهما، كما قال في موضع آخر: (تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ)، [سورة النمل: ٤٩]، بمعنى تحالفوا بالله، وكما قال خالد بن زهير [ابن] عمّ أبي ذويب: (١)
(١) جاء في المطبوعة والمخطوطة ((خالد بن زهير عم أبي ذؤيب))، ولم أجد هذا القول لأحد، بل الذي قالوه أن ((خالد بن زهير الهذلي))، هو ابن أخت أبي ذؤيب، أو ابن أخيه، أو: ابن عم أبي ذؤيب. فالظاهر أن صواب الجملة هو ما أثبت. انظر خزانة الأدب ٢: ٣٢٠، ٣٢١ /٣: ٥٩٧، ٥٩٨، ٦٤٧، ٦٤٨.
349
وَقَاسَمَهَا بِاللهِ جَهْدًا لأَنْتُمُ | ألَذُّ مِنَ السَّلْوَى إِذَا مَا نَشُورُهَا (١) |
رَضِيعَيْ لِبَانٍ، ثَدْيَ أُمٍّ تَقَاسَمَا | بِأَسْحَمَ دَاجٍ عَوْضُ لا نَتَفَرَّقُ (٢) |
* * *
(١) ديوان الهذلين ١: ١٥٨، من قصائده التي تقارضها هو وأبو ذؤيب في المرأة التي كانت ضصديقة عبد عمرو بن مالك، فكان أبو ذؤيب رسوله إليها، فلما كبر عبد عمرو احتال لها أبو ذؤيب فأخذها منه وخادنها. وغاضبها أبو ذؤيب، فكان رسوله إلى هذه المرأة ابن عمه خالد بن زهير، ففعل به ما فعل هو بعبد عمرو بن مالك، أخذ منه المرأة فخادنه، فغاضبه أبو ذؤيب وغاضبها، وقال لها حين جاءت تعتذر إليه:
و ((السلوى))، العسل. ((شار العسل يشوره))، أخذ من موضعه في الخلية.
(٢) ديوانه: ١٥٠، اللسان (عوض) (سحم) من قصيدة مضت منها أبيات كثيرة. وقد ذكرت هذا البيت في شرح بيت سالف ١٠: ٤٥١، تعليق: ١ = و ((الأسحم))، الضارب إلى السواد، و ((عوض)) لما يستقبل من الزمان بمعنى: ((أبدًا)). واختلفوا في معنى ((بأسحم داج))، وإقسامه به. فقالوا: أراد الليل. وقالوا: أراد سواد حلمة سدي أمه. وقيل أراد الرحم وظلمته. قيل: أراد الدم، لسواده، تغمس فيه اليد عند التحالف.
تُرِيدينَ كَيْمَا تَجْمَعِينِي وَخَالِدًا! | وَهَلْ يُجْمَعُ السَّيْفَان وَيْحَكِ فِي غِمْدِ! |
أَخَالِدُ، مَا رَاعَيْتَ من ذِي قَرَابَةٍ | فَتَحْفَظَنِي بِالْغَيْبِ، أوْ بَعْضَ مَا تُبْدِي |
دَعَاكَ إلَيْهَا مُقْلَتَاها وَجِيدُهَا | فَمِلْتَ كَمَا مَالَ المُحِبُّ عَلَى عَمْدِ |
رَعَي خَالِدٌ سِرِّي، لَيَالِيَ نَفْسُهُ | تَوَالَى على قَصْدِ السَّبِيلِ أُمُورُهَا |
فَلَمَّا تَرَامَاهُ الشَّبَابُ وَغَيُّهُ، | وَفي النَّفْسِ مِنْهُ فِتْنَةٌ وَفُجُورُهَا |
لَوَى رَأْسَهُ عَنِّي، ومَالَ بِوُدِّه | أَغَانِيجُ خَوْدٍ كَانَ قِدْمًا يَزُورُهَا |
فَلا تَجْزَعَنْ مِنْ سُنَّةٍ أَنْتَ سِرْتَها | وَأَوَّلُ رَاضٍ سُنَّةً مَنْ يَسِيرُهَا |
فَإنَّ الَّتِي فِينَا زَعَمْتَ، ومِثْلُهَا | لَفِيكَ، وَلَكِنِّي أَرَاكَ تَجُورُهَا |
تَنَقَّذْتَهَا مِنْ عَبْدِ عَمْرو بن مَالِكٍ | وأَنْتَ صَفِيُّ النَّفْسِ مِنْهُ وَخِيرُها |
يُطِيلُ ثَوَاءً عِنْدَها لِيَرُدَّهَا | وَهَيْهَاتَ مِنْهُ دُورُهَا وقُصُورها |
(٢) ديوانه: ١٥٠، اللسان (عوض) (سحم) من قصيدة مضت منها أبيات كثيرة. وقد ذكرت هذا البيت في شرح بيت سالف ١٠: ٤٥١، تعليق: ١ = و ((الأسحم))، الضارب إلى السواد، و ((عوض)) لما يستقبل من الزمان بمعنى: ((أبدًا)). واختلفوا في معنى ((بأسحم داج))، وإقسامه به. فقالوا: أراد الليل. وقالوا: أراد سواد حلمة سدي أمه. وقيل أراد الرحم وظلمته. قيل: أراد الدم، لسواده، تغمس فيه اليد عند التحالف.
350
وقوله: (إني لكما لمن الناصحين) أي: لممن ينصح لكما في مشورته لكما، وأمره إياكما بأكل ثمر الشجرة التي نهيتما عن أكل ثمرها، وفي خبري إياكما بما أخبركما به، من أنكما إن أكلتماه كنتما ملكين أو كنتما من الخالدين، كما:-
١٤٣٩٦- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين)، فحلف لهما بالله حتى خدعهما، وقد يُخْدع المؤمن بالله، فقال: إني خلقت قبلكما، وأنا أعلم منكما، فاتبعاني أرشدكما. وكان بعض أهل العلم يقول:"من خادَعنا بالله خُدِعْنا".
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿فَدَلاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (فدلاهما بغرور)، فخدعهما بغرور.
* * *
يقال منه:"ما زال فلان يدلّي فلانًا بغرور"، بمعنى: ما زال يخدعه بغرور، ويكلمه بزخرف من القول باطل. (١)
* * *
= (فلما ذاقا الشجرة)، يقول: فلما ذاق آدم وحواء ثمر الشجرة، يقول: طعماه (٢) = (بدت لهما سوءاتهما)، يقول: انكشفت لهما سوءاتهما، لأن الله
١٤٣٩٦- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين)، فحلف لهما بالله حتى خدعهما، وقد يُخْدع المؤمن بالله، فقال: إني خلقت قبلكما، وأنا أعلم منكما، فاتبعاني أرشدكما. وكان بعض أهل العلم يقول:"من خادَعنا بالله خُدِعْنا".
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿فَدَلاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (فدلاهما بغرور)، فخدعهما بغرور.
* * *
يقال منه:"ما زال فلان يدلّي فلانًا بغرور"، بمعنى: ما زال يخدعه بغرور، ويكلمه بزخرف من القول باطل. (١)
* * *
= (فلما ذاقا الشجرة)، يقول: فلما ذاق آدم وحواء ثمر الشجرة، يقول: طعماه (٢) = (بدت لهما سوءاتهما)، يقول: انكشفت لهما سوءاتهما، لأن الله
(١) انظر تفسير ((الغرور)) فيما سلف ص: ١٢٣، تعليق: ٢ والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير ((ذاق)) فيما سلف ص: ٢٠٩، تعليق: ١، والمراجع.
(٢) انظر تفسير ((ذاق)) فيما سلف ص: ٢٠٩، تعليق: ١، والمراجع.
351
أعراهما من الكسوة التي كان كساهما قبل الذنب والخطيئة، فسلبهما ذلك بالخطيئة التي أخطآ والمعصية التي ركبا (١) = (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة)، يقول: أقبلا وجعلا يشدَّان عليهما من ورق الجنة، ليواريا سوءاتهما، كما:-
١٤٣٩٧- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة)، قال: جعلا يأخذان من ورق الجنة، فيجعلان على سوءاتهما.
١٤٣٩٨- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي بكر، عن الحسن، عن أبي بن كعب قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان آدم كأنه نخلةٌ سَحُوق، (٢) كثيرُ شعر الرأس، فلما وقع بالخطيئة بدت له عورته، وكان لا يراها، فانطلق فارًّا، فتعرضت له شجرة فحبسته بشعره، فقال لها: أرسليني! فقالت: لست بمرسلتك! فناداه ربه: يا آدم، أمنِّي تفرّ؟ قال: لا ولكني استحييتك. (٣)
١٤٣٩٩- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا سفيان بن عيينة وابن مبارك، عن الحسن، عن عمارة، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال، كانت الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته، السنبلة. فلما أكلا منها بدت لهما سوءاتهما، وكان الذي وَارى
١٤٣٩٧- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة)، قال: جعلا يأخذان من ورق الجنة، فيجعلان على سوءاتهما.
١٤٣٩٨- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي بكر، عن الحسن، عن أبي بن كعب قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان آدم كأنه نخلةٌ سَحُوق، (٢) كثيرُ شعر الرأس، فلما وقع بالخطيئة بدت له عورته، وكان لا يراها، فانطلق فارًّا، فتعرضت له شجرة فحبسته بشعره، فقال لها: أرسليني! فقالت: لست بمرسلتك! فناداه ربه: يا آدم، أمنِّي تفرّ؟ قال: لا ولكني استحييتك. (٣)
١٤٣٩٩- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا سفيان بن عيينة وابن مبارك، عن الحسن، عن عمارة، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال، كانت الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته، السنبلة. فلما أكلا منها بدت لهما سوءاتهما، وكان الذي وَارى
(١) انظر تفسير ((بدا)) فيما سلف ٥: ٥٨٢ /٩: ٣٥٠.
= وتفسير ((السوأة)) فيما سلف ١٠: ٢٢٩، وما سيأتي ص: ٣٦١، تعليق: ٣.
(٢) ((نخلة سحوق)) هي الطويلة المفرطة التي تبعد ثمرها على المجتنى.
(٣) الأثر: ١٤٣٩٨ - ((الحجاج)) هو: ((الحجاج بن المنهال))، مضى مرارًا.
و ((أبو بكر)) هو ((أبو بكر الهذلي))، مضى برقم: ٥٩٧، ٨٣٧٦، ١٣٠٥٤، وهو ضعيف ليس بثقة.
وهذا الخبر، ذكره، ذكره ابن كثير في تفسيره ٣: ٤٥٨، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي بن كعب موقوفًا غير مرفوع. ثم قال ابن كثير: ((وقد رواه ابن جرير وابن مردويه، من طرق، عن الحسن عن أبي كعب مرفوعًا، والموقوف أصح إسنادًا)). وهو كما قال. وسيأتي برقم: ١٤٤٠٣، من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، موقوفًا.
= وتفسير ((السوأة)) فيما سلف ١٠: ٢٢٩، وما سيأتي ص: ٣٦١، تعليق: ٣.
(٢) ((نخلة سحوق)) هي الطويلة المفرطة التي تبعد ثمرها على المجتنى.
(٣) الأثر: ١٤٣٩٨ - ((الحجاج)) هو: ((الحجاج بن المنهال))، مضى مرارًا.
و ((أبو بكر)) هو ((أبو بكر الهذلي))، مضى برقم: ٥٩٧، ٨٣٧٦، ١٣٠٥٤، وهو ضعيف ليس بثقة.
وهذا الخبر، ذكره، ذكره ابن كثير في تفسيره ٣: ٤٥٨، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي بن كعب موقوفًا غير مرفوع. ثم قال ابن كثير: ((وقد رواه ابن جرير وابن مردويه، من طرق، عن الحسن عن أبي كعب مرفوعًا، والموقوف أصح إسنادًا)). وهو كما قال. وسيأتي برقم: ١٤٤٠٣، من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، موقوفًا.
352
عنهما من سوءايتهما أظفارُهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، ورق التين، يلصقان بعضها إلى بعض. فانطلق آدم مولّيًا في الجنة، فأخذت برأسه شجرة من الجنة، فناداه: أي آدم أمني تفرّ؟ قال: لا ولكني استحييتك يا رب! قال: أما كان لك فيما منحتُك من الجنة وأبحتُك منها مندوحةٌ عما حرمت عليك؟ قال: بلى يا رب، ولكن وعزتك ما حسبت أن أحدًا يحلف بك كاذبًا. قال: وهو قول الله: (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين). قال: فبعزّتي لأهبطنك إلى الأرض، ثم لا تنال العيش إلا كدًّا. قال: فأهبط من الجنة، وكانا يأكلان فيها رغدًا، فأهبطا في غيحيىر رغد من طعام وشراب، فعُلّم صنعة الحديد، وأُمر بالحرث، فحرث وزرع ثم سقى، حتى إذا بلغ حصد، ثم داسَه، ثم ذرّاه، ثم طحنه، ثم عجنه، ثم خبزه، ثم أكله، فلم يبلعْه حتى بُلِّعَ منه ما شاء الله أن يبلعَ. (١)
١٤٤٠٠- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (يخصفان)، قال: يرقعان، كهيئة الثوب.
١٤٤٠١- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: يخصفان عليهما من الورق كهيئة الثوب.
١٤٤٠٢- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما)، وكانا قبل ذلك
١٤٤٠٠- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (يخصفان)، قال: يرقعان، كهيئة الثوب.
١٤٤٠١- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: يخصفان عليهما من الورق كهيئة الثوب.
١٤٤٠٢- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما)، وكانا قبل ذلك
(١) الأثر: ١٤٣٩٩ - ((الحسن بن عمارة بن المضرب البجلي))، كان على قضاء بغداد في ولاية المنصور. قال أحمد: ((متروك الحديث، كان منكر الحديث، وأحاديثه موضوعة، لا يكتب حديثه)). والقول فيه أشد من هذا. مترجم في التهذيب، والكبير ١ /٢ / ٣٠٠، وابن أبي حاتم ١ /٢ / ٢٧.
وكان في المطبوعة: ((عن الحسن عن عمارة))، وهو خطأ محض، صوابه ما أثبت من المخطوطة، وابن كثير في تفسيره ٣: ٤٥٩.
وفي المطبوعة وابن كثير: ((فلم يبلغه، حتى بلغ... )) كل ذلك بالغين المعجمة، والذي في المخطوطة مهمل، وظني أنه الصواب المطابق للسياق.
وكان في المطبوعة: ((عن الحسن عن عمارة))، وهو خطأ محض، صوابه ما أثبت من المخطوطة، وابن كثير في تفسيره ٣: ٤٥٩.
وفي المطبوعة وابن كثير: ((فلم يبلغه، حتى بلغ... )) كل ذلك بالغين المعجمة، والذي في المخطوطة مهمل، وظني أنه الصواب المطابق للسياق.
353
لا يريانها = (وطفقا يخصفان)، الآية.
١٤٤٠٣-.... قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال، حدثنا الحسن، عن أبي بن كعب: أن آدم عليه السلام كان رجلا طُوالا كأنه نخلة سَحُوق، كثير شعر الرأس. فلما وقع بما وقع به من الخطيئة، بدت له عورته عند ذلك، وكان لا يراها. فانطلق هاربًا في الجنة، فعلقت برأسه شجرة من شجر الجنة، فقال لها: أرسليني! قالت: إني غير مرسلتك! فناداه ربه: يا آدم، أمنّي تفرّ؟ قال: رب إني استحييتك. (١)
١٤٤٠٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جعفر بن عون، عن سفيان الثوري، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة)، قال: ورق التين.
١٤٤٠٥- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة)، قال: ورق التين.
١٤٤٠٦- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن حسام بن مِصَكّ، عن قتادة = وأبي بكر، عن غير قتادة = قال: كان لباس آدم في الجنة ظُفُرًا كله، فلما وقع بالذنب، كُشِط عنه وبدت سوءته = قال أبو بكر: قال غير قتادة: (فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة)، قال: ورق التين. (٢)
١٤٤٠٧- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا
١٤٤٠٣-.... قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال، حدثنا الحسن، عن أبي بن كعب: أن آدم عليه السلام كان رجلا طُوالا كأنه نخلة سَحُوق، كثير شعر الرأس. فلما وقع بما وقع به من الخطيئة، بدت له عورته عند ذلك، وكان لا يراها. فانطلق هاربًا في الجنة، فعلقت برأسه شجرة من شجر الجنة، فقال لها: أرسليني! قالت: إني غير مرسلتك! فناداه ربه: يا آدم، أمنّي تفرّ؟ قال: رب إني استحييتك. (١)
١٤٤٠٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جعفر بن عون، عن سفيان الثوري، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة)، قال: ورق التين.
١٤٤٠٥- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة)، قال: ورق التين.
١٤٤٠٦- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن حسام بن مِصَكّ، عن قتادة = وأبي بكر، عن غير قتادة = قال: كان لباس آدم في الجنة ظُفُرًا كله، فلما وقع بالذنب، كُشِط عنه وبدت سوءته = قال أبو بكر: قال غير قتادة: (فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة)، قال: ورق التين. (٢)
١٤٤٠٧- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا
(١) الأثر: ١٤٤٠٣ - انظر التعليق على الأثر السالف رقم: ١٤٣٩٨، فهذا هو الخبر الموقوف، وهو أصح إسنادًا من ذاك المرفوع.
(٢) الأثر: ١٤٤٠٦ - ((حسام بن مصك بن ظالم بن شيطان الأزدي))، ضعيف فاحش الخطأ والوهم. مضى برقم: ١١٧٢٠. وكان في المطبوعة: ((حسام بن معبد)) لم يحسن قراءة المخطوطة.
و ((أبو بكر))، هو (أبو بكر الهذلي))، ضعيف أيضًا، مضى قريبًا برقم: ١٤٣٩٨.
(٢) الأثر: ١٤٤٠٦ - ((حسام بن مصك بن ظالم بن شيطان الأزدي))، ضعيف فاحش الخطأ والوهم. مضى برقم: ١١٧٢٠. وكان في المطبوعة: ((حسام بن معبد)) لم يحسن قراءة المخطوطة.
و ((أبو بكر))، هو (أبو بكر الهذلي))، ضعيف أيضًا، مضى قريبًا برقم: ١٤٣٩٨.
354
معمر، عن قتادة، في قوله: (بدت لهما سوءاتهما)، قال: كانا لا يريان سوءاتهما.
١٤٤٠٨- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة قال، حدثنا عمرو قال، سمعت وهب بن منبه يقول: (يَنزعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا)، [سورة الأعراف: ٢٧]. قال: كان لباس آدم وحواء عليهما السلام نورًا على فروجهما، لا يرى هذا عورة هذه، ولا هذه عورة هذا. فلما أصابا الخطيئة بدت لهما سوءاتهما. (١)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٢) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ونادى آدمَ وحواءَ ربُّهما: ألم أنهكما عن أكل ثمرة الشجرة التي أكلتما ثمرها، وأعلمكما أن إبليس لكما عدو مبين = يقول: قد أبان عداوته لكما، بترك السجود لآدم حسدًا وبغيًا، (٢) كما:-
١٤٤٠٩- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس قوله: (وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين)، لم أكلتها وقد نهيتك عنها؟ قال: يا رب، أطعمتني حواء! قال لحواء: لم أطعمته؟ قالت: أمرتني الحية! قال للحية: لم أمرتها؟ قالت: أمرني إبليس! قال: ملعون مدحور! أما أنت يا حواء
١٤٤٠٨- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة قال، حدثنا عمرو قال، سمعت وهب بن منبه يقول: (يَنزعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا)، [سورة الأعراف: ٢٧]. قال: كان لباس آدم وحواء عليهما السلام نورًا على فروجهما، لا يرى هذا عورة هذه، ولا هذه عورة هذا. فلما أصابا الخطيئة بدت لهما سوءاتهما. (١)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٢) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ونادى آدمَ وحواءَ ربُّهما: ألم أنهكما عن أكل ثمرة الشجرة التي أكلتما ثمرها، وأعلمكما أن إبليس لكما عدو مبين = يقول: قد أبان عداوته لكما، بترك السجود لآدم حسدًا وبغيًا، (٢) كما:-
١٤٤٠٩- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس قوله: (وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين)، لم أكلتها وقد نهيتك عنها؟ قال: يا رب، أطعمتني حواء! قال لحواء: لم أطعمته؟ قالت: أمرتني الحية! قال للحية: لم أمرتها؟ قالت: أمرني إبليس! قال: ملعون مدحور! أما أنت يا حواء
(١) الأثر: ١٤٤٠٨ - قال ابن كثير في تفسيره ٣: ٤٦٠: ((رواه ابن جرير بسند صحيح إليه)).
(٢) انظر تفسير ((مبين)) فيما سلف من فهارس اللغة (بين).
(٢) انظر تفسير ((مبين)) فيما سلف من فهارس اللغة (بين).
355
فكما دمَّيت الشجرة تَدْمَيْن كل شهر. وأما أنت يا حية، فأقطع قوائمك فتمشين على وجهك، وسيشدخُ رأسك من لقيك، اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ. (١)
١٤٤١٠- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا عباد بن العوّام، عن سفيان بن حسين، عن يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما أكل آدم من الشجرة قيل له: لم أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها؟ قال: حواء أمرتني! قال: فإني قد أعقبتها أن لا تحمل إلا كَرْهًا، ولا تضع إلا كرها. قال: فرنَّت حواء عند ذلك، فقيل لها: الرنّة عليك وعلى ولدك. (٢)
* * *
١٤٤١٠- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا عباد بن العوّام، عن سفيان بن حسين، عن يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما أكل آدم من الشجرة قيل له: لم أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها؟ قال: حواء أمرتني! قال: فإني قد أعقبتها أن لا تحمل إلا كَرْهًا، ولا تضع إلا كرها. قال: فرنَّت حواء عند ذلك، فقيل لها: الرنّة عليك وعلى ولدك. (٢)
* * *
(١) الأثر: ١٤٤٠٩ - مضى الخبر مطولا بهذا الإسناد رقم: ٧٥٢، مع اختلاف يسير في لفظه. وانظر تخريجه هناك.
(٢) ((رنت المرأة ترن رنينًا)) : أي صوتت وصاحت من الحزن والجزع. و ((الرنة)) : الصيحة الحزينة عند البكاء.
(٢) ((رنت المرأة ترن رنينًا)) : أي صوتت وصاحت من الحزن والجزع. و ((الرنة)) : الصيحة الحزينة عند البكاء.
356
القول في تأويل قوله: ﴿قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٢٣) ﴾
قال أبو جعفر: وهذا خبرٌ من الله جل ثناؤه عن آدم وحواء فيما أجاباه به، واعترافِهما على أنفسهما بالذنب، ومسألتهما إياه المغفرة منه والرحمة، خلاف جواب اللعين إبليس إياه.
ومعنى قوله: (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا)، قال: آدم وحواء لربهما: يا ربنا، فعلنا بأنفسنا من الإساءة إليها بمعصيتك وخلاف أمرك، (١) وبطاعتنا عدوَّنا وعدوَّك، فيما لم يكن لنا أن نطيعه فيه، من أكل الشجرة التي نهيتنا عن أكلها = (وإن لم تغفر لنا)، يقول: وإن أنت لم تستر علينا ذنبنا فتغطيه علينا، وتترك فضيحتنا به
قال أبو جعفر: وهذا خبرٌ من الله جل ثناؤه عن آدم وحواء فيما أجاباه به، واعترافِهما على أنفسهما بالذنب، ومسألتهما إياه المغفرة منه والرحمة، خلاف جواب اللعين إبليس إياه.
ومعنى قوله: (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا)، قال: آدم وحواء لربهما: يا ربنا، فعلنا بأنفسنا من الإساءة إليها بمعصيتك وخلاف أمرك، (١) وبطاعتنا عدوَّنا وعدوَّك، فيما لم يكن لنا أن نطيعه فيه، من أكل الشجرة التي نهيتنا عن أكلها = (وإن لم تغفر لنا)، يقول: وإن أنت لم تستر علينا ذنبنا فتغطيه علينا، وتترك فضيحتنا به
(١) هكذا في المخطوطة والمطبوعة، ولعل الصواب: ((فعلنا الظلم بأنفسنا)). وانظر تفسير ((الظلم)) فيما سلف من فهارس اللغة (ظلم).
بعقوبتك إيانا عليه (١) ="وترحمنا"، بتعطفك علينا، وتركك أخذنا به (٢) = (لنكونن من الخاسرين)، يعني: لنكونن من الهالكين.
* * *
وقد بيَّنا معنى"الخاسر" فيما مضى بشواهده، والرواية فيه، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (٣)
* * *
١٤٤١١- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قال: قال آدم عليه السلام: يا رب، أرأيتَ إن تبتُ واستغفرتك؟ قال: إذًا أدخلك الجنة. وأما إبليس فلم يسأله التوبة، وسأل النَّظِرة، فأعطى كلَّ واحد منهما ما سأل.
١٤٤١٢- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا)، الآية، قال: هي الكلمات التي تلقَّاها آدم من ربه.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (٢٤) ﴾
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن فعله بإبليس وذريته، وآدم وولده، والحية.
يقول تعالى ذكره لآدم وحواء وإبليس والحية: اهبطوا من السماء إلى الأرض، بعضكم لبعض عدوّ، كما:-
* * *
وقد بيَّنا معنى"الخاسر" فيما مضى بشواهده، والرواية فيه، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (٣)
* * *
١٤٤١١- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قال: قال آدم عليه السلام: يا رب، أرأيتَ إن تبتُ واستغفرتك؟ قال: إذًا أدخلك الجنة. وأما إبليس فلم يسأله التوبة، وسأل النَّظِرة، فأعطى كلَّ واحد منهما ما سأل.
١٤٤١٢- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا)، الآية، قال: هي الكلمات التي تلقَّاها آدم من ربه.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (٢٤) ﴾
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن فعله بإبليس وذريته، وآدم وولده، والحية.
يقول تعالى ذكره لآدم وحواء وإبليس والحية: اهبطوا من السماء إلى الأرض، بعضكم لبعض عدوّ، كما:-
(١) انظر تفسير ((المغفرة)) فيما سلف من فهارس اللغة (غفر).
(٢) انظر تفسير ((الرحمة)) فيما سلف من فهارس اللغة (رحم).
(٣) انظر تفسير ((الخسارة)) فيما سلف ص: ٣١٥، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير ((الرحمة)) فيما سلف من فهارس اللغة (رحم).
(٣) انظر تفسير ((الخسارة)) فيما سلف ص: ٣١٥، تعليق: ١، والمراجع هناك.
357
١٤٤١٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن طلحة، عن أسباط، عن السدي: (اهبطوا بعضكم لبعض عدو)، قال: فلعنَ الحية، وقطع قوائمها، وتركها تمشي على بطنها، وجعل رزقها من التراب، وأهبطوا إلى الأرض: آدم، وحواء، وإبليس، والحية. (١)
١٤٤١٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن أبي عوانة، عن إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح: (اهبطوا بعضكم لبعض عدو)، قال: آدم، وحواء، والحية. (٢)
* * *
وقوله: (ولكم في الأرض مستقر)، (٣) يقول: ولكم، يا آدم وحواء، وإبليس والحية = في الأرض قرارٌ تستقرونه، وفراش تمتهدونه، (٤) كما:-
١٤٤١٥- حدثني المثنى قال، حدثنا آدم العسقلاني قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله: (ولكم في الأرض مستقر)، قال: هو قوله: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشًا)، [سورة البقرة: ٢٢]. (٥)
* * *
وروي عن ابن عباس في ذلك، ما:-
١٤٤١٦- حدثت عن عبيد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عمن حدثه، عن ابن عباس قوله: (ولكم في الأرض مستقر)، قال: القبور. (٦)
* * *
١٤٤١٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن أبي عوانة، عن إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح: (اهبطوا بعضكم لبعض عدو)، قال: آدم، وحواء، والحية. (٢)
* * *
وقوله: (ولكم في الأرض مستقر)، (٣) يقول: ولكم، يا آدم وحواء، وإبليس والحية = في الأرض قرارٌ تستقرونه، وفراش تمتهدونه، (٤) كما:-
١٤٤١٥- حدثني المثنى قال، حدثنا آدم العسقلاني قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله: (ولكم في الأرض مستقر)، قال: هو قوله: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشًا)، [سورة البقرة: ٢٢]. (٥)
* * *
وروي عن ابن عباس في ذلك، ما:-
١٤٤١٦- حدثت عن عبيد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عمن حدثه، عن ابن عباس قوله: (ولكم في الأرض مستقر)، قال: القبور. (٦)
* * *
(١) الأثر: ١٤٤١٣ - ((عمرو بن طلحة))، هو ((عمرو بن حماد بن طلحة القناد))، منسوبًا إلى جده. وقد مضى مئات من المرات في هذا الإسناد وغيره، ((عمرو بن حماد، عن أسباط)). وقد سلف برقم: ٧٥٥.
(٢) الأثر: ١٤٤١٤ - مضى برقم: ٧٥٤.
(٣) انظر تفسير نظيرة هذه الآية فيما سلف ١: ٥٣٥ - ٥٤١.
(٤) انظر تفسير ((مستقر)) فيما سلف ١: ٥٣٩ /١١: ٤٣٤، ٥٦٢ - ٥٧٢.
(٥) الأثر: ١٤٤١٥ - مضى برقم: ٧٦٥. وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا: ((هو الذي جعل... ))، بزيادة ((هو))، وهو سبق قلم من الناسخ.
(٦) الأثر: ١٤٤١٦ - انظر ما سلف رقم: ٧٦٧، بغير هذا الإسناد.
(٢) الأثر: ١٤٤١٤ - مضى برقم: ٧٥٤.
(٣) انظر تفسير نظيرة هذه الآية فيما سلف ١: ٥٣٥ - ٥٤١.
(٤) انظر تفسير ((مستقر)) فيما سلف ١: ٥٣٩ /١١: ٤٣٤، ٥٦٢ - ٥٧٢.
(٥) الأثر: ١٤٤١٥ - مضى برقم: ٧٦٥. وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا: ((هو الذي جعل... ))، بزيادة ((هو))، وهو سبق قلم من الناسخ.
(٦) الأثر: ١٤٤١٦ - انظر ما سلف رقم: ٧٦٧، بغير هذا الإسناد.
358
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبرَ آدم وحواءَ وإبليس والحية، إذ أهبطوا إلى الأرض: أنهم عدوٌّ بعضهم لبعض، وأن لهم فيها مستقرًّا يستقرون فيه، ولم يخصصها بأن لهم فيها مستقرًّا في حال حياتهم دون حال موتهم، بل عمَّ الخبرَ عنها بأن لهم فيها مستقرًّا، فذلك على عمومه، كما عمّ خبرُ الله، ولهم فيها مستقر في حياتهم على ظهرها، وبعد وفاتهم في بطنها، كما قال جل ثناؤه: (أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا)، [سورة المرسلات: ٢٥-٢٦].
* * *
وأما قوله: (ومتاع إلى حين)، فإنه يقول جل ثناؤه:"ولكم فيها متاع"، تستمتعون به إلى انقطاع الدنيا، (١) وذلك هو الحين الذي ذكره، كما:-
١٤٤١٧- حدثت عن عبيد الله بن موسى قال، أخبرنا إسرائيل، عن السدي، عمن حدثه، عن ابن عباس: (ومتاع إلى حين)، قال: إلى يوم القيامة وإلى انقطاع الدنيا.
* * *
و"الحين" نفسه: الوقت، غير أنه مجهول القدر (٢)، يدل على ذلك قول الشاعر: (٣)
أي وقت لا وقت.
* * *
وأما قوله: (ومتاع إلى حين)، فإنه يقول جل ثناؤه:"ولكم فيها متاع"، تستمتعون به إلى انقطاع الدنيا، (١) وذلك هو الحين الذي ذكره، كما:-
١٤٤١٧- حدثت عن عبيد الله بن موسى قال، أخبرنا إسرائيل، عن السدي، عمن حدثه، عن ابن عباس: (ومتاع إلى حين)، قال: إلى يوم القيامة وإلى انقطاع الدنيا.
* * *
و"الحين" نفسه: الوقت، غير أنه مجهول القدر (٢)، يدل على ذلك قول الشاعر: (٣)
وَمَا مِرَاحُكَ بَعْدَ الْحِلْمِ وَالدِّينِ | وَقَدْ عَلاكَ مَشِيبٌ حِينَ لا حِينِ (٤) |
(١) انظر تفسير ((المتاع)) فيما سلف ١: ٥٣٩ - ٥٤١ /١١: ٧١، تعليق: ٢. والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير ((الحين)) فيما سلف ١: ٥٤٠، ولم يذكر هذا هناك في تفسير نظيرة هذه الآية.
(٣) هو جرير.
(٤) ديوانه: ٥٨٦، وسيبويه ١: ٣٥٨، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٢١٢، والخزانة ٢: ٩٤، وغيرها. مطلع قصيدة في هجاء الفرزدق، ورواية الديوان، وسيبويه: * ما بالُ جَهْلِكَ بَعْدَ الْحِلْمِ والدِّينِ *
وبعده:
و ((المراح)) (بكسر الميم) : المرح والاختيال والتبختر، وذلك من جنون الشاباب واعتداده بنفسه. وكأن رواية الديوان هي الجودي.
وأنشده سيبويه شاهدًا على إلغاء ((لا)) وإضافة ((حين)) الأولى إلى ((حين)) الثانية، قال: فإنما هو حين حين، و ((لا)) بمنزلة ((ما)) إذا ألغيت.
وهذا الذي ذكر أبو جعفر هو أبي عبيدة في مجاز القرآن ١: ٢١٢، وجاء بالبيت كما رواه هنا، وان كان في مطبوعة مجاز القرآن: ((وما مزاحك)) بالزاي، وهو خطأ مطبعي فيما أظن.
(٢) انظر تفسير ((الحين)) فيما سلف ١: ٥٤٠، ولم يذكر هذا هناك في تفسير نظيرة هذه الآية.
(٣) هو جرير.
(٤) ديوانه: ٥٨٦، وسيبويه ١: ٣٥٨، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٢١٢، والخزانة ٢: ٩٤، وغيرها. مطلع قصيدة في هجاء الفرزدق، ورواية الديوان، وسيبويه: * ما بالُ جَهْلِكَ بَعْدَ الْحِلْمِ والدِّينِ *
وبعده:
لِلْغَانِيَاتِ وِصَالٌ لَسْتُ قَاطِعَهُ | عَلَى مَوَعدِهَ مِنْ خُلْفٍ وَتَلْوِينِ |
وأنشده سيبويه شاهدًا على إلغاء ((لا)) وإضافة ((حين)) الأولى إلى ((حين)) الثانية، قال: فإنما هو حين حين، و ((لا)) بمنزلة ((ما)) إذا ألغيت.
وهذا الذي ذكر أبو جعفر هو أبي عبيدة في مجاز القرآن ١: ٢١٢، وجاء بالبيت كما رواه هنا، وان كان في مطبوعة مجاز القرآن: ((وما مزاحك)) بالزاي، وهو خطأ مطبعي فيما أظن.
359
القول في تأويل قوله: ﴿قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (٢٥) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال الله للذين أهبطهم من سمواته إلى أرضه: (فيها تحيون)، يقول: في الأرض تحيون، يقول: تكونون فيها أيام حياتكم = (وفيها تموتون)، يقول في الأرض تكون وفاتكم، (ومنها تخرجون)، يقول: ومن الأرض يخرجكم ربكم ويحشركم إليه لبعث القيامة أحياء.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سوءاتكمْ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه للجهلة من العرب الذين كانوا يتعرَّون للطواف، اتباعًا منهم أمرَ الشيطان، وتركًا منهم طاعةَ الله، فعرفهم انخداعهم بغروره لهم، حتى تمكن منهم فسلبهم من ستر الله الذي أنعمَ به عليهم، حتى
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال الله للذين أهبطهم من سمواته إلى أرضه: (فيها تحيون)، يقول: في الأرض تحيون، يقول: تكونون فيها أيام حياتكم = (وفيها تموتون)، يقول في الأرض تكون وفاتكم، (ومنها تخرجون)، يقول: ومن الأرض يخرجكم ربكم ويحشركم إليه لبعث القيامة أحياء.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سوءاتكمْ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه للجهلة من العرب الذين كانوا يتعرَّون للطواف، اتباعًا منهم أمرَ الشيطان، وتركًا منهم طاعةَ الله، فعرفهم انخداعهم بغروره لهم، حتى تمكن منهم فسلبهم من ستر الله الذي أنعمَ به عليهم، حتى
360
أبدى سوءاتهم وأظهرها من بعضهم لبعض، مع تفضل الله عليهم بتمكينهم مما يسترونها به، وأنهم قد سار بهم سيرته في أبويهم آدم وحواء اللذين دلاهما بغرور حتى سلبهما ستر الله الذي كان أنعم به عليهما حتى أبدى لهما سوءاتهما فعرّاهما منه: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا)، يعني بإنزاله عليهم ذلك، خلقَه لهم، ورزقه إياهم = و"اللباس" ما يلبسون من الثياب (١) = (يواري سوءاتكم)، يقول: يستر عوراتكم عن أعينكم (٢) = وكنى بـ"السوءات"، عن العورات.
* * *
= واحدتها"سوءة"، وهي"فعلة" من"السوء"، وإنما سميت"سوءة"، لأنه يسوء صاحبها انكشافُها من جسده، (٣) كما قال الشاعر: (٤)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٤١٨- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (لباسًا يواري سوءاتكم)، قال: كان ناس من العرب يطوفون بالبيت عراةً، ولا يلبس أحدهم ثوبًا طاف فيه.
١٤٤١٩- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
* * *
= واحدتها"سوءة"، وهي"فعلة" من"السوء"، وإنما سميت"سوءة"، لأنه يسوء صاحبها انكشافُها من جسده، (٣) كما قال الشاعر: (٤)
خَرَقُوا جَيْبَ فَتَاتِهِمُ | لَمْ يُبَالُوا سَوْءَةَ الرَّجُلَهْ (٥) |
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٤١٨- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (لباسًا يواري سوءاتكم)، قال: كان ناس من العرب يطوفون بالبيت عراةً، ولا يلبس أحدهم ثوبًا طاف فيه.
١٤٤١٩- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
(١) انظر تفسير ((اللباس)) فيما سلف ٣: ٤٨٩ - ٤٩١ /٥: ٤٨٠ /١١: ٢٧٠.
(٢) انظر تفسير (وارى)) فيما سلف ١٠: ٢٢٩.
(٣) انظر تفسير ((السوءة)) فيما سلف ١٠: ٢٢٩ / وهذا الجزء ص: ٣٥٢.
(٤) لم أعرف قائله.
(٥) الكامل ١: ١٦٥، وشرح الحماسة ١: ١١٧، واللسان (رجل)، وغيرهما، وقبل البيت:
وروايتهم: ((لم يبالوا حرمة الرجله)). وكنى بقوله: ((جيب فتاتهم))، عن عورتها وفرجها. وانث ((الرجل))، فجعل المرأة: ((رجلة)).
(٢) انظر تفسير (وارى)) فيما سلف ١٠: ٢٢٩.
(٣) انظر تفسير ((السوءة)) فيما سلف ١٠: ٢٢٩ / وهذا الجزء ص: ٣٥٢.
(٤) لم أعرف قائله.
(٥) الكامل ١: ١٦٥، وشرح الحماسة ١: ١١٧، واللسان (رجل)، وغيرهما، وقبل البيت:
كُلُّ جَارٍ ظَلَّ مُغْتَبِطًا | غَيْرَ جِيرَانِي بَنِي جَبَلَهْ |
361
ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
١٤٤٢٠- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، سمعت مجاهدًا يقول في قوله: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم وريشًا)، قال: أربع آيات نزلت في قريش. كانوا في الجاهلية لا يطوفون بالبيت إلا عراة.
١٤٤٢١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن عوف قال: سمعت معبدًا الجهني يقول في قوله: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم وريشًا)، قال: اللباس الذي تلبسون.
١٤٤٢٢- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم)، قال: كانت قريش تطوف عراة، لا يلبس أحدهم ثوبًا طاف فيه. وقد كان ناس من العرب يطوفون بالبيت عراة.
١٤٤٢٣- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر وسهل بن يوسف، عن عوف، عن معبد الجهني: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم)، قال: اللباس الذي يواري سوءاتكم: وهو لَبُوسكم هذه. (١)
١٤٤٢٤- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (لباسًا يواري سوءاتكم)، قال: هي الثياب.
١٤٤٢٥- حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، حدثني مَنْ سمع عروة بن الزبير يقول، اللباس: الثياب.
١٤٤٢٦- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا
١٤٤٢٠- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، سمعت مجاهدًا يقول في قوله: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم وريشًا)، قال: أربع آيات نزلت في قريش. كانوا في الجاهلية لا يطوفون بالبيت إلا عراة.
١٤٤٢١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن عوف قال: سمعت معبدًا الجهني يقول في قوله: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم وريشًا)، قال: اللباس الذي تلبسون.
١٤٤٢٢- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم)، قال: كانت قريش تطوف عراة، لا يلبس أحدهم ثوبًا طاف فيه. وقد كان ناس من العرب يطوفون بالبيت عراة.
١٤٤٢٣- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر وسهل بن يوسف، عن عوف، عن معبد الجهني: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم)، قال: اللباس الذي يواري سوءاتكم: وهو لَبُوسكم هذه. (١)
١٤٤٢٤- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (لباسًا يواري سوءاتكم)، قال: هي الثياب.
١٤٤٢٥- حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، حدثني مَنْ سمع عروة بن الزبير يقول، اللباس: الثياب.
١٤٤٢٦- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا
(١) ((اللبوس))، الثياب، وهو مذكر، فإن ذهبت به إلى ((الثياب)) جاز لك أن تؤنث، وكان في المطبوعة: ((هو لبوسكم هذا))، وأثبت ما في المخطوطة.
362
عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم)، قال: يعني ثيابَ الرجل التي يلبسها.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَرِيشًا﴾
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة الأمصار: (وَرِيشًا)، بغير"ألف".
* * *
وذكر عن زر بن حبيش والحسن البصري: أنهما كانا يقرآنه:"وَرِياشًا".
١٤٤٢٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبان العطار قال، حدثنا عاصم: أن زر بن حبيش قرأها:"وَرِياشًا".
* * *
قال أبو جعفر: والصوابُ من القراءة في ذلك، قراءة من قرأ: (وَرِيشًا) بغير"ألف"، لإجماع الحجة من القرأة عليها.
وقد رُوي عن النبي ﷺ خبرٌ في إسناده نظر: أنه قرأه:"وَرِياشًا". (١)
فمن قرأ ذلك:"وَرِياشًا" فإنه محتمل أن يكون أراد به جمع"الريش"، كما تجمع"الذئب"،"ذئابًا"، و"البئر""بئارًا".
ويحتمل أن يكون أراد به مصدرًا، من قول القائل:"راشه الله يَريشه رياشًا ورِيشًا"، (٢) كما يقال:"لَبِسه يلبسه لباسًا ولِبْسًا"، وقد أنشد بعضهم: (٣)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَرِيشًا﴾
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة الأمصار: (وَرِيشًا)، بغير"ألف".
* * *
وذكر عن زر بن حبيش والحسن البصري: أنهما كانا يقرآنه:"وَرِياشًا".
١٤٤٢٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبان العطار قال، حدثنا عاصم: أن زر بن حبيش قرأها:"وَرِياشًا".
* * *
قال أبو جعفر: والصوابُ من القراءة في ذلك، قراءة من قرأ: (وَرِيشًا) بغير"ألف"، لإجماع الحجة من القرأة عليها.
وقد رُوي عن النبي ﷺ خبرٌ في إسناده نظر: أنه قرأه:"وَرِياشًا". (١)
فمن قرأ ذلك:"وَرِياشًا" فإنه محتمل أن يكون أراد به جمع"الريش"، كما تجمع"الذئب"،"ذئابًا"، و"البئر""بئارًا".
ويحتمل أن يكون أراد به مصدرًا، من قول القائل:"راشه الله يَريشه رياشًا ورِيشًا"، (٢) كما يقال:"لَبِسه يلبسه لباسًا ولِبْسًا"، وقد أنشد بعضهم: (٣)
(١) سيأتي هذا الخبر بإسناده رقم: ١٤٤٤٦.
(٢) أراد هنا أن يجعل ((ريشا)) مصدرًا بكسر ((الراء))، كما هو بين في معاني القرآن للفراء ١: ٣٧٥، ولذلك ضبطتها كذلك، والذي نص عليه أهل اللغة أن المصدر (ريشا)) بفتح فسكون.
(٣) هو حميد بن ثور الهلالي.
(٢) أراد هنا أن يجعل ((ريشا)) مصدرًا بكسر ((الراء))، كما هو بين في معاني القرآن للفراء ١: ٣٧٥، ولذلك ضبطتها كذلك، والذي نص عليه أهل اللغة أن المصدر (ريشا)) بفتح فسكون.
(٣) هو حميد بن ثور الهلالي.
363
فَلَما كَشَفْنَ اللِّبْسَ عَنْهُ مَسَحْنَهُ... بِأَطْرَافِ طَفْلٍ زَانَ غَيْلا مُوَشَّمَا (١)
بكسر"اللام" من"اللبس".
و"الرياش"، في كلام العرب، الأثاث، وما ظهر من الثياب من المتاع مما يلبس أو يُحْشى من فراش أو دِثَار.
و"الريش" إنما هو المتاع والأموال عندهم. وربما استعملوه في الثياب والكسوة دون سائر المال. يقولون:"أعطاه سرجًا بريشه"، و"رحْلا بريشه"، أي بكسوته وجهازه. ويقولون:"إنه لحسن ريش الثياب"، وقد يستعمل"الرياش" في الخصب ورَفاهة العيش.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال:"الرياش"، المال:
١٤٤٢٨- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية،
بكسر"اللام" من"اللبس".
و"الرياش"، في كلام العرب، الأثاث، وما ظهر من الثياب من المتاع مما يلبس أو يُحْشى من فراش أو دِثَار.
و"الريش" إنما هو المتاع والأموال عندهم. وربما استعملوه في الثياب والكسوة دون سائر المال. يقولون:"أعطاه سرجًا بريشه"، و"رحْلا بريشه"، أي بكسوته وجهازه. ويقولون:"إنه لحسن ريش الثياب"، وقد يستعمل"الرياش" في الخصب ورَفاهة العيش.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال:"الرياش"، المال:
١٤٤٢٨- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية،
(١) ديوانه: ١٤، ومعاني القرآن للفراء ١: ٣٧٥، واللسان (لبس) (طفل)، والمخصص ٤: ٣٥، وغيرها. وهذا بيت من قصيدة له طويلة في ديوانه، أرجح أنها مختلطة الترتيب، وهذا البيت مما اختلط. فإنه في صفة الرجل، فقال فيه (كما ورد في الديوان البيت رقم: ٣٧)، بعد أن زينته الجواري (والشعر في الديوان كثير الخطأ، فصححته). تَنَاهَى عَلَيْهِ الصَّانِعَاتُ، وَشَاكَلَتْ... بِهِ الخيلَ حَتَّى هَمَّ أَنْ يَتَحَمْحَمَا
ثم قال بعد رقم: ٤٠. تَخَالُ خِلالَ الرَّقْم لَمَّا سَدَلْنَهُ... حِصَانًا تَهَادَى سَامِيَ الطَّرْفِ مُلْجَمَا
وقال قبل البيت (وهما في ترتيب الديوان: ٣٢، ٣٣) : فَزَيَّنَّهُ بِالعِهْنِ حَتَّى لَوَ انَّهُ... يُقَالُ لَهُ: هَابٍ، هَلُمَّ! لأَقْدَمَا
جعل الهودج قد صار كأنه فرس عليه زينته وجلاله وسرجه. وقوله: (فلما كشفن اللبس عنه))، يعني الهودج. و ((مسحنه)) يعني الجواري اللواتي صنعه وزوقنه وزينه. و ((الطفل) (بفتح فسكون) هو البنان الناعم، وأراد: مسحنه بأطراف بنان طفل، فجعل ((طفلا)) بدلا من ((البنان)) و ((الغيل)) (بفتح فسكون) الساعد الريان الممتلئ. و ((الموشم))، عليه الوشم، وكان زينة للجاهلية أبطلها الإسلام، ولعن الله متخذها، رجلا كان أو امرأة.
ثم قال بعد رقم: ٤٠. تَخَالُ خِلالَ الرَّقْم لَمَّا سَدَلْنَهُ... حِصَانًا تَهَادَى سَامِيَ الطَّرْفِ مُلْجَمَا
وقال قبل البيت (وهما في ترتيب الديوان: ٣٢، ٣٣) : فَزَيَّنَّهُ بِالعِهْنِ حَتَّى لَوَ انَّهُ... يُقَالُ لَهُ: هَابٍ، هَلُمَّ! لأَقْدَمَا
جعل الهودج قد صار كأنه فرس عليه زينته وجلاله وسرجه. وقوله: (فلما كشفن اللبس عنه))، يعني الهودج. و ((مسحنه)) يعني الجواري اللواتي صنعه وزوقنه وزينه. و ((الطفل) (بفتح فسكون) هو البنان الناعم، وأراد: مسحنه بأطراف بنان طفل، فجعل ((طفلا)) بدلا من ((البنان)) و ((الغيل)) (بفتح فسكون) الساعد الريان الممتلئ. و ((الموشم))، عليه الوشم، وكان زينة للجاهلية أبطلها الإسلام، ولعن الله متخذها، رجلا كان أو امرأة.
364
عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (وريشًا)، يقول: مالا.
١٤٤٢٩- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وريشًا)، قال: المال.
١٤٤٣٠- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٤٤٣١- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"ورياشًا"، قال: أما"رياشًا"، فرياش المال. (١)
١٤٤٣٢- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، حدثني من سمع عروة بن الزبير يقول:"الرياش"، المال.
١٤٤٣٣- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك قوله:"ورياشًا"، يعني، المال.
* ذكر من قال: هو اللباس ورفاهة العيش.
١٤٤٣٤- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"ورياشًا"، قال:"الرياش"، اللباس والعيش والنَّعيم.
١٤٤٣٥- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر وسهل بن يوسف، عن عوف، عن معبد الجهني:"ورياشًا"، قال:"الرياش"، المعاش.
١٤٤٣٦- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا عوف قال، قال معبد الجهني:"ورياشًا"، قال: هو المعاش.
* * *
١٤٤٢٩- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وريشًا)، قال: المال.
١٤٤٣٠- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٤٤٣١- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"ورياشًا"، قال: أما"رياشًا"، فرياش المال. (١)
١٤٤٣٢- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، حدثني من سمع عروة بن الزبير يقول:"الرياش"، المال.
١٤٤٣٣- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك قوله:"ورياشًا"، يعني، المال.
* ذكر من قال: هو اللباس ورفاهة العيش.
١٤٤٣٤- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"ورياشًا"، قال:"الرياش"، اللباس والعيش والنَّعيم.
١٤٤٣٥- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر وسهل بن يوسف، عن عوف، عن معبد الجهني:"ورياشًا"، قال:"الرياش"، المعاش.
١٤٤٣٦- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا عوف قال، قال معبد الجهني:"ورياشًا"، قال: هو المعاش.
* * *
(١) حيث جاءت ((رياش)) القراءة الثانية في هذه الأخبار، فإني تاركها على ما هي عليه لا أغيرها إلى قراءتنا.
365
وقال آخرون:"الريش"، الجمال.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٤٣٧- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"ورياشًا"، قال:"الريش"، الجمال.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم:"لباس التقوى"، هو الإيمان.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٤٣٨- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (ولباس التقوى)، هو الإيمان.
١٤٤٣٩- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ولباس التقوى)، الإيمان.
١٤٤٤٠- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، أخبرني حجاج، عن ابن جريج: (ولباس التقوى)، الإيمان.
* * *
وقال آخرون: هو الحياء.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٤٤١- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر وسهل بن يوسف، عن عوف، عن معبد الجهني في قوله: (ولباس التقوى)، الذي ذكر الله في القرآن، هو الحياء.
١٤٤٤٢- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا
* ذكر من قال ذلك:
١٤٤٣٧- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"ورياشًا"، قال:"الريش"، الجمال.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم:"لباس التقوى"، هو الإيمان.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٤٣٨- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (ولباس التقوى)، هو الإيمان.
١٤٤٣٩- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ولباس التقوى)، الإيمان.
١٤٤٤٠- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، أخبرني حجاج، عن ابن جريج: (ولباس التقوى)، الإيمان.
* * *
وقال آخرون: هو الحياء.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٤٤١- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر وسهل بن يوسف، عن عوف، عن معبد الجهني في قوله: (ولباس التقوى)، الذي ذكر الله في القرآن، هو الحياء.
١٤٤٤٢- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا
366
عوف قال، قال معبد الجهني، فذكر مثله.
١٤٤٤٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن عوف، عن معبد، بنحوه.
* * *
وقال آخرون: هو العمل الصالح.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٤٤٤- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (ولباس التقوى ذلك خير)، قال: لباس التقوى: العمل الصالح.
* * *
وقال آخرون: بل ذلك هو السَّمْت الحسن.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٤٤٥- حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال، حدثنا عبد الله بن داود، عن محمد بن موسى، عن.... بن عمرو، عن ابن عباس: (ولباس التقوى)، قال: السمت الحسن في الوجه. (١)
١٤٤٤٦- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق بن الحجاج قال، حدثنا إسحاق بن إسماعيل، عن سليمان بن أرقم، عن الحسن قال: رأيت عثمان بن عفان على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، عليه قميصٌ قُوهيّ محلول الزرّ، (٢) وسمعته يأمر بقتل الكلاب، وينهى عن اللعب بالحمام، ثم قال: يا أيها الناس، اتقوا الله ف
١٤٤٤٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن عوف، عن معبد، بنحوه.
* * *
وقال آخرون: هو العمل الصالح.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٤٤٤- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (ولباس التقوى ذلك خير)، قال: لباس التقوى: العمل الصالح.
* * *
وقال آخرون: بل ذلك هو السَّمْت الحسن.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٤٤٥- حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال، حدثنا عبد الله بن داود، عن محمد بن موسى، عن.... بن عمرو، عن ابن عباس: (ولباس التقوى)، قال: السمت الحسن في الوجه. (١)
١٤٤٤٦- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق بن الحجاج قال، حدثنا إسحاق بن إسماعيل، عن سليمان بن أرقم، عن الحسن قال: رأيت عثمان بن عفان على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، عليه قميصٌ قُوهيّ محلول الزرّ، (٢) وسمعته يأمر بقتل الكلاب، وينهى عن اللعب بالحمام، ثم قال: يا أيها الناس، اتقوا الله ف
(١) الأثر: ١٤٤٤٥ - في هذا الإسناد في المخطوطة: ((عن الدنا بن عمرو))، كلمة لم أعرف كيف تقرأ، فوضعت مكانها نقطًا، وكان في المطبوعة: ((الزباء بن عمرو))، لا أدري من أين جاء بهذا الاسم!! ووجدت في تفسير ابن كثير ٣: ٤٦٢: ((الديال بن عمرو))، وهذا أيضًا. لم أعرف ما يكون.
((محمد بن موسى))، لم أستطع أن أحدد من يكون.
(٢) ((القميص القوهي))، منسوب إلى ((قوهستان))، وهي أرض متصلة بنواحي هراة ونيسابور، ينسب إليها ضرب من الثياب.
((محمد بن موسى))، لم أستطع أن أحدد من يكون.
(٢) ((القميص القوهي))، منسوب إلى ((قوهستان))، وهي أرض متصلة بنواحي هراة ونيسابور، ينسب إليها ضرب من الثياب.
367
ي هذه السرائر، فإنّي سمعت رسول الله ﷺ يقول:"والذي نفس محمد بيده، ما عمل أحدٌ قط سرًّا إلا ألبسه الله رداءَ علانيةٍ، (١) إن خيرًا فخيرًا، وإن شرًّا فشرًا، ثم تلا هذه الآية:"وَرِيَاشًا" = ولم يقرأها: (وَرِيشًا) = (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ)، قال: السمتُ الحسن. (٢)
* * *
وقال آخرون: هو خشية الله.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٤٤٧- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدنى قال، حدثني من سمع عروة بن الزبير يقول: (لباس التقوى)، خشية الله.
* * *
وقال آخرون: (لباس التقوى)، في هذه المواضع، ستر العورة.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٤٤٨- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ولباس التقوى)، يتقي الله، فيواري عورته، ذلك"لباس التقوى".
* * *
* * *
وقال آخرون: هو خشية الله.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٤٤٧- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدنى قال، حدثني من سمع عروة بن الزبير يقول: (لباس التقوى)، خشية الله.
* * *
وقال آخرون: (لباس التقوى)، في هذه المواضع، ستر العورة.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٤٤٨- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ولباس التقوى)، يتقي الله، فيواري عورته، ذلك"لباس التقوى".
* * *
(١) نص ابن كثير في تفسيره، نقلا عن هذا الموضع من الطبري: ((ما أسر أحد سريرة إلا ألبسهما الله رداءها علانية))، ولا أدري من أين جاء هذا الاختلاف: وفي المطبوعة: ((رداءه))، وأثبت ما في المخطوطة.
(٢) الأثر: ١٤٤٤٦ - ((إسحاق بن الحجاج الرازي الطاحوني))، مضى برقم: ٢٣٠، ١٦١٤، ١٠٣١٤. و ((إسحاق بن إسماعيل)) لعله ((إسحاق بن لإسماعيل الرازي))، أبو يزيد، حبويه. مترجم في ابن أبي حاتم ١ /١ / ٢١٢.
و ((سليمان بن أرقم))، أبو معاذ. ضعف جدًا، متروك الحديث، مضى برقم: ٤٩٢٣. فمن أجل ضعف ((سليمان بن أرقم))، قال أبو جعفر فيما سلف ص: ٣٦٣، تعليق: ١، أن في إسناد هذا الخبر نظرًا.
وهذا الخبر رواه ابن كثير في تفسيره ٣: ٤٦٢، ٤٦٣، وضعفه، ثم قال: ((وقد روى الأئمة، الشافعي وأحمد والبخاري في كتاب الأدب صحيحة، عن الحسن: أنه سمع أمير المؤمنين عثمان بن عفان يأمر بقتل الكلاب وذبح الحمام يوم الجمعة على المنبر)). قلت: وخبر أحمد في المسند رقم: ٥٢١، وخبر البخاري في الأدب المفرد ص: ٣٣٢، ٣٣٣ برقم: ١٣٠١.
(٢) الأثر: ١٤٤٤٦ - ((إسحاق بن الحجاج الرازي الطاحوني))، مضى برقم: ٢٣٠، ١٦١٤، ١٠٣١٤. و ((إسحاق بن إسماعيل)) لعله ((إسحاق بن لإسماعيل الرازي))، أبو يزيد، حبويه. مترجم في ابن أبي حاتم ١ /١ / ٢١٢.
و ((سليمان بن أرقم))، أبو معاذ. ضعف جدًا، متروك الحديث، مضى برقم: ٤٩٢٣. فمن أجل ضعف ((سليمان بن أرقم))، قال أبو جعفر فيما سلف ص: ٣٦٣، تعليق: ١، أن في إسناد هذا الخبر نظرًا.
وهذا الخبر رواه ابن كثير في تفسيره ٣: ٤٦٢، ٤٦٣، وضعفه، ثم قال: ((وقد روى الأئمة، الشافعي وأحمد والبخاري في كتاب الأدب صحيحة، عن الحسن: أنه سمع أمير المؤمنين عثمان بن عفان يأمر بقتل الكلاب وذبح الحمام يوم الجمعة على المنبر)). قلت: وخبر أحمد في المسند رقم: ٥٢١، وخبر البخاري في الأدب المفرد ص: ٣٣٢، ٣٣٣ برقم: ١٣٠١.
368
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة المكيين والكوفيين والبصريين: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ)، برفع"ولباس".
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة المدينة:"وَلِبَاسَ التَّقْوَى"، بنصب"اللباس"، وهي قراءة بعض قرأة الكوفيين.
* * *
فمن نصب:"ولباس"، فإنه نصبه عطفًا على"الريش"، بمعنى: قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم وريشًا، وأنزلنا لباسَ التقوى.
* * *
وأما الرفع، فإن أهل العربية مختلفون في المعنى الذي ارتفع به"اللباس".
فكان بعض نحويي البصرة يقول: هو مرفوع على الابتداء، وخبره في قوله: (ذلك خير). وقد استخطأه بعض أهل العربية في ذلك وقال: هذا غلط، لأنه لم يعد على"اللباس" في الجملة عائد، فيكون"اللباس" إذا رفع على الابتداء وجعل"ذلك خير" خبرًا.
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة: (ولباس)، يرفع بقوله: ولباس التقوى خير، ويجعل"ذلك" من نعته. (١)
* * *
قال أبو جعفر: وهذا القول عندي أولى بالصواب في رافع"اللباس"، لأنه لا وجه للرفع إلا أن يكون مرفوعًا بـ"خير"، وإذا رفع بـ "خير" لم يكن في ذلك وجه إلا أن يجعل"اللباس" نعتًا، لا أنه عائد على"اللباس" من ذكره في قوله: (ذلك خير)، فيكون خير مرفوعًا بـ"ذلك"، و"ذلك"، به.
فقرأته عامة قرأة المكيين والكوفيين والبصريين: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ)، برفع"ولباس".
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة المدينة:"وَلِبَاسَ التَّقْوَى"، بنصب"اللباس"، وهي قراءة بعض قرأة الكوفيين.
* * *
فمن نصب:"ولباس"، فإنه نصبه عطفًا على"الريش"، بمعنى: قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم وريشًا، وأنزلنا لباسَ التقوى.
* * *
وأما الرفع، فإن أهل العربية مختلفون في المعنى الذي ارتفع به"اللباس".
فكان بعض نحويي البصرة يقول: هو مرفوع على الابتداء، وخبره في قوله: (ذلك خير). وقد استخطأه بعض أهل العربية في ذلك وقال: هذا غلط، لأنه لم يعد على"اللباس" في الجملة عائد، فيكون"اللباس" إذا رفع على الابتداء وجعل"ذلك خير" خبرًا.
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة: (ولباس)، يرفع بقوله: ولباس التقوى خير، ويجعل"ذلك" من نعته. (١)
* * *
قال أبو جعفر: وهذا القول عندي أولى بالصواب في رافع"اللباس"، لأنه لا وجه للرفع إلا أن يكون مرفوعًا بـ"خير"، وإذا رفع بـ "خير" لم يكن في ذلك وجه إلا أن يجعل"اللباس" نعتًا، لا أنه عائد على"اللباس" من ذكره في قوله: (ذلك خير)، فيكون خير مرفوعًا بـ"ذلك"، و"ذلك"، به.
(١) هذا قول الفراء ١: ٣٧٥
369
فإذ، كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام = إذا رفع"لباس التقوى" =: ولباس التقوى ذلك الذي قد علمتموه، خير لكم يا بني آدم، من لباس الثياب التي تواري سوءاتكم، ومن الرياش التي أنزلناها إليكم، هكذا فالبَسوه.
* * *
وأما تأويل مَنْ قرأه نصبًا، فإنه:"يا بنى آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم وريشًا ولباس التقوى"، هذا الذي أنزلنا عليكم من اللباس الذي يواري سوءاتكم، والريش، ولباس التقوى خير لكم من التعرِّي والتجرد من الثياب في طوافكم بالبيت، فاتقوا الله والبسوا ما رزقكم الله من الرياش، ولا تطيعوا الشيطان بالتجرد والتعرِّي من الثياب، فإن ذلك سخرية منه بكم وخدعة، كما فعل بأبويكم آدم وحواء، فخدعهما حتى جرّدهما من لباس الله الذي كان ألبسهما بطاعتهما له، في أكل ما كان الله نهاهما عن أكله من ثمر الشجرة التي عصَياه بأكلها.
* * *
قال أبو جعفر: وهذه القراءة أولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب، أعني نصب قوله:"وَلِبَاسَ التَّقْوَى"، لصحة معناه في التأويل على ما بيّنت، وأن الله إنما ابتدأ الخبر عن إنزاله اللباس الذي يواري سوءاتنا والرياش، توبيخًا للمشركين الذين كانوا يتجرّدون في حال طوافهم بالبيت، ويأمرهم بأخذ ثيابهم والاستتار بها في كل حال، مع الإيمان به واتباع طاعته = ويعلمهم أن كلّ ذلك خير من كلّ ما هم عليه مقيمون من كفرهم بالله، وتعرِّيهم، لا أنه أعلمهم أن بعض ما أنزل إليهم خيرٌ من بعض.
وما يدل على صحة ما قلنا في ذلك، الآيات التي بعد هذه الآية، وذلك قوله: (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزعُ عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما) وما بعد ذلك من الآيات إلى قوله: (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون)، فإنه جل ثناؤه يأمر في كل ذلك بأخذ الزينة من الثياب، واستعمال اللباس وترك التجرّد والتعرّي، وبالإيمان به، واتباع أمره والعمل بطاعته،
* * *
وأما تأويل مَنْ قرأه نصبًا، فإنه:"يا بنى آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم وريشًا ولباس التقوى"، هذا الذي أنزلنا عليكم من اللباس الذي يواري سوءاتكم، والريش، ولباس التقوى خير لكم من التعرِّي والتجرد من الثياب في طوافكم بالبيت، فاتقوا الله والبسوا ما رزقكم الله من الرياش، ولا تطيعوا الشيطان بالتجرد والتعرِّي من الثياب، فإن ذلك سخرية منه بكم وخدعة، كما فعل بأبويكم آدم وحواء، فخدعهما حتى جرّدهما من لباس الله الذي كان ألبسهما بطاعتهما له، في أكل ما كان الله نهاهما عن أكله من ثمر الشجرة التي عصَياه بأكلها.
* * *
قال أبو جعفر: وهذه القراءة أولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب، أعني نصب قوله:"وَلِبَاسَ التَّقْوَى"، لصحة معناه في التأويل على ما بيّنت، وأن الله إنما ابتدأ الخبر عن إنزاله اللباس الذي يواري سوءاتنا والرياش، توبيخًا للمشركين الذين كانوا يتجرّدون في حال طوافهم بالبيت، ويأمرهم بأخذ ثيابهم والاستتار بها في كل حال، مع الإيمان به واتباع طاعته = ويعلمهم أن كلّ ذلك خير من كلّ ما هم عليه مقيمون من كفرهم بالله، وتعرِّيهم، لا أنه أعلمهم أن بعض ما أنزل إليهم خيرٌ من بعض.
وما يدل على صحة ما قلنا في ذلك، الآيات التي بعد هذه الآية، وذلك قوله: (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزعُ عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما) وما بعد ذلك من الآيات إلى قوله: (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون)، فإنه جل ثناؤه يأمر في كل ذلك بأخذ الزينة من الثياب، واستعمال اللباس وترك التجرّد والتعرّي، وبالإيمان به، واتباع أمره والعمل بطاعته،
370
وينهى عن الشرك به واتباع أمر الشيطان، مؤكدًا في كل ذلك ما قد أجمله في قوله: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم وريشًا ولباسَ التقوى ذلك خير).
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصحة في تأويل قوله:"ولباس التقوى"، استشعار النفوس تقوى الله، في الانتهاء عما نهى الله عنه من معاصيه، والعمل بما أمر به من طاعته، وذلك يجمع الإيمان، والعمل الصالح، والحياء، وخشية الله، والسمتَ الحسن، لأن مَنْ اتقى الله كان به مؤمنًا، وبما أمره به عاملا ومنه خائفًا، وله مراقبًا، ومن أن يُرَى عند ما يكرهه من عباده مستحييًا. ومَنْ كان كذلك ظهرت آثار الخير فيه، فحسن سَمْته وهَدْيه، ورُئِيَتْ عليه بهجة الإيمان ونوره.
وإنما قلنا: عنى بـ"لباس التقوى"، استشعارَ النفس والقلب ذلك = لأن"اللباس"، إنما هو ادِّراع ما يلبس، واجتياب ما يكتسى، (١) أو تغطية بدنه أو بعضه به. فكل من ادَّرع شيئًا واجتابهُ حتى يُرَى عَيْنه أو أثرُه عليه، (٢) فهو له"لابس". ولذلك جعل جل ثناؤه الرجال للنساء لباسًا، وهن لهم لباسًا،
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصحة في تأويل قوله:"ولباس التقوى"، استشعار النفوس تقوى الله، في الانتهاء عما نهى الله عنه من معاصيه، والعمل بما أمر به من طاعته، وذلك يجمع الإيمان، والعمل الصالح، والحياء، وخشية الله، والسمتَ الحسن، لأن مَنْ اتقى الله كان به مؤمنًا، وبما أمره به عاملا ومنه خائفًا، وله مراقبًا، ومن أن يُرَى عند ما يكرهه من عباده مستحييًا. ومَنْ كان كذلك ظهرت آثار الخير فيه، فحسن سَمْته وهَدْيه، ورُئِيَتْ عليه بهجة الإيمان ونوره.
وإنما قلنا: عنى بـ"لباس التقوى"، استشعارَ النفس والقلب ذلك = لأن"اللباس"، إنما هو ادِّراع ما يلبس، واجتياب ما يكتسى، (١) أو تغطية بدنه أو بعضه به. فكل من ادَّرع شيئًا واجتابهُ حتى يُرَى عَيْنه أو أثرُه عليه، (٢) فهو له"لابس". ولذلك جعل جل ثناؤه الرجال للنساء لباسًا، وهن لهم لباسًا،
(١) في المطبوعة: ((واحتباء ما يكتسى))، غير ما في المخطوطة، الخطأ في نقطها، فأساء غاية الإساءة، كان في المخطوطة: ((واحنتاب))، وصواب قراءتها ما أثبت وانظر التعليق التالي، ((اجتاب الثوب اجتيابًا))، لبسه، قال لبيد:
(٢) في المطبوعة: ((فكل من اردع شيئًا واحتبى به حتى يرى هو أو أثره عليه))، أساء كما أساء في السالف، ولكن كان الخطأ أعذر له، لأنه فيها ((فكل من ادرع شيئًا واحبا)) هذا آخر السطر، ثم بدأ في السطر التالي ((به حتى يرى عنه أو أثره عليه)). فجاء الناشر فجعلها ((واحتبى به)) والصواب ما أثبت، وإنما قطع الناسخ الكلمة في سطرين!! وانظر التعليق السالف. وأما قوله في المطبوعة: ((حتى يرى هو أو أثره عليه))، فقد غيره تغييرًا لا يجدي، وصواب قراءة المخطوطة كما أثبت.
فَبِتِلْكَ إذْ رَقَصَ اللَّوَامِعُ بِالضُّحَى | وَاجْتَابَ أَرْدِيَةَ السَّرَابِ إكَامُها |
أَقْضِي اللُّبَانَةَ لا أُفَرِّطُ رِيبَةً | أَوْ أَنْ يَلُومَ بِحَاجَةٍ لَوَّامُها |
371
وجعل الليل لعباده لباسًا. (١)
* * *
* ذكر من تأول ذلك بالمعنى الذي ذكرنا من تأويله، إذا قرئ قوله: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى)، رفعًا.
١٤٤٤٩- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ولباس التقوى)، الإيمان = (ذلك خير)، يقول: ذلك خير من الرياش واللباس يواري سوءاتكم.
١٤٤٥٠- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ولباس التقوى)، قال: لباس التقوى خير، وهو الإيمان.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٢٦) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ذلك الذي ذكرت لكم أنّي أنزلته إليكم، أيها الناس، من اللباس والرياش، من حجج الله وأدلته التي يعلم بها مَنْ كفر صحة توحيد الله، وخطأ ما هم عليه مقيمون من الضلالة = (لعلهم يذكرون)، يقول جل ثناؤه: جعلت ذلك لهم دليلا على ما وصفت، ليذكروا فيعتبروا وينيبوا إلى الحق وترك الباطل، رحمة مني بعبادي. (٢)
* * *
* * *
* ذكر من تأول ذلك بالمعنى الذي ذكرنا من تأويله، إذا قرئ قوله: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى)، رفعًا.
١٤٤٤٩- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ولباس التقوى)، الإيمان = (ذلك خير)، يقول: ذلك خير من الرياش واللباس يواري سوءاتكم.
١٤٤٥٠- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ولباس التقوى)، قال: لباس التقوى خير، وهو الإيمان.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٢٦) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ذلك الذي ذكرت لكم أنّي أنزلته إليكم، أيها الناس، من اللباس والرياش، من حجج الله وأدلته التي يعلم بها مَنْ كفر صحة توحيد الله، وخطأ ما هم عليه مقيمون من الضلالة = (لعلهم يذكرون)، يقول جل ثناؤه: جعلت ذلك لهم دليلا على ما وصفت، ليذكروا فيعتبروا وينيبوا إلى الحق وترك الباطل، رحمة مني بعبادي. (٢)
* * *
(١) شاهد الأول آية ((سورة البقرة)) : ١٨٧: " هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ". وشاهد الثاني على آية ((سورة النبأ)) : ١٠: " وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا ".
(٢) انظر تفسير ((آية)) فيما سلف من فهارس اللغة (أيي).
= وتفسير ((يذكر)) فيما سلف منها (ذكر).
(٢) انظر تفسير ((آية)) فيما سلف من فهارس اللغة (أيي).
= وتفسير ((يذكر)) فيما سلف منها (ذكر).
372
القول في تأويل قوله: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يا بني آدم، لا يخدعنكم الشيطان فيبدي سوءاتكم للناس بطاعتكم إياه عند اختباره لكم، كما فعل بأبويكم آدم وحواء عند اختباره إياهما فأطاعاه وعصيا ربهما، فأخرجهما بما سبَّب لهما من مكره وخدعه، من الجنة، ونزع عنهما ما كان ألبسهما من اللباس، ليريهما سوءاتهما بكشف عورتهما، وإظهارها لأعينهما بعد أن كانت مستترةً.
* * *
وقد بينا فيما مضى أن معنى"الفتنة"، الاختبار والابتلاء، بما أغنى عن إعادته. (١)
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في صفة"اللباس" الذي أخبر الله جل ثناؤه أنه نزعه عن أبوينا، وما كان.
فقال بعضهم: كان ذلك أظفارًا.
* ذكر من لم يذكر قوله فيما مضى من كتابنا هذا في ذلك:
١٤٤٥١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن عكرمة: (ينزع عنهما لباسهما)، قال: لباس كل دابة منها، ولباس الإنسان الظُّفر، فأدركت آدم التوبة عند ظُفُره = أو قال: أظفاره.
١٤٤٥٢- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الحميد الحماني، عن نضر
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يا بني آدم، لا يخدعنكم الشيطان فيبدي سوءاتكم للناس بطاعتكم إياه عند اختباره لكم، كما فعل بأبويكم آدم وحواء عند اختباره إياهما فأطاعاه وعصيا ربهما، فأخرجهما بما سبَّب لهما من مكره وخدعه، من الجنة، ونزع عنهما ما كان ألبسهما من اللباس، ليريهما سوءاتهما بكشف عورتهما، وإظهارها لأعينهما بعد أن كانت مستترةً.
* * *
وقد بينا فيما مضى أن معنى"الفتنة"، الاختبار والابتلاء، بما أغنى عن إعادته. (١)
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في صفة"اللباس" الذي أخبر الله جل ثناؤه أنه نزعه عن أبوينا، وما كان.
فقال بعضهم: كان ذلك أظفارًا.
* ذكر من لم يذكر قوله فيما مضى من كتابنا هذا في ذلك:
١٤٤٥١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن عكرمة: (ينزع عنهما لباسهما)، قال: لباس كل دابة منها، ولباس الإنسان الظُّفر، فأدركت آدم التوبة عند ظُفُره = أو قال: أظفاره.
١٤٤٥٢- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الحميد الحماني، عن نضر
(١) انظر تفسير ((الفتنة)) فيما سلف ١١: ٣٨٨، تعليق: ١، والمراجع هناك.
373
أبي عمر، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: تركت أظفاره عليه زينة ومنافع، في قوله: (ينزع عنهما لباسهما). (١)
١٤٤٥٣- حدثني أحمد بن الوليد القرشي قال، حدثنا إبراهيم بن أبي الوزير قال، أخيرنا مخلد بن الحسين، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس في قوله: (ينزع عنهما لباسهما)، قال: كان لباسهما الظفر، فلما أصابا الخطيئة نزع عنهما، وتركت الأظفار تذكرة وزينة.
١٤٤٥٤- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة في قوله: (ينزع عنهما لباسهما)، قال: كان لباسه الظفر، فانتهت توبته إلى أظفاره.
* * *
وقال آخرون: كان لباسهما نورًا.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٤٥٥- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن وهب بن منبه: (ينزع عنهما لباسهما)، النور.
١٤٤٥٦- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة قال، حدثنا عمرو قال، سمعت وهب بن منبه يقول في قوله: (ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما)، قال: كان لباس آدم وحواء نورًا على فروجهما، لا يرى هذا عورة هذه، ولا هذه عورة هذا.
* * *
١٤٤٥٣- حدثني أحمد بن الوليد القرشي قال، حدثنا إبراهيم بن أبي الوزير قال، أخيرنا مخلد بن الحسين، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس في قوله: (ينزع عنهما لباسهما)، قال: كان لباسهما الظفر، فلما أصابا الخطيئة نزع عنهما، وتركت الأظفار تذكرة وزينة.
١٤٤٥٤- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة في قوله: (ينزع عنهما لباسهما)، قال: كان لباسه الظفر، فانتهت توبته إلى أظفاره.
* * *
وقال آخرون: كان لباسهما نورًا.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٤٥٥- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن وهب بن منبه: (ينزع عنهما لباسهما)، النور.
١٤٤٥٦- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة قال، حدثنا عمرو قال، سمعت وهب بن منبه يقول في قوله: (ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما)، قال: كان لباس آدم وحواء نورًا على فروجهما، لا يرى هذا عورة هذه، ولا هذه عورة هذا.
* * *
(١) الأثر: ١٤٤٥٢ - ((عبد الحميد الحماني)) هو ((عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني))، مضى برقم: ٧١٨، ٧٨٦٣.
و ((نضر، أبو عمر)) هو ((النضر بن عبد الرحمن))، أبو عمر الخراز، مضى أيضًا برقم ٧١٨، ١٠٣٧٣، وكان في المطبوعة: ((نصر بن عمر))، غير ما في المخطوطة، وهو فيها: ((نصر أبي عمر))، غير منقوطة.
و ((نضر، أبو عمر)) هو ((النضر بن عبد الرحمن))، أبو عمر الخراز، مضى أيضًا برقم ٧١٨، ١٠٣٧٣، وكان في المطبوعة: ((نصر بن عمر))، غير ما في المخطوطة، وهو فيها: ((نصر أبي عمر))، غير منقوطة.
374
وقال آخرون: إنما عنى الله بقوله: (ينزع عنهما لباسهما)، يسلبهما تقوى الله.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٤٥٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا مطلب بن زياد، عن ليث، عن مجاهد: (ينزع عنهما لباسهما)، قال: التقوى. (١)
١٤٤٥٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن ليث، عن مجاهد: (ينزع عنهما لباسهما)، قال: التقوى.
١٤٤٥٩- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد، مثله.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في تأويل ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى حذر عباده أن يفتنهم الشيطان كما فتن أبويهم آدم وحواء، وأن يجرِّدهم من لباس الله الذي أنزله إليهم، كما نزع عن أبويهم لباسهما."اللباس" المطلق من الكلام بغير إضافة إلى شيء في متعارف الناس، وهو ما اجتابَ فيه اللابس من أنواع الكُسي، (٢) أو غطى بدنه أو بعضه.
وإذ كان ذلك كذلك، فالحق أن يقال: إن الذي أخبر الله عن آدم وحواء من لباسهما الذي نزعه عنهما الشيطان، هو بعض ما كانا يواريان به أبدانهما وعوْرَتهما.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٤٥٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا مطلب بن زياد، عن ليث، عن مجاهد: (ينزع عنهما لباسهما)، قال: التقوى. (١)
١٤٤٥٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن ليث، عن مجاهد: (ينزع عنهما لباسهما)، قال: التقوى.
١٤٤٥٩- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد، مثله.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في تأويل ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى حذر عباده أن يفتنهم الشيطان كما فتن أبويهم آدم وحواء، وأن يجرِّدهم من لباس الله الذي أنزله إليهم، كما نزع عن أبويهم لباسهما."اللباس" المطلق من الكلام بغير إضافة إلى شيء في متعارف الناس، وهو ما اجتابَ فيه اللابس من أنواع الكُسي، (٢) أو غطى بدنه أو بعضه.
وإذ كان ذلك كذلك، فالحق أن يقال: إن الذي أخبر الله عن آدم وحواء من لباسهما الذي نزعه عنهما الشيطان، هو بعض ما كانا يواريان به أبدانهما وعوْرَتهما.
(١) الأثر: ١٤٤٥٧ - ((مطلب بن زياد بن أبي زهير الثقفي))، قال ابن سعد: ((كان ضعيفًا في الحديث جدًا))، وقال ابن عدي: ((وله أحاديث حسان وغرائب، ولم أر له منكرًا، وأرجو أنه لا بأس به)). مترجم في التهذيب، والبخاري في الكبير ٤ / ٢ / ٨، ولم يذكر فيه جرحًا، وابن أبي حاتم ٤ /١ / ٣٦٠، وذكر أن أحمد ويحيى بن معين وثقا. وقال أبو حاتم: ((يكتب حديثه، ولا يحتج به)).
(٢) في المطبوعة: ((هو ما اختار فيه اللابس من أنواع الكساء))، ولم يحسن قراءة المخطوطة، فغير كما سلف قريبًا، فرددتها إلى أصلها.
وقوله: ((اجتاب فيه اللابس))، أدخل ((فيه)) مع ((اجتاب))، وهو صحيح في قياس العربية، لأنهم قالوا: ((اجتاب الثوب والظلام))، إذا دخل فيهما، فأعطى ((اجتاب)) معنى ((دخل))، فألحق بها حرف الجر، لمعنى الدخول.
(٢) في المطبوعة: ((هو ما اختار فيه اللابس من أنواع الكساء))، ولم يحسن قراءة المخطوطة، فغير كما سلف قريبًا، فرددتها إلى أصلها.
وقوله: ((اجتاب فيه اللابس))، أدخل ((فيه)) مع ((اجتاب))، وهو صحيح في قياس العربية، لأنهم قالوا: ((اجتاب الثوب والظلام))، إذا دخل فيهما، فأعطى ((اجتاب)) معنى ((دخل))، فألحق بها حرف الجر، لمعنى الدخول.
375
وقد يجوز أن يكون ذلك كان ظفرًا= ويجوز أن يكون كان ذلك نورًا = ويجوز أن يكون غير ذلك = ولا خبر عندنا بأيِّ ذلك تثبت به الحجة، فلا قول في ذلك أصوب من أن يقال كما قال جلّ ثناؤه: (ينزع عنهما لباسهما).
* * *
وأضاف جل ثناؤه إلى إبليس إخراجَ آدم وحواء من الجنة، ونزعَ ما كان عليهما من اللباس عنهما، وإن كان الله جل ثناؤه هو الفاعل ذلك بهما عقوبة على معصيتهما إياه، إذ كان الذي كان منهما في ذلك عن تسْنيةِ ذلك لهما بمكره وخداعه، (١) فأضيف إليه أحيانًا بذلك المعنى، وإلى الله أحيانًا بفعله ذلك بهما.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (٢٧) ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: إن الشيطان يراكم هو= و"الهاء" في"إنه" عائدة على الشيطان = و"قبيله"، يعني: وصنفه وجنسه الذي هو منه واحدٌ جمع جيلا (٢) وهم الجن، كما:-
١٤٤٦٠- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: (إنه يراكم هو وقبيله)، قال: الجن والشياطين.
* * *
وأضاف جل ثناؤه إلى إبليس إخراجَ آدم وحواء من الجنة، ونزعَ ما كان عليهما من اللباس عنهما، وإن كان الله جل ثناؤه هو الفاعل ذلك بهما عقوبة على معصيتهما إياه، إذ كان الذي كان منهما في ذلك عن تسْنيةِ ذلك لهما بمكره وخداعه، (١) فأضيف إليه أحيانًا بذلك المعنى، وإلى الله أحيانًا بفعله ذلك بهما.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (٢٧) ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: إن الشيطان يراكم هو= و"الهاء" في"إنه" عائدة على الشيطان = و"قبيله"، يعني: وصنفه وجنسه الذي هو منه واحدٌ جمع جيلا (٢) وهم الجن، كما:-
١٤٤٦٠- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: (إنه يراكم هو وقبيله)، قال: الجن والشياطين.
(١) في المطبوعة: ((عن تسبيه ذلك لهما))، ولا معنى له، وهو في المخطوطة غير منقوط، وهذا صواب قراءته، ((سنى له الأمر))، سهله ويسره وفتحه.
(٢) في المطبوعة: ((الذي هو منه واحد جمعه قبل))، غير ما في المخطوطة، وفي المخطوطة كما كتبتها، إلا انه كتب ((صلا)) و ((الجيم)) بين القاف والجيم غير المنقوطة. واستظهرت هذا من نص أبي عبيدة في مجاز القرآن ١: ٢١٣، وهو: ((أي: وجيله الذي هو منه))، ومن نص صاحب لسان العرب: ((ويقال لكل جمع من شيء واحد، قبيل)). و ((الجيل)) كل صنف من الناس، أو الأمة. يقال: ((الترك جيل، والصين جيل، والعرب جيل، والروم جيل))، وهم كل قوم يختصون بلغة، وتنشأ من جمعهم أمة وصنف من الناس موصوف معروف.
(٢) في المطبوعة: ((الذي هو منه واحد جمعه قبل))، غير ما في المخطوطة، وفي المخطوطة كما كتبتها، إلا انه كتب ((صلا)) و ((الجيم)) بين القاف والجيم غير المنقوطة. واستظهرت هذا من نص أبي عبيدة في مجاز القرآن ١: ٢١٣، وهو: ((أي: وجيله الذي هو منه))، ومن نص صاحب لسان العرب: ((ويقال لكل جمع من شيء واحد، قبيل)). و ((الجيل)) كل صنف من الناس، أو الأمة. يقال: ((الترك جيل، والصين جيل، والعرب جيل، والروم جيل))، وهم كل قوم يختصون بلغة، وتنشأ من جمعهم أمة وصنف من الناس موصوف معروف.
376
١٤٤٦١- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (إنه يراكم هو وقبيله)، قال:"قبيله"، نسله.
* * *
وقوله: (من حيث لا ترونهم)، يقول: من حيث لا ترون أنتم، أيها الناس، الشيطان وقبيله = (إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون)، يقول: جعلنا الشياطين نُصراء الكفار الذين لا يوحِّدون الله ولا يصدقون رسله. (١)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (٢٨) ﴾
قال أبو جعفر: ذكر أن معنى"الفاحشة"، في هذا الموضع، (٢) ما:-
١٤٤٦٢- حدثني علي بن سعيد بن مسروق الكندي قال، حدثنا أبو محياة، عن منصور، عن مجاهد: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها)، قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة، يقولون:"نطوف كما ولدتنا أمهاتنا"، فتضع المرأة على قُبُلها النِّسعة أو الشيء، (٣) فتقول:
* * *
* * *
وقوله: (من حيث لا ترونهم)، يقول: من حيث لا ترون أنتم، أيها الناس، الشيطان وقبيله = (إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون)، يقول: جعلنا الشياطين نُصراء الكفار الذين لا يوحِّدون الله ولا يصدقون رسله. (١)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (٢٨) ﴾
قال أبو جعفر: ذكر أن معنى"الفاحشة"، في هذا الموضع، (٢) ما:-
١٤٤٦٢- حدثني علي بن سعيد بن مسروق الكندي قال، حدثنا أبو محياة، عن منصور، عن مجاهد: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها)، قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة، يقولون:"نطوف كما ولدتنا أمهاتنا"، فتضع المرأة على قُبُلها النِّسعة أو الشيء، (٣) فتقول:
الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ | فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلُّهُ (٤) |
(١) انظر تفسير ((ولي)) فيما سلف من فهارس اللغة (ولي).
(٢) انظر تفسير ((الفاحشة))، و ((الفحشاء)) فيما سلف: ص: ٢١٨، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٣) ((القبل)) (بضمتين) : فرج المرأة والرجل. و ((النسعة)) : قطعة من الجلد مضفورة عريضة، تجعل على صدر البعير.
(٤) الأثر: ١٤٤٦٢ - ((أبو محياة))، هو ((يحيى بن يعلي بن حرملة التيمي))، ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير ٤ /٢ / ٣١١، وابن أبي حاتم ٤ / ٢ / ١٩٦.
ةسيأتي تخريج الخبر في تخريج الآثار: ١٤٥٠٣ - ١٤٥٠٦.
(٢) انظر تفسير ((الفاحشة))، و ((الفحشاء)) فيما سلف: ص: ٢١٨، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٣) ((القبل)) (بضمتين) : فرج المرأة والرجل. و ((النسعة)) : قطعة من الجلد مضفورة عريضة، تجعل على صدر البعير.
(٤) الأثر: ١٤٤٦٢ - ((أبو محياة))، هو ((يحيى بن يعلي بن حرملة التيمي))، ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير ٤ /٢ / ٣١١، وابن أبي حاتم ٤ / ٢ / ١٩٦.
ةسيأتي تخريج الخبر في تخريج الآثار: ١٤٥٠٣ - ١٤٥٠٦.
377
١٤٤٦٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد في قوله: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا)، فاحشتهم أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة.
١٤٤٦٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن مفضل، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
١٤٤٦٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمران بن عيينة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير والشعبي: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا)، قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة.
١٤٤٦٥- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها)، قال: كان قبيلة من العرب من أهل اليمن يطوفون بالبيت عراة، فإذا قيل: لم تفعلون ذلك؟ قالوا: وجدنا عليها آباءنا، والله أمرنا بها.
١٤٤٦٦- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وإذا فعلوا فاحشة)، قال: طوافهم بالبيت عراة.
١٤٤٦٧- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد، عن مجاهد (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا)، قال: في طواف الحُمْس في الثياب، وغيرهم عراة. (١)
١٤٤٦٨- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا)،
١٤٤٦٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن مفضل، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
١٤٤٦٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمران بن عيينة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير والشعبي: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا)، قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة.
١٤٤٦٥- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها)، قال: كان قبيلة من العرب من أهل اليمن يطوفون بالبيت عراة، فإذا قيل: لم تفعلون ذلك؟ قالوا: وجدنا عليها آباءنا، والله أمرنا بها.
١٤٤٦٦- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وإذا فعلوا فاحشة)، قال: طوافهم بالبيت عراة.
١٤٤٦٧- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد، عن مجاهد (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا)، قال: في طواف الحُمْس في الثياب، وغيرهم عراة. (١)
١٤٤٦٨- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا)،
(١) ((الحمس))، جمع ((أحمس)) هم قريش، لتشددهم في دينهم، وانظر تفسير ذلك مفصلا فيما سلف ٣: ٥٥٧، تعليق: ١، وانظر الأثر رقم: ٣٨٣٢، وأنها: ((ملة قريش)).
378
قال: كان نساؤهم يطفن بالبيت عراة، فتلك الفاحشة التي وجدوا عليها آباءهم: (قل إن الله لا يأمر بالفحشاء)، الآية.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: وإذا فعل الذين لا يؤمنون بالله، الذين جعل الله الشياطين لهم أولياء، قبيحًا من الفعل، وهو"الفاحشة"، وذلك تعرِّيهم للطواف بالبيت وتجردهم له، فعُذِلوا على ما أتوا من قبيح فعلهم وعوتبوا عليه، قالوا:"وجدنا على مثل ما نفعل آباءنا، فنحن نفعل مثل ما كانوا يفعلون، ونقتدي بهديهم، ونستنّ بسنتهم، والله أمرنا به، فنحن نتبع أمره فيه".
يقول الله جل ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:"قل"، يا محمد، لهم:"إن الله لا يأمر بالفحشاء"، يقول: لا يأمر خلقه بقبائح الأفعال ومساويها ="أتقولون"، أيها الناس،"على الله ما لا تعلمون"، يقول: أتروون على الله أنه أمركم بالتعرِّي والتجرد من الثياب واللباس للطواف، (١) وأنتم لا تعلمون أنه أمركم بذلك؟
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه: (قل)، يا محمد، لهؤلاء الذين يزعمون أن الله أمرهم بالفحشاء كذبًا على الله: ما أمر ربي بما تقولون، بل (أمر ربي بالقسط)، يعني: بالعدل، (٢) كما:-
١٤٤٦٩- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: وإذا فعل الذين لا يؤمنون بالله، الذين جعل الله الشياطين لهم أولياء، قبيحًا من الفعل، وهو"الفاحشة"، وذلك تعرِّيهم للطواف بالبيت وتجردهم له، فعُذِلوا على ما أتوا من قبيح فعلهم وعوتبوا عليه، قالوا:"وجدنا على مثل ما نفعل آباءنا، فنحن نفعل مثل ما كانوا يفعلون، ونقتدي بهديهم، ونستنّ بسنتهم، والله أمرنا به، فنحن نتبع أمره فيه".
يقول الله جل ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:"قل"، يا محمد، لهم:"إن الله لا يأمر بالفحشاء"، يقول: لا يأمر خلقه بقبائح الأفعال ومساويها ="أتقولون"، أيها الناس،"على الله ما لا تعلمون"، يقول: أتروون على الله أنه أمركم بالتعرِّي والتجرد من الثياب واللباس للطواف، (١) وأنتم لا تعلمون أنه أمركم بذلك؟
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه: (قل)، يا محمد، لهؤلاء الذين يزعمون أن الله أمرهم بالفحشاء كذبًا على الله: ما أمر ربي بما تقولون، بل (أمر ربي بالقسط)، يعني: بالعدل، (٢) كما:-
١٤٤٦٩- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
(١) هكذا في المطبوعة والمخطوطة: ((أتروون على الله))، وأنا أرجح أن الصواب ((أتزورون))، أي: أتقولون الزور والكذب.
(٢) انظر تفسير ((القسط)) فيما سلف ص: ٢٢٤، تعليق: ٤، والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير ((القسط)) فيما سلف ص: ٢٢٤، تعليق: ٤، والمراجع هناك.
379
ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (قل أمر ربي بالقسط)، بالعدل.
١٤٤٧٠- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (قل أمر ربي بالقسط)، والقسط: العدل.
* * *
وأما قوله: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد)، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله. فقال بعضهم: معناه: وجِّهوا وجوهكم حيث كنتم في الصلاة إلى الكعبة.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٤٧١- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد)، إلى الكعبة حيثما صليتم، في الكنيسة وغيرها.
١٤٤٧٢- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد)، قال: إذا صليتم فاستقبلوا الكعبة، في كنائسكم وغيرها.
١٤٤٧٣- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد)، هو"المسجد"، الكعبة.
١٤٤٧٤- حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا خالد بن عبد الرحمن، عن عمر بن ذر، عن مجاهد في قوله: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد)، قال: الكعبة، حيثما كنت.
١٤٤٧٥- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد)، قال: أقيموها للقبلة، هذه القبلة التي أمركم الله بها.
* * *
١٤٤٧٠- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (قل أمر ربي بالقسط)، والقسط: العدل.
* * *
وأما قوله: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد)، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله. فقال بعضهم: معناه: وجِّهوا وجوهكم حيث كنتم في الصلاة إلى الكعبة.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٤٧١- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد)، إلى الكعبة حيثما صليتم، في الكنيسة وغيرها.
١٤٤٧٢- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد)، قال: إذا صليتم فاستقبلوا الكعبة، في كنائسكم وغيرها.
١٤٤٧٣- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد)، هو"المسجد"، الكعبة.
١٤٤٧٤- حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا خالد بن عبد الرحمن، عن عمر بن ذر، عن مجاهد في قوله: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد)، قال: الكعبة، حيثما كنت.
١٤٤٧٥- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد)، قال: أقيموها للقبلة، هذه القبلة التي أمركم الله بها.
* * *
380
وقال آخرون: بل عنى بذلك: واجعلوا سجودكم لله خالصًا، دون ما سواه من الآلهة والأنداد.
* ذكر من قال ذلك.
١٤٤٧٦- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد)، قال: في الإخلاص، أن لا تدعوا غيره، وأن تخلصوا له الدين.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذين التأويلين بتأويل الآية، ما قاله الربيع: وهو أن القوم أُمِروا أن يتوجهوا بصلاتهم إلى ربهم، لا إلى ما سواه من الأوثان والأصنام، وأن يجعلوا دعاءهم لله خالصًا، لا مُكاءً ولا تصدية. (١)
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالآية، لأن الله إنما خاطب بهذه الآية قومًا من مشركي العرب، لم يكونوا أهل كنائس وبيع، وإنما كانت الكنائس والبِيَع لأهل الكتابين. فغير معقول أن يقال لمن لا يصلي في كنيسة ولا بِيعة:"وجِّه وجهك إلى الكعبة في كنيسة أو بِيعةٍ".
* * *
وأما قوله: (وادعوه مخلصين له الدين)، فإنه يقول: واعملوا لربكم مخلصين له الدين والطاعة، لا تخلطوا ذلك بشرك، ولا تجعلوا في شيء مما تعملون له شريكًا، (٢) كما:-
١٤٤٧٧- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: (وادعوه مخلصين له الدين)، قال: أن تخلصوا له الدين والدعوة والعمل، ثم توجِّهون إلى البيت الحرام.
* * *
* ذكر من قال ذلك.
١٤٤٧٦- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد)، قال: في الإخلاص، أن لا تدعوا غيره، وأن تخلصوا له الدين.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذين التأويلين بتأويل الآية، ما قاله الربيع: وهو أن القوم أُمِروا أن يتوجهوا بصلاتهم إلى ربهم، لا إلى ما سواه من الأوثان والأصنام، وأن يجعلوا دعاءهم لله خالصًا، لا مُكاءً ولا تصدية. (١)
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالآية، لأن الله إنما خاطب بهذه الآية قومًا من مشركي العرب، لم يكونوا أهل كنائس وبيع، وإنما كانت الكنائس والبِيَع لأهل الكتابين. فغير معقول أن يقال لمن لا يصلي في كنيسة ولا بِيعة:"وجِّه وجهك إلى الكعبة في كنيسة أو بِيعةٍ".
* * *
وأما قوله: (وادعوه مخلصين له الدين)، فإنه يقول: واعملوا لربكم مخلصين له الدين والطاعة، لا تخلطوا ذلك بشرك، ولا تجعلوا في شيء مما تعملون له شريكًا، (٢) كما:-
١٤٤٧٧- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: (وادعوه مخلصين له الدين)، قال: أن تخلصوا له الدين والدعوة والعمل، ثم توجِّهون إلى البيت الحرام.
* * *
(١) ((المكاء)) : الصفير، و ((التصدية)) : التصفيق. كانوا يطوفون بالبيت عراة يصفرون بأفواههم، ويصفقون بأيديهم.
(٢) انظر تفسير ((الدعاء))، و ((الإخلاص)) فيما سلف من فهارس اللغة (دعا) و (خلص).
(٢) انظر تفسير ((الدعاء))، و ((الإخلاص)) فيما سلف من فهارس اللغة (دعا) و (خلص).
381
القول في تأويل قوله: ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (كما بدأكم تعودون).
فقال بعضهم: تأويله: كما بدأكم أشقياء وسُعَداء، كذلك تبعثون يوم القيامة.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٤٧٨- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (كما بدأكم تعودون فريقًا هدى وفريقًا حق عليهم الضلالة)، قال: إن الله سبحانه بدأ خلق ابن آدم مؤمنًا وكافرًا، كما قال جل ثناؤه: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ)، [سورة التغابن: ٢]، ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم، مؤمنًا وكافرًا.
١٤٤٧٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور قال، حدثنا أصحابنا، عن ابن عباس: (كما بدأكم تعودون)، قال: يبعث المؤمن مؤمنًا، والكافر كافرًا.
١٤٤٨٠- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا يحيى بن الضريس، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن رجل، عن جابر قال: يبعثون على ما كانوا عليه، المؤمن على إيمانه، والمنافق على نفاقه. (١)
١٤٤٨١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع، عن أبي العالية قال: عادوا إلى علمه فيهم، ألم تسمع إلى قول الله فيهم: (كما بدأكم تعودون) ؟ ألم تسمع قوله: (فريقًا هدى وفريقًا حق عليهم الضلالة) ؟.
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (كما بدأكم تعودون).
فقال بعضهم: تأويله: كما بدأكم أشقياء وسُعَداء، كذلك تبعثون يوم القيامة.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٤٧٨- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (كما بدأكم تعودون فريقًا هدى وفريقًا حق عليهم الضلالة)، قال: إن الله سبحانه بدأ خلق ابن آدم مؤمنًا وكافرًا، كما قال جل ثناؤه: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ)، [سورة التغابن: ٢]، ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم، مؤمنًا وكافرًا.
١٤٤٧٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور قال، حدثنا أصحابنا، عن ابن عباس: (كما بدأكم تعودون)، قال: يبعث المؤمن مؤمنًا، والكافر كافرًا.
١٤٤٨٠- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا يحيى بن الضريس، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن رجل، عن جابر قال: يبعثون على ما كانوا عليه، المؤمن على إيمانه، والمنافق على نفاقه. (١)
١٤٤٨١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع، عن أبي العالية قال: عادوا إلى علمه فيهم، ألم تسمع إلى قول الله فيهم: (كما بدأكم تعودون) ؟ ألم تسمع قوله: (فريقًا هدى وفريقًا حق عليهم الضلالة) ؟.
(١) الأثر: ١٤٤٨٠ - ((يحيى بن الضريس بن يسار البجلي الرازي)) ثقة، كان صحيح الكتب، جيد الأخذ. مترجم في التهذيب، والكبير ٤ /٢ / ٢٨٢، وابن أبي حاتم ٤ / ٢ / ١٥٨.
382
١٤٤٨٢- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية: (كما بدأكم تعودون)، قال: رُدُّوا إلى علمه فيهم.
١٤٤٨٣- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو همام الأهوازي قال، حدثنا موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب في قوله: (كما بدأكم تعودون)، قال: من ابتدأ الله خلقه على الشِّقوة صار إلى ما ابتدأ الله خلقه عليه، وإن عمل بأعمال أهل السعادة، كما أن إبليس عمل بأعمال أهل السعادة، ثم صار إلى ما ابتدئ عليه خلقه. ومن ابتدئ خلقه على السعادة، صار إلى ما ابتدئ عليه خلقه، وإن عمل بأعمال أهل الشقاء، كما أن السحرة عملت بأعمال أهل الشقاء، (١) ثم صاروا إلى ما ابتدئ عليه خلقهم.
١٤٤٨٤- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن وِقَاء بن إياس أبي يزيد، عن مجاهد: (كما بدأكم تعودون)، قال: يبعث المسلم مسلمًا، والكافر كافرًا. (٢)
١٤٤٨٥- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو دكين قال، حدثنا سفيان، عن أبي يزيد، عن مجاهد: (كما بدأكم تعودون)، قال: يبعث المسلم مسلمًا، والكافر كافرًا. (٣)
١٤٤٨٦- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا محمد بن أبي الوضاح، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير: (كما بدأكم تعودون)، قال: كما كتب عليكم تكونون.
١٤٤٨٣- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو همام الأهوازي قال، حدثنا موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب في قوله: (كما بدأكم تعودون)، قال: من ابتدأ الله خلقه على الشِّقوة صار إلى ما ابتدأ الله خلقه عليه، وإن عمل بأعمال أهل السعادة، كما أن إبليس عمل بأعمال أهل السعادة، ثم صار إلى ما ابتدئ عليه خلقه. ومن ابتدئ خلقه على السعادة، صار إلى ما ابتدئ عليه خلقه، وإن عمل بأعمال أهل الشقاء، كما أن السحرة عملت بأعمال أهل الشقاء، (١) ثم صاروا إلى ما ابتدئ عليه خلقهم.
١٤٤٨٤- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن وِقَاء بن إياس أبي يزيد، عن مجاهد: (كما بدأكم تعودون)، قال: يبعث المسلم مسلمًا، والكافر كافرًا. (٢)
١٤٤٨٥- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو دكين قال، حدثنا سفيان، عن أبي يزيد، عن مجاهد: (كما بدأكم تعودون)، قال: يبعث المسلم مسلمًا، والكافر كافرًا. (٣)
١٤٤٨٦- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا محمد بن أبي الوضاح، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير: (كما بدأكم تعودون)، قال: كما كتب عليكم تكونون.
(١) يعني سحرة فرعون، الذين آمنوا بموسى عليه وعلى نبينا السلام.
(٢) الأثر: ١٤٤٨٤ - ((وقاء بن إياس الأسدي الوالبي))، أبو يزيد، ثقة، متكلم فيه، قال يحيى بن سعيد: ((ما كان بالذي يعتمد عليه)). مترجم في التهذيب، والكبير ٤ /٢ / ١٨٨، ولم يذكر فيه جرحًا، وابن أبي حاتم ٤ / ٢ / ٤٩. وكان في المخطوطة: ((ورقاء بن إياس))، والصواب ما في المطبوعة.
(٣) الأثر: ١٤٤٨٥ - ((أبو يزيد))، هو ((وقاء بن إياس))، المترجم في التعليق السالف.
(٢) الأثر: ١٤٤٨٤ - ((وقاء بن إياس الأسدي الوالبي))، أبو يزيد، ثقة، متكلم فيه، قال يحيى بن سعيد: ((ما كان بالذي يعتمد عليه)). مترجم في التهذيب، والكبير ٤ /٢ / ١٨٨، ولم يذكر فيه جرحًا، وابن أبي حاتم ٤ / ٢ / ٤٩. وكان في المخطوطة: ((ورقاء بن إياس))، والصواب ما في المطبوعة.
(٣) الأثر: ١٤٤٨٥ - ((أبو يزيد))، هو ((وقاء بن إياس))، المترجم في التعليق السالف.
383
١٤٤٨٧- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سالم، عن سعيد، مثله.
١٤٤٨٨- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (كما بدأكم تعودون فريقًا هدى وفريقًا حق عليهم الضلالة)، يقول: كما بدأكم تعودون، كما خلقناكم، فريق مهتدون، وفريق ضال، كذلك تعودون وتخرجون من بطون أمهاتكم.
١٤٤٨٩- حدثنا ابن بشار، قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا أبي سفيان، عن الأعمش، عن سفيان، عن جابر، أن النبي ﷺ قال: تُبعث كل نفس على ما كانت عليه. (١)
١٤٤٩٠- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو داود الحفري، عن شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير: (كما بدأكم تعودون)، قال: كما كتب عليكم تكونون.
١٤٤٩١- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا حماد بن زيد، عن ليث، عن مجاهد قال، يبعث المؤمن مؤمنًا، والكافر كافرًا.
١٤٤٩٢- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (كما بدأكم تعودون)، شقيًّا وسعيدًا.
١٤٤٩٣- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك قراءة عن مجاهد، مثله.
* * *
١٤٤٨٨- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (كما بدأكم تعودون فريقًا هدى وفريقًا حق عليهم الضلالة)، يقول: كما بدأكم تعودون، كما خلقناكم، فريق مهتدون، وفريق ضال، كذلك تعودون وتخرجون من بطون أمهاتكم.
١٤٤٨٩- حدثنا ابن بشار، قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا أبي سفيان، عن الأعمش، عن سفيان، عن جابر، أن النبي ﷺ قال: تُبعث كل نفس على ما كانت عليه. (١)
١٤٤٩٠- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو داود الحفري، عن شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير: (كما بدأكم تعودون)، قال: كما كتب عليكم تكونون.
١٤٤٩١- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا حماد بن زيد، عن ليث، عن مجاهد قال، يبعث المؤمن مؤمنًا، والكافر كافرًا.
١٤٤٩٢- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (كما بدأكم تعودون)، شقيًّا وسعيدًا.
١٤٤٩٣- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك قراءة عن مجاهد، مثله.
* * *
(١) الأثر: ١٤٤٨٩ - ((أبو سفيان))، هو ((طلحة بن نافع القرشي الواسطي))، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: ٦٦٥٤، ١١٥١٧، ١١٥١٨. وهو الذي يروي عن جابر، والأعمش روايته. وكان في المطبوعة والمخطوطة: ((عن سفيان، عن جابر))، وهو خطأ لا شك فيه، صوابه منقولا عن تفسير الطبري، في تفسير ابن كثير ٣: ٤٦٦.
وهذا خبر صحيح الإسناد. رواه مسلم في صحيحه ١٧: ٢١٠، من طريقين عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، ولفظه: ((يبعث كل عبد على ما مات عليه)).
رواه ابن ماجه في سننه ١٤١٤، رقم: ٤٢٣٠، من طريق شريك، عن الأعمش، ولفظه: ((يحشر الناس على نياتهم)).
وهذا خبر صحيح الإسناد. رواه مسلم في صحيحه ١٧: ٢١٠، من طريقين عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، ولفظه: ((يبعث كل عبد على ما مات عليه)).
رواه ابن ماجه في سننه ١٤١٤، رقم: ٤٢٣٠، من طريق شريك، عن الأعمش، ولفظه: ((يحشر الناس على نياتهم)).
384
وقال آخرون: معنى ذلك: كما خلقكم ولم تكونوا شيئًا، تعودون بعد الفناء.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٤٩٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا غندر، عن عوف، عن الحسن: (كما بدأكم تعودون)، قال: كما بدأكم ولم تكونوا شيئًا فأحياكم، كذلك يميتكم، ثم يحييكم يوم القيامة.
١٤٤٩٥- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الأعلى، عن عوف، عن الحسن: (كما بدأكم تعودون)، قال: كما بدأكم في الدنيا، كذلك تعودون يوم القيامة أحياء.
١٤٤٩٦- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (كما بدأكم تعودون)، قال: بدأ خلقهم ولم يكونوا شيئًا، ثم ذهبوا، ثم يعيدهم.
١٤٤٩٧- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (كما بدأكم تعودون فريقًا هدى)، يقول: كما خلقناكم أول مرة، كذلك تعودون.
١٤٤٩٨- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (كما بدأكم تعودون)، يحييكم بعد موتكم.
١٤٤٩٩- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (كما بدأكم تعودون)، قال: كما خلقهم أولا كذلك يعيدهم آخرًا.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب، القولُ الذي قاله من قال: معناه: كما بدأكم الله خلقًا بعد أن لم تكونوا شيئًا، تعودون بعد فنائكم خلقًا مثله، يحشركم إلى يوم القيامة = لأن الله تعالى ذكره: أمر نبيه صلى الله
* ذكر من قال ذلك:
١٤٤٩٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا غندر، عن عوف، عن الحسن: (كما بدأكم تعودون)، قال: كما بدأكم ولم تكونوا شيئًا فأحياكم، كذلك يميتكم، ثم يحييكم يوم القيامة.
١٤٤٩٥- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الأعلى، عن عوف، عن الحسن: (كما بدأكم تعودون)، قال: كما بدأكم في الدنيا، كذلك تعودون يوم القيامة أحياء.
١٤٤٩٦- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (كما بدأكم تعودون)، قال: بدأ خلقهم ولم يكونوا شيئًا، ثم ذهبوا، ثم يعيدهم.
١٤٤٩٧- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (كما بدأكم تعودون فريقًا هدى)، يقول: كما خلقناكم أول مرة، كذلك تعودون.
١٤٤٩٨- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (كما بدأكم تعودون)، يحييكم بعد موتكم.
١٤٤٩٩- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (كما بدأكم تعودون)، قال: كما خلقهم أولا كذلك يعيدهم آخرًا.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب، القولُ الذي قاله من قال: معناه: كما بدأكم الله خلقًا بعد أن لم تكونوا شيئًا، تعودون بعد فنائكم خلقًا مثله، يحشركم إلى يوم القيامة = لأن الله تعالى ذكره: أمر نبيه صلى الله
385
عليه وسلم أن يُعْلم بما في هذه الآية قومًا مشركين أهلَ جاهلية، لا يؤمنون بالمعاد، ولا يصدِّقون بالقيامة. فأمره أن يدعوهم إلى الإقرار بأن الله باعثهم يوم القيامة، ومثيبُ مَنْ أطاعه، ومعاقبُ مَنْ عصاه. فقال له: قل لهم: أمرَ ربي بالقسط، وأن أقيموا وجوهكم عند كل مسجد، وأن ادعوه مخلصين له الدين، وأن أقرُّوا بأنْ كما بدأكم تعودون = فترك ذكر"وأن أقروا بأن". كما ترك ذكر"أن" مع"أقيموا"، إذ كان فيما ذكر دلالة على ما حذف منه.
وإذ كان ذلك كذلك، فلا وجه لأن يؤمر بدعاء مَنْ كان جاحدًا النشورَ بعد الممات، إلى الإقرار بالصفة التي عليها ينشر مَنْ نُشِر، وإنما يؤمر بالدعاء إلى ذلك مَنْ كان بالبعث مصدّقًا، فأما مَنْ كان له جاحدًا، فإنما يدعى إلى الإقرار به، ثم يعرَّف كيف شرائط البعث. على أن في الخبر الذي رُوي عن رسول الله ﷺ الذي:-
١٤٥٠٠- حدثناه محمد بن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا سفيان قال، حدثني المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال: يُحْشر الناس عُراة غُرْلا وأوّل مَنْ يكسى إبراهيم صلى الله عليه وسلم. ثم قرأ: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)، [سورة الأنبياء: ١٠٤]
١٤٥٠١- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا إسحاق بن يوسف قال، حدثنا سفيان، عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه.
١٤٥٠٢- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله ﷺ بموعظة، فقال: يا أيها الناس، إنكم تحشرون
وإذ كان ذلك كذلك، فلا وجه لأن يؤمر بدعاء مَنْ كان جاحدًا النشورَ بعد الممات، إلى الإقرار بالصفة التي عليها ينشر مَنْ نُشِر، وإنما يؤمر بالدعاء إلى ذلك مَنْ كان بالبعث مصدّقًا، فأما مَنْ كان له جاحدًا، فإنما يدعى إلى الإقرار به، ثم يعرَّف كيف شرائط البعث. على أن في الخبر الذي رُوي عن رسول الله ﷺ الذي:-
١٤٥٠٠- حدثناه محمد بن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا سفيان قال، حدثني المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال: يُحْشر الناس عُراة غُرْلا وأوّل مَنْ يكسى إبراهيم صلى الله عليه وسلم. ثم قرأ: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)، [سورة الأنبياء: ١٠٤]
١٤٥٠١- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا إسحاق بن يوسف قال، حدثنا سفيان، عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه.
١٤٥٠٢- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله ﷺ بموعظة، فقال: يا أيها الناس، إنكم تحشرون
386
إلى الله حُفَاة غُرْلا (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ). (١)
* * *
= (٢) ما يبيِّن صحة القول الذي قلنا في ذلك، من أن معناه: أن الخلقَ يعودون إلى الله يوم القيامة خلقًا أحياء، كما بدأهم في الدنيا خلقًا أحياء.
* * *
يقال منه:"بدأ الله الخلق يبدؤهم = وأبدأَهُم يُبْدِئهم إبداءً"، بمعنى خلقهم، لغتان فصيحتان.
* * *
ثم ابتدأ الخبر جل ثناؤه عما سبق من علمه في خلقه، وجرى به فيهم قضاؤه، فقال: هدى الله منهم فريقًا فوفّقهم لصالح الأعمال فهم مهتدون، وحقَّ على فريق منهم الضلالة عن الهدى والرشاد، باتخاذهم الشيطان من دون الله وليًّا.
* * *
وإذا كان التأويل هذا، كان"الفريق" الأول منصوبًا بإعمال"هدى" فيه، و"الفريق"، الثاني بوقوع قوله:"حق" على عائد ذكره في"عليهم"، كما قال جل ثناؤه: (يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)، (٣) [سورة الإنسان: ٣١]
* * *
* * *
= (٢) ما يبيِّن صحة القول الذي قلنا في ذلك، من أن معناه: أن الخلقَ يعودون إلى الله يوم القيامة خلقًا أحياء، كما بدأهم في الدنيا خلقًا أحياء.
* * *
يقال منه:"بدأ الله الخلق يبدؤهم = وأبدأَهُم يُبْدِئهم إبداءً"، بمعنى خلقهم، لغتان فصيحتان.
* * *
ثم ابتدأ الخبر جل ثناؤه عما سبق من علمه في خلقه، وجرى به فيهم قضاؤه، فقال: هدى الله منهم فريقًا فوفّقهم لصالح الأعمال فهم مهتدون، وحقَّ على فريق منهم الضلالة عن الهدى والرشاد، باتخاذهم الشيطان من دون الله وليًّا.
* * *
وإذا كان التأويل هذا، كان"الفريق" الأول منصوبًا بإعمال"هدى" فيه، و"الفريق"، الثاني بوقوع قوله:"حق" على عائد ذكره في"عليهم"، كما قال جل ثناؤه: (يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)، (٣) [سورة الإنسان: ٣١]
* * *
(١) الآثار: ١٤٥٠٠ - ١٤٥٠٢ - ((المغيرة بن النعمان النخعي))، ثقة، مضى برقم: ١٣٦٢٢.
وهذا الخبر رواه البخاري من طريق شعبة، عن المغيرة في صحيحه (الفتح ٨: ٣٣٢ / ١١: ٣٣١) مطولا، ورواه مسلم في صحيحه مطولا: ١٧: ١٩٣، ١٩٤ من طريق شعبة أيضًا. ورواه أحمد في المسند مطولا ومختصرًا رقم: ١٩٥٠، ٢٠٢٧، من طريق سفيان الثوري مختصرًا، كما رواه الطبري. ثم رواه مطولا من طريق شعبة رقم: ٢٠٩٦، ٢٢٨١، ٢٢٨٢. ورواه النسائي في سننه ٤: ١١٧.
وسيرويه أبو جعفر بأسانيده هذه فيما يلي، في تفسير ((سورة الأنبياء)) ١٧: ٨٠ (بولاق).
و ((الغرل)) جمع ((أغرل))، هو الأقلف الذي لم يختن.
(٢) هذا تمام الكلام الأول، والسياق:
(٣) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٧٦.
وهذا الخبر رواه البخاري من طريق شعبة، عن المغيرة في صحيحه (الفتح ٨: ٣٣٢ / ١١: ٣٣١) مطولا، ورواه مسلم في صحيحه مطولا: ١٧: ١٩٣، ١٩٤ من طريق شعبة أيضًا. ورواه أحمد في المسند مطولا ومختصرًا رقم: ١٩٥٠، ٢٠٢٧، من طريق سفيان الثوري مختصرًا، كما رواه الطبري. ثم رواه مطولا من طريق شعبة رقم: ٢٠٩٦، ٢٢٨١، ٢٢٨٢. ورواه النسائي في سننه ٤: ١١٧.
وسيرويه أبو جعفر بأسانيده هذه فيما يلي، في تفسير ((سورة الأنبياء)) ١٧: ٨٠ (بولاق).
و ((الغرل)) جمع ((أغرل))، هو الأقلف الذي لم يختن.
(٢) هذا تمام الكلام الأول، والسياق:
((على أن في الخبر الذي روى عن رسول الله | ما يبيّن صحة القول)). |
387
ومن وجه تأويل ذلك إلى أنه: كما بدأكم في الدنيا صنفين: كافرًا، ومؤمنًا، كذلك تعودون في الآخرة فريقين: فريقًا هدى، وفريقًا حق عليهم الضلالة = نصب"فريقًا"، الأول بقوله:"تعودون"، وجعل الثاني عطفًا عليه. وقد بينا الصواب عندنا من القول فيه. (١)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٠) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الفريق الذي حق عليهم الضلالة، إنما ضلوا عن سبيل الله وجارُوا عن قصد المحجة، باتخاذهم الشياطين نُصراء من دون الله، وظُهراء، (٢) جهلا منهم بخطأ ما هم عليه من ذلك، بل فعلوا ذلك وهم يظنون أنهم على هدى وحق، وأن الصواب ما أتوه وركبوا.
وهذا من أبين الدلالة على خطأ قول من زعمَ أن الله لا يعذِّب أحدًا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها، إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها، فيركبها عنادًا منه لربه فيها. لأن ذلك لو كان كذلك، لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضلّ وهو يحسَبُ أنه هادٍ. وفريق الهدى، (٣) فَرْقٌ. وقد فرَّق الله بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية.
* * *
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٠) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الفريق الذي حق عليهم الضلالة، إنما ضلوا عن سبيل الله وجارُوا عن قصد المحجة، باتخاذهم الشياطين نُصراء من دون الله، وظُهراء، (٢) جهلا منهم بخطأ ما هم عليه من ذلك، بل فعلوا ذلك وهم يظنون أنهم على هدى وحق، وأن الصواب ما أتوه وركبوا.
وهذا من أبين الدلالة على خطأ قول من زعمَ أن الله لا يعذِّب أحدًا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها، إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها، فيركبها عنادًا منه لربه فيها. لأن ذلك لو كان كذلك، لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضلّ وهو يحسَبُ أنه هادٍ. وفريق الهدى، (٣) فَرْقٌ. وقد فرَّق الله بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية.
* * *
(١) انظر تفسير ((فريق)) فيما سلف ١١: ٤٩٠، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير ((ولي)) فيما سلف من فهارس اللغة (ولي).
(٣) انظر تفسير ((حسب)) فيما سلف ١٠: ٤٧٨، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير ((ولي)) فيما سلف من فهارس اللغة (ولي).
(٣) انظر تفسير ((حسب)) فيما سلف ١٠: ٤٧٨، تعليق: ١، والمراجع هناك.
القول في تأويل قوله: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لهؤلاء الذين يتعرَّون عند طوافهم ببيته الحرام، ويبدون عوراتهم هنالك من مشركي العرب، والمحرِّمين منهم أكل ما لم يحرِّمه الله عليهم من حلال رزقه، تبرُّرًا عند نفسه لربه: (يا بني آدم خذوا زينتكم)، من الكساء واللباس = (عند كل مسجد وكلوا)، من طيبات ما رزقتكم، وحللته لكم = (واشربوا)، من حلال الأشربة، ولا تحرِّموا إلا ما حَرَّمْتُ عليكم في كتابي أو على لسان رسولي محمد صلى الله عليه وسلم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٥٠٣- حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي قال، حدثنا خالد بن الحارث قال، حدثنا شعبة، عن سلمة، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن النساء كنّ يطفن بالبيت عراة = وقال في موضع آخر: بغير ثياب = إلا أن تجعل المرأة على فرجها خِرقة، فيما وُصِف إن شاء الله، وتقول:
قال: فنزلت هذه الآية: (خذوا زينتكم عند كل مسجد). (١)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لهؤلاء الذين يتعرَّون عند طوافهم ببيته الحرام، ويبدون عوراتهم هنالك من مشركي العرب، والمحرِّمين منهم أكل ما لم يحرِّمه الله عليهم من حلال رزقه، تبرُّرًا عند نفسه لربه: (يا بني آدم خذوا زينتكم)، من الكساء واللباس = (عند كل مسجد وكلوا)، من طيبات ما رزقتكم، وحللته لكم = (واشربوا)، من حلال الأشربة، ولا تحرِّموا إلا ما حَرَّمْتُ عليكم في كتابي أو على لسان رسولي محمد صلى الله عليه وسلم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٥٠٣- حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي قال، حدثنا خالد بن الحارث قال، حدثنا شعبة، عن سلمة، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن النساء كنّ يطفن بالبيت عراة = وقال في موضع آخر: بغير ثياب = إلا أن تجعل المرأة على فرجها خِرقة، فيما وُصِف إن شاء الله، وتقول:
الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ | فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلُّهُ |
(١) الأثر: ١٤٥٠٣ - حديث شعبة، عن سلمة بن كهيل، رواه أبو جعفر من ثلاث طرق، سأخرجها في هذا الموضع.
((يحيى بن حبيب بن عربي الشيباني))، أبو زكرياء، ثقة، مضى برقم: ٧٨١٨، مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٤ / ٢ / ١٣٧.
((خالد بن الحارث بن عبيد الهجيمي))، ثقة ثبت إمام. مضى برقم: ٧٥٠٧، ٧٨١٨، ٩٨٧٨.
و ((سلمة))، هو ((سلمة بن كهيل))، مضى مرارًا.
و ((مسلم البطين)) هو ((مسلم بن عمران))، ثقة روى له الجماعة.
وهذا الخبر، رواه مسلم في صحيحه ١٨: ١٦٢، من طريق غندر، عن شعبة (وهو الآتي رقم: ١٤٥٠٦).
ورواه الحاكم في المستدرك ٢: ٣١٩، ٣٢٠ من طريق أبي داود الطيالسي، عن شعبة، بنحوه، ولكن قال: ((نزلت هذه الآية: قل من حرم زينة الله))، ثم قال الحاكم: ((حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه))، ووافقه الذهبي.
((يحيى بن حبيب بن عربي الشيباني))، أبو زكرياء، ثقة، مضى برقم: ٧٨١٨، مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٤ / ٢ / ١٣٧.
((خالد بن الحارث بن عبيد الهجيمي))، ثقة ثبت إمام. مضى برقم: ٧٥٠٧، ٧٨١٨، ٩٨٧٨.
و ((سلمة))، هو ((سلمة بن كهيل))، مضى مرارًا.
و ((مسلم البطين)) هو ((مسلم بن عمران))، ثقة روى له الجماعة.
وهذا الخبر، رواه مسلم في صحيحه ١٨: ١٦٢، من طريق غندر، عن شعبة (وهو الآتي رقم: ١٤٥٠٦).
ورواه الحاكم في المستدرك ٢: ٣١٩، ٣٢٠ من طريق أبي داود الطيالسي، عن شعبة، بنحوه، ولكن قال: ((نزلت هذه الآية: قل من حرم زينة الله))، ثم قال الحاكم: ((حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه))، ووافقه الذهبي.
389
١٤٥٠٤- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كانوا يطوفون عراة، الرجال بالنهار، والنساء بالليل، وكانت المرأة تقول:
390
الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ | فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلُّهُ |
١٤٥٠٥- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن ابن عباس: (خذوا زينتكم عند كل مسجد)، قال: الثياب.
١٤٥٠٦- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا غندر ووهب بن جرير، عن شعبة، عن سلمة بن كهيل قال: سمعت مسلمًا البطين يحدث، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كانت المرأة تطوف بالبيت عريانة = قال غندر: وهي عريانة = قال، وهب: كانت المرأة تطوف بالبيت وقد أخرجت صدرَها وما هنالك = قال غندر: وتقول:"مَنْ يعيرني تِطْوافًا"، (٢) تجعله على فرْجها وتقول:
الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ | فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلُّهُ |
١٤٥٠٧- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد)، قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة، فأمرهم الله أن يلبسوا ثيابهم ولا يتعرَّوا.
١٤٥٠٨- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) الآية" قال: كان رجال يطوفون بالبيت عراة، فأمرهم الله بالزينة = و"الزينة"، اللباس، وهو ما يواري السوءة، وما سوى ذلك من جيِّد البزِّ والمتاع = فأمروا أن يأخذوا زينتهم عند كل مسجد.
١٤٥٠٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي وابن فضيل، عن عبد الملك، عن عطاء: (خذوا زينتكم)، قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة، فأمروا أن يلبسوا ثيابهم.
١٤٥١٠- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم، عن عبد الملك، عن عطاء، بنحوه.
١٤٥١١- حدثني عمرو قال، حدثنا يحيى قال، حدثنا عبد الملك، عن عطاء في قوله: (خذوا زينتكم عند كل مسجد)، البسوا ثيابكم.
١٤٥١٢- حدثنا يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم في قوله: (خذوا زينتكم عند كل مسجد)، قال: كان ناس يطوفون بالبيت عراة، فنهوا عن ذلك.
١٤٥١٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم: (خذوا زينتكم عند كل مسجد)، قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة، فأمروا أن يلبسوا الثياب.
(١) الأثر: ١٤٥٠٤ - مكرر الأثر السالف، وهناك تخريجه.
(٢) ((تطواف)) (بكسر التاء) : ثوب كانوا يتخذونه للطواف، قال النووي: ((وكان أهل الجاهلية يطوفون عراة، ويرمون ثيابهم ويتركونها ملقاة على الأرض، ولا يأخذونها أبدًا، ويتركونها تداس بالأرجل حتى تبلى، ويسمى: اللقاء - حتى جاء الإسلام، فأمر الله بستر العورة فقال: خذوا زينتكم عند كل مسجد، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يطوف بالبيت عريان)) وروى ((تطواف)) (بفتح التاء)، وفسروه بأنه ((ذا تطواف))، على حذف المضاف.
(٣) الأثر: ١٤٥٠٦ - مكرر الأثرين السالفين: ١٤٥٠٣، ١٤٥٠٤، سلف تخريجه في أولهما. وهذا نص حديث مسلم.
(٢) ((تطواف)) (بكسر التاء) : ثوب كانوا يتخذونه للطواف، قال النووي: ((وكان أهل الجاهلية يطوفون عراة، ويرمون ثيابهم ويتركونها ملقاة على الأرض، ولا يأخذونها أبدًا، ويتركونها تداس بالأرجل حتى تبلى، ويسمى: اللقاء - حتى جاء الإسلام، فأمر الله بستر العورة فقال: خذوا زينتكم عند كل مسجد، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يطوف بالبيت عريان)) وروى ((تطواف)) (بفتح التاء)، وفسروه بأنه ((ذا تطواف))، على حذف المضاف.
(٣) الأثر: ١٤٥٠٦ - مكرر الأثرين السالفين: ١٤٥٠٣، ١٤٥٠٤، سلف تخريجه في أولهما. وهذا نص حديث مسلم.
391
١٤٥١٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد: (خذوا زينتكم عند كل مسجد)، قال: ما وارى العورة ولو عبَاءة.
١٤٥١٥- حدثنا عمرو قال: حدثنا يحيى بن سعيد، وأبو عاصم، وعبد الله بن داود، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد في قوله: (خذوا زينتكم عند كل مسجد)، قال: ما يواري عورتك، ولو عباءة.
١٤٥١٦- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (خذوا زينتكم عند كل مسجد)، في قريش، لتركهم الثياب في الطواف.
١٤٥١٧- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
١٤٥١٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي قال، حدثنا سفيان، عن سالم، عن سعيد بن جبير: (خذوا زينتكم عند كل مسجد)، قال: الثياب.
١٤٥١٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا زيد بن حباب، عن إبراهيم، عن نافع، عن ابن طاوس، عن أبيه: (خذوا زينتكم عند كل مسجد)، قال: الشَّمْلة من الزينة. (١)
١٤٥٢٠- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن طاوس: (خذوا زينتكم عند كل مسجد)، قال: الثياب.
١٤٥٢١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا سويد وأبو أسامة، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن سعيد بن جبير قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة،
١٤٥١٥- حدثنا عمرو قال: حدثنا يحيى بن سعيد، وأبو عاصم، وعبد الله بن داود، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد في قوله: (خذوا زينتكم عند كل مسجد)، قال: ما يواري عورتك، ولو عباءة.
١٤٥١٦- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (خذوا زينتكم عند كل مسجد)، في قريش، لتركهم الثياب في الطواف.
١٤٥١٧- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
١٤٥١٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي قال، حدثنا سفيان، عن سالم، عن سعيد بن جبير: (خذوا زينتكم عند كل مسجد)، قال: الثياب.
١٤٥١٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا زيد بن حباب، عن إبراهيم، عن نافع، عن ابن طاوس، عن أبيه: (خذوا زينتكم عند كل مسجد)، قال: الشَّمْلة من الزينة. (١)
١٤٥٢٠- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن طاوس: (خذوا زينتكم عند كل مسجد)، قال: الثياب.
١٤٥٢١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا سويد وأبو أسامة، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن سعيد بن جبير قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة،
(١) ((الشملة)) (بفتح فسكون) : كساء دون قطيفة، سمي بذلك لأنه يشمل البدن. ومنه ما نهى رسول الله عنه في الصلاة، وهو ((اشتمال الصماء))، وهو أن يشتمل بالثوب حتى يجلل جسده كله، ولا يرفع منه جانبًا فيكون فيه فرجة تخرج منها يده.
392
فطافت امرأة بالبيت وهي عريانة فقالت:
١٤٥٢٢- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (خذوا زينتكم عند كل مسجد)، قال: كان حي من أهل اليمن، كان أحدهم إذا قدم حاجًّا أو معتمرًا يقول:"لا ينبغي أن أطوف في ثوب قد دَنِسْتُ فيه"، (١) فيقول: من يعيرني مئزرًا؟ فإن قدر على ذلك، وإلا طاف عريانًا، فأنزل الله فيه ما تسمعون: (خذوا زينتكم عند كل مسجد).
١٤٥٢٣- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: قال الله: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) يقول: ما يواري العورة عند كل مسجد.
١٤٥٢٤- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري: أن العرب كانت تطوف بالبيت عراة، إلا الحُمْس، قريش وأحلافهم. فمن جاء من غيرهم وضع ثيابه وطاف في ثياب أحمس، فإنه لا يحل له أن يلبس ثيابه. فإن لم يجد من يعيره من الحمس، فإنه يلقي ثيابه ويطوف عريانًا. وإن طاف في ثياب نفسه، ألقاها إذا قضى طوافه، يحرِّمها، فيجعلها حرامًا عليه. فلذلك قال الله: (خذوا زينتكم عند كل مسجد). (٢)
١٤٥٢٥- وبه عن معمر قال، قال ابن طاوس، عن أبيه: الشَّملة، من الزينة. (٣)
١٤٥٢٦- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا
الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ | فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلُّهُ |
١٤٥٢٣- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: قال الله: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) يقول: ما يواري العورة عند كل مسجد.
١٤٥٢٤- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري: أن العرب كانت تطوف بالبيت عراة، إلا الحُمْس، قريش وأحلافهم. فمن جاء من غيرهم وضع ثيابه وطاف في ثياب أحمس، فإنه لا يحل له أن يلبس ثيابه. فإن لم يجد من يعيره من الحمس، فإنه يلقي ثيابه ويطوف عريانًا. وإن طاف في ثياب نفسه، ألقاها إذا قضى طوافه، يحرِّمها، فيجعلها حرامًا عليه. فلذلك قال الله: (خذوا زينتكم عند كل مسجد). (٢)
١٤٥٢٥- وبه عن معمر قال، قال ابن طاوس، عن أبيه: الشَّملة، من الزينة. (٣)
١٤٥٢٦- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا
(١) ((الدنس)) في الثوب، لطخ الوسخ ونحوه، حتى في الأخلاق. وعنى بقوله: ((دنست فيه))، أي أتيت فيه ما يشين ويعيب من المعاصي.
(٢) انظر تفسير ((الحمس)) فيما سلف ص: ٣٧٨، تعليق: ١.
(٣) الأثر: ١٤٥٢٥ - انظر الأثر رقم: ١٤٥١٩.
(٢) انظر تفسير ((الحمس)) فيما سلف ص: ٣٧٨، تعليق: ١.
(٣) الأثر: ١٤٥٢٥ - انظر الأثر رقم: ١٤٥١٩.
393
عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (خذوا زينتكم عند كل مسجد)، الآية، كان ناسٌ من أهل اليمن والأعراب إذا حجوا البيت يطوفون به عُراة ليلا فأمرهم الله أن يلبسوا ثيابهم، ولا يتعرّوا في المسجد.
١٤٥٢٧- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: (خذوا زينتكم)، قال: زينتهم، ثيابهم التي كانوا يطرحونها عند البيت ويتعرّون.
١٤٥٢٨- وحدثني به مرة أخرى بإسناده، عن ابن زيد في قوله: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)، قال: كانوا إذا جاءوا البيت فطافوا به، حرمت عليهم ثيابهم التي طافوا فيها. فإن وجدوا مَنْ يُعيرهم ثيابًا، وإلا طافوا بالبيت عراة. فقال: (من حرم زينة الله)، قال: ثياب الله التي أخرج لعباده، الآية.
* * *
وكالذي قلنا أيضًا قالوا في تأويل قوله: (وكلوا واشربوا ولا تسر فوا).
* ذكر من قال ذلك:
١٤٥٢٩- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: أحل الله الأكل والشرب، ما لم يكن سَرَفًا أو مَخِيلة. (١)
١٤٥٣٠- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قوله: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)، في الطعام والشراب.
١٤٥٣١- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
١٤٥٢٧- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: (خذوا زينتكم)، قال: زينتهم، ثيابهم التي كانوا يطرحونها عند البيت ويتعرّون.
١٤٥٢٨- وحدثني به مرة أخرى بإسناده، عن ابن زيد في قوله: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)، قال: كانوا إذا جاءوا البيت فطافوا به، حرمت عليهم ثيابهم التي طافوا فيها. فإن وجدوا مَنْ يُعيرهم ثيابًا، وإلا طافوا بالبيت عراة. فقال: (من حرم زينة الله)، قال: ثياب الله التي أخرج لعباده، الآية.
* * *
وكالذي قلنا أيضًا قالوا في تأويل قوله: (وكلوا واشربوا ولا تسر فوا).
* ذكر من قال ذلك:
١٤٥٢٩- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: أحل الله الأكل والشرب، ما لم يكن سَرَفًا أو مَخِيلة. (١)
١٤٥٣٠- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قوله: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)، في الطعام والشراب.
١٤٥٣١- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
(١) ((السرف)) (بفتحتين) : وهو الإسراف، ومجاوزة القصد. و ((المخيلة)) (بفتح الميم وكسر الخاء) : الاختيال والكبر، وحديث ابن عباس المعروف: ((كل ماشئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك خلتان: سرف ومخيلة))، رواه البخاري.
394
حدثنا أسباط، عن السدي قال: كان الذين يطوفون بالبيت عراة يحرِّمون عليهم الوَدَك ما أقاموا بالموسم، (١) فقال الله لهم: (كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)، يقول: لا تسرفوا في التحريم.
١٤٥٣٢- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، سمعت مجاهدًا يقول في قوله: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا)، قال: أمرهم أن يأكلوا ويشربوا مما رزقهم الله.
١٤٥٣٣- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ولا تسرفوا)، لا تأكلوا حرامًا، ذلك الإسراف.
* * *
وقوله (إنه لا يحب المسرفين)، يقول: إن الله لا يحب المتعدِّين حدَّه في حلال أو حرام، الغالين فيما أحلّ الله أو حرم، بإحلال الحرام وبتحريم الحلال، (٢) ولكنه يحبّ أن يحلَّل ما أحل ويحرَّم ما حرم، وذلك العدل الذي أمر به.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء الجهلة من العرب الذين يتعرّون عند طوافهم بالبيت، ويحرمون على أنفسهم ما أحللت لهم من طيبات الرزق: من حرَّم، أيها القوم، عليكم زينة الله التي خلقها لعباده أن تتزيَّنوا بها وتتجملوا بلباسها، والحلال من رزق الله
١٤٥٣٢- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، سمعت مجاهدًا يقول في قوله: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا)، قال: أمرهم أن يأكلوا ويشربوا مما رزقهم الله.
١٤٥٣٣- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ولا تسرفوا)، لا تأكلوا حرامًا، ذلك الإسراف.
* * *
وقوله (إنه لا يحب المسرفين)، يقول: إن الله لا يحب المتعدِّين حدَّه في حلال أو حرام، الغالين فيما أحلّ الله أو حرم، بإحلال الحرام وبتحريم الحلال، (٢) ولكنه يحبّ أن يحلَّل ما أحل ويحرَّم ما حرم، وذلك العدل الذي أمر به.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء الجهلة من العرب الذين يتعرّون عند طوافهم بالبيت، ويحرمون على أنفسهم ما أحللت لهم من طيبات الرزق: من حرَّم، أيها القوم، عليكم زينة الله التي خلقها لعباده أن تتزيَّنوا بها وتتجملوا بلباسها، والحلال من رزق الله
(١) ((الودك)) : دسم اللحم ودهنه الذي يستخرج منه. و ((الموسم)) مجتمع الناس في أيام الحج.
(٢) انظر تفسير ((الإسراف)) فيما سلف: ص: ١٧٦، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير ((الإسراف)) فيما سلف: ص: ١٧٦، تعليق: ١، والمراجع هناك.
395
الذي رزق خلقه لمطاعمهم ومشاربهم. (١)
* * *
واختلف أهل التأويل في المعنيّ: بـ"الطيبات من الرزق"، بعد إجماعهم على أن"الزينة" ما قلنا.
فقال بعضهم:"الطيبات من الرزق" في هذا الموضع، اللحم. وذلك أنهم كانوا لا يأكلونه في حال إحرامهم.
* ذكر من قال ذلك منهم:
١٤٥٣٤- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)، وهو الودَك. (٢)
١٤٥٣٥- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)، الذي حرموا على أنفسهم. قال: كانوا إذا حجُّوا أو اعتمروا، حرموا الشاة عليهم وما يخرج منها.
١٤٥٣٦- وحدثني به يونس مرة أخرى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (قل من حرم زينة الله) إلى آخر الآية، قال: كان قوم يحرِّمون ما يخرج من الشاة، لبنها وسمنها ولحمها، فقال الله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)، قال: والزينة من الثياب.
١٤٥٣٧- حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن رجل، عن الحسن قال: لما بعث محمدًا فقال:
* * *
واختلف أهل التأويل في المعنيّ: بـ"الطيبات من الرزق"، بعد إجماعهم على أن"الزينة" ما قلنا.
فقال بعضهم:"الطيبات من الرزق" في هذا الموضع، اللحم. وذلك أنهم كانوا لا يأكلونه في حال إحرامهم.
* ذكر من قال ذلك منهم:
١٤٥٣٤- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)، وهو الودَك. (٢)
١٤٥٣٥- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)، الذي حرموا على أنفسهم. قال: كانوا إذا حجُّوا أو اعتمروا، حرموا الشاة عليهم وما يخرج منها.
١٤٥٣٦- وحدثني به يونس مرة أخرى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (قل من حرم زينة الله) إلى آخر الآية، قال: كان قوم يحرِّمون ما يخرج من الشاة، لبنها وسمنها ولحمها، فقال الله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)، قال: والزينة من الثياب.
١٤٥٣٧- حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن رجل، عن الحسن قال: لما بعث محمدًا فقال:
(١) انظر تفسير ((الزينة)) فيما سلف قريبًا ص: ٣٨٩، وما بعدها.
= وتفسير ((الطيبات)) فيما سلف من فهارس اللغة (طيب).
(٢) ((الودك)) سلف تفسيره في ص: ٣٩٥، تعليق: ١.
= وتفسير ((الطيبات)) فيما سلف من فهارس اللغة (طيب).
(٢) ((الودك)) سلف تفسيره في ص: ٣٩٥، تعليق: ١.
396
"هذا نبيي، هذا خياري، استنّوا به"، خذوا في سَنَنه وسبيله، (١) لم تغلق دونه الأبواب، ولم تُقَمْ دونه الحَجَبَة، (٢) ولم يُغْدَ عليه بالجفان، ولم يُرْجع عليه بها، (٣) وكان يجلس بالأرض، ويأكل طعامه بالأرض، ويلعق يده، ويلبس الغليظ، ويركب الحمار، ويُرْدِف بعده، (٤) وكان يقول:"مَنْ رغب عن سنتي فليس مني". قال الحسن: فما أكثر الراغبين عن سنته، التاركين لها! ثم إنّ عُلُوجًا فُسَّاقًا، أكلة الربا والغُلول، (٥) قد سفَّههم ربي ومقتهم، زعموا أن لا بأس عليهم فيما أكلوا وشربوا، وزخرفوا هذه البيوت، يتأوّلون هذه الآية: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)، وإنما جعل ذلك لأولياء الشيطان، قد جعلها ملاعبَ لبطنه وفرجه (٦) = من كلام لم يحفظه سفيان. (٧)
* * *
وقال آخرون: بل عنى بذلك ما كانت الجاهلية تحرم من البحائر والسوائب.
* * *
وقال آخرون: بل عنى بذلك ما كانت الجاهلية تحرم من البحائر والسوائب.
(١) في المطبوعة: ((في سنته))، وقراءتها في المخطوطة ما أثبت. ((السنن)) (بفتحتين) الطريقة: يقال: ((امض على سننك))، و ((استقام فلان على سننه))، أي طريقته.
(٢) ((الحجبة)) جمع ((حاجب))، وهو الذي يحول بين الناس والملك أن يدخلوا عليه.
(٣) في المطبوعة: ((ولم يغد عليه بالجبار))، علق عليها أنه في نسخة ((بالجباب))، وفي المخطوطة: ((بالجبان)) غير منقوطة، وهي خطأ، وصواب قراءتها ما أثبت، كما وردت على الصواب في حلية الأولياء لأبي نعيم ٢: ١٥٣.
و ((الجفان)) جمع ((جفنة))، وهي قصعة الطعام العظيمة. ونص أبي نعيم: ((أما والله ما كان يغدي عليه بالجفان ولا يراح))، وهو أجود.
(٤) في المطبوعة: ((ويردف عبده))، غير ما في المخطوطة، وفي أبي نعيم: ((ويردف خلفه))، وهو بمعنى ما رواه الطبري. أي: يردف خلفه على الدابة رديفًا.
(٥) في المطبوعة والمخطوطة: ((ثم علوجًا)) بإسقاط ((إن))، والصواب من حلية الأولياء. و ((الغلول)) : هو الخيانة في المغنم، والسرقة من الغنيمة.
(٦) يعني قد جعل الآية بما تأولها به، لعبًا يلعب بتأويله، ليفتح الباب لكل شهوة من شهوات بطنه وفرجه.
(٧) الأثر: ١٤٥٣٧ - الذي لم يحفظه سفيان، حفظه غيره، رواه أبو نعيم في حلية الأولياء ٢: ١٥٣، ١٥٤ من طريق محمد بن محمد، عن الحسن بن أحمد بن محمد، عن أبي زرعة، عن مالك بن إسماعيل، عن مسلمة بن جعفر، عن الحسن، بنحو هذا اللفظ، وهي صفة تحفظ، وموعظة تهدى إلى طغاتنا في زماننا، من الناطقين بغير معرفة ولا علم في فتوى الناس بالباطل الذي زخرفته لهم شياطينهم
(٢) ((الحجبة)) جمع ((حاجب))، وهو الذي يحول بين الناس والملك أن يدخلوا عليه.
(٣) في المطبوعة: ((ولم يغد عليه بالجبار))، علق عليها أنه في نسخة ((بالجباب))، وفي المخطوطة: ((بالجبان)) غير منقوطة، وهي خطأ، وصواب قراءتها ما أثبت، كما وردت على الصواب في حلية الأولياء لأبي نعيم ٢: ١٥٣.
و ((الجفان)) جمع ((جفنة))، وهي قصعة الطعام العظيمة. ونص أبي نعيم: ((أما والله ما كان يغدي عليه بالجفان ولا يراح))، وهو أجود.
(٤) في المطبوعة: ((ويردف عبده))، غير ما في المخطوطة، وفي أبي نعيم: ((ويردف خلفه))، وهو بمعنى ما رواه الطبري. أي: يردف خلفه على الدابة رديفًا.
(٥) في المطبوعة والمخطوطة: ((ثم علوجًا)) بإسقاط ((إن))، والصواب من حلية الأولياء. و ((الغلول)) : هو الخيانة في المغنم، والسرقة من الغنيمة.
(٦) يعني قد جعل الآية بما تأولها به، لعبًا يلعب بتأويله، ليفتح الباب لكل شهوة من شهوات بطنه وفرجه.
(٧) الأثر: ١٤٥٣٧ - الذي لم يحفظه سفيان، حفظه غيره، رواه أبو نعيم في حلية الأولياء ٢: ١٥٣، ١٥٤ من طريق محمد بن محمد، عن الحسن بن أحمد بن محمد، عن أبي زرعة، عن مالك بن إسماعيل، عن مسلمة بن جعفر، عن الحسن، بنحو هذا اللفظ، وهي صفة تحفظ، وموعظة تهدى إلى طغاتنا في زماننا، من الناطقين بغير معرفة ولا علم في فتوى الناس بالباطل الذي زخرفته لهم شياطينهم
397
* ذكر من قال ذلك:
١٤٥٣٨- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (قل من حرم زينة الله التي أكل لعباده والطيبات من الرزق)، وهو ما حرم أهل الجاهلية عليهم من أموالهم: البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام.
١٤٥٣٩- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي، عن ابن عباس قوله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)، قال: إن الجاهلية كانوا يحرمون أشياءَ أحلها الله من الثياب وغيرها، وهو قول الله: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنزلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا)، [سورة يونس: ٥٩]، وهو هذا، فأنزل الله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾
قال أبو جعفر: يقول الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد = لهؤلاء الذين أمرتك أن تقول لهم: (من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)، إذ عَيُّوا بالجواب، (١) فلم يدروا ما يجيبونك =: زينة الله التي أخرج لعباده، وطيبات رزقه، للذين صدّقوا الله ورسوله، واتبعوا ما أنزل إليك من ربك، في الدنيا، وقد شركهم في ذلك فيها من كفر بالله ورسوله وخالف
١٤٥٣٨- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (قل من حرم زينة الله التي أكل لعباده والطيبات من الرزق)، وهو ما حرم أهل الجاهلية عليهم من أموالهم: البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام.
١٤٥٣٩- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي، عن ابن عباس قوله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)، قال: إن الجاهلية كانوا يحرمون أشياءَ أحلها الله من الثياب وغيرها، وهو قول الله: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنزلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا)، [سورة يونس: ٥٩]، وهو هذا، فأنزل الله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾
قال أبو جعفر: يقول الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد = لهؤلاء الذين أمرتك أن تقول لهم: (من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)، إذ عَيُّوا بالجواب، (١) فلم يدروا ما يجيبونك =: زينة الله التي أخرج لعباده، وطيبات رزقه، للذين صدّقوا الله ورسوله، واتبعوا ما أنزل إليك من ربك، في الدنيا، وقد شركهم في ذلك فيها من كفر بالله ورسوله وخالف
(١) ((عي بالجواب)) : إذا عجز عنه، وأشكل عليه، ولم يهتد إلى صوابه.
398
أمر ربه، وهي للذين آمنوا بالله ورسوله خالصة يوم القيامة، لا يشركهم في ذلك يومئذ أحدٌ كفر بالله ورسوله وخالف أمر ربه. (١)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٥٤٠- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)، يقول: شارك المسلمون الكفار في الطيبات، فأكلوا من طيبات طعامها، ولبسوا من خِيار ثيابها، ونكحوا من صالح نسائها، وخلصوا بها يوم القيامة.
١٤٥٤١- وحدثني به المثنى مرة أخرى بهذا الإسناد بعينه، عن ابن عباس فقال: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا)، يعني: يشارك المسلمون المشركين في الطيبات في الحياة الدنيا، ثم يُخْلص الله الطيبات في الآخرة للذين آمنوا، وليس للمشركين فيها شيء.
١٤٥٤٢- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: قال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)، يقول: قل هي في الآخرة خالصة لمن آمن بي في الدنيا، لا يشركهم فيها أحدٌ في الآخرة. (٢) وذلك أن الزينة في الدنيا لكل بني آدم، فجعلها الله خالصة لأوليائه في الآخرة.
١٤٥٤٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سلمة بن نبيط، عن
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٥٤٠- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)، يقول: شارك المسلمون الكفار في الطيبات، فأكلوا من طيبات طعامها، ولبسوا من خِيار ثيابها، ونكحوا من صالح نسائها، وخلصوا بها يوم القيامة.
١٤٥٤١- وحدثني به المثنى مرة أخرى بهذا الإسناد بعينه، عن ابن عباس فقال: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا)، يعني: يشارك المسلمون المشركين في الطيبات في الحياة الدنيا، ثم يُخْلص الله الطيبات في الآخرة للذين آمنوا، وليس للمشركين فيها شيء.
١٤٥٤٢- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: قال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)، يقول: قل هي في الآخرة خالصة لمن آمن بي في الدنيا، لا يشركهم فيها أحدٌ في الآخرة. (٢) وذلك أن الزينة في الدنيا لكل بني آدم، فجعلها الله خالصة لأوليائه في الآخرة.
١٤٥٤٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سلمة بن نبيط، عن
(١) انظر تفسير ((خالصة)) فيما سلف ٢: ٣٦٥ /١٢: ١٤٨، ١٤٩.
(٢) أسقطت المطبوعة: ((في الآخرة)) من آخر هذه الجملة.
(٢) أسقطت المطبوعة: ((في الآخرة)) من آخر هذه الجملة.
399
الضحاك: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)، قال: اليهود والنصارى يشركونكم فيها في الدنيا، وهي للذين آمنوا خالصة يوم القيامة.
١٤٥٤٤- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)، خالصةً للمؤمنين في الآخرة، لا يشاركهم فيها الكفار. فأما في الدنيا فقد شاركوهم.
١٤٥٤٥- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)، مَنْ عمل بالإيمان في الدنيا خلصت له كرامة الله يوم القيامة، ومَنْ ترك الإيمان في الدنيا قَدِم على ربّه لا عذرَ له.
١٤٥٤٦- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السديّ: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا)، يشترك فيها معهم المشركون = (خالصة يوم القيامة)، للذين آمنوا.
١٤٥٤٧- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)، يقول: المشركون يشاركون المؤمنين في الدنيا في اللباس والطعام والشراب، ويوم القيامة يَخْلُص اللباس والطعام والشراب للمؤمنين، وليس للمشركين في شيء من ذلك نصيبٌ.
١٤٥٤٨- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: الدنيا يصيب منها المؤمن والكافر، ويخلص خيرُ الآخرة للمؤمنين، وليس للكافر فيها نصيب.
١٤٥٤٩- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)، قال: هذه يوم
١٤٥٤٤- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)، خالصةً للمؤمنين في الآخرة، لا يشاركهم فيها الكفار. فأما في الدنيا فقد شاركوهم.
١٤٥٤٥- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)، مَنْ عمل بالإيمان في الدنيا خلصت له كرامة الله يوم القيامة، ومَنْ ترك الإيمان في الدنيا قَدِم على ربّه لا عذرَ له.
١٤٥٤٦- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السديّ: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا)، يشترك فيها معهم المشركون = (خالصة يوم القيامة)، للذين آمنوا.
١٤٥٤٧- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)، يقول: المشركون يشاركون المؤمنين في الدنيا في اللباس والطعام والشراب، ويوم القيامة يَخْلُص اللباس والطعام والشراب للمؤمنين، وليس للمشركين في شيء من ذلك نصيبٌ.
١٤٥٤٨- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: الدنيا يصيب منها المؤمن والكافر، ويخلص خيرُ الآخرة للمؤمنين، وليس للكافر فيها نصيب.
١٤٥٤٩- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)، قال: هذه يوم
400
القيامة للذين آمنوا، لا يشركهم فيها أهل الكفر، ويشركونهم فيها في الدنيا. وإذا كان يوم القيامة، فليس لهم فيها قليل ولا كثير.
* * *
وقال سعيد بن جبير في ذلك بما:-
١٤٥٥٠- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسماعيل بن أبان، وحبويه الرازي أبو يزيد، عن يعقوب القمي، عن سعيد بن جبير: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)، قال: ينتفعون بها في الدنيا، ولا يتبعهم إثمها. (١)
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله:"خالصة".
فقرأ ذلك بعض قرأة المدينة:"خَالِصَةٌ"، برفعها، بمعنى: قل هي خالصة للذين آمنوا.
* * *
وقرأه سائر قرأة الأمصار: (خَالِصَةً)، بنصبها على الحال من"لهم"، وقد ترك ذكرها من الكلام اكتفاءً منها بدلالة الظاهر عليها، على ما قد وصفت في تأويل الكلام أن معنى الكلام: قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا مشتركة، وهي لهم في الآخرة خالصة. ومن قال ذلك بالنصب، جعل خبر"هي" في قوله: (للذين آمنوا) (٢)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين عندي بالصحة، قراءة من قرأ نصبًا، لإيثار العرب النصبَ في الفعل إذا تأخر بعد الاسم والصفة، (٣) وإن كان الرفع جائزًا، غير أن ذلك أكثر في كلامهم.
* * *
* * *
وقال سعيد بن جبير في ذلك بما:-
١٤٥٥٠- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسماعيل بن أبان، وحبويه الرازي أبو يزيد، عن يعقوب القمي، عن سعيد بن جبير: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)، قال: ينتفعون بها في الدنيا، ولا يتبعهم إثمها. (١)
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله:"خالصة".
فقرأ ذلك بعض قرأة المدينة:"خَالِصَةٌ"، برفعها، بمعنى: قل هي خالصة للذين آمنوا.
* * *
وقرأه سائر قرأة الأمصار: (خَالِصَةً)، بنصبها على الحال من"لهم"، وقد ترك ذكرها من الكلام اكتفاءً منها بدلالة الظاهر عليها، على ما قد وصفت في تأويل الكلام أن معنى الكلام: قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا مشتركة، وهي لهم في الآخرة خالصة. ومن قال ذلك بالنصب، جعل خبر"هي" في قوله: (للذين آمنوا) (٢)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين عندي بالصحة، قراءة من قرأ نصبًا، لإيثار العرب النصبَ في الفعل إذا تأخر بعد الاسم والصفة، (٣) وإن كان الرفع جائزًا، غير أن ذلك أكثر في كلامهم.
* * *
(١) الأثر: ١٤٥٥٠ - ((إسماعيل بن أبان الوراق الأزدي، أبو إسحاق))، شيعي، ثقة صدوق في الرواية. مترجم في التهذيب، والكبير ١ /١ / ٣٤٧، وابن أبي حاتم ١ /١ / ١٦٠.
و ((حبويه الرازي))، أبو يزيد، مضت ترجمته برقم: ١٤٣٦٥.
(٢) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٧٦، ٣٧٧.
(٣) ((الفعل))، يعني المصدر. و ((الاسم))، هو المشتق. و ((الصفة))، حرف الجر والظرف. انظر فهارس المصطلحات. وقد أسلف أبو جعفر في ٢: ٣٦٥ أن ((خالصة)) مصدر مثل ((العافية))
و ((حبويه الرازي))، أبو يزيد، مضت ترجمته برقم: ١٤٣٦٥.
(٢) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٧٦، ٣٧٧.
(٣) ((الفعل))، يعني المصدر. و ((الاسم))، هو المشتق. و ((الصفة))، حرف الجر والظرف. انظر فهارس المصطلحات. وقد أسلف أبو جعفر في ٢: ٣٦٥ أن ((خالصة)) مصدر مثل ((العافية))
401
القول في تأويل قوله: ﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣٢) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: كما بينت لكم الواجب عليكم في اللباس والزينة، والحلال من المطاعم والمشارب والحرام منها، وميزت بين ذلك لكم، أيها الناس، كذلك أبيِّن جميع أدلتي وحججي، وأعلامَ حلالي وحرامي وأحكامي، (١) لقوم يعلمون ما يُبَيَّن لهم، ويفقهون ما يُمَيَّز لهم.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد: قل، يا محمد، لهؤلاء المشركين الذين يتجرّدون من ثيابهم للطواف بالبيت، ويحرمون أكل طيبات ما أحل الله لهم من رزقه: أيها القوم، إن الله لم يحرم ما تحرمونه، بل أحل ذلك لعباده المؤمنين وطيَّبه لهم، وإنما حرم ربِّي القبائح من الأشياء = وهي"الفواحش" (٢) ="ما ظهر منها"، فكان علانية ="وما بطن"، منها فكان سرًّا في خفاء. (٣)
* * *
وقد روي عن مجاهد في ذلك ما:-
١٤٥٥١- حدثني الحارث قال، حدثني عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: كما بينت لكم الواجب عليكم في اللباس والزينة، والحلال من المطاعم والمشارب والحرام منها، وميزت بين ذلك لكم، أيها الناس، كذلك أبيِّن جميع أدلتي وحججي، وأعلامَ حلالي وحرامي وأحكامي، (١) لقوم يعلمون ما يُبَيَّن لهم، ويفقهون ما يُمَيَّز لهم.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد: قل، يا محمد، لهؤلاء المشركين الذين يتجرّدون من ثيابهم للطواف بالبيت، ويحرمون أكل طيبات ما أحل الله لهم من رزقه: أيها القوم، إن الله لم يحرم ما تحرمونه، بل أحل ذلك لعباده المؤمنين وطيَّبه لهم، وإنما حرم ربِّي القبائح من الأشياء = وهي"الفواحش" (٢) ="ما ظهر منها"، فكان علانية ="وما بطن"، منها فكان سرًّا في خفاء. (٣)
* * *
وقد روي عن مجاهد في ذلك ما:-
١٤٥٥١- حدثني الحارث قال، حدثني عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد
(١) انظر تفسير ((التفصيل)) فيما سلف ص: ٢٣٧، تعليق: ١، والمراجع هناك.
= وتفسير ((آية)) فيما سلف من فهرس اللغة (أيي).
(٢) انظر تفسير ((الفاحشة)) فيما سلف ص: ٣٧٧، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
(٣) انظر تفسير ((ظهر)) و ((يظن)) فيما سلف ص: ٢١٨، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
= وتفسير ((آية)) فيما سلف من فهرس اللغة (أيي).
(٢) انظر تفسير ((الفاحشة)) فيما سلف ص: ٣٧٧، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
(٣) انظر تفسير ((ظهر)) و ((يظن)) فيما سلف ص: ٢١٨، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
402
قال، سمعت مجاهدًا يقول في قوله: (ما ظهر منها وما بطن)، قال:"ما ظهر منها"، طوافُ أهل الجاهلية عراة="وما بطن"، الزنى.
* * *
وقد ذكرت اختلاف أهل التأويل في تأويل ذلك بالروايات فيما مضى، فكرهت إعادته. (١)
* * *
وأما"الإثم"، فإنه المعصية ="والبغي"، الاستطالة على الناس. (٢)
* * *
يقول تعالى ذكره: إنما حرم ربي الفواحش مع الإثم والبغي على الناس.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٥٥٢- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (والإثم والبغي)، أما"الإثم" فالمعصية = و"البغي"، أن يبغي على الناس بغير الحق.
١٤٥٥٣- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، سمعت مجاهدًا في قوله: (ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي)، قال: نهى عن"الإثم"، وهي المعاصي كلها = وأخبر أن الباغيَ بَغْيُه كائنٌ على نفسه. (٣)
* * *
* * *
وقد ذكرت اختلاف أهل التأويل في تأويل ذلك بالروايات فيما مضى، فكرهت إعادته. (١)
* * *
وأما"الإثم"، فإنه المعصية ="والبغي"، الاستطالة على الناس. (٢)
* * *
يقول تعالى ذكره: إنما حرم ربي الفواحش مع الإثم والبغي على الناس.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٥٥٢- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (والإثم والبغي)، أما"الإثم" فالمعصية = و"البغي"، أن يبغي على الناس بغير الحق.
١٤٥٥٣- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، سمعت مجاهدًا في قوله: (ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي)، قال: نهى عن"الإثم"، وهي المعاصي كلها = وأخبر أن الباغيَ بَغْيُه كائنٌ على نفسه. (٣)
* * *
(١) انظر ما سلف ص ٢١٨، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير ((الإثم)) فيما سلف من فهارس اللغة (أثم).
= وتفسير ((البغي)) فيما سلف ٢: ٣٤٢ /٣: ٣٢٢ / ٤: ٢٨١ / ٦: ٢٧٦.
(٣) في المخطوطة: ((أن اكتفى بغيه على نفسه))، وهو شيء لا يقرأ، والذي في المطبوعة أشبه بالصواب.
(٢) انظر تفسير ((الإثم)) فيما سلف من فهارس اللغة (أثم).
= وتفسير ((البغي)) فيما سلف ٢: ٣٤٢ /٣: ٣٢٢ / ٤: ٢٨١ / ٦: ٢٧٦.
(٣) في المخطوطة: ((أن اكتفى بغيه على نفسه))، وهو شيء لا يقرأ، والذي في المطبوعة أشبه بالصواب.
403
القول في تأويل قوله: ﴿وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (٣٣) ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: إنما حرم ربي الفواحش والشرك به، أن تعبدوا مع الله إلهًا غيره = (ما لم ينزل به سلطانًا)، يقول: حرم ربكم عليكم أن تجعلوا معه في عبادته شِرْكًا لشيء لم يجعل لكم في إشراككم إياه في عبادته حجة ولا برهانًا، وهو"السلطان" (١) = (وأن تقولوا على الله ما لا تعملون)، يقول: وأن تقولوا إن الله أمركم بالتعرِّي والتجرُّد للطواف بالبيت، وحرم عليكم أكل هذه الأنعام التي حرمتموها وسيَّبتموها وجعلتموها وصائل وحوامي، وغير ذلك مما لا تعلمون أن الله حرّمه، أو أمر به، أو أباحه، فتضيفوا إلى الله تحريمه وحَظْره والأمر به، فإن ذلك هو الذي حرمه الله عليكم دون ما تزعمون أن الله حرمه، أو تقولون إن الله أمركم به، جهلا منكم بحقيقة ما تقولون وتضيفونه إلى الله.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٣٤) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره تهدُّدًا للمشركين الذين أخبر جل ثناؤه عنهم أنهم كانوا إذا فعلوا فاحشة قالوا:"وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها" (٢) = ووعيدًا منه لهم على كذبهم عليه، وعلى إصرارهم على الشرك به والمقام على كفرهم = ومذكرًا لهم ما أحلّ بأمثالهم من الأمم الذين كانوا قبلهم=: (ولكل أمة أجل)،
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: إنما حرم ربي الفواحش والشرك به، أن تعبدوا مع الله إلهًا غيره = (ما لم ينزل به سلطانًا)، يقول: حرم ربكم عليكم أن تجعلوا معه في عبادته شِرْكًا لشيء لم يجعل لكم في إشراككم إياه في عبادته حجة ولا برهانًا، وهو"السلطان" (١) = (وأن تقولوا على الله ما لا تعملون)، يقول: وأن تقولوا إن الله أمركم بالتعرِّي والتجرُّد للطواف بالبيت، وحرم عليكم أكل هذه الأنعام التي حرمتموها وسيَّبتموها وجعلتموها وصائل وحوامي، وغير ذلك مما لا تعلمون أن الله حرّمه، أو أمر به، أو أباحه، فتضيفوا إلى الله تحريمه وحَظْره والأمر به، فإن ذلك هو الذي حرمه الله عليكم دون ما تزعمون أن الله حرمه، أو تقولون إن الله أمركم به، جهلا منكم بحقيقة ما تقولون وتضيفونه إلى الله.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٣٤) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره تهدُّدًا للمشركين الذين أخبر جل ثناؤه عنهم أنهم كانوا إذا فعلوا فاحشة قالوا:"وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها" (٢) = ووعيدًا منه لهم على كذبهم عليه، وعلى إصرارهم على الشرك به والمقام على كفرهم = ومذكرًا لهم ما أحلّ بأمثالهم من الأمم الذين كانوا قبلهم=: (ولكل أمة أجل)،
(١) انظر تفسير ((السلطان)) فيما سلف ١١: ٤٩٠، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٢) في المطبوعة: ((مهددًا للمشركين))، وأثبت ما في المخطوطة، وهو ألصق بالسياق.
(٢) في المطبوعة: ((مهددًا للمشركين))، وأثبت ما في المخطوطة، وهو ألصق بالسياق.
يقول: ولكل جماعة اجتمعت على تكذيب رُسل الله، (١) وردِّ نصائحهم، والشرك بالله، مع متابعة ربهم حججه عليهم ="أجل"، يعني: وقت لحلول العقوبات بساحتهم، ونزول المثُلات بهم على شركهم (٢) = (فإذا جاء أجلهم)، يقول: فإذا جاء الوقت الذي وقّته الله لهلاكهم، وحلول العقاب بهم = (لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)، يقول: لا يتأخرون بالبقاء في الدنيا، ولا يُمَتَّعون بالحياة فيها عن وقت هلاكهم وحين حلول أجل فنائهم، (٣) ساعة من ساعات الزمان = (ولا يستقدمون)، يقول: ولا يتقدّمون بذلك أيضًا عن الوقت الذي جعله الله لهم وقتًا للهلاك.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٥) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره معرِّفًا خلقه ما أعدَّ لحزبه وأهل طاعته والإيمان به وبرسوله، وما أعدّ لحزب الشيطان وأوليائه والكافرين به وبرسله: (يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم)، يقول: إن يجئكم رسلي الذين أرسلهم إليكم بدعائكم إلى طاعتي، والانتهاء إلى أمري ونهيي ="منكم"، يعني: من أنفسكم، ومن عشائركم وقبائلكم = (يقصون عليكم آياتي)، يقول: يتلون عليكم آيات كتابي، ويعرّفونكم أدلتي وأعلامي على صدق ما جاؤوكم به من عندي، وحقيقة
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٥) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره معرِّفًا خلقه ما أعدَّ لحزبه وأهل طاعته والإيمان به وبرسوله، وما أعدّ لحزب الشيطان وأوليائه والكافرين به وبرسله: (يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم)، يقول: إن يجئكم رسلي الذين أرسلهم إليكم بدعائكم إلى طاعتي، والانتهاء إلى أمري ونهيي ="منكم"، يعني: من أنفسكم، ومن عشائركم وقبائلكم = (يقصون عليكم آياتي)، يقول: يتلون عليكم آيات كتابي، ويعرّفونكم أدلتي وأعلامي على صدق ما جاؤوكم به من عندي، وحقيقة
(١) انظر تفسير ((الأمة)) فيما سلف ص: ٣٧، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير ((الأجل)) فيما سلف ص: ١١٧، تعليق: ١ والمراجع هناك.
(٣) في المطبوعة: ((يتمتعون))، والصواب من المخطوطة.
(٢) انظر تفسير ((الأجل)) فيما سلف ص: ١١٧، تعليق: ١ والمراجع هناك.
(٣) في المطبوعة: ((يتمتعون))، والصواب من المخطوطة.
405
ما دعوكم إليه من توحيدي (١) = (فمن اتقى وأصلح)، يقول: فمن آمن منكم بما أتاه به رُسلي مما قص عليه من آياتي وصدَّق، واتقى الله فخافه بالعمل بما أمره به والانتهاء عما نهاه عنه على لسان رسوله = (وأصلح)، يقول: وأصلح أعماله التي كان لها مفسدًا قبل ذلك من معاصي الله بالتحوُّب منها (٢) = (فلا خوف عليهم)، يقول: فلا خوف عليهم يوم القيامة من عقاب الله إذا وردوا عليه = (ولا هم يحزنون)، على ما فاتهم من دنياهم التي تركوها، وشهواتهم التي تجنَّبوها، اتباعًا منهم لنهي الله عنها، إذا عاينوا من كرامة الله ما عاينوا هنالك. (٣)
١٤٥٥٤- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا هشام أبو عبد الله قال، حدثنا هياج قال، حدثنا عبد الرحمن بن زياد، عن أبي سيّار السُّلَمي قال، إن الله جعل آدم وذريته في كفّه فقال: (يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليهم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، ثم نظر إلى الرسل فقال: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ. وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)، [سورة المؤمنون: ٥١-٥٢]، ثم بَثَّهم. (٤)
* * *
فإن قال قائل: ما جواب قوله: (إما يأتينكم رسل منكم) ؟
١٤٥٥٤- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا هشام أبو عبد الله قال، حدثنا هياج قال، حدثنا عبد الرحمن بن زياد، عن أبي سيّار السُّلَمي قال، إن الله جعل آدم وذريته في كفّه فقال: (يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليهم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، ثم نظر إلى الرسل فقال: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ. وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)، [سورة المؤمنون: ٥١-٥٢]، ثم بَثَّهم. (٤)
* * *
فإن قال قائل: ما جواب قوله: (إما يأتينكم رسل منكم) ؟
(١) انظر تفسير ((قص)) فيما سلف ص: ١٢٠، ٣٠٧
= وتفسير ((آية)) فيما سلف من فهارس اللغة (أيي).
(٢) ((تحوب من إثمه))، أي: تأثيم منه، أي: ترك الإثم وتوقاه.
= وانظر تفسير ((أصلح)) فيما سلف من فهارس اللغة (صلح).
(٣) انظر تفسير ((لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)) في نظائرها فيما سلف (خوف) (حزن) من فهارس اللغة.
(٤) الأثر: ١٤٥٥٤ - هذا إسناد مبهم لم أستطع تفسيره.
((أبو سيار السلمي)) لم أعرف من يكون، فمن أجل ذلك لم أستطع أن أميز من يكون: ((عبد الرحمن بن زياد))، ولا ((هياج)).
والأثر، ذكره السيوطي في الدر المنثور ٣: ٨٢، ولم ينسبه لغير ابن جرير.
= وتفسير ((آية)) فيما سلف من فهارس اللغة (أيي).
(٢) ((تحوب من إثمه))، أي: تأثيم منه، أي: ترك الإثم وتوقاه.
= وانظر تفسير ((أصلح)) فيما سلف من فهارس اللغة (صلح).
(٣) انظر تفسير ((لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)) في نظائرها فيما سلف (خوف) (حزن) من فهارس اللغة.
(٤) الأثر: ١٤٥٥٤ - هذا إسناد مبهم لم أستطع تفسيره.
((أبو سيار السلمي)) لم أعرف من يكون، فمن أجل ذلك لم أستطع أن أميز من يكون: ((عبد الرحمن بن زياد))، ولا ((هياج)).
والأثر، ذكره السيوطي في الدر المنثور ٣: ٨٢، ولم ينسبه لغير ابن جرير.
406
قيل: قد اختلف أهل العربية في ذلك.
فقال بعضهم في ذلك: الجوابُ مضمرٌ، يدل عليه ما ظهر من الكلام، وذلك قوله: (فمن اتقى وأصلح). وذلك لأنه حين قال: (فمن اتقى وأصلح)، كأنه قال: فأطيعوهم.
* * *
وقال آخرون منهم: الجواب:"فمن اتقى"، لأن معناه: فمن اتقى منكم وأصلح. قال: ويدل على أنّ ذلك كذلك، تبعيضه الكلام، فكان في التبعيض اكتفاء من ذكر"منكم".
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٣٦) ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وأما من كذّب بإيتاء رسلي التي أرسلتها إليه، وجحد توحيدي، وكفر بما جاء به رسلي، واستكبر عن تصديق حُجَجي وأدلّتي = (فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)، يقول: هم في نار جهنم ماكثون، لا يخرجون منها أبدًا. (١)
* * *
فقال بعضهم في ذلك: الجوابُ مضمرٌ، يدل عليه ما ظهر من الكلام، وذلك قوله: (فمن اتقى وأصلح). وذلك لأنه حين قال: (فمن اتقى وأصلح)، كأنه قال: فأطيعوهم.
* * *
وقال آخرون منهم: الجواب:"فمن اتقى"، لأن معناه: فمن اتقى منكم وأصلح. قال: ويدل على أنّ ذلك كذلك، تبعيضه الكلام، فكان في التبعيض اكتفاء من ذكر"منكم".
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٣٦) ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وأما من كذّب بإيتاء رسلي التي أرسلتها إليه، وجحد توحيدي، وكفر بما جاء به رسلي، واستكبر عن تصديق حُجَجي وأدلّتي = (فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)، يقول: هم في نار جهنم ماكثون، لا يخرجون منها أبدًا. (١)
* * *
(١) انظر تفسير ألفاظ هذه الآية فيما سلف من فهارس اللغة.
القول في تأويل قوله: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فمن أخطأ فعلا وأجهلُ قولا وأبعد ذهابًا عن الحق والصواب (١) = (ممن افترى على الله كذبًا)، يقول: ممن اختلق على الله زُورًا من القول، فقال إذا فعل فاحشة: إن الله أمرنا بها (٢) = (أو كذب بآياته)، يقول: أو كذب بأدلته وأعلامه الدّالة على وحدانيته ونبوّة أنبيائه، فجحد حقيقتها ودافع صحتها = (أولئك) يقول: مَنْ فعل ذلك، فافترى على الله الكذب وكذب بآياته = (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، يقول: يصل إليهم حظهم مما كتب الله لهم في اللوح المحفوظ. (٣)
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في صفة ذلك"النصيب"، الذي لهم في"الكتاب"، وما هو؟
فقال بعضهم: هو عذاب الله الذي أعدَّه لأهل الكفر به.
* ذكر من قال ذلك.
١٤٥٥٥- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا مروان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح قوله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، أي من العذاب.
١٤٥٥٦- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن إسماعيل، عن أبي صالح، مثله.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فمن أخطأ فعلا وأجهلُ قولا وأبعد ذهابًا عن الحق والصواب (١) = (ممن افترى على الله كذبًا)، يقول: ممن اختلق على الله زُورًا من القول، فقال إذا فعل فاحشة: إن الله أمرنا بها (٢) = (أو كذب بآياته)، يقول: أو كذب بأدلته وأعلامه الدّالة على وحدانيته ونبوّة أنبيائه، فجحد حقيقتها ودافع صحتها = (أولئك) يقول: مَنْ فعل ذلك، فافترى على الله الكذب وكذب بآياته = (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، يقول: يصل إليهم حظهم مما كتب الله لهم في اللوح المحفوظ. (٣)
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في صفة ذلك"النصيب"، الذي لهم في"الكتاب"، وما هو؟
فقال بعضهم: هو عذاب الله الذي أعدَّه لأهل الكفر به.
* ذكر من قال ذلك.
١٤٥٥٥- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا مروان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح قوله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، أي من العذاب.
١٤٥٥٦- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن إسماعيل، عن أبي صالح، مثله.
(١) انظر تفسير ((الظلم)) فيما سلف من فهارس اللغة.
(٢) انظر تفسير ((افترى)) فيما سلف ص: ١٨٩، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
(٣) انظر تفسير ((نال)) فيما سلف ٣: ٢٠ /٦: ٥٨٧.
= وتفسير ((نصيب)) فيما سلف ص: ١٣١، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير ((افترى)) فيما سلف ص: ١٨٩، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
(٣) انظر تفسير ((نال)) فيما سلف ٣: ٢٠ /٦: ٥٨٧.
= وتفسير ((نصيب)) فيما سلف ص: ١٣١، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
408
١٤٥٥٧- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، يقول: ما كتب لهم من العذاب.
١٤٥٥٨- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن كثير بن زياد، عن الحسن في قوله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، قال: من العذاب.
١٤٥٥٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن أبي سهل، عن الحسن، قال: من العذاب.
١٤٥٦٠- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن رجل، عن الحسن، قال: من العذاب.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم مما سبق لهم من الشقاء والسعادة.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٥٦١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن سعيد: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، قال: من الشِّقوة والسعادة.
١٤٥٦٢- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، كشقي وسعيد. (١)
١٤٥٦٣- حدثنا واصل بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن فضيل، عن الحسن ابن عمرو الفقيمي، عن الحكم قال: سمعت مجاهدًا يقول: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، قال: هو ما سبق.
١٤٥٦٤- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
١٤٥٥٨- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن كثير بن زياد، عن الحسن في قوله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، قال: من العذاب.
١٤٥٥٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن أبي سهل، عن الحسن، قال: من العذاب.
١٤٥٦٠- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن رجل، عن الحسن، قال: من العذاب.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم مما سبق لهم من الشقاء والسعادة.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٥٦١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن سعيد: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، قال: من الشِّقوة والسعادة.
١٤٥٦٢- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، كشقي وسعيد. (١)
١٤٥٦٣- حدثنا واصل بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن فضيل، عن الحسن ابن عمرو الفقيمي، عن الحكم قال: سمعت مجاهدًا يقول: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، قال: هو ما سبق.
١٤٥٦٤- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
(١) يعني كقوله في [سورة هود: ١٠٥] :" فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ".
409
ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، ما كتب لهم من الشقاوة والسعادة.
١٤٥٦٥- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ينالهم نصيبهم من الكتاب)، ما كتب عليهم من الشقاوة والسعادة، كشقي وسعيد.
١٤٥٦٦-.... قال، حدثنا ابن المبارك، عن شريك، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، من الشقاوة والسعادة.
١٤٥٦٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير وابن إدريس، عن الحسن بن عمرو، عن الحكم، عن مجاهد: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، قال: ما قد سبق من الكتاب.
١٤٥٦٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، قال: ما سبق لهم في الكتاب.
١٤٥٦٩-.... قال، حدثنا سويد بن عمرو ويحيى بن آدم، عن شريك، عن سالم، عن سعيد: (أولئك ينالهم نصيبهم)، قال: من الشقاوة والسعادة.
١٤٥٧٠-.... قال: حدثنا أبو معاوية، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: ما قُضي أو قُدِّر عليهم.
١٤٥٧١- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: (ينالهم نصيبهم من الكتاب)، ينالهم الذي كتب عليهم من الأعمال.
١٤٥٧٢- حدثنا عمرو بن عبد الحميد قال، حدثنا مروان بن معاوية، عن إسماعيل بن سميع، عن بكر الطويل، عن مجاهد في قول الله: (أولئك
١٤٥٦٥- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ينالهم نصيبهم من الكتاب)، ما كتب عليهم من الشقاوة والسعادة، كشقي وسعيد.
١٤٥٦٦-.... قال، حدثنا ابن المبارك، عن شريك، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، من الشقاوة والسعادة.
١٤٥٦٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير وابن إدريس، عن الحسن بن عمرو، عن الحكم، عن مجاهد: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، قال: ما قد سبق من الكتاب.
١٤٥٦٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، قال: ما سبق لهم في الكتاب.
١٤٥٦٩-.... قال، حدثنا سويد بن عمرو ويحيى بن آدم، عن شريك، عن سالم، عن سعيد: (أولئك ينالهم نصيبهم)، قال: من الشقاوة والسعادة.
١٤٥٧٠-.... قال: حدثنا أبو معاوية، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: ما قُضي أو قُدِّر عليهم.
١٤٥٧١- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: (ينالهم نصيبهم من الكتاب)، ينالهم الذي كتب عليهم من الأعمال.
١٤٥٧٢- حدثنا عمرو بن عبد الحميد قال، حدثنا مروان بن معاوية، عن إسماعيل بن سميع، عن بكر الطويل، عن مجاهد في قول الله: (أولئك
410
ينالهم نصيبهم من الكتاب)، قال: قوم يعملون أعمالا لا بُدَّ لهم من أن يعملوها. (١)
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك، أولئك ينالهم نصيبهم من كتابهم الذي كتب لهم أو عليهم، بأعمالهم التي عملوها في الدنيا من خير وشر.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٥٧٣- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، يقول: نصيبهم من الأعمال، من عمل خيرًا جُزي به، ومن عمل شرًّا جزي به.
١٤٥٧٤- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) قال: من أحكام الكتاب، على قدر أعمالهم.
١٤٥٧٥- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، قال: ينالهم نصيبهم في الآخرة من أعمالهم التي عملوا وأسْلَفوا.
١٤٥٧٦- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة قوله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، أي: أعمالهم، أعمال السوء التي عملوها وأسلفوها.
١٤٥٧٧- حدثني أحمد بن المقدام قال، حدثنا المعتمر قال، قال أبي: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، زعم قتادة: من أعمالهم التي عملوا.
١٤٥٧٨- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك قوله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)،
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك، أولئك ينالهم نصيبهم من كتابهم الذي كتب لهم أو عليهم، بأعمالهم التي عملوها في الدنيا من خير وشر.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٥٧٣- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، يقول: نصيبهم من الأعمال، من عمل خيرًا جُزي به، ومن عمل شرًّا جزي به.
١٤٥٧٤- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) قال: من أحكام الكتاب، على قدر أعمالهم.
١٤٥٧٥- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، قال: ينالهم نصيبهم في الآخرة من أعمالهم التي عملوا وأسْلَفوا.
١٤٥٧٦- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة قوله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، أي: أعمالهم، أعمال السوء التي عملوها وأسلفوها.
١٤٥٧٧- حدثني أحمد بن المقدام قال، حدثنا المعتمر قال، قال أبي: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، زعم قتادة: من أعمالهم التي عملوا.
١٤٥٧٨- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك قوله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)،
(١) الأثر: ١٤٥٧٢ - ((إسماعيل بن سميع الحنفي))، مضى برقم: ٤٧٩١، ٤٧٩٣.
و ((بكر الطويل)) كأنه هو ((بكر بن يزيد الطويل الحمصي))، روى عن أبي هريرة الحمصي، روى عنه أبو سعيد الشج، مترجم في ابن أبي حاتم ١ / ١ / ٣٩٤.
و ((بكر الطويل)) كأنه هو ((بكر بن يزيد الطويل الحمصي))، روى عن أبي هريرة الحمصي، روى عنه أبو سعيد الشج، مترجم في ابن أبي حاتم ١ / ١ / ٣٩٤.
411
يقول: ينالهم نصيبهم من العمل. يقول: إن عمل من ذلك نصيبَ خير جُزِي خيرًا، وإن عمل شرًّا جُزِي مثله.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: ينالهم نصيبهم مما وُعِدوا في الكتاب من خير أو شر.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٥٧٩- حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا زيد بن أبي الزرقاء، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس في هذه الآية: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، قال: من الخير والشر.
١٤٥٨٠-... قال حدثنا زيد، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد قال: ما وُعدوا.
١٤٥٨١- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، قال: ما وعدوا.
١٤٥٨٢- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، قال: ما وعدوا فيه من خير أو شر.
١٤٥٨٣-.... قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد، عن ليث، عن ابن عباس: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، قال: ما وُعِدوا مثله.
١٤٥٨٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك قال: ما وُعِدوا فيه من خير أو شر.
١٤٥٨٥- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم، قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، قال: ما وُعِدوا فيه.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: ينالهم نصيبهم مما وُعِدوا في الكتاب من خير أو شر.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٥٧٩- حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا زيد بن أبي الزرقاء، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس في هذه الآية: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، قال: من الخير والشر.
١٤٥٨٠-... قال حدثنا زيد، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد قال: ما وُعدوا.
١٤٥٨١- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، قال: ما وعدوا.
١٤٥٨٢- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، قال: ما وعدوا فيه من خير أو شر.
١٤٥٨٣-.... قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد، عن ليث، عن ابن عباس: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، قال: ما وُعِدوا مثله.
١٤٥٨٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك قال: ما وُعِدوا فيه من خير أو شر.
١٤٥٨٥- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم، قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، قال: ما وُعِدوا فيه.
412
١٤٥٨٦- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد في قوله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، قال: ما وعدوا من خير أو شر.
١٤٥٨٧- حدثنا عمرو بن عبد الحميد قال، حدثنا مروان بن معاوية، عن الحسن بن عمرو، عن الحكم، عن مجاهد في قول الله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، قال: ينالهم ما سبق لهم من الكتاب.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب الذي كتبه الله على من افترى عليه.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٥٨٨- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، يقول: ينالهم ما كتب عليهم. يقول: قد كتب لمن يفتري على الله أنّ وجهه مسوَدٌّ.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم مما كتب لهم من الرزق والعمر والعمل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٥٨٩- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع بن أنس: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، مما كتب لهم من الرزق.
١٤٥٩٠-.... قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا محمد بن حرب، عن ابن لهيعة، عن أبي صخر، عن القرظي: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، قال: عمله ورزقه وعمره.
١٤٥٨٧- حدثنا عمرو بن عبد الحميد قال، حدثنا مروان بن معاوية، عن الحسن بن عمرو، عن الحكم، عن مجاهد في قول الله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، قال: ينالهم ما سبق لهم من الكتاب.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب الذي كتبه الله على من افترى عليه.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٥٨٨- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، يقول: ينالهم ما كتب عليهم. يقول: قد كتب لمن يفتري على الله أنّ وجهه مسوَدٌّ.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم مما كتب لهم من الرزق والعمر والعمل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٥٨٩- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع بن أنس: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، مما كتب لهم من الرزق.
١٤٥٩٠-.... قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا محمد بن حرب، عن ابن لهيعة، عن أبي صخر، عن القرظي: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، قال: عمله ورزقه وعمره.
413
١٤٥٩١- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، قال: من الأعمال والأرزاق والأعمار، فإذا فني هذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم، وقد فرغوا من هذه الأشياء كلها.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قولُ من قال: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب، مما كتب لهم من خير وشر في الدنيا، ورزق وعمل وأجل. وذلك أن الله جل ثناؤه أتبع ذلك قوله: (حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله)، فأبان بإتباعه ذلك قولَه: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، أن الذي ينالهم من ذلك إنما هو ما كان مقضيًّا عليهم في الدنيا أن ينالهم، لأنه قد أخبر أن ذلك ينالهم إلى وقت مجيئهم رسلَه لتقبض أرواحهم. ولو كان ذلك نصيبهم من الكتاب، أو مما قد أعدّ لهم في الآخرة، لم يكن محدودًا بأنه ينالهم إلى مجيء رسل الله لوفاتهم، لأن رسل الله لا تجيئهم للوفاة في الآخرة، وأن عذابهم في الآخرة لا آخر له ولا انقضاء، فإن الله قد قضى عليهم بالخلود فيه. فبيِّنٌ بذلك أن معناه ما اخترنا من القول فيه.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (٣٧) ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (حتى إذا جاءتهم رسلنا)، إلى أن جاءتهم رسلنا. يقول جل ثناؤه: وهؤلاء الذين افتروا على الله الكذب، أو كذبوا بآيات ربهم، ينالهم حظوظهم التي كتب الله لهم، وسبق في علمه لهم
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قولُ من قال: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب، مما كتب لهم من خير وشر في الدنيا، ورزق وعمل وأجل. وذلك أن الله جل ثناؤه أتبع ذلك قوله: (حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله)، فأبان بإتباعه ذلك قولَه: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب)، أن الذي ينالهم من ذلك إنما هو ما كان مقضيًّا عليهم في الدنيا أن ينالهم، لأنه قد أخبر أن ذلك ينالهم إلى وقت مجيئهم رسلَه لتقبض أرواحهم. ولو كان ذلك نصيبهم من الكتاب، أو مما قد أعدّ لهم في الآخرة، لم يكن محدودًا بأنه ينالهم إلى مجيء رسل الله لوفاتهم، لأن رسل الله لا تجيئهم للوفاة في الآخرة، وأن عذابهم في الآخرة لا آخر له ولا انقضاء، فإن الله قد قضى عليهم بالخلود فيه. فبيِّنٌ بذلك أن معناه ما اخترنا من القول فيه.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (٣٧) ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (حتى إذا جاءتهم رسلنا)، إلى أن جاءتهم رسلنا. يقول جل ثناؤه: وهؤلاء الذين افتروا على الله الكذب، أو كذبوا بآيات ربهم، ينالهم حظوظهم التي كتب الله لهم، وسبق في علمه لهم
414
من رزق وعمل وأجل وخير وشر في الدنيا، إلى أن تأتيهم رسلنا لقبض أرواحهم. فإذا جاءتهم رسلنا، يعني ملك الموت وجنده = (يتوفونهم)، يقول: يستوفون عددهم من الدنيا إلى الآخرة (١) = (قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله)، يقول: قالت الرسل: أين الذين كنتم تدعونهم أولياء من دون الله وتعبدونهم، لا يدفعون عنكم ما قد جاءكم من أمر الله الذي هو خالقكم وخالقهم، وما قد نزل بساحتكم من عظيم البلاء؟ وهلا يُغيثونكم من كرب ما أنتم فيه فينقذونكم منه؟ فأجابهم الأشقياء فقالوا: ضَلَّ عنا أولياؤنا الذين كنا ندعو من دون الله. يعني بقوله: (ضلوا)، جاروا وأخذوا غير طريقنا، وتركونا عند حاجتنا إليهم فلم ينفعونا. (٢) يقول الله جل ثناؤه: وشهد القوم حينئذ على أنفسهم أنهم كانوا كافرين بالله، جاحدين وحدانيته.
* * *
* * *
(١) انظر تفسير ((التوفي)) فيما سلف: ١١: ٤٠٩، تعليق: ٣، والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير ((الضلال)) فيما سلف من فهارس اللغة (ضلل).
(٢) انظر تفسير ((الضلال)) فيما سلف من فهارس اللغة (ضلل).
415
القول في تأويل قوله: ﴿قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا﴾
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن قيله لهؤلاء المفترين عليه، المكذبين آياته يوم القيامة. يقول تعالى ذكره: قال لهم حين وردوا عليه يوم القيامة، ادخلوا، أيها المفترون على ربكم، المكذبون رسله، في جماعات من ضُرَبائكم (١) = (قد خلت من قبلكم)، يقول: قد سلفت من قبلكم (٢) ="من الجن والإنس في النار"، ومعنى ذلك: ادخلوا في أمم هي في النار، قد خلت
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن قيله لهؤلاء المفترين عليه، المكذبين آياته يوم القيامة. يقول تعالى ذكره: قال لهم حين وردوا عليه يوم القيامة، ادخلوا، أيها المفترون على ربكم، المكذبون رسله، في جماعات من ضُرَبائكم (١) = (قد خلت من قبلكم)، يقول: قد سلفت من قبلكم (٢) ="من الجن والإنس في النار"، ومعنى ذلك: ادخلوا في أمم هي في النار، قد خلت
(١) انظر تفسير ((أمة)) فيما سلف ص: ٤٠٥، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير ((خلا)) فيما سلف ٣: ١٠٠، ١٢٨ / ٤: ٢٨٩ / ٧: ٢٢٨.
(٢) انظر تفسير ((خلا)) فيما سلف ٣: ١٠٠، ١٢٨ / ٤: ٢٨٩ / ٧: ٢٢٨.
415
من قبلكم من الجن والإنس = وإنما يعني بـ"الأمم"، الأحزابَ وأهلَ الملل الكافرة = (كلما دخلت أمة لعنت أختها)، يقول جل ثناؤه: كلما دخلت النارَ جماعةٌ من أهل ملة = لعنت أختها، يقول: شتمت الجماعة الأخرى من أهل ملتها، تبرِّيًا منها. (١)
وإنما عنى بـ"الأخت"، الأخوة في الدين والملة، وقيل:"أختها"، ولم يقل:"أخاها"، لأنه عنى بها"أمة" وجماعة أخرى، كأنه قيل: كلما دخلت أمة لعنت أمة أخرى من أهل ملتها ودينها. (٢)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٥٩٢- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (كلما دخلت أمة لعنت أختها)، يقول: كلما دخل أهل ملة لعنوا أصحابهم على ذلك الدين، (٣) يلعن المشركون المشركين، واليهودُ اليهودَ، والنصارى النصارى، والصابئون الصابئين، والمجوسُ المجوسَ، تلعن الآخرةُ الأولى.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: حتى إذا تداركت الأمم في النار جميعًا، يعني اجتمعت فيها.
* * *
وإنما عنى بـ"الأخت"، الأخوة في الدين والملة، وقيل:"أختها"، ولم يقل:"أخاها"، لأنه عنى بها"أمة" وجماعة أخرى، كأنه قيل: كلما دخلت أمة لعنت أمة أخرى من أهل ملتها ودينها. (٢)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٥٩٢- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (كلما دخلت أمة لعنت أختها)، يقول: كلما دخل أهل ملة لعنوا أصحابهم على ذلك الدين، (٣) يلعن المشركون المشركين، واليهودُ اليهودَ، والنصارى النصارى، والصابئون الصابئين، والمجوسُ المجوسَ، تلعن الآخرةُ الأولى.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: حتى إذا تداركت الأمم في النار جميعًا، يعني اجتمعت فيها.
* * *
(١) انظر تفسير ((اللعن)) فيما سلف ١٠: ٤٨٩، تعليق: ١.
(٢) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٧٨.
(٣) في المطبوعة والمخطوطة: ((كلما دخلت أهل ملة))، والصواب ما أثبت.
(٢) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٧٨.
(٣) في المطبوعة والمخطوطة: ((كلما دخلت أهل ملة))، والصواب ما أثبت.
416
يقال:"قد ادَّاركوا"، و"تداركوا"، إذا اجتمعوا. (١)
* * *
يقول: اجتمع فيها الأوَّلون من أهل الملل الكافرة والآخِرون منهم.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ (٣٨) ﴾
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن محاورة الأحزاب من أهل الملل الكافرة في النار يوم القيامة. يقول الله تعالى ذكره: فإذا اجتمع أهل الملل الكافرة في النار فادّاركوا، قالت أخرى أهل كل ملة دخلت النار = الذين كانوا في الدنيا بعد أولى منهم تَقَدَّمتها وكانت لها سلفًا وإمامًا في الضلالة والكفر = لأولاها الذين كانوا قبلهم في الدنيا: ربنا هؤلاء أضلونا عن سبيلك، ودعونا إلى عبادة غيرك، وزيَّنوا لنا طاعة الشيطان، فآتهم اليوم من عذابك الضعفَ على عذابنا، كما:-
١٤٥٩٣- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"قالت أخراهم"، الذين كانوا في آخر الزمان ="لأولاهم"، الذين شرعوا لهم ذلك الدين = (ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابًا ضعفًا من النار)
* * *
وأما قوله: (قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون)، فإنه خبر من الله عن جوابه لهم، يقول: قال الله للذين
* * *
يقول: اجتمع فيها الأوَّلون من أهل الملل الكافرة والآخِرون منهم.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ (٣٨) ﴾
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن محاورة الأحزاب من أهل الملل الكافرة في النار يوم القيامة. يقول الله تعالى ذكره: فإذا اجتمع أهل الملل الكافرة في النار فادّاركوا، قالت أخرى أهل كل ملة دخلت النار = الذين كانوا في الدنيا بعد أولى منهم تَقَدَّمتها وكانت لها سلفًا وإمامًا في الضلالة والكفر = لأولاها الذين كانوا قبلهم في الدنيا: ربنا هؤلاء أضلونا عن سبيلك، ودعونا إلى عبادة غيرك، وزيَّنوا لنا طاعة الشيطان، فآتهم اليوم من عذابك الضعفَ على عذابنا، كما:-
١٤٥٩٣- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"قالت أخراهم"، الذين كانوا في آخر الزمان ="لأولاهم"، الذين شرعوا لهم ذلك الدين = (ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابًا ضعفًا من النار)
* * *
وأما قوله: (قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون)، فإنه خبر من الله عن جوابه لهم، يقول: قال الله للذين
(١) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٢١٤، وفي نصه زيادة حسنة: ((ويقال: تدارك لي عليه شيء، أي اجتمع لي عنده شيء. وهو مدغم التاء في الدال، فثقلت الدال)).
417
يدعونه فيقولون:"ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابًا ضعفًا من النار" =: لكلكم، أوَّلكم وآخركم، وتابعوكم ومُتَّبَعوكم ="ضعف"، يقول: مكرر عليه العذاب.
* * *
و"ضعف الشيء"، مثله مرة.
* * *
وكان مجاهد يقول في ذلك ما:-
١٤٥٩٤- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (عذابًا ضعفًا من النار قال لكل ضعف)، مضعّف.
١٤٥٩٥- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٥٩٦- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال الله: (لكل ضعف)، للأولى، وللآخرة ضعف.
١٤٥٩٧- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان قال، حدثني غير واحد، عن السدي، عن مرة، عن عبد الله: (ضعفًا من النار)، قال: أفاعي.
١٤٥٩٨- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عن السدي، عن مرة، عن عبد الله: (فآتهم عذابًا ضعفًا من النار)، قال: حيّات وأفاعي.
* * *
* * *
و"ضعف الشيء"، مثله مرة.
* * *
وكان مجاهد يقول في ذلك ما:-
١٤٥٩٤- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (عذابًا ضعفًا من النار قال لكل ضعف)، مضعّف.
١٤٥٩٥- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٥٩٦- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال الله: (لكل ضعف)، للأولى، وللآخرة ضعف.
١٤٥٩٧- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان قال، حدثني غير واحد، عن السدي، عن مرة، عن عبد الله: (ضعفًا من النار)، قال: أفاعي.
١٤٥٩٨- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عن السدي، عن مرة، عن عبد الله: (فآتهم عذابًا ضعفًا من النار)، قال: حيّات وأفاعي.
* * *
418
وقيل: إن"المضَعَّف"، في كلام العرب، ما كان ضعفين، (١) و"المضاعف"، ما كان أكثر من ذلك.
* * *
وقوله: (ولكن لا تعلمون)، يقول: ولكنكم، يا معشر أهل النار، لا تعلمون ما قدْرُ ما أعدّ الله لكم من العذاب، فلذلك تسأل الضعفَ منه الأمةُ الكافرةُ الأخرى لأختها الأولى.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَقَالَتْ أُولاهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٣٩) ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وقالت أولى كل أمة وملة سبقت في الدنيا، لأخراها الذين جاؤوا من بعدهم، وحَدَثوا بعد زمانهم فيها، فسلكوا سبيلهم واستنوا سنتهم: (فما كان لكم علينا من فضل)، وقد علمتم ما حل بنا من عقوبة الله جل ثناؤه بمعصيتنا إياه وكفرنا بآياته، بعدما جاءتنا وجاءتكم بذلك الرسل والنذر، (٢) فهل أنَبْتم إلى طاعة الله، (٣) وارتدعتم عن غوايتكم وضلالتكم؟ فانقضت حجة القوم وخُصِموا ولم يطيقوا جوابًا بأن يقولوا:"فضِّلنا عليكم إذ اعتبرنا بكم فآمنا بالله وصدقنا رسله"، (٤) قال الله لجميعهم: فذوقوا جميعكم، أيها الكفرة، عذابَ جهنم، (٥) بما كنتم في
* * *
وقوله: (ولكن لا تعلمون)، يقول: ولكنكم، يا معشر أهل النار، لا تعلمون ما قدْرُ ما أعدّ الله لكم من العذاب، فلذلك تسأل الضعفَ منه الأمةُ الكافرةُ الأخرى لأختها الأولى.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَقَالَتْ أُولاهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٣٩) ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وقالت أولى كل أمة وملة سبقت في الدنيا، لأخراها الذين جاؤوا من بعدهم، وحَدَثوا بعد زمانهم فيها، فسلكوا سبيلهم واستنوا سنتهم: (فما كان لكم علينا من فضل)، وقد علمتم ما حل بنا من عقوبة الله جل ثناؤه بمعصيتنا إياه وكفرنا بآياته، بعدما جاءتنا وجاءتكم بذلك الرسل والنذر، (٢) فهل أنَبْتم إلى طاعة الله، (٣) وارتدعتم عن غوايتكم وضلالتكم؟ فانقضت حجة القوم وخُصِموا ولم يطيقوا جوابًا بأن يقولوا:"فضِّلنا عليكم إذ اعتبرنا بكم فآمنا بالله وصدقنا رسله"، (٤) قال الله لجميعهم: فذوقوا جميعكم، أيها الكفرة، عذابَ جهنم، (٥) بما كنتم في
(١) في المطبوعة: ((الضعف، في كلام العرب))، والصواب من المخطوطة.
(٢) في المطبوعة: ((وكفرنا به وجاءتنا وجاءتكم بذلك الرسل))، وفي المخطوطة: ((وكفرنا به ما جاءتنا وجاءتكم))، وهو غير مستقيم، صوابه إن شاء الله ما أثبت. وهو سياق الآيات قبلها. هكذا استظهرته من تفسير الآيات السالفة.
(٣) في المطبوعة: ((هل انتهيتم))، وفي المخطوطة: ((هل أسم))، وهذا صواب قراءتها، وزدت الفاء في أول ((هل))، لاقتضاء سياق الكلام إثباتها.
(٤) في المطبوعة: ((إنا اعتبرنا بكم)) وفي المخطوطة: ((إذا اعتبرنا بكم))، والصواب ما أثبت.
(٥) انظر تفسير: ((ذوقوا العذاب)) فيما سلف ١١: ٤٢٠، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٢) في المطبوعة: ((وكفرنا به وجاءتنا وجاءتكم بذلك الرسل))، وفي المخطوطة: ((وكفرنا به ما جاءتنا وجاءتكم))، وهو غير مستقيم، صوابه إن شاء الله ما أثبت. وهو سياق الآيات قبلها. هكذا استظهرته من تفسير الآيات السالفة.
(٣) في المطبوعة: ((هل انتهيتم))، وفي المخطوطة: ((هل أسم))، وهذا صواب قراءتها، وزدت الفاء في أول ((هل))، لاقتضاء سياق الكلام إثباتها.
(٤) في المطبوعة: ((إنا اعتبرنا بكم)) وفي المخطوطة: ((إذا اعتبرنا بكم))، والصواب ما أثبت.
(٥) انظر تفسير: ((ذوقوا العذاب)) فيما سلف ١١: ٤٢٠، تعليق: ١، والمراجع هناك.
419
الدنيا تكسبون من الآثام والمعاصي، وتجترحون من الذنوب والإجرام. (١)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٥٩٩- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر قال، سمعت عمران، عن أبي مجلز: (وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون)، قال: يقول: فما فَضْلكم علينا، وقد بُيِّن لكم ما صنع بنا، وحُذِّرتم؟
١٤٦٠٠- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل، قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل)، فقد ضللتم كما ضللنا.
* * *
وكان مجاهد يقول في هذا بما:-
١٤٦٠١- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن أبن أبي نجيح، عن مجاهد: (فما كان لكم علينا من فضل)، قال: من التخفيف من العذاب.
١٤٦٠٢- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فما كان لكم علينا من فضل)، قال: من تخفيف.
* * *
وهذا القول الذي ذكرناه عن مجاهد، قولٌ لا معنى له لأن قول القائلين:
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٥٩٩- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر قال، سمعت عمران، عن أبي مجلز: (وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون)، قال: يقول: فما فَضْلكم علينا، وقد بُيِّن لكم ما صنع بنا، وحُذِّرتم؟
١٤٦٠٠- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل، قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل)، فقد ضللتم كما ضللنا.
* * *
وكان مجاهد يقول في هذا بما:-
١٤٦٠١- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن أبن أبي نجيح، عن مجاهد: (فما كان لكم علينا من فضل)، قال: من التخفيف من العذاب.
١٤٦٠٢- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فما كان لكم علينا من فضل)، قال: من تخفيف.
* * *
وهذا القول الذي ذكرناه عن مجاهد، قولٌ لا معنى له لأن قول القائلين:
(١) انظر تفسير ((كسب)) فيما سلف ص: ٢٨٦، تعليق: ٣، والمراجع هناك.
420
"فما كان لكم علينا من فضل" لمن قالوا ذلك، إنما هو توبيخ منهم على ما سلف منهم قبل تلك الحال، يدل على ذلك دخول"كان" في الكلام. ولو كان ذلك منهم توبيخًا لهم على قيلهم الذي قالوا لربهم:"آتهم عذابًا ضعفًا من النار"، لكان التوبيخ أن يقال:"فما لكم علينا من فضل، في تخفيف العذاب عنكم، وقد نالكم من العذاب ما قد نالنا"، ولم يقل:"فما كان لكم علينا من فضل".
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الذين كذبوا بحججنا وأدلتنا فلم يصدقوا بها، ولم يتبعوا رسلنا (١) = (واستكبروا عنها)، يقول: وتكبروا عن التصديق بها وأنفوا من اتباعها والانقياد لها تكبرًا (٢) ="لا تفتح لهم"، لأرواحهم إذا خرجت من أجسادهم ="أبواب السماء"، ولا يصعد لهم في حياتهم إلى الله قول ولا عمل، لأن أعمالهم خبيثة، وإنما يُرْفع الكلم الطيبُ والعملُ الصالح، كما قال جل ثناؤه: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [سورة فاطر: ١٠].
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (لا تفتح لهم أبواب السماء).
فقال بعضهم: معناه: لا تفتح لأرواح هؤلاء الكفار أبواب السماء.
* ذكر من قال ذلك:
١٣٦٠٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يعلى، عن أبي سنان، عن الضحاك، عن ابن عباس: (لا تفتح لهم أبواب السماء)، قال: عنى بها الكفار،
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الذين كذبوا بحججنا وأدلتنا فلم يصدقوا بها، ولم يتبعوا رسلنا (١) = (واستكبروا عنها)، يقول: وتكبروا عن التصديق بها وأنفوا من اتباعها والانقياد لها تكبرًا (٢) ="لا تفتح لهم"، لأرواحهم إذا خرجت من أجسادهم ="أبواب السماء"، ولا يصعد لهم في حياتهم إلى الله قول ولا عمل، لأن أعمالهم خبيثة، وإنما يُرْفع الكلم الطيبُ والعملُ الصالح، كما قال جل ثناؤه: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [سورة فاطر: ١٠].
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (لا تفتح لهم أبواب السماء).
فقال بعضهم: معناه: لا تفتح لأرواح هؤلاء الكفار أبواب السماء.
* ذكر من قال ذلك:
١٣٦٠٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يعلى، عن أبي سنان، عن الضحاك، عن ابن عباس: (لا تفتح لهم أبواب السماء)، قال: عنى بها الكفار،
(١) انظر تفسير ((الآية)) فيما سلف من فهارس اللغة (أيي).
(٢) انظر تفسير ((الاستكبار)) فيما سلف ١١: ٥٤٠.
(٢) انظر تفسير ((الاستكبار)) فيما سلف ١١: ٥٤٠.
421
أنّ السماء لا تفتح لأرواحهم، وتفتح لأرواح المؤمنين.
١٤٦٠٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية، عن أبي سنان، عن الضحاك قال، قال ابن عباس: تُفتح السماء لروح المؤمن، ولا تفتح لروح الكافر.
١٤٦٠٥- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (لا تفتح لهم أبواب السماء)، قال: إن الكافر إذا أُخِذ روحُه، ضربته ملائكة الأرض حتى يرتفع إلى السماء، فإذا بلغ السماء الدنيا ضربته ملائكة السماء فهبط، فضربته ملائكة الأرض فارتفع، فإذا بلغ السماء الدنيا ضربته ملائكة السماء الدنيا فهبط إلى أسفل الأرضين. وإذا كان مؤمنًا نفخ روحه، (١) وفتحت له أبواب السماء، فلا يمرّ بملك إلا حيَّاه وسلم عليه، حتى ينتهي إلى الله، فيعطيه حاجته، ثم يقول الله: ردّوا روحَ عبدي فيه إلى الأرض، فإني قضيتُ من التراب خلقه، وإلى التراب يعود، ومنه يخرج.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك أنه لا يصعد لهم عمل صالح ولا دعاءٌ إلى الله.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٦٠٦- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن سفيان، عن ليث، عن عطاء، عن ابن عباس: (لا تفتح لهم أبواب السماء)، لا يصعد لهم قولٌ ولا عمل.
١٤٦٠٧- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء)، يعني: لا يصعد إلى الله من عملهم شيء.
١٤٦٠٨- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (لا تفتح لهم أبواب السماء)، يقول: لا تفتح لخير يعملون.
١٤٦٠٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية، عن أبي سنان، عن الضحاك قال، قال ابن عباس: تُفتح السماء لروح المؤمن، ولا تفتح لروح الكافر.
١٤٦٠٥- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (لا تفتح لهم أبواب السماء)، قال: إن الكافر إذا أُخِذ روحُه، ضربته ملائكة الأرض حتى يرتفع إلى السماء، فإذا بلغ السماء الدنيا ضربته ملائكة السماء فهبط، فضربته ملائكة الأرض فارتفع، فإذا بلغ السماء الدنيا ضربته ملائكة السماء الدنيا فهبط إلى أسفل الأرضين. وإذا كان مؤمنًا نفخ روحه، (١) وفتحت له أبواب السماء، فلا يمرّ بملك إلا حيَّاه وسلم عليه، حتى ينتهي إلى الله، فيعطيه حاجته، ثم يقول الله: ردّوا روحَ عبدي فيه إلى الأرض، فإني قضيتُ من التراب خلقه، وإلى التراب يعود، ومنه يخرج.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك أنه لا يصعد لهم عمل صالح ولا دعاءٌ إلى الله.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٦٠٦- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن سفيان، عن ليث، عن عطاء، عن ابن عباس: (لا تفتح لهم أبواب السماء)، لا يصعد لهم قولٌ ولا عمل.
١٤٦٠٧- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء)، يعني: لا يصعد إلى الله من عملهم شيء.
١٤٦٠٨- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (لا تفتح لهم أبواب السماء)، يقول: لا تفتح لخير يعملون.
(١) في المطبوعة: ((وإذا كان مؤمنًا أخذ روحه))، وأثبت ما في المخطوطة.
422
١٤٦٠٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: (لا تفتح لهم أبواب السماء)، قال: لا يصعد لهم كلامٌ ولا عمل.
١٤٦١٠- حدثنا مطر بن محمد الضبي قال، حدثنا عبد الله بن داود قال، حدثنا شريك، عن منصور، عن إبراهيم، في قوله: (لا تفتح لهم أبواب السماء)، قال: لا يرتفع لهم عمل ولا دعاء. (١)
١٤٦١١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن سالم، عن سعيد: (لا تفتح لهم أبواب السماء)، قال: لا يرتفع لهم عمل ولا دعاء.
١٤٦١٢- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سعيد: (لا تفتح لهم أبواب السماء)، قال: لا يرفع لهم عملٌ صالح ولا دعاء.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: لا تفتح أبواب السماء لأرواحهم ولا لأعمالهم.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٦١٣- حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: (لا تفتح لهم أبواب السماء)، قال: لأرواحهم ولا لأعمالهم.
* * *
قال أبو جعفر: وإنما اخترنا في تأويل ذلك ما اخترنا من القول، لعموم خبر الله جل ثناؤه أن أبواب السماء لا تفتح لهم. ولم يخصص الخبر بأنه يفتح لهم في شيء، فذلك على ما عمّه خبر الله تعالى بأنها لا تفتح لهم في شيء، مع تأييد الخبر عن رسول الله ﷺ ما قلنا في ذلك، وذلك ما:-
١٤٦١٠- حدثنا مطر بن محمد الضبي قال، حدثنا عبد الله بن داود قال، حدثنا شريك، عن منصور، عن إبراهيم، في قوله: (لا تفتح لهم أبواب السماء)، قال: لا يرتفع لهم عمل ولا دعاء. (١)
١٤٦١١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن سالم، عن سعيد: (لا تفتح لهم أبواب السماء)، قال: لا يرتفع لهم عمل ولا دعاء.
١٤٦١٢- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سعيد: (لا تفتح لهم أبواب السماء)، قال: لا يرفع لهم عملٌ صالح ولا دعاء.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: لا تفتح أبواب السماء لأرواحهم ولا لأعمالهم.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٦١٣- حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: (لا تفتح لهم أبواب السماء)، قال: لأرواحهم ولا لأعمالهم.
* * *
قال أبو جعفر: وإنما اخترنا في تأويل ذلك ما اخترنا من القول، لعموم خبر الله جل ثناؤه أن أبواب السماء لا تفتح لهم. ولم يخصص الخبر بأنه يفتح لهم في شيء، فذلك على ما عمّه خبر الله تعالى بأنها لا تفتح لهم في شيء، مع تأييد الخبر عن رسول الله ﷺ ما قلنا في ذلك، وذلك ما:-
(١) الأثر: ١٤٦١٠ - ((مطر بن محمد الضبي))، شيخ الطبري، لم أجد له ترجمة، ومضى أيضا برقم: ١٢١٩٨.
423
١٤٦١٤- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن المنهال، عن زاذان، عن البراء: أن رسول الله ﷺ ذكر قبضَ روح الفاجر، وأنه يصعد بها إلى السماء، قال: فيصعدون بها، فلا يمرّون على ملإ من الملائكة إلا قالوا:"ما هذا الروح الخبيث"؟ فيقولون:"فلان"، بأقبح أسمائه التي كان يُدعى بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء، فيستفتحون له فلا يفتح له. ثم قرأ رسول الله: (لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) (١)
١٤٦١٥- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن عبد الرحمن، عن ابن أبي ذئب، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ قال: الميت تحضره الملائكة، فإذا
١٤٦١٥- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن عبد الرحمن، عن ابن أبي ذئب، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ قال: الميت تحضره الملائكة، فإذا
(١) الأثر: ١٤٦١٤ - ((المنهال)) هو ((المنهال بن عمرو الأسدي))، ثقة، رجح أخي توثيقه في المسند رقم: ٧١٤، وفيما يلي رقم: ٣٣٧، ٧٩٩.
و ((زاذان)) هو ((أبو عبد الله))، ويقال ((أبو عمر)) الكوفي الضرير. تابعي ثقة، مضى أيضًا برقم: ٩٥٠٨، ١٣٠١٧، ١٣٠١٨.
وهذا الخبر مختصرًا رواه أحمد مطولا ومختصرًا في مسنده ٤: ٢٨٧، ٢٨٨، من طريقتين، و ٢٩٧، كلها من طريق العمش، عن المنهال. ورواه أيضًا ٤: ٢٩٥، ٢٩٦، من طريقين. أحدهما من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن يونس بن خباب، عن المنهال، والآخر من طريق أبي الربيع، عن حماد بن زيد، عن يونس بن خباب.
ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده ص: ١٠٢، مطولا من طريق أبي عوانة، عن الأعمش. ورواه أبو داود في سننه ٣: ٢٨٩، رقم: ٣٢١٢ مختصرًا، ورواه مطولا ٤: ٣٣٠ رقم: ٤٧٥٣.
ورواه الحاكم في المستدرك ١: ٣٧ - ٤٠، من طرق، وقال: ((هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، فقد احتجا بالمنهال بن عمرو، وزاذان بن عمرو، وزاذان أبي عمر الكندي. وفي هذا الحديث فوائد كثيرة لأهل السنة، وقمع للمبتدعة، ولم يخرجاه بطوله)).
وخرجه ابن كثير في تفسيره ٣: ٤٧٣، ٤٧٤، وقال: ((رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، من طرق عن المنهال بن عمرو به)) ثم ساق حديث أحمد في المسند.
وخره السيوطي في الدر المنثور ١: ٨٣، وزاد نسبته لابن أبي شيبة وهناد بن السري، وعبد بن حميد، وابن مردويه، والبيهقي في كتاب عذاب القبر.
و ((زاذان)) هو ((أبو عبد الله))، ويقال ((أبو عمر)) الكوفي الضرير. تابعي ثقة، مضى أيضًا برقم: ٩٥٠٨، ١٣٠١٧، ١٣٠١٨.
وهذا الخبر مختصرًا رواه أحمد مطولا ومختصرًا في مسنده ٤: ٢٨٧، ٢٨٨، من طريقتين، و ٢٩٧، كلها من طريق العمش، عن المنهال. ورواه أيضًا ٤: ٢٩٥، ٢٩٦، من طريقين. أحدهما من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن يونس بن خباب، عن المنهال، والآخر من طريق أبي الربيع، عن حماد بن زيد، عن يونس بن خباب.
ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده ص: ١٠٢، مطولا من طريق أبي عوانة، عن الأعمش. ورواه أبو داود في سننه ٣: ٢٨٩، رقم: ٣٢١٢ مختصرًا، ورواه مطولا ٤: ٣٣٠ رقم: ٤٧٥٣.
ورواه الحاكم في المستدرك ١: ٣٧ - ٤٠، من طرق، وقال: ((هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، فقد احتجا بالمنهال بن عمرو، وزاذان بن عمرو، وزاذان أبي عمر الكندي. وفي هذا الحديث فوائد كثيرة لأهل السنة، وقمع للمبتدعة، ولم يخرجاه بطوله)).
وخرجه ابن كثير في تفسيره ٣: ٤٧٣، ٤٧٤، وقال: ((رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، من طرق عن المنهال بن عمرو به)) ثم ساق حديث أحمد في المسند.
وخره السيوطي في الدر المنثور ١: ٨٣، وزاد نسبته لابن أبي شيبة وهناد بن السري، وعبد بن حميد، وابن مردويه، والبيهقي في كتاب عذاب القبر.
424
كان الرجلَ الصالحَ قالوا:"اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة، وأبشري برَوْح وريحان، وربّ غير غضبان"، قال: فيقولون ذلك حتى يُعرج بها إلى السماء، فيستفتح لها، فيقال:"من هذا"؟ فيقولون:"فلان". فيقال: مرحبًا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، (١) ادخلي حميدة، وأبشري بروح وريحان، ورب غير غضبان"، فيقال لها حتى تنتهي إلى السماء التي فيها الله. وإذا كان الرجلَ السَّوْءَ قال:"اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، اخرجي ذميمة، وأبشري بحميم وغسَّاق، وآخر من شكله أزواج"، فيقولون ذلك حتى تخرج، ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها، فيقال:"من هذا"؟ فيقولون:"فلان". فيقولون:"لا مرحبًا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، ارجعي ذميمة، فإنه لم تفتح لك أبواب السماء"، (٢) فترسل بين السماء والأرض، فتصير إلى القبر. (٣)
١٤٦١٦- حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا ابن أبي فديك قال، حدثني ابن أبي ذئب، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه.
* * *
١٤٦١٦- حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا ابن أبي فديك قال، حدثني ابن أبي ذئب، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه.
* * *
(١) في المخطوطة والمطبوعة: ((بالنفس الطيبة التي كانت... ))، والظاهر أنها زيادة من الناسخ، فإن روايتهم جميعًا اتفقت على ما أثبت.
(٢) في المطبوعة: ((لا تفتح لك أبواب السماء))، وفي المخطوطة: ((لم تفتح)) بغير ((لك))، وأثبت ما في تفسير ابن كثير. وفي ابن ماجه: ((لا تفتح لك)).
(٣) الأثر: ١٤٦١٥، ١٤٦١٦ - ((عبد الرحمن بن عثمان بن أمية الثقفي)) ((أبو بحر البكراوي))، ضعيف متكلم فيه، قال أبو حاتم: ((يكتب حديثه ولا يحتج به)). مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٢ / ٢ / ٢٦٤.
و ((ابن أبي ذئب)) هو ((محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب))، ثقة حافظ، مضى برقم: ٢٩٩٥.
و ((محمد بن عمرو بن عطاء القرشي العامري))، ثقة روى له الجماعة.
و ((سعيد بن يسار)) أبو الحباب المدني، تابعي ثقة لا يختلفون في توثيقه. روى له الجماعة.
وهذا خبر صحيح، رواه عن ابن أبي ذئب غير ((عبد الرحمن بن عثمان)). وسيأتي بإسناد ليس فيه ضعف، في الأثر التالي.
وهذا الخبر رواه ابن ماجه ص: ١٤٢٣ رقم: ٤٢٦٢.
وذكره ابن كثير في تفسيره ٣: ٤٧٥، ونسبة إلى أحمد، والنسائي وخرجه السيوطي في الدر المنثور ٣: ٨٣، وزاد إلى حبان، والحاكم وصححه، والبيهقي في البعث.
والأثر رقم: ١٤٦١٦. هو إسناد صحيح للخبر السالف.
((ابن أبي فديك))، هو ((محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك))، ثقة، روى له الجماعة. مضى برقم: ٤٣١٩، ٩٤٨٢، ٩٨٧٦.
(٢) في المطبوعة: ((لا تفتح لك أبواب السماء))، وفي المخطوطة: ((لم تفتح)) بغير ((لك))، وأثبت ما في تفسير ابن كثير. وفي ابن ماجه: ((لا تفتح لك)).
(٣) الأثر: ١٤٦١٥، ١٤٦١٦ - ((عبد الرحمن بن عثمان بن أمية الثقفي)) ((أبو بحر البكراوي))، ضعيف متكلم فيه، قال أبو حاتم: ((يكتب حديثه ولا يحتج به)). مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٢ / ٢ / ٢٦٤.
و ((ابن أبي ذئب)) هو ((محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب))، ثقة حافظ، مضى برقم: ٢٩٩٥.
و ((محمد بن عمرو بن عطاء القرشي العامري))، ثقة روى له الجماعة.
و ((سعيد بن يسار)) أبو الحباب المدني، تابعي ثقة لا يختلفون في توثيقه. روى له الجماعة.
وهذا خبر صحيح، رواه عن ابن أبي ذئب غير ((عبد الرحمن بن عثمان)). وسيأتي بإسناد ليس فيه ضعف، في الأثر التالي.
وهذا الخبر رواه ابن ماجه ص: ١٤٢٣ رقم: ٤٢٦٢.
وذكره ابن كثير في تفسيره ٣: ٤٧٥، ونسبة إلى أحمد، والنسائي وخرجه السيوطي في الدر المنثور ٣: ٨٣، وزاد إلى حبان، والحاكم وصححه، والبيهقي في البعث.
والأثر رقم: ١٤٦١٦. هو إسناد صحيح للخبر السالف.
((ابن أبي فديك))، هو ((محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك))، ثقة، روى له الجماعة. مضى برقم: ٤٣١٩، ٩٤٨٢، ٩٨٧٦.
425
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة الكوفة:"لا يُفَتَحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّمَاء"، بالياء من"يفتح"، وتخفيف"التاء" منها، بمعنى: لا يفتح لهم جميعها بمرة واحدةٍ وفتحةٍ واحدة.
* * *
وقرأ ذلك بعض المدنيين وبعض الكوفيين: (لا تُفَتَّحُ)، بالتاء وتشديد التاء الثانية، بمعنى: لا يفتح لهم باب بعد باب، وشيء بعد شيء.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب في ذلك عندي من القول أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان صحيحتا المعنى. وذلك أن أرواح الكفار لا تفتح لها ولا لأعمالهم الخبيثة أبوابُ السماء بمرة واحدة، ولا مرة بعد مرة، وباب بعد باب. فكلا المعنيين في ذلك صحيح.
وكذلك"الياء"، و"التاء" في"يفتح"، و"تفتح"، لأن"الياء" بناء على فعل الواحد للتوحيد، و"التاء" لأن"الأبواب" جماعة، فيخبر عنها خبر الجماعة. (١)
* * *
فقرأته عامة قرأة الكوفة:"لا يُفَتَحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّمَاء"، بالياء من"يفتح"، وتخفيف"التاء" منها، بمعنى: لا يفتح لهم جميعها بمرة واحدةٍ وفتحةٍ واحدة.
* * *
وقرأ ذلك بعض المدنيين وبعض الكوفيين: (لا تُفَتَّحُ)، بالتاء وتشديد التاء الثانية، بمعنى: لا يفتح لهم باب بعد باب، وشيء بعد شيء.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب في ذلك عندي من القول أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان صحيحتا المعنى. وذلك أن أرواح الكفار لا تفتح لها ولا لأعمالهم الخبيثة أبوابُ السماء بمرة واحدة، ولا مرة بعد مرة، وباب بعد باب. فكلا المعنيين في ذلك صحيح.
وكذلك"الياء"، و"التاء" في"يفتح"، و"تفتح"، لأن"الياء" بناء على فعل الواحد للتوحيد، و"التاء" لأن"الأبواب" جماعة، فيخبر عنها خبر الجماعة. (١)
* * *
(١) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٧٨، ٣٧٩.
426
القول في تأويل قوله: ﴿وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (٤٠) ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: ولا يدخل هؤلاء الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها، الجنة التي أعدّها الله لأوليائه المؤمنين أبدًا، كما لا يلج الجمل في سمِّ الخياط أبدًا، وذلك ثقب الإبرة.
* * *
وكل ثقب في عين أو أنف أو غير ذلك، فإن العرب تسميه"سَمًّا" وتجمعه"سمومًا"، و"السِّمام"، في جمع"السَّم" القاتل، أشهر وأفصح من"السموم". وهو في جمع"السَّم" الذي هو بمعنى الثقب أفصح. وكلاهما في العرب مستفيض. وقد يقال لواحد"السموم" التي هي الثقوب"سَمٌّ" و"سُمٌّ" بفتح السين وضمها، ومن"السَّم" الذي بمعنى الثقب قول الفرزدق:
فَنَفَّسْتُ عَنْ سَمَّيْهِ حَتَّى تَنَفَّسَا... وَقُلْتُ لَهُ: لا تَخْشَ شَيْئًا وَرَائِيا (١)
يعني بسمِّيه، ثقبي أنفه.
* * *
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: ولا يدخل هؤلاء الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها، الجنة التي أعدّها الله لأوليائه المؤمنين أبدًا، كما لا يلج الجمل في سمِّ الخياط أبدًا، وذلك ثقب الإبرة.
* * *
وكل ثقب في عين أو أنف أو غير ذلك، فإن العرب تسميه"سَمًّا" وتجمعه"سمومًا"، و"السِّمام"، في جمع"السَّم" القاتل، أشهر وأفصح من"السموم". وهو في جمع"السَّم" الذي هو بمعنى الثقب أفصح. وكلاهما في العرب مستفيض. وقد يقال لواحد"السموم" التي هي الثقوب"سَمٌّ" و"سُمٌّ" بفتح السين وضمها، ومن"السَّم" الذي بمعنى الثقب قول الفرزدق:
فَنَفَّسْتُ عَنْ سَمَّيْهِ حَتَّى تَنَفَّسَا... وَقُلْتُ لَهُ: لا تَخْشَ شَيْئًا وَرَائِيا (١)
يعني بسمِّيه، ثقبي أنفه.
* * *
(١) ديوانه: ٨٩٥، النقائض: ١٦٩، واللسان (سمم)، من أول قصيدة هاجى بها جريرًا، ونصر البعيث وهجاه معًا. وكان الذي هاج الهجاء بين جرير والفرزدق، أن البعيث المجاشعي، سرقت إبله، سرقها ناس من بني يربوع، من رهط جرير، فطلبها البعيث حتى وجدها في أيديهم، فأرسل لسانه في بني يربوع، فاعترضه جرير، فهجاه، فانبعث الشر بالبعيث، فانطلق الفرزدق بعد قليل ينصره، فقال هذه القصيدة يهجو جريرًا، وينصر البعيث ويهجوه، فيقول للبعيث:
((نفس عنه))، فرج عنه كربته إذ أطبق عليه جرير، فاستنقذه من تحت وطأته. فاستطاع أن يتنفس. وقوله: ((لا تخش شيئًا ورائيا))، أي: لا تخش ما دمت درعًا لك وأنت من ورائي تحتمي بلساني وهجائي جريرًا. وأما قول أبي عبيدة: ((أي لا تخش شيئًا يأتيك من خلفي))، فليس عندي بشيء.
وكان في المطبوعة: ((شيئًا وراءنا))، لم يحسن قراءة المخطوطة.
دَعَانِي ابْنُ حَمْرَاءِ العِجَانِ وَلَم يَجِدْ | لَهُ إذْ دَعَا، مُسْتأْخِرًا عَنْ دُعَائيا |
وكان في المطبوعة: ((شيئًا وراءنا))، لم يحسن قراءة المخطوطة.
427
وأما"الخياط" فإنه"المخيط"، وهي الإبرة. قيل لها:"خِيَاط" و"مِخْيَط"، كما قيل:"قِناع" و"مِقْنع"، و"إزار" و"مِئْزر"، و"قِرام" و"مِقْرَم"، و"لحاف" و"مِلْحف".
وأما القرأة من جميع الأمصار، فإنها قرأت قوله: (فِي سَمِّ الْخِيَاطِ)، بفتح"السين"، وأجمعت على قراءة:"الجَمَلُ" بفتح"الجيم"، و"الميم" وتخفيف ذلك.
* * *
وأما ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير، فإنه حكي عنهم أنهم كانوا يقرؤون ذلك:"الجُمَّلُ"، بضم"الجيم" وتشديد"الميم"، على اختلاف في ذلك عن سعيد وابن عباس.
* * *
فأما الذين قرؤوه بالفتح من الحرفين والتخفيف، فإنهم وجهوا تأويله إلى"الجمل" المعروف، وكذلك فسروه.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٦١٧- حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي قال، حدثنا فضيل بن عياض، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله في قوله: (حتى يلج الجمل في سم الخياط)، قال: الجمل ابن الناقة، أو: زوج الناقة.
١٤٦١٨- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي حصين، عن إبراهيم، عن عبد الله: (حتى يلج الجمل في سم الخياط)، قال:"الجمل"، زوج الناقة.
١٤٦١٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي حصين، عن إبراهيم، عن عبد الله، مثله.
١٤٦٢٠- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن مهدي، عن هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله قال:"الجمل"، زوج الناقة.
١٤٦٢١- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله، مثله.
وأما القرأة من جميع الأمصار، فإنها قرأت قوله: (فِي سَمِّ الْخِيَاطِ)، بفتح"السين"، وأجمعت على قراءة:"الجَمَلُ" بفتح"الجيم"، و"الميم" وتخفيف ذلك.
* * *
وأما ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير، فإنه حكي عنهم أنهم كانوا يقرؤون ذلك:"الجُمَّلُ"، بضم"الجيم" وتشديد"الميم"، على اختلاف في ذلك عن سعيد وابن عباس.
* * *
فأما الذين قرؤوه بالفتح من الحرفين والتخفيف، فإنهم وجهوا تأويله إلى"الجمل" المعروف، وكذلك فسروه.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٦١٧- حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي قال، حدثنا فضيل بن عياض، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله في قوله: (حتى يلج الجمل في سم الخياط)، قال: الجمل ابن الناقة، أو: زوج الناقة.
١٤٦١٨- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي حصين، عن إبراهيم، عن عبد الله: (حتى يلج الجمل في سم الخياط)، قال:"الجمل"، زوج الناقة.
١٤٦١٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي حصين، عن إبراهيم، عن عبد الله، مثله.
١٤٦٢٠- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن مهدي، عن هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله قال:"الجمل"، زوج الناقة.
١٤٦٢١- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله، مثله.
428
١٤٦٢٢- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا قرة قال، سمعت الحسن يقول:"الجمل"، الذي يقوم في المِرْبد. (١)
١٤٦٢٣- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: (حتى يلج الجمل في سم الخياط)، قال: حتى يدخل البعير في خُرت الإبرة. (٢)
١٤٦٢٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن مهدي، عن هشيم، عن عباد بن راشد، عن الحسن قال: هو الجمل! فلما أكثروا عليه قال: هو الأشتر. (٣)
١٤٦٢٥- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن عباد بن راشد، عن الحسن، مثله.
١٤٦٢٦- حدثنا المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد، عن يحيى قال: كان الحسن يقرؤها: (حتى يلج الجمل في سم الخياط)، قال: فذهب بعضهم يستفهمه، قال: أشتر، أشتر. (٤)
١٤٦٢٧- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو النعمان عارم قال، حدثنا حماد بن زيد، عن شعيب بن الحبحاب، عن أبي العالية: (حتى يلج الجمل)، قال: الجمل الذي له أربع قوائم.
١٤٦٢٨- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن أبي حصين = أو: حصين =، عن إبراهيم، عن ابن مسعود في
١٤٦٢٣- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: (حتى يلج الجمل في سم الخياط)، قال: حتى يدخل البعير في خُرت الإبرة. (٢)
١٤٦٢٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن مهدي، عن هشيم، عن عباد بن راشد، عن الحسن قال: هو الجمل! فلما أكثروا عليه قال: هو الأشتر. (٣)
١٤٦٢٥- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن عباد بن راشد، عن الحسن، مثله.
١٤٦٢٦- حدثنا المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد، عن يحيى قال: كان الحسن يقرؤها: (حتى يلج الجمل في سم الخياط)، قال: فذهب بعضهم يستفهمه، قال: أشتر، أشتر. (٤)
١٤٦٢٧- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو النعمان عارم قال، حدثنا حماد بن زيد، عن شعيب بن الحبحاب، عن أبي العالية: (حتى يلج الجمل)، قال: الجمل الذي له أربع قوائم.
١٤٦٢٨- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن أبي حصين = أو: حصين =، عن إبراهيم، عن ابن مسعود في
(١) ((المربد)) (بكسر فسكون) : هو المكان الذي تحبس فيه الإبل، يقال: ((ربد الإبل ربدًا))، حبسها. ويقال: ((مربد الغنم)) أيضًا. وبه سمى ((مربد البصرة))، لأنه كان موضع سوق الإبل.
(٢) ((خرت الإبرة)) (بضم الخاء أو فتحها، وسكون الراء) : هو ثقبها. وكان في المطبوعة: ((في خرق)) وهي صواب، والمخطوطة تشبه أن تقرأ هكذا وهكذا.
(٣) ((أشتر))، وهو الجمل، بالفارسية.
(٤) ((أشتر))، وهو الجمل، بالفارسية.
(٢) ((خرت الإبرة)) (بضم الخاء أو فتحها، وسكون الراء) : هو ثقبها. وكان في المطبوعة: ((في خرق)) وهي صواب، والمخطوطة تشبه أن تقرأ هكذا وهكذا.
(٣) ((أشتر))، وهو الجمل، بالفارسية.
(٤) ((أشتر))، وهو الجمل، بالفارسية.
429
قوله: (حتى يلج الجمل في سم الخياط)، قال: زوج الناقة، يعني الجمل.
١٤٦٢٩- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك أنه كان يقرأ: (الجمل)، وهو الذي له أربع قوائم.
١٤٦٣٠- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو تميلة، عن عبيد، عن الضحاك: (حتى يلج الجمل)، الذي له أربع قوائم.
١٤٦٣١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا زيد بن الحباب، عن قرة، عن الحسن: (حتى يلج الجمل)، قال: الذي بالمربد.
١٤٦٣٢- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن مسعود أنه كان يقرأ:"حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ الأَصْفَرُ".
١٤٦٣٣- حدثنا نصر بن علي قال، حدثنا يحيى بن سليم قال، حدثنا عبد الكريم بن أبي المخارق، عن الحسن في قوله: (حتى يلج الجمل في سم الخياط)، قال: الجمل ابن الناقة = أو بَعْلُ الناقة.
* * *
وأما الذين خالفوا هذه القراءة فإنهم اختلفوا.
فروي عن ابن عباس في ذلك روايتان: إحداهما الموافقة لهذه القراءة وهذا التأويل.
* ذكر الرواية بذلك عنه:
١٤٦٣٤- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (حتى يلج الجمل في سم الخياط)، والجمل: ذو القوائم.
* * *
وذكر أن ابن مسعود قال ذلك.
١٤٦٢٩- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك أنه كان يقرأ: (الجمل)، وهو الذي له أربع قوائم.
١٤٦٣٠- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو تميلة، عن عبيد، عن الضحاك: (حتى يلج الجمل)، الذي له أربع قوائم.
١٤٦٣١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا زيد بن الحباب، عن قرة، عن الحسن: (حتى يلج الجمل)، قال: الذي بالمربد.
١٤٦٣٢- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن مسعود أنه كان يقرأ:"حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ الأَصْفَرُ".
١٤٦٣٣- حدثنا نصر بن علي قال، حدثنا يحيى بن سليم قال، حدثنا عبد الكريم بن أبي المخارق، عن الحسن في قوله: (حتى يلج الجمل في سم الخياط)، قال: الجمل ابن الناقة = أو بَعْلُ الناقة.
* * *
وأما الذين خالفوا هذه القراءة فإنهم اختلفوا.
فروي عن ابن عباس في ذلك روايتان: إحداهما الموافقة لهذه القراءة وهذا التأويل.
* ذكر الرواية بذلك عنه:
١٤٦٣٤- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (حتى يلج الجمل في سم الخياط)، والجمل: ذو القوائم.
* * *
وذكر أن ابن مسعود قال ذلك.
430
١٤٦٣٥- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (حتى يلج الجمل في سم الخياط)، وهو الجمل العظيم، لا يدخل في خُرْت الإبرة، (١) من أجل أنه أعظم منها.
* * *
والرواية الأخرى ما:-
١٤٦٣٦- حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال، حدثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله:"حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ"، قال: هو قَلْس السفينة. (٢)
١٤٦٣٧- حدثني عبد الأعلى بن واصل قال، حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل، عن خالد بن عبد الله الواسطي، عن حنظلة السدوسي، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه كان يقرأ:"حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ"، يعني الحبل الغليظ = فذكرت ذلك للحسن فقال: (حتى يلجَ الجمَل)، قال عبد الأعلى: قال أبو غسان، قال خالد: يعني: البعير.
١٤٦٣٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن فضيل، عن مغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه قرأ:"الجُمَّلُ"، مثقَّلة، وقال: هو حبل السفينة.
١٤٦٣٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن مهدي، عن هشيم، عن مغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس قال:"الجمَّل"، حبال السفن.
١٤٦٤٠- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن ابن مبارك، عن حنظلة، عن عكرمة، عن ابن عباس:"حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ"، قال: الحبل الغليظ.
* * *
والرواية الأخرى ما:-
١٤٦٣٦- حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال، حدثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله:"حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ"، قال: هو قَلْس السفينة. (٢)
١٤٦٣٧- حدثني عبد الأعلى بن واصل قال، حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل، عن خالد بن عبد الله الواسطي، عن حنظلة السدوسي، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه كان يقرأ:"حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ"، يعني الحبل الغليظ = فذكرت ذلك للحسن فقال: (حتى يلجَ الجمَل)، قال عبد الأعلى: قال أبو غسان، قال خالد: يعني: البعير.
١٤٦٣٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن فضيل، عن مغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه قرأ:"الجُمَّلُ"، مثقَّلة، وقال: هو حبل السفينة.
١٤٦٣٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن مهدي، عن هشيم، عن مغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس قال:"الجمَّل"، حبال السفن.
١٤٦٤٠- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن ابن مبارك، عن حنظلة، عن عكرمة، عن ابن عباس:"حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ"، قال: الحبل الغليظ.
(١) انظر ص: ٤٢٩، التعليق: ٢.
(٢) ((القلس)) (بفتح فسكون) : هو حبل ضخم غليظ من ليف أو خوص، وهو من حبال السفن.
(٢) ((القلس)) (بفتح فسكون) : هو حبل ضخم غليظ من ليف أو خوص، وهو من حبال السفن.
431
١٤٦٤١- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس:"حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ" قال: هو الحبل الذي يكون على السفينة.
* * *
واختُلِف عن سعيد بن جبير أيضًا في ذلك، فروي عنه روايتان إحداهما مثل الذي ذكرنا عن ابن عباس: بضم"الجيم" وتثقيل"الميم".
* ذكر الرواية بذلك عنه:
١٤٦٤٢- حدثنا عمران بن موسى القزاز قال، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال، حدثنا حسين المعلم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير: أنه قرأها:"حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ"، يعني قُلُوس السفن، يعني: الحبال الغلاظ. (١)
* * *
والأخرى منهما بضم"الجيم" وتخفيف"الميم".
* ذكر الرواية بذلك عنه:
١٤٦٤٣- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا عمرو، عن سالم بن عجلان الأفطس قال، قرأت على أبي:"حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلَ" فقال:"حَتَّى يَلِجَ الْجُمَلُ" خفيفة، هو حبل السفينة = هكذا أقرأنيها سعيد بن جبير.
* * *
وأما عكرمة، فإنه كان يقرأ ذلك:"الْجُمَّلُ"، بضم"الجيم" وتشديد"الميم"، وبتأوّله كما:-
١٤٦٤٤- حدثني ابن وكيع قال، حدثنا أبو تميلة، عن عيسى بن عبيد قال: سمعت عكرمة يقرأ: "الْجُمَّلُ" مثقلة، ويقول: هو الحبل الذي يصعد به إلى النخل.
* * *
واختُلِف عن سعيد بن جبير أيضًا في ذلك، فروي عنه روايتان إحداهما مثل الذي ذكرنا عن ابن عباس: بضم"الجيم" وتثقيل"الميم".
* ذكر الرواية بذلك عنه:
١٤٦٤٢- حدثنا عمران بن موسى القزاز قال، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال، حدثنا حسين المعلم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير: أنه قرأها:"حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ"، يعني قُلُوس السفن، يعني: الحبال الغلاظ. (١)
* * *
والأخرى منهما بضم"الجيم" وتخفيف"الميم".
* ذكر الرواية بذلك عنه:
١٤٦٤٣- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا عمرو، عن سالم بن عجلان الأفطس قال، قرأت على أبي:"حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلَ" فقال:"حَتَّى يَلِجَ الْجُمَلُ" خفيفة، هو حبل السفينة = هكذا أقرأنيها سعيد بن جبير.
* * *
وأما عكرمة، فإنه كان يقرأ ذلك:"الْجُمَّلُ"، بضم"الجيم" وتشديد"الميم"، وبتأوّله كما:-
١٤٦٤٤- حدثني ابن وكيع قال، حدثنا أبو تميلة، عن عيسى بن عبيد قال: سمعت عكرمة يقرأ: "الْجُمَّلُ" مثقلة، ويقول: هو الحبل الذي يصعد به إلى النخل.
(١) ((القلوس)) جمع ((قلس))، انظر التعليق السالف.
432
١٤٦٤٥- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا كعب بن فروخ قال، حدثنا قتادة، عن عكرمة، في قوله:"حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ"، قال: الحبل الغليظ في خرق الإبرة. (١)
١٤٦٤٦- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ"، قال: حبل السفينة في سمّ الخياط.
١٤٦٤٧- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال عبد الله بن كثير: سمعت مجاهدًا يقول: الحبل من حبال السفن.
* * *
وكأنَّ من قرأ ذلك بتخفيف"الميم" وضم"الجيم"، على ما ذكرنا عن سعيد بن جبير، على مثال"الصُّرَد" و"الجُعَل"، وجهه إلى جماع"جملة" من الحبال جمعت"جُمَلا"، كما تجمع"الظلمة"،"ظُلَمًا"، و"الخُرْبة""خُرَبًا".
* * *
وكان بعض أهل العربية ينكر التشديد في"الميم" ويقول: إنما أراد الراوي"الجُمَل" بالتخفيف، فلم يفهم ذلك منه فشدّده.
* * *
١٤٦٤٨- وحدثت عن الفراء، عن الكسائي أنه قال: الذي رواه عن ابن عباس كان أعجميًّا.
* * *
وأما من شدد"الميم" وضم"الجيم" فإنه وجهه إلى أنه اسم واحد، وهو الحبل، أو الخيط الغليظ.
* * *
١٤٦٤٦- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ"، قال: حبل السفينة في سمّ الخياط.
١٤٦٤٧- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال عبد الله بن كثير: سمعت مجاهدًا يقول: الحبل من حبال السفن.
* * *
وكأنَّ من قرأ ذلك بتخفيف"الميم" وضم"الجيم"، على ما ذكرنا عن سعيد بن جبير، على مثال"الصُّرَد" و"الجُعَل"، وجهه إلى جماع"جملة" من الحبال جمعت"جُمَلا"، كما تجمع"الظلمة"،"ظُلَمًا"، و"الخُرْبة""خُرَبًا".
* * *
وكان بعض أهل العربية ينكر التشديد في"الميم" ويقول: إنما أراد الراوي"الجُمَل" بالتخفيف، فلم يفهم ذلك منه فشدّده.
* * *
١٤٦٤٨- وحدثت عن الفراء، عن الكسائي أنه قال: الذي رواه عن ابن عباس كان أعجميًّا.
* * *
وأما من شدد"الميم" وضم"الجيم" فإنه وجهه إلى أنه اسم واحد، وهو الحبل، أو الخيط الغليظ.
* * *
(١) الأثر: ١٤٦٤٥ - ((كعب بن فروخ، أبو عبد الله البصري))، ثقة. مترجم في ابن أبي حاتم ٣ / ٢ / ١٦٢. وسيأتي في رقم: ١٤٦٥٠.
433
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا، ما عليه قرأة الأمصار، وهو: (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ)، بفتح"الجيم" و"الميم" من"الجمل" وتخفيفها، وفتح"السين" من"السم"، لأنها القراءة المستفيضة في قرأة الأمصار، وغير جائز مخالفة ما جاءت به الحجة متفقة عليه من القراءة.
وكذلك ذلك في فتح"السين" من قوله: (سَمِّ الخياط).
* * *
وإذ كان الصواب من القراءة ذلك، فتأويل الكلام: ولا يدخلون الجنة حتى يلج = و"الولوج" الدخول، من قولهم:"ولج فلان الدار يلِجُ ولوجًا"، (١) بمعنى: دخل = الجملُ في سم الإبرة، وهو ثقبها
= (وكذلك نجزي المجرمين)، يقول: وكذلك نثيب الذين أجرَموا في الدنيا ما استحقوا به من الله العذاب الأليم في الآخرة. (٢)
* * *
وبمثل الذي قلنا في تأويل قوله: (سم الخياط)، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٦٤٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة وابن مهدي وسويد الكلبي، عن حماد بن زيد، عن يحيى بن عتيق قال: سألت الحسن عن قوله: (حتى يلج الجمل في سم الخياط)، قال: ثقب الإبرة. (٣)
١٤٦٥٠- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا
وكذلك ذلك في فتح"السين" من قوله: (سَمِّ الخياط).
* * *
وإذ كان الصواب من القراءة ذلك، فتأويل الكلام: ولا يدخلون الجنة حتى يلج = و"الولوج" الدخول، من قولهم:"ولج فلان الدار يلِجُ ولوجًا"، (١) بمعنى: دخل = الجملُ في سم الإبرة، وهو ثقبها
= (وكذلك نجزي المجرمين)، يقول: وكذلك نثيب الذين أجرَموا في الدنيا ما استحقوا به من الله العذاب الأليم في الآخرة. (٢)
* * *
وبمثل الذي قلنا في تأويل قوله: (سم الخياط)، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٦٤٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة وابن مهدي وسويد الكلبي، عن حماد بن زيد، عن يحيى بن عتيق قال: سألت الحسن عن قوله: (حتى يلج الجمل في سم الخياط)، قال: ثقب الإبرة. (٣)
١٤٦٥٠- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا
(١) انظر تفسير ((الولوج)) فيما سلف ٦: ٣٠٢، وفيه زيادة في مصادره.
(٢) انظر تفسير ((الجزاء))، و ((الإجرام)) فيما سلف من فهارس اللغة (جزى) (جرم).
(٣) الأثر: ١٤٦٤٩ - ((سويد الكلبي))، هو: ((كان يقلب السانيد، ويضع على الأسانيد الصحاح المتون الواهية)) !! ووثقه النسائي وابن معين والعجلي. مترجم في التهذيب، والكبير ٢ /٢ / ١٤٩، وابن أبي حاتم ٢ / ١ / ٢٣٩.
و ((يحيى بن عتيق الطفاوي البصري))، ثقة، وكان ورعًا متفنًا.
مترجم في التهذيب، والكبير ٤ / ٢ / ٢٩٥، وابن أبي حاتم ٤ / ٢ / ١٧٦.
(٢) انظر تفسير ((الجزاء))، و ((الإجرام)) فيما سلف من فهارس اللغة (جزى) (جرم).
(٣) الأثر: ١٤٦٤٩ - ((سويد الكلبي))، هو: ((كان يقلب السانيد، ويضع على الأسانيد الصحاح المتون الواهية)) !! ووثقه النسائي وابن معين والعجلي. مترجم في التهذيب، والكبير ٢ /٢ / ١٤٩، وابن أبي حاتم ٢ / ١ / ٢٣٩.
و ((يحيى بن عتيق الطفاوي البصري))، ثقة، وكان ورعًا متفنًا.
مترجم في التهذيب، والكبير ٤ / ٢ / ٢٩٥، وابن أبي حاتم ٤ / ٢ / ١٧٦.
434
كعب بن فروخ قال، حدثنا قتادة، عن عكرمة: (في سم الخياط)، قال: ثقب الإبرة. (١)
١٤٦٥١- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن، مثله.
١٤٦٥٢- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (في سم الخياط)، قال: جُحْر الإبرة.
١٤٦٥٣- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (في سم الخياط)، يقول: جُحْر الإبرة.
١٤٦٥٤- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثني عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (في سم الخياط)، قال: في ثقبه.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٤١) ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: لهؤلاء الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها = (من جهنم مهاد).
* * *
= وهو ما امتهدوه مما يقعد عليه ويضطجع، كالفراش الذي يفرش، والبساط الذي يبسط. (٢)
* * *
= (ومن فوقهم غواش).
* * *
١٤٦٥١- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن، مثله.
١٤٦٥٢- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (في سم الخياط)، قال: جُحْر الإبرة.
١٤٦٥٣- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (في سم الخياط)، يقول: جُحْر الإبرة.
١٤٦٥٤- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثني عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (في سم الخياط)، قال: في ثقبه.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٤١) ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: لهؤلاء الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها = (من جهنم مهاد).
* * *
= وهو ما امتهدوه مما يقعد عليه ويضطجع، كالفراش الذي يفرش، والبساط الذي يبسط. (٢)
* * *
= (ومن فوقهم غواش).
* * *
(١) الأثر: ١٤٦٥٠ - ((كعب بن فروخ))، مضى برقم: ١٤٦٤٥.
(٢) انظر تفسير ((المهاد)) فيما سلف ٤: ٢٤٦ /٦: ٢٢٩ /٧: ٤٩٤.
(٢) انظر تفسير ((المهاد)) فيما سلف ٤: ٢٤٦ /٦: ٢٢٩ /٧: ٤٩٤.
435
وهو جمع"غاشية"، وذلك ما غَشَّاهم فغطاهم من فوقهم.
* * *
وإنما معنى الكلام: لهم من جهنم مهاد من تحتهم فُرُش، ومن فوقهم منها لُحُف، وإنهم بين ذلك.
* * *
وبنحو ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٦٥٥- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب: (لهم من جهنم مهاد)، قال: الفراش = (ومن فوقهم غواش)، قال: اللُّحُف
١٤٦٥٦- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح، عن أبي روق، عن الضحاك: (لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش)، قال:"المهاد"، الفُرُش، و"الغواشي"، اللحف.
١٤٦٥٧- حدثني محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش)، أما"المهاد" كهيئة الفراش = و"الغواشي"، تتغشاهم من فوقهم.
* * *
وأما قوله (وكذلك نجزي الظالمين)، فإنه يقول: وكذلك نثيب ونكافئ من ظلم نفسه، فأكسبها من غضب الله ما لا قبل لها به بكفره بربه، وتكذيبه أنبياءه. (١)
* * *
* * *
وإنما معنى الكلام: لهم من جهنم مهاد من تحتهم فُرُش، ومن فوقهم منها لُحُف، وإنهم بين ذلك.
* * *
وبنحو ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٦٥٥- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب: (لهم من جهنم مهاد)، قال: الفراش = (ومن فوقهم غواش)، قال: اللُّحُف
١٤٦٥٦- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح، عن أبي روق، عن الضحاك: (لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش)، قال:"المهاد"، الفُرُش، و"الغواشي"، اللحف.
١٤٦٥٧- حدثني محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش)، أما"المهاد" كهيئة الفراش = و"الغواشي"، تتغشاهم من فوقهم.
* * *
وأما قوله (وكذلك نجزي الظالمين)، فإنه يقول: وكذلك نثيب ونكافئ من ظلم نفسه، فأكسبها من غضب الله ما لا قبل لها به بكفره بربه، وتكذيبه أنبياءه. (١)
* * *
(١) انظر تفسير ((الجزاء)) و ((الظلم)) فيما سلف من فهارس اللغة (جزى) و (ظلم).
436
القول في تأويل قوله: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٤٢) ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: والذين صدّقوا الله ورسوله، وأقرُّوا بما جاءهم به من وحي الله وتنزيله وشرائع دينه، وعملوا ما أمرهم الله به فأطاعوه، وتجنبوا ما نهاهم عنه (١) = (لا نكلف نفسًا إلا وسعها)، يقول: لا نكلف نفسًا من الأعمال إلا ما يسعها فلا تحرج فيه (٢) = (أولئك)، يقول: هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات = (أصحاب الجنة)، يقول: هم أهل الجنة الذين هم أهلها، دون غيرهم ممن كفر بالله، وعمل بسيئاتهم (٣) = (هم فيها خالدون)، يقول (٤) هم في الجنة ماكثون، دائمٌ فيها مكثهم، (٥) لا يخرجون منها، ولا يُسلبون نعيمها. (٦)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وأذهبنا من صدور هؤلاء الذين وَصَف صفتهم، وأخبر أنهم أصحاب الجنة، ما فيها من حقد وغِمْرٍ وعَداوة كان من
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: والذين صدّقوا الله ورسوله، وأقرُّوا بما جاءهم به من وحي الله وتنزيله وشرائع دينه، وعملوا ما أمرهم الله به فأطاعوه، وتجنبوا ما نهاهم عنه (١) = (لا نكلف نفسًا إلا وسعها)، يقول: لا نكلف نفسًا من الأعمال إلا ما يسعها فلا تحرج فيه (٢) = (أولئك)، يقول: هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات = (أصحاب الجنة)، يقول: هم أهل الجنة الذين هم أهلها، دون غيرهم ممن كفر بالله، وعمل بسيئاتهم (٣) = (هم فيها خالدون)، يقول (٤) هم في الجنة ماكثون، دائمٌ فيها مكثهم، (٥) لا يخرجون منها، ولا يُسلبون نعيمها. (٦)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وأذهبنا من صدور هؤلاء الذين وَصَف صفتهم، وأخبر أنهم أصحاب الجنة، ما فيها من حقد وغِمْرٍ وعَداوة كان من
(١) انظر تفسير ((الصالحات)) فيما سلف من فهارس اللغة (صلح).
(٢) انظر تفسير ((التكليف)) و ((الوسع)) فيما سلف ص: ٢٢٥، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٣) انظر تفسير ((أصحاب الجنة)) فيما سلف من فهارس اللغة (صحب).
(٤) في المطبوعة والمخطوطة: ((فيها خالدون))، بغير ((هم))، وأثبت نص التلاوة.
(٥) انظر تفسير ((الخلود)) فيما سلف من فهارس اللغة (خلد).
(٦) في المطبوعة والمخطوطة: ((ولا يسلبون نعيمهم))، والسياق يقتضي ما أثبت.
(٢) انظر تفسير ((التكليف)) و ((الوسع)) فيما سلف ص: ٢٢٥، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٣) انظر تفسير ((أصحاب الجنة)) فيما سلف من فهارس اللغة (صحب).
(٤) في المطبوعة والمخطوطة: ((فيها خالدون))، بغير ((هم))، وأثبت نص التلاوة.
(٥) انظر تفسير ((الخلود)) فيما سلف من فهارس اللغة (خلد).
(٦) في المطبوعة والمخطوطة: ((ولا يسلبون نعيمهم))، والسياق يقتضي ما أثبت.
437
بعضهم في الدنيا على بعض، (١) فجعلهم في الجنة إذا أدخلهموها على سُرُر متقابلين، لا يحسد بعضهم بعضًا على شيء خصَّ الله به بعضهم وفضّله من كرامته عليه، تجري من تحتهم أنهار الجنة.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٦٥٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك: (ونزعنا ما في صدورهم من غل)، قال: العداوة.
١٤٦٥٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن سعيد بن بشير، عن قتادة: (ونزعنا ما في صدورهم من غل)، قال: هي الإحَن.
١٤٦٦٠ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا ابن المبارك، عن ابن عيينة، عن إسرائيل أبي موسى، عن الحسن، عن علي قال: فينا والله أهلَ بدر نزلت: (وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) [سورة الحجر: ٤٧].
١٤٦٦١- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن إسرائيل قال: سمعته يقول: قال علي عليه السلام: فينا والله أهلَ بدر نزلت: (وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ)
١٤٦٦٢- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: قال علي رضي الله عنه: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير، من الذين قال الله تعالى فيهم: (وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ)، رضوان الله عليهم.
١٤٦٦٣- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٦٥٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك: (ونزعنا ما في صدورهم من غل)، قال: العداوة.
١٤٦٥٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن سعيد بن بشير، عن قتادة: (ونزعنا ما في صدورهم من غل)، قال: هي الإحَن.
١٤٦٦٠ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا ابن المبارك، عن ابن عيينة، عن إسرائيل أبي موسى، عن الحسن، عن علي قال: فينا والله أهلَ بدر نزلت: (وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) [سورة الحجر: ٤٧].
١٤٦٦١- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن إسرائيل قال: سمعته يقول: قال علي عليه السلام: فينا والله أهلَ بدر نزلت: (وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ)
١٤٦٦٢- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: قال علي رضي الله عنه: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير، من الذين قال الله تعالى فيهم: (وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ)، رضوان الله عليهم.
١٤٦٦٣- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
(١) ((الغمر)) (بكسر فسكون) و ((الغمر)) (بفتحتين) : الحقد الذي يغمر القلب.
438
حدثنا أسباط، عن السدي: (ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار)، قال: إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة فبلغوا، وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان، فشربوا من إحداهما، فينزع ما في صدورهم من غِلّ، فهو"الشراب الطهور"، واغتسلوا من الأخرى، فجرت عليهم"نَضْرة النعيم"، فلم يشعَثُوا ولم يتَّسخوابعدها أبدًا.
١٤٦٦٤- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن الجريري، عن أبي نضرة قال، يحبس أهل الجنة دون الجنة حتى يقضى لبعضهم من بعض، حتى يدخلوا الجنة حين يدخلونها ولا يطلب أحدٌ منهم أحدًا بقلامة ظُفُرٍ ظلمها إياه. ويحبس أهل النار دون النار حتى يقضى لبعضهم من بعض، فيدخلون النار حين يدخلونها ولا يطلب أحدٌ منهم أحدًا بقُلامة ظفر ظلمها إياه. (١)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء الذين وصف جل ثناؤه، وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، حين أدخلوا الجنة، ورأوا ما أكرمهم الله به من كرامته، وما صرف عنهم من العذاب المهين الذي ابتلي به أهل النار بكفرهم بربهم، وتكذيبهم رُسله: (الحمد لله الذي هدانا لهذا)، يقول: الحمد لله الذي وفقنا للعمل الذي أكسبنا هذا الذي نحن فيه من كرامة الله وفضله، وصرف عذابه
١٤٦٦٤- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن الجريري، عن أبي نضرة قال، يحبس أهل الجنة دون الجنة حتى يقضى لبعضهم من بعض، حتى يدخلوا الجنة حين يدخلونها ولا يطلب أحدٌ منهم أحدًا بقلامة ظُفُرٍ ظلمها إياه. ويحبس أهل النار دون النار حتى يقضى لبعضهم من بعض، فيدخلون النار حين يدخلونها ولا يطلب أحدٌ منهم أحدًا بقُلامة ظفر ظلمها إياه. (١)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء الذين وصف جل ثناؤه، وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، حين أدخلوا الجنة، ورأوا ما أكرمهم الله به من كرامته، وما صرف عنهم من العذاب المهين الذي ابتلي به أهل النار بكفرهم بربهم، وتكذيبهم رُسله: (الحمد لله الذي هدانا لهذا)، يقول: الحمد لله الذي وفقنا للعمل الذي أكسبنا هذا الذي نحن فيه من كرامة الله وفضله، وصرف عذابه
(١) الأثر: ١٤٦٦٤ - ((الجريري))، ((سعيد بن إياس الجريري))، مضى برقم: ١٩٦. و ((أبو نضرة))، هو ((المنذر بن مالك بن قطعة العبدي))، روى عن علي. مضى برقم: ٦٣٣٧.
439
عنا = (وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله)، يقول: وما كنا لنرشد لذلك، لولا أن أرشدنا الله له ووفقنا بمنّه وطَوْله، كما:-
١٤٦٦٥- حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا أبو بكر بن عياش قال، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن [أبي سعيد] قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل أهل النار يرى منزله من الجنة، فيقولون:"لو هدانا الله"، فتكون عليهم حسرة. وكل أهل الجنة يرى منزله من النار، فيقولون:"لولا أن هدانا الله"! فهذا شكرهم. (١)
١٤٦٦٦- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة قال، سمعت أبا إسحاق يحدِّث عن عاصم بن ضمرة، عن علي قال، ذكر عمر = لشيء لا أحفظه =، ثم ذكر الجنة فقال: يدخلون، فإذا شجرة يخرج من تحت ساقها عينان. قال: فيغتسلون من إحداهما، فتجري عليهم نضرة النعيم، فلا تشعَث أشعارهم ولا تغبرُّ أبشارهم. ويشربون من الأخرى، فيخرج كل قذًى وقذر وبأس في بطونهم. (٢) قال، ثم يفتح لهم باب الجنة، فيقال لهم:
١٤٦٦٥- حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا أبو بكر بن عياش قال، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن [أبي سعيد] قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل أهل النار يرى منزله من الجنة، فيقولون:"لو هدانا الله"، فتكون عليهم حسرة. وكل أهل الجنة يرى منزله من النار، فيقولون:"لولا أن هدانا الله"! فهذا شكرهم. (١)
١٤٦٦٦- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة قال، سمعت أبا إسحاق يحدِّث عن عاصم بن ضمرة، عن علي قال، ذكر عمر = لشيء لا أحفظه =، ثم ذكر الجنة فقال: يدخلون، فإذا شجرة يخرج من تحت ساقها عينان. قال: فيغتسلون من إحداهما، فتجري عليهم نضرة النعيم، فلا تشعَث أشعارهم ولا تغبرُّ أبشارهم. ويشربون من الأخرى، فيخرج كل قذًى وقذر وبأس في بطونهم. (٢) قال، ثم يفتح لهم باب الجنة، فيقال لهم:
(١) الأثر: ١٤٦٦٥ - جاء هكذا في المخطوطة والمطبوعة: ((عن أبي سعيد))، يعني أبا سعيد الخدري.
وكأنه خطأ لا شك فيه، فإني لم أجد الخبر في حديث أبي سعيد، ولأن هذا الخبر معروف في حديث أبي هريرة، وبذلك خرجه السيوطي في الدر المنثور ٣: ٨٥، فقال: ((أخرج النسائي، وابن أبي الدنيا، وابن جرير في ذكر الموت، وابن مردويه عن أبي هريرة))، وساق الخبر. وذكره ابن كثير في تفسيره ٣: ٤٧٧، فقال: ((روى النسائي وابن مردويه، واللفظ له، من حديث أبي بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة))، وساق الخبر. وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ١٠: ٣٩٩ فقال: ((عن أبي هريرة، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم))، وساق الخبر بنحوه من طريقين، ثم قال: ((رواه كله أحمد، ورجال الرواية الولى رجال الصحيح))، ولم أعرف مكانه من المسند.
فهذا كله يوشك أن يقطع بأن ما في المطبوعة والمخطوطة من قوله: ((عن أبي سعيد))، خطأ، صوابه: ((عن أبي هريرة))، ولذلك وضعته بين القوسين.
(٢) في المطبوعة: ((قذى وقذر أو شيء في بطونهم))، وفي المخطوطة: ((أوس))، غير منقوطة وفوقها حرف (ط) دلالة على الشك والخطأ. وأثبت الصواب من حادي الأرواح لابن القيم، والدر المنثور.
وكأنه خطأ لا شك فيه، فإني لم أجد الخبر في حديث أبي سعيد، ولأن هذا الخبر معروف في حديث أبي هريرة، وبذلك خرجه السيوطي في الدر المنثور ٣: ٨٥، فقال: ((أخرج النسائي، وابن أبي الدنيا، وابن جرير في ذكر الموت، وابن مردويه عن أبي هريرة))، وساق الخبر. وذكره ابن كثير في تفسيره ٣: ٤٧٧، فقال: ((روى النسائي وابن مردويه، واللفظ له، من حديث أبي بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة))، وساق الخبر. وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ١٠: ٣٩٩ فقال: ((عن أبي هريرة، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم))، وساق الخبر بنحوه من طريقين، ثم قال: ((رواه كله أحمد، ورجال الرواية الولى رجال الصحيح))، ولم أعرف مكانه من المسند.
فهذا كله يوشك أن يقطع بأن ما في المطبوعة والمخطوطة من قوله: ((عن أبي سعيد))، خطأ، صوابه: ((عن أبي هريرة))، ولذلك وضعته بين القوسين.
(٢) في المطبوعة: ((قذى وقذر أو شيء في بطونهم))، وفي المخطوطة: ((أوس))، غير منقوطة وفوقها حرف (ط) دلالة على الشك والخطأ. وأثبت الصواب من حادي الأرواح لابن القيم، والدر المنثور.
440
(سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين)، قال: فتستقبلهم الوِلدان، فيحفّون بهم كما تحفّ الولدان بالحميم إذا جاء من غيبته. (١) ثم يأتون فيبشرون أزواجهم، فيسمونهم بأسمائهم وأسماء آبائهم. فيقلن: أنت رأيته! قال: فيستخفهنَّ الفرَح، قال: فيجئن حتى يقفن على أُسْكُفَّة الباب. (٢) قال: فيجيئون فيدخلون، فإذا أسُّ بيوتهم بِجَندل اللؤلؤ، وإذا صُرُوح صفر وخضر وحمر ومن كل لون، وسُرُر مرفوعة، وأكواب موضوعة، ونمارق مصفوفة، وزرِابيُّ مبثوثة. فلولا أن الله قدَّرها، لالْتُمِعَتْ أبصارهم مما يرون فيها. (٣) فيعانقون الأزواج، ويقعدون على السرر، ويقولون: (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا إذ هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق)، الآية. (٤)
* * *
* * *
(١) ((الحميم))، ذو القرابة القريب الذي تحبه وتهتم لأمره.
(٢) ((أسكفة الباب)) (بضم الهمزة، وسكون السين، وضم الكاف، بعدها فاء مشددة مفتوحة) : عتبة الباب التي يوطأ عليها.
(٣) ((التمع الشيء)) اختلسه وذهب به. و ((التمع بصره)) باليناء بالمجهول، اختلس واختطف فلا يكاد يبصره. ويقال مثله ((التمع لونه))، ذهب وتغير.
(٤) الأثر: ١٤٦٦٦ - ((عاصم بن ضمرة السلولي))، وثقه ابن سعد وابن المديني، والعجلي، وقال النسائي: ((ليس به بأس)). ولكن الجوزجاني وابن عدي ضعفاه، وقال ابن أبي حاتم: ((كان رديء الحفظ، فاحش الخطأ، على أنه أحسن حالا - يعني الأعور)). مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٣ / ١ / ٣٤٥، وميزان الاعتدال ٢: ٣.
وهذا الخبر، ذكره ابن القيم في حادي الأرواح (إعلام الموقعين) ١: ٢٣٣ مطولا، فقال: ((وقال عدي بن الجعد في الجعديات: أنبأنا زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي قال)) وليس فيه ذكر ((عمر)).
ثم وجدت أبا جعفر قد رواه في تفسيره (٢٤: ٢٤، بولاق)، من طريق مجاهد بن موسى، عن يزيد، عن شريك بن عبد الله، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، بنحوه.
ثم رواه بعد من طريق أبي إسحاق، عن الحارث الأعور، عن علي، بنحوه.
وخرجه السيوطي في الدر المنثور ٥: ٣٤٢، ونسبه إلى ابن المبارك في الزهد، وعبد الرازق، وابن أبي شيبة، وابن راهويه، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة، والبيهقي في البعث، والضياء في المختارة، ولم ينسبه لابن جرير. وساقه مطولا.
وساقه ابن كثير في تفسيره ٧: ٢٧٣، من تفسير ابن أبي حاتم، عن أبيه، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي بن أبي طالب، بنحوه.
وليس في هذه جميعًا ذكر ((عمر))، فقوله: ((قال ذكر عمر، لشيء لا أحفظه)) غريب جدًا لم أعرف تأويله، ولا ما فيه من تحريف، إلا أن يكون: ((قال غندر، لشيء لا أحفظه)) و ((غندر)) هو ((محمد بن جعفر)) الراوي عن شعبة، فيكون قوله ((قال غندر)) من قول ((محمد بن المثنى))، والله أعلم.
(٢) ((أسكفة الباب)) (بضم الهمزة، وسكون السين، وضم الكاف، بعدها فاء مشددة مفتوحة) : عتبة الباب التي يوطأ عليها.
(٣) ((التمع الشيء)) اختلسه وذهب به. و ((التمع بصره)) باليناء بالمجهول، اختلس واختطف فلا يكاد يبصره. ويقال مثله ((التمع لونه))، ذهب وتغير.
(٤) الأثر: ١٤٦٦٦ - ((عاصم بن ضمرة السلولي))، وثقه ابن سعد وابن المديني، والعجلي، وقال النسائي: ((ليس به بأس)). ولكن الجوزجاني وابن عدي ضعفاه، وقال ابن أبي حاتم: ((كان رديء الحفظ، فاحش الخطأ، على أنه أحسن حالا - يعني الأعور)). مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٣ / ١ / ٣٤٥، وميزان الاعتدال ٢: ٣.
وهذا الخبر، ذكره ابن القيم في حادي الأرواح (إعلام الموقعين) ١: ٢٣٣ مطولا، فقال: ((وقال عدي بن الجعد في الجعديات: أنبأنا زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي قال)) وليس فيه ذكر ((عمر)).
ثم وجدت أبا جعفر قد رواه في تفسيره (٢٤: ٢٤، بولاق)، من طريق مجاهد بن موسى، عن يزيد، عن شريك بن عبد الله، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، بنحوه.
ثم رواه بعد من طريق أبي إسحاق، عن الحارث الأعور، عن علي، بنحوه.
وخرجه السيوطي في الدر المنثور ٥: ٣٤٢، ونسبه إلى ابن المبارك في الزهد، وعبد الرازق، وابن أبي شيبة، وابن راهويه، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة، والبيهقي في البعث، والضياء في المختارة، ولم ينسبه لابن جرير. وساقه مطولا.
وساقه ابن كثير في تفسيره ٧: ٢٧٣، من تفسير ابن أبي حاتم، عن أبيه، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي بن أبي طالب، بنحوه.
وليس في هذه جميعًا ذكر ((عمر))، فقوله: ((قال ذكر عمر، لشيء لا أحفظه)) غريب جدًا لم أعرف تأويله، ولا ما فيه من تحريف، إلا أن يكون: ((قال غندر، لشيء لا أحفظه)) و ((غندر)) هو ((محمد بن جعفر)) الراوي عن شعبة، فيكون قوله ((قال غندر)) من قول ((محمد بن المثنى))، والله أعلم.
441
القول في تأويل قوله: ﴿لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنهم يقولون عند دخولهم الجنة، ورؤيتهم كرامة الله التي أكرمهم بها، وهو أنّ أعداء الله في النار: والله لقد جاءتنا في الدنيا، وهؤلاء الذين في النار، رسل ربنا بالحق من الأخبار عن وعد الله أهلَ طاعته والإيمان به وبرسله، ووعيده أهلَ معاصيه والكفر به.
* * *
وأما قوله: (ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون)، فإن معناه: ونادى منادٍ هؤلاء الذين وصف الله صفتهم، وأخبر عما أعدّ لهم من كرامته: أنْ يا هؤلاء، هذه تلكم الجنة التي كانت رسلي في الدنيا تخبركم عنها، أورَثكموها الله عن الذين كذبوا رسله، لتصديقكم إياهم وطاعتكم ربكم. وذلك هو معنى قوله: (بما كنتم تعملون).
* * *
وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنهم يقولون عند دخولهم الجنة، ورؤيتهم كرامة الله التي أكرمهم بها، وهو أنّ أعداء الله في النار: والله لقد جاءتنا في الدنيا، وهؤلاء الذين في النار، رسل ربنا بالحق من الأخبار عن وعد الله أهلَ طاعته والإيمان به وبرسله، ووعيده أهلَ معاصيه والكفر به.
* * *
وأما قوله: (ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون)، فإن معناه: ونادى منادٍ هؤلاء الذين وصف الله صفتهم، وأخبر عما أعدّ لهم من كرامته: أنْ يا هؤلاء، هذه تلكم الجنة التي كانت رسلي في الدنيا تخبركم عنها، أورَثكموها الله عن الذين كذبوا رسله، لتصديقكم إياهم وطاعتكم ربكم. وذلك هو معنى قوله: (بما كنتم تعملون).
* * *
وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
442
١٤٦٦٧- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون)، قال: ليس من كافر ولا مؤمن إلا وله في الجنة والنار منزل، فإذا دخل أهل الجنة الجنةَ، وأهل النار النارَ، ودخلوا منازلهم، رفعت الجنة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها، فقيل لهم:"هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله"، ثم يقال:"يا أهل الجنة، رِثُوهم بما كنتم تعملون"، فتُقْسم بين أهل الجنة منازلهم.
١٤٦٦٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن سعد أبو داود الحفري، [عن سعيد بن بكير]، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن الأغرّ: (ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون)، قال: نودوا أنْ صِحُّوا فلا تسقموا، واخلُدوا فلا تموتوا، وانعموا فلا تَبْأسوا. (١)
١٤٦٦٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا قبيصة، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن الأغر، عن أبي سعيد: (ونودوا أن تلكم الجنة)، الآية، قال: ينادي منادٍ: أن لكم أنْ تصحُّوا فلا تسقموا أبدًا. (٢)
* * *
واختلف أهل العربية في"أنْ" التي مع"تلكم".
١٤٦٦٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن سعد أبو داود الحفري، [عن سعيد بن بكير]، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن الأغرّ: (ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون)، قال: نودوا أنْ صِحُّوا فلا تسقموا، واخلُدوا فلا تموتوا، وانعموا فلا تَبْأسوا. (١)
١٤٦٦٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا قبيصة، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن الأغر، عن أبي سعيد: (ونودوا أن تلكم الجنة)، الآية، قال: ينادي منادٍ: أن لكم أنْ تصحُّوا فلا تسقموا أبدًا. (٢)
* * *
واختلف أهل العربية في"أنْ" التي مع"تلكم".
(١) الأثر: ١٤٦٦٨ - ((عمر بن سعد))، ((أبو داود الحفري))، ثقة. مضى رقم: ٨٦٣، وهو يروي عن ((سفيان الثوري))، ولكن جاء هنا ((سعيد بن بكير)).
وأما ((سعيد بن بكير))، فهو في المطبوعة ((سعد بن بكر))، وأثبت ما في المخطوطة. ولست أدري من يكون؟ أو عن أي شيء هو محرف.
و ((الأغر)) هو ((الأغر))، أبو مسلم المدني، روى عن أبي هريرة وأبي سعيد، وكانا اشتركا في عتقه. روى عنه أبو إسحاق السبيعي، تابعي ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير ١ /٢ / ٤٤، وابن أبي حاتم ١ / ١ / ٣٠٨.
وهذا الخبر رواه مسلم في صحيحه ١٧: ١٧٤، من طريق عبد الرازق، عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن الأغر، عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مطولا، بنحوه. وسيأتي مختصرًا في الذي يليه.
(٢) الأثر: ١٤٦٦٩ - هذا مختصر حديث مسلم (١٧: ١٧٤) الذي خرجته في التعليق السالف.
وأما ((سعيد بن بكير))، فهو في المطبوعة ((سعد بن بكر))، وأثبت ما في المخطوطة. ولست أدري من يكون؟ أو عن أي شيء هو محرف.
و ((الأغر)) هو ((الأغر))، أبو مسلم المدني، روى عن أبي هريرة وأبي سعيد، وكانا اشتركا في عتقه. روى عنه أبو إسحاق السبيعي، تابعي ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير ١ /٢ / ٤٤، وابن أبي حاتم ١ / ١ / ٣٠٨.
وهذا الخبر رواه مسلم في صحيحه ١٧: ١٧٤، من طريق عبد الرازق، عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن الأغر، عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مطولا، بنحوه. وسيأتي مختصرًا في الذي يليه.
(٢) الأثر: ١٤٦٦٩ - هذا مختصر حديث مسلم (١٧: ١٧٤) الذي خرجته في التعليق السالف.
443
فقال بعض نحويي البصرة: هي"أنّ" الثقيلة، خففت وأضمر فيها، ولا يستقيم أن تجعلها الخفيفة، لأن بعدها اسمًا، والخفيفة لا تليها الأسماء، وقد قال الشاعر: (١)
وقال آخر: (٣)
قال: فمعناه: أنه كِلانا. قال: ويكون كقوله: (أَنْ قَدْ وَجَدْنَا)، في موضع"أي"؛ وقوله: (أَنْ أَقِيمُوا)، [سورة الشورى: ١٣]، ولا تكون"أن" التي تعمل
فِي فِتْيَةٍ كَسُيُوفِ الهِنْد، قَدْ عَلِمُوا | أنْ هَالِكٌ كُلُّ مَنْ يَحْفَى وَيَنْتَعِلُ (٢) |
أُكَاشِرُهُ وَأَعْلَمُ أَنْ كِلانَا | عَلَى مَا سَاءَ صَاحِبَهُ حَرِيصُ (٤) |
(١) هو الأعشى.
(٢) ديوانه: ٤٥، سيبويه ١: ٢٨٢، ٤٤٠، ٤٨٠ /٢: ١٢٣، أمالي ابن الشجري ٢: ٢، الإنصاف: ٨٩، والخزانة ٣: ٥٤٧ / ٤: ٣٥٦، وشرح شواهد العيني (بهامش الخزانة) ٢: ٢٨٧، وغيرها.
وهذا البيت أنشده سيبويه، وتبعه النحاة في كتبهم، وهو بيت ملفق من بيتين، يقول الأعشى في قصيدته المشهورة:
(٣) لم أعرف قائله.
(٤) سيبويه ١: ٤٤٠، الإنصاف لابن الأنباري: ٨٩، ١٨٣، وأمالي ابن الشجري ١: ١٨٨، وغيرها وقوله: ((أكاشره)) : أضاحكه.
(٢) ديوانه: ٤٥، سيبويه ١: ٢٨٢، ٤٤٠، ٤٨٠ /٢: ١٢٣، أمالي ابن الشجري ٢: ٢، الإنصاف: ٨٩، والخزانة ٣: ٥٤٧ / ٤: ٣٥٦، وشرح شواهد العيني (بهامش الخزانة) ٢: ٢٨٧، وغيرها.
وهذا البيت أنشده سيبويه، وتبعه النحاة في كتبهم، وهو بيت ملفق من بيتين، يقول الأعشى في قصيدته المشهورة:
إمَّا تَرَيْنَا حُفَاةً لا نِعَالَ لَنَا | إِنَّا كَذَلِكَ مَا تَحْفَى ونَنْتَعِلُ |
فَقَدْ أُخَالِسُ رَبَّ البَيْتِ غَفْلَتُهُ | وَقَدْ يُحَاذِرُ مِنِّي ثُمَّ مَا يَئِلُ |
وَقَدْ أَقُودُ الصِّبَا يَوْمًا فَيَتْبَعُنِي | وَقَدْ يُصَاحِبْنِي ذُو الشِّرَّةِ الغَزِلُ |
وَقَدْ غَدَوْتُ إلَى الحَانُوتِ يَتْبَعُنِي | شَاوٍ مِشَلٌ شَلُولٌ شُلْشُلٌ شَوِلُ |
فِي فِتْيَةٍ كَسُيُوفِ الهِنْد، قَدْ عَلِمُوا | أَنْ لَيْسَ يَدْفَعُ عَنْ ذِي الحِيلَة الحيَلُ |
نازَعْتُهُمْ قُضُبَ الرَّيْحَانِ مُتَّكِئًا | وَقَهْوَةً مُزَّةً رَواوُوقُها خَضِلُ |
لا يَسْتَفِيقُونَ مِنْهَا وَهْيَ رَاهِنَةٌ | إِلا بِهَاتِ، وَإنْ عَلُّوا وإنْ نَهِلُوا |
(٤) سيبويه ١: ٤٤٠، الإنصاف لابن الأنباري: ٨٩، ١٨٣، وأمالي ابن الشجري ١: ١٨٨، وغيرها وقوله: ((أكاشره)) : أضاحكه.
444
في الأفعال، لأنك تقول:"غاظني أن قام"، و"أن ذهب"، فتقع على الأفعال، وإن كانت لا تعمل فيها. وفي كتاب الله: (وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا) [سورة ص: ٦]، أي: امشوا.
* * *
وأنكر ذلك من قوله هذا بعض أهل الكوفة، فقال: غير جائز أن يكون مع"أن" في هذا الموضع"هاء" مضمرة، لأن"أن" دخلت في الكلام لتَقِيَ ما بعدها. قال:"وأن" هذه التي مع"تلكم" هي الدائرة التي يقع فيها ما ضارع الحكاية، وليس بلفظ الحكاية، نحو:"ناديت أنك قائم،" و"أنْ زيد قائم" و"أنْ قمت"، فتلي كلَّ الكلام، وجعلت"أن" وقاية، لأن النداء يقع على ما بعده، وسلم ما بعد"أن" كما سلم ما بعد"القول". ألا ترى أنك تقول:"قلت: زيد قائم"، و"قلت: قام"، فتليها ما شئت من الكلام؟ فلما كان النداء بمعنى"الظن" وما أشبهه من"القول" سلم ما بعد"أن"، ودخلت"أن" وقاية. قال: وأما"أي"، فإنها لا تكون على"أن" لا يكون"أي" جواب الكلام، و"أن" تكفي من الاسم.
* * *
* * *
وأنكر ذلك من قوله هذا بعض أهل الكوفة، فقال: غير جائز أن يكون مع"أن" في هذا الموضع"هاء" مضمرة، لأن"أن" دخلت في الكلام لتَقِيَ ما بعدها. قال:"وأن" هذه التي مع"تلكم" هي الدائرة التي يقع فيها ما ضارع الحكاية، وليس بلفظ الحكاية، نحو:"ناديت أنك قائم،" و"أنْ زيد قائم" و"أنْ قمت"، فتلي كلَّ الكلام، وجعلت"أن" وقاية، لأن النداء يقع على ما بعده، وسلم ما بعد"أن" كما سلم ما بعد"القول". ألا ترى أنك تقول:"قلت: زيد قائم"، و"قلت: قام"، فتليها ما شئت من الكلام؟ فلما كان النداء بمعنى"الظن" وما أشبهه من"القول" سلم ما بعد"أن"، ودخلت"أن" وقاية. قال: وأما"أي"، فإنها لا تكون على"أن" لا يكون"أي" جواب الكلام، و"أن" تكفي من الاسم.
* * *
445
القول في تأويل قوله: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (٤٤) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ونادى أهلُ الجنة أهلَ النار بعد دخولهموها: يا أهل النار، قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا في الدنيا على ألسن رسله، من الثواب على الإيمان به وبهم، وعلى طاعته، فهل وجدتم ما وعدنا ربكم على ألسنتهم على
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ونادى أهلُ الجنة أهلَ النار بعد دخولهموها: يا أهل النار، قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا في الدنيا على ألسن رسله، من الثواب على الإيمان به وبهم، وعلى طاعته، فهل وجدتم ما وعدنا ربكم على ألسنتهم على
445
الكفر به وعلى معاصيه من العقاب؟ (١) فأجابهم أهل النار: بأنْ نعم، قد وجدنا ما وعد ربنا حقًّا، كالذي:-
١٤٦٧٠- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا قالوا نعم)، قال: وجد أهل الجنة ما وُعدوا من ثواب، وأهل النار ما وُعدوا من عقاب.
١٤٦٧١- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا)، وذلك أن الله وعد أهل الجنة النعيم والكرامة وكلَّ خير علمه الناس أو لم يعلموه، ووعدَ أهل النار كلَّ خزي وعذاب علمه الناس أو لم يعلموه، فذلك قوله: (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ)، [سورة ص: ٥٨]. قال: فنادى أصحاب الجنة أصحابَ النار أنْ قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا؟ قالوا: نعم. يقول: من الخزي والهوان والعذاب. قال أهل الجنة: فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا من النعيم والكرامة = (فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين).
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: (قالوا نعم).
فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة والكوفة والبصرة: (قَالُوا نَعَمْ)، بفتح العين من"نعم".
* * *
ورُوِي عن بعض الكوفيين أنه قرأ:"قَالُوا نَعِمْ" بكسر"العين"، وقد أنشد بيتا لبني كلب:
١٤٦٧٠- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا قالوا نعم)، قال: وجد أهل الجنة ما وُعدوا من ثواب، وأهل النار ما وُعدوا من عقاب.
١٤٦٧١- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا)، وذلك أن الله وعد أهل الجنة النعيم والكرامة وكلَّ خير علمه الناس أو لم يعلموه، ووعدَ أهل النار كلَّ خزي وعذاب علمه الناس أو لم يعلموه، فذلك قوله: (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ)، [سورة ص: ٥٨]. قال: فنادى أصحاب الجنة أصحابَ النار أنْ قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا؟ قالوا: نعم. يقول: من الخزي والهوان والعذاب. قال أهل الجنة: فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا من النعيم والكرامة = (فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين).
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: (قالوا نعم).
فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة والكوفة والبصرة: (قَالُوا نَعَمْ)، بفتح العين من"نعم".
* * *
ورُوِي عن بعض الكوفيين أنه قرأ:"قَالُوا نَعِمْ" بكسر"العين"، وقد أنشد بيتا لبني كلب:
(١) انظر تفسير ((أصحاب الجنة)) و ((أصحاب النار)) فيما سلف من فهارس اللغة (صحب).
446
نَعِمْ، إِذَا قالَهَا، مِنْهُ مُحَقَّقَةٌ | وَلاتَخِيبُ"عَسَى" مِنْهُ وَلا قَمنُ (١) |
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة عندنا (نَعَمْ) بفتح"العين"، لأنها القراءة المستفيضة في قرأة الأمصار، واللغة المشهورة في العرب.
* * *
وأما قوله: (فأذن مؤذن بينهم)، يقول: فنادى مناد، وأعلم مُعْلِمٌ بينهم = (أن لعنة الله على الظالمين)، يقول: غضب الله وسخطه وعقوبته على مَنْ كفر به. (٢)
* * *
وقد بينا القول في"أنّ" إذا صحبت من الكلام ما ضارع الحكاية، وليس بصريح الحكاية، بأنها تشددها العرب أحيانًا، وتوقع الفعل عليها فتفتحها وتخففها أحيانًا، وتعمل الفعل فيها فتنصبها به، وتبطل عملها عن الاسم الذي يليها، فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (٣)
* * *
وإذ كان ذلك كذلك، فسواء شُدِّدت"أن" أو خُفِّفت في القراءة، إذ كان معنى الكلام بأيّ ذلك قرأ القارئ واحدًا، وكانتا قراءتين مشهورتين في قرأة الأمصار.
* * *
(١) لم أجد البيت، ولم أعرف قائله. ((قمن))، جدير. يقول: لو قال لك: ((عسى أن يكون ما تسأل)) أو: ((أنت قمن أن تنال ما تطلب))، فذلك منه إنفاذ منه لما تسأل، وتحقيق لما تطلب.
وكان في المطبوعة: ((ولا تجيء عسى))، غير ما في المخطوطة، وهو الصواب. لأنه قال إن العدة بنعم محققة، وبما أقل منها في الوعد محقق أيضًا لا يخيب معها سائله.
(٢) انظر تفسير ((اللعنة)) فيما سلف ص: ٤١٦، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٣) انظر ما سلف قريبًا ص ٤٤٣ - ٤٤٥.
وكان في المطبوعة: ((ولا تجيء عسى))، غير ما في المخطوطة، وهو الصواب. لأنه قال إن العدة بنعم محققة، وبما أقل منها في الوعد محقق أيضًا لا يخيب معها سائله.
(٢) انظر تفسير ((اللعنة)) فيما سلف ص: ٤١٦، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٣) انظر ما سلف قريبًا ص ٤٤٣ - ٤٤٥.
447
القول في تأويل قوله: ﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ (٤٥) ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: إن المؤذن بين أهل الجنة والنار يقول:"أن لعنة الله على الظالمين"، الذين كفروا بالله وصدّوا عن سبيله (١) = (ويبغونها عوجًا)، يقول: حاولوا سبيل الله = وهو دينه (٢) ="أن يغيروه ويبدِّلوه عما جعله الله له من استقامته (٣) = (وهم بالآخرة كافرون)، يقول: وهم لقيام الساعة والبعث في الآخرة والثواب والعقاب فيها جاحدون.
* * *
والعرب تقول للميل في الدِّين والطريق: "عِوَج" بكسر"العين"، وفي ميل الرجل على الشيء والعطف عليه:"عاجَ إليه يَعُوج عِيَاجًا وعَوَجًا وعِوَجًا"، بالكسر من"العين" والفتح، (٤) كما قال الشاعر: (٥)
ذكر الفراء أن أبا الجرّاح أنشده إياه بكسر العين من"عوج"، فأما ما كان خلقة في الإنسان، فإنه يقال فيه:"عَوَج ساقه"، بفتح العين.
* * *
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: إن المؤذن بين أهل الجنة والنار يقول:"أن لعنة الله على الظالمين"، الذين كفروا بالله وصدّوا عن سبيله (١) = (ويبغونها عوجًا)، يقول: حاولوا سبيل الله = وهو دينه (٢) ="أن يغيروه ويبدِّلوه عما جعله الله له من استقامته (٣) = (وهم بالآخرة كافرون)، يقول: وهم لقيام الساعة والبعث في الآخرة والثواب والعقاب فيها جاحدون.
* * *
والعرب تقول للميل في الدِّين والطريق: "عِوَج" بكسر"العين"، وفي ميل الرجل على الشيء والعطف عليه:"عاجَ إليه يَعُوج عِيَاجًا وعَوَجًا وعِوَجًا"، بالكسر من"العين" والفتح، (٤) كما قال الشاعر: (٥)
قِفَا نَسْأَلْ مَنَازِلَ آلِ لَيْلى | عَلَى عِوَجٍ إلَيْهَا وَانْثِنَاءِ (٦) |
* * *
(١) انظر تفسير ((الصد)) فيما سلف ١٠: ٥٦٥، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير ((سبيل الله)) فيما سلف من فهارس اللغة (سبل).
(٣) انظر تفسير ((بغى)) فيما سلف ص: ٢٨٦، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٤) انظر تفسير ((العوج)) فيما سلف ٧: ٥٣، ٥٤، ومجاز القرآن أبي عبيدة ١: ٩٨.
(٥) لم أعرف قائله.
(٦) اللسان (عوج)، وروايته: * مَتَى عِوَجٌ إلَيْهَا وَانْثنَاءُ *
وفي المطبوعة: ((قفا نبكي))، وهو من سوء قراءة الناشر للمخطوطة، وصوابه ما أثبت كما في رواية اللسان أيضًا.
(٢) انظر تفسير ((سبيل الله)) فيما سلف من فهارس اللغة (سبل).
(٣) انظر تفسير ((بغى)) فيما سلف ص: ٢٨٦، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٤) انظر تفسير ((العوج)) فيما سلف ٧: ٥٣، ٥٤، ومجاز القرآن أبي عبيدة ١: ٩٨.
(٥) لم أعرف قائله.
(٦) اللسان (عوج)، وروايته: * مَتَى عِوَجٌ إلَيْهَا وَانْثنَاءُ *
وفي المطبوعة: ((قفا نبكي))، وهو من سوء قراءة الناشر للمخطوطة، وصوابه ما أثبت كما في رواية اللسان أيضًا.
القول في تأويل قوله: ﴿وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيمَاهُمْ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (وبينهما حجاب)، وبين الجنة والنار حجاب، يقول: حاجز، وهو: السور الذي ذكره الله تعالى فقال: (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ)، [سورة الحديد: ١٣]. وهو"الأعراف" التي يقول الله فيها: (وعلى الأعراف رجال)، كذلك.
١٤٦٧١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الله بن رجاء عن ابن جريج قال: بلغني عن مجاهد قال:"الأعراف"، حجاب بين الجنة والنار.
١٤٦٧٢- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وبينهما حجاب)، وهو"السور"، وهو"الأعراف".
* * *
وأما قوله: (وعلى الأعراف رجال)، فإن"الأعراف" جمع، واحدها"عُرْف"، وكل مرتفع من الأرض عند العرب فهو"عُرْف"، وإنما قيل لعُرف الديك"عرف"، لارتفاعه على ما سواه من جسده، ومنه قول الشماخ بن ضرار:
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (وبينهما حجاب)، وبين الجنة والنار حجاب، يقول: حاجز، وهو: السور الذي ذكره الله تعالى فقال: (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ)، [سورة الحديد: ١٣]. وهو"الأعراف" التي يقول الله فيها: (وعلى الأعراف رجال)، كذلك.
١٤٦٧١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الله بن رجاء عن ابن جريج قال: بلغني عن مجاهد قال:"الأعراف"، حجاب بين الجنة والنار.
١٤٦٧٢- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وبينهما حجاب)، وهو"السور"، وهو"الأعراف".
* * *
وأما قوله: (وعلى الأعراف رجال)، فإن"الأعراف" جمع، واحدها"عُرْف"، وكل مرتفع من الأرض عند العرب فهو"عُرْف"، وإنما قيل لعُرف الديك"عرف"، لارتفاعه على ما سواه من جسده، ومنه قول الشماخ بن ضرار:
وَظَلًّتْ بِأَعْرَافٍ تَغَالَى، كَأَنَّهَا | رِمَاحٌ نَحَاهَا وِجْهَةَ الرِّيحِ رَاكِزُ (١) |
(١) ديوانه: ٥٣، مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٢١٥، ورواية ديوانه وغيره ((وظلت تغالي باليفاع كأنها)). وهذا البيت من آخر القصيدة في صفة حمر الوحش، بعد أن عادت من رحلتها الطويلة العجيبة في طلب الماء، يقودها العير، فوصفه ووصفهن، فقال:
و ((تغالي الحمر)) احتكاك بعضها ببعض. يصف ضمور حمر الوحش، كأنها رماح مائلة تستقبل مهب الرياح. وكان في المطبوعة: ((تعالى))، وهو خطأ. وفي المخطوطة هكذا: ((وطلت بأعراف تعالى كأنها رماح وجهه راكز))، صوابه ما أثبت.
مُحَامٍ على عَوْراتِهَا لا يَرُوعُها | خَيَالٌ، وَلا رَامِي الوُحُوشِ المنَاهِزُ |
وأصْبَحَ فَوْقَ النَّشْزِ، نَشْزِ حَمَامةٍ، | لَهُ مَرْكَضٌ فِي مُسْتَوَى الأَرْضِ بَارِزُ |
449
يعني بقوله:"بأعراف"، بنشوز من الأرض، ومنه قول الآخر: (١)
* * *
وكان السدي يقول: إنما سمي"الأعراف" أعرافًا، لأن أصحابه يعرفون الناس.
١٤٦٧٢- حدثني بذلك محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٦٧٣- حدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثنا ابن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، سمع ابن عباس يقول:"الأعراف"، هو الشيء المشرف. (٣)
١٤٦٧٤- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد قال: سمعت ابن عباس يقول، مثله. (٤)
١٤٦٧٥- حدثنا ابن وكيع قال، حدثني أبي، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس قال:"الأعراف"، سور كعرف الديك.
١٤٦٧٦- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس، مثله.
كُلُّ كِنَازٍ لَحْمُهُ نِيَافِ | كَالْعَلَمِ الْمُوفِي عَلَى الأعْرَافِ (٢) |
وكان السدي يقول: إنما سمي"الأعراف" أعرافًا، لأن أصحابه يعرفون الناس.
١٤٦٧٢- حدثني بذلك محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٦٧٣- حدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثنا ابن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، سمع ابن عباس يقول:"الأعراف"، هو الشيء المشرف. (٣)
١٤٦٧٤- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد قال: سمعت ابن عباس يقول، مثله. (٤)
١٤٦٧٥- حدثنا ابن وكيع قال، حدثني أبي، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس قال:"الأعراف"، سور كعرف الديك.
١٤٦٧٦- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس، مثله.
(١) لم أعرف قائله.
(٢) مجاز القرآن أبي عبيدة ١: ٢١٥، اللسان (نوف)، ((الكناز)) المجتمع اللحم القوية. و ((النياف))، الطويل، يصف جملا. و ((العلم)) الجبل.
(٣) الأثر: ١٤٦٧٣ - ((عبيد الله بن أبي يزيد المكي))، روى عن ابن عباس، مضى برقم: ٣٧٧٨. وكان في المطبوعة ((عبيد الله بن يزيد))، والصواب من المخطوطة.
(٤) الأثر: ١٤٦٧٤ - ((عبيد الله بن أبي يزيد))، المذكور آنفًا، في المطبوعة والمخطوطة هنا ((عبيد الله بن يزيد)).
(٢) مجاز القرآن أبي عبيدة ١: ٢١٥، اللسان (نوف)، ((الكناز)) المجتمع اللحم القوية. و ((النياف))، الطويل، يصف جملا. و ((العلم)) الجبل.
(٣) الأثر: ١٤٦٧٣ - ((عبيد الله بن أبي يزيد المكي))، روى عن ابن عباس، مضى برقم: ٣٧٧٨. وكان في المطبوعة ((عبيد الله بن يزيد))، والصواب من المخطوطة.
(٤) الأثر: ١٤٦٧٤ - ((عبيد الله بن أبي يزيد))، المذكور آنفًا، في المطبوعة والمخطوطة هنا ((عبيد الله بن يزيد)).
450
١٤٦٧٧- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال:"الأعراف"، حجاب بين الجنة والنار، سور له باب = قال أبو موسى: وحدثني عبيد الله بن أبي يزيد: أنه سمع ابن عباس يقول: إن الأعراف تَلٌّ بين الجنة والنار، حُبس عليه ناسٌ من أهل الذنوب بين الجنة والنار. (١)
١٤٦٧٨- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال:"الأعراف"، حجاب بين الجنة والنار، سور له باب.
١٤٦٧٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عبد الله بن الحارث عن ابن عباس قال:"الأعراف"، سور بين الجنة والنار.
١٤٦٨٠- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال:"الأعراف"، سور بين الجنة والنار.
١٤٦٨١- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (وعلى الأعراف رجال)، يعني بالأعراف: السور الذي ذكر الله في القرآن، (٢) وهو بين الجنة والنار.
١٤٦٧٨- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال:"الأعراف"، حجاب بين الجنة والنار، سور له باب.
١٤٦٧٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عبد الله بن الحارث عن ابن عباس قال:"الأعراف"، سور بين الجنة والنار.
١٤٦٨٠- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال:"الأعراف"، سور بين الجنة والنار.
١٤٦٨١- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (وعلى الأعراف رجال)، يعني بالأعراف: السور الذي ذكر الله في القرآن، (٢) وهو بين الجنة والنار.
(١) الأثر: ١٤٦٧٧ - ((عيسى))، هو ((عيسى بن ميمون المكي)) صاحب التفسير، مضى مئات من المرات، وترجم في رقم: ٢٧٨، ٣٣٤٧، وكنيته ((أبو موسى)) فهو الرواي هنا عن ((عبيد الله بن أبي يزيد)).
وكان في المطبوعة هنا أيضًا (عبيد الله بن يزيد))، والصواب من المخطوطة. انظر التعليقين السالفين.
(٢) هو المذكور في آية سورة الحديد: ١٣، والمذكور آنفًا في الآثار السالفة.
وكان في المطبوعة هنا أيضًا (عبيد الله بن يزيد))، والصواب من المخطوطة. انظر التعليقين السالفين.
(٢) هو المذكور في آية سورة الحديد: ١٣، والمذكور آنفًا في الآثار السالفة.
451
١٤٦٨٢- حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس قال:"الأعراف"، سور له عُرْف كعرف الديك.
١٤٦٨٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر قال:"الأعراف"، سور بين الجنة والنار.
١٤٦٨٤- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثني عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول:"الأعراف"، السور الذي بين الجنة والنار.
* * *
واختلف أهل التأويل في صفة الرجال الذين أخبر الله جل ثناؤه عنهم أنهم على الأعراف، وما السبب الذي من أجله صاروا هنالك.
فقال بعضهم: هم قوم من بني آدم، استوت حسناتهم وسيئاتهم، فجعلوا هنالك إلى أن يقضي الله فيهم ما يشاء، ثم يدخلهم الجنة بفضل رحمته إياهم.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٦٨٥- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا يونس بن أبي إسحاق قال، قال الشعبي: أرسل إليّ عبد الحميد بن عبد الرحمن، وعنده أبو الزناد عبد الله بن ذكوان مولى قريش، وإذا هما قد ذكرَا من أصحاب الأعراف ذكرًا ليس كما ذَكَرا، فقلت لهما: إن شئتما أنبأتكما بما ذكر حذيفة، فقالا هات! فقلت: إن حذيفة ذكر أصحاب الأعراف فقال: هم قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار، وقصرت بهم سيِّئاتهم عن الجنة، فإذا صُرفت أبصارُهم تلقاء أصحاب النار قالوا:"ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين". فبينا هم كذلك، اطّلع إليهم ربك تبارك وتعالى فقال: اذهبوا وادخلوا الجنة، فإني قد غفرت لكم. (١)
١٤٦٨٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر قال:"الأعراف"، سور بين الجنة والنار.
١٤٦٨٤- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثني عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول:"الأعراف"، السور الذي بين الجنة والنار.
* * *
واختلف أهل التأويل في صفة الرجال الذين أخبر الله جل ثناؤه عنهم أنهم على الأعراف، وما السبب الذي من أجله صاروا هنالك.
فقال بعضهم: هم قوم من بني آدم، استوت حسناتهم وسيئاتهم، فجعلوا هنالك إلى أن يقضي الله فيهم ما يشاء، ثم يدخلهم الجنة بفضل رحمته إياهم.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٦٨٥- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا يونس بن أبي إسحاق قال، قال الشعبي: أرسل إليّ عبد الحميد بن عبد الرحمن، وعنده أبو الزناد عبد الله بن ذكوان مولى قريش، وإذا هما قد ذكرَا من أصحاب الأعراف ذكرًا ليس كما ذَكَرا، فقلت لهما: إن شئتما أنبأتكما بما ذكر حذيفة، فقالا هات! فقلت: إن حذيفة ذكر أصحاب الأعراف فقال: هم قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار، وقصرت بهم سيِّئاتهم عن الجنة، فإذا صُرفت أبصارُهم تلقاء أصحاب النار قالوا:"ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين". فبينا هم كذلك، اطّلع إليهم ربك تبارك وتعالى فقال: اذهبوا وادخلوا الجنة، فإني قد غفرت لكم. (١)
(١) الأثر: ١٤٦٨٥ - ((عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب العدوي))، وهو ((الأعرج)) استعمله عمر بن عبد العزيز على الكوفة، وكان أبو الزناد كاتبًا له. ثقة، روى له الجماعة مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٣ /١ / ١٥، ونسب قريش: ٣٦٣.
و ((أبو الزناد))، ((عبد الله بن ذكوان)) مولى على قريش))، مضى برقم: ١١٨١٣.
و ((أبو الزناد))، ((عبد الله بن ذكوان)) مولى على قريش))، مضى برقم: ١١٨١٣.
452
١٤٦٨٦- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين، عن الشعبي، عن حذيفة، أنه سئل عن أصحاب الأعراف، قال فقال: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، وخلّفت بهم حسناتهم عن النار. قال: فوُقِفوا هنالك على السور حتى يقضي الله فيهم.
١٤٦٨٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير وعمران بن عيينة، عن حصين، عن عامر، عن حذيفة قال: أصحاب الأعراف، قومٌ كانت لهم ذنوب وحسنات، فقصرت بهم ذنوبهم عن الجنة، وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار، فهم كذلك حتى يقضي الله بين خلقه، فينفذ فيهم أمره.
١٤٦٨٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن جابر، عن الشعبي، عن حذيفة قال: أصحاب الأعراف، قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فيقول: ادخلوا الجنة بفضلي ومغفرتي، لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون.
١٤٦٨٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن يونس بن أبي إسحاق، عن عامر، عن حذيفة قال: أصحاب الأعراف، قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار، وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة.
١٤٦٩٠- حدثنا المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن أبي بكر الهذلي قال: قال سعيد بن جبير، وهو يحدّث ذلك عن ابن مسعود قال: يحاسب الناس يوم القيامة، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار. ثم قرأ قول الله: (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ)، [سورة الأعراف: ٨-٩]. ثم قال: إن الميزان يخفّ
١٤٦٨٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير وعمران بن عيينة، عن حصين، عن عامر، عن حذيفة قال: أصحاب الأعراف، قومٌ كانت لهم ذنوب وحسنات، فقصرت بهم ذنوبهم عن الجنة، وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار، فهم كذلك حتى يقضي الله بين خلقه، فينفذ فيهم أمره.
١٤٦٨٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن جابر، عن الشعبي، عن حذيفة قال: أصحاب الأعراف، قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فيقول: ادخلوا الجنة بفضلي ومغفرتي، لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون.
١٤٦٨٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن يونس بن أبي إسحاق، عن عامر، عن حذيفة قال: أصحاب الأعراف، قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار، وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة.
١٤٦٩٠- حدثنا المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن أبي بكر الهذلي قال: قال سعيد بن جبير، وهو يحدّث ذلك عن ابن مسعود قال: يحاسب الناس يوم القيامة، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار. ثم قرأ قول الله: (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ)، [سورة الأعراف: ٨-٩]. ثم قال: إن الميزان يخفّ
453
بمثقال حبة ويرجح. قال: فمن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف، فوقفوا على الصراط، ثم عرفوا أهل الجنة وأهل النار، فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوا:"سلام عليكم"، وإذا صرفوا أبصارهم إلى يسارهم نظرُوا أصحاب النار قالوا: (رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [سورة الأعراف: ٤٧]، فيتعوذون بالله من منازلهم، قال: فأما أصحاب الحسنات، فإنهم يعطون نورًا فيمشون به بين أيديهم وبأيمانهم، ويعطى كل عبد يومئذ نورًا، وكل أمَةٍ نورًا. فإذا أتوا على الصراط سَلب الله نور كل منافق ومنافقة. فلما رأى أهل الجنة ما لقي المنافقون، (١) قالوا: ربنا أتمم لنا نورنا". وأما أصحاب الأعراف، فإن النور كان في أيديهم فلم ينزع من أيديهم، فهنالك يقول الله: (لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ)، فكان الطمع دخولا. قال: فقال ابن مسعود: على أن العبد إذا عمل حسنة كتب له بها عشر، وإذا عمل سيئة لم تكتب إلا واحدة. ثم يقول: هلك من غلب وُحْدَانُه أعشارَه. (٢)
١٤٦٩١- حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع قال، أخبرني ابن وهب قال، أخبرني عيسى الحنّاط، عن الشعبي، عن حذيفة قال: أصحاب الأعراف، قوم كانت لهم أعمال أنجاهم الله بها من النار، وهم آخر من يدخل الجنة، قد عرَفوا أهل الجنة وأهل النار. (٣)
١٤٦٩١- حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع قال، أخبرني ابن وهب قال، أخبرني عيسى الحنّاط، عن الشعبي، عن حذيفة قال: أصحاب الأعراف، قوم كانت لهم أعمال أنجاهم الله بها من النار، وهم آخر من يدخل الجنة، قد عرَفوا أهل الجنة وأهل النار. (٣)
(١) في المخطوطة: ((فلما رأوا أهل الجنة))، وهو جائز.
(٢) الأثر: ١٤٦٩٠ - ((أبو بكر الهذلي))، ليس بثقة، ولا يحتج بحديثه. وقال غندر: ((كان إمامنا، وكان يكذب)). مضى برقم: ٥٩٧، ٨٣٧٦، ١٣٠٥٤، ١٤٣٩٨
غندر: ((كان إمامنا، وكان يكذب)). مضى برقم: ٥٩٧، ٨٣٧٦، ١٣٠٥٤، ١٤٣٩٨.
و ((الوحدان)) بضم الواو، جمع ((واحد)). و ((واحد)). و ((الأعشار)) جمع ((عشر)).
(٣) الأثر: ١٤٦٩١ - ((الوليد بن شجاع بن الوليد السكوني))، ((أبو همام))، شيخ الطبري، تكلموا فيه، وقال ابن معين: ((لا بأس به، ليس هو ممن يكذب))، وقال أبو حاتم: ((يكتب حديثه ولا يحتج به)). مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٤ / ٢ / ٧.
و ((عيسى الحناط))، هو ((عيسى بن أبي عيسى الحناط الغفاري))، وهو ((عيسى بن ميسرة)) ضعيف مضطرب الحديث لا يكتب حديثه. وكان ((خباطًا))، ثم ترك ذلك وصار ((حناطًا))، ثم ترك ذلك وصار يبيع الخيط. قال ابن سعد: ((كان يقول: أنا خباط، حناط، خياط، كلا قد عالجت)). وكان في المطبوعة هنا ((الخياط))، وأثبت ما في المخطوطة، وإن كان صوابًا ما في المطبوعة.
مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٣ / ١ / ٢٨٩.
(٢) الأثر: ١٤٦٩٠ - ((أبو بكر الهذلي))، ليس بثقة، ولا يحتج بحديثه. وقال غندر: ((كان إمامنا، وكان يكذب)). مضى برقم: ٥٩٧، ٨٣٧٦، ١٣٠٥٤، ١٤٣٩٨
غندر: ((كان إمامنا، وكان يكذب)). مضى برقم: ٥٩٧، ٨٣٧٦، ١٣٠٥٤، ١٤٣٩٨.
و ((الوحدان)) بضم الواو، جمع ((واحد)). و ((واحد)). و ((الأعشار)) جمع ((عشر)).
(٣) الأثر: ١٤٦٩١ - ((الوليد بن شجاع بن الوليد السكوني))، ((أبو همام))، شيخ الطبري، تكلموا فيه، وقال ابن معين: ((لا بأس به، ليس هو ممن يكذب))، وقال أبو حاتم: ((يكتب حديثه ولا يحتج به)). مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٤ / ٢ / ٧.
و ((عيسى الحناط))، هو ((عيسى بن أبي عيسى الحناط الغفاري))، وهو ((عيسى بن ميسرة)) ضعيف مضطرب الحديث لا يكتب حديثه. وكان ((خباطًا))، ثم ترك ذلك وصار ((حناطًا))، ثم ترك ذلك وصار يبيع الخيط. قال ابن سعد: ((كان يقول: أنا خباط، حناط، خياط، كلا قد عالجت)). وكان في المطبوعة هنا ((الخياط))، وأثبت ما في المخطوطة، وإن كان صوابًا ما في المطبوعة.
مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٣ / ١ / ٢٨٩.
454
١٤٦٩٢- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا همام، عن قتادة قال: قال ابن عباس: أصحاب الأعراف، قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فلم تزد حسناتهم على سيئاتهم، ولا سيئاتهم على حسناتهم.
١٤٦٩٣- حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير، عن منصور، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس قال:"الأعراف"، سور بين الجنة والنار، وأصحاب الأعراف بذلك المكان، حتى إذا بَدَا لله أن يعافيهم، انْطُلِق بهم إلى نهر يقال له:"الحياة"، (١) حافتاه قَصَبُ الذهب، مكلَّل باللؤلؤ، ترابه المسك، فألقوا فيه حتى تصلح ألوانهم، ويبدو في نحورهم شامَةٌ بيضاء يعرفون بها، حتى إذا صلحت ألوانهم، أتى بهم الرحمنُ فقال: تمنوا ما شئتم! قال: فيتمنون، حتى إذا انقطعت أمنيتهم قال لهم: لكم الذي تمنيتم ومثله سبعين مرة! فيدخلون الجنة وفي نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها، يسمَّون مساكين الجنة. (٢)
١٤٦٩٤- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن حبيب، عن مجاهد، عن عبد الله بن الحارث قال: أصحاب الأعراف، يؤمر بهم إلى نهر يقال له:"الحياة"، ترابه الوَرْس والزعفران، وحافتاه قَصَبُ اللؤلؤ = قال: وأحسبه قال: مكلل باللؤلؤ = وقال: فيغتسلون فيه، فتبدو في نحورهم شامة بيضاء، فيقال لهم: تمنوا! فيقال لهم: لكم ما تمنيتم وسبعون ضعفًا!
١٤٦٩٣- حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير، عن منصور، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس قال:"الأعراف"، سور بين الجنة والنار، وأصحاب الأعراف بذلك المكان، حتى إذا بَدَا لله أن يعافيهم، انْطُلِق بهم إلى نهر يقال له:"الحياة"، (١) حافتاه قَصَبُ الذهب، مكلَّل باللؤلؤ، ترابه المسك، فألقوا فيه حتى تصلح ألوانهم، ويبدو في نحورهم شامَةٌ بيضاء يعرفون بها، حتى إذا صلحت ألوانهم، أتى بهم الرحمنُ فقال: تمنوا ما شئتم! قال: فيتمنون، حتى إذا انقطعت أمنيتهم قال لهم: لكم الذي تمنيتم ومثله سبعين مرة! فيدخلون الجنة وفي نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها، يسمَّون مساكين الجنة. (٢)
١٤٦٩٤- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن حبيب، عن مجاهد، عن عبد الله بن الحارث قال: أصحاب الأعراف، يؤمر بهم إلى نهر يقال له:"الحياة"، ترابه الوَرْس والزعفران، وحافتاه قَصَبُ اللؤلؤ = قال: وأحسبه قال: مكلل باللؤلؤ = وقال: فيغتسلون فيه، فتبدو في نحورهم شامة بيضاء، فيقال لهم: تمنوا! فيقال لهم: لكم ما تمنيتم وسبعون ضعفًا!
(١) في ابن كثير ٣: ٤٨١ ((يقال له نهر الحياة)). وانظر الأثر التالي. و ((قصب الذهب))، أنابيب من الذهب، مجوفة مستطيلة. وفي المطبوعة هنا وفيما يلي ((قضب))، بالضاد.
(٢) الأثر: ١٤٦٩٣ - سيرويه موقوفًا على عبد الله بن الحارث في الأثر التالي، قال ابن كثير بعد أن ذكر الخبرين: ((وعن عبد الله بن الحارث من قوله، وهذا أصح))، التفسير ٣: ٤٨٢.
(٢) الأثر: ١٤٦٩٣ - سيرويه موقوفًا على عبد الله بن الحارث في الأثر التالي، قال ابن كثير بعد أن ذكر الخبرين: ((وعن عبد الله بن الحارث من قوله، وهذا أصح))، التفسير ٣: ٤٨٢.
455
وإنهم مساكين أهل الجنة = قال حبيب: وحدثني رجل: أنهم استوت حسناتهم وسيئاتهم.
١٤٦٩٥- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن مجاهد، عن عبد الله بن الحارث قال: أصحاب الأعراف، ينتهى بهم إلى نهر يقال له:"الحياة"، حافتاه قَصَب من ذهب = قال سفيان: أراه قال: مكلل باللؤلؤ = قال: فيغتسلون منه اغتسالةً فتبدو في نحورهم شامة بيضاء، ثم يعودون فيغتسلون، فيزدادون. فكلما اغتسلوا ازدادت بياضًا، فيقال لهم: تمنوا ما شئتم! فيتمنون ما شاءوا، فيقال لهم: لكم ما تمنيتم وسبعون ضعفًا! قال: فهم مساكين أهل الجنة.
١٤٦٩٦- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن حصين، عن الشعبي، عن حذيفة قال: أصحاب الأعراف، قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فهم على سور بين الجنة والنار: (لم يدخلوها وهم يطمعون).
١٤٦٩٧- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان ابن عباس يقول:"الأعراف"، بين الجنة والنار، حبس عليه أقوام بأعمالهم. وكان يقول: قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فلم تزد حسناتهم على سيئاتهم، ولا سيئاتهم على حسناتهم.
١٤٦٩٨- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قال، قال ابن عباس: أهل الأعراف، قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم.
١٤٦٩٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك قال: أصحاب الأعراف، قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم.
١٤٧٠٠-.... وقال، حدثنا يحيى بن يمان، عن شريك، عن منصور،
١٤٦٩٥- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن مجاهد، عن عبد الله بن الحارث قال: أصحاب الأعراف، ينتهى بهم إلى نهر يقال له:"الحياة"، حافتاه قَصَب من ذهب = قال سفيان: أراه قال: مكلل باللؤلؤ = قال: فيغتسلون منه اغتسالةً فتبدو في نحورهم شامة بيضاء، ثم يعودون فيغتسلون، فيزدادون. فكلما اغتسلوا ازدادت بياضًا، فيقال لهم: تمنوا ما شئتم! فيتمنون ما شاءوا، فيقال لهم: لكم ما تمنيتم وسبعون ضعفًا! قال: فهم مساكين أهل الجنة.
١٤٦٩٦- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن حصين، عن الشعبي، عن حذيفة قال: أصحاب الأعراف، قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فهم على سور بين الجنة والنار: (لم يدخلوها وهم يطمعون).
١٤٦٩٧- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان ابن عباس يقول:"الأعراف"، بين الجنة والنار، حبس عليه أقوام بأعمالهم. وكان يقول: قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فلم تزد حسناتهم على سيئاتهم، ولا سيئاتهم على حسناتهم.
١٤٦٩٨- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قال، قال ابن عباس: أهل الأعراف، قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم.
١٤٦٩٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك قال: أصحاب الأعراف، قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم.
١٤٧٠٠-.... وقال، حدثنا يحيى بن يمان، عن شريك، عن منصور،
456
عن سعيد بن جبير قال: أصحاب الأعراف، استوت أعمالهم.
١٤٧٠١- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: أصحاب الأعراف، قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فوُقِفوا هنالك على السور.
١٤٧٠٢- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سفيع، أو سميع = قال أبو جعفر: كذا وجدت في كتاب سفيع (١) =، عن أبي علقمة قال: أصحاب الأعراف، قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم. (٢)
* * *
وقال آخرون: كانوا قتلوا في سبيل الله عصاة لآبائهم في الدنيا.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٠٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن أبي مسعر، عن شرحبيل بن سعد قال: هم قوم خرجوا في الغزو بغير إذن آبائهم.
١٤٧٠٤ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني خالد، عن سعيد، عن يحيى بن شبل: أن رجلا من بني النضير أخبره، عن رجل من بني هلال: أن أباه أخبره: أنه سأل رسول الله ﷺ عن أصحاب الأعراف فقال: هم قوم غزوا في سبيل الله عصاةً لآبائهم، فقتلوا، فأعتقهم الله من النار بقتلهم في سبيله، وحُبسوا عن الجنة بمعصية آبائهم، فهم آخر من يدخل الجنة. (٣)
١٤٧٠١- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: أصحاب الأعراف، قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فوُقِفوا هنالك على السور.
١٤٧٠٢- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سفيع، أو سميع = قال أبو جعفر: كذا وجدت في كتاب سفيع (١) =، عن أبي علقمة قال: أصحاب الأعراف، قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم. (٢)
* * *
وقال آخرون: كانوا قتلوا في سبيل الله عصاة لآبائهم في الدنيا.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٠٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن أبي مسعر، عن شرحبيل بن سعد قال: هم قوم خرجوا في الغزو بغير إذن آبائهم.
١٤٧٠٤ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني خالد، عن سعيد، عن يحيى بن شبل: أن رجلا من بني النضير أخبره، عن رجل من بني هلال: أن أباه أخبره: أنه سأل رسول الله ﷺ عن أصحاب الأعراف فقال: هم قوم غزوا في سبيل الله عصاةً لآبائهم، فقتلوا، فأعتقهم الله من النار بقتلهم في سبيله، وحُبسوا عن الجنة بمعصية آبائهم، فهم آخر من يدخل الجنة. (٣)
(١) في المخطوطة: ((كتابي)) ثم ضرب على ((بي))، وكتب بعدها ((ب))، وأخشى أن يكون الذي ضرب عليه الناسخ هو الصواب.
(٢) الأثر: ١٤٧٠٢ - ((سفيع))، لم أجد من ذكره.
وأما ((سميع)) الراوي عن ابن عباس، فهو ((سميع الزيات)) ((أبو صالح))، ثقة مترجم في الكبير ٢ /٢ / ١٩٠، وابن أبي حاتم ٢ / ١ / ٣٠٥.
(٣) الأثر: ١٤٧٠٤ - ((يحيى بن شبل))، ((مولى بني هاشم)) لم أعرف حاله، ترجم له ابن أبي حاتم ٤ / ٢ / ١٥٧، ولم يذكر فيه جرحًا، والبخاري في الكبير ٤ / ٢ / ٢٨٢، وذكره في التهذيب إلحاقًا فقال: ((ولهم بن شبل شيخ آخر مدني، أقدم من هذا، يروي عنه أبو معشر حديثًا في أصحاب الأعراف))
واقتصر البخاري على أنه يروي عنه سعيد بن أبي هلال. وأما ابن أبي حاتم، فذكر أنه روى عن ((عمر بن عبد الرحمن المزني، وعن جده بن حسين (؟؟) عن علي رضي الله عنه)) ثم قال: ((روى عنه سعيد بن أبي هلال، وعبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، وأبو معشر، وموسى بن عبيدة الربذي، وابن أبي سبرة)).
وزادنا أبو جعفر في الأثر التالي أنه ((مولى بني هاشم))، ولم أجد لذلك ذكرًا في الكتب التي بأيدينا.
وهذا خبر ضعيف، لما فيه من المجاهيل، ولأن ((أبا معشر)) نفسه، قد تكلموا فيه، وضعفوه. وانظر التعليق على الأثر التالي، ففيه التخريج.
(٢) الأثر: ١٤٧٠٢ - ((سفيع))، لم أجد من ذكره.
وأما ((سميع)) الراوي عن ابن عباس، فهو ((سميع الزيات)) ((أبو صالح))، ثقة مترجم في الكبير ٢ /٢ / ١٩٠، وابن أبي حاتم ٢ / ١ / ٣٠٥.
(٣) الأثر: ١٤٧٠٤ - ((يحيى بن شبل))، ((مولى بني هاشم)) لم أعرف حاله، ترجم له ابن أبي حاتم ٤ / ٢ / ١٥٧، ولم يذكر فيه جرحًا، والبخاري في الكبير ٤ / ٢ / ٢٨٢، وذكره في التهذيب إلحاقًا فقال: ((ولهم بن شبل شيخ آخر مدني، أقدم من هذا، يروي عنه أبو معشر حديثًا في أصحاب الأعراف))
واقتصر البخاري على أنه يروي عنه سعيد بن أبي هلال. وأما ابن أبي حاتم، فذكر أنه روى عن ((عمر بن عبد الرحمن المزني، وعن جده بن حسين (؟؟) عن علي رضي الله عنه)) ثم قال: ((روى عنه سعيد بن أبي هلال، وعبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، وأبو معشر، وموسى بن عبيدة الربذي، وابن أبي سبرة)).
وزادنا أبو جعفر في الأثر التالي أنه ((مولى بني هاشم))، ولم أجد لذلك ذكرًا في الكتب التي بأيدينا.
وهذا خبر ضعيف، لما فيه من المجاهيل، ولأن ((أبا معشر)) نفسه، قد تكلموا فيه، وضعفوه. وانظر التعليق على الأثر التالي، ففيه التخريج.
457
١٤٧٠٥ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن أبي معشر، عن يحيى بن شبل مولى بني هاشم، عن محمد بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: سئل رسول الله ﷺ عن أصحاب الأعراف، فقال: قوم قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم، فمنعهم قتلهم في سبيل الله عن النار، ومنعتهم معصية آبائهم أن يدخلوا الجنة. (١)
* * *
وقال آخرون: بل هم قوم صالحون فقهاء علماء.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٠٦- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد قال: أصحاب الأعراف، قوم صالحون فقهاء علماء.
* * *
* * *
وقال آخرون: بل هم قوم صالحون فقهاء علماء.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٠٦- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد قال: أصحاب الأعراف، قوم صالحون فقهاء علماء.
* * *
(١) الأثر: ١٤٧٠٥ - ((يحيى بن شبل، مولى بني هاشم))، انظر الأثر السالف.
و ((محمد بن عبد الرحمن المزني))، لم أجد له ترجمة مفردة، ويقال أيضًا ((عمر بن الرحمن المزني))، ويقال: ((عمرو بن عبد الرحمن))، إن صلح ما في ترجمة أبيه في أسد الغابة.
وأبوه ((عبد الرحمن المزني))، ويقال ((عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن))، وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: ((وقد قيل: اسم أبيه محمد، وهو الصواب إن شاء الله)).
وترجم له ابن عبد البر في الاستيعاب: ٣٩٩، وابن الأثير في أسد الغابة في موضعين ٣: ٣٠٧، ٣٢٢، وابن حجر في الإصابة في موضعين: في ((عبد الرحمن بن أبي الهلالي)) وفي ((عبد الرحمن المزني))، ولم يشر إلى ذلك في واحدة من الترجمتين، وهو عجيب!! واختلفوا في تسمية ولده، فقال ابن حجر: ((والد عمر، ويقال: والد محمد))، وقال ابن عبد البر: ((وله ولد آخر يقال له: ((عبد الرحمن)). أما ابن الأثير، ففيه أن ولده ((عمرو))، وان كنية ((عبد الرحمن المزني)) هو ((أبو عمرو)).
وأما قوله في الأثر السالف: ((أن رجلا من بني النضير))، فهكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة، وفي المراجع الأخرى: ((أن رجلا من بني نضر))، ولا أدري أهو بالضاد المعجمة أم الصاد المهملة. وأما ((عن رجل من بني هلال)) فكأنه يعني من ((بني هلال بن رئاب)) من ((بني عمرو بن أد))، وهم مزينة، ومن بني هلال بن رئاب ((إياس بن معاوية المزني)) القاضي المشهور. انظر جمهرة الأنساب لابن حزم: ١٩٢. ويدل على ذلك ان ابن حجر ترجم له في ((عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن الهلالي)) وفي ((عبد الرحمن المزني))، وذكر فيهما حديثه في الأعراف.
وهذا الخبر ذكروه جميعًا من طرق مختلفة، وكلها مضطرب، وقد جمع الكلام فيه الحافظ ابن حجر في الإصابة في الموضعين، ولكنه لم يستوفه.
ومهما يكن من شيء، فهو حديث ضعيف لضعف أبي معشر، ولما يحيط به من الجهالة كما أسلفت في التعليق على الأثر السالف.
و ((محمد بن عبد الرحمن المزني))، لم أجد له ترجمة مفردة، ويقال أيضًا ((عمر بن الرحمن المزني))، ويقال: ((عمرو بن عبد الرحمن))، إن صلح ما في ترجمة أبيه في أسد الغابة.
وأبوه ((عبد الرحمن المزني))، ويقال ((عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن))، وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: ((وقد قيل: اسم أبيه محمد، وهو الصواب إن شاء الله)).
وترجم له ابن عبد البر في الاستيعاب: ٣٩٩، وابن الأثير في أسد الغابة في موضعين ٣: ٣٠٧، ٣٢٢، وابن حجر في الإصابة في موضعين: في ((عبد الرحمن بن أبي الهلالي)) وفي ((عبد الرحمن المزني))، ولم يشر إلى ذلك في واحدة من الترجمتين، وهو عجيب!! واختلفوا في تسمية ولده، فقال ابن حجر: ((والد عمر، ويقال: والد محمد))، وقال ابن عبد البر: ((وله ولد آخر يقال له: ((عبد الرحمن)). أما ابن الأثير، ففيه أن ولده ((عمرو))، وان كنية ((عبد الرحمن المزني)) هو ((أبو عمرو)).
وأما قوله في الأثر السالف: ((أن رجلا من بني النضير))، فهكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة، وفي المراجع الأخرى: ((أن رجلا من بني نضر))، ولا أدري أهو بالضاد المعجمة أم الصاد المهملة. وأما ((عن رجل من بني هلال)) فكأنه يعني من ((بني هلال بن رئاب)) من ((بني عمرو بن أد))، وهم مزينة، ومن بني هلال بن رئاب ((إياس بن معاوية المزني)) القاضي المشهور. انظر جمهرة الأنساب لابن حزم: ١٩٢. ويدل على ذلك ان ابن حجر ترجم له في ((عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن الهلالي)) وفي ((عبد الرحمن المزني))، وذكر فيهما حديثه في الأعراف.
وهذا الخبر ذكروه جميعًا من طرق مختلفة، وكلها مضطرب، وقد جمع الكلام فيه الحافظ ابن حجر في الإصابة في الموضعين، ولكنه لم يستوفه.
ومهما يكن من شيء، فهو حديث ضعيف لضعف أبي معشر، ولما يحيط به من الجهالة كما أسلفت في التعليق على الأثر السالف.
458
وقال آخرون: بل هم ملائكة وليسوا ببني آدم.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٠٧- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أبي مجلز قوله: (وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم)، قال: هم رجال من الملائكة، يعرفون أهل الجنة وأهل النار، قال: (ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم)، إلى قوله: (ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين)، قال: فنادى أصحاب الأعراف رجالا في النار يعرفونهم بسيماهم: (ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون. أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة)، قال: فهذا حين دخل أهل الجنة الجنة: (ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون).
١٤٧٠٨- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر قال، سمعت عمران قال: قلت لأبي مجلز: يقول الله: (وعلى الأعراف رجال)، وتزعم أنتَ أنهم الملائكة؟ قال فقال: إنهم ذكور، وليسوا بإناث.
١٤٧٠٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز: (وعلى الأعراف رجال)، قال: رجال من الملائكة، يعرفون الفريقين جميعًا بسيماهم، أهل النار وأهل الجنة، وهذا قبل أن يدخل أهل الجنة الجنة.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٠٧- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أبي مجلز قوله: (وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم)، قال: هم رجال من الملائكة، يعرفون أهل الجنة وأهل النار، قال: (ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم)، إلى قوله: (ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين)، قال: فنادى أصحاب الأعراف رجالا في النار يعرفونهم بسيماهم: (ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون. أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة)، قال: فهذا حين دخل أهل الجنة الجنة: (ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون).
١٤٧٠٨- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر قال، سمعت عمران قال: قلت لأبي مجلز: يقول الله: (وعلى الأعراف رجال)، وتزعم أنتَ أنهم الملائكة؟ قال فقال: إنهم ذكور، وليسوا بإناث.
١٤٧٠٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز: (وعلى الأعراف رجال)، قال: رجال من الملائكة، يعرفون الفريقين جميعًا بسيماهم، أهل النار وأهل الجنة، وهذا قبل أن يدخل أهل الجنة الجنة.
459
١٤٧١٠- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن أبي عدي، عن التيمي، عن أبي مجلز، بنحوه.
١٤٧١١-.... وقال، حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن التيمي، عن أبي مجلز قال: أصحاب الأعراف، الملائكة.
١٤٧١٢- حدثني المثنى قال، حدثنا يعلى بن أسد قال، حدثنا خالد قال، أخبرنا التيمي، عن أبي مجلز: (وعلى الأعراف رجال)، قال: هم الملائكة.
١٤٧١٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز: (وعلى الأعراف رجال)، قال: هم الملائكة. قلت: يا أبا مجلز، يقول الله تبارك وتعالى:"رجال"، وأنت تقول: ملائكة؟ قال: إنهم ذُكران ليسوا بإناث.
١٤٧١٤- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد، عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز في قوله: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم)، قال: الملائكة. قال قلت: يقول الله"رجال"؟ قال: الملائكة ذكور. (١)
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في أصحاب الأعراف أن يقال كما قال الله جل ثناؤه فيهم: هم رجال يعرفون كُلا من أهل الجنة وأهل النار بسيماهم، ولا خبر عن رسول الله ﷺ يصح سنده، ولا أنه متفق على تأويلها، ولا إجماع من الأمة على أنهم ملائكة.
فإذ كان ذلك كذلك، وكان ذلك لا يدرك قياسًا، وكان المتعارف بين أهل لسان العرب أن"الرجال" اسم يجمع ذكور بني آدم دون إناثهم ودون سائر
١٤٧١١-.... وقال، حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن التيمي، عن أبي مجلز قال: أصحاب الأعراف، الملائكة.
١٤٧١٢- حدثني المثنى قال، حدثنا يعلى بن أسد قال، حدثنا خالد قال، أخبرنا التيمي، عن أبي مجلز: (وعلى الأعراف رجال)، قال: هم الملائكة.
١٤٧١٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز: (وعلى الأعراف رجال)، قال: هم الملائكة. قلت: يا أبا مجلز، يقول الله تبارك وتعالى:"رجال"، وأنت تقول: ملائكة؟ قال: إنهم ذُكران ليسوا بإناث.
١٤٧١٤- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد، عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز في قوله: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم)، قال: الملائكة. قال قلت: يقول الله"رجال"؟ قال: الملائكة ذكور. (١)
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في أصحاب الأعراف أن يقال كما قال الله جل ثناؤه فيهم: هم رجال يعرفون كُلا من أهل الجنة وأهل النار بسيماهم، ولا خبر عن رسول الله ﷺ يصح سنده، ولا أنه متفق على تأويلها، ولا إجماع من الأمة على أنهم ملائكة.
فإذ كان ذلك كذلك، وكان ذلك لا يدرك قياسًا، وكان المتعارف بين أهل لسان العرب أن"الرجال" اسم يجمع ذكور بني آدم دون إناثهم ودون سائر
(١) في المخطوطة: ((الملائكة)) دون صفتهم ((ذكور))، كأنه قطع الكلام بالإثبات. وإن كان يخشى أيضًا أن يكون الناسخ أسقط ما ثبت في المطبوعة.
460
الخلق غيرهم، كان بيِّنًا أن ما قاله أبو مجلز من أنهم ملائكة، قولٌ لا معنى له، وأن الصحيح من القول في ذلك ما قاله سائر أهل التأويل غيره. هذا مع مَنْ قال بخلافه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ما روي عن رسول الله ﷺ في ذلك من الأخبار، وإن كان في أسانيدها ما فيها، وقد:-
١٤٧١٥- حدثني القاسم قال، حدثني الحسين قال، حدثني جرير عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير قال، سئل رسول الله ﷺ عن أصحاب الأعراف فقال:"هم آخر مَنْ يفصل بينهم من العباد، وإذا فرغ ربُّ العالمين من فصله بين العباد قال: أنتم قوم أخرجتكم حسناتكم من النار، ولم تدخلكم الجنة، وأنتم عُتَقائي، فارعوا من الجنة حيث شئتم. (١)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (٤٦) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وعلى الأعراف رجال يعرفون أهل الجنة بسيماهم، وذلك بياض وجوههم، ونضرةُ النعيم عليها = ويعرفون أهل النار كذلك بسيماهم، وذلك سواد وجوههم، وزرقة أعينهم، فإذا رأوا أهل الجنة نادوهم:"سلام عليكم".
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
١٤٧١٥- حدثني القاسم قال، حدثني الحسين قال، حدثني جرير عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير قال، سئل رسول الله ﷺ عن أصحاب الأعراف فقال:"هم آخر مَنْ يفصل بينهم من العباد، وإذا فرغ ربُّ العالمين من فصله بين العباد قال: أنتم قوم أخرجتكم حسناتكم من النار، ولم تدخلكم الجنة، وأنتم عُتَقائي، فارعوا من الجنة حيث شئتم. (١)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (٤٦) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وعلى الأعراف رجال يعرفون أهل الجنة بسيماهم، وذلك بياض وجوههم، ونضرةُ النعيم عليها = ويعرفون أهل النار كذلك بسيماهم، وذلك سواد وجوههم، وزرقة أعينهم، فإذا رأوا أهل الجنة نادوهم:"سلام عليكم".
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
(١) الأثر: ١٤٧١٥ - ((عمارة بن القعقاع بن شبرمة الضبي، روى له الجماعة، مضى برقم: ١٤٢٠٣، ١٤٢٠٩.
و ((أبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي))، ثقة، روى له الجماعة مضى كثيراص، آخرها أيضًا رقم: ١٤٢٠٣، ١٤٢٠٩. وكان في المطبوعة والمخطوطة: ((أبو زرعة، عن عمرو بن جرير))، وهو خطأ.
وهذا خبر مرسل حسن، خرجه السيوطي في الدر المنثور ٣: ٨٧، وزاد إلى ابن المنذر. ذكره ابن كثير في تفسيره ٣: ٤٨٢.
و ((أبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي))، ثقة، روى له الجماعة مضى كثيراص، آخرها أيضًا رقم: ١٤٢٠٣، ١٤٢٠٩. وكان في المطبوعة والمخطوطة: ((أبو زرعة، عن عمرو بن جرير))، وهو خطأ.
وهذا خبر مرسل حسن، خرجه السيوطي في الدر المنثور ٣: ٨٧، وزاد إلى ابن المنذر. ذكره ابن كثير في تفسيره ٣: ٤٨٢.
461
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧١٦- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم)، قال: يعرفون أهل النار بسواد الوجوه، وأهل الجنة ببياض الوجوه.
١٤٧١٧ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم)، قال: أنزلهم الله بتلك المنزلة، ليعرفوا من في الجنة والنار، وليعرفوا أهل النار بسواد الوجوه، ويتعوَّذوا بالله أن يجعلهم مع القوم الظالمين، وهم في ذلك يحيّون أهل الجنة بالسلام، لم يدخلوها، وهم يطمعون أن يدخلوها، وهم داخلوها إن شاء الله.
١٤٧١٨ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (بسيماهم)، قال: بسواد الوجوه، وزُرقة العيون.
١٤٧١٩- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم)، الكفار بسواد الوجوه وزرقة العيون، وسيما أهل الجنة مبيَضَّة وجوههم.
١٤٧٢٠- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: أصحاب الأعراف إذا رأوا أصحاب الجنة عرَفوهم ببياض الوجوه، وإذا رأوا أصحاب النار عرفوهم بسواد الوجوه.
١٤٧٢١- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: إن أصحاب الأعراف رجال كانت لهم ذنوبٌ عِظام، وكان حَسْمُ أمرهم لله، فأقيموا ذلك المقام، إذا
١٤٧١٦- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم)، قال: يعرفون أهل النار بسواد الوجوه، وأهل الجنة ببياض الوجوه.
١٤٧١٧ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم)، قال: أنزلهم الله بتلك المنزلة، ليعرفوا من في الجنة والنار، وليعرفوا أهل النار بسواد الوجوه، ويتعوَّذوا بالله أن يجعلهم مع القوم الظالمين، وهم في ذلك يحيّون أهل الجنة بالسلام، لم يدخلوها، وهم يطمعون أن يدخلوها، وهم داخلوها إن شاء الله.
١٤٧١٨ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (بسيماهم)، قال: بسواد الوجوه، وزُرقة العيون.
١٤٧١٩- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم)، الكفار بسواد الوجوه وزرقة العيون، وسيما أهل الجنة مبيَضَّة وجوههم.
١٤٧٢٠- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: أصحاب الأعراف إذا رأوا أصحاب الجنة عرَفوهم ببياض الوجوه، وإذا رأوا أصحاب النار عرفوهم بسواد الوجوه.
١٤٧٢١- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: إن أصحاب الأعراف رجال كانت لهم ذنوبٌ عِظام، وكان حَسْمُ أمرهم لله، فأقيموا ذلك المقام، إذا
462
نظروا إلى أهل النار عرفوهم بسواد الوجوه، فقالوا: (ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين)، وإذا نظروا إلى أهل الجنة عرفوهم ببياض الوجوه، فذلك قوله: (ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون).
١٤٧٢٢- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك في قوله: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم)، زعموا أن أصحاب الأعراف رجال من أهل الذنوب، أصابوا ذنوبًا، وكان حَسْم أمرهم لله، فجعلهم الله على الأعراف. فإذا نظروا إلى أهل النار عرفوهم بسواد الوجوه، فتعوذوا بالله من النار. وإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوهم:"أن سلام عليكم"، قال الله: (لم يدخلوها وهم يطمعون). قال: وهذا قول ابن عباس.
١٤٧٢٣- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (يعرفون كلا بسيماهم)، يعرفون الناس بسيماهم، يعرفون أهل النار بسواد وجوههم، وأهل الجنة ببياض وجوههم.
١٤٧٢٤- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (يعرفون كلا بسيماهم)، يعرفون أهل النار بسواد وجوههم، وأهل الجنة ببياض وجوههم.
١٤٧٢٥- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم)، قال: أهل الجنة بسيماهم. بيض الوجوه = وأهل النار بسيماهم، سود الوجوه. قال: وقوله (يعرفون كلا بسيماهم)، قال: أصحاب الجنة وأصحاب النار ="ونادوا أصحاب الجنة"، قال: حين رأوا وجوههم قد ابيضت.
١٤٧٢٦- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: (يعرفون كلا بسيماهم)، قال: بسواد الوجوه.
١٤٧٢٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن مبارك، عن
١٤٧٢٢- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك في قوله: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم)، زعموا أن أصحاب الأعراف رجال من أهل الذنوب، أصابوا ذنوبًا، وكان حَسْم أمرهم لله، فجعلهم الله على الأعراف. فإذا نظروا إلى أهل النار عرفوهم بسواد الوجوه، فتعوذوا بالله من النار. وإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوهم:"أن سلام عليكم"، قال الله: (لم يدخلوها وهم يطمعون). قال: وهذا قول ابن عباس.
١٤٧٢٣- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (يعرفون كلا بسيماهم)، يعرفون الناس بسيماهم، يعرفون أهل النار بسواد وجوههم، وأهل الجنة ببياض وجوههم.
١٤٧٢٤- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (يعرفون كلا بسيماهم)، يعرفون أهل النار بسواد وجوههم، وأهل الجنة ببياض وجوههم.
١٤٧٢٥- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم)، قال: أهل الجنة بسيماهم. بيض الوجوه = وأهل النار بسيماهم، سود الوجوه. قال: وقوله (يعرفون كلا بسيماهم)، قال: أصحاب الجنة وأصحاب النار ="ونادوا أصحاب الجنة"، قال: حين رأوا وجوههم قد ابيضت.
١٤٧٢٦- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: (يعرفون كلا بسيماهم)، قال: بسواد الوجوه.
١٤٧٢٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن مبارك، عن
463
الحسن: (بسيماهم)، قال: بسواد الوجوه وزرقة العيون.
* * *
و"السيماء"، العلامة الدالة على الشيء، في كلام العرب. وأصله من"السِّمَة"، نقلت واوها التي هي فاء الفعل، إلى موضع العين، كما يقال:"اضمحلّ" و"امضحلّ". وذكر سماعًا عن بعض بني عقيل:"هي أرض خامة"، يعني"وَخِمة". ومنه قولهم:"له جاه عند الناس"، بمعنى"وجه"، نقلت واوه إلى موضع عين الفعل. (١) وفيها لغات ثلاث:"سيما" مقصورة، و"سيماء"، ممدودة، و"سيمياء"، بزيادة ياء أخرى بعد الميم فيها، ومدها، على مثال"الكبرياء"، (٢) كما قال الشاعر: (٣)
* * *
وأما قوله: (ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون)، أي: حلت عليهم أمنة الله من عقابه وأليم عذابه. (٥)
* * *
واختلف أهل التأويل في المعنيّ بقوله: (لم يدخلوها وهم يطمعون).
فقال بعضهم: هذا خبر من الله عن أهل الأعراف: أنهم قالوا لأهل الجنة ما قالوا قبل دخول أصحاب الأعراف، غير أنهم قالوه وهم يطمعون في دخولها.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٢٨- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: أهل الأعراف يعرفون الناسَ، فإذا مرُّوا عليهم
* * *
و"السيماء"، العلامة الدالة على الشيء، في كلام العرب. وأصله من"السِّمَة"، نقلت واوها التي هي فاء الفعل، إلى موضع العين، كما يقال:"اضمحلّ" و"امضحلّ". وذكر سماعًا عن بعض بني عقيل:"هي أرض خامة"، يعني"وَخِمة". ومنه قولهم:"له جاه عند الناس"، بمعنى"وجه"، نقلت واوه إلى موضع عين الفعل. (١) وفيها لغات ثلاث:"سيما" مقصورة، و"سيماء"، ممدودة، و"سيمياء"، بزيادة ياء أخرى بعد الميم فيها، ومدها، على مثال"الكبرياء"، (٢) كما قال الشاعر: (٣)
غُلامٌ رَمَاهُ الله بِالحُسْنِ إذْ رَمَى | لَهُ سِيمِيَاءُ لا تَشُقُّ عَلَى البَصَرْ (٤) |
وأما قوله: (ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون)، أي: حلت عليهم أمنة الله من عقابه وأليم عذابه. (٥)
* * *
واختلف أهل التأويل في المعنيّ بقوله: (لم يدخلوها وهم يطمعون).
فقال بعضهم: هذا خبر من الله عن أهل الأعراف: أنهم قالوا لأهل الجنة ما قالوا قبل دخول أصحاب الأعراف، غير أنهم قالوه وهم يطمعون في دخولها.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٢٨- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: أهل الأعراف يعرفون الناسَ، فإذا مرُّوا عليهم
(١) انظر ((جاه)) فيما سلف ٦: ٤١٥.
(٢) انظر تفسير ((سيما)) فيما سلف ٥: ٥٩٤ - ٥٩٧ /٧: ١٨٩، ١٩٠.
(٣) هو أسيد بن عنقاء الفزاري.
(٤) سلف البيت وتخريجه فيما سلف ٥: ٥٩٥ /٧: ١٨٩.
(٥) انظر تفسير ((سلام)) فيما سلف ص: ١١٤، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير ((سيما)) فيما سلف ٥: ٥٩٤ - ٥٩٧ /٧: ١٨٩، ١٩٠.
(٣) هو أسيد بن عنقاء الفزاري.
(٤) سلف البيت وتخريجه فيما سلف ٥: ٥٩٥ /٧: ١٨٩.
(٥) انظر تفسير ((سلام)) فيما سلف ص: ١١٤، تعليق: ١، والمراجع هناك.
464
بزُمْرة يُذْهب بها إلى الجنة قالوا:"سلام عليكم". يقول الله لأهل الأعراف: لم يدخلوها، وهم يطمعون أن يدخلوها.
١٤٧٢٩- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال، تلا الحسن: (لم يدخلوها وهم يطمعون)، قال: والله ما جعل ذلك الطمع في قلوبهم، إلا لكرامة يريدها بهم.
١٤٧٣٠- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (لم يدخلوها وهم يطمعون)، قال: أنبأكم الله بمكانهم من الطمع.
١٤٧٣١- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن أبي بكر الهذلي قال، قال سعيد بن جبير، وهو يحدث ذلك عن ابن مسعود قال: أما أصحاب الأعراف، فإن النور كان في أيديهم، فانتزع من أيديهم، (١) يقول الله: (لم يدخلوها وهم يطمعون)، قال: في دخولها. قال ابن عباس: فأدخل الله أصحاب الأعراف الجنة.
١٤٧٣٢- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة وعطاء: (لم يدخلوها وهم يطمعون)، قالا في دخولها.
* * *
وقال آخرون: إنما عني بذلك أهلَ الجنة، وأن أصحاب الأعراف يقولون لهم قبل أن يدخلوا الجنة:"سلام عليكم"، وأهل الجنة يطمعون أن يدخلوها، ولم يدخلوها بعدُ.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٣٣- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا وكيع قال، حدثنا جرير، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز: (ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون)، قال: الملائكة، يعرفون الفريقين جميعًا بسيماهم. وهذا قبل أن
١٤٧٢٩- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال، تلا الحسن: (لم يدخلوها وهم يطمعون)، قال: والله ما جعل ذلك الطمع في قلوبهم، إلا لكرامة يريدها بهم.
١٤٧٣٠- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (لم يدخلوها وهم يطمعون)، قال: أنبأكم الله بمكانهم من الطمع.
١٤٧٣١- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن أبي بكر الهذلي قال، قال سعيد بن جبير، وهو يحدث ذلك عن ابن مسعود قال: أما أصحاب الأعراف، فإن النور كان في أيديهم، فانتزع من أيديهم، (١) يقول الله: (لم يدخلوها وهم يطمعون)، قال: في دخولها. قال ابن عباس: فأدخل الله أصحاب الأعراف الجنة.
١٤٧٣٢- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة وعطاء: (لم يدخلوها وهم يطمعون)، قالا في دخولها.
* * *
وقال آخرون: إنما عني بذلك أهلَ الجنة، وأن أصحاب الأعراف يقولون لهم قبل أن يدخلوا الجنة:"سلام عليكم"، وأهل الجنة يطمعون أن يدخلوها، ولم يدخلوها بعدُ.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٣٣- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا وكيع قال، حدثنا جرير، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز: (ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون)، قال: الملائكة، يعرفون الفريقين جميعًا بسيماهم. وهذا قبل أن
(١) في المطبوعة: ((ما انتزع))، والصواب من المخطوطة.
465
يدخل أهل الجنة الجنة، أصحاب الأعراف ينادون أصحابَ الجنة: أنْ سلام عليكم، لم يدخلوها وهم يطمعون في دخولها.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٧) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإذا صرفت أبصارُ أصحاب الأعراف تلقاء أصحاب النار = يعني: حِيالَهم ووِجاههم = فنظروا إلى تشويه الله لهم = (قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين)، الذين ظلموا أنفسهم، فأكسبوها من سخطك ما أورثهم من عذابك ما هم فيه.
١٤٧٣٤- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: وإذا مروا بهم = يعني بأصحاب الأعراف = بزمرة يُذهب بها إلى النار، قالوا: (ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين).
١٤٧٣٥- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: إن أصحاب الأعراف إذا نظروا إلى أهل النار وعرفوهم، قالوا: (ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين).
١٤٧٣٦- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبي مكين، عن أخيه، عن عكرمة: (وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار)، قال: تحرد وجوههم للنار، فإذا رأوا أهل الجنة ذهبَ ذلك عنهم. (١)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٧) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإذا صرفت أبصارُ أصحاب الأعراف تلقاء أصحاب النار = يعني: حِيالَهم ووِجاههم = فنظروا إلى تشويه الله لهم = (قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين)، الذين ظلموا أنفسهم، فأكسبوها من سخطك ما أورثهم من عذابك ما هم فيه.
١٤٧٣٤- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: وإذا مروا بهم = يعني بأصحاب الأعراف = بزمرة يُذهب بها إلى النار، قالوا: (ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين).
١٤٧٣٥- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: إن أصحاب الأعراف إذا نظروا إلى أهل النار وعرفوهم، قالوا: (ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين).
١٤٧٣٦- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبي مكين، عن أخيه، عن عكرمة: (وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار)، قال: تحرد وجوههم للنار، فإذا رأوا أهل الجنة ذهبَ ذلك عنهم. (١)
(١) الأثر: ١٤٧٣٦ - ((أبو مكين))، هو ((نوح بن ربيعة الأنصاري))، مضى برقم: ٩٧٤٢ - ٩٨٣٩. وكان وكيع يهم فيقول: ((أبو مكين)) هو ((نوح بن أبان))، أخو ((الحكم بن أبان))، ونبهوا على هذا الوهم. انظر ترجمة ((نوح بن ربيعة)) في التهذيب وابن أبي حاتم ٤ / ١ / ٤٨٢.
وأخوه، يعني وكيع: ((الحكم بن أبان العدني))، وهو يروي عن طاوس وعكرمة، ثقة مترجم في التهذيب، والكبير ١ / ٢ / ٣٣٤، وابن أبي حاتم ١ / ٢ /١١٣.
وأخوه، يعني وكيع: ((الحكم بن أبان العدني))، وهو يروي عن طاوس وعكرمة، ثقة مترجم في التهذيب، والكبير ١ / ٢ / ٣٣٤، وابن أبي حاتم ١ / ٢ /١١٣.
١٤٧٣٧- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، ابن زيد في قوله: (وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار)، فرأوا وجوههم مسودّة، وأعينهم مزرقّة، = (قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين).
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الأعْرَافِ رِجَالا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (٤٨) ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: (ونادى أصحاب الأعراف رجالا)، من أهل الأرض = (يعرفونهم بسيماهم)، سيما أهل النار = (قالوا ما أغنى عنكم جمعكم)، ما كنتم تجمعون من الأموال والعَدَد في الدنيا = (وما كنتم تستكبرون)، يقول: وتكبُّركم الذي كنتم تتكبرون فيها، (١) كما:
١٤٧٣٨- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال، فمرّ بهم = يعني بأصحاب الأعراف = ناس من الجبَّارين عرفوهم بسيماهم. قال: يقول: قال أصحاب الأعراف: (ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون).
١٤٧٣٩- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (ونادى أصحاب الأعراف رجالا)، قال: في النار = (يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الأعْرَافِ رِجَالا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (٤٨) ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: (ونادى أصحاب الأعراف رجالا)، من أهل الأرض = (يعرفونهم بسيماهم)، سيما أهل النار = (قالوا ما أغنى عنكم جمعكم)، ما كنتم تجمعون من الأموال والعَدَد في الدنيا = (وما كنتم تستكبرون)، يقول: وتكبُّركم الذي كنتم تتكبرون فيها، (١) كما:
١٤٧٣٨- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال، فمرّ بهم = يعني بأصحاب الأعراف = ناس من الجبَّارين عرفوهم بسيماهم. قال: يقول: قال أصحاب الأعراف: (ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون).
١٤٧٣٩- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (ونادى أصحاب الأعراف رجالا)، قال: في النار = (يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم
(١) انظر تفسير ((الاستكبار)) فيما سلف ١١: ٥٤٠ / ١٢: ٤٢١.
467
وما كنتم تستكبرون)، وتكبركم. (١)
١٤٧٤٠- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز: (ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون)، قال: هذا حين دخل أهل الجنةِ الجنةَ، = (أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة)، الآية، قلت لأبي مجلز: عن ابن عباس؟ قال: لا بل عن غيره.
١٤٧٤١- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز: (ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم)، قال: نادت الملائكة رجالا في النار يعرفونهم بسيماهم = (ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون. أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة)، قال: هذا حين دخل أهل الجنةِ الجنةَ = (ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون).
١٤٧٤٢- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم)، فالرجال، عظماء من أهل الدنيا. قال: فبهذه الصفة عرَف أهلُ الأعراف أهلَ الجنة من أهل النار. وإنما ذكر هذا حين يذهب رئيس أهل الخير ورئيس أهل الشر يوم القيامة = قال: وقال ابن زيد في قوله: (ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون)، قال: على أهل طاعة الله.
* * *
١٤٧٤٠- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز: (ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون)، قال: هذا حين دخل أهل الجنةِ الجنةَ، = (أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة)، الآية، قلت لأبي مجلز: عن ابن عباس؟ قال: لا بل عن غيره.
١٤٧٤١- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز: (ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم)، قال: نادت الملائكة رجالا في النار يعرفونهم بسيماهم = (ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون. أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة)، قال: هذا حين دخل أهل الجنةِ الجنةَ = (ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون).
١٤٧٤٢- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم)، فالرجال، عظماء من أهل الدنيا. قال: فبهذه الصفة عرَف أهلُ الأعراف أهلَ الجنة من أهل النار. وإنما ذكر هذا حين يذهب رئيس أهل الخير ورئيس أهل الشر يوم القيامة = قال: وقال ابن زيد في قوله: (ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون)، قال: على أهل طاعة الله.
* * *
(١) في المطبوعة: ((... جميعكم وتكبركم وما كنتم تستكبرون))، وهو كذلك في المخطوطة، إلا أنه فوق ((وتكبركم)) حرف (م) دلالة على أنه مقدم عن مكانه، فرددته إلى الأصل، وهو الصواب.
468
القول في تأويل قوله: ﴿أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٤٩) ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في المعنيِّين بهذا الكلام.
فقال بعضهم: هذا قِيل الله لأهل النار، توبيخًا على ما كان من قِيلهم في الدنيا، لأهل الأعراف، عند إدخاله أصحابَ الأعراف الجنة.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٤٣ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قال:"أصحاب الأعراف"، رجال كانت لهم ذنوب عظام، وكان حَسْم أمرهم لله، يقومون على الأعراف، فإذا نظروا إلى أهل الجنة طمعوا أن يدخلوها. وإذا نظروا إلى أهل النار تعوَّذوا بالله منها، فأدخلوا الجنة. فذلك قوله تعالى:"أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة"، يعني أصحابَ الأعراف="ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون".
١٤٧٤٤ - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك قال، قال ابن عباس: إن الله أدخل أصحابَ الأعراف الجنة لقوله:"ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون".
١٤٧٤٥ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: قال الله لأهل التكبر والأموال:"أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة"، يعني أصحاب الأعراف="ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون".
١٤٧٤٦ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"أهؤلاء"، الضعفاء="الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في المعنيِّين بهذا الكلام.
فقال بعضهم: هذا قِيل الله لأهل النار، توبيخًا على ما كان من قِيلهم في الدنيا، لأهل الأعراف، عند إدخاله أصحابَ الأعراف الجنة.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٤٣ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قال:"أصحاب الأعراف"، رجال كانت لهم ذنوب عظام، وكان حَسْم أمرهم لله، يقومون على الأعراف، فإذا نظروا إلى أهل الجنة طمعوا أن يدخلوها. وإذا نظروا إلى أهل النار تعوَّذوا بالله منها، فأدخلوا الجنة. فذلك قوله تعالى:"أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة"، يعني أصحابَ الأعراف="ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون".
١٤٧٤٤ - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك قال، قال ابن عباس: إن الله أدخل أصحابَ الأعراف الجنة لقوله:"ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون".
١٤٧٤٥ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: قال الله لأهل التكبر والأموال:"أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة"، يعني أصحاب الأعراف="ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون".
١٤٧٤٦ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"أهؤلاء"، الضعفاء="الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة
469
ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون"، قال: فقال حذيفة:"أصحاب الأعراف"، قوم تكافأت أعمالهم، فقصَّرت بهم حسناتهم عن الجنة، وقصَّرت بهم سيئاتهم عن النار، فجعلوا على الأعراف، يعرفون الناس بسيماهم. فلما قُضِي بين العباد، أذن لهم في طلب الشفاعة، فأتوا آدم عليه السلام، فقالوا: يا آدم، أنت أبونا فاشفع لنا عند ربك! فقال: هل تعلمون أحدًا خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وسبقت رحمته إليه غضبه، (١) وسجدت له الملائكة، غيري؟ فيقولون: لا! قال: فيقول: ما عملت فيه كُنْهَ ما أستطيع أن أشفع لكم، (٢) ولكن ائتوا ابني إبراهيم! قال: فيأتون إبراهيم عليه السلام فيسألونه أن يشفع لهم عند ربه، فيقول: هل تعلمون من أحدٍ اتخذه الله خليلا؟ هل تعلمون أحدًا أحرقه قومه في النار في الله، غيري؟ فيقولون: لا! فيقول: ما عملت كُنْهَ ما أستطيع أن أشفع لكم، (٣) ولكن ائتوا ابني موسى! فيأتون موسى عليه السلام، فيقول: هل تعلمون من أحد كلمه الله تكليمًا، وقرّبه نجيًّا، غيري؟ فيقولون: لا! فيقول: ما عملت فيه كُنْهَ ما أستطيع أن أشفع لكم، ولكن ائتوا عيسى! فيأتونه فيقولون: اشفع لنا عند ربك! فيقول: هل تعلمون أحدًا خلقه الله من غير أب، غيري؟ فيقولون: لا! فيقول: هل تعلمون من أحد كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله غيري؟ قال: فيقولون: لا! قال: فيقول: أنا حجيجُ نفسي، ما عملت فيه كُنْهَ ما أستطيع أن أشفع لكم، (٤) ولكن ائتوا محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيأتوني، فأضرب بيدي على صدري، ثم أقول: أنا لها! ثم أمشي حتى أقف بين يدي العرش، فأثني على ربي، فيفتح لي من الثناء ما لم يسمع السامعون بمثله قطُّ، ثم أسجد فيقال لي: يا محمد، ارفع رأسك، سل تُعطَه، واشفع تُشَفَّع! فأرفع رأسي فأقول: رب، أمتي! فيقال: هم لك، فلا يبقى نبي مرسل ولا ملك مقرَّب إلا غَبَطني يومئذ بذلك المقام، وهو المقام المحمود. قال: فآتي بهم باب الجنة، فأستفتح فيفتح لي ولهم، فيُذهب بهم إلى نهر يقال له"نهر الحيوان"، (٥) حافتاه قَصَب من ذهب مكلل باللؤلؤ، (٦) ترابه المسك، وحصباؤه الياقوت، فيغتسلون منه، فتعود إليهم ألوان أهل الجنة وريح أهل الجنة، (٧) ويصيرون كأنهم الكواكب الدرّية، ويبقى في صدورهم شامات بيض يعرفون بها، يقال لهم:"مساكين أهل الجنة".
١٤٧٤٧ - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك قال: إن الله أدخلهم بعد أصحاب الجنة، وهو قوله:"ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون"، يعني أصحاب الأعراف. وهذا قول ابن عباس.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام على هذا التأويل الذي ذكرنا عن ابن عباس، ومن ذكرنا قوله فيه=: قال الله لأهل التكبر عن الإقرار بوحدانية الله، والإذعان لطاعته وطاعة رسله، الجامعين في الدنيا الأموال مكاثرة ورياء: أيها الجبابرة
١٤٧٤٧ - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك قال: إن الله أدخلهم بعد أصحاب الجنة، وهو قوله:"ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون"، يعني أصحاب الأعراف. وهذا قول ابن عباس.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام على هذا التأويل الذي ذكرنا عن ابن عباس، ومن ذكرنا قوله فيه=: قال الله لأهل التكبر عن الإقرار بوحدانية الله، والإذعان لطاعته وطاعة رسله، الجامعين في الدنيا الأموال مكاثرة ورياء: أيها الجبابرة
(١) في المطبوعة: "رحمة الله إليه غضبه"، وأثبت ما في المخطوطة.
(٢) "كنه الشيء" قدره ونهايته وغايته وحقيقته، يريد: ما عملت ما يبلغ بي مرتبة الشفاعة لكم. وفي المطبوعة: "ما علمت"، وأثبت ما في المخطوطة. وفي تفسير ابن كثير، نقلا عن هذا الموضع من التفسير: "ما علمت كنهه ما أستطيع"، والصواب ما في مخطوطة الطبري.
(٣) في المطبوعة هنا أيضًا: "ما علمت"، وأثبت ما في المخطوطة. وفي المخطوطة: "ما عملت فيه ما أستطيع"، بإسقاط"كنه" سهوًا من الناسخ على الأرجح.
(٤) في المطبوعة: "ما علمت كنه ما أستطيع"، وأثبت ما في المخطوطة، كما ذكرت في التعليقين السالفين.
(٥) في المطبوعة: "نهر الحياة"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو المطابق لما في تفسير ابن كثير.
(٦) "القصب" أنابيب مستطيلة مجوفة من الجوهر، أو الذهب أو الفضة. وكان في المطبوعة كما سلف آنفًا ص: ٤٥٥، تعليق: ١، "قضب" بالضاد، وأثبت ما في المخطوطة، وغيرها من المراجع
(٧) في المخطوطة: "وريح"، بإسقاط"أهل الجنة". وفي المطبوعة: "وريحهم"، وأثبت ما في تفسير ابن كثير ٣: ٤٨٥، نقلا عن هذا الموضع من تفسير الطبري.
(٢) "كنه الشيء" قدره ونهايته وغايته وحقيقته، يريد: ما عملت ما يبلغ بي مرتبة الشفاعة لكم. وفي المطبوعة: "ما علمت"، وأثبت ما في المخطوطة. وفي تفسير ابن كثير، نقلا عن هذا الموضع من التفسير: "ما علمت كنهه ما أستطيع"، والصواب ما في مخطوطة الطبري.
(٣) في المطبوعة هنا أيضًا: "ما علمت"، وأثبت ما في المخطوطة. وفي المخطوطة: "ما عملت فيه ما أستطيع"، بإسقاط"كنه" سهوًا من الناسخ على الأرجح.
(٤) في المطبوعة: "ما علمت كنه ما أستطيع"، وأثبت ما في المخطوطة، كما ذكرت في التعليقين السالفين.
(٥) في المطبوعة: "نهر الحياة"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو المطابق لما في تفسير ابن كثير.
(٦) "القصب" أنابيب مستطيلة مجوفة من الجوهر، أو الذهب أو الفضة. وكان في المطبوعة كما سلف آنفًا ص: ٤٥٥، تعليق: ١، "قضب" بالضاد، وأثبت ما في المخطوطة، وغيرها من المراجع
(٧) في المخطوطة: "وريح"، بإسقاط"أهل الجنة". وفي المطبوعة: "وريحهم"، وأثبت ما في تفسير ابن كثير ٣: ٤٨٥، نقلا عن هذا الموضع من تفسير الطبري.
470
كانوا في الدنيا، (١) أهؤلاء الضعفاء الذين كنتم في الدنيا أقسمتم لا ينالهم الله برحمة؟ قال: قد غفرت لهم ورحمتهم بفضلي ورحمتي، ادخلوا يا أصحاب الأعراف الجنة لا خوف عليكم بعدها من عقوبة تعاقبون بها على ما سلف منكم في الدنيا من الآثام والإجرام، ولا أنتم تحزنون على شيء فاتكم في دنياكم.
* * *
وقال أبو مجلز: بل هذا القول خبر من الله عن قيل الملائكة لأهل النار، بعد ما دخلوا النار، تعييرًا منهم لهم على ما كانوا يقولون في الدنيا للمؤمنين الذين أدخلهم الله يوم القيامة جنته. وأما قوله:"ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون"، فخبر من الله عن أمره أهل الجنة بدخولها.
١٤٧٤٨ - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز قال: نادت الملائكة رجالا في النار يعرفونهم بسيماهم:"ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون * أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة"، قال: فهذا حين يدخل أهل الجنة الجنةَ ="ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون".
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (٥٠) ﴾
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن استغاثة أهل النار بأهل الجنة، عند نزول عظيم البلاء بهم من شدة العطش والجوع، عقوبةً من الله لهم
* * *
وقال أبو مجلز: بل هذا القول خبر من الله عن قيل الملائكة لأهل النار، بعد ما دخلوا النار، تعييرًا منهم لهم على ما كانوا يقولون في الدنيا للمؤمنين الذين أدخلهم الله يوم القيامة جنته. وأما قوله:"ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون"، فخبر من الله عن أمره أهل الجنة بدخولها.
١٤٧٤٨ - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز قال: نادت الملائكة رجالا في النار يعرفونهم بسيماهم:"ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون * أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة"، قال: فهذا حين يدخل أهل الجنة الجنةَ ="ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون".
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (٥٠) ﴾
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن استغاثة أهل النار بأهل الجنة، عند نزول عظيم البلاء بهم من شدة العطش والجوع، عقوبةً من الله لهم
(١) في المطبوعة: "أيها الجبابرة الذين كانوا في الدنيا"، زاد"الذين"، وليست في المخطوطة، والذي في المخطوطة حق الصواب.
472
على ما سلف منهم في الدنيا من ترك طاعة الله، وأداء ما كان فرض عليهم فيها في أموالهم من حقوق المساكين من الزكاة والصدقة.
يقول تعالى ذكره:"ونادى أصحاب النار"، بعد ما دخلوها="أصحاب الجنة"، بعد ما سكنوها="أن"، يا أهل الجنة="أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله"، أي: أطعمونا مما رزقكم الله من الطعام، كما:-
١٤٧٤٩ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله"، قال: من الطعام.
١٤٧٥٠ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله"، قال: يستطعمونهم ويستسقونهم.
* * *
= فأجابهم أهل الجنة، إن الله حرم الماء والطعام على الذين جحدوا توحيده، وكذبوا في الدنيا رسله.
* * *
و"الهاء والميم" في قوله:"إن الله حرّمهما"، عائدتان على"الماء" وعلى"ما" التي في قوله:"أو مما رزقكم الله".
* * *
وبنحو ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٥١ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن عثمان الثقفي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:"ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله"، قال: ينادي الرجلُ أخاه أو أباه،
يقول تعالى ذكره:"ونادى أصحاب النار"، بعد ما دخلوها="أصحاب الجنة"، بعد ما سكنوها="أن"، يا أهل الجنة="أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله"، أي: أطعمونا مما رزقكم الله من الطعام، كما:-
١٤٧٤٩ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله"، قال: من الطعام.
١٤٧٥٠ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله"، قال: يستطعمونهم ويستسقونهم.
* * *
= فأجابهم أهل الجنة، إن الله حرم الماء والطعام على الذين جحدوا توحيده، وكذبوا في الدنيا رسله.
* * *
و"الهاء والميم" في قوله:"إن الله حرّمهما"، عائدتان على"الماء" وعلى"ما" التي في قوله:"أو مما رزقكم الله".
* * *
وبنحو ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٥١ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن عثمان الثقفي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:"ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله"، قال: ينادي الرجلُ أخاه أو أباه،
473
فيقول:"قد احترقت، أفض عليَّ من الماء! "، فيقال لهم: أجيبوهم! فيقولون:"إن الله حرمهما على الكافرين"
١٤٧٥٢ - وحدثني المثنى قال، حدثنا ابن دكين قال، حدثنا سفيان، عن عثمان، عن سعيد بن جبير:"ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله"، قال: ينادي الرجل أخاه: يا أخي، قد احترقتُ فأغثني! فيقول:"إن الله حرمهما على الكافرين". (١)
١٤٧٥٣ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"قالوا إن الله حرمهما على الكافرين"، قال: طعامُ أهل الجنة وشرابُها.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (٥١) ﴾
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله عن قِيل أهل الجنة للكافرين.
يقول تعالى ذكره: فأجاب أهلُ الجنة أهلَ النار:"إن الله حرمهما على الكافرين" الذين كفروا بالله ورسله، الذين اتخذوا دينهم الذي أمرهم الله به لهوًا ولعبا، يقول: سخرية ولعبًا. (٢)
وروي عن ابن عباس في ذلك ما:-
١٤٧٥٢ - وحدثني المثنى قال، حدثنا ابن دكين قال، حدثنا سفيان، عن عثمان، عن سعيد بن جبير:"ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله"، قال: ينادي الرجل أخاه: يا أخي، قد احترقتُ فأغثني! فيقول:"إن الله حرمهما على الكافرين". (١)
١٤٧٥٣ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"قالوا إن الله حرمهما على الكافرين"، قال: طعامُ أهل الجنة وشرابُها.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (٥١) ﴾
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله عن قِيل أهل الجنة للكافرين.
يقول تعالى ذكره: فأجاب أهلُ الجنة أهلَ النار:"إن الله حرمهما على الكافرين" الذين كفروا بالله ورسله، الذين اتخذوا دينهم الذي أمرهم الله به لهوًا ولعبا، يقول: سخرية ولعبًا. (٢)
وروي عن ابن عباس في ذلك ما:-
(١) الأثر: ١٤٧٥٢ -"ابن دكين"، هو"الفضل بن دكين التيمي"، مضى مرارًا، منها: ٢٥٥٤، ٣٠٣٥، ٨٥٣٥.
(٢) انظر تفسير"اللهو" فيما سلف ١١: ٤٤١.
= وتفسير"اللعب" فيما سلف ١١: ٤٤١، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير"اللهو" فيما سلف ١١: ٤٤١.
= وتفسير"اللعب" فيما سلف ١١: ٤٤١، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
474
١٤٧٥٤ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس في قوله:"الذين اتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا"، الآية، قال: وذلك أنهم كانوا إذا دُعوا إلى الإيمان سخِروا ممن دعاهم إليه وهزؤوا به، اغترارًا بالله.
* * *
="وغرتهم الحياة الدنيا"، يقول: وخدعهم عاجلُ ما هم فيه من العيش والخفض والدَّعة، عن الأخذ بنصيبهم من الآخرة، حتى أتتهم المنية (١) = يقول الله جل ثناؤه:"فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا"، أي ففي هذا اليوم، وذلك يوم القيامة ="ننساهم"، يقول: نتركهم في العذاب المبين جياعًا عطاشًا بغير طعام ولا شراب، كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا، ورفضوا الاستعداد له بإتعاب أبدانهم في طاعة الله.
* * *
وقد بينا معنى قوله:"ننساهم"، بشواهده فيما مضى، بما أغنى عن إعادته. (٢)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٥٥ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد: "فاليوم ننساهم"، قال: نسوا في العذاب.
١٤٧٥٦ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"فاليوم ننساهم"، قال: نتركهم كما تركوا لقاء يومهم هذا.
١٤٧٥٧ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"ننساهم"، قال: نتركهم في النار.
* * *
="وغرتهم الحياة الدنيا"، يقول: وخدعهم عاجلُ ما هم فيه من العيش والخفض والدَّعة، عن الأخذ بنصيبهم من الآخرة، حتى أتتهم المنية (١) = يقول الله جل ثناؤه:"فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا"، أي ففي هذا اليوم، وذلك يوم القيامة ="ننساهم"، يقول: نتركهم في العذاب المبين جياعًا عطاشًا بغير طعام ولا شراب، كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا، ورفضوا الاستعداد له بإتعاب أبدانهم في طاعة الله.
* * *
وقد بينا معنى قوله:"ننساهم"، بشواهده فيما مضى، بما أغنى عن إعادته. (٢)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٥٥ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد: "فاليوم ننساهم"، قال: نسوا في العذاب.
١٤٧٥٦ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"فاليوم ننساهم"، قال: نتركهم كما تركوا لقاء يومهم هذا.
١٤٧٥٧ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"ننساهم"، قال: نتركهم في النار.
(١) انظر تفسير"الغرور" فيما سلف ص: ٣٥١، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير"النسيان" فيما سلف ١١: ٣٥٧، تعليق: ٣، والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير"النسيان" فيما سلف ١١: ٣٥٧، تعليق: ٣، والمراجع هناك.
475
١٤٧٥٨ - حدثني المثتي قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس:"فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا"، قال: نتركهم من الرحمة، كما تركوا أن يعملوا للقاء يومهم هذا.
١٤٧٥٩ - حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا"، الآية، يقول: نسيهم الله من الخير، ولم ينسهم من الشرّ.
١٤٧٦٠ - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، سمعت مجاهدًا في قوله:"فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا"، قال: نؤخرهم في النار.
* * *
وأما قوله:"وما كانوا بآياتنا يجحدون"، فإن معناه:"اليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا"، وكما كانوا بآياتنا يجحدون.
* * *
فـ"ما" التي في قوله:"وما كانوا" معطوفة على"ما" التي في قوله:"كما نسوا".
* * *
قال أبو جعفر: وتأويل الكلام: فاليوم نتركهم في العذاب، كما تركوا العمل في الدنيا للقاء الله يوم القيامة، وكما كانوا بآيات الله يجحدون = وهي حججه التي احتج بها عليهم، من الأنبياء والرسل والكتب وغير ذلك (١)
="يجحدون"، يكذبون ولا يصدقون بشيء من ذلك. (٢)
* * *
١٤٧٥٩ - حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا"، الآية، يقول: نسيهم الله من الخير، ولم ينسهم من الشرّ.
١٤٧٦٠ - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، سمعت مجاهدًا في قوله:"فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا"، قال: نؤخرهم في النار.
* * *
وأما قوله:"وما كانوا بآياتنا يجحدون"، فإن معناه:"اليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا"، وكما كانوا بآياتنا يجحدون.
* * *
فـ"ما" التي في قوله:"وما كانوا" معطوفة على"ما" التي في قوله:"كما نسوا".
* * *
قال أبو جعفر: وتأويل الكلام: فاليوم نتركهم في العذاب، كما تركوا العمل في الدنيا للقاء الله يوم القيامة، وكما كانوا بآيات الله يجحدون = وهي حججه التي احتج بها عليهم، من الأنبياء والرسل والكتب وغير ذلك (١)
="يجحدون"، يكذبون ولا يصدقون بشيء من ذلك. (٢)
* * *
(١) انظر تفسير"الآية" فيما سلف من فهارس اللغة (أيي).
(٢) انظر تفسير"الجحد" فيما سلف ١١: ٣٣٤.
(٢) انظر تفسير"الجحد" فيما سلف ١١: ٣٣٤.
476
القول في تأويل قوله: ﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أقسم، يا محمد، لقد جئنا هؤلاء الكفرة بكتاب = يعني القرآن الذي أنزله إليه. يقول: لقد أنزلنا إليهم هذا القرآن، مفصَّلا مبيَّنًا فيه الحق من الباطل ="على علم"، يقول: على علم منا بحقِّ ما فُصِّل فيه، من الباطل الذي مَيَّز فيه بينه وبين الحق (١) = "هدى ورحمة"، يقول: بيناه ليُهْدَى ويُرْحَم به قومٌ يصدقون به، وبما فيه من أمر الله ونهيه، وأخباره، ووعده ووعيده، فينقذهم به من الضلالة إلى الهدى.
وهذه الآية مردودة على قوله: (كِتَابٌ أُنزلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) [سورة الأعراف ٢] ="ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم".
* * *
و"الهدى" في موضع نصب على القطع من"الهاء" التي في قوله:"فصلناه"، (٢) ولو نصب على فعل"فصلناه"، (٣) فيكون المعنى: فصلنا الكتاب كذلك = كان صحيحًا.
ولو قرئ:"هدى ورحمةٍ" كان في الإعراب فصيحًا، وكان خفض ذلك بالردِّ على"الكتاب". (٤)
* * *
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أقسم، يا محمد، لقد جئنا هؤلاء الكفرة بكتاب = يعني القرآن الذي أنزله إليه. يقول: لقد أنزلنا إليهم هذا القرآن، مفصَّلا مبيَّنًا فيه الحق من الباطل ="على علم"، يقول: على علم منا بحقِّ ما فُصِّل فيه، من الباطل الذي مَيَّز فيه بينه وبين الحق (١) = "هدى ورحمة"، يقول: بيناه ليُهْدَى ويُرْحَم به قومٌ يصدقون به، وبما فيه من أمر الله ونهيه، وأخباره، ووعده ووعيده، فينقذهم به من الضلالة إلى الهدى.
وهذه الآية مردودة على قوله: (كِتَابٌ أُنزلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) [سورة الأعراف ٢] ="ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم".
* * *
و"الهدى" في موضع نصب على القطع من"الهاء" التي في قوله:"فصلناه"، (٢) ولو نصب على فعل"فصلناه"، (٣) فيكون المعنى: فصلنا الكتاب كذلك = كان صحيحًا.
ولو قرئ:"هدى ورحمةٍ" كان في الإعراب فصيحًا، وكان خفض ذلك بالردِّ على"الكتاب". (٤)
* * *
(١) انظر تفسير"التفصيل" فيما سلف ص: ٤٠٢، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٢) "القطع"، الحال، وانظر فهارس المصطلحات.
(٣) نصبه على"الفعل"، أي: هو مفعول مطلق، من غير فعله، كأنه قال: فصلناه تفصيلا.
(٤) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٨٠.
(٢) "القطع"، الحال، وانظر فهارس المصطلحات.
(٣) نصبه على"الفعل"، أي: هو مفعول مطلق، من غير فعله، كأنه قال: فصلناه تفصيلا.
(٤) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٨٠.
القول في تأويل قوله: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره:"هل ينظرون إلا تأويله"، هل ينتظر هؤلاء المشركون الذين يكذبون بآيات الله ويجحدون لقاءه ="إلا تأويله"، يقول: إلا ما يؤول إليه أمرهم، من ورودهم على عذاب الله، وصِلِيِّهم جحيمه، وأشباه هذا مما أوعدهم الله به.
* * *
وقد بينا معنى"التأويل" فيما مضى بشواهده، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (١)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٦١ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"هل ينظرون إلا تأويله"، أي: ثوابه ="يوم يأتي تأويله"، أي ثوابه.
١٤٧٦٢ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة:"هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله"، قال:"تأويله"، عاقبته.
١٤٧٦٣ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره:"هل ينظرون إلا تأويله"، هل ينتظر هؤلاء المشركون الذين يكذبون بآيات الله ويجحدون لقاءه ="إلا تأويله"، يقول: إلا ما يؤول إليه أمرهم، من ورودهم على عذاب الله، وصِلِيِّهم جحيمه، وأشباه هذا مما أوعدهم الله به.
* * *
وقد بينا معنى"التأويل" فيما مضى بشواهده، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (١)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٦١ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"هل ينظرون إلا تأويله"، أي: ثوابه ="يوم يأتي تأويله"، أي ثوابه.
١٤٧٦٢ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة:"هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله"، قال:"تأويله"، عاقبته.
١٤٧٦٣ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن
(١) انظر تفسير"التأويل" فيما سلف ٦: ١٩٩ - ٢٠٦/ ٨: ٥٠٦.
478
أبي نجيح: عن مجاهد،"هل ينظرون إلا تأويله"، قال: جزاءه ="يوم يأتي تأويله"، قال: جزاؤه.
١٤٧٦٤ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن أبي زائدة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٤٧٦٥ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"هل ينظرون إلا تأويله"، أما"تأويله"، فعواقبه، مثل وقعة بدر، والقيامة، وما وعد فيها من موعد. (١)
١٤٧٦٦ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس في قوله:"هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق"، فلا يزال يقع من تأويله أمرٌ بعد أمر، حتى يتم تأويله يوم القيامة، ففي ذلك أنزل:"هل ينظرون إلا تأويله"، حيث أثابَ الله تبارك وتعالى أولياءَه وأعداءه ثواب أعمالهم. يقول يومئذ الذين نسوه من قبل:"قد جاءت رسل ربنا بالحق"، الآية.
١٤٧٦٧ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله"، قال: يوم القيامة.
١٤٧٦٨ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"يوم يأتي تأويله"، قال: يوم يأتي حقيقته، (٢) وقرأ قول الله تعالى: (هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ)، [سورة يوسف: ١٠٠]. قال: هذا تحقيقها. وقرأ قول الله: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ)
، [سورة آل عمران: ٧]، قال: ما يعلم
١٤٧٦٤ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن أبي زائدة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٤٧٦٥ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"هل ينظرون إلا تأويله"، أما"تأويله"، فعواقبه، مثل وقعة بدر، والقيامة، وما وعد فيها من موعد. (١)
١٤٧٦٦ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس في قوله:"هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق"، فلا يزال يقع من تأويله أمرٌ بعد أمر، حتى يتم تأويله يوم القيامة، ففي ذلك أنزل:"هل ينظرون إلا تأويله"، حيث أثابَ الله تبارك وتعالى أولياءَه وأعداءه ثواب أعمالهم. يقول يومئذ الذين نسوه من قبل:"قد جاءت رسل ربنا بالحق"، الآية.
١٤٧٦٧ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله"، قال: يوم القيامة.
١٤٧٦٨ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"يوم يأتي تأويله"، قال: يوم يأتي حقيقته، (٢) وقرأ قول الله تعالى: (هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ)، [سورة يوسف: ١٠٠]. قال: هذا تحقيقها. وقرأ قول الله: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ)
، [سورة آل عمران: ٧]، قال: ما يعلم
(١) في المطبوعة: "وما وعد فيه" وأثبت ما في المخطوطة.
(٢) في المطبوعة: "يوم يأتي تحقيقه" وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب محض.
(٢) في المطبوعة: "يوم يأتي تحقيقه" وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب محض.
479
حقيقته ومتى يأتي، إلا الله تعالى
* * *
وأما قوله:"يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل"، فإن معناه: يوم يجيء ما يؤول إليه أمرهم من عقاب الله ="يقول الذين نسوه من قبل"، أي: يقول الذين ضيَّعوا وتركوا ما أمروا به من العمل المنجيهم مما آل إليه أمرهم يومئذ من العذاب، من قبل ذلك في الدنيا ="لقد جاءت رسل ربنا بالحق"، أقسم المساكين حين عاينوا البلاءَ وحلّ بهم العقاب: أنّ رسل الله التي أتتهم بالنِّذارة وبلغتهم عن الله الرسالة، (١) قد كانت نصحت لهم وصَدَقتهم عن الله، وذلك حين لا ينفعهم التصديق. ولا ينجيهم من سَخَط الله وأليم عقابه كثرة القال والقيل.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٦٩ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق"، أما"الذين نسوه"، فتركوه، فلما رأوا ما وعدهم أنبياؤهم، استيقنوا فقالوا:"قد جاءت رسل ربنا بالحق".
١٤٧٧٠ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"يقول الذين نسوه"، قال: أعرضوا عنه.
١٤٧٧١ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
* * *
* * *
وأما قوله:"يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل"، فإن معناه: يوم يجيء ما يؤول إليه أمرهم من عقاب الله ="يقول الذين نسوه من قبل"، أي: يقول الذين ضيَّعوا وتركوا ما أمروا به من العمل المنجيهم مما آل إليه أمرهم يومئذ من العذاب، من قبل ذلك في الدنيا ="لقد جاءت رسل ربنا بالحق"، أقسم المساكين حين عاينوا البلاءَ وحلّ بهم العقاب: أنّ رسل الله التي أتتهم بالنِّذارة وبلغتهم عن الله الرسالة، (١) قد كانت نصحت لهم وصَدَقتهم عن الله، وذلك حين لا ينفعهم التصديق. ولا ينجيهم من سَخَط الله وأليم عقابه كثرة القال والقيل.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٦٩ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق"، أما"الذين نسوه"، فتركوه، فلما رأوا ما وعدهم أنبياؤهم، استيقنوا فقالوا:"قد جاءت رسل ربنا بالحق".
١٤٧٧٠ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"يقول الذين نسوه"، قال: أعرضوا عنه.
١٤٧٧١ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
* * *
(١) "النذارة" بكسر النون، كالإنذار، على وزن"الرسالة"، وانظر ما كتبته آنفًا ١٠: ٥٧٥، تعليق: ٢.
480
القول في تأويل قوله: ﴿فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٥٣) ﴾
قال أبو جعفر: وهذا خبرٌ من الله تعالى ذكره عن هؤلاء المشركين الذين وصف صفتهم، أنهم يقولون عند حلول سَخَط الله بهم، وورودهم أليمَ عذابه، ومعاينتهم تأويل ما كانت رسلُ الله تعِدهم: هل لنا من أصدقاءَ وأولياء اليوم فيشفعوا لنا عند ربنا، فتنجينا شفاعتهم عنده مما قد حلّ بنا من سوء فعالنا في الدنيا (١) = أو نردّ إلى الدنيا مرة أخرى، فنعمل فيها بما يرضيه ويُعْتِبُه من أنفسنا؟ (٢) قال هذا القولَ المساكينُ هنالك، لأنهم كانوا عهدوا في الدنيا أنفسهم لها شفعاء تشفع لهم في حاجاتهم، فيذكروا ذلك في وقت لا خُلة فيه لهم ولا شفاعة.
يقول الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه:"قد خسروا أنفسهم"، (٣) يقول: غَبَنوا أنفسهم حظوظها، ببيعهم ما لا خطر له من نعيم الآخرة الدائم، بالخسيس من عَرَض الدنيا الزائل ="وضل عنهم ما كانوا يفترون"، يقول: وأسلمهم لعذاب الله، وحار عنهم أولياؤهم، (٤) الذين كانوا يعبدونهم من دون الله، (٥) ويزعمون كذبًا وافتراء أنهم أربابهم من دون الله. (٦)
١٤٧٧٢ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله:"قد خسروا أنفسهم"، يقول: شروها بخسران.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا خبرٌ من الله تعالى ذكره عن هؤلاء المشركين الذين وصف صفتهم، أنهم يقولون عند حلول سَخَط الله بهم، وورودهم أليمَ عذابه، ومعاينتهم تأويل ما كانت رسلُ الله تعِدهم: هل لنا من أصدقاءَ وأولياء اليوم فيشفعوا لنا عند ربنا، فتنجينا شفاعتهم عنده مما قد حلّ بنا من سوء فعالنا في الدنيا (١) = أو نردّ إلى الدنيا مرة أخرى، فنعمل فيها بما يرضيه ويُعْتِبُه من أنفسنا؟ (٢) قال هذا القولَ المساكينُ هنالك، لأنهم كانوا عهدوا في الدنيا أنفسهم لها شفعاء تشفع لهم في حاجاتهم، فيذكروا ذلك في وقت لا خُلة فيه لهم ولا شفاعة.
يقول الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه:"قد خسروا أنفسهم"، (٣) يقول: غَبَنوا أنفسهم حظوظها، ببيعهم ما لا خطر له من نعيم الآخرة الدائم، بالخسيس من عَرَض الدنيا الزائل ="وضل عنهم ما كانوا يفترون"، يقول: وأسلمهم لعذاب الله، وحار عنهم أولياؤهم، (٤) الذين كانوا يعبدونهم من دون الله، (٥) ويزعمون كذبًا وافتراء أنهم أربابهم من دون الله. (٦)
١٤٧٧٢ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله:"قد خسروا أنفسهم"، يقول: شروها بخسران.
* * *
(١) انظر تفسير"الشفاعة" فيما سلف ١١: ٥٤٧، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٢) "أعتبه من نفسه"، أعطاه العتبى - وهي الرضا - ورجع إلى مسرته.
(٣) انظر تفسير"الخسارة" فيما سلف ص: ٣٥٧، تعليق: ٣، والمراجع هناك.
(٤) في المطبوعة: "وحاد" بالدال، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب.
(٥) انظر تفسير"الضلال" فيما سلف من فهارس اللغة (ضلل).
(٦) انظر تفسير"الافتراء" فيما سلف ص: ٤٠٨ تعليق: ٢، والمراجع هناك.
(٢) "أعتبه من نفسه"، أعطاه العتبى - وهي الرضا - ورجع إلى مسرته.
(٣) انظر تفسير"الخسارة" فيما سلف ص: ٣٥٧، تعليق: ٣، والمراجع هناك.
(٤) في المطبوعة: "وحاد" بالدال، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب.
(٥) انظر تفسير"الضلال" فيما سلف من فهارس اللغة (ضلل).
(٦) انظر تفسير"الافتراء" فيما سلف ص: ٤٠٨ تعليق: ٢، والمراجع هناك.
481
وإنما رفع قوله:"أو نردُّ" ولم ينصب عطفًا على قوله:"فيشفعوا لنا"، لأن المعنى: هل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا = أو هل نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل؟ = ولم يرد به العطف على قوله:" فيشفعوا لنا". (١)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن سيدكم ومصلح أموركم، أيها الناس، هو المعبود الذي له العبادة من كل شيء (٢) ="الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام"، وذلك يوم الأحد، والاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، والجمعة، كما:-
١٤٧٧٣ - حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن مجاهد قال: بدءُ الخلق العرشُ والماء والهواء، وخلقت الأرض من الماء، وكان بدء الخلق يوم الأحد، والاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، وجُمع الخلق في يوم الجمعة، وتهوَّدت اليهودُ يوم السبت. ويوم من الستة الأيام كألف سنة مما تعدّون.
* * *
="ثم استوى على العرش".
* * *
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن سيدكم ومصلح أموركم، أيها الناس، هو المعبود الذي له العبادة من كل شيء (٢) ="الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام"، وذلك يوم الأحد، والاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، والجمعة، كما:-
١٤٧٧٣ - حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن مجاهد قال: بدءُ الخلق العرشُ والماء والهواء، وخلقت الأرض من الماء، وكان بدء الخلق يوم الأحد، والاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، وجُمع الخلق في يوم الجمعة، وتهوَّدت اليهودُ يوم السبت. ويوم من الستة الأيام كألف سنة مما تعدّون.
* * *
="ثم استوى على العرش".
* * *
(١) في المخطوطة خلط وتكرار في هذه الجملة، وصوابها ما في المطبوعة. وانظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٨٠.
(٢) انظر تفسير"الرب" فيما سلف ١: ١٤٢- ١٤٣/ ١٢: ٢٨٦.
(٢) انظر تفسير"الرب" فيما سلف ١: ١٤٢- ١٤٣/ ١٢: ٢٨٦.
482
وقد ذكرنا معنى"الاستواء" واختلاف الناس فيه، فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته. (١)
* * *
وأما قوله:"يغشي الليل النهار يطلبه حثيثًا"، فإنه يقول: يورد الليل على النهار فيلبسه إياه، حتى يذهب نضرته ونوره (٢) =" يطلبه"، يقول: يطلب الليل النهار ="حثيثًا"، يعني: سريعًا.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٧٤ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"يطلبه حثيثًا"، يقول: سريعًا.
١٤٧٧٥ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"يغشي الليل النهار يطلبه حثيثًا"، قال: يغشي الليل النهارَ بضوئه، ويطلبه سريعًا حتى يدركه.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٥٤) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم، كلّ ذلك بأمره، أمرهن الله فأطعن أمرَه، ألا لله
* * *
وأما قوله:"يغشي الليل النهار يطلبه حثيثًا"، فإنه يقول: يورد الليل على النهار فيلبسه إياه، حتى يذهب نضرته ونوره (٢) =" يطلبه"، يقول: يطلب الليل النهار ="حثيثًا"، يعني: سريعًا.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٧٤ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"يطلبه حثيثًا"، يقول: سريعًا.
١٤٧٧٥ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"يغشي الليل النهار يطلبه حثيثًا"، قال: يغشي الليل النهارَ بضوئه، ويطلبه سريعًا حتى يدركه.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٥٤) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم، كلّ ذلك بأمره، أمرهن الله فأطعن أمرَه، ألا لله
(١) انظر تفسير"الاستواء" فيما سلف ١: ٤٢٨- ٤٣١.
(٢) انظر تفسير"الغشاوة" فيما سلف ١: ٢٦٥، ٢٦٦.
(٢) انظر تفسير"الغشاوة" فيما سلف ١: ٢٦٥، ٢٦٦.
483
الخلق كله، والأمرُ الذي لا يخالف ولا يردّ أمره، دون ما سواه من الأشياء كلها، ودون ما عبده المشركون من الآلهة والأوثان التي لا تضر ولا تنفع، ولا تخلق ولا تأمر، تبارك الله معبودُنا الذي له عبادة كل شيء، رب العالمين. (١)
١٤٧٧٦ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا هشام أبو عبد الرحمن قال، حدثنا بقية بن الوليد قال، حدثني عبد الغفار بن عبد العزيز الأنصاري، عن عبد العزيز الشامي، عن أبيه، وكانت له صحبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ لم يحمد الله على ما عمل من عمل صالح وحمد نفسه، قلَّ شكره، وحَبِط عمله. ومَنْ زعم أن الله جعل للعباد من الأمر شيئًا فقد كفر بما أنزل الله على أنبيائه، لقوله:"ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين". (٢)
* * *
١٤٧٧٦ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا هشام أبو عبد الرحمن قال، حدثنا بقية بن الوليد قال، حدثني عبد الغفار بن عبد العزيز الأنصاري، عن عبد العزيز الشامي، عن أبيه، وكانت له صحبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ لم يحمد الله على ما عمل من عمل صالح وحمد نفسه، قلَّ شكره، وحَبِط عمله. ومَنْ زعم أن الله جعل للعباد من الأمر شيئًا فقد كفر بما أنزل الله على أنبيائه، لقوله:"ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين". (٢)
* * *
(١) انظر تفسير"تبارك" فيما سلف ص: ٢٣٨، تعليق ٢، والمراجع هناك.
= وتفسير"رب" فيما سلف قريبًا ص: ٤٨٢، تعليق: ٢ والمراجع هناك.
= وتفسير"العالمين" فيما سلف من فهارس اللغة (علم).
(٢) الأثر: ١٤٧٧٦ -"عبد الغفار بن عبد العزيز الأنصاري"، هكذا جاء هنا في المخطوطة والمطبوعة، وهكذا نقله الحافظ ابن حجر عن هذا الموضع من التفسير في ترجمة (أبو عبد العزيز) من الإصابة، وهكذا نقله ابن كثير في تفسيره ٣: ٤٨٩.
ولكن الذي أطبقت عليه كتب التراجم، والأسانيد الأخرى التي نقلها الحافظ ابن حجر، في موضع آخر من الإصابة أنه:
"عبد الغفور بن عبد العزيز"، وكنوه"أبو الصباح"، ونسبوه"الواسطي"، وهو مترجم في لسان الميزان ٤: ٤٣، ٤٤، وابن أبي حاتم ٣ / ١ / ٥٥، وميزان الاعتدال ٢: ١٤٢، وهو ضعيف منكر الحديث، وأخرجه البخاري في الضعفاء.
وأبوه هو: "عبد العزيز الشامي"، ولم أجد له ذكرًا، إلا في أثناء هذه الأسانيد.
وأبوه، الذي له صحبة يقال اسمه"سعيد الشامي"، وهو مترجم بذلك في الإصابة، وكنيته"أبو عبد العزيز"، وهو مترجم أيضًا في باب الكنى من الإصابة، وفي أسد الغابة ٥: ٢٤٧.
وهذا الخبر، رواه الحافظ ابن حجر في الموضعين من ترجمة"أبي عبد العزيز" و"سعيد"، وابن الأثير في أسد الغابة ٥: ٢٤٧، وابن كثير في تفسيره ٣: ٤٨٩، والسيوطي في الدر المنثور ٣: ٩٢.
وهو خبر ضعيف هالك الإسناد. و"بقية بن الوليد" كما قال ابن المبارك: ((كان صدوقًا، ولكنه يكتب عمن أقبل وأدبر)). وقال أحمد: "إذا حدث عن قوم ليسوا بمعروفين فلا تقبلوه". وقال يحيى بن معين: "كان يحدث عن الضعفاء بمئة حديث قبل أن يحدث عن الثقات". وقال أبو زرعة: "بقية عجب!! إذا روى عن الثقات فهو ثقة". وذكر قول ابن المبارك الذي تقدم، ثم قال: "وقد أصاب ابن المبارك. ثم قال: هذا في الثقات، فأما في المجهولين، فيحدث عن قوم لا يعرفون ولا يضبطون".
= وتفسير"رب" فيما سلف قريبًا ص: ٤٨٢، تعليق: ٢ والمراجع هناك.
= وتفسير"العالمين" فيما سلف من فهارس اللغة (علم).
(٢) الأثر: ١٤٧٧٦ -"عبد الغفار بن عبد العزيز الأنصاري"، هكذا جاء هنا في المخطوطة والمطبوعة، وهكذا نقله الحافظ ابن حجر عن هذا الموضع من التفسير في ترجمة (أبو عبد العزيز) من الإصابة، وهكذا نقله ابن كثير في تفسيره ٣: ٤٨٩.
ولكن الذي أطبقت عليه كتب التراجم، والأسانيد الأخرى التي نقلها الحافظ ابن حجر، في موضع آخر من الإصابة أنه:
"عبد الغفور بن عبد العزيز"، وكنوه"أبو الصباح"، ونسبوه"الواسطي"، وهو مترجم في لسان الميزان ٤: ٤٣، ٤٤، وابن أبي حاتم ٣ / ١ / ٥٥، وميزان الاعتدال ٢: ١٤٢، وهو ضعيف منكر الحديث، وأخرجه البخاري في الضعفاء.
وأبوه هو: "عبد العزيز الشامي"، ولم أجد له ذكرًا، إلا في أثناء هذه الأسانيد.
وأبوه، الذي له صحبة يقال اسمه"سعيد الشامي"، وهو مترجم بذلك في الإصابة، وكنيته"أبو عبد العزيز"، وهو مترجم أيضًا في باب الكنى من الإصابة، وفي أسد الغابة ٥: ٢٤٧.
وهذا الخبر، رواه الحافظ ابن حجر في الموضعين من ترجمة"أبي عبد العزيز" و"سعيد"، وابن الأثير في أسد الغابة ٥: ٢٤٧، وابن كثير في تفسيره ٣: ٤٨٩، والسيوطي في الدر المنثور ٣: ٩٢.
وهو خبر ضعيف هالك الإسناد. و"بقية بن الوليد" كما قال ابن المبارك: ((كان صدوقًا، ولكنه يكتب عمن أقبل وأدبر)). وقال أحمد: "إذا حدث عن قوم ليسوا بمعروفين فلا تقبلوه". وقال يحيى بن معين: "كان يحدث عن الضعفاء بمئة حديث قبل أن يحدث عن الثقات". وقال أبو زرعة: "بقية عجب!! إذا روى عن الثقات فهو ثقة". وذكر قول ابن المبارك الذي تقدم، ثم قال: "وقد أصاب ابن المبارك. ثم قال: هذا في الثقات، فأما في المجهولين، فيحدث عن قوم لا يعرفون ولا يضبطون".
484
القول في تأويل قوله: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ادعوا، أيها الناس، ربَّكم وحده، فأخلصوا له الدعاء، دون ما تدعون من دونه من الآلهة والأصنام ="تضرعًا"، يقول: تذلُّلا واستكانة لطاعته (١) ="وخفية"، يقول بخشوع قلوبكم، وصحة اليقين منكم بوحدانيته فيما بينكم وبينه، لا جهارًا ومراءاةً، وقلوبكم غير موقنة بوحدانيته وربوبيته، فعلَ أهل النفاق والخداع لله ولرسوله، (٢) كما:-
١٤٧٧٧ - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن قال: إنْ كانَ الرجل لقد جمع القرآن، وما يشعرُ جارُه. وإن كان الرجل لقد فَقُه الفقهَ الكثير، وما يشعرُ به الناس. وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزَّوْر، (٣) وما يشعرون به. ولقد أدركنا أقوامًا ما كان على الأرض من عمل يقدرون على أن يعملوه في السرّ فيكون علانية أبدًا! ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء، وما يُسمع لهم صوت، إن كان إلا همسًا بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله يقول:"ادعوا ربكم تضرعًا وخفية"، وذلك أن الله ذكر عبدًا صالحًا فرضِي فعله فقال: (إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا)، [سورة مريم: ٣].
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ادعوا، أيها الناس، ربَّكم وحده، فأخلصوا له الدعاء، دون ما تدعون من دونه من الآلهة والأصنام ="تضرعًا"، يقول: تذلُّلا واستكانة لطاعته (١) ="وخفية"، يقول بخشوع قلوبكم، وصحة اليقين منكم بوحدانيته فيما بينكم وبينه، لا جهارًا ومراءاةً، وقلوبكم غير موقنة بوحدانيته وربوبيته، فعلَ أهل النفاق والخداع لله ولرسوله، (٢) كما:-
١٤٧٧٧ - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن قال: إنْ كانَ الرجل لقد جمع القرآن، وما يشعرُ جارُه. وإن كان الرجل لقد فَقُه الفقهَ الكثير، وما يشعرُ به الناس. وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزَّوْر، (٣) وما يشعرون به. ولقد أدركنا أقوامًا ما كان على الأرض من عمل يقدرون على أن يعملوه في السرّ فيكون علانية أبدًا! ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء، وما يُسمع لهم صوت، إن كان إلا همسًا بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله يقول:"ادعوا ربكم تضرعًا وخفية"، وذلك أن الله ذكر عبدًا صالحًا فرضِي فعله فقال: (إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا)، [سورة مريم: ٣].
(١) انظر تفسير"التضرع" فيما سلف ١١: ٣٥٥، ٤١٤.
(٢) انظر تفسير"خفية" فيما سلف ١١: ٤١٤.
(٣) "الزور" (بفتح فسكون) جمع"زائر"، مثل"صاحب" و"صحب". وفي المخطوطة: "الزور" مضبوطة بالقلم بضم الزاي وتشديد الواو مفتوحة، وهو صواب أيضًا.
(٢) انظر تفسير"خفية" فيما سلف ١١: ٤١٤.
(٣) "الزور" (بفتح فسكون) جمع"زائر"، مثل"صاحب" و"صحب". وفي المخطوطة: "الزور" مضبوطة بالقلم بضم الزاي وتشديد الواو مفتوحة، وهو صواب أيضًا.
485
١٤٧٧٨ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي موسى قال: كان النبي ﷺ في غَزَاة، (١) فأشرفوا على وادٍ يكبرون ويهللون ويرفعون أصواتهم، فقال: أيها الناس، اربَعُوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا! إنكم تدعون سميعًا قريبًا وهو معكم". (٢)
١٤٧٧٩ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قوله:"ادعوا ربكم تضرعًا وخفية"، قال: السر.
* * *
وأما قوله:"إنه لا يحب المعتدين"، فإن معناه: إن ربكم لا يحب من اعتدى فتجاوز حدَّه الذي حدَّه لعباده في دعائه ومسألته ربَّه، ورفعه صوته فوق الحد الذي حدَّ لهم في دعائهم إياه، ومسألتهم، وفي غير ذلك من الأمور، (٣) كما:-
١٤٧٨٠ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا معتمر بن سليمان قال، أنبأنا إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان، عن عباد بن عباد، عن علقمة، عن أبي مجلز:"ادعوا ربكم تضرعًا وخفية إنه لا يحب المعتدين"، قال: لا يسأل منازلَ الأنبياء عليهم السلام.
١٤٧٨١ - حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس:"إنه لا يحب المعتدين"،
١٤٧٧٩ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قوله:"ادعوا ربكم تضرعًا وخفية"، قال: السر.
* * *
وأما قوله:"إنه لا يحب المعتدين"، فإن معناه: إن ربكم لا يحب من اعتدى فتجاوز حدَّه الذي حدَّه لعباده في دعائه ومسألته ربَّه، ورفعه صوته فوق الحد الذي حدَّ لهم في دعائهم إياه، ومسألتهم، وفي غير ذلك من الأمور، (٣) كما:-
١٤٧٨٠ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا معتمر بن سليمان قال، أنبأنا إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان، عن عباد بن عباد، عن علقمة، عن أبي مجلز:"ادعوا ربكم تضرعًا وخفية إنه لا يحب المعتدين"، قال: لا يسأل منازلَ الأنبياء عليهم السلام.
١٤٧٨١ - حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس:"إنه لا يحب المعتدين"،
(١) هذه الغزاة، هي غزوة خيبر.
(٢) الأثر: ١٤٧٧٨- رواه البخاري في صحيحه (الفتح ٧: ٣٦٣)، ومسلم في صحيحه ١٧: ٢٥ من هذه الطريق، مطولا.
وقوله: "اربعوا على أنفسكم"، أي: ارفقوا بأنفسكم، واخفضوا أصواتكم. وفي المخطوطة: "سميعًا قريبًا أنا معكم" غير منقوطة، وأثبت ما في الصحيحين، وفي المطبوعة، حذف ما في المخطوطة، ولم يزد"وهو" التي زدتها.
(٣) انظر تفسير"الاعتداء" فيما سلف من فهارس اللغة (عدا).
(٢) الأثر: ١٤٧٧٨- رواه البخاري في صحيحه (الفتح ٧: ٣٦٣)، ومسلم في صحيحه ١٧: ٢٥ من هذه الطريق، مطولا.
وقوله: "اربعوا على أنفسكم"، أي: ارفقوا بأنفسكم، واخفضوا أصواتكم. وفي المخطوطة: "سميعًا قريبًا أنا معكم" غير منقوطة، وأثبت ما في الصحيحين، وفي المطبوعة، حذف ما في المخطوطة، ولم يزد"وهو" التي زدتها.
(٣) انظر تفسير"الاعتداء" فيما سلف من فهارس اللغة (عدا).
486
في الدعاء ولا في غيره = قال ابن جريج: إن من الدعاء اعتداءً، يُكره رفعُ الصوتِ والنداءُ والصياحُ بالدعاء، ويُؤمر بالتضرُّع والاستكانة.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) ﴾
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها"، لا تشركوا بالله في الأرض ولا تعصوه فيها، وذلك هو الفساد فيها.
* * *
وقد ذكرنا الرواية في ذلك فيما مضى، وبينا معناه بشواهده. (١)
* * *
="بعد إصلاحها" يقول: بعد إصلاح الله إياها لأهل طاعته، بابتعاثه فيهم الرسل دعاة إلى الحق، وإيضاحه حججه لهم (٢) ="وادعوه خوفًا وطمعًا"، يقول: وأخلصوا له الدعاء والعمل، ولا تشركوا في عملكم له شيئًا غيره من الآلهة والأصنام وغير ذلك، وليكن ما يكون منكم في ذلك خوفًا من عقابه، وطمعًا في ثوابه. وإنّ مَن كان دعاؤه إياه على غير ذلك، فهو بالآخرة من المكذبين، لأنّ من لم يخف عقابَ الله ولم يرجُ ثوابه، لم يبال ما ركب من أمر يسخَطه الله ولا يرضاه ="إن رحمة الله قريب من المحسنين"، يقول تعالى ذكره: إن ثواب الله الذي وعد المحسنين على إحسانهم في الدنيا، قريب منهم، وذلك هو رحمته، (٣)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) ﴾
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها"، لا تشركوا بالله في الأرض ولا تعصوه فيها، وذلك هو الفساد فيها.
* * *
وقد ذكرنا الرواية في ذلك فيما مضى، وبينا معناه بشواهده. (١)
* * *
="بعد إصلاحها" يقول: بعد إصلاح الله إياها لأهل طاعته، بابتعاثه فيهم الرسل دعاة إلى الحق، وإيضاحه حججه لهم (٢) ="وادعوه خوفًا وطمعًا"، يقول: وأخلصوا له الدعاء والعمل، ولا تشركوا في عملكم له شيئًا غيره من الآلهة والأصنام وغير ذلك، وليكن ما يكون منكم في ذلك خوفًا من عقابه، وطمعًا في ثوابه. وإنّ مَن كان دعاؤه إياه على غير ذلك، فهو بالآخرة من المكذبين، لأنّ من لم يخف عقابَ الله ولم يرجُ ثوابه، لم يبال ما ركب من أمر يسخَطه الله ولا يرضاه ="إن رحمة الله قريب من المحسنين"، يقول تعالى ذكره: إن ثواب الله الذي وعد المحسنين على إحسانهم في الدنيا، قريب منهم، وذلك هو رحمته، (٣)
(١) انظر تفسير"الفساد في الأرض" فيما سلف ١: ٢٨٧، ٤١٦، ومواضع أخرى آخرها ١٠: ٤٦١، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير"الإصلاح" فيما سلف من فهارس اللغة (صلح).
(٣) انظر تفسير"الرحمة" فيما سلف من فهارس اللغة (رحم).
= وتفسير"الإحسان" فيما سلف من فهارس اللغة (حسن).
(٢) انظر تفسير"الإصلاح" فيما سلف من فهارس اللغة (صلح).
(٣) انظر تفسير"الرحمة" فيما سلف من فهارس اللغة (رحم).
= وتفسير"الإحسان" فيما سلف من فهارس اللغة (حسن).
487
لأنه ليس بينهم وبين أن يصيروا إلى ذلك من رحمته وما أعدّ لهم من كرامته إلا أن تفارق أرواحهم أجسادهم.
* * *
ولذلك من المعنى ذُكِّر قوله:"قريب"، وهو من خبر"الرحمة"، و"الرحمة" مؤنثة، لأنه أريد به القرب في الوقت لا في النَّسب، والأوقات بذلك المعنى إذا وقعت أخبارًا للأسماء، (١) أجرتها العرب مجرى الحال، فوحّدتها مع الواحد والاثنين والجميع، وذكَّرتها مع المؤنث، فقالوا:"كرامة الله بعيد من فلان"، و"هي قريب من فلان"، كما يقولون:"هند قريب منا"، و"الهندان منا قريب"، و"الهندات منا قريب"، لأن معنى ذلك: هي في مكان قريب منا. فإذا حذفوا المكان وجعلوا"القريب" خلفًا منه، ذكَّروه ووحَّدوه في الجمع، كما كان المكان مذكرًا وموحدًا في الجمع. وأما إذا أنثوه، أخرجوه مثنى مع الاثنين، ومجموعًا مع الجميع، فقالوا:"هي قريبة منا"، و"هما منّا قريبتان"، كما قال عروة [بن الورد] :(٢)
فأنث"قريبة"، وذكّر"بعيدًا"، على ما وصفت. ولو كان"القريب"، من"القرابة" في النسب، لم يكن مع المؤنث إلا مؤنثًا، ومع الجميع إلا مجموعًا. (٤)
* * *
ولذلك من المعنى ذُكِّر قوله:"قريب"، وهو من خبر"الرحمة"، و"الرحمة" مؤنثة، لأنه أريد به القرب في الوقت لا في النَّسب، والأوقات بذلك المعنى إذا وقعت أخبارًا للأسماء، (١) أجرتها العرب مجرى الحال، فوحّدتها مع الواحد والاثنين والجميع، وذكَّرتها مع المؤنث، فقالوا:"كرامة الله بعيد من فلان"، و"هي قريب من فلان"، كما يقولون:"هند قريب منا"، و"الهندان منا قريب"، و"الهندات منا قريب"، لأن معنى ذلك: هي في مكان قريب منا. فإذا حذفوا المكان وجعلوا"القريب" خلفًا منه، ذكَّروه ووحَّدوه في الجمع، كما كان المكان مذكرًا وموحدًا في الجمع. وأما إذا أنثوه، أخرجوه مثنى مع الاثنين، ومجموعًا مع الجميع، فقالوا:"هي قريبة منا"، و"هما منّا قريبتان"، كما قال عروة [بن الورد] :(٢)
عَشِيَّةَ لا عَفْرَاءُ مِنْكَ قَرِيبَةٌ | فَتَدْنُو، وَلا عَفْرَاءُ مِنْكَ بَعِيدُ (٣) |
(١) في المطبوعة: "إذا رفعت أخبارًا"، لم يحسن قراءة المخطوطة.
(٢) هكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة، والصواب أنه"عروة بن حزام"، كما سترى في التخريج، وكأنه سهو من الناسخ وزيادة منه، فإن هذا كله تابع فيه أبو جعفر، الفراء في معاني القرآن، والفراء لم يذكر سوى"عروة"، فزاد الناسخ سهوًا"بن الورد".
(٣) معاني القرآن للفراء ١: ٣٨١، على ما ذكره أبو جعفر، وهو نقله عنه. والبيت في ديوان عروة بن حزام، وفي تزيين الأسواق ١: ٨٤، والبكري في شرح الأمالي: ٤٠١، من شعر له صواب إنشاده على الباء:
(٤) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٨١، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٢١٦، ٢١٧..
(٢) هكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة، والصواب أنه"عروة بن حزام"، كما سترى في التخريج، وكأنه سهو من الناسخ وزيادة منه، فإن هذا كله تابع فيه أبو جعفر، الفراء في معاني القرآن، والفراء لم يذكر سوى"عروة"، فزاد الناسخ سهوًا"بن الورد".
(٣) معاني القرآن للفراء ١: ٣٨١، على ما ذكره أبو جعفر، وهو نقله عنه. والبيت في ديوان عروة بن حزام، وفي تزيين الأسواق ١: ٨٤، والبكري في شرح الأمالي: ٤٠١، من شعر له صواب إنشاده على الباء:
عَشِيَّة لا عَفْرَاءُ مِنْكَ بَعِيدَةٌ | فَتَسْلُو، وَلا عَفْرَاءُ مِنْكَ قَرِيبُ |
وَإنِّي لَتَغْشَانِي لِذِكْرَاكِ فَتْرَةٌ | لَهَا بَيْنَ جِلْدِي وَالْعِظَامِ دَبيبُ |
488
وكان بعض نحويي البصرة يقول: ذكَّر"قريب" وهو صفة لـ"الرحمة"، وذلك كقول العرب:"ريح خريق"، (١) و"ملحفَة جديد"، (٢) و"شاة سديس". (٣) قال: وإن شئت قلت: تفسير"الرحمة" هاهنا، المطر ونحوه، فلذلك ذكَّر، كما قال: (وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا)، [سورة الأعراف: ٨٧]، فذكَّر، لأنه أراد الناس. وإن شئت جعلته كبعض ما يذكرون من المؤنث، كقول الشاعر: (٤)
وَلا أَرْضَ أَبْقَلَ إِبْقَالَهَا (٥)
* * *
وقد أنكر ذلك من قِيله بعضُ أهل العربية، ورأى أنه يلزمه إن جاز أن يذكِّر"قريبًا"، توجيهًا منه للرحمة إلى معنى المطر، أن يقول:"هند قام"، توجيهًا منه لـ"هند" وهي امرأة، إلى معنى:"إنسان"، ورأى أن ما شبَّه به قوله:"إن رحمة الله قريب من المحسنين"، بقوله:"وإن كان طائفة منكم آمنوا"، غير مُشْبِهِه. وذلك أن"الطائفة" فيما زعم مصدر، بمعنى"الطيف"، كما"الصيحة" و"الصياح"، بمعنًى، ولذلك قيل: (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ)، [سورة هود: ٦٧].
* * *
وَلا أَرْضَ أَبْقَلَ إِبْقَالَهَا (٥)
* * *
وقد أنكر ذلك من قِيله بعضُ أهل العربية، ورأى أنه يلزمه إن جاز أن يذكِّر"قريبًا"، توجيهًا منه للرحمة إلى معنى المطر، أن يقول:"هند قام"، توجيهًا منه لـ"هند" وهي امرأة، إلى معنى:"إنسان"، ورأى أن ما شبَّه به قوله:"إن رحمة الله قريب من المحسنين"، بقوله:"وإن كان طائفة منكم آمنوا"، غير مُشْبِهِه. وذلك أن"الطائفة" فيما زعم مصدر، بمعنى"الطيف"، كما"الصيحة" و"الصياح"، بمعنًى، ولذلك قيل: (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ)، [سورة هود: ٦٧].
* * *
(١) "ريح خريق": شديدة، وقيل: لينة سهلة. ضد.
(٢) في المطبوعة: "وساحفة حديد"، وفي المخطوطة: "وماحقه جديد"، غير منقوطة والصواب ما أثبت، وهو المثل الذي ضرب في هذا الباب. قال ابن سيده: "ملحفة جديد، وجديدة"، وقال سيبويه: وقد قالوا ملحفة جديدة، وهو قليلة.
(٣) "شاة سديس": أتت عليها السنة السادسة.
(٤) عامر بن جوين الطائي.
(٥) مضى البيت وتخريجه فيما سلف ١: ٤٣٢، ونسيت أن أذكر هناك أنه سيأتي في هذا الموضع من التفسير، ثم في ١٨: ١١٨ (بولاق)، وصدر البيت: فَلا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَهَا
(٢) في المطبوعة: "وساحفة حديد"، وفي المخطوطة: "وماحقه جديد"، غير منقوطة والصواب ما أثبت، وهو المثل الذي ضرب في هذا الباب. قال ابن سيده: "ملحفة جديد، وجديدة"، وقال سيبويه: وقد قالوا ملحفة جديدة، وهو قليلة.
(٣) "شاة سديس": أتت عليها السنة السادسة.
(٤) عامر بن جوين الطائي.
(٥) مضى البيت وتخريجه فيما سلف ١: ٤٣٢، ونسيت أن أذكر هناك أنه سيأتي في هذا الموضع من التفسير، ثم في ١٨: ١١٨ (بولاق)، وصدر البيت: فَلا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَهَا
489
القول في تأويل قوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٥٧) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، هو الذي يرسل الرياح نشرًا بين يدي رحمته. (١)
* * *
و"النشر" بفتح"النون" وسكون"الشين"، في كلام العرب، من الرياح، الطيبة اللينة الهبوب، التي تنشئ السحاب. وكذلك كل ريح طيبة عندهم فهي"نشر"، ومنه قول امرئ القيس:
* * *
وبهذه القراءة قرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين، خلا عاصم بن أبي النجود، فإنه كان يقرؤه:"بشرًا" على اختلاف عنه فيه.
* * *
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، هو الذي يرسل الرياح نشرًا بين يدي رحمته. (١)
* * *
و"النشر" بفتح"النون" وسكون"الشين"، في كلام العرب، من الرياح، الطيبة اللينة الهبوب، التي تنشئ السحاب. وكذلك كل ريح طيبة عندهم فهي"نشر"، ومنه قول امرئ القيس:
كَأَنَّ المُدَامَ وَصَوْبَ الغَمَامِ | وَرِيحَ الخُزَامَى وَنَشْرَ القُطُرْ (٢) |
وبهذه القراءة قرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين، خلا عاصم بن أبي النجود، فإنه كان يقرؤه:"بشرًا" على اختلاف عنه فيه.
* * *
(١) القراءة التي أثبتها أبو جعفر في تفسير الآية"نشرا"، ولكني أثبت في الآية قراءتنا في مصحفنا، وسأثبتها في سائر المواضع بقراءة أبي جعفر بالنون.
(٢) ديوانه: ٧٩، واللسان (نشر) من قصيدة له طويلة، وهذا البيت في ذكر"هو" صاحبته وهذا البيت في صفة رائحة ثغرها عند الصباح، حين تتغير أفواه الناس، يقول بعده:
و"القطر" (بضمتين) : هو العود الذي يتبخر به. و"صوب الغمام"، وقعه حيث يقع. و"يعل" يسقى بالمدام مرة بعد مرة. و"الطائر المستحر"، الديك إذا صوت عند السحر. يصفها بطيب رائحة فمها، حين تتغير الأفواه بعد النوم.
(٢) ديوانه: ٧٩، واللسان (نشر) من قصيدة له طويلة، وهذا البيت في ذكر"هو" صاحبته وهذا البيت في صفة رائحة ثغرها عند الصباح، حين تتغير أفواه الناس، يقول بعده:
يُعَلُّ بِهِ بَرْدُ أَنْيَابِهَا | إذَا طَرَّبَ الطَّائِر المُسْتَحِرْ |
490
فروى ذلك بعضهم عنه: (بُشْرًا)، بالباء وضمها، وسكون الشين.
وبعضهم، بالباء وضمها وضم الشين.
وكان يتأوّل في قراءته ذلك كذلك قوله: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ) [سورة الروم: ٤٦]، تبشر بالمطر، وأنه جمع"بشير" يبشر بالمطر، جُمِع"بُشُرًا"، كما يجمع"النذير""نُذُرًا". (١)
* * *
وأما قرأة المدينة وعامة المكيين والبصريين، فإنهم قرؤوا ذلك: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِل الرِّيَاحَ نُشُرَا)، بضم"النون"، و"الشين" بمعنى جمع"نَشور" جمع"نشرًا"، كما يجمع"الصبور""صُبُرًا"، و"الشكور""شُكُرًا".
* * *
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول: معناها إذا قرئت كذلك: أنها الريح التي تهبّ من كل ناحية، وتجيء من كل وجه. (٢)
* * *
وكان بعضهم يقول: إذا قرئت بضم النون، فينبغي أن تسكن شينها، لأن ذلك لغة بمعنى"النَّشْر" بالفتح. وقال: العرب تضم النون من"النُّشْر" أحيانًا، وتفتح أحيانًا بمعنى واحد. قال: فاختلاف القرأة في ذلك على قدر اختلافها في لغتها فيه. وكان يقول: هو نظير"الخَسْف"،"والخُسْف"، بفتح الخاء وضمها.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن قراءة من قرأ ذلك: (نَشْرًا) و (نُشُرًا)، بفتح"النون" وسكون"الشين"، وبضم"النون" و"الشين" قراءتان مشهورتان في قرأة الأمصار.
وبعضهم، بالباء وضمها وضم الشين.
وكان يتأوّل في قراءته ذلك كذلك قوله: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ) [سورة الروم: ٤٦]، تبشر بالمطر، وأنه جمع"بشير" يبشر بالمطر، جُمِع"بُشُرًا"، كما يجمع"النذير""نُذُرًا". (١)
* * *
وأما قرأة المدينة وعامة المكيين والبصريين، فإنهم قرؤوا ذلك: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِل الرِّيَاحَ نُشُرَا)، بضم"النون"، و"الشين" بمعنى جمع"نَشور" جمع"نشرًا"، كما يجمع"الصبور""صُبُرًا"، و"الشكور""شُكُرًا".
* * *
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول: معناها إذا قرئت كذلك: أنها الريح التي تهبّ من كل ناحية، وتجيء من كل وجه. (٢)
* * *
وكان بعضهم يقول: إذا قرئت بضم النون، فينبغي أن تسكن شينها، لأن ذلك لغة بمعنى"النَّشْر" بالفتح. وقال: العرب تضم النون من"النُّشْر" أحيانًا، وتفتح أحيانًا بمعنى واحد. قال: فاختلاف القرأة في ذلك على قدر اختلافها في لغتها فيه. وكان يقول: هو نظير"الخَسْف"،"والخُسْف"، بفتح الخاء وضمها.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن قراءة من قرأ ذلك: (نَشْرًا) و (نُشُرًا)، بفتح"النون" وسكون"الشين"، وبضم"النون" و"الشين" قراءتان مشهورتان في قرأة الأمصار.
(١) في المطبوعة: "وأنه جمع بشير بشرًا، كما يجمع النذير نذرًا"، وأثبت ما في المخطوطة.
(٢) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٢١٧.
(٢) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٢١٧.
491
................................................................................. (١).
فلا أحب القراءة بها، وإن كان لها معنى صحيح ووجه مفهوم في المعنى والإعراب، لما ذكرنا من العلة.
* * *
وأما قوله:"بين يدي رحمته"، فإنه يقول: قدام رحمته وأمامها.
* * *
والعرب كذلك تقول لكل شيء حدث قدام شيء وأمامه:"جاء بين يديه"، لأن ذلك من كلامهم جرى في أخبارهم عن بني آدم، وكثر استعماله فيهم، حتى قالوا ذلك في غير ابن آدم وما لا يَدَ له. (٢)
* * *
و"الرحمة" التي ذكرها جل ثناؤه في هذا الموضع، المطر.
* * *
فمعنى الكلام إذًا: والله الذي يرسل الرياح ليّنًا هبوبها، طيبًا نسيمها، أمام غيْثه الذي يسوقه بها إلى خلقه، فينشئ بها سحابًا ثقالا حتى إذا أقلتها = و"الإقلال" بها، حملها، كما يقال:"استقلّ البعير بحمله"، و"أقله"، إذا حمله فقام به = ساقه الله لإحياء بلد ميت، قد تعفَّت مزارعه، ودَرَست مشاربه، وأجدب أهلُه، (٣) فأنزل به المطر، وأخرج به من كل الثمرات.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٨٢ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
فلا أحب القراءة بها، وإن كان لها معنى صحيح ووجه مفهوم في المعنى والإعراب، لما ذكرنا من العلة.
* * *
وأما قوله:"بين يدي رحمته"، فإنه يقول: قدام رحمته وأمامها.
* * *
والعرب كذلك تقول لكل شيء حدث قدام شيء وأمامه:"جاء بين يديه"، لأن ذلك من كلامهم جرى في أخبارهم عن بني آدم، وكثر استعماله فيهم، حتى قالوا ذلك في غير ابن آدم وما لا يَدَ له. (٢)
* * *
و"الرحمة" التي ذكرها جل ثناؤه في هذا الموضع، المطر.
* * *
فمعنى الكلام إذًا: والله الذي يرسل الرياح ليّنًا هبوبها، طيبًا نسيمها، أمام غيْثه الذي يسوقه بها إلى خلقه، فينشئ بها سحابًا ثقالا حتى إذا أقلتها = و"الإقلال" بها، حملها، كما يقال:"استقلّ البعير بحمله"، و"أقله"، إذا حمله فقام به = ساقه الله لإحياء بلد ميت، قد تعفَّت مزارعه، ودَرَست مشاربه، وأجدب أهلُه، (٣) فأنزل به المطر، وأخرج به من كل الثمرات.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٨٢ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
(١) في موضع هذه النقط سقط لا شك فيه، ذكر فيه العلة التي سيشير إليها بعد. ولم أستطع أن أجد نقلا عن أبي جعفر يهدي إلى ما يسد هذا الخرم.
(٢) انظر تفسير: " بين يديه " فيما سلف ٦: ١٦٠، ٤٣٨.
(٣) انظر تفسير"ميت" و"موت الأرض" فيما سلف ٣: ٢٧٤/ ٥: ٤٤٦.
(٢) انظر تفسير: " بين يديه " فيما سلف ٦: ١٦٠، ٤٣٨.
(٣) انظر تفسير"ميت" و"موت الأرض" فيما سلف ٣: ٢٧٤/ ٥: ٤٤٦.
492
حدثنا أسباط، عن السدي:"وهو الذي يرسل الرياح نشرًا بين يدي رحمته" إلى قوله:"لعلكم تذكرون"، قال: إن الله يرسل الريح فتأتي بالسحاب من بين الخافقين، طرف السماء والأرض من حيث يلتقيان، فيخرجه من ثَمَّ، ثم ينشره فيبسطه في السماء كيف يشاء، ثم يفتح أبواب السماء، فيسيل الماء على السحاب، ثم يمطر السحاب بعد ذلك. وأما"رحمته"، فهو المطر.
* * *
وأما قوله:"كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون"، فإنه يقول تعالى ذكره: كما نحيي هذا البلد الميت بما ننزل به من الماء الذي ننزله من السحاب، فنخرج به من الثمرات بعد موته وجدوبته وقُحُوط أهله، كذلك نخرج الموتى من قبورهم أحياءً بعد فنائهم ودروس آثارهم ="لعلكم تذكرون"، يقول تعالى ذكرُه للمشركين به من عبدة الأصنام، المكذبين بالبعث بعد الممات، المنكرين للثواب والعقاب: ضربتُ لكم، أيها القوم، هذا المثل الذي ذكرت لكم: من إحياء البلد الميت بقَطْر المطر الذي يأتي به السحاب الذي تنشره الرياح التي وصفت صفتها، لتعتبروا فتذكروا وتعلموا أن مَنْ كان ذلك من قدرته، فيسيرٌ في قدرته إحياء الموتى بعد فنائها، وإعادتها خلقًا سويًّا بعد دُرُوسها. (١)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٨٣ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله:"كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون"، وكذلك تخرجون، وكذلك النشور، كما نخرج الزرع بالماء.
* * *
١٤٧٨٤ - وقال أبو هريرة: إن الناس إذا ماتوا في النفخة الأولى، أمطر
* * *
وأما قوله:"كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون"، فإنه يقول تعالى ذكره: كما نحيي هذا البلد الميت بما ننزل به من الماء الذي ننزله من السحاب، فنخرج به من الثمرات بعد موته وجدوبته وقُحُوط أهله، كذلك نخرج الموتى من قبورهم أحياءً بعد فنائهم ودروس آثارهم ="لعلكم تذكرون"، يقول تعالى ذكرُه للمشركين به من عبدة الأصنام، المكذبين بالبعث بعد الممات، المنكرين للثواب والعقاب: ضربتُ لكم، أيها القوم، هذا المثل الذي ذكرت لكم: من إحياء البلد الميت بقَطْر المطر الذي يأتي به السحاب الذي تنشره الرياح التي وصفت صفتها، لتعتبروا فتذكروا وتعلموا أن مَنْ كان ذلك من قدرته، فيسيرٌ في قدرته إحياء الموتى بعد فنائها، وإعادتها خلقًا سويًّا بعد دُرُوسها. (١)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٨٣ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله:"كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون"، وكذلك تخرجون، وكذلك النشور، كما نخرج الزرع بالماء.
* * *
١٤٧٨٤ - وقال أبو هريرة: إن الناس إذا ماتوا في النفخة الأولى، أمطر
(١) انظر تفسير"التذكر" فيما سلف ص: ٢٩٩، تعليق: ١، والمراجع هناك.
493
عليهم من ماء تحت العرش يُدعى"ماء الحيوان" أربعين سنة، فينبتون كما ينبت الزرع من الماء. حتى إذا استكملت أجسادهم، نفخ فيهم الروح، ثم تُلْقى عليهم نَوْمة، فينامون في قبورهم. فإذا نفخ في الصور الثانية عاشوا، وهم يجدون طعم النوم في رؤوسهم وأعينهم، كما يجد النائم حين يستيقظ من نومه، فعند ذلك يقولون: (يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا)، فناداهم المنادي: (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) [سورة يس: ٥٢]. (١)
* * *
١٤٧٨٥ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"كذلك نخرج الموتى"، قال: إذا أراد الله أن يخرج الموتى، أمطر السماء حتى تتشقق عنهم الأرض، ثم يرسل الأرواح، فتعود كل روح إلى جسدها، فكذلك يحيي الله الموتى بالمطر كإحيائه الأرض.
* * *
* * *
١٤٧٨٥ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"كذلك نخرج الموتى"، قال: إذا أراد الله أن يخرج الموتى، أمطر السماء حتى تتشقق عنهم الأرض، ثم يرسل الأرواح، فتعود كل روح إلى جسدها، فكذلك يحيي الله الموتى بالمطر كإحيائه الأرض.
* * *
(١) الأثر: ١٤٧٨٤ - هذا الخبر عن أبي هريرة، رواه بغير إسناد، وكنت أظنه من رواية السدي في الأثر السالف، ولكني شككت في ذلك، فآثرت أن أضع له رقمًا مستقلا. وأيا ما كان، فإني لم أجد نص هذا الخبر في شيء من مراجعي. وحديث أبي هريرة في البعث، رواه مسلم في صحيحه ١٨: ٩١، قال:
"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بين النفختين أربعون. قالوا: يا أبا هريرة: أربعون يومًا؟ قال: أَبَيْتُ. قالوا: أربعون شهرًا؟ قال: أبيتُ. قالوا: أربعون سنة؟ قال أبيتُ، ثم ينزل الله من السماء ماءً فيَنْبُتُون كما يَنْبُتُ البَقْل. وَليس من الإنسانِ شيء إلا يَبْلَى، إلا عظمًا واحدًا، وهو عَجْبُ الذنب، ومنه يُرَكَّبُ الخلقُ يوم القيامة".
"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بين النفختين أربعون. قالوا: يا أبا هريرة: أربعون يومًا؟ قال: أَبَيْتُ. قالوا: أربعون شهرًا؟ قال: أبيتُ. قالوا: أربعون سنة؟ قال أبيتُ، ثم ينزل الله من السماء ماءً فيَنْبُتُون كما يَنْبُتُ البَقْل. وَليس من الإنسانِ شيء إلا يَبْلَى، إلا عظمًا واحدًا، وهو عَجْبُ الذنب، ومنه يُرَكَّبُ الخلقُ يوم القيامة".
494
القول في تأويل قوله: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (٥٨) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والبلدُ الطيبة تربته، العذبةُ مشاربه، يخرج نباته إذا أنزل الله الغيث وأرسل عليه الحيا، بإذنه، طيبًا ثمرُه في حينه ووقته. والذي خَبُث فردؤت تربته، وملحت مشاربه، لا يخرج نباته إلا نكدًا =
= يقول: إلا عَسِرًا في شدة، كما قال الشاعر: (١)
يعني بـ"التافه"، القليل، وبـ"النكد" العسر. يقال منه:"نكِد يَنْكَد نكَدًا، ونَكْدًا = فهو نَكَدٌ ونَكِدٌ"، والنُّكْد، المصدر. ومن أمثالهم:"نَكْدًا وجحدًا"،"ونُكدًا وجُحْدا". و"الجحد"، الشدة والضيق. ويقال:"إذا شُفِه وسئل: (٣) قد نَكَدوه ينكَدُونه نَكْدًا"، كما قال الشاعر: (٤)
* * *
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأه بعض أهل المدينة: (إلا نَكَدًا)، بفتح الكاف.
* * *
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والبلدُ الطيبة تربته، العذبةُ مشاربه، يخرج نباته إذا أنزل الله الغيث وأرسل عليه الحيا، بإذنه، طيبًا ثمرُه في حينه ووقته. والذي خَبُث فردؤت تربته، وملحت مشاربه، لا يخرج نباته إلا نكدًا =
= يقول: إلا عَسِرًا في شدة، كما قال الشاعر: (١)
لا تُنْجِزُ الوعْدَ، إِنْ وَعَدْتَ، وإن | أَعْطَيْتَ أَعْطَيْتَ تَافِهًا نَكِدَا (٢) |
وَأَعْطِ مَا أَعْطَيْتَهُ طَيِّبًا | لا خَيْرَ فِي المَنْكُودِ والنَّاكِدِ (٥) |
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأه بعض أهل المدينة: (إلا نَكَدًا)، بفتح الكاف.
* * *
(١) م أعرف قائله.
(٢) مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٢١٧ ولسان العرب (تفه).
(٣) "شفه الرجل" (بالبناء للمجهول)، إذا كثر سؤال الناس إياه فأعطى حتى نفد ما عنده فأفنى ماله."فهو مشفوه" ومثله"منكود، ومثمود، ومعروك، ومعجوز، ومصفوف، ومكثور عليه". ويقال: "ماء مشفوه"، كثير الشاربة، وكذلك الماء والطعام.
(٤) م أعرف قائله.
(٥) اللسان (نكد)، وقد ذكرت البيت آنفًا ١: ٤٤٢، تعليق: ١
(٢) مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٢١٧ ولسان العرب (تفه).
(٣) "شفه الرجل" (بالبناء للمجهول)، إذا كثر سؤال الناس إياه فأعطى حتى نفد ما عنده فأفنى ماله."فهو مشفوه" ومثله"منكود، ومثمود، ومعروك، ومعجوز، ومصفوف، ومكثور عليه". ويقال: "ماء مشفوه"، كثير الشاربة، وكذلك الماء والطعام.
(٤) م أعرف قائله.
(٥) اللسان (نكد)، وقد ذكرت البيت آنفًا ١: ٤٤٢، تعليق: ١
495
وقرأه بعض الكوفيين بسكون الكاف: (نَكْدًا).
* * *
وخالفهما بعد سائر القرأة في الأمصار، فقرؤوه: (إلا نَكِدًا)، بكسر الكاف.
* * *
كأن من قرأه:"نكَدًا" بنصب الكاف أراد المصدر.
وكأنّ من قرأه بسكون الكاف أراد كسرها، فسكنها على لغة من قال:"هذه فِخْذ وكِبْد"، وكان الذي يجب عليه إذا أراد ذلك أن يكسر"النون" من"نكد" حتى يكون قد أصاب القياس.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا، قراءةُ من قرأهُ: (نَكِدًا)، بفتح"النون" وكسر"الكاف"، لإجماع الحجة من قرأة الأمصار عليه.
* * *
وقوله:"كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون"، يقول: كذلك: نُبين آية بعد آية، وندلي بحجة بعد حجة، ونضرب مثلا بعد مثل، (١) لقوم يشكرون الله على إنعامه عليهم بالهداية، وتبصيره إياهم سبيل أهل الضلالة، باتباعهم ما أمرَهم باتباعه، وتجنُّبهم ما أمرهم بتجنبه من سبل الضلالة. وهذا مثل ضرَبه الله للمؤمن والكافر، فالبلد الطيب الذي يخرج نباته بإذن ربه، مثل للمؤمن = والذي خَبُث فلا يخرج نباته إلا نكدًا، مثلٌ للكافر.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٨٦ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي، عن ابن عباس قوله:"والبلد الطيب يخرج نباته
* * *
وخالفهما بعد سائر القرأة في الأمصار، فقرؤوه: (إلا نَكِدًا)، بكسر الكاف.
* * *
كأن من قرأه:"نكَدًا" بنصب الكاف أراد المصدر.
وكأنّ من قرأه بسكون الكاف أراد كسرها، فسكنها على لغة من قال:"هذه فِخْذ وكِبْد"، وكان الذي يجب عليه إذا أراد ذلك أن يكسر"النون" من"نكد" حتى يكون قد أصاب القياس.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا، قراءةُ من قرأهُ: (نَكِدًا)، بفتح"النون" وكسر"الكاف"، لإجماع الحجة من قرأة الأمصار عليه.
* * *
وقوله:"كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون"، يقول: كذلك: نُبين آية بعد آية، وندلي بحجة بعد حجة، ونضرب مثلا بعد مثل، (١) لقوم يشكرون الله على إنعامه عليهم بالهداية، وتبصيره إياهم سبيل أهل الضلالة، باتباعهم ما أمرَهم باتباعه، وتجنُّبهم ما أمرهم بتجنبه من سبل الضلالة. وهذا مثل ضرَبه الله للمؤمن والكافر، فالبلد الطيب الذي يخرج نباته بإذن ربه، مثل للمؤمن = والذي خَبُث فلا يخرج نباته إلا نكدًا، مثلٌ للكافر.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٨٦ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي، عن ابن عباس قوله:"والبلد الطيب يخرج نباته
(١) انظر تفسير"التصريف" فيما سلف ٣: ٢٧٥، ٢٧٦/ ١١: ٣٥٦، ٤٣٣/ ١٢: ٢٥
= وتفسير"الآية" فيما سلف من فهارس اللغة (أيي).
= وتفسير"الآية" فيما سلف من فهارس اللغة (أيي).
496
بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدًا"، فهذا مثل ضربه الله للمؤمن. يقول: هو طيب، وعمله طيب، كما البلد الطيب ثمره طيب. ثم ضرب مثلَ الكافر كالبلدة السَّبِخة المالحة التي يخرج منها النز (١) فالكافر هو الخبيث، وعمله خبيث.
١٤٧٨٧ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"والبلد الطيب"، و"الذي خبث" قال: كل ذلك من الأرض السِّباخ وغيرها، مثل آدم وذريته، فيهم طيب وخبيث.
١٤٧٨٨ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
١٤٧٨٩ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة:"والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدًا"، قال: هذا مثل ضربه الله في الكافر والمؤمن.
١٤٧٩٠ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثني أحمد = يعني ابن المفضل = قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث"، هي السبخة لا يخرج نباتها إلا نكدًا = و"النكد"، الشيء القليل الذي لا ينفع. فكذلك القلوب لما نزل القرآن، فالقلب المؤمن لما دخله القرآن آمن به وثبت الإيمان فيه، والقلب الكافر لما دخله القرآن لم يتعلق منه بشيء ينفعه، ولم يثبت فيه من الإيمان شيء إلا ما لا ينفع، كما لم يُخْرِج هذا البلد إلا ما لا ينفع من النبات.
١٤٧٨٧ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"والبلد الطيب"، و"الذي خبث" قال: كل ذلك من الأرض السِّباخ وغيرها، مثل آدم وذريته، فيهم طيب وخبيث.
١٤٧٨٨ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
١٤٧٨٩ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة:"والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدًا"، قال: هذا مثل ضربه الله في الكافر والمؤمن.
١٤٧٩٠ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثني أحمد = يعني ابن المفضل = قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث"، هي السبخة لا يخرج نباتها إلا نكدًا = و"النكد"، الشيء القليل الذي لا ينفع. فكذلك القلوب لما نزل القرآن، فالقلب المؤمن لما دخله القرآن آمن به وثبت الإيمان فيه، والقلب الكافر لما دخله القرآن لم يتعلق منه بشيء ينفعه، ولم يثبت فيه من الإيمان شيء إلا ما لا ينفع، كما لم يُخْرِج هذا البلد إلا ما لا ينفع من النبات.
(١) في المطبوعة: "التي تخرج منها البركة"، زاد"لا"، وليست في المخطوطة اتباعًا لما في الدر ٣: ٩٣. وفي المخطوطة مثلها أنه كتب"النزله" غير المنقوطة. وهو غير مفهوم إذا قرئ: "تخرج منها البركة". وصفة الأرض"السبخة" أنها أرض ذات ملح ونز، وهو الماء تتحلب عنه الأرض، فيصير مناقع. ومن أجل ذلك صار راجحًا عندي أن ما أثبته هو الصواب، وأن ما في المخطوطة من فعل الناسخ.
497
١٤٧٩١ - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد، عن مجاهد:"والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدًا"، قال: الطيب ينفعه المطر فينبت،"والذي خبث" السباخُ، لا ينفعه المطر، لا يخرج نباته إلا نكدًا. قال: هذا مثل ضربه الله لآدم وذريته كلهم، إنما خلقوا من نفس واحدة، فمنهم من آمن بالله وكتابه، فطابَ. ومنهم من كفر بالله وكتابه، فخَبُث.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩) ﴾
قال أبو جعفر: أقسم ربنا جل ثناؤه للمخاطبين بهذه الآية: أنه أرسل نوحًا إلى قومه، منذرَهم بأسَه، ومخوِّفَهم سَخَطه، على عبادتهم غيره، فقال لمن كفر منهم: يا قوم، اعبدوا الله الذي له العبادة، وذِلُّوا له بالطاعة، واخضعوا له بالاستكانة، ودعوا عبادة ما سواه من الأنداد والآلهة، فإنه ليس لكم معبودٌ يستوجب عليكم العبادةَ غيرُه، فإني أخاف عليكم إن لم تفعلوا ذلك"عذابَ يوم عظيم"، يعني: عذابَ يوم يعظم فيه بلاؤكم بمجيئه إياكم بسخط ربِّكم.
* * *
وقد اختلفت القَرَأة في قراءة قوله:"غيره".
فقرأ ذلك بعض أهل المدينة والكوفة: (مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرِهِ)، بخفض"غير" على النعت لـ"إله".
* * *
وقرأه جماعة من أهل المدينة والبصرة والكوفة: (مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُه)،
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩) ﴾
قال أبو جعفر: أقسم ربنا جل ثناؤه للمخاطبين بهذه الآية: أنه أرسل نوحًا إلى قومه، منذرَهم بأسَه، ومخوِّفَهم سَخَطه، على عبادتهم غيره، فقال لمن كفر منهم: يا قوم، اعبدوا الله الذي له العبادة، وذِلُّوا له بالطاعة، واخضعوا له بالاستكانة، ودعوا عبادة ما سواه من الأنداد والآلهة، فإنه ليس لكم معبودٌ يستوجب عليكم العبادةَ غيرُه، فإني أخاف عليكم إن لم تفعلوا ذلك"عذابَ يوم عظيم"، يعني: عذابَ يوم يعظم فيه بلاؤكم بمجيئه إياكم بسخط ربِّكم.
* * *
وقد اختلفت القَرَأة في قراءة قوله:"غيره".
فقرأ ذلك بعض أهل المدينة والكوفة: (مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرِهِ)، بخفض"غير" على النعت لـ"إله".
* * *
وقرأه جماعة من أهل المدينة والبصرة والكوفة: (مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُه)،
برفع"غير"، ردًّا لها على موضع"من"، لأن موضعها رفع، لو نزعت من الكلام لكان الكلام رفعًا، وقيل:"ما لكم إله غيرُ الله". (١) فالعرب [لما وصفت من أن المعلوم بالكلام] (٢) أدخلت "من" فيه أو أخرجت، وأنها تدخلها أحيانًا في مثل هذا من الكلام، وتخرجها منه أحيانًا، تردّ ما نعتت به الاسم الذي عملت فيه على لفظه، فإذا خفضت، فعلى كلام واحد، لأنها نعت لـ"الإله". وأما إذا رفعت، فعلى كلامين:"ما لكم غيره من إله"، وهذا قول يستضعفه أهل العربية.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٦٠) ﴾
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه، عن جواب مشركي قوم نوح لنوح، وهم"الملأ" = و"الملأ"، الجماعة من الرجال، لا امرأة فيهم (٣) = أنهم قالوا له حين دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له:"إنا لنراك"، يا نوح ="في ضلال مبين"، (٤) يعنون في أمر زائل عن الحق، مبين زوالهُ عن قصد الحقّ لمن تأمله. (٥)
* * *
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٦٠) ﴾
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه، عن جواب مشركي قوم نوح لنوح، وهم"الملأ" = و"الملأ"، الجماعة من الرجال، لا امرأة فيهم (٣) = أنهم قالوا له حين دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له:"إنا لنراك"، يا نوح ="في ضلال مبين"، (٤) يعنون في أمر زائل عن الحق، مبين زوالهُ عن قصد الحقّ لمن تأمله. (٥)
* * *
(١) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٨٢، ٣٨٣.
(٢) هكذا جاءت العبارة في المطبوعة والمخطوطة، وفي الكلام سقط لا شك فيه، لم أستطع أن أرده إلى أصله، ولذلك وضعت هذه العبارة بين القوسين. والظاهر أن السقط طويل، لأن أبا جعفر خالف هنا في هذا السياق ما درج عليه من ذكر أولي القراءتين بالصواب عنده.
(٣) انظر تفسير"الملأ" فيما سلف ٥: ٢٩١، وقد فسره هناك بما فسرته كتب اللغة، أنهم وجوه القوم ورؤساؤهم وأشرافهم. وأما التفسير الذي هنا، فلم يرد فيها، وهو شيء ينبغي أن يقيد. وهذا نص الفراء في معاني القرآن ١: ٣٨٣.
(٤) انظر تفسير"الضلال" و"مبين" فيما سلف من فهارس اللغة (ضلل) و (بين).
(٥) في المطبوعة: "عن قصد الحد"، وهو لا معنى له، وهي في المخطوطة سيئة الكتابة، وهذا صواب قراءتها. وانظر تفسير الآية التالية.
(٢) هكذا جاءت العبارة في المطبوعة والمخطوطة، وفي الكلام سقط لا شك فيه، لم أستطع أن أرده إلى أصله، ولذلك وضعت هذه العبارة بين القوسين. والظاهر أن السقط طويل، لأن أبا جعفر خالف هنا في هذا السياق ما درج عليه من ذكر أولي القراءتين بالصواب عنده.
(٣) انظر تفسير"الملأ" فيما سلف ٥: ٢٩١، وقد فسره هناك بما فسرته كتب اللغة، أنهم وجوه القوم ورؤساؤهم وأشرافهم. وأما التفسير الذي هنا، فلم يرد فيها، وهو شيء ينبغي أن يقيد. وهذا نص الفراء في معاني القرآن ١: ٣٨٣.
(٤) انظر تفسير"الضلال" و"مبين" فيما سلف من فهارس اللغة (ضلل) و (بين).
(٥) في المطبوعة: "عن قصد الحد"، وهو لا معنى له، وهي في المخطوطة سيئة الكتابة، وهذا صواب قراءتها. وانظر تفسير الآية التالية.
القول في تأويل قوله: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٦١) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال نوح لقومه مجيبًا لهم: يا قوم، لم آمركم بما أمرتكم به من إخلاص التوحيد لله، وإفراده بالطاعة دون الأنداد والآلهة، زوالا مني عن محجة الحقّ، وضلالا لسبيل الصواب، وما بي ما تظنون من الضلال، ولكنّي رسول إليكم من رب العالمين بما أمرتكم به: من إفراده بالطاعة، والإقرار له بالوحدانية، والبراءة من الأنداد والآلهة.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (٦٢) ﴾
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن نبيه نوح عليه السلام أنه قال لقومه الذين كفروا بالله وكذبوه:"ولكني رسول من رب العالمين"، أرسلني إليكم، فأنا أبلغكم رسالات ربي، وأنصح لكم في تحذيري إياكم عقابَ الله على كفركم به، وتكذيبكم إياي، وردّكم نصيحتي ="وأعلم من الله ما لا تعلمون"، من أن عقابه لا يردُّ عن القوم المجرمين.
* * *
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال نوح لقومه مجيبًا لهم: يا قوم، لم آمركم بما أمرتكم به من إخلاص التوحيد لله، وإفراده بالطاعة دون الأنداد والآلهة، زوالا مني عن محجة الحقّ، وضلالا لسبيل الصواب، وما بي ما تظنون من الضلال، ولكنّي رسول إليكم من رب العالمين بما أمرتكم به: من إفراده بالطاعة، والإقرار له بالوحدانية، والبراءة من الأنداد والآلهة.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (٦٢) ﴾
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن نبيه نوح عليه السلام أنه قال لقومه الذين كفروا بالله وكذبوه:"ولكني رسول من رب العالمين"، أرسلني إليكم، فأنا أبلغكم رسالات ربي، وأنصح لكم في تحذيري إياكم عقابَ الله على كفركم به، وتكذيبكم إياي، وردّكم نصيحتي ="وأعلم من الله ما لا تعلمون"، من أن عقابه لا يردُّ عن القوم المجرمين.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٦٣) ﴾
قال أبو جعفر: وهذا أيضًا خبر من الله عز ذكره عن قِيل نوح لقومه أنه قال لهم، إذ ردُّوا عليه النصيحة في الله، وأنكروا أن يكون الله بعثه نبيًّا، وقالوا له: (مَا نَرَاكَ إِلا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ)، [سورة هود: ٢٧] =:"أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم"، يقول: أوعجبتم أن جاءكم تذكير من الله وعِظة، يذكركم بما أنزل ربكم ="على رجل منكم"، قيل: معنى قوله:"على رجل منكم"، مع رجل منكم (١) =" لينذركم"، يقول: لينذركم بأس الله ويخوِّفكم عقابه على كفركم به (٢) ="ولتتقوا"، يقول: وكي تتقوا عقابَ الله وبأسه، بتوحيده وإخلاص الإيمان به، والعمل بطاعته ="ولعلكم ترحمون"، يقول: وليرحمكم ربكم إن اتقيتم الله، وخفتموه وحَذِرتم بأسه.
* * *
وفتحت"الواو" من قوله:"أو عجبتم"، لأنها واو عطف، دخلت عليها ألف استفهام. (٣)
* * *
قال أبو جعفر: وهذا أيضًا خبر من الله عز ذكره عن قِيل نوح لقومه أنه قال لهم، إذ ردُّوا عليه النصيحة في الله، وأنكروا أن يكون الله بعثه نبيًّا، وقالوا له: (مَا نَرَاكَ إِلا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ)، [سورة هود: ٢٧] =:"أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم"، يقول: أوعجبتم أن جاءكم تذكير من الله وعِظة، يذكركم بما أنزل ربكم ="على رجل منكم"، قيل: معنى قوله:"على رجل منكم"، مع رجل منكم (١) =" لينذركم"، يقول: لينذركم بأس الله ويخوِّفكم عقابه على كفركم به (٢) ="ولتتقوا"، يقول: وكي تتقوا عقابَ الله وبأسه، بتوحيده وإخلاص الإيمان به، والعمل بطاعته ="ولعلكم ترحمون"، يقول: وليرحمكم ربكم إن اتقيتم الله، وخفتموه وحَذِرتم بأسه.
* * *
وفتحت"الواو" من قوله:"أو عجبتم"، لأنها واو عطف، دخلت عليها ألف استفهام. (٣)
* * *
(١) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٨٣.
(٢) انظر تفسير"الإنذار" فيما سلف من فهارس اللغة (نذر).
(٣) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٨٣.
(٢) انظر تفسير"الإنذار" فيما سلف من فهارس اللغة (نذر).
(٣) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٨٣.
القول في تأويل قوله: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (٦٤) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فكذب نوحًا قومه إذ أخبرهم أنه لله رسولٌ إليهم، يأمرهم بخلع الأنداد، والإقرار بوحدانية الله، والعمل بطاعته، وخالفوا أمر ربهم، ولجُّوا في طغيانهم يعمهون، فأنجاه الله في الفلك والذين معه من المؤمنين به، وكانوا بنوح عليه السلام أنفسًا عشرة، (١) فيما:-
١٤٧٩٢ - حدثني به ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: نوح، وبنوه الثلاثة سامٌ وحام ويافث، وأزواجهم، وستة أناسيّ ممن كان آمن به.
* * *
وكان حمل معه في الفلك من كل زوجين اثنين، كما قال تبارك وتعالى: (وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ) [سورة هود: ٤٠].
* * *
و"الفلك"، هو السفينة.
* * *
"وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا"، يقول: وأغرق الله الذين كذبوا بحججه، ولم يتبعوا رسله، ولم يقبلوا نصيحته إياهم في الله بالطوفان.
="إنهم كانوا قومًا عمين"، يقول: عمين عن الحق، كما:-
١٤٧٩٣ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"عمين"، قال: عن الحق.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فكذب نوحًا قومه إذ أخبرهم أنه لله رسولٌ إليهم، يأمرهم بخلع الأنداد، والإقرار بوحدانية الله، والعمل بطاعته، وخالفوا أمر ربهم، ولجُّوا في طغيانهم يعمهون، فأنجاه الله في الفلك والذين معه من المؤمنين به، وكانوا بنوح عليه السلام أنفسًا عشرة، (١) فيما:-
١٤٧٩٢ - حدثني به ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: نوح، وبنوه الثلاثة سامٌ وحام ويافث، وأزواجهم، وستة أناسيّ ممن كان آمن به.
* * *
وكان حمل معه في الفلك من كل زوجين اثنين، كما قال تبارك وتعالى: (وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ) [سورة هود: ٤٠].
* * *
و"الفلك"، هو السفينة.
* * *
"وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا"، يقول: وأغرق الله الذين كذبوا بحججه، ولم يتبعوا رسله، ولم يقبلوا نصيحته إياهم في الله بالطوفان.
="إنهم كانوا قومًا عمين"، يقول: عمين عن الحق، كما:-
١٤٧٩٣ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"عمين"، قال: عن الحق.
(١) في المخطوطة ما أثبت، ولكن ناشر المطبوعة اجتهد فكتب"وكانوا بنوح عليه السلام ثلاث عشرة"، وهو تصرف معيب، فإن خبر ابن إسحاق هذا سيأتي في تفسير"سورة هود" ١٢: ٢٦ (بولاق)، وفيه: "فكانوا عشرة نفر بنوح وبنيه وأزواجهم"، فنوح وبنوه أربعة، وستة أناسي، فهذه عشرة. أما الأزواج فإنه لم يدخلهن في العدة كما ترى، وإنما عنى عدد الرجال دون النساء.
١٤٧٩٤ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"قوما عمين"، قال: العَمَى، العامي عن الحق. (١)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٦٥) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا إلى عاد أخاهم هودًا = ولذلك نصب"هودًا"، لأنه معطوف به على"نوح" عليهما السلام = قال هود: يا قوم، اعبدوا الله فأفردوا له العبادة، ولا تجعلوا معه إلهًا غيره، فإنه ليس لكم إله غيره ="أفلا تتقون"، ربكم فتحذرونه، وتخافون عقابه بعبادتكم غيره، وهو خالقكم ورازقكم دون كل ما سواه.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٦٦) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٦٧) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: مخبرًا عما أجاب هودًا به قومُه الذين كفروا بالله:"قال الملأ الذين كفروا"، يعني: الذين جحدوا توحيد الله وأنكروا رسالة الله إليهم (٢)
="إنا لنراك"، يا هود"في سفاهة"، يعنون: في ضلالة عن الحق والصواب
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٦٥) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا إلى عاد أخاهم هودًا = ولذلك نصب"هودًا"، لأنه معطوف به على"نوح" عليهما السلام = قال هود: يا قوم، اعبدوا الله فأفردوا له العبادة، ولا تجعلوا معه إلهًا غيره، فإنه ليس لكم إله غيره ="أفلا تتقون"، ربكم فتحذرونه، وتخافون عقابه بعبادتكم غيره، وهو خالقكم ورازقكم دون كل ما سواه.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٦٦) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٦٧) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: مخبرًا عما أجاب هودًا به قومُه الذين كفروا بالله:"قال الملأ الذين كفروا"، يعني: الذين جحدوا توحيد الله وأنكروا رسالة الله إليهم (٢)
="إنا لنراك"، يا هود"في سفاهة"، يعنون: في ضلالة عن الحق والصواب
(١) انظر تفسير"العمى" فيما سلف ١١: ٣٧٢، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير الملأ" فيما سلف قريبًا ص: ٤٩٩، تعليق: ٣، والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير الملأ" فيما سلف قريبًا ص: ٤٩٩، تعليق: ٣، والمراجع هناك.
503
بتركك ديننا وعبادة آلهتنا (١) ="وإنا لنظنك من الكاذبين"، في قيلك:"إنّي رسول من رب العالمين" = قال:"يا قوم ليس بي سفاهة"، يقول: أي ضلالة عن الحق والصواب ="ولكني رسول من رب العالمين"، أرسلني، فأنا أبلغكم رسالات ربي، وأؤدّيها إليكم كما أمرني أن أؤدِّيَها.
* * *
* * *
(١) انظر تفسير"السفاهة" فيما سلف ص: ١٥٣، تعليق: ٤، والمراجع هناك.
504
القول في تأويل قوله: ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (٦٨) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٦٩) ﴾
قال أبو جعفر: يعني بقوله:"أبلغكم رسالات ربّي"، أؤدي ذلك إليكم، أيها القوم (١) ="وأنا لكم ناصح"، يقول: وأنا لكم في أمري إياكم بعبادة الله دون ما سواه من الأنداد والآلهة، ودعائكم إلى تصديقي فيما جئتكم به من عند الله، ناصحٌ، فاقبلوا نصيحتي، فإني أمين على وحي الله، وعلى ما ائتمنني الله عليه من الرسالة، لا أكذب فيه ولا أزيد ولا أبدِّل، بل أبلغ ما أمرت كما أمرت ="أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم"، يقول: أوعجبتم أن أنزل الله وحيه بتذكيركم وعظتكم على ما أنتم عليه مقيمون من الضلالة، على رجل منكم لينذركم بأس الله ويخوّفكم عقابه (٢) = "واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم
قال أبو جعفر: يعني بقوله:"أبلغكم رسالات ربّي"، أؤدي ذلك إليكم، أيها القوم (١) ="وأنا لكم ناصح"، يقول: وأنا لكم في أمري إياكم بعبادة الله دون ما سواه من الأنداد والآلهة، ودعائكم إلى تصديقي فيما جئتكم به من عند الله، ناصحٌ، فاقبلوا نصيحتي، فإني أمين على وحي الله، وعلى ما ائتمنني الله عليه من الرسالة، لا أكذب فيه ولا أزيد ولا أبدِّل، بل أبلغ ما أمرت كما أمرت ="أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم"، يقول: أوعجبتم أن أنزل الله وحيه بتذكيركم وعظتكم على ما أنتم عليه مقيمون من الضلالة، على رجل منكم لينذركم بأس الله ويخوّفكم عقابه (٢) = "واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم
(١) انظر تفسير"البلاغ" فيما سلف ١٠: ٥٧٥/ ١١: ٩.
(٢) انظر تفسير نظيرة هذه الآية فيما سلف قريبًا: ص٥٠١.
(٢) انظر تفسير نظيرة هذه الآية فيما سلف قريبًا: ص٥٠١.
504
نوح"، يقول: فاتقوا الله في أنفسكم، واذكروا ما حلّ بقوم نوح من العذاب إذ عصوا رسولهم، وكفروا بربهم، فإنكم إنما جعلكم ربكم خلفاء في الأرض منهم، لمّا أهلكهم أبدلكم منهم فيها، (١) فاتقوا الله أن يحلّ بكم نظير ما حل بهم من العقوبة، فيهلككم ويبدل منكم غيركم، سنَّته في قوم نوح قبلكم، على معصيتكم إياه وكفركم به ="وزادكم في الخلق بسطة"، زاد في أجسامكم طولا وعِظَمًا على أجسام قوم نوح، (٢) وفي قواكم على قواهم، (٣) نعمة منه بذلك عليكم، فاذكروا نعمه وفضله الذي فضلكم به عليهم في أجسامكم وقُوَاكم، (٤) واشكروا الله على ذلك بإخلاص العبادة له، وترك الإشراك به، وهجر الأوثان والأنداد ="لعلكم تفلحون"، يقول: كي تفلحوا فتدركوا الخلود والبقاء في النعم في الآخرة، وتنجحوا في طلباتكم عنده. (٥)
* * *
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله:" واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح"، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٩٥ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح"، يقول: ذهب بقوم نوح، واستخلفكم من بعدهم.
١٤٧٩٦ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق:"واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح"، أي: ساكني الأرض بعد قوم نوح.
* * *
* * *
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله:" واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح"، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٩٥ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح"، يقول: ذهب بقوم نوح، واستخلفكم من بعدهم.
١٤٧٩٦ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق:"واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح"، أي: ساكني الأرض بعد قوم نوح.
* * *
(١) انظر تفسير"خليفة" فيما سلف ١: ٤٤٩/ ١٢: ٢٨٨.
(٢) انظر تفسير"البسطة" فيما سلف ٥: ٣١٣.
(٣) في المطبوعة: "وفي قوامكم على قوامهم"، وهو خطأ، صوابه ما في المخطوطة.
(٤) في المطبوعة أيضًا: "وقوامكم"، صوابه من المخطوطة.
(٥) انظر تفسير"الفلاح" فيما سلف ص: ٣١٢، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير"البسطة" فيما سلف ٥: ٣١٣.
(٣) في المطبوعة: "وفي قوامكم على قوامهم"، وهو خطأ، صوابه ما في المخطوطة.
(٤) في المطبوعة أيضًا: "وقوامكم"، صوابه من المخطوطة.
(٥) انظر تفسير"الفلاح" فيما سلف ص: ٣١٢، تعليق: ١، والمراجع هناك.
505
وبنحو الذي قلنا أيضًا قالوا في تأويل قوله:"بسطة".
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٩٧ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وزادكم في الخلق بسطة"، قال: ما لقوّةِ قوم عاد. (١)
* * *
وأما"الآلاء"، فإنها جمع، واحدها:"إلًى" بكسر"الألف" في تقدير"مِعًى"، ويقال:"ألَى" في تقدير"قَفَا" بفتح"الألف". وقد حكي سماعًا من العرب:"إلْي" مثل"حِسْي". و"الآلاء"، النعم.
* * *
وكذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٩٨ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"فاذكروا آلاء الله"، أي: نعم الله.
١٤٧٩٩ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما"آلاء الله"، فنعم الله.
١٤٨٠٠ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"فاذكروا آلاء الله"، قال: آلاؤه، نعمه.
* * *
قال أبو جعفر: و"عاد"، هؤلاء القوم الذين وصف الله صفتهم، وبعث إليهم هودًا يدعوهم إلى توحيد الله، واتّباع ما أتاهم به من عنده، هم، فيما:-
١٤٨٠١ - حدثنا به ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: ولد عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح.
* * *
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٩٧ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وزادكم في الخلق بسطة"، قال: ما لقوّةِ قوم عاد. (١)
* * *
وأما"الآلاء"، فإنها جمع، واحدها:"إلًى" بكسر"الألف" في تقدير"مِعًى"، ويقال:"ألَى" في تقدير"قَفَا" بفتح"الألف". وقد حكي سماعًا من العرب:"إلْي" مثل"حِسْي". و"الآلاء"، النعم.
* * *
وكذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٧٩٨ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"فاذكروا آلاء الله"، أي: نعم الله.
١٤٧٩٩ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما"آلاء الله"، فنعم الله.
١٤٨٠٠ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"فاذكروا آلاء الله"، قال: آلاؤه، نعمه.
* * *
قال أبو جعفر: و"عاد"، هؤلاء القوم الذين وصف الله صفتهم، وبعث إليهم هودًا يدعوهم إلى توحيد الله، واتّباع ما أتاهم به من عنده، هم، فيما:-
١٤٨٠١ - حدثنا به ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: ولد عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح.
* * *
(١) في المطبوعة: "ما لقوام قوم عاد"، والصواب ما في المخطوطة.
506
وكانت مساكنهم الشِّحْر، من أرض اليمن وما وَالى بلاد حضرموت إلى عُمَان، كما:
١٤٨٠٢ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أن عادًا قوم كانوا باليمن، بالأحقاف.
١٤٨٠٣ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثنا ابن إسحاق، عن محمد بن عبد الله بن أبي سعيد الخزاعي، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، قال: سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول لرجل من حضرموت: هل رأيت كثيبًا أحمر تخالطه مَدَرَةٌ حمراء، (١) ذا أرَاك وسِدْر كثير بناحية كذا وكذا من أرض حضرموت، (٢) هل رأيته؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين! والله إنك لتنعته نعتَ رجل قد رآه! قال: لا ولكني قد حُدِّثت عنه. فقال الحضرمي: وما شأنه يا أمير المؤمنين؟ قال: فيه قبرُ هود صلوات الله عليه. (٣)
١٤٨٠٤ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال كانت منازل عاد وجماعتهم، حين بعث الله فيهم هودًا، الأحقاف. قال: و"الأحقاف"، الرملُ، فيما بين عُمان إلى حضرموت، فاليمن كله. (٤) وكانوا مع ذلك قد فشوا في الأرض كلِّها، وقهروا أهلها بفضل قوّتهم التي آتاهم الله. وكانوا أصحاب أوثانٍ يعبدونها من دون الله: صنم يقال له"صُداء"، وصنم يقال له"صَمُود"، وصنم
١٤٨٠٢ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أن عادًا قوم كانوا باليمن، بالأحقاف.
١٤٨٠٣ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثنا ابن إسحاق، عن محمد بن عبد الله بن أبي سعيد الخزاعي، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، قال: سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول لرجل من حضرموت: هل رأيت كثيبًا أحمر تخالطه مَدَرَةٌ حمراء، (١) ذا أرَاك وسِدْر كثير بناحية كذا وكذا من أرض حضرموت، (٢) هل رأيته؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين! والله إنك لتنعته نعتَ رجل قد رآه! قال: لا ولكني قد حُدِّثت عنه. فقال الحضرمي: وما شأنه يا أمير المؤمنين؟ قال: فيه قبرُ هود صلوات الله عليه. (٣)
١٤٨٠٤ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال كانت منازل عاد وجماعتهم، حين بعث الله فيهم هودًا، الأحقاف. قال: و"الأحقاف"، الرملُ، فيما بين عُمان إلى حضرموت، فاليمن كله. (٤) وكانوا مع ذلك قد فشوا في الأرض كلِّها، وقهروا أهلها بفضل قوّتهم التي آتاهم الله. وكانوا أصحاب أوثانٍ يعبدونها من دون الله: صنم يقال له"صُداء"، وصنم يقال له"صَمُود"، وصنم
(١) "المدرة"، الطين العلك الذي لا رمل فيه.
(٢) "الأراك" و"السدر" نبتان.
(٣) الأثر: ١٤٨٠٣-"محمد بن عبد الله بن أبي سعيد الخزاعي"، ترجم له البخاري في الكبير ١/ ١/ ١٣٥، وساق الخبر، بنحوه، مطولا، ولم يذكر فيه جرحًا. وابن أبي حاتم ٣/ ٢/ ٢٩٧.
"أبو الطفيل"، "عامر بن واثلة الكناني"، رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو شاب، ثبتت رؤيته رسول الله، ولم يثبت سماعه منه. قالوا: كان آخر من مات من الصحابة سنة مئة، أو ما بعدها.
(٤) في المطبوعة: "باليمن"، وأسقط"كله"، وأثبت ما في المخطوطة.
(٢) "الأراك" و"السدر" نبتان.
(٣) الأثر: ١٤٨٠٣-"محمد بن عبد الله بن أبي سعيد الخزاعي"، ترجم له البخاري في الكبير ١/ ١/ ١٣٥، وساق الخبر، بنحوه، مطولا، ولم يذكر فيه جرحًا. وابن أبي حاتم ٣/ ٢/ ٢٩٧.
"أبو الطفيل"، "عامر بن واثلة الكناني"، رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو شاب، ثبتت رؤيته رسول الله، ولم يثبت سماعه منه. قالوا: كان آخر من مات من الصحابة سنة مئة، أو ما بعدها.
(٤) في المطبوعة: "باليمن"، وأسقط"كله"، وأثبت ما في المخطوطة.
507
يقال له"الهباء". فبعث الله إليهم هودًا، وهو من أوْسطهم نسبًا، وأفضلهم موضعًا، فأمرهم أن يوحِّدوا الله ولا يجعلوا معه إلهًا غيره، وأن يكفُّوا عن ظلم الناس. ولم يأمرهم فيما يذكر، والله أعلم، بغير ذلك. فأبوا عليه وكذبوه. وقالوا:"من أشدّ منا قوة! ". واتبعه منهم ناسٌ، وهم يسيرٌ مكتتمون بإيمانهم. (١) وكان ممن آمن به وصدّقه رجلٌ من عاد يقال له:"مرثد بن سعد بن عفير"، وكان يكتم إيمانه. فلما عتوا على الله تبارك وتعالى وكذبوا نبيَّهم، وأكثروا في الأرض الفساد، وتجبَّروا وبنوا بكل رِيع آية عبَثًا بغير نفع، كلمهم هود فقال: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) [سورة الشعراء: ١٢٨-١٣١]، (قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ)، أي: ما هذا الذي جئتنا به إلا جنون أصابك به بعض آلهتنا هذه التي تعيب = (قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ)، إلى قوله: (صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [سورة هود: ٥٣-٥٦]. فلما فعلوا ذلك أمسك الله عنهم المطر من السَّماء ثلاث سنين، فيما يزعمون، حتى جهدهم ذلك. وكان الناس في ذلك الزمان إذا نزل بهم بلاء أو جَهْد، فطلبوا إلى الله الفرج منه، كانت طَلِبتهم إلى الله عند بيته الحرام بمكة، مسلمهم ومشركهم، فيجتمع بمكة ناس كثيرٌ شتى مختلفةٌ أديانُهم، وكلهم معظّم لمكة، يعرف حُرْمتها ومكانَها من الله.
= قال ابن إسحاق: وكان البيت في ذلك الزمان معروفًا مكانه، (٢) والحرم قائم فيما يذكرون، وأهل مكة يومئذ العماليق = وإنما سموا"العماليق"، لأن
= قال ابن إسحاق: وكان البيت في ذلك الزمان معروفًا مكانه، (٢) والحرم قائم فيما يذكرون، وأهل مكة يومئذ العماليق = وإنما سموا"العماليق"، لأن
(١) في المطبوعة: "يكتمون إيمانهم"، وأثبت ما في المخطوطة.
(٢) في المخطوطة: "وكان البيت في زمان معروفًا مكانه"، غير مستقيم، والذي في المطبوعة أقوم على السياق.
(٢) في المخطوطة: "وكان البيت في زمان معروفًا مكانه"، غير مستقيم، والذي في المطبوعة أقوم على السياق.
508
أباهم:"عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح" = وكان سيد العماليق إذ ذاك بمكة، فيما يزعمون رجلا يقال له معاوية بن بكر، وكان أبوه حيًّا في ذلك الزمان، ولكنه كان قد كبر، وكان ابنه يرأس قومه. وكان السؤدد والشرف من العماليق، فيما يزعمون، في أهل ذلك البيت. وكانت أم معاوية بن بكر، كلهدة ابنة الخيبري، رجلٍ من عادٍ، فلما قَحَطَ المطر عن عاد وجُهِدوا، (١) قالوا: جهزوا منكم وفدًا إلى مكة فليستسقوا لكم، فإنكم قد هلكتم! فبعثوا قيل بن عنز (٢) ولقيم بن هزّال بن هزيل، (٣) وعتيل بن صُدّ بن عاد الأكبر. (٤) ومرثد بن سعد بن عفير، وكان مسلمًا يكتم إسلامه، وجُلْهُمَة بن الخيبري، خال معاوية بن بكر أخو أمه. ثم بعثوا لقمان بن عاد بن فلان بن فلان بن صُدّ بن عاد الأكبر. فانطلق كل رجل من هؤلاء القوم معه رهط من قومه، حتى بلغ عدّة وفدهم سبعين رجلا. فلما قدموا مكة نزلوا على معاوية بن بكر، وهو بظاهر مكة خارجًا من الحرم، فأنزلهم وأكرمهم وكانوا أخواله وصِهْرَه. (٥)
= فلما نزل وفد عاد على معاوية بن بكر، أقاموا عنده شهرًا يشربون الخمر، وتغنِّيهم الجرادَتان = قينتان لمعاوية بن بكر. وكان مسيرهم شهرًا، ومقامهم شهرًا. فلما رأى معاوية بن بكر طُول مقامهم، وقد بعثهم قومُهم يتعوَّذون بهم من البلاء الذي أصابهم، (٦) شقَّ ذلك عليه، فقال: هلك أخوالي وأصهاري! وهؤلاء مقيمون
= فلما نزل وفد عاد على معاوية بن بكر، أقاموا عنده شهرًا يشربون الخمر، وتغنِّيهم الجرادَتان = قينتان لمعاوية بن بكر. وكان مسيرهم شهرًا، ومقامهم شهرًا. فلما رأى معاوية بن بكر طُول مقامهم، وقد بعثهم قومُهم يتعوَّذون بهم من البلاء الذي أصابهم، (٦) شقَّ ذلك عليه، فقال: هلك أخوالي وأصهاري! وهؤلاء مقيمون
(١) "قحط المطر" (بفتحتين) و"قحط" (بالبناء للمجهول) : احتبس. و"القحطة" احتباس المطر، ولما كان احتباس المطر معقبًا للجدب، سمو الجدب قحطًا.
(٢) في المطبوعة"بن عنز"، وفي المخطوطة: "عتر"، وفي التاريخ"عثر" وسيأتي بعد في التاريخ"عنز".
(٣) في المطبوعة: "من هذيل"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو مطابق لما في تاريخ الطبري.
(٤) في المطبوعة: "وعقيل بن صد"، وأثبت ما في المخطوطة، مطابقًا لما في التاريخ، وإن الذي في التاريخ هكذا:
(٥) في المطبوعة: "وأصهاره"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو مطابق لما في التاريخ.
(٦) "يتغوثون" في المطبوعة والتاريخ، وفي المخطوطة: "يتعوذون"، غير منقوطة، وهي صحيحة، فأثبتها.
(٢) في المطبوعة"بن عنز"، وفي المخطوطة: "عتر"، وفي التاريخ"عثر" وسيأتي بعد في التاريخ"عنز".
(٣) في المطبوعة: "من هذيل"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو مطابق لما في تاريخ الطبري.
(٤) في المطبوعة: "وعقيل بن صد"، وأثبت ما في المخطوطة، مطابقًا لما في التاريخ، وإن الذي في التاريخ هكذا:
"وليقيم بن هزال بن هزيل بن عتيل بن ضد | " و"ضد" بالضاد في التاريخ، وأظن الصاد أصح. |
(٦) "يتغوثون" في المطبوعة والتاريخ، وفي المخطوطة: "يتعوذون"، غير منقوطة، وهي صحيحة، فأثبتها.
509
عندي، وهم ضيفي نازلون عليّ! والله ما أدري كيف أصنع بهم؟ أستحي أن آمرهم بالخروج إلى ما بعثوا له، (١) فيظنوا أنه ضِيق مني بمقامهم عندي، وقد هلك مَنْ وراءهم من قومهم جَهْدًا وعَطَشا!! أو كما قال. فشكا ذلك من أمرهم إلى قينتيه الجرادتين، فقالتا: قل شعرًا نُغنِّيهم به، لا يدرون مَنْ قاله، لعل ذلك أن يحرِّكهم! فقال معاوية بن بكر، حين أشارتا عليه بذلك:
أَلا يَا قَيْلَ، ويْحَكَ! قُمْ فَهَيْنِمْ... لَعَلَّ اللهَ يُصْبِحُنَا غَمَامَا (٢) فَيَسْقِي أَرْضَ عَادٍ، إنَّ عَادًا... قَدَ امْسَوا لا يُبِينُونَ الكَلامَا
فلما قال معاوية ذلك الشعر، غنتهم به الجرادتان. فلما سمع القوم ما غنَّتا به، قال بعضهم لبعض: يا قوم، إنما بعثكم قومُكم يتعوَّذون بكم من هذا البلاء الذي نزل بهم، (٤) وقد أبطأتم عليهم! فادخلوا هذا الحرمَ واستسقوا لقومكم!
أَلا يَا قَيْلَ، ويْحَكَ! قُمْ فَهَيْنِمْ... لَعَلَّ اللهَ يُصْبِحُنَا غَمَامَا (٢) فَيَسْقِي أَرْضَ عَادٍ، إنَّ عَادًا... قَدَ امْسَوا لا يُبِينُونَ الكَلامَا
مِنَ الْعَطَشِ الشَّدِيدِ، فَلَيْسَ نَرْجُو | بِهِ الشَّيْخَ الكَبِيرَ وَلا الغُلامَا |
وَأنْتُمْ هَا هُنَا فِيمَا اشْتَهَيْتُمْ | نَهَارَكُمُ وَلَيْلَكُمُ التَّمَامَا |
فَقُبِّحَ وَفْدُكُمْ مِنْ وَفْدِ قَوْمٍ | وَلا لُقُّوا التَّحِيَّةَ وَالسَّلامَا |
(١) في المطبوعة: "إن أمرتهم بالخروج" وفي المخطوطة: "إن آمرهم بالخروج"، فصح أنه قد سقط من الكلام ما أثبته من التاريخ.
(٢) الأبيات في التاريخ، وفي البداية والنهاية ١: ١٢٦. وفي التاريخ"يسقينا الغماما"، وكذلك كانت في المطبوعة، وأثبت ما في المخطوطة، وفي البداية والنهاية: "يمنحنا".
(٣) في المخطوطة: "نساؤهم عراما"، والصواب ما في التاريخ والمطبوعة، "أعام القوم" هلكت إبلهم فلم يجدوا لبنًا. و"العيمة" شدة شهوة اللبن. و"عام القوم" قلَّ لبنهم من القحط."رجل عمان، وامرأة عيمى"، والجمع"عيام" و"عيامى". وفي البداية والنهاية"نساؤهم أيامى"، جمع"أيم"، التي هلك زوجها.
(٤) في المخطوطة: "سعودون" غير منقوطة، وفي التاريخ والمطبوعة: "يتغوثون"، وانظر التعليق السالف ص: ٥٠٩، رقم: ٦.
(٢) الأبيات في التاريخ، وفي البداية والنهاية ١: ١٢٦. وفي التاريخ"يسقينا الغماما"، وكذلك كانت في المطبوعة، وأثبت ما في المخطوطة، وفي البداية والنهاية: "يمنحنا".
(٣) في المخطوطة: "نساؤهم عراما"، والصواب ما في التاريخ والمطبوعة، "أعام القوم" هلكت إبلهم فلم يجدوا لبنًا. و"العيمة" شدة شهوة اللبن. و"عام القوم" قلَّ لبنهم من القحط."رجل عمان، وامرأة عيمى"، والجمع"عيام" و"عيامى". وفي البداية والنهاية"نساؤهم أيامى"، جمع"أيم"، التي هلك زوجها.
(٤) في المخطوطة: "سعودون" غير منقوطة، وفي التاريخ والمطبوعة: "يتغوثون"، وانظر التعليق السالف ص: ٥٠٩، رقم: ٦.
510
فقال لهم مرثد بن سعد بن عفير: إنكم والله لا تُسْقَون بدعائكم، ولكن إن أطعتم نبيَّكم، وأنبتم إليه، سُقِيتم! فأظهر إسلامه عند ذلك، فقال لهم جُلْهُمة بن الخيبريّ، خال معاوية بن بكر، حين سمع قوله، وعرف أنه قد اتبع دين هودٍ وآمن به:
ثم قالوا لمعاوية بن أبي بكر وأبيه بكرٍ: احبسَا عَنَّا مرثد بن سعد، فلا يقدمنَّ معنا مكة، فإنه قد اتبع دين هود، وترك دينَنَا! ثم خرجوا إلى مكة يستسقون بها لعاد. فلما ولَّوا إلى مكة خرج مرثد بن سعد من منزل معاوية بن بكر حتى أدركهم بها، قبل أن يدعوا الله بشيء مما خرجوا له. (٤) فلما انتهى إليهم، قام يدعو الله بمكة، وبها وفد عاد قد اجتمعوا يدعُون، يقول:"اللهم أعطني سؤلي وحدي ولا تدخلني في شيء مما يدعوك به وفدُ عاد"! وكان قيل بن عنز رأس وفد عاد. وقال وفد عاد:"اللهمّ أعطِ قَيْلا ما سألك، واجعل سؤلَنا مع سُؤله"! وكان قد
أَبَا سَعْدٍ فَإِنَّكَ مِنْ قَبِيلٍ | ذَوِي كَرَمٍ وَأُمُّكَ مِنْ ثَمُودِ (١) |
فَإنَّا لَنْ نُطِيعَكَ مَا بقِينَا | وَلَسْنَا فَاعِلِينَ لِمَا تُرِيدُ (٢) |
(١) الأبيات في تاريخ الطبري ١: ١١٢.
(٢) في المطبوعة: "لا نطيعك"، وأثبت ما في المخطوطة، مطابقًا لما في التاريخ.
(٣) في المخطوطة: "أتأمرنا بالسرك"، غير منقوطة، وفوقها حرف (ط) دلالة على الشك والخطأ، والصواب ما في المطبوعة، مطابقًا لما في التاريخ. وفي المطبوعة: "دين وفد، ورمل والصداء مع الصمود"، غير ما في المخطوطة تغييرًا تامًا. والذي أثبته من المخطوطة، مطابق لما في التاريخ.
قال أبو جعفر في هذا الخبر، بعد هذه الأبيات في تاريخه: ((ورفد، ورمل، وضد، قبائل من عاد، والعبود منهم".
(٤) في المطبوعة: "فقال: لا أدعو الله بشيء مما خرجوا له"، زاد من عنده ما لا يحل له. وفي المخطوطة: "فقال أن يدعو الله بشيء مما خرجوا له"، والصواب من تاريخ الطبري.
(٢) في المطبوعة: "لا نطيعك"، وأثبت ما في المخطوطة، مطابقًا لما في التاريخ.
(٣) في المخطوطة: "أتأمرنا بالسرك"، غير منقوطة، وفوقها حرف (ط) دلالة على الشك والخطأ، والصواب ما في المطبوعة، مطابقًا لما في التاريخ. وفي المطبوعة: "دين وفد، ورمل والصداء مع الصمود"، غير ما في المخطوطة تغييرًا تامًا. والذي أثبته من المخطوطة، مطابق لما في التاريخ.
قال أبو جعفر في هذا الخبر، بعد هذه الأبيات في تاريخه: ((ورفد، ورمل، وضد، قبائل من عاد، والعبود منهم".
(٤) في المطبوعة: "فقال: لا أدعو الله بشيء مما خرجوا له"، زاد من عنده ما لا يحل له. وفي المخطوطة: "فقال أن يدعو الله بشيء مما خرجوا له"، والصواب من تاريخ الطبري.
511
تخلّف عن وفد عاد حين دعا، لقمانُ بن عاد، وكان سيِّد عادٍ. حتى إذا فرغوا من دعوتهم قام فقال:"اللهم إني جئتك وحدي في حاجتي، فأعطني سؤلي"! وقال قيل بن عنز حين دعا:"يا إلهنا، إن كان هود صادقًا فاسقِنا، فإنّا قد هلكنا"! فأنشأ الله لهم سحائب ثلاثًا: بيضاء، وَحمراء، وسوداء. ثم ناداه منادٍ من السحاب:"يا قيل، اختر لنفسك ولقومك من هذه السحائب". فقال:"اخترت السحابة السوداء، فإنها أكثر السحاب ماءً"! فناداه منادٍ:"اخترت رَمَادًا، رِمْدِدًا، (١) لا تُبقي مِن آل عاد أحدًا، (٢) لا والدًا تترك ولا ولدًا، إلا جعلته هَمِدًا، (٣) إلا بني اللُّوذِيّة المُهَدَّى" = و"بنو اللوذية"، بنو لقيم بن هزّال بن هزيلة بن بكر، (٤) وكانوا سكانًا بمكة مع أخوالهم، ولم يكونوا مع عاد بأرضهم، فهم عادٌ الآخِرة، ومن كان من نسلهم الذين بقُوا من عاد.
= وساق الله السحابة السوداء، فيما يذكرون، التي اختارها قَيْل بن عنز بما فيها من النقمة إلى عاد، حتى خرجت عليهم من وادٍ يقال له:"المغيث". فلما رأوها استبشروا بها، وقالوا: (هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا)، يقول الله: (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا) [سورة الأحقاف: ٢٤-٢٥]، أي: كلّ شيء أُمِرَتْ به. وكان أوّل من أبصر ما فيها وعرف أنها رِيح، فيما يذكرون، امرأة من عاد يقال لها"مَهْدَد". ، فلما تيقنت ما فيها صاحت، (٥) ثم صَعِقت. فلما أن أفاقت قالوا: ماذا رأيت يا مهدد؟ قالت: رأيتُ ريحًا فيها كشُهُب النار، أمامها رجالٌ يقودُونها! فسخَّرها الله عليهم سبع
= وساق الله السحابة السوداء، فيما يذكرون، التي اختارها قَيْل بن عنز بما فيها من النقمة إلى عاد، حتى خرجت عليهم من وادٍ يقال له:"المغيث". فلما رأوها استبشروا بها، وقالوا: (هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا)، يقول الله: (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا) [سورة الأحقاف: ٢٤-٢٥]، أي: كلّ شيء أُمِرَتْ به. وكان أوّل من أبصر ما فيها وعرف أنها رِيح، فيما يذكرون، امرأة من عاد يقال لها"مَهْدَد". ، فلما تيقنت ما فيها صاحت، (٥) ثم صَعِقت. فلما أن أفاقت قالوا: ماذا رأيت يا مهدد؟ قالت: رأيتُ ريحًا فيها كشُهُب النار، أمامها رجالٌ يقودُونها! فسخَّرها الله عليهم سبع
(١) "رماد رمدد"، متناه في الاحتراق والدقة. يقال: "رماد أرمد" و"رمدد" بكسر الراء وسكون الميم وكسر الدال و"رمدد" (بكسر الراء، وسكون الميم، وفتح الدال).
(٢) في المطبوعة: "لا تبق"، وأثبت ما في المخطوطة والتاريخ.
(٣) "هامد، وهمد، وهميد"، ميت هالك."همد، همودا"، مات وهلك.
(٤) في التاريخ: "... هزال بن هزيل بن هزيلة بن بكر"، وكأنه الصواب.
(٥) في التاريخ"فلما تبينت"، وكأنها أرجح.
(٢) في المطبوعة: "لا تبق"، وأثبت ما في المخطوطة والتاريخ.
(٣) "هامد، وهمد، وهميد"، ميت هالك."همد، همودا"، مات وهلك.
(٤) في التاريخ: "... هزال بن هزيل بن هزيلة بن بكر"، وكأنه الصواب.
(٥) في التاريخ"فلما تبينت"، وكأنها أرجح.
512
ليال وثمانية أيام حسومًا، كما قال الله (١) = و"الحسوم"، الدائمة = فلم تدع من عاد أحدًا إلا هلك. فاعتزل هُود، فيما ذكر لي، ومن معه من المؤمنين في حظيرة، ما يصيبه ومن معه من الريح إلا ما تلين عليهِ الجلود، وتَلتذُّ الأنفس، (٢) وإنها لتمرُّ على عاد بالطَّعن بين السماء والأرض، وتدمغهم بالحجارة. وخرج وفد عاد من مكّة حتى مرُّوا بمعاوية بن بكر وأبيه، (٣) فنزلوا عليه. فبينما هم عنده، إذ أقبل رجل على ناقة له في ليلة مقمِرة مُسْيَ ثالثةٍ من مُصاب عادٍ، (٤) فأخبرهم الخبر، فقالوا له: أين فارقت هودًا وأصحابه؟ قال: فارقتهم بساحل البحر. فكأنهم شكُّوا فيما حدّثهم به، فقالت هزيلة بنت بكر: (٥) صدَق وربِّ الكعبة! (٦)
١٤٨٠٥ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر بن عياش قال، حدثنا عاصم، عن الحارث بن حسّان البكري قال: قدمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمررت بامرأة بالرّبَذَة، (٧) فقالت: هل أنت حاملي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: نعم! فحملتها حتى قدِمت المدينة، فدخلتُ المسجد، فإذا رسول الله ﷺ على المنبر، وإذا بلالٌ متقلِّدَ السيف، وإذا رايات سُودٌ. قال قلت: ما هذا؟ قالوا: عمرو بن العاص قدم من غزوته. فلما نزل رسول الله ﷺ من على منبره، أتيته فاستأذنتُ، فأذن لي، فقلت: يا رسول الله، إن بالباب امرأة من بني تميم، وقد سألتني أن أحملها إليك. قال:
١٤٨٠٥ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر بن عياش قال، حدثنا عاصم، عن الحارث بن حسّان البكري قال: قدمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمررت بامرأة بالرّبَذَة، (٧) فقالت: هل أنت حاملي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: نعم! فحملتها حتى قدِمت المدينة، فدخلتُ المسجد، فإذا رسول الله ﷺ على المنبر، وإذا بلالٌ متقلِّدَ السيف، وإذا رايات سُودٌ. قال قلت: ما هذا؟ قالوا: عمرو بن العاص قدم من غزوته. فلما نزل رسول الله ﷺ من على منبره، أتيته فاستأذنتُ، فأذن لي، فقلت: يا رسول الله، إن بالباب امرأة من بني تميم، وقد سألتني أن أحملها إليك. قال:
(١) سورة الحاقة: ٧.
(٢) في المطبوعة: "وتلتذ به"، زاد ما ليس في المخطوطة ولا التاريخ.
(٣) في المخطوطة والمطبوعة: "وابنه"، والصواب من التاريخ، ومن أول الخبر.
(٤) "المسي" (بضم فسكون)، المساء، كالصبح والصباح. وفي المطبوعة والتاريخ: "مساء ثالثة"، وأثبت ما في المخطوطة.
(٥) في المطبوعة: "هذيلة"، والصواب من المخطوطة والتاريخ.
(٦) الأثر: ١٤٨٠٤- هذا الخبر رواه الطبري في تاريخه، مختصرًا في أوله، مطولا بعد هذا في آخره ١: ١١١- ١١٣.
(٧) في المطبوعة: "على امرأة"، وأثبت ما في المخطوطة.
(٢) في المطبوعة: "وتلتذ به"، زاد ما ليس في المخطوطة ولا التاريخ.
(٣) في المخطوطة والمطبوعة: "وابنه"، والصواب من التاريخ، ومن أول الخبر.
(٤) "المسي" (بضم فسكون)، المساء، كالصبح والصباح. وفي المطبوعة والتاريخ: "مساء ثالثة"، وأثبت ما في المخطوطة.
(٥) في المطبوعة: "هذيلة"، والصواب من المخطوطة والتاريخ.
(٦) الأثر: ١٤٨٠٤- هذا الخبر رواه الطبري في تاريخه، مختصرًا في أوله، مطولا بعد هذا في آخره ١: ١١١- ١١٣.
(٧) في المطبوعة: "على امرأة"، وأثبت ما في المخطوطة.
513
يا بلال، ائذن لها. قال: فدخلتْ، فلما جلست قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل بينكم وبين تميم شيء؟ قلت: نعم! وكانت الدَّبَرَة عليهم (١) = فإن رأيت أن تجعل الدَّهنا بيننا وبينهم حاجزًا فعلت! قال: تقول المرأة: فأين تضطرُّ مُضَرَك، يا رسول الله؟ (٢) قال قلت: مَثَلي مَثَلُ مِعْزى حملت حَتْفًا! (٣) قال قلت: وحملتُك تكونين عليَّ خَصْمًا! أعوذ بالله أن أكون كوافدِ عاد! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما وافدُ عادٍ؟ قال قلت: على الخبير سقطتَ! إنّ عادًا قَحَطت فبعثت مَنْ يستسقي لها، فبعثُوا رجالا فمرُّوا على بكر بن معاوية، فسقاهم الخمر وتغنَّتهم الجرادتان شهرًا، ثم بعث من عنده رجلا حتى أتى جبالَ مَهْرة، (٤) فدعَوْا، فجاءت سحابات. قال: وكلما جاءت سحابة قال: اذهبي إلى كذا، حتى جاءت سحابة، فنودي منها (٥) "خذها رَمادًا رِمددًا * لا تدعُ من عادٍ أحدًا". قال: فسمعه وكتمهم حتى جاءهم العذاب (٦) = قال أبو كريب: قال أبو بكر بعد ذلك في حديث عادٍ، قال: فأقبل الذين أتاهم، فأتى جبال مهرة، (٧) فصعد فقال: اللهم إنّي لم أجئك لأسير فأفاديه، ولا لمريض فأشفيه، فأسْقِ عادًا ما كنت مُسْقِيه! قال: فرفعت له سحاباتٌ، قال: فنودي منها: اخْتَر! قال: فجعل يقول: اذهبي إلى بني فلان، اذهبي إلى بني فلان. قال: فمرَّت آخرَها سحابةٌ سوداء، فقال: اذهبي إلى عاد! فنودي منها:"خُذْها رمادًا رِمْددًا، لا تدع من عاد أحدًا". قال: وكتمهم، (٨) والقوم عند بكر بن معاوية، يشربون. قال: وكره بكر بن معاوية أن يقولَ لهم، من أجل أنهم عنده، وأنهم في طعامه. قال: فأخذَ في الغناء وذكَّرهم. (٩)
١٤٨٠٦ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا زيد بن الحباب قال، حدثنا سلام أبو المنذر النحوي قال، حدثنا عاصم، عن أبي وائل، عن الحارث بن يزيد البكري قال: خرجت لأشكوَ العلاء بن الحضرميّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمررت بالربَذَة، فإذا عجوزٌ منقَطعٌ بها، (١٠) من بني تميم، فقالت: يا عبد الله، إنّ لي إلى رسول الله ﷺ حاجةً، فهل أنت مبلغي إليه؟ قال: فحملتها، فقدمت المدينة. قال: فإذا رايات، (١١) قلت: ما شأن الناس؟ قالوا: يريد أن يبعث بعمرو بن العاص وجهًا. (١٢) قال: فجلست حتى فرغ. قال: فدخل منزله = أو قال: رَحْله = فاستأذنت عليه، فأذن لي، فدخلت فقعدت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل كان بينكم وبين
١٤٨٠٦ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا زيد بن الحباب قال، حدثنا سلام أبو المنذر النحوي قال، حدثنا عاصم، عن أبي وائل، عن الحارث بن يزيد البكري قال: خرجت لأشكوَ العلاء بن الحضرميّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمررت بالربَذَة، فإذا عجوزٌ منقَطعٌ بها، (١٠) من بني تميم، فقالت: يا عبد الله، إنّ لي إلى رسول الله ﷺ حاجةً، فهل أنت مبلغي إليه؟ قال: فحملتها، فقدمت المدينة. قال: فإذا رايات، (١١) قلت: ما شأن الناس؟ قالوا: يريد أن يبعث بعمرو بن العاص وجهًا. (١٢) قال: فجلست حتى فرغ. قال: فدخل منزله = أو قال: رَحْله = فاستأذنت عليه، فأذن لي، فدخلت فقعدت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل كان بينكم وبين
(١) في المطبوعة: "وكانت لنا الدائرة عليهم"، غير وزاد على ما في المخطوطة، وهو عبث بالنص، والصواب من المخطوطة."الدبرة" (بفتح الدال، وسكون الباء أو فتحها) : الهزيمة لهم، والدولة والظفر للآخرين.
(٢) في المطبوعة: "فإلى أين يضطر مضطرك يا رسول الله"، تصرف تصرفًا معيبًا مشينًا وأساء غاية الإساءة. والصواب ما في المخطوطة."مضر" هو جذم العرب وهو"مضر بن نزار بن معد بن عدنان"، ومنه تفرعت، قريش وبنو تميم، ولذلك قالت المرأة من تميم لرسول الله"مضرك"، لأنه جده وجدها.
(٣) في المطبوعة: "مثلي مثل ما قال الأول: معزى حملت حتفها"، زاد من غير هذه الرواية، وهي إساءة شديدة، وجعل: "حتفًا"، "حتفها"، فأثبت ما طابق روايته في التاريخ
وقوله: "معزى حملت حتفًا"، أي حملت منيتها، مثل لمن يحمل ما فيه هلاكه. وهو غير موجود في كتب الأمثال.
(٤) "مهرة" (بفتح فسكون)، حي عظيم، وهو أبو قبيلة: "مهرة بن حيدان بن عمرو ابن الحاف بن قضاعة"، وبلاد مهرة، في ناحية الشحر من اليمن، ببلاد العنبر على ساحل البحر.
وكان في المطبوعة والمخطوطة: "ثم فصلوا من عنده حتى أتوا جبال مهرة"، وهذه جملة يختل بها سياق الخبر اختلالا شديدًا، وتختلف الضمائر، ولا يصبح للخبر رباط يمسكه، وكأنه عبث من الناسخ، فإن أبا جعفر روى هذا الخبر في التاريخ بإسناده ولفظه، فأثبت منه نص الخبر، إذ هو الذي يستقيم به الكلام.
(٥) في المطبوعة حذف"منها"، لغير علة ظاهرة.
(٦) في المطبوعة والمخطوطة: "فسمعهم وكلمهم"، والصواب من التاريخ.
(٧) في المطبوعة والمخطوطة: "الذين آتاهم"، والصواب من التاريخ.
(٨) في المطبوعة والمخطوطة: "وكلمهم"، والصواب من التاريخ.
(٩) الأثر: ١٤٨٠٥ -"أبو بكر بن عياش"، ثقة، كان من العباد الحفاظ المتقنين، إلا أنه لما كبر ساء حفظه، فكان يهم إذا روى. والخطأ والوهم شيئان لا ينفك عنهما البشر، فمن كان لا يكثر ذلك منه، فلا يستحق ترك حديثه، بعد تقد عدالته- هكذا قال ابن حبان، وصدق. مضى برقم: ٢١٥٠، ٣٠٠٠، ٥٧٢٥، ٨٠٩٨.
و"عاصم"، هو"عاصم ابن بهدلة"، "عاصم بن أبي النجود"، ثقة جليل مشهور، مضى مرارًا كثيرة.
وأما "الحارث بن حسان البكري"، فيقال فيه: "الحارث بن يزيد البكري"، ويقال اسمه: "حريث"، وصحح ابن عبد البر أنه اسمه"الحارث بن حسان"، فقال: "والأكثر يقولون الحارث بن حسان البكري، وهو الصحيح إن شاء الله"، ولكن العجيب أن الحافظ ابن حجر قال في التهذيب: "وصحح ابن عبد البر أن اسمه حريث"، فوهم وهمًا شديدًا، والذي نقلته نص ابن عبد البر في الاستيعاب!! فليصحح ما في التهذيب.
و"الحارث بن حسان البكري"، مترجم في ابن سعد ٦: ٢٢، والكبير للبخاري ١/ ٢/ ٢٥٩، والاستيعاب: ١٠٩، وابن أبي حاتم ١/ ٢/ ٧١، وأسد الغابة ١: ٣٢٣، والإصابة في ترجمته، والتهذيب. روى عنه أبو وائل، وسماك بن حرب.
وسيأتي خبر"الحارث البكري"، بإسناد آخر: "عن عاصم، عن أبي وائل، عن الحارث بن يزيد البكري".
وأما هذا الإسناد"عاصم، عن الحارث بن حسان البكري"، ليس بينهما"أبو وائل"، فقد قال ابن الأثير في أسد الغابة في ترجمة"الحارث": "ورواه أحمد بن حنبل أيضًا، وسعيد الأموي، ويحيى الحماني، وعبد الحميد بن صال، وأبو بكر بن شيبة، كلهم: عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم، عن الحارث، ولم يذكر أبا وائل". قال الحافظ ابن حجر في التهذيب في ترجمة"الحارث": "وروى عنه عاصم ابن بهدلة"، والصحيح: عنه، عن أبي وائل، عن الحارث".
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: "واختلف في حديثه: منهم من يجعله عن عاصم ابن بهدلة، عن الحارث بن حسان، لا يذكر فيه أبا وائل، والصحيح فيه: عن عاصم، عن أبي وائل، عن الحارث بن حسان". وكذا قال غيرهما.
وهذا الخبر بهذا الإسناد، رواه أبو جعفر مرة أخرى في تاريخه ١: ١١٠، وروى صدره أحمد في مسنده ٣: ٤٨١، "عن أبي بكر بن عياش قال، حدثنا عاصم بن أبي الفزر (؟؟)، عن الحارث بن حسان البكري"، مختصرًا، وهو صدر الخبر. وأما ما جاء في مطبوعة المسند"عاصم بن أبي الفزر"، فأرجح أنه تحريف"عاصم بن أبي النجود"، فالحديث حديثه، ولم أعلم أنه يقال له: "عاصم بن أبي الفزر".
ورواه من هذه الطريق نفسها مختصرًا، ابن ماجه في سننه ص: ٩٤١، رقم: ٢٨١٦، بنحو لفظ أحمد.
وسيأتي تخريج خبر"الحارث" هذا، في الأثر التالي.
(١٠) "منقطع بها" (بضم الميم، وفتح القاف والطاء). يقال: "قطع بالرجل، فهو مقطوع به"، و"انقطع به، فهو منقطع به" (كله بالبناء للمجهول) : إذا كان مسافرًا، فعطبت راحلته، وذهب زاده وماله، أو أتاه أمر لا يقدر معه على أن يتحرك.
(١١) عند هذا الموضع قال أبو جعفر، في روايته في التاريخ: "قال أبو جعفر: أظنه قال: فإذا رايات سود".
(١٢) في المطبوعة: "عمرو بن العاص"، حذف الباء، وهي ثابتة في المخطوطة، وفي رواية الخبر في التاريخ.
(٢) في المطبوعة: "فإلى أين يضطر مضطرك يا رسول الله"، تصرف تصرفًا معيبًا مشينًا وأساء غاية الإساءة. والصواب ما في المخطوطة."مضر" هو جذم العرب وهو"مضر بن نزار بن معد بن عدنان"، ومنه تفرعت، قريش وبنو تميم، ولذلك قالت المرأة من تميم لرسول الله"مضرك"، لأنه جده وجدها.
(٣) في المطبوعة: "مثلي مثل ما قال الأول: معزى حملت حتفها"، زاد من غير هذه الرواية، وهي إساءة شديدة، وجعل: "حتفًا"، "حتفها"، فأثبت ما طابق روايته في التاريخ
وقوله: "معزى حملت حتفًا"، أي حملت منيتها، مثل لمن يحمل ما فيه هلاكه. وهو غير موجود في كتب الأمثال.
(٤) "مهرة" (بفتح فسكون)، حي عظيم، وهو أبو قبيلة: "مهرة بن حيدان بن عمرو ابن الحاف بن قضاعة"، وبلاد مهرة، في ناحية الشحر من اليمن، ببلاد العنبر على ساحل البحر.
وكان في المطبوعة والمخطوطة: "ثم فصلوا من عنده حتى أتوا جبال مهرة"، وهذه جملة يختل بها سياق الخبر اختلالا شديدًا، وتختلف الضمائر، ولا يصبح للخبر رباط يمسكه، وكأنه عبث من الناسخ، فإن أبا جعفر روى هذا الخبر في التاريخ بإسناده ولفظه، فأثبت منه نص الخبر، إذ هو الذي يستقيم به الكلام.
(٥) في المطبوعة حذف"منها"، لغير علة ظاهرة.
(٦) في المطبوعة والمخطوطة: "فسمعهم وكلمهم"، والصواب من التاريخ.
(٧) في المطبوعة والمخطوطة: "الذين آتاهم"، والصواب من التاريخ.
(٨) في المطبوعة والمخطوطة: "وكلمهم"، والصواب من التاريخ.
(٩) الأثر: ١٤٨٠٥ -"أبو بكر بن عياش"، ثقة، كان من العباد الحفاظ المتقنين، إلا أنه لما كبر ساء حفظه، فكان يهم إذا روى. والخطأ والوهم شيئان لا ينفك عنهما البشر، فمن كان لا يكثر ذلك منه، فلا يستحق ترك حديثه، بعد تقد عدالته- هكذا قال ابن حبان، وصدق. مضى برقم: ٢١٥٠، ٣٠٠٠، ٥٧٢٥، ٨٠٩٨.
و"عاصم"، هو"عاصم ابن بهدلة"، "عاصم بن أبي النجود"، ثقة جليل مشهور، مضى مرارًا كثيرة.
وأما "الحارث بن حسان البكري"، فيقال فيه: "الحارث بن يزيد البكري"، ويقال اسمه: "حريث"، وصحح ابن عبد البر أنه اسمه"الحارث بن حسان"، فقال: "والأكثر يقولون الحارث بن حسان البكري، وهو الصحيح إن شاء الله"، ولكن العجيب أن الحافظ ابن حجر قال في التهذيب: "وصحح ابن عبد البر أن اسمه حريث"، فوهم وهمًا شديدًا، والذي نقلته نص ابن عبد البر في الاستيعاب!! فليصحح ما في التهذيب.
و"الحارث بن حسان البكري"، مترجم في ابن سعد ٦: ٢٢، والكبير للبخاري ١/ ٢/ ٢٥٩، والاستيعاب: ١٠٩، وابن أبي حاتم ١/ ٢/ ٧١، وأسد الغابة ١: ٣٢٣، والإصابة في ترجمته، والتهذيب. روى عنه أبو وائل، وسماك بن حرب.
وسيأتي خبر"الحارث البكري"، بإسناد آخر: "عن عاصم، عن أبي وائل، عن الحارث بن يزيد البكري".
وأما هذا الإسناد"عاصم، عن الحارث بن حسان البكري"، ليس بينهما"أبو وائل"، فقد قال ابن الأثير في أسد الغابة في ترجمة"الحارث": "ورواه أحمد بن حنبل أيضًا، وسعيد الأموي، ويحيى الحماني، وعبد الحميد بن صال، وأبو بكر بن شيبة، كلهم: عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم، عن الحارث، ولم يذكر أبا وائل". قال الحافظ ابن حجر في التهذيب في ترجمة"الحارث": "وروى عنه عاصم ابن بهدلة"، والصحيح: عنه، عن أبي وائل، عن الحارث".
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: "واختلف في حديثه: منهم من يجعله عن عاصم ابن بهدلة، عن الحارث بن حسان، لا يذكر فيه أبا وائل، والصحيح فيه: عن عاصم، عن أبي وائل، عن الحارث بن حسان". وكذا قال غيرهما.
وهذا الخبر بهذا الإسناد، رواه أبو جعفر مرة أخرى في تاريخه ١: ١١٠، وروى صدره أحمد في مسنده ٣: ٤٨١، "عن أبي بكر بن عياش قال، حدثنا عاصم بن أبي الفزر (؟؟)، عن الحارث بن حسان البكري"، مختصرًا، وهو صدر الخبر. وأما ما جاء في مطبوعة المسند"عاصم بن أبي الفزر"، فأرجح أنه تحريف"عاصم بن أبي النجود"، فالحديث حديثه، ولم أعلم أنه يقال له: "عاصم بن أبي الفزر".
ورواه من هذه الطريق نفسها مختصرًا، ابن ماجه في سننه ص: ٩٤١، رقم: ٢٨١٦، بنحو لفظ أحمد.
وسيأتي تخريج خبر"الحارث" هذا، في الأثر التالي.
(١٠) "منقطع بها" (بضم الميم، وفتح القاف والطاء). يقال: "قطع بالرجل، فهو مقطوع به"، و"انقطع به، فهو منقطع به" (كله بالبناء للمجهول) : إذا كان مسافرًا، فعطبت راحلته، وذهب زاده وماله، أو أتاه أمر لا يقدر معه على أن يتحرك.
(١١) عند هذا الموضع قال أبو جعفر، في روايته في التاريخ: "قال أبو جعفر: أظنه قال: فإذا رايات سود".
(١٢) في المطبوعة: "عمرو بن العاص"، حذف الباء، وهي ثابتة في المخطوطة، وفي رواية الخبر في التاريخ.
514
تميم شيء؟ قلت: نعم! وكانت لنا الدَّبَرة عليهم، (١) وقد مررت بالربذة، فإذا عجوز منهم مُنقطَعٌ بها، فسألتني أن أحملها إليك، وها هي بالباب. فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخلت، فقلت: يا رسول الله، اجعل بيننا وبين تميم الدَّهنا حاجزًا، فحميت العجوزُ واستوفزت، (٢) وقالت: فأين تضطرُّ مُضَرَك يا رسول الله؟ (٣) قال، قلت: أنا كما قال الأول:"معزى حملت حَتْفًا"! (٤) حملت هذه ولا أشعر أنها كانت لي خصمًا! أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد! قال: وما وافدُ عادٍ؟ " قلت (٥) على الخبير سقطتَ! قال: وهو يستطعمني الحديثَ. (٦) قلت: إن عادًا قُحِطوا فبعثوا"قَيْلا" وافدًا، فنزل على بكرٍ، فسقاه الخمرَ شهرًا وتغنّيه جاريتان يقال لهما"الجرادتان"، (٧) فخرج إلى جبال مهرة، فنادى:"إني لم أجئ لمريض فأداويه، ولا لأسير فأفاديه، اللهم فأسقِ عادًا ما كانت تُسْقِيه"! (٨) فمرت به سحابات سُودٌ، فنودي منها: (٩) "خذها رمادًا رِمْدِدًا، لا تبقي من عادٍ أحدًا". قال: فكانت المرأة تقول:"لا تكن كوافد عادٍ"! فما بَلَغني أنَّه ما أرسل عليهم من الريح، يا رسول الله، إلا قَدْر ما يجري في خاتمي (١٠) = قال أبو وائل: فكذلك بلغني. (١١)
١٤٨٠٧ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وإلى عاد أخاهم هودًا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره"، أنّ عادًا أتاهم هود، فوعظهم وذكّرهم بما قَصّ الله في القرآن، فكذبوه وكفَروا، وسألوه أن يأتيهم بالعذاب، فقال لهم: (إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ) [سورة الأحقاف: ٢٣]. وإن عادًا أصابهم حين كفروا قُحُوطُ المطر، (١٢) حتى جُهِدوا لذلك جَهْدًا شديدًا. وذلك أن هودًا دَعَا عليهم، فبعث الله عليهم الريح العَقيم، وهي الريح التي لا تُلْقِح الشجرَ. فلما نظروا إليها قالوا: (هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا) [سورة الأحقاف: ٢٤]. فلما دنت منهم، نظروا إلى الإبل والرجال تطيرُ بهم الريحُ بين السماء والأرض. فلما رأوها تبادَروا إلى البيوت، (١٣) فلما دخلوا البيوت، دخلت عليهم فأهلكتهم فيها، ثم أخرجتهم
١٤٨٠٧ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وإلى عاد أخاهم هودًا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره"، أنّ عادًا أتاهم هود، فوعظهم وذكّرهم بما قَصّ الله في القرآن، فكذبوه وكفَروا، وسألوه أن يأتيهم بالعذاب، فقال لهم: (إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ) [سورة الأحقاف: ٢٣]. وإن عادًا أصابهم حين كفروا قُحُوطُ المطر، (١٢) حتى جُهِدوا لذلك جَهْدًا شديدًا. وذلك أن هودًا دَعَا عليهم، فبعث الله عليهم الريح العَقيم، وهي الريح التي لا تُلْقِح الشجرَ. فلما نظروا إليها قالوا: (هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا) [سورة الأحقاف: ٢٤]. فلما دنت منهم، نظروا إلى الإبل والرجال تطيرُ بهم الريحُ بين السماء والأرض. فلما رأوها تبادَروا إلى البيوت، (١٣) فلما دخلوا البيوت، دخلت عليهم فأهلكتهم فيها، ثم أخرجتهم
(١) في المطبوعة: "وكانت لنا الدارة عليهم"، وفي المخطوطة: "وكانت الدائرة عليهم"، غير منقوطة، وأثبت رواية أبي جعفر في التاريخ، ورواية أحمد في مسنده. انظر التعليق السالف ص: ٥١٤، تعليق: ١.
(٢) "حميت": غضبت، وأخذتها الحمية والأنفة والغيظ. و"استوفز الرجل في قعدته"، إذا قعد قعودًا منتصبًا غير مطمئن، ولم يستو قائمًا، كالمتهيئ للوثوب، وذلك عند الشر والخصام والجدال والمماحكة.
(٣) في المطبوعة: "فإلى أين يضطر مضطرك"، وهو تغير لما في المخطوطة وزيادة عما فيها، كما فعل فيما سلف ص: ٥١٤، تعليق: ٢.
(٤) في المطبوعة: "حتفها"، وهي مطابقة لرواية أحمد في مسنده، ولكن ما أثبته هو ما جاء في المخطوطة والتاريخ، إلا أن في التاريخ: "حيفا"، خطأ، صوابه ما أثبت. انظر ما سلف ص: ٥١٤، تعليق: ٣.
(٥) في المطبوعة والمخطوطة: "قال: على الخبير سقطت"، وأثبت ما في التاريخ.
(٦) "استطعمه الحديث"، أي أغراه أن يحدثه، كأنه يريد أن يذيقه طعم حديثه. يقال ذلك إذا استدرجه، وهو أعلم بالحديث منه، وجاء تفسيره في خبر أحمد في مسنده: "وهو أعلم بالحديث منه، ولكن يستطعمه". وشرح هذا اللفظ في كتب اللغة غير واف، فقيده هناك.
(٧) في المطبوعة: "وغنته جاريتان"، غير ما في المخطوطة، وهو مطابق لما في التفسير ومسند أحمد.
(٨) في المطبوعة وتاريخ الطبري: "اللهم أسق" وأثبت ما في المخطوطة. وبقية الجملة محولة من مكانها في المخطوطة، وذلك قوله: "ما كنت تسقيه"، وهي ثابتة في التاريخ، ولكن جعلها في المطبوعة والمخطوطة: "مسقيه"، كما في الأثر السالف، ولكن"تسقيه" هي رواية أبي جعفر في التاريخ، ورواية أحمد أيضًا.
(٩) بعد قوله"فنودي منها"، وضع"ما كنت مسقيه"، كما أسلفت في التعليق الماضي.
(١٠) في المطبوعة: "ففيما بلغني"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو المطابق لرواية أبي جعفر في التاريخ، ورواية أحمد في المسند.
(١١) الأثر: - ١٤٨٠٦ - هذا إسناد آخر للأثر السالف، وهو الإسناد الذي أشرت إليه هناك أن فيه"أبا وائل" بين"عاصم ابن بهدلة" و"الحارث بن حسان البكري، وأنه هو الصحيح.
و"الحارث بن يزيد البكري"، هو"الحارث بن حسان البكري"، مختلف في ذلك، كما قلت في التعليق على رقم: ١٤٨٠٥.
و"سلام، أبو المنذر النحوي" هو"سلام بن سليمان المزني"، قال يحيى بن معين: "لا شيء"، وقال أبو حاتم: "صدوق، صالح الحديث". وقال الساجي: "صدوق، يهم، ليس بمتقن الحديث".
وقال ابن معين مرة أخرى: "يحتمل لصدقه". مترجم في التهذيب، والكبير ٢/ ٢/ ١٣٥، وابن أبي حاتم ٢/ ١/ ٢٥٩، وميزان الاعتدال ١: ٤٠٠.
وأما "أبو وائل"، فهو"شقيق بن سلمة الأسدي"، ثقة إمام، مضى مرارًا. أما المرأة المذكورة في هذا الخب، والخبر السالف، فهي:
"قيلة بنت مخرمة التميمية"، من بني العنبر بن عمرو بن تميم، ويذكر في بعض الكتب"الغنوية"، وهو تصحيف"العنبرية". وحديث"قيلة" حديث طويل، فيه غريب كثير، ذكره ابن حجر في ترجمتها في الإصابة.
وفي تحقيق خبرها، وخبر"الحارث بن حسان البكرير "أو" حريث بن حسان الشيباني"، وافد بكر بن وائل (كما في ترجمتها في ابن سعد ٨: ٢٢٨)، فضل كلام ليس هذا موضعه.
وهذا الخبر رواه أبو جعفر في تاريخه بهذا الإسناد نفسه. ورواه أحمد في مسنده ٣: ٤٨١، ٤٨٢، من طريقي: من طريق عفان، عن سلام أبي المنذر، عن عاصم = ثم رواه من طريق زيد بن الحباب، عن أبي المنذر سلام بن سليمان النحوي، عن عاصم بن أبي النجود، بنحوه.
ورواه ابن سعد في الطبقات ٦: ٢٢ من طريق عفان، عن سلام أبي المنذر، مختصرًا.
وروى البخاري صدره في الكبير ١/ ٢/٢٥٩.
ورواه ابن الأثير في ترجمة"الحارث" في أسد الغابة، وابن عبد البر في الاستيعاب مختصرًا، وابن حجر في الإصابة. ورواه ابن كثير في تفسيره ٣: ٥٠٢/ ٧: ٤٧٠، من طريق أحمد في مسنده. ورواه أيضًا في البداية والنهاية ١: ١٢٧، ١٢٨، وقال: "ورواه ابن جرير، عن أبي كريب، عن زيد بن حباب، به. ووقع عنده: عن الحارث بن يزيد البكري، فذكره. ورواه أيضًا، عن أبي كريب، عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم، عن الحارث بن حسان البكري، فذكره. ولم أر في النسخة: أبا وائل، والله أعلم". قلت: يعني الأثر السالف، انظر التعليق هناك.
وقال ابن كثير أيضًا في البداية والنهاية: "رواه الترمذي، عن عبد بن حميد، عن زيد بن الحباب، به. ورواه النسائي من حديث سلام أبي المنذر، عن عاصم ابن بهدلة. ومن طريقه رواه ابن ماجه. وهكذا أورد هذا الحديث، وهذه القصة، عند تفسير هذه القصة غير واحد، من المفسرين، كابن جرير وغيره. وقد يكون هذا السياق للإهلاك عاد الآخرة، فما فيما ذكره ابن إسحاق وغيره ذكر لمكة، ولم تبن إلا بعد إبراهيم الخليل، حين أسكن فيها هاجر وابنه إسماعيل، فنزلت جرهم عندهم، كما سيأتي. وعاد الأولى قبل الخليل. وفيه ذكر"معاوية بن بكر" وشعره، وهو من الشعر المتأخر عن زمان عاد الأولى، لا يشبه كلام المتقدمين. وفيه: أن في تلك السحابة شرر نار، وعاد الأولى إنما أهلكوا بريح صرصر عاتية".
وهذا نقد جيد جدًا، لهذه الأخبار السالفة جميعًا، والخبر الآتي بعد هذا.
(١٢) في التاريخ: "قحط من المطر".
(١٣) في المطبوعة والمخطوطة: "تنادوا البيوت"، وهو لا معنى له، صوابه من التاريخ"تبادروا"، أسرعوا.
(٢) "حميت": غضبت، وأخذتها الحمية والأنفة والغيظ. و"استوفز الرجل في قعدته"، إذا قعد قعودًا منتصبًا غير مطمئن، ولم يستو قائمًا، كالمتهيئ للوثوب، وذلك عند الشر والخصام والجدال والمماحكة.
(٣) في المطبوعة: "فإلى أين يضطر مضطرك"، وهو تغير لما في المخطوطة وزيادة عما فيها، كما فعل فيما سلف ص: ٥١٤، تعليق: ٢.
(٤) في المطبوعة: "حتفها"، وهي مطابقة لرواية أحمد في مسنده، ولكن ما أثبته هو ما جاء في المخطوطة والتاريخ، إلا أن في التاريخ: "حيفا"، خطأ، صوابه ما أثبت. انظر ما سلف ص: ٥١٤، تعليق: ٣.
(٥) في المطبوعة والمخطوطة: "قال: على الخبير سقطت"، وأثبت ما في التاريخ.
(٦) "استطعمه الحديث"، أي أغراه أن يحدثه، كأنه يريد أن يذيقه طعم حديثه. يقال ذلك إذا استدرجه، وهو أعلم بالحديث منه، وجاء تفسيره في خبر أحمد في مسنده: "وهو أعلم بالحديث منه، ولكن يستطعمه". وشرح هذا اللفظ في كتب اللغة غير واف، فقيده هناك.
(٧) في المطبوعة: "وغنته جاريتان"، غير ما في المخطوطة، وهو مطابق لما في التفسير ومسند أحمد.
(٨) في المطبوعة وتاريخ الطبري: "اللهم أسق" وأثبت ما في المخطوطة. وبقية الجملة محولة من مكانها في المخطوطة، وذلك قوله: "ما كنت تسقيه"، وهي ثابتة في التاريخ، ولكن جعلها في المطبوعة والمخطوطة: "مسقيه"، كما في الأثر السالف، ولكن"تسقيه" هي رواية أبي جعفر في التاريخ، ورواية أحمد أيضًا.
(٩) بعد قوله"فنودي منها"، وضع"ما كنت مسقيه"، كما أسلفت في التعليق الماضي.
(١٠) في المطبوعة: "ففيما بلغني"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو المطابق لرواية أبي جعفر في التاريخ، ورواية أحمد في المسند.
(١١) الأثر: - ١٤٨٠٦ - هذا إسناد آخر للأثر السالف، وهو الإسناد الذي أشرت إليه هناك أن فيه"أبا وائل" بين"عاصم ابن بهدلة" و"الحارث بن حسان البكري، وأنه هو الصحيح.
و"الحارث بن يزيد البكري"، هو"الحارث بن حسان البكري"، مختلف في ذلك، كما قلت في التعليق على رقم: ١٤٨٠٥.
و"سلام، أبو المنذر النحوي" هو"سلام بن سليمان المزني"، قال يحيى بن معين: "لا شيء"، وقال أبو حاتم: "صدوق، صالح الحديث". وقال الساجي: "صدوق، يهم، ليس بمتقن الحديث".
وقال ابن معين مرة أخرى: "يحتمل لصدقه". مترجم في التهذيب، والكبير ٢/ ٢/ ١٣٥، وابن أبي حاتم ٢/ ١/ ٢٥٩، وميزان الاعتدال ١: ٤٠٠.
وأما "أبو وائل"، فهو"شقيق بن سلمة الأسدي"، ثقة إمام، مضى مرارًا. أما المرأة المذكورة في هذا الخب، والخبر السالف، فهي:
"قيلة بنت مخرمة التميمية"، من بني العنبر بن عمرو بن تميم، ويذكر في بعض الكتب"الغنوية"، وهو تصحيف"العنبرية". وحديث"قيلة" حديث طويل، فيه غريب كثير، ذكره ابن حجر في ترجمتها في الإصابة.
وفي تحقيق خبرها، وخبر"الحارث بن حسان البكرير "أو" حريث بن حسان الشيباني"، وافد بكر بن وائل (كما في ترجمتها في ابن سعد ٨: ٢٢٨)، فضل كلام ليس هذا موضعه.
وهذا الخبر رواه أبو جعفر في تاريخه بهذا الإسناد نفسه. ورواه أحمد في مسنده ٣: ٤٨١، ٤٨٢، من طريقي: من طريق عفان، عن سلام أبي المنذر، عن عاصم = ثم رواه من طريق زيد بن الحباب، عن أبي المنذر سلام بن سليمان النحوي، عن عاصم بن أبي النجود، بنحوه.
ورواه ابن سعد في الطبقات ٦: ٢٢ من طريق عفان، عن سلام أبي المنذر، مختصرًا.
وروى البخاري صدره في الكبير ١/ ٢/٢٥٩.
ورواه ابن الأثير في ترجمة"الحارث" في أسد الغابة، وابن عبد البر في الاستيعاب مختصرًا، وابن حجر في الإصابة. ورواه ابن كثير في تفسيره ٣: ٥٠٢/ ٧: ٤٧٠، من طريق أحمد في مسنده. ورواه أيضًا في البداية والنهاية ١: ١٢٧، ١٢٨، وقال: "ورواه ابن جرير، عن أبي كريب، عن زيد بن حباب، به. ووقع عنده: عن الحارث بن يزيد البكري، فذكره. ورواه أيضًا، عن أبي كريب، عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم، عن الحارث بن حسان البكري، فذكره. ولم أر في النسخة: أبا وائل، والله أعلم". قلت: يعني الأثر السالف، انظر التعليق هناك.
وقال ابن كثير أيضًا في البداية والنهاية: "رواه الترمذي، عن عبد بن حميد، عن زيد بن الحباب، به. ورواه النسائي من حديث سلام أبي المنذر، عن عاصم ابن بهدلة. ومن طريقه رواه ابن ماجه. وهكذا أورد هذا الحديث، وهذه القصة، عند تفسير هذه القصة غير واحد، من المفسرين، كابن جرير وغيره. وقد يكون هذا السياق للإهلاك عاد الآخرة، فما فيما ذكره ابن إسحاق وغيره ذكر لمكة، ولم تبن إلا بعد إبراهيم الخليل، حين أسكن فيها هاجر وابنه إسماعيل، فنزلت جرهم عندهم، كما سيأتي. وعاد الأولى قبل الخليل. وفيه ذكر"معاوية بن بكر" وشعره، وهو من الشعر المتأخر عن زمان عاد الأولى، لا يشبه كلام المتقدمين. وفيه: أن في تلك السحابة شرر نار، وعاد الأولى إنما أهلكوا بريح صرصر عاتية".
وهذا نقد جيد جدًا، لهذه الأخبار السالفة جميعًا، والخبر الآتي بعد هذا.
(١٢) في التاريخ: "قحط من المطر".
(١٣) في المطبوعة والمخطوطة: "تنادوا البيوت"، وهو لا معنى له، صوابه من التاريخ"تبادروا"، أسرعوا.
517
من البيوت، فأصابتهم"في يوم نحس" = والنحس، هو الشؤم = و"مستمرّ"، استمر عليهم بالعذاب"سبعَ ليال وثمانية أيامٍ حُسومًا" (١) = حَسمت كل شيء مرّت به، (٢) فلما أخرجتهم من البيوت قال الله: (تَنزعُ النَّاسَ) من البيوت، (كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ)، [سورة القمر: ٢٠] = انقعر من أصوله ="خاوية"، خوت فسقطت. (٣) فلما أهلكهم الله، أرسل عليهم طيرًا سودًا، (٤) فنقلتهم إلى البحر فألقتهم فيه، فذلك قوله: (فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلا مَسَاكِنُهُمْ) [سورة الأحقاف: ٢٥]. ولم تخرج ريحٌ قط إلا بمكيال، إلا يومئذ، فإنها عَتَتْ على الخَزَنة فغلبتهم، فلم يعلموا كم كان مكيالها، وذلك قوله: (فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ)، [سورة الحاقة: ٦] = و"الصرصر"، ذات الصوت الشديد.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧٠) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قالت عاد له: (٥) أجئتنا تتوعَّدنا بالعقاب من الله على ما نحن عليه من الدين، كي نعبد الله وحده، وندين له بالطاعة
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧٠) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قالت عاد له: (٥) أجئتنا تتوعَّدنا بالعقاب من الله على ما نحن عليه من الدين، كي نعبد الله وحده، وندين له بالطاعة
(١) في المطبوعة: "استمر عليهم العذاب"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو مطابق لما في التاريخ.
(٢) هذا تفسير الآيات، من"سورة القمر": ١٩، و"سورة الحاقة": ٧.
(٣) هذا تفسير آية"سورة الحاقة": ٧ ="كأنهم أعجاز نخل خاوية".
(٤) في المطبوعة: "أرسل إليهم"، والصواب من المخطوطة والتاريخ.
(٥) في المخطوطة: "قالت هود له"، وهو ظاهر الخطأ، صححه في المطبوعة: "قالت عاد لهود"، وأثبت ما دل عليه سهو الناسخ.
(٢) هذا تفسير الآيات، من"سورة القمر": ١٩، و"سورة الحاقة": ٧.
(٣) هذا تفسير آية"سورة الحاقة": ٧ ="كأنهم أعجاز نخل خاوية".
(٤) في المطبوعة: "أرسل إليهم"، والصواب من المخطوطة والتاريخ.
(٥) في المخطوطة: "قالت هود له"، وهو ظاهر الخطأ، صححه في المطبوعة: "قالت عاد لهود"، وأثبت ما دل عليه سهو الناسخ.
خالصًا، ونهجر عبادة الآلهة والأصنام التي كان آباؤنا يعبدونها، ونتبرَّأ منها؟ فلسنا فاعِلي ذلك، ولا نحن متبعوك على ما تدعونا إليه، (١) فأتنا بما تعدنا من العقابِ والعذاب على تركنا إخلاص التوحيد لله، وعبادتنا ما نعبد من دونه مِنَ الأوثان، إن كنت من أهل الصدق على ما تقول وتعِدُ.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نزلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٧١) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال هود لقومه: قد حَلَّ بكم عذَابٌ وغضبٌ من الله.
* * *
وكان أبو عمرو بن العلاء = فيما ذكر لنا عنه = يزعم أن"الرجز" و"الرجس" بمعنى واحد، وأنها مقلوبة، قلبت السين زايًا، كما قلبت"ستّ" وهي من"سداس" بسين، (٢) وكما قالوا"قَرَبُوس" و"قَرَبُوت" (٣) وكما قال الراجز: (٤)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نزلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٧١) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال هود لقومه: قد حَلَّ بكم عذَابٌ وغضبٌ من الله.
* * *
وكان أبو عمرو بن العلاء = فيما ذكر لنا عنه = يزعم أن"الرجز" و"الرجس" بمعنى واحد، وأنها مقلوبة، قلبت السين زايًا، كما قلبت"ستّ" وهي من"سداس" بسين، (٢) وكما قالوا"قَرَبُوس" و"قَرَبُوت" (٣) وكما قال الراجز: (٤)
(١) في المطبوعة: "ولا متبعيك"، وفي المخطوطة: "ولا متبعوك"، أسقط الناسخ"نحن" فأثبتها.
(٢) في المطبوعة: "كما قلبت: شئز، وهي من: شئس"، لم يحسن قراءة المخطوطة، والصواب ما أثبت، يدل عليه شاهد الرجز الذي بعده.
(٣) في المطبوعة والمخطوطة: "وقربوز" بالزاي (وهي في المخطوطة غير منقوطة)، والصواب المحكي عنه بالتاء. و"القربوس" حنو السرج" وهو بقاف وراء مفتوحتان، بعدهما باء مضمومة.
(٤) هو علباء بن أرقم اليشكري.
(٢) في المطبوعة: "كما قلبت: شئز، وهي من: شئس"، لم يحسن قراءة المخطوطة، والصواب ما أثبت، يدل عليه شاهد الرجز الذي بعده.
(٣) في المطبوعة والمخطوطة: "وقربوز" بالزاي (وهي في المخطوطة غير منقوطة)، والصواب المحكي عنه بالتاء. و"القربوس" حنو السرج" وهو بقاف وراء مفتوحتان، بعدهما باء مضمومة.
(٤) هو علباء بن أرقم اليشكري.
521
أَلا لَحَى اللهُ بَنِي السِّعْلاتِ | عَمْرَو بْنَ يَرْبُوعٍ لِئَامَ النَّاتِ |
يريد" الناس"، و"أكياس"، فقلبت السين تاء، كما قال رؤبة:
كَمْ قَدْ رَأَيْنَا مِنْ عَدِيدٍ مُبْزِي | حَتَّى وَقَمْنَا كَيْدَهُ بالرِّجْزِ (٢) |
١٤٨٠٨-حدثني بذلك المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا معاوية، عن علي بن أبى طلحة، عن ابن عباس، قوله: (قد وقع عليكم من ربكم رجس) يقول: سَخَط.
(١) نوادر أبي زيد: ١٠٤، ١٤٧، الحيوان ١: ١٨٧/ ٦: ١٦١، وفيه تخريج الأبيات، وغيرهما كثير. و"السعلاة" اسم الواحدة من نساء الجن، إذا لم تتغول لتفتن السفار. وزعموا أن عمرو بن يربوع تزوج السعلاة، وأولدها، وأنها أقامت في بني تميم حتى ولدت فيهم، فلما رأت برقًا يلمع من شق بلاد السعالي، حنت وطارت إليهم، فقال عمرو بن يربوع:
وقوله: "ليسوا بأعفاف"، هكذا جاء في المطبوعة والمخطوطة. ورواية أبي زيد وغيره: "ليسوا أعفاء"، وهي القياس، جمع"عفيف"، وكأن"أعفاف" جمع"عف"، وقد نصوا على أنهم لم يجمعوا"عفا"، أو يكون كما جمع"شريف" على"أشراف"، في غير المضعف.
(٢) ديوانه: ٦٤، هكذا جاء البيت الأول في المخطوطة والمطبوعة. وهو لا يكاد يصح، ورواية الديوان. مَا رَامَنَا من ذي عَدِيدٍ مَبْزى
يقال: "أبزى فلان بفلان"، إذا غلبه وقهاه. و"وقم عدوه"، أذله وقهره.
(٣) في المطبوعة: "الرجز" مكان"الرجس"، وبين أن الصواب ما أثبت.
= وانظر تفسير"الرجس" فيما سلف ١٠: ٥٦٥/ ١٢: ١١١، ١١٢، ١٩٤.
أَلا لِلهِ ضَيْفُكِ، يَا أُمَامَا | ................... |
١٤٦. رَأَى بَرْقًا فَأَوْضَعَ فَوْقَ بَكْرٍ | فَلا، بِكِ، ما أسَالَ وما أَغَامَا. |
(٢) ديوانه: ٦٤، هكذا جاء البيت الأول في المخطوطة والمطبوعة. وهو لا يكاد يصح، ورواية الديوان. مَا رَامَنَا من ذي عَدِيدٍ مَبْزى
يقال: "أبزى فلان بفلان"، إذا غلبه وقهاه. و"وقم عدوه"، أذله وقهره.
(٣) في المطبوعة: "الرجز" مكان"الرجس"، وبين أن الصواب ما أثبت.
= وانظر تفسير"الرجس" فيما سلف ١٠: ٥٦٥/ ١٢: ١١١، ١١٢، ١٩٤.
522
وأما قوله: (أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم) فإنه يقول: أتخاصمونني في أسماء سمَّيتموها أصنامًا لا تضر ولا تنفع (١) = (أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان) يقول: ما جعل الله لكم في عبادتكم إياها من حجة تحتجُّون بها، ولا معذرة تعتذرون بها، (٢) لأن العبادة إنما هي لمن ضرَّ ونفع، وأثابَ على الطاعة وعاقب على المعصية، ورزق ومنَع. فأما الجماد من الحجارة والحديد والنحاس، فإنه لا نفع فيه ولا ضرّ، إلا أن تتخذ منه آلةً، ولا حجة لعابد عبده من دون الله في عبادته إياه، لأن الله لم يأذن بذلك، فيعتذر من عبدَه بأنه يعبده اتباعًا منه أمرَ الله في عبادته إياه. (٣) ولا هو= إذ كان الله لم يأذن في عبادته= مما يرجى نفعه، أو يخاف ضرّه، في عاجل أو آجل، فيعبد رجَاء نفعه، أو دفع ضره - (فانتظروا إني معكم من المنتظرين) يقول: فانتظروا حكمَ الله فينا وفيكم= (إني معكم من المنتظرين) حكمَه وفصل قضائه فينا وفيكم.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (٧٢) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فأنجينا نوحًا والذين معه من أتباعه على الإيمان به والتصديق به وبما دعَا إليه، من توحيد الله، وهجر الآلهة والأوثان= (برحمة منّا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا) يقول: وأهلكنا الذين كذَّبوا من قوم هود بحججنا جميعًا عن آخرهم، فلم نبق منهم أحدًا، كما:-
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (٧٢) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فأنجينا نوحًا والذين معه من أتباعه على الإيمان به والتصديق به وبما دعَا إليه، من توحيد الله، وهجر الآلهة والأوثان= (برحمة منّا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا) يقول: وأهلكنا الذين كذَّبوا من قوم هود بحججنا جميعًا عن آخرهم، فلم نبق منهم أحدًا، كما:-
(١) انظر تفسير"المجادلة" فيما سلف ص: ٨٦، تعليق: ٤، والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير"سلطان" فيما سلف ص: ٤٠٤، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٣) في المطبوعة والمخطوطة: "فيعذر من عبده"، والسياق يقتضي ما أثبت.
(٢) انظر تفسير"سلطان" فيما سلف ص: ٤٠٤، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٣) في المطبوعة والمخطوطة: "فيعذر من عبده"، والسياق يقتضي ما أثبت.
١٤٨٠٩-حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: (وقطعنا دابرَ الذين كذبوا بآياتنا) قال: استأصلناهم.
* * *
وقد بينا فيما مضى معنى قوله: (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) [الأنعام: ٤٥]، بشواهده، بما أغنى عن إعادته. (١)
* * *
= (وما كانوا مؤمنين) يقول: لم يكونوا مصَدّقين بالله ولا برسوله هود.
القول في تأويل قوله: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٣) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحًا.
* * *
و"ثمود"، هو ثمود بن غاثر بن إرم بن سام بن نوح، وهو أخو جَدِيس بن غاثر، (٢) وكانت مساكنهما الحِجْر، بين الحجاز والشأم، إلى وادي القُرَى وما حوله.
* * *
ومعنى الكلام: وإلى بني ثمود أخاهم صالحًا.
* * *
* * *
وقد بينا فيما مضى معنى قوله: (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) [الأنعام: ٤٥]، بشواهده، بما أغنى عن إعادته. (١)
* * *
= (وما كانوا مؤمنين) يقول: لم يكونوا مصَدّقين بالله ولا برسوله هود.
القول في تأويل قوله: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٣) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحًا.
* * *
و"ثمود"، هو ثمود بن غاثر بن إرم بن سام بن نوح، وهو أخو جَدِيس بن غاثر، (٢) وكانت مساكنهما الحِجْر، بين الحجاز والشأم، إلى وادي القُرَى وما حوله.
* * *
ومعنى الكلام: وإلى بني ثمود أخاهم صالحًا.
* * *
(١) انظر تفسير"قطع دابرهم" فيما سلف ١١: ٣٦٣، ٣٦٤.
(٢) في المطبوعة في الموضعين"ثمود بن عابر"، و"جديس بن عابر"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو كذلك في تاريخ الطبري ١: ١٠٣"غاثر" بالغين والثاء، إلا أنه جاء في التاريخ ١: ١١٥"جاثر" بالجيم والثاء، وكأن الأول هو الأصل، وأن الآخر على القلب عن الغين، هذا إذا لم يكن خطأ.
(٢) في المطبوعة في الموضعين"ثمود بن عابر"، و"جديس بن عابر"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو كذلك في تاريخ الطبري ١: ١٠٣"غاثر" بالغين والثاء، إلا أنه جاء في التاريخ ١: ١١٥"جاثر" بالجيم والثاء، وكأن الأول هو الأصل، وأن الآخر على القلب عن الغين، هذا إذا لم يكن خطأ.
524
وإنما منع"ثمود"، لأن"ثمود" قبيلة، كما"بكر" قبيلة، وكذلك"تميم".
* * *
(قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره)، يقول: قال صالح لثمود: يا قوم اعبدوا الله وحده لا شريك له، فما لكم إله يجوزُ لكم أن تعبدوه غيره، وقد جاءتكم حُجَّة وبرهان على صدق ما أقول، (١) وحقيقة ما إليه أدعو، من إخلاص التوحيد لله، وإفراده بالعبادة دون ما سواه، وتصديقي على أني له رسول. وبيِّنتي على ما أقول وحقيقة ما جئتكم به من عند ربي، وحجتي عليه، هذه الناقة التي أخرجها الله من هذه الهَضْبة، دليلا على نبوّتي وصدق مقالتي، فقد علمتم أن ذلك من المعجزات التي لا يقدر على مثلها أحدٌ إلا الله.
* * *
وإنما استشهد صالح، فيما بلغني، على صحة نبوّته عند قومه ثمود بالناقة، لأنهم سألُوه إياها آيةً ودلالة على حقيقةِ قوله.
* ذكر من قال ذلك، وذكر سبب قتل قوم صالح الناقة:
١٤٨١٠-حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا إسرائيل، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي الطفيل قال، قالت ثمود لصالح: ائتنا بآية إن كنت من حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا إسرائيل، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي الطفيل قال، قالت ثمود لصالح: ائتنا بآية إن كنت من الصادقين! قال: فقال لهم صالح: اخرجوا إلى هَضْبَةٍ من الأرض! فخرجوا، فإذا هي تَتَمَخَّض كما تتمخَّض الحامل، ثم إنها انفرجت فخرجت من وسَطها الناقة، فقال صالح: (هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسُّوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم (= (لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ)، [سورة الشعراء: ١٥٥]. فلما ملُّوها عقروها، فقال لهم: (تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ)، [سورة هود: ٦٥] قال عبد العزيز: وحدثني رجل آخر: أنّ صالحًا قال لهم: إن آية العذاب أن تصبحوا غدًا حُمْرًا، واليوم الثاني
* * *
(قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره)، يقول: قال صالح لثمود: يا قوم اعبدوا الله وحده لا شريك له، فما لكم إله يجوزُ لكم أن تعبدوه غيره، وقد جاءتكم حُجَّة وبرهان على صدق ما أقول، (١) وحقيقة ما إليه أدعو، من إخلاص التوحيد لله، وإفراده بالعبادة دون ما سواه، وتصديقي على أني له رسول. وبيِّنتي على ما أقول وحقيقة ما جئتكم به من عند ربي، وحجتي عليه، هذه الناقة التي أخرجها الله من هذه الهَضْبة، دليلا على نبوّتي وصدق مقالتي، فقد علمتم أن ذلك من المعجزات التي لا يقدر على مثلها أحدٌ إلا الله.
* * *
وإنما استشهد صالح، فيما بلغني، على صحة نبوّته عند قومه ثمود بالناقة، لأنهم سألُوه إياها آيةً ودلالة على حقيقةِ قوله.
* ذكر من قال ذلك، وذكر سبب قتل قوم صالح الناقة:
١٤٨١٠-حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا إسرائيل، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي الطفيل قال، قالت ثمود لصالح: ائتنا بآية إن كنت من حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا إسرائيل، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي الطفيل قال، قالت ثمود لصالح: ائتنا بآية إن كنت من الصادقين! قال: فقال لهم صالح: اخرجوا إلى هَضْبَةٍ من الأرض! فخرجوا، فإذا هي تَتَمَخَّض كما تتمخَّض الحامل، ثم إنها انفرجت فخرجت من وسَطها الناقة، فقال صالح: (هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسُّوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم (= (لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ)، [سورة الشعراء: ١٥٥]. فلما ملُّوها عقروها، فقال لهم: (تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ)، [سورة هود: ٦٥] قال عبد العزيز: وحدثني رجل آخر: أنّ صالحًا قال لهم: إن آية العذاب أن تصبحوا غدًا حُمْرًا، واليوم الثاني
(١) انظر تفسير"البينة" فيما سلف من فهارس اللغة (بين).
525
صُفْرًا، واليوم الثالث سُودًا. قال: فصبَّحهم العذاب، فلما رأوا ذلك تحنَّطُوا واستعدُّوا. (١)
١٤٨١٢-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وإلى ثمود أخاهم صالحًا)، قال: إن الله بعث صالحا إلى ثمود، فدعاهم فكذّبوه، فقال لهم ما ذكر الله في القرآن، فسألوه أن يأتيهم بآية، فجاءهم بالناقة، لها شِرْب ولهم شِرْبُ يومٍ معلوم. وقال: (ذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء). فأقرُّوا بها جميعًا، فذلك قوله: (فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى)، [سورة فصلت: ١٧]. وكانوا قد أقرُّوا به على وجه النفاق والتقيَّة، وكانت الناقة لها شِرْبٌ، فيومَ تشرب فيه الماء تمرّ بين جبلين فيرحمانها، (٢) ففيهما أثرُها حتى الساعة، ثم تأتي فتقف لهم حتى يحلبُوا اللبنَ، فيرويهم، إنما تصبُّ صبًّا، (٣) ويوم يشربون الماءَ لا تأتيهم. وكان معها فصيل لها، فقال لهم صالح: إنه يولدُ في شهركم هذا غلامٌ يكون هلاككم على يديه! فولد لتسعة منهم في ذلك الشهر، فذبحوا أبناءهم، ثم وُلد للعاشر فأبَى أن يذبح ابنه، وكان لم يولد له قبل ذلك شيء. فكان ابن العاشر أزْرَق أحمرَ، فنبت نباتًا سريعًا، فإذا مرَّ بالتسعة فرأوه قالوا: لو كان أبناؤنا أحياءَ كانوا مثل هذا! فغضب التِّسعة على صالح، لأنه أمرهم بذبح أبنائهم= (تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ)،
١٤٨١٢-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وإلى ثمود أخاهم صالحًا)، قال: إن الله بعث صالحا إلى ثمود، فدعاهم فكذّبوه، فقال لهم ما ذكر الله في القرآن، فسألوه أن يأتيهم بآية، فجاءهم بالناقة، لها شِرْب ولهم شِرْبُ يومٍ معلوم. وقال: (ذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء). فأقرُّوا بها جميعًا، فذلك قوله: (فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى)، [سورة فصلت: ١٧]. وكانوا قد أقرُّوا به على وجه النفاق والتقيَّة، وكانت الناقة لها شِرْبٌ، فيومَ تشرب فيه الماء تمرّ بين جبلين فيرحمانها، (٢) ففيهما أثرُها حتى الساعة، ثم تأتي فتقف لهم حتى يحلبُوا اللبنَ، فيرويهم، إنما تصبُّ صبًّا، (٣) ويوم يشربون الماءَ لا تأتيهم. وكان معها فصيل لها، فقال لهم صالح: إنه يولدُ في شهركم هذا غلامٌ يكون هلاككم على يديه! فولد لتسعة منهم في ذلك الشهر، فذبحوا أبناءهم، ثم وُلد للعاشر فأبَى أن يذبح ابنه، وكان لم يولد له قبل ذلك شيء. فكان ابن العاشر أزْرَق أحمرَ، فنبت نباتًا سريعًا، فإذا مرَّ بالتسعة فرأوه قالوا: لو كان أبناؤنا أحياءَ كانوا مثل هذا! فغضب التِّسعة على صالح، لأنه أمرهم بذبح أبنائهم= (تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ)،
(١) الأثر: ١٤٨١٠ -"عبد العزيز بن رفيع الأسدي"، تابعي ثقة، روى له الجماعة. روى عن أنس، وابن الزبير، وابن عباس، وابن عمر، وأبي الطفيل. مترجم في التهذيب. و"أبو الطفيل"، هو: "عامر بن واثلة الليثي"، مضى برقم: ٩١٩٦.
وقوله: "تحنطوا"، أي اتخذوا الحنوط، كما يفعلون بالميت: و"الحنوط"، هو ذريرة من مسك أوعنبر أو كافور أو صندل مدقوق، أو صبر، يتخذ للميت حتى لا يجيف ولا ينتن، أو لا تظهر رائحته للحي. وسقط من الترقيم: "١٤٨١١": سهوًا مني.
(٢) في المطبوعة:
(٣) في المطبوعة: "فكانت تصب اللبن صبًا"، غير ما في المخطوطة وبدله.
وقوله: "تحنطوا"، أي اتخذوا الحنوط، كما يفعلون بالميت: و"الحنوط"، هو ذريرة من مسك أوعنبر أو كافور أو صندل مدقوق، أو صبر، يتخذ للميت حتى لا يجيف ولا ينتن، أو لا تظهر رائحته للحي. وسقط من الترقيم: "١٤٨١١": سهوًا مني.
(٢) في المطبوعة:
"فيرجمونها، ففيها أثرها | "، والصواب من المخطوطة. |
526
[النمل: ٤٩]. قالوا: نخرج، فيرى الناس أنّا قد خرجنا إلى سفر، فنأتي الغار فنكون فيه، حتى إذا كان الليل وخرج صالح إلى المسجد، أتيناه فقتلناه، ثم رجعنا إلى الغار فكنا فيه، ثم رجعنا فقلنا: (ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون)، يصدقوننا، يعلمون أنّا قد خرجنا إلى سفر! فانطلقوا، فلما دخلوا الغارَ أرادوا أن يخرجوا من الليل، فسقط عليهم الغارُ فقتلهم، فذلك قوله: (وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) حتى بلغ ها هنا: (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ) [سورة النمل: ٤٨-٥١]. =وكبر الغلام ابن العاشر، ونبت نباتًا عجبًا من السرعة، فجلس مع قومٍ يصيبون من الشَّراب، فأرادُوا ماءً يمزجون به شرابهم، وكان ذلك اليوم يوم شِرب الناقة، فوجدوا الماء قد شربته الناقةُ، فاشتدَّ ذلك عليهم، وقالوا في شأن الناقة: ما نَصْنع نحن باللبن؟ لو كنا نأخذ هذا الماء الذي تشربه هذه الناقة، فنُسْقيه أنعامنا وحروثنا، كان خيرًا لنا! فقال الغلام ابن العاشر: هل لكم في أن أعْقِرَها لكم؟ قالوا: نعم! فأظهروا دينَهم، فأتاها الغلام، فلما بَصُرت به شدَّت عليه، فهرب منها، فلما رأى ذلك، دخل خلف صخرةٍ على طريقها فاستتر بها، فقال: أحِيشوها عليّ! فأحَاشوها عليه، (١) فلما جازت به نادوه: عليك! (٢) فتناولها فعقرها، فسقطت، فذلك قوله: (فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ)، [سورة القمر: ٢٩]. وأظهروا حينئذٍ أمرهم، وعقروا الناقة، وعَتَوْا عن أمر ربهم، وقالوا: يا صالحُ ائتنا بما تعِدنا. وفزع ناسٌ منهم إلى صالح، وأخبروه أن الناقة قد عُقرت، فقال: عليَّ بالفصيل! فطلبوا الفَصِيل فوجدوه على رَابية من الأرض، فطلبوه، فارتفعت به حتى حلَّقت به في السماء، فلم يقدروا عليه. ثم رَغَا (٣) الفصيلُ إلى الله، فأوحى الله إلى صالح: أنْ مُرْهم فليتمتَّعوا في دارهم ثلاثة أيام! فقال لهم صالح: تَمتَّعوا في داركم ثلاثة أيام، وآية ذلك أن تُصبح وجوهكم أوَّل يوم مصفَرَّة، والثاني محمرّة، واليوم الثالث مسوَدّة، واليومُ الرابعُ فيه العذاب. فلما رأوا العلامات تكفّنوا وتحنّطوا ولطَّخوا أنفسهم بالمرّ، ولبسوا الأنْطاع، وحفروا الأسراب فدخلوا فيها ينتظرون الصيحة، حتى جاءهم العذاب فهلكوا. فذلك قوله: (دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ).
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، لما أهلك الله عادًا وتقضَّى أمرها، عَمِرتْ ثمود بعدَها واستُخْلِفوا في الأرض، (٤) فنزلوا فيها وانتشروا، ثم عتوا على الله. فلما ظهر فسادهم وعبدوا غيرَ الله، بعث إليهم صالحًا = وكانوا قومًا عَربًا، وهو من أوسطهم نسبًا وأفضلهم موضعًا = (٥) رسولا (٦) وكانت منازلهم الحِجر إلى قُرْح، (٧) وهو وادي القرى، وبين ذلك ثمانية عشر ميلا فيما بين الحجاز والشأم! فبعث الله إليهم غلامًا شابًا، فدعاهم إلى الله، حتى شَمِط وكبر، (٨) لا يتبعه منهم إلا قليل مستضعَفون، فلما ألحّ عليهم صالح بالدعاء، وأكثر لهم التحذير، وخوَّفهم من الله العذاب والنقمة، سألوه أن يُريهم آية تكون مِصداقًا لما يقول فيما يدعوهم إليه، فقال لهم: أيَّ آية تريدون؟ قالوا: تخرج معنا إلى عِيدِنا هذا = وكان لهم عيد يخرجون إليه بأصنامهم وما يعبدون من دون الله، في يوم معلوم من السنة = فتدعو إلهك وندْعُو آلهتنا، فإن
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، لما أهلك الله عادًا وتقضَّى أمرها، عَمِرتْ ثمود بعدَها واستُخْلِفوا في الأرض، (٤) فنزلوا فيها وانتشروا، ثم عتوا على الله. فلما ظهر فسادهم وعبدوا غيرَ الله، بعث إليهم صالحًا = وكانوا قومًا عَربًا، وهو من أوسطهم نسبًا وأفضلهم موضعًا = (٥) رسولا (٦) وكانت منازلهم الحِجر إلى قُرْح، (٧) وهو وادي القرى، وبين ذلك ثمانية عشر ميلا فيما بين الحجاز والشأم! فبعث الله إليهم غلامًا شابًا، فدعاهم إلى الله، حتى شَمِط وكبر، (٨) لا يتبعه منهم إلا قليل مستضعَفون، فلما ألحّ عليهم صالح بالدعاء، وأكثر لهم التحذير، وخوَّفهم من الله العذاب والنقمة، سألوه أن يُريهم آية تكون مِصداقًا لما يقول فيما يدعوهم إليه، فقال لهم: أيَّ آية تريدون؟ قالوا: تخرج معنا إلى عِيدِنا هذا = وكان لهم عيد يخرجون إليه بأصنامهم وما يعبدون من دون الله، في يوم معلوم من السنة = فتدعو إلهك وندْعُو آلهتنا، فإن
(١) في المطبوعة: "أجيشوها... فأجاشوها" بالجيم، والصواب بالحاء."حاش عليه الصيد حوشًا وحياشًا" و"أحاشه عليه"، إذا نفره نحوه، وساقه إليه، وجمعه عليه.
(٢) "عليك"، إغراء، بمعنى: خذه.
(٣) في المطبوعة والمخطوطة: "ثم دعا"، والصواب ما أثبت. من"رغاء الناقة"، وهو صوتها إذا ضجت.
(٤) "عمر يعمر" (نحو: فرح يفرح) و"عمر يعمر" (نحو: نصر ينصر) : عاش وبقي زمانًا طويلا.
(٥) في المطبوعة: "وكانوا قومًا عزبًا"، وفي المخطوطة: "وكانوا قومًا عربًا وهم من أوسطهم" والصواب ما أثبت.
(٦) السياق: "بعث إليهم صالحًا... رسولا".
(٧) "قرح" (بضم فسكون)، وهو سوق وادي القرى.
(٨) "شمط": ابيض شعره.
(٢) "عليك"، إغراء، بمعنى: خذه.
(٣) في المطبوعة والمخطوطة: "ثم دعا"، والصواب ما أثبت. من"رغاء الناقة"، وهو صوتها إذا ضجت.
(٤) "عمر يعمر" (نحو: فرح يفرح) و"عمر يعمر" (نحو: نصر ينصر) : عاش وبقي زمانًا طويلا.
(٥) في المطبوعة: "وكانوا قومًا عزبًا"، وفي المخطوطة: "وكانوا قومًا عربًا وهم من أوسطهم" والصواب ما أثبت.
(٦) السياق: "بعث إليهم صالحًا... رسولا".
(٧) "قرح" (بضم فسكون)، وهو سوق وادي القرى.
(٨) "شمط": ابيض شعره.
527
استجيب لك اتَّبعناك! وإن استجيب لنا اتَّبعتنا! فقال لهم صالح: نعم! فخرجوا بأوثانهم إلى عيدهم ذلك، وخرج صالح معهم إلى الله فدعَوْا أوثانهم وسألوها أن لا يستجاب لصالح في شيء ممّا يدعو به. ثم قال له جندع بن عمرو بن جواس بن عمرو بن الدميل، (١) وكان يومئذٍ سيّد ثمود وعظيمَهم: يا صالح، أخرج لنا من هذه الصخرة = لصخرة منفردة في ناحية الحِجْر، يقال لها الكاثِبة = ناقةً مخترجة جَوْفاء وَبْرَاء = و"المخترجة"، ما شاكلت البُخْت من الإبل. (٢) وقالت ثمود لصالح مثل ما قال جندع بن عمرو = فإن فعلت آمنَّا بك وصَدَّقناك، وشهدنا أنَّ ما جئت به هو الحقّ! وأخذ عليهم صالح مواثيقهم: لئن فعلتُ وفَعَل الله لتصدِّقُنِّي ولتؤمنُنَّ بي! قالوا: نعم! فأعطوه على ذلك عهودَهم. فدعا صالح ربَّه بأن يخرجَها لهم من تلك الهَضْبة، كما وصفوا.
= فحدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس، أنه حدَّث: أنَّهم نظروا إلى الهضبة، حين دعا الله صالح بما دعا به، تتمخَّض بالناقة تمخُّض النَّتُوج بولدها، (٣) فتحركت الهضبة، ثم انتفضت بالناقة، (٤) فانصدعت عن ناقة، كما وصَفوا، جوفاءَ وَبْرَاء نَتُوج، ما بين جنبيها لا يعلمه إلا الله عِظمًا، فآمن به جندع بن عمرو ومَنْ كان معه على أمره من رهطه، وأراد أشرافُ ثمود أن يؤمنوا به ويصدِّقوا، فنهاهم ذؤاب بن عمرو بن لبيد، والحباب صاحبُ أوثانهم، ورباب بن صمعر بن جلهس، وكانوا
= فحدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس، أنه حدَّث: أنَّهم نظروا إلى الهضبة، حين دعا الله صالح بما دعا به، تتمخَّض بالناقة تمخُّض النَّتُوج بولدها، (٣) فتحركت الهضبة، ثم انتفضت بالناقة، (٤) فانصدعت عن ناقة، كما وصَفوا، جوفاءَ وَبْرَاء نَتُوج، ما بين جنبيها لا يعلمه إلا الله عِظمًا، فآمن به جندع بن عمرو ومَنْ كان معه على أمره من رهطه، وأراد أشرافُ ثمود أن يؤمنوا به ويصدِّقوا، فنهاهم ذؤاب بن عمرو بن لبيد، والحباب صاحبُ أوثانهم، ورباب بن صمعر بن جلهس، وكانوا
(١) في المطبوعة"حراش"، ولعل ما في المخطوطة يقرأ كما أثبته، وكما سيأتي في نسب آخر بعد قليل.
(٢) شرح"المخترجة"، لم أجده في غير هذا الخب، وهو بمثله في قصص الأنبياء للثعلبي. و"البخت" من الإبل، جمال طوال الأعناق، وهي الإبل الخراسانية، تنتج من بين عربية وفالج.
(٣) "النتوج" (بفتح النون) : الحامل.
(٤) في المطبوعة: "ثم أسقطت الناقة" غير ما في المخطوطة، وفيها: "ثم استفصت الناقة" كل ذلك غير منقوطة، فرأيت صواب قرأتها ما أثبت.
(٢) شرح"المخترجة"، لم أجده في غير هذا الخب، وهو بمثله في قصص الأنبياء للثعلبي. و"البخت" من الإبل، جمال طوال الأعناق، وهي الإبل الخراسانية، تنتج من بين عربية وفالج.
(٣) "النتوج" (بفتح النون) : الحامل.
(٤) في المطبوعة: "ثم أسقطت الناقة" غير ما في المخطوطة، وفيها: "ثم استفصت الناقة" كل ذلك غير منقوطة، فرأيت صواب قرأتها ما أثبت.
529
من أشراف ثمود، فردُّوا أشرافَها عن الإسلام والدخول فيما دعاهم إليه صالح من الرَّحمة والنجاة، (١) وكان لجندع ابن عم يقال له:"شهاب بن خليفة بن مخلاة بن لبيد بن جواس"، فأراد أن يسلم، فنهاه أولئك الرهط عن ذلك، فأطاعهم، وكان من أشراف ثمود وأفاضلها، فقال رجل من ثمود يقال له:"مهوس بن عنمة بن الدّميل"، وكان مسلمًا:
وَكَانَتْ عُصْبَةٌ مِنْ آلِ عَمْروٍ... إِلَى دِينِ النَّبِيِّ دَعَوْا شِهَابَا (٢) عَزِيزَ ثَمُودَ كُلِّهِمُ جَمِيعًا... فَهَمَّ بِأَنْ يُجِيبَ وَلَوْ أَجَابَا
فمكثت الناقة التي أخرجها الله لهم معها سَقْبها في أرض ثمودَ ترعى الشجر وتشرب الماء، فقال لهم صالح عليه السلام: (هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم)، وقال الله لصالح: إن الماء قسمةٌ بينهم، كُلّ شِرْبٍ مُحْتَضَر= أي: إن الماء نصفان، لهم يوم، ولها يوم وهي محتضرة، فيومها لا تدع شربها. (٤) وقال: (لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ)، [سورة الشعراء: ١٥٥]. فكانت، فيما بلغني والله أعلم، إذا وردت، وكانت تَرِد غِبًّا، (٥) وضعت رأسها في بئر في الحجر يقال لها"بئر الناقة"، فيزعمون أنها منها كانت تشرب إذا وردت، تضع رأسَها فيها، فما ترْفَعه حتى تشرب كل قطرة ماء في الوادي، ثم
وَكَانَتْ عُصْبَةٌ مِنْ آلِ عَمْروٍ... إِلَى دِينِ النَّبِيِّ دَعَوْا شِهَابَا (٢) عَزِيزَ ثَمُودَ كُلِّهِمُ جَمِيعًا... فَهَمَّ بِأَنْ يُجِيبَ وَلَوْ أَجَابَا
لأَصْبَحَ صَالِحٌ فِينَا عَزِيزًا | وَمَا عَدَلوا بصَاحِبِهم ذُؤَابَا |
وَلكِنَّ الغُوَاةَ مِن َآلِ حُجْرٍ | تَوَلَّوْا بَعْدَ رُشْدِهِمُ ذُبَابَا (٣) |
(١) في المطبوعة: "وردوا أشرافها" بالواو، والأجود ما في المخطوطة.
(٢) الأبيات في البداية والنهاية لابن كثير ١: ١٣٤، وقصص الأنبياء للثعلبي: ٥٧، ٥٨.
(٣) في المطبوعة: "ذئابًا"، وفي البداية والنهاية"ذآبا"، وكأن الصواب ما في قصص الأنبياء، وهو ما أثبته. والمخطوطة غير منقوطة.
(٤) هذا تفسير آية"سورة القمر": ٢٨.
(٥) "غبا" (بكسر الغين)، أي: ترد يومًا، وتدع يومًا، ثم ترد.
(٢) الأبيات في البداية والنهاية لابن كثير ١: ١٣٤، وقصص الأنبياء للثعلبي: ٥٧، ٥٨.
(٣) في المطبوعة: "ذئابًا"، وفي البداية والنهاية"ذآبا"، وكأن الصواب ما في قصص الأنبياء، وهو ما أثبته. والمخطوطة غير منقوطة.
(٤) هذا تفسير آية"سورة القمر": ٢٨.
(٥) "غبا" (بكسر الغين)، أي: ترد يومًا، وتدع يومًا، ثم ترد.
530
ترفع رأسها فتفشَّج (١) = يعني تفحَّج لهم (٢) = فيحتلبون ما شاؤوا من لبن، فيشربون ويدَّخرون، حتى يملؤوا كل آنيتهم، ثم تصدر من غير الفجّ الذي منه وردت، لا تقدِرُ على أن تصدر من حيث ترِدُ لضيقِه عنها، فلا ترجع منه. حتى إذا كان الغدُ، كان يومهم، فيشربون ما شاؤوا من الماء، ويدّخرون ما شاؤوا ليوم الناقة، فهم من ذلك في سعة. وكانت الناقة، فيما يذكرون، تَصِيف إذا كان الحرّ ظَهْرَ الوادي، (٣) فتهرب منها المواشي، أغنامُهم وأبْقارهم وإبلُهم، فتهبط إلى بطن الوادي في حرِّه وجَدْبه= وذلك أن المواشي تنفِرُ منها إذا رأتها= وتشتو في بطن الوادي إذا كان الشتاء، فتهرب مَواشيهم إلى ظهر الوادي في البرد والجدْب، فأضرّ ذلك بمواشيهم للبلاءِ والاختبار. وكانت مرابعُها، (٤) فيما يزعمون، الحبابُ وحِسْمَى، كل ذلك ترعى مع وادي الحِجر، فكبر ذلك عليهم، فعتوا عن أمر ربهم، وأجمعوا في عقر الناقة رأيَهم.
= وكانت امرأة من ثمودَ يقال لها:"عنيزة بنت غنم بن مجلز"، تكني بأم غنم، وهي من بني عبيد بن المهل، أخي رُميل بن المهل، (٥) وكانت امرأةَ ذؤاب بن عمرو، وكانت عجوزًا مسنة، وكانت ذات بناتٍ حسان، وكانت ذات مال من إبلٍ وبقر وغنم= وامرأة أخرى يقال لها:"صدوف بنت المحيا بن دهر بن المحيا"، (٦) سيد بني عبيد وصاحب أوثانهم في الزمن الأول، وكان الوادي يقال
= وكانت امرأة من ثمودَ يقال لها:"عنيزة بنت غنم بن مجلز"، تكني بأم غنم، وهي من بني عبيد بن المهل، أخي رُميل بن المهل، (٥) وكانت امرأةَ ذؤاب بن عمرو، وكانت عجوزًا مسنة، وكانت ذات بناتٍ حسان، وكانت ذات مال من إبلٍ وبقر وغنم= وامرأة أخرى يقال لها:"صدوف بنت المحيا بن دهر بن المحيا"، (٦) سيد بني عبيد وصاحب أوثانهم في الزمن الأول، وكان الوادي يقال
(١) في المطبوعة: "تفسح"، والصواب ما أثبت، "تفشجت الناقة" (بالجيم)، تفاجت، وذلك أن تباعد بين رجليها، ومثله"تفشحت" بالحاء المهملة.
(٢) "تفحجت"، باعدت بين رجليها.
(٣) في المطبوعة: "بظهر الوادي"، وأثبت ما في المخطوطة. و"الظهر" ما غلظ وارتفع من الوادي. و"البطن"، ما لان وسهل ورق واطمأن.
(٤) في المطبوعة: "مراتعها"، والصواب ما في المخطوطة.
(٥) في المطبوعة: "دميل"، وفي المخطوطة ما أثبته ظاهر"الراء". وقد مضى آنفًا في أنساب هذا الخبر"الدميل"، فلا أدري أهما واحد، أم هما اسمان مختلفان.
(٦) في المطبوعة: "بنت المحيا بن زهير"، وأثبت ما في المخطوطة، وفي قصص الأنبياء: "مهر".
(٢) "تفحجت"، باعدت بين رجليها.
(٣) في المطبوعة: "بظهر الوادي"، وأثبت ما في المخطوطة. و"الظهر" ما غلظ وارتفع من الوادي. و"البطن"، ما لان وسهل ورق واطمأن.
(٤) في المطبوعة: "مراتعها"، والصواب ما في المخطوطة.
(٥) في المطبوعة: "دميل"، وفي المخطوطة ما أثبته ظاهر"الراء". وقد مضى آنفًا في أنساب هذا الخبر"الدميل"، فلا أدري أهما واحد، أم هما اسمان مختلفان.
(٦) في المطبوعة: "بنت المحيا بن زهير"، وأثبت ما في المخطوطة، وفي قصص الأنبياء: "مهر".
531
له:"وادي المحيا"، وهو المحيَّا الأكبر، جد المحيَّا الأصغر أبي صدوف= وكانت"صدوف" من أحسن الناس، وكانت غنيَّة، ذات مالٍ من إبل وغنم وبقر= وكانتَا من أشدِّ امرأتين في ثمود عداوةً لصالح، وأعظمِه به كفرًا، (١) وكانتا تَحْتالان أن تُعْقَر الناقة مع كفرهما به، (٢) لما أضرَّت به من مواشيهما. وكانت صدوف عند ابن خالٍ لها يقال له:"صنتم بن هراوة بن سعد بن الغطريف"، من بني هليل، فأسلم فحسن إسلامه، وكانت صدوفُ قد فَوَّضت إليه مالها، فأنفقه على من أسلم معه من أصحاب صالح حتى رَقَّ المال. فاطّلعت على ذلك من إسلامه صدوفُ، فعاتبته على ذلك، فأظهر لها دينه، ودعاها إلى الله وإلى الإسلام، فأبت عليه، وبيَّتتْ له، (٣) فأخذت بنيه وبناته منه فغيَّبتهم في بني عبيد بطنِها الذي هي منه. وكان صنتم زوجُها من بني هليل، وكان ابنَ خالها، فقال لها: ردِّي عليَّ ولدي! فقالت: حتى أنافِرك إلى بني صنعان بن عبيد، أو إلى بني جندع بن عبيد! فقال لها صنتم: بل أنافرك إلى بني مرداس بن عبيد! (٤) وذلك أن بني مرداس بن عبيد كانوا قد سارعوا في الإسلام، وأبطأ عنه الآخرون. فقالت: لا أنافرك إلا إلى من دعوتك إليه! فقال بنو مرداس: والله لتعطِنَّه ولده طائعةً أو كارهة! فلما رأت ذلك أعطته إياهم.
=ثم إن صدوف وعُنيزة مَحَلَتا في عقر الناقة، (٥) للشقاء الذي نزل. فدعت صدوف رجلا من ثمود يقال له"الحباب" لعقر الناقة. وعرضت عليه نفسها بذلك إن هو فعل، فأبَى عليها. فدعت ابن عم لها يقال له:"مصدع بن مهرج بن المحيَّا"، وجعلت له نفسها، على أن يعقر الناقة، وكانت من أحسن الناسِ، وكانت غنية كثيرة المال، فأجابها إلى ذلك. =ودعت عنيزة بنت غنم،"قدارَ بن سالف بن جندع"، رجلا من أهل قُرْح. وكان قُدار رجلا أحمرَ أزرقَ قصيرًا، يزعمون أنه كان لزَنْيَةٍ، من رجل يقال له:" صهياد"، ولم يكن لأبيه"سالف" الذي يدعى إليه، ولكنه قد ولد على فراش"سالف"، وكان يدعى له وينسب إليه. فقالت: أعطيك أيَّ بناتي شئتَ على أن تعقر الناقة! وكانت عنيزة شريفة من نساء ثمود، وكان زوجها ذؤاب بن عمرو، من أشراف رجال ثمود. وكان قدار عزيزًا منيعًا في قومه. فانطلق قدار بن سالف، ومصدع بن مهرج، فاستنفرَا غُواةً من ثمود، فاتّبعهما سبعة نفر، فكانوا تسعة نفر، أحدُ النفر الذين اتبعوهما رجل يقال له:" هويل بن ميلغ" خال قدار بن سالف، أخو أمّه لأبيها وأمها، وكان عزيزًا من أهل حجر= و"دعير بن غنم بن داعر"، وهو من بني خلاوة بن المهل= و"دأب بن مهرج"، أخو مصدع بن مهرج، وخمسة لم تحفظ لنا أسماؤهم..... (٦) فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء، وقد كمن لها قُدار في أصل صخرة على طريقها، وكمن لها مصدع في أصل أخرى. فمرت على مصدع فرماها بسهم، فانتظمَ به
=ثم إن صدوف وعُنيزة مَحَلَتا في عقر الناقة، (٥) للشقاء الذي نزل. فدعت صدوف رجلا من ثمود يقال له"الحباب" لعقر الناقة. وعرضت عليه نفسها بذلك إن هو فعل، فأبَى عليها. فدعت ابن عم لها يقال له:"مصدع بن مهرج بن المحيَّا"، وجعلت له نفسها، على أن يعقر الناقة، وكانت من أحسن الناسِ، وكانت غنية كثيرة المال، فأجابها إلى ذلك. =ودعت عنيزة بنت غنم،"قدارَ بن سالف بن جندع"، رجلا من أهل قُرْح. وكان قُدار رجلا أحمرَ أزرقَ قصيرًا، يزعمون أنه كان لزَنْيَةٍ، من رجل يقال له:" صهياد"، ولم يكن لأبيه"سالف" الذي يدعى إليه، ولكنه قد ولد على فراش"سالف"، وكان يدعى له وينسب إليه. فقالت: أعطيك أيَّ بناتي شئتَ على أن تعقر الناقة! وكانت عنيزة شريفة من نساء ثمود، وكان زوجها ذؤاب بن عمرو، من أشراف رجال ثمود. وكان قدار عزيزًا منيعًا في قومه. فانطلق قدار بن سالف، ومصدع بن مهرج، فاستنفرَا غُواةً من ثمود، فاتّبعهما سبعة نفر، فكانوا تسعة نفر، أحدُ النفر الذين اتبعوهما رجل يقال له:" هويل بن ميلغ" خال قدار بن سالف، أخو أمّه لأبيها وأمها، وكان عزيزًا من أهل حجر= و"دعير بن غنم بن داعر"، وهو من بني خلاوة بن المهل= و"دأب بن مهرج"، أخو مصدع بن مهرج، وخمسة لم تحفظ لنا أسماؤهم..... (٦) فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء، وقد كمن لها قُدار في أصل صخرة على طريقها، وكمن لها مصدع في أصل أخرى. فمرت على مصدع فرماها بسهم، فانتظمَ به
(١) في المطبوعة: "وأعظمهم به كفرًا"، كأنه استنكر ما في المخطوطة، وهو صريح العربية: أن يعاد الضمير بعد أفعل التفضيل بالإفراد والتذكير، مثل ما جاء في حديث نساء قريش: "خير نساء ركبن الإبل صوالح قريش، أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده"، وكما قال ذو الرمة: وَمَيَّةُ أَحْسَنُ الثَّقَلَيْنِ جيدًا... وَسَالِفَةً، وَأَحْسَنُهُ قَذَالا
وقد مضى ذكر ذلك في الأجزاء السالفة ٥: ٤٤٨، تعليق: ٢ وص: ٥٥٧، تعليق: ١/ ٦: ٣٩٥، تعليق: ١/ ٧: ٨٧، تعليق: ٤.
(٢) في المطبوعة: "وكانتا تحبان أن تعقر... "، وأثبت ما في المخطوطة، وهو المطابق كما في قصص القرآن للثعلبي.
(٣) في المطبوعة: "وسبت ولده"، وهو عبث محض، وفي المخطوطة: "وسب له" غير منقوطة، وكأن صواب قراءتها ما أثبت."بيتت له،: فكرت في الأمر وخمرته ودبرته ليلا.
(٤) في المطبوعة: "بل أن أقول إلى بني مرداس"، لم يحسن قراءة المخطوطة، لسوء كتابتها، فأتى بكلام غث.
(٥) في المطبوعة: "تحيلا في عقر الناقة"، وهو كلام هالك، والصواب ما في المخطوطة ولكن الناشر لم يعرف معناه."محل به": كاده، واحتال في المكر به حتى يوقعه في الهلكة.
(٦) مكان النقط بياض في المخطوطة إلى آخر السطر، وفي الهامش حرف (ط)، دلالة على الشك والخطأ.
وقد مضى ذكر ذلك في الأجزاء السالفة ٥: ٤٤٨، تعليق: ٢ وص: ٥٥٧، تعليق: ١/ ٦: ٣٩٥، تعليق: ١/ ٧: ٨٧، تعليق: ٤.
(٢) في المطبوعة: "وكانتا تحبان أن تعقر... "، وأثبت ما في المخطوطة، وهو المطابق كما في قصص القرآن للثعلبي.
(٣) في المطبوعة: "وسبت ولده"، وهو عبث محض، وفي المخطوطة: "وسب له" غير منقوطة، وكأن صواب قراءتها ما أثبت."بيتت له،: فكرت في الأمر وخمرته ودبرته ليلا.
(٤) في المطبوعة: "بل أن أقول إلى بني مرداس"، لم يحسن قراءة المخطوطة، لسوء كتابتها، فأتى بكلام غث.
(٥) في المطبوعة: "تحيلا في عقر الناقة"، وهو كلام هالك، والصواب ما في المخطوطة ولكن الناشر لم يعرف معناه."محل به": كاده، واحتال في المكر به حتى يوقعه في الهلكة.
(٦) مكان النقط بياض في المخطوطة إلى آخر السطر، وفي الهامش حرف (ط)، دلالة على الشك والخطأ.
532
عضَلَة ساقها. وخرجت أم غنم عنيزة، وأمرت ابنتها، وكانت من أحسن الناس وجهًا، فأسفرت لقدار وأرته إياه، (١) ثم ذمَّرته، (٢) فشدّ على الناقة بالسيف، فخشَفَ عُرْقوبها، (٣) فخرَّت ورغت رَغَاةً واحدة تحذّرُ سَقْبها، (٤) ثم طعن في لبَّتها فنحرَها، وانطلق سقبها حتى أتى جبلا مُنِيفًا، (٥) ثم أتى صخرة في رأس الجبل فزعًا ولاذ بها (٦) = واسم الجبل فيما يزعمون"صنو"، (٧) = فأتاهم صالح، فلما رأى الناقة قد عقرت، (٨) ثم قال: انتهكتم حرمة الله، فأبشروا بعذاب الله تبارك وتعالى ونقمته! فاتّبع السقبَ أربعةُ نفر من التّسعة الذين عقرُوا الناقة، وفيهم"مصدع بن مهرج"، فرماه مصدع بسهم، فانتظمَ قلبَه، ثم جرَّ برجله فأنزله، ثم ألقوا لحمَه مع لحم أمه.
=فلما قال لهم صالح:"أبشروا بعذاب الله ونقمته"، قالوا له وهم يهزؤون به: ومتى ذلك يا صالح؟ وما آية ذلك؟ = وكانوا يسمون الأيام فيهم: الأحد"أول" والاثنين"أهون"، والثلاثاء"دبار"، والأربعاء"جبار"، والخميس"مؤنس"، والجمعة"العروبة"، والسبت"شيار"، وكانوا عقروا الناقة يوم الأربعاء= فقال لهم صالح حين قالوا ذلك: تصبحون غداة يوم مؤنس، يعني يوم الخميس،
=فلما قال لهم صالح:"أبشروا بعذاب الله ونقمته"، قالوا له وهم يهزؤون به: ومتى ذلك يا صالح؟ وما آية ذلك؟ = وكانوا يسمون الأيام فيهم: الأحد"أول" والاثنين"أهون"، والثلاثاء"دبار"، والأربعاء"جبار"، والخميس"مؤنس"، والجمعة"العروبة"، والسبت"شيار"، وكانوا عقروا الناقة يوم الأربعاء= فقال لهم صالح حين قالوا ذلك: تصبحون غداة يوم مؤنس، يعني يوم الخميس،
(١) في المطبوعة: "فأسفرت عنه" بالزيادة وليست في المخطوطة، ولا ضرورة لها.
(٢) "ذمرته": شجعته وحثته وحرضته.
(٣) في المطبوعة: "فكشف عرقوبها"، وأثبت ما في المخطوطة: "خشف رأسه بالحجر"، شدخه. وكل ما شدخ، فقد خشف. وقيل: "سيف خاشف، وخشيف، وخشوف"، ماض. و"فحسف"، هكذا غير منقوطة في المخطوطة.
(٤) هكذا في المخطوطة والمطبوعة: "رغاة واحدة"، ولم تذكره كتب اللغة، بل قالوا: المرة الواحدة من"الرغاء"، "رغوة" والذي في الطبري جائز مثله في العربية.
(٥) في المطبوعة: "منيعا"، وأثبت ما في المخطوطة."والمنيف" العالي.
(٦) في المطبوعة: "فرغا ولاذ بها"، وفي المخطوطة غير منقوطة، وأرجح أن صواب قراءتها هنا ما أثبت.
(٧) في المطبوعة: "صور"، أثبت ما في المخطوطة، وإن كنت في شك منه.
(٨) في المطبوعة، حذف"ثم"، وهي ثابتة في المخطوطة.
(٢) "ذمرته": شجعته وحثته وحرضته.
(٣) في المطبوعة: "فكشف عرقوبها"، وأثبت ما في المخطوطة: "خشف رأسه بالحجر"، شدخه. وكل ما شدخ، فقد خشف. وقيل: "سيف خاشف، وخشيف، وخشوف"، ماض. و"فحسف"، هكذا غير منقوطة في المخطوطة.
(٤) هكذا في المخطوطة والمطبوعة: "رغاة واحدة"، ولم تذكره كتب اللغة، بل قالوا: المرة الواحدة من"الرغاء"، "رغوة" والذي في الطبري جائز مثله في العربية.
(٥) في المطبوعة: "منيعا"، وأثبت ما في المخطوطة."والمنيف" العالي.
(٦) في المطبوعة: "فرغا ولاذ بها"، وفي المخطوطة غير منقوطة، وأرجح أن صواب قراءتها هنا ما أثبت.
(٧) في المطبوعة: "صور"، أثبت ما في المخطوطة، وإن كنت في شك منه.
(٨) في المطبوعة، حذف"ثم"، وهي ثابتة في المخطوطة.
534
ووجوهكم مصفرّة، ثم تصبحون يوم العروبة، يعني يوم الجمعة، ووجوهكم محمرّة، ثم تصبحون يوم شيار، يعني يوم السبت، ووجوهكم مسودَّة، ثم يصبحكم العذاب يوم الأول، يعني يوم الأحد. فلما قال لهم صالح ذلك، قال التسعة الذين عقروا الناقة: هلمَّ فلنقتل صالحًا، (١) إن كان صادقًا عجَّلناه قبلنا، وإن كان كاذبًا يكون قد ألحقناه بناقتِه! فأتوه ليلا ليبيِّتوه في أهله، فدمَغَتهم الملائكة بالحجارة. فلما أبطؤوا على أصحابهم، أتوا منزلَ صالح، فوجدوهم مشدَّخين قد رُضِخوا بالحجارة، فقالوا لصالح: أنت قتلتهم! ثم همُّوا به، فقامت عشيرته دونه ولبسوا السلاحَ، وقالوا لهم: والله لا تقتلونه أبدًا، فقد وعدكم أنَّ العذاب نازل بكم في ثلاث، فإن كان صادقا لم تزيدوا ربَّكم عليكم إلا غضبًا، وإن كان كاذبًا فأنتم من وراء ما تريدون! فانصرفوا عنهم ليلتَهم تلك، والنفر الذين رَضَختهم الملائكة بالحجارة، التسعةُ الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن بقوله تعالى: (وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) إلى قوله: (لآية لقوم يعلمون)، [سورة النمل: ٤٨ - ٥٢].
=فأصبحوا من تلك الليلة التي انصرفوا فيها عن صالح، وجوههم مصفرَّة، فأيقنوا بالعذاب، وعرفوا أن صالحًا قد صدَقهم، فطلبوه ليقتلوه. وخرج صالح هاربًا منهم، حتى لجأ إلى بطن من ثمود يقال لهم:" بنو غنم"، فنزل على سيِّدهم رجلٍ منهم يقال له:" نفيل"، يكنى بأبي هدب، وهو مشرِك، فغيَّبه، فلم يقدروا عليه. فغدوا على أصحاب صالح فعذّبوهم ليدلُّوهم عليه، فقال رجل من أصحاب صالح يقال له:" ميدع بن هرم": يا نبي الله إنهم ليعذبوننا لندلَّهم عليك، أفندلُّهم عليك؟ قال: نعم! فدلهم عليه"ميدع بن هرم"، فلما علموا بمكان صالح، أتوا أبا هُدْب فكلموه، فقال لهم: عندي صالح، وليس لكم إليه سبيل! فأعرضوا عنه وتركوه، وشغلهم عنه ما أنزل الله بهم من عذابه. فجعل
=فأصبحوا من تلك الليلة التي انصرفوا فيها عن صالح، وجوههم مصفرَّة، فأيقنوا بالعذاب، وعرفوا أن صالحًا قد صدَقهم، فطلبوه ليقتلوه. وخرج صالح هاربًا منهم، حتى لجأ إلى بطن من ثمود يقال لهم:" بنو غنم"، فنزل على سيِّدهم رجلٍ منهم يقال له:" نفيل"، يكنى بأبي هدب، وهو مشرِك، فغيَّبه، فلم يقدروا عليه. فغدوا على أصحاب صالح فعذّبوهم ليدلُّوهم عليه، فقال رجل من أصحاب صالح يقال له:" ميدع بن هرم": يا نبي الله إنهم ليعذبوننا لندلَّهم عليك، أفندلُّهم عليك؟ قال: نعم! فدلهم عليه"ميدع بن هرم"، فلما علموا بمكان صالح، أتوا أبا هُدْب فكلموه، فقال لهم: عندي صالح، وليس لكم إليه سبيل! فأعرضوا عنه وتركوه، وشغلهم عنه ما أنزل الله بهم من عذابه. فجعل
(١) في المطبوعة: "هلموا"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب أيضًا.
535
بعضهم يخبر بعضًا بما يرون في وجوههم حين أصبحوا من يوم الخميس، وذلك أن وجوههم أصبحت مصفرَّة، ثم أصبحوا يوم الجمعة ووجوههم محمرَّة، ثم أصبحوا يوم السبت ووجوههم مسودّة، حتى إذا كان ليلة الأحد خرج صالح من بين أظهرهم ومن أسلم معه إلى الشأم، فنزل رملة فلسطين، وتخلّف رجل من أصحابه يقال له:" ميدع بن هرم"، فنزل قُرْح= وهي وادي القرى، وبين القرح وبين الحجر ثمانية عشر ميلا= فنزل على سيِّدِهم رجلٍ يقال له:" عمرو بن غنم"، وقد كان أكل من لحم الناقة ولم يَشْتَركْ في قتلها، فقال له ميدع بن هرم: يا عمرو بن غنم، أخرج من هذا البلد، فإن صالحًا قال:"من أقام فيه هلك، ومن خرج منه نجا"، فقال عمرو: ما شرِكت في عَقْرها، وما رضيت ما صُنع بها! فلما كانت صبيحة الأحد أخذتهم الصيحة، فلم يبق منهم صغير ولا كبير إلا هلك، إلا جارية مقعدة يقال لها:" الزُّرَيْعَة"، وهي الكلبة ابنة السِّلق، (١) كانت كافرة شديدَة العداوة لصالح، فأطلق الله لها رجليها بعدما عاينت العذابَ أجمعَ، فخرجت كأسرع ما يُرَى شيءٌ قط، حتى أتت أهل قُرْحٍ فأخبرتهم بما عاينتْ من العذاب وما أصاب ثمود منه، (٢) ثم استسقت من الماء فسُقِيت، فلما شربت ماتت.
١٤٨١٢-حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، قال معمر، أخبرني من سمع الحسن يقول: لما عقرت ثمود الناقة، ذهبَ فصيلها حتى صعد تلا فقال: يا رب، أين أمي؟ ثم رغا رَغوةً، فنزلت الصيحةُ، فأخمدتهم.
١٤٨١٢-حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، قال معمر، أخبرني من سمع الحسن يقول: لما عقرت ثمود الناقة، ذهبَ فصيلها حتى صعد تلا فقال: يا رب، أين أمي؟ ثم رغا رَغوةً، فنزلت الصيحةُ، فأخمدتهم.
(١) في المطبوعة: "الدريعة، وهي كليبة ابنة السلق"، وفي المخطوطة"الدريعة وهي الكلبة ابنة السلق"، وقرأتها كما أثبتها. و"السلق"، الذئب، ويزعمون أن الذئب يستولد الكلبة، وأن ولدها منها يقال له"الديسم"، ويقال للكلاب"أولاد زارع"، فرجحت أن صواب قراءتها"الزريعة" بالتصغير، وأن الذي بعدها تفسير لها، كما هو ظاهر.
و"السلق" (بكسر السين، وسكون اللام).
(٢) في المطبوعة: "حتى أتت حيا من الأحياء، فأخبرتهم"، غير ما في المخطوطة، مع أن الصواب هو الذي فيها. و"قرح" سوق وادي القرى، كما مر آنفًا.
و"السلق" (بكسر السين، وسكون اللام).
(٢) في المطبوعة: "حتى أتت حيا من الأحياء، فأخبرتهم"، غير ما في المخطوطة، مع أن الصواب هو الذي فيها. و"قرح" سوق وادي القرى، كما مر آنفًا.
536
١٤٨١٣-حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن بنحوه= إلا أنه قال: أصعد تلا.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أن صالحًا قال لهم حين عقروا الناقة: تمتَّعوا ثلاثة أيام! وقال لهم: آية هلاككم أن تصبح وجوهكم مصفرَّة، ثم تصبح اليومَ الثاني محمرَّة، ثم تصبح اليوم الثالث مسودَّة، فأصبحت كذلك. فلما كان اليوم الثالث وأيقنوا بالهلاك، تكفَّنوا وتحنَّطوا، ثم أخذتهم الصيحة فأهمدتهم= قال قتادة: قال عاقر الناقة لهم: لا أقتلها حتى ترضوا أجمعين! فجعلوا يدخلون على المرأة في حِجْرها فيقولون: (١) أترضين؟ فتقول: نعم! والصبيّ، حتى رضوا أجمعين، فعقرها.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله قال، لما مرّ النبي ﷺ بالحِجر قال: لا تسألوا الآيات، فقد سألها قومُ صالح، فكانت ترد من هذا الفجّ، (٢) وتصدر من هذا الفج، فعتوا عن أمر ربهم، فعقروها، وكانت تشرب ماءهم يومًا، ويشربون لبنها يومًا. فعقروها، فأخذتهم الصيحة: أهمد الله مَنْ تحت أديم السماء منهم، إلا رجلا واحدًا كان في حَرَم الله، قيل: من هو؟ قال: أبو رِغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه. (٣)
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أن صالحًا قال لهم حين عقروا الناقة: تمتَّعوا ثلاثة أيام! وقال لهم: آية هلاككم أن تصبح وجوهكم مصفرَّة، ثم تصبح اليومَ الثاني محمرَّة، ثم تصبح اليوم الثالث مسودَّة، فأصبحت كذلك. فلما كان اليوم الثالث وأيقنوا بالهلاك، تكفَّنوا وتحنَّطوا، ثم أخذتهم الصيحة فأهمدتهم= قال قتادة: قال عاقر الناقة لهم: لا أقتلها حتى ترضوا أجمعين! فجعلوا يدخلون على المرأة في حِجْرها فيقولون: (١) أترضين؟ فتقول: نعم! والصبيّ، حتى رضوا أجمعين، فعقرها.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله قال، لما مرّ النبي ﷺ بالحِجر قال: لا تسألوا الآيات، فقد سألها قومُ صالح، فكانت ترد من هذا الفجّ، (٢) وتصدر من هذا الفج، فعتوا عن أمر ربهم، فعقروها، وكانت تشرب ماءهم يومًا، ويشربون لبنها يومًا. فعقروها، فأخذتهم الصيحة: أهمد الله مَنْ تحت أديم السماء منهم، إلا رجلا واحدًا كان في حَرَم الله، قيل: من هو؟ قال: أبو رِغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه. (٣)
(١) في المطبوعة: "في خدرها"، وأثبت ما في المخطوطة. و"الحجر" (بكسر الحاء وفتحها، وسكون الجيم) : الستر والحفظ، يعني حيث تستر. ولو قريء: "في حجرها" جمع"حجرة"، وهو البيت لكان حسنًا جدًا.
(٢) قوله: "وكانت ترد... "، يعني الناقة.
(٣) الأثر: ١٤٨١٧-"عبد الله بن عثمان بن خثيم" القارئ، تابعي ثقة. مضى برقم: ٤٣٤١، ٥٣٨٨، ٧٨٣١، ٩٦٤٢.
وهذا الخبر رواه أحمد في المسند ٣: ٢٩٦، من هذه الطريق نفسها بلفظه.
وذكره ابن كثير في تفسيره ٣: ٥٠٥، وفي البداية والنهاية ١: ١٣٧، وقال: "وهذا الحديث على شرط مسلم، وهو ليس في شيء من الكتب الستة".
وذكره الحافظ ابن حجر في الفتح (٦: ٢٧٠)، وقال: "وروى أحمد والحاكم بإسناد حسن، عن جابر"، وذكر الخب.
وسيأتي بإسناد آخر رقم: ١٤٨٢٠.
(٢) قوله: "وكانت ترد... "، يعني الناقة.
(٣) الأثر: ١٤٨١٧-"عبد الله بن عثمان بن خثيم" القارئ، تابعي ثقة. مضى برقم: ٤٣٤١، ٥٣٨٨، ٧٨٣١، ٩٦٤٢.
وهذا الخبر رواه أحمد في المسند ٣: ٢٩٦، من هذه الطريق نفسها بلفظه.
وذكره ابن كثير في تفسيره ٣: ٥٠٥، وفي البداية والنهاية ١: ١٣٧، وقال: "وهذا الحديث على شرط مسلم، وهو ليس في شيء من الكتب الستة".
وذكره الحافظ ابن حجر في الفتح (٦: ٢٧٠)، وقال: "وروى أحمد والحاكم بإسناد حسن، عن جابر"، وذكر الخب.
وسيأتي بإسناد آخر رقم: ١٤٨٢٠.
537
... قال عبد الرزاق، قال معمر: وأخبرني إسماعيل بن أمية: أن النبي ﷺ مرّ بقبر أبي رِغال، فقال: أتدرون ما هذا؟، قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: هذا قبر أبي رِغال؟ قالوا فمن أبو رِغال؟ قال: رجل من ثمود، كان في حرم الله، فمنعه حرم الله عذابَ الله، فلما خرج أصابه ما أصاب قومه، فدفن هاهنا، ودفن معه غصن من ذهب! فنزل القوم فابتدروه بأسيافهم، فبحثوا عليه، فاستخرجوا الغصن. (١)
١٤٨١٤-... قال عبد الرزاق: قال: معمر: قال الزهري: أبو رِغال: أبو ثقيف.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن جابر قال، مرّ النبي ﷺ بالحجر= ثم ذكر نحوه، إلا أنه قال في حديثه: قالوا: من هو يا رسول
١٤٨١٤-... قال عبد الرزاق: قال: معمر: قال الزهري: أبو رِغال: أبو ثقيف.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن جابر قال، مرّ النبي ﷺ بالحجر= ثم ذكر نحوه، إلا أنه قال في حديثه: قالوا: من هو يا رسول
(١) الأثر: ١٤٨١٨- هذا خبر مرسل.
"إسماعيل بن أمية الأموي"، ثقة، مضى برقم: ٢٦١٥، ٨٤٥٨.
وهذا الخبر رواه أبو داود في سننه ٣: ٢٤٥ رقم: ٣٠٨٨، موصولا من حديث محمد بن إسحق، عن إسماعيل بن أمية، عن بجير بن أبي بجير، قال سمعت عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله صلى الله وسلم يقول، حين خرجنا إلى الطائف، فمررنا بقبر".
وذكر ابن كثير في تفسيره ٣: ٥٠٨، والبداية ١: ١٣٧، حديث أبي داود هذا، ثم قال: "هكذا رواه أبو داود، عن يحيى بن معين، عن وهب بن جرير بن حازم، عن أبيه، عن ابن إسحاق، به. قال شيخنا أبو الحجاج المزي: وهو حديث حسن عزيز. قلت: تفرد بوصله بجير بن أبي بجير هذا، وهو شيخ لا يعرف إلا بهذا الحديث. قال يحيى بن معين: ولم أسمع أحدًا روى عنه غير إسماعيل بن أمية. قلت [القائل ابن كثير] : وعلى هذا فيخشى أن يكون وهم في رفع هذا الحديث، وإنما يكون من كلام عبد الله بن عمرو مما أخذه من الزاملتين. قال شيخنا أبو الحجاج، بعد أن عرضت عليه ذلك: وهذا محتمل، والله أعلم".
وسيأتي بإسناد آخر رقم: ١٤٨٢٣.
"إسماعيل بن أمية الأموي"، ثقة، مضى برقم: ٢٦١٥، ٨٤٥٨.
وهذا الخبر رواه أبو داود في سننه ٣: ٢٤٥ رقم: ٣٠٨٨، موصولا من حديث محمد بن إسحق، عن إسماعيل بن أمية، عن بجير بن أبي بجير، قال سمعت عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله صلى الله وسلم يقول، حين خرجنا إلى الطائف، فمررنا بقبر".
وذكر ابن كثير في تفسيره ٣: ٥٠٨، والبداية ١: ١٣٧، حديث أبي داود هذا، ثم قال: "هكذا رواه أبو داود، عن يحيى بن معين، عن وهب بن جرير بن حازم، عن أبيه، عن ابن إسحاق، به. قال شيخنا أبو الحجاج المزي: وهو حديث حسن عزيز. قلت: تفرد بوصله بجير بن أبي بجير هذا، وهو شيخ لا يعرف إلا بهذا الحديث. قال يحيى بن معين: ولم أسمع أحدًا روى عنه غير إسماعيل بن أمية. قلت [القائل ابن كثير] : وعلى هذا فيخشى أن يكون وهم في رفع هذا الحديث، وإنما يكون من كلام عبد الله بن عمرو مما أخذه من الزاملتين. قال شيخنا أبو الحجاج، بعد أن عرضت عليه ذلك: وهذا محتمل، والله أعلم".
وسيأتي بإسناد آخر رقم: ١٤٨٢٣.
538
الله؟ قال: أبو رِغال. (١)
١٤٨١٥-حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثنا أبي، عن قتادة قال، كان يقال إنّ أحمرَ ثمود الذي عقر الناقة، كان ولد زَنْية.
١٤٨١٦-حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام قال، حدثنا عنبسة، عن أبي إسحاق قال، قال أبو موسى: أتيت أرض ثمود، فذرعت مَصْدرَ الناقة، فوجدته ستين ذراعًا.
١٤٨١٧-حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، وأخبرني إسماعيل بن أمية بنحو هذا= يعني بنحو حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن جابر = قال: ومرّ النبي ﷺ بقبر أبي رِغال، قالوا: ومن أبو رِغال؟ قال: أبو ثقيف، كان في الحرم لما أهلك الله قومه، منعه حرم الله من عذاب الله، فلما خرج أصابه ما أصاب قومه، فدفن ها هنا، ودفن معه غصن من ذهب. قال: فابتدره القوم يبحثون عنه، حتى استخرجوا ذلك الغصن.
=وقال الحسن: كان للناقة يوم ولهم يومٌ، فأضرَّ بهم. (٢)
حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري قال: لما مرّ النبي ﷺ بالحجر قال: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين، أنْ يصيبكم مثل الذي أصابهم! ثم قال: هذا وادي النَّفَر! (٣) ثم قَنَّع رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي. (٤)
* * *
١٤٨١٥-حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثنا أبي، عن قتادة قال، كان يقال إنّ أحمرَ ثمود الذي عقر الناقة، كان ولد زَنْية.
١٤٨١٦-حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام قال، حدثنا عنبسة، عن أبي إسحاق قال، قال أبو موسى: أتيت أرض ثمود، فذرعت مَصْدرَ الناقة، فوجدته ستين ذراعًا.
١٤٨١٧-حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، وأخبرني إسماعيل بن أمية بنحو هذا= يعني بنحو حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن جابر = قال: ومرّ النبي ﷺ بقبر أبي رِغال، قالوا: ومن أبو رِغال؟ قال: أبو ثقيف، كان في الحرم لما أهلك الله قومه، منعه حرم الله من عذاب الله، فلما خرج أصابه ما أصاب قومه، فدفن ها هنا، ودفن معه غصن من ذهب. قال: فابتدره القوم يبحثون عنه، حتى استخرجوا ذلك الغصن.
=وقال الحسن: كان للناقة يوم ولهم يومٌ، فأضرَّ بهم. (٢)
حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري قال: لما مرّ النبي ﷺ بالحجر قال: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين، أنْ يصيبكم مثل الذي أصابهم! ثم قال: هذا وادي النَّفَر! (٣) ثم قَنَّع رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي. (٤)
* * *
(١) الأثر: ١٤٨٢٠- هذا إسناد آخر للخبر السالف رقم: ١٤٨١٧.
(٢) الأثر: ١٤٨٢٣- هذا إسناد آخر للأثر رقم: ١٤٨١٨.
وأما كلمة الحسن البصري الأخيرة، فلا أدري من قائلها.
(٣) "وادي النفر"، كأنه يعني التسعة من ثمود الذين كانوا يفسدون في الأرض ولا يصلحون، والذين اجتمعوا على قتل صالح عليه السلام، فدمر الله عليهم.
(٤) الأثر: ١٤٨٢٣- حديث الزهري هذا، رواه البخاري في مواضع من صحيحه (الفتح ٦: ٢٧٠) من طريق محمد بن مقاتل، عن عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن عمر = ثم رواه بعد من طريق يونس، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر. ثم رواه (الفتح ٨: ٩٥) من طريق عبد الرازق، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر.
ورواه مسلم في صحيحه ١٨: ١١١، من طريق يونس، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر.
وليس في روايتهما ذكر"وادي النفر".
وكان في المخطوطة والمطبوعة: "ثم رفع رأسه"، وهو تحريف بلا شك، والصواب ما أثبت من رواية البخاري (الفتح ٨: ٩٥). و"قنع رأسه"، غطاها بالقناع. وفي رواية البخاري الأخرى (الفتح ٦: ٢٧٠) :"ثم تقنع بردائه وهو على الرحل".
وقوله: "أجاز الوادي"، أي قطعه وخلفه وراءه.
(٢) الأثر: ١٤٨٢٣- هذا إسناد آخر للأثر رقم: ١٤٨١٨.
وأما كلمة الحسن البصري الأخيرة، فلا أدري من قائلها.
(٣) "وادي النفر"، كأنه يعني التسعة من ثمود الذين كانوا يفسدون في الأرض ولا يصلحون، والذين اجتمعوا على قتل صالح عليه السلام، فدمر الله عليهم.
(٤) الأثر: ١٤٨٢٣- حديث الزهري هذا، رواه البخاري في مواضع من صحيحه (الفتح ٦: ٢٧٠) من طريق محمد بن مقاتل، عن عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن عمر = ثم رواه بعد من طريق يونس، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر. ثم رواه (الفتح ٨: ٩٥) من طريق عبد الرازق، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر.
ورواه مسلم في صحيحه ١٨: ١١١، من طريق يونس، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر.
وليس في روايتهما ذكر"وادي النفر".
وكان في المخطوطة والمطبوعة: "ثم رفع رأسه"، وهو تحريف بلا شك، والصواب ما أثبت من رواية البخاري (الفتح ٨: ٩٥). و"قنع رأسه"، غطاها بالقناع. وفي رواية البخاري الأخرى (الفتح ٦: ٢٧٠) :"ثم تقنع بردائه وهو على الرحل".
وقوله: "أجاز الوادي"، أي قطعه وخلفه وراءه.
539
وأما قوله: (ولا تمسوها بسوء)، فإنه يقول: ولا تمسوا ناقة الله بعقرٍ ولا نحر (١) = (فيأخذكم عذابٌ أليم)، يعني: موجع. (٢)
* * *
* * *
(١) انظر تفسير"المس" فيما سلف: ١١: ٣٧٠، تعليق ١، والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير"أليم" فيما سلف من فهارس اللغة (ألم).
(٢) انظر تفسير"أليم" فيما سلف من فهارس اللغة (ألم).
540
القول في تأويل قوله: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٧٤) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل صالح لقومه، واعظًا لهم: واذكروا، أيها القوم، نعمة الله عليكم= (إذ جعلكم خلفاء)، يقول: تخلفون عادًا في الأرض بعد هلاكها.
* * *
و"خلفاء" جمع"خليفة". وإنما جمع"خليفة""خلفاء"، و"فُعلاء"
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل صالح لقومه، واعظًا لهم: واذكروا، أيها القوم، نعمة الله عليكم= (إذ جعلكم خلفاء)، يقول: تخلفون عادًا في الأرض بعد هلاكها.
* * *
و"خلفاء" جمع"خليفة". وإنما جمع"خليفة""خلفاء"، و"فُعلاء"
540
إنما هي جمع"فعيل"، كما"الشركاء" جمع"شريك"، و"العلماء" جمع"عليم"، و"الحلماء" جمع"حليم"، لأنه ذهب بالخليفة إلى الرجل، فكأن واحدهم"خليف"، ثم جمع"خلفاء"، فأما لو جمعت"الخليفة" على أنها نظيرة"كريمة" و"حليلة" و"رغيبة"، قيل"خلائف"، كما يقال:"كرائم" و"حلائل" و"رغائب"، إذ كانت من صفات الإناث. وإنما جمعت"الخليفة" على الوجهين اللذين جاء بهما القرآن، لأنها جُمعت مرّة على لفظها، ومرة على معناها. (١)
* * *
وأما قوله: (وبوأكم في الأرض)، فإنه يقول: وأنزلكم في الأرض، وجعل لكم فيها مساكن وأزواجًا، (٢) = (تتخذون من سهولها قصورًا وتنحتون الجبال بيوتًا)، ذكر أنهم كانوا ينقُبون الصخر مساكن، كما:-
١٤٨٢٣-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وتنحتون الجبال بيوتًا)، كانوا ينقبون في الجبال البيوتَ.
* * *
وقوله: (فاذكروا آلاء الله)، يقول: فاذكروا نعمة الله التي أنعم بها عليكم (٣) = (ولا تعثوا في الأرض مفسدين).
* * *
وكان قتادة يقول في ذلك ما:-
١٤٨٢٤-حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد،
* * *
وأما قوله: (وبوأكم في الأرض)، فإنه يقول: وأنزلكم في الأرض، وجعل لكم فيها مساكن وأزواجًا، (٢) = (تتخذون من سهولها قصورًا وتنحتون الجبال بيوتًا)، ذكر أنهم كانوا ينقُبون الصخر مساكن، كما:-
١٤٨٢٣-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وتنحتون الجبال بيوتًا)، كانوا ينقبون في الجبال البيوتَ.
* * *
وقوله: (فاذكروا آلاء الله)، يقول: فاذكروا نعمة الله التي أنعم بها عليكم (٣) = (ولا تعثوا في الأرض مفسدين).
* * *
وكان قتادة يقول في ذلك ما:-
١٤٨٢٤-حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد،
(١) انظر تفسير"خليفة" فيما سلف ١: ٤٤٩- ٤٥٣/ ١٢: ٢٨٨، ٥٠٥ وقد استوفى هنا ما لم يذكره هناك.
(٢) انظر تفسير"بوأ" فيما سلف ص٤: ١٦٤.
(٣) انظر تفسير"الآلاء" فيما سلف ص: ٥٠٦.
وكان في المطبوعة: "التي أنعمها"، وأثبت ما في المخطوطة، ولا أدري لم تصرف الناشر في مثل هذا!!.
(٢) انظر تفسير"بوأ" فيما سلف ص٤: ١٦٤.
(٣) انظر تفسير"الآلاء" فيما سلف ص: ٥٠٦.
وكان في المطبوعة: "التي أنعمها"، وأثبت ما في المخطوطة، ولا أدري لم تصرف الناشر في مثل هذا!!.
541
عن قتادة قوله: (ولا تعثوا في الأرض مفسدين)، يقول: لا تسيروا في الأرض مفسدين.
* * *
وقد بينت معنى ذلك بشواهده واختلاف المختلفين فيه فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (١)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٧٥) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (٧٦) ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (قال الملأ الذين استكبروا من قومه)، قال الجماعة الذين استكبروا من قوم صالح عن اتباع صالح والإيمان بالله وبه (٢) = (للذين استضعفوا)، يعني: لأهل المسكنة من تبَّاع صالح والمؤمنين به منهم، دون ذوي شرفهم وأهل السُّؤدد منهم= (أتعلمون أن صالحًا مرسل من ربه)، أرسله الله إلينا وإليكم، قال الذين آمنوا بصالح من المستضعفين منهم: إنا بما أرسل الله به صالحًا من الحقّ والهدى مؤمنون، يقول: مصدِّقون مقرّون أنه من عند الله، وأن الله أمر به، وعن أمر الله دعانا صالح إليه= (قال الذين استكبروا)، عن أمر الله وأمر رسوله صالح= (إنا)، أيها القوم (بالذي
* * *
وقد بينت معنى ذلك بشواهده واختلاف المختلفين فيه فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (١)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٧٥) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (٧٦) ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (قال الملأ الذين استكبروا من قومه)، قال الجماعة الذين استكبروا من قوم صالح عن اتباع صالح والإيمان بالله وبه (٢) = (للذين استضعفوا)، يعني: لأهل المسكنة من تبَّاع صالح والمؤمنين به منهم، دون ذوي شرفهم وأهل السُّؤدد منهم= (أتعلمون أن صالحًا مرسل من ربه)، أرسله الله إلينا وإليكم، قال الذين آمنوا بصالح من المستضعفين منهم: إنا بما أرسل الله به صالحًا من الحقّ والهدى مؤمنون، يقول: مصدِّقون مقرّون أنه من عند الله، وأن الله أمر به، وعن أمر الله دعانا صالح إليه= (قال الذين استكبروا)، عن أمر الله وأمر رسوله صالح= (إنا)، أيها القوم (بالذي
(١) انظر تفسير"عثا" فيما سلف ٢: ١٢٣، ١٢٤/ ٥: ٤٩٩.
= وتفسير"الفساد في الأرض" فيما سلف: ٤٨٧، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير"الملأ" فيما سلف ٥: ٢٩١/ ١٢: ٤٩٩، ٥٠٣.
= وتفسير"الاستكبار" فيما سلف: ١١: ٥٤٠/ ١٢: ٤٢١، ٤٦٧.
= وتفسير"الفساد في الأرض" فيما سلف: ٤٨٧، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير"الملأ" فيما سلف ٥: ٢٩١/ ١٢: ٤٩٩، ٥٠٣.
= وتفسير"الاستكبار" فيما سلف: ١١: ٥٤٠/ ١٢: ٤٢١، ٤٦٧.
آمنتم به)، يقول: صدقتم به من نبوّة صالح، وأن الذي جاء به حق من عند الله= (كافرون)، يقول: جاحدون منكرون، لا نصدِّق به ولا نقرُّ.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧٧) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فعقرت ثمودُ الناقةَ التي جعلها الله لهم آية= (وعتوا عن أمر ربهم)، يقول: تكبروا وتجبروا عن اتباع الله، واستعلوا عن الحق، كما:-
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وعتوا)، علوا عن الحق، لا يبصرون. (١)
١٤٨٢٥-حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال مجاهد: (عتوا عن أمر ربهم)، علوا في الباطل.
١٤٨٢٦-حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد، عن مجاهد في قوله: (وعتوا عن أمر ربهم)، قال: عتوا في الباطل وتركوا الحق.
١٤٨٢٧-حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (وعتوا عن أمر ربهم)، قال: علوا في الباطل.
* * *
وهو من قولهم:"جبّار عاتٍ"، إذا كان عاليًا في تجبُّره.
* * *
= (وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدُنا)، يقول: قالوا: جئنا، يا صالح، بما تعدنا
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧٧) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فعقرت ثمودُ الناقةَ التي جعلها الله لهم آية= (وعتوا عن أمر ربهم)، يقول: تكبروا وتجبروا عن اتباع الله، واستعلوا عن الحق، كما:-
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وعتوا)، علوا عن الحق، لا يبصرون. (١)
١٤٨٢٥-حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال مجاهد: (عتوا عن أمر ربهم)، علوا في الباطل.
١٤٨٢٦-حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد، عن مجاهد في قوله: (وعتوا عن أمر ربهم)، قال: عتوا في الباطل وتركوا الحق.
١٤٨٢٧-حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (وعتوا عن أمر ربهم)، قال: علوا في الباطل.
* * *
وهو من قولهم:"جبّار عاتٍ"، إذا كان عاليًا في تجبُّره.
* * *
= (وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدُنا)، يقول: قالوا: جئنا، يا صالح، بما تعدنا
(١) في المطبوعة: "لا يبصرونه"، وأثبت ما في المخطوطة.
من عذاب الله ونقمته، استعجالا منهم للعذاب= (إن كنت من المرسلين)، يقول: إن كنت لله رسولا إلينا، فإن الله ينصر رسله على أعدائه، فعجَّل ذلك لهم كما استعجلوه، يقول جل ثناؤه: (فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين).
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٧٨) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فأخذت الذين عقروا الناقةَ من ثمود = (الرجفة)، وهي الصيحة.
* * *
و"الرجفة"،"الفعلة"، من قول القائل:"رجَف بفلان كذا يرجُفُ رجْفًا"، وذلك إذا حرَّكه وزعزعه، كما قال الأخطل:
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٧٨) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فأخذت الذين عقروا الناقةَ من ثمود = (الرجفة)، وهي الصيحة.
* * *
و"الرجفة"،"الفعلة"، من قول القائل:"رجَف بفلان كذا يرجُفُ رجْفًا"، وذلك إذا حرَّكه وزعزعه، كما قال الأخطل:
إِمَّا تَرَيْنِي حَنَانِي الشَّيْبُ مِنْ كِبَرٍ | كَالنَّسْرِ أَرْجُفُ، وَالإنْسَانُ مَهْدُودُ (١) |
(١) ديوانه: ١٤٦ من قصيدة له جيدة، قالها في يزيد بن معاوية، وذكر فيها الشباب ذكرًا عجبًا، وقد رأى إعراض الغواني عنه من أجله، يقول بعده:
وهي أبيات ملئت عاطفة وحزنًا وحسرة، فاحفظها.
وَقَدْ يَكُونُ الصِّبَى مِنِّي بِمَنْزِلَةٍ | يَوْمًا، وتَقْتَادُنِي الهِيفُ الرَّعَادِيدُ |
يَا قَلَّ خَيْرُ الغَوَانِي، كيف رُغْنَ بِهِ | فَشُرْبُهُ وَشَلٌ فِيهِنَّ تَصْرِيدُ |
أَعْرَضْنَ مِنْ شَمَطٍ في الرَّأْسِ لاحَ بِهِ | فَهُنّ مِنْهُ، إِذَا أَبْصَرْنَهُ، حِيدُ |
قَدْ كُنَّ يَعْهَدْنَ مِنِّي مَضْحَكًا حَسَنًا | وَمَفْرِقًا حَسَرَتْ عَنْهُ العَنَاقِيدُ |
فَهُنَّ يَشْدُونَ مِنِّي بَعْضَ مَعْرِفَةٍ، | وَهُنَّ بالوُدِّ، لا بُخْلٌ ولا جُودُ |
قَدْ كَانَ عَهْدِي جَدِيدًا، فَاسْتُبِدَّ بِهِ، | وَالعَهْدُ مُتَّبَعٌ مَا فِيهِ، مَنشُودُ |
لا أَنْتَ بَعْلٌ يُسْتَقَادُ لَهُ، | وَلا الشَّبَابُ الَّذِي قَدْ فَاتَ مَرْدُودُ |
هَلْ لِلشَّبَابِ الذي قَدْ فَاتَ مرْدُودُ ؟ | أَمْ هَلْ دَوَاءٌ يَرُدُّ الشِّيبَ مَوْجُودُ ؟ |
لَنْ يَرْجِعَ الشِّيبُ شُبَّانًا، وَلَنْ يَجِدُوا | عِدْلَ الشَّبَابِ، مَا أَوْرَقَ العُودُ |
إِنَّ الشَّبَابَ لَمَحْمُودٌ بَشَاشَتُهُ | والشَّيْبُ مُنْصَرفٌ عَنْهُ وَمَصْدُودُ |
544
وإنما عنى بـ"الرجفة"، ها هنا الصيحة التي زعزعتهم وحركتهم للهلاك، لأن ثمود هلكت بالصيحة، فيما ذكر أهل العلم.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٨٢٨-حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله:"الرجفة"، قال: الصيحة.
١٤٨٢٩-حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٤٨٣٠-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (فأخذتهم الرجفة)، وهي الصيحة.
١٤٨٣١-حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد، عن مجاهد: (فأخذتهم الرجفة)، قال: الصيحة.
* * *
وقوله: (فأصبحوا في دارهم جاثمين)، يقول: فأصبح الذين أهلك الله من ثمود= (في دارهم)، يعني في أرضهم التي هلكوا فيها وبلدتهم.
* * *
ولذلك وحَّد"الدار" ولم يجمعها فيقول" في دورهم"= وقد يجوز أن يكون أريد بها الدور، ولكن وجَّه بالواحدة إلى الجميع، كما قيل: (وَالْعَصْرِ إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) [العصر: ١-٢].
* * *
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٨٢٨-حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله:"الرجفة"، قال: الصيحة.
١٤٨٢٩-حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٤٨٣٠-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (فأخذتهم الرجفة)، وهي الصيحة.
١٤٨٣١-حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد، عن مجاهد: (فأخذتهم الرجفة)، قال: الصيحة.
* * *
وقوله: (فأصبحوا في دارهم جاثمين)، يقول: فأصبح الذين أهلك الله من ثمود= (في دارهم)، يعني في أرضهم التي هلكوا فيها وبلدتهم.
* * *
ولذلك وحَّد"الدار" ولم يجمعها فيقول" في دورهم"= وقد يجوز أن يكون أريد بها الدور، ولكن وجَّه بالواحدة إلى الجميع، كما قيل: (وَالْعَصْرِ إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) [العصر: ١-٢].
* * *
545
وقوله: (جاثمين)، يعني: سقوطًا صرعَى لا يتحركون، لأنهم لا أرواح فيهم، قد هلكوا. والعرب تقول للبارك على الركبة:"جاثم"، ومنه قول جرير:
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٨٣٢-حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: (فأصبحوا في دارهم جاثمين)، قال: ميتين.
القول في تأويل قوله: ﴿فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (٧٩) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فأدبر صالح عنهم حين استعجلوه العذاب وعقروا ناقة الله، خارجًا عن أرضهم من بين أظهُرهم، (٢) لأن الله تعالى ذكره أوحَى إليه: إنّي مهلكهم بعد ثالثة. (٣)
عَرَفْتُ المُنْتَأَى، وَعَرَفْتُ مِنْهَا | مَطَايَا القِدْرِ كَالحِدَإِ الجُثُومِ (١) |
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٨٣٢-حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: (فأصبحوا في دارهم جاثمين)، قال: ميتين.
القول في تأويل قوله: ﴿فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (٧٩) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فأدبر صالح عنهم حين استعجلوه العذاب وعقروا ناقة الله، خارجًا عن أرضهم من بين أظهُرهم، (٢) لأن الله تعالى ذكره أوحَى إليه: إنّي مهلكهم بعد ثالثة. (٣)
(١) ديوانه: ٥٠٧، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٢١٨، من قصيدته في هشام بن عبد الملك، مضى منها بيت فيما سلف ١: ١٧٠.
يقول قبله:
و"المنتأى"، حفير النؤى حول البيت. و"مطايا القدر"، أثافيها، تركبها القدر فهي لها مطية. وجعلها كالحدإ الجثوم، لسوادها من سخام النار.
وكان في المخطوطة: "عرفت الصاى"، غير منقوطة، وخطأ، صوابه ما في المطبوعة.
(٢) انظر تفسير"تولى" فيما سلف ١٠: ٥٧٥، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٣) في المطبوعة: "بعد ثلاثة"، والصواب المحض ما أثبت من المخطوطة.
يقول قبله:
وَقَفْتُ عَلَى الدِّيَارِ، وَمَا ذَكَرْنَا | كَدَارٍ بَيْنَ تَلْعَةَ والنَّظِيم |
وكان في المخطوطة: "عرفت الصاى"، غير منقوطة، وخطأ، صوابه ما في المطبوعة.
(٢) انظر تفسير"تولى" فيما سلف ١٠: ٥٧٥، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٣) في المطبوعة: "بعد ثلاثة"، والصواب المحض ما أثبت من المخطوطة.
وقيل: إنه لم تهلك أمة ونبيها بين أظهُرها. (١)
فأخبر الله جل ثناؤه عن خروج صالح من بين قومه الذين عتوا على ربهم حين أراد الله إحلال عقوبته بهم، فقال: (فتولى عنهم) صالح= وقال لقومه ثمود= (لقد أبلغتكم رسالة ربي)، وأدّيت إليكم ما أمرني بأدائه إليكم ربّي من أمره ونهيه (٢) = (ونصحت لكم)، في أدائي رسالة الله إليكم، في تحذيركم بأسه بإقامتكم على كفركم به وعبادتكم الأوثان= (ولكن لا تحبون الناصحين)، لكم في الله، الناهين لكم عن اتباع أهوائكم، الصادِّين لكم عن شهوات أنفسكم.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (٨٠) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا لوطًا.
* * *
ولو قيل: معناه: واذكر لوطًا، يا محمد، (إذ قال لقومه) = إذ لم يكن في الكلام صلة"الرسالة" كما كان في ذكر عاد وثمود = كان مذهبًا.
* * *
وقوله: (إذ قال لقومه)، يقول: حين قال لقومه من سَدُوم، وإليهم كان أرسل لوط= (أتأتون الفاحشة)، وكانت فاحشتهم التي كانوا يأتونها، التي عاقبهم الله عليها، إتيان الذكور (٣) = (ما سبقكم بها من أحد من العالمين)، يقول: ما سبقكم بفعل هذه الفاحشة أحد من العالمين، وذلك كالذي:-
فأخبر الله جل ثناؤه عن خروج صالح من بين قومه الذين عتوا على ربهم حين أراد الله إحلال عقوبته بهم، فقال: (فتولى عنهم) صالح= وقال لقومه ثمود= (لقد أبلغتكم رسالة ربي)، وأدّيت إليكم ما أمرني بأدائه إليكم ربّي من أمره ونهيه (٢) = (ونصحت لكم)، في أدائي رسالة الله إليكم، في تحذيركم بأسه بإقامتكم على كفركم به وعبادتكم الأوثان= (ولكن لا تحبون الناصحين)، لكم في الله، الناهين لكم عن اتباع أهوائكم، الصادِّين لكم عن شهوات أنفسكم.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (٨٠) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا لوطًا.
* * *
ولو قيل: معناه: واذكر لوطًا، يا محمد، (إذ قال لقومه) = إذ لم يكن في الكلام صلة"الرسالة" كما كان في ذكر عاد وثمود = كان مذهبًا.
* * *
وقوله: (إذ قال لقومه)، يقول: حين قال لقومه من سَدُوم، وإليهم كان أرسل لوط= (أتأتون الفاحشة)، وكانت فاحشتهم التي كانوا يأتونها، التي عاقبهم الله عليها، إتيان الذكور (٣) = (ما سبقكم بها من أحد من العالمين)، يقول: ما سبقكم بفعل هذه الفاحشة أحد من العالمين، وذلك كالذي:-
(١) انظر معاني القرآن ١: ٣٨٥.
(٢) انظر تفسير"الإبلاغ" فيما سلف: ١٠: ٥٧٥/ ١١: ٩٥/ ١٢: ٥٠٤.
(٣) انظر تفسير"الفاحشة" فيما سلف: ص: ٤٠٢، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير"الإبلاغ" فيما سلف: ١٠: ٥٧٥/ ١١: ٩٥/ ١٢: ٥٠٤.
(٣) انظر تفسير"الفاحشة" فيما سلف: ص: ٤٠٢، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
١٤٨٣٣-حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسماعيل بن علية، عن ابن أبي نجيح، عن عمرو بن دينار قوله: (ما سبقكم بها من أحد من العالمين)، قال: ما رُئي ذكر على ذكر حتى كان قوم لوط.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (٨١) ﴾
قال أبو جعفر: يخبر بذلك تعالى ذكره عن لوط أنه قال لقومه، توبيخًا منه لهم على فعلهم: إنكم، أيها القوم، لتأتون الرجال في أدبارهم، شهوة منكم لذلك، من دون الذي أباحه الله لكم وأحلَّه من النساء= (بل أنتم قوم مسرفون)، يقول: إنكم لقوم تأتون ما حرَّم الله عليكم، وتعصونه بفعلكم هذا.
* * *
وذلك هو"الإسراف"، في هذا الموضع. (١)
* * *
و"الشهوة"،"الفَعْلة"، وهي مصدر من قول القائل:"شَهَيتُ هذا الشيء أشهاه شهوة" ومن ذلك قول الشاعر: (٢)
وأَشْعَثَ يَشْهَى النَّوْمَ قُلْتُ لَهُ: ارْتَحِلْ!... إذَا مَا النُّجُومُ أَعْرَضَتْ وَاسْبَطَرَّتِ (٣) فَقَامَ يَجُرُّ البُرْدَ، لَوْ أَنَّ نَفْسَهُ... يُقَالُ لَهُ: خُذْهَا بِكَفَّيْكَ! خَرَّتِ (٤)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (٨١) ﴾
قال أبو جعفر: يخبر بذلك تعالى ذكره عن لوط أنه قال لقومه، توبيخًا منه لهم على فعلهم: إنكم، أيها القوم، لتأتون الرجال في أدبارهم، شهوة منكم لذلك، من دون الذي أباحه الله لكم وأحلَّه من النساء= (بل أنتم قوم مسرفون)، يقول: إنكم لقوم تأتون ما حرَّم الله عليكم، وتعصونه بفعلكم هذا.
* * *
وذلك هو"الإسراف"، في هذا الموضع. (١)
* * *
و"الشهوة"،"الفَعْلة"، وهي مصدر من قول القائل:"شَهَيتُ هذا الشيء أشهاه شهوة" ومن ذلك قول الشاعر: (٢)
وأَشْعَثَ يَشْهَى النَّوْمَ قُلْتُ لَهُ: ارْتَحِلْ!... إذَا مَا النُّجُومُ أَعْرَضَتْ وَاسْبَطَرَّتِ (٣) فَقَامَ يَجُرُّ البُرْدَ، لَوْ أَنَّ نَفْسَهُ... يُقَالُ لَهُ: خُذْهَا بِكَفَّيْكَ! خَرَّتِ (٤)
(١) انظر تفسير"الإسراف" فيما سلف: ص: ٣٩٥، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
(٢) م أعرف قائله.
(٣) البيت الأول في اللسان (شهى)، ورواية اللسان: "واسْبَكَرَّتْ".
وقوله: "وأشعث"، يعني رفيقه في السفر، طال عليه السفر، فاغبر رأسه، وتفرق شعره من ترك الأدهان. و"اسبطرت النحوم"، امتدت واستقامت وأسرعت في مسبحها. و"اسبكرت"، مثلها.
(٤) "خرت"، أي سقطت وتقوضت وهوت، وكان في المطبوعة: "جرت" بالجيم، وهو خطأ صرف.
وهذا البيت الثاني، ورد مثله في شعر الأخطل، قال:
(٢) م أعرف قائله.
(٣) البيت الأول في اللسان (شهى)، ورواية اللسان: "واسْبَكَرَّتْ".
وقوله: "وأشعث"، يعني رفيقه في السفر، طال عليه السفر، فاغبر رأسه، وتفرق شعره من ترك الأدهان. و"اسبطرت النحوم"، امتدت واستقامت وأسرعت في مسبحها. و"اسبكرت"، مثلها.
(٤) "خرت"، أي سقطت وتقوضت وهوت، وكان في المطبوعة: "جرت" بالجيم، وهو خطأ صرف.
وهذا البيت الثاني، ورد مثله في شعر الأخطل، قال: