بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الإنسان ١مكية ٢
٢ - في قول ابن الزبير وابن عباس –في رواية عنه- في الدر ٨/٣٦٥ وقول مقاتل والكلبي ويحيى بن سلام في تفسير الماوردي ٤/٣٦٥ وتفسير القرطبي ١٩/١١٨ وقول عطاء في المعالم ٧/١٨٨ وقول الجمهور في البحر ٨/٣٩٣.
وحكى الماوردي والقرطبي عن الجمهور، وصاحب البحر عن مجاهد وقتادة، وصاحب الدر عن ابن عباس في رواية أخرى عنه أيضا مدنية.
وعن الحسن وعكرمة أنها مدنية إلا آية فإنها مدنية وهي ﴿ولا تطع منهم آثما أو كفورا﴾ انظر المحرر ١٦/١٨٢ وزاد المسير ٨/٤٢٧ والبحر ٨/٣٩٣..
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الإنسانمكية
- قوله تعالى: ﴿هَلْ أتى عَلَى الإنسان حِينٌ مِّنَ الدهر لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً﴾، إلى قوله: ﴿سَمِيعاً بَصِيراً﴾.
" هل " [في هذا] الموضع خبر لا جحد. وفي الكلام معنى [التقرير]، كأنه قال: قد أتى على الإنسان [ز] من طويل لم يكن شيئاً مذكوراً.
وقد أجاز ابن كيسان أن تكون " هل " في الآية استفهاما على بابها، كما تقول: هل بقيت في أمرك؟.
والإنسان في الآية: آدم عليه السلام، قاله قتادة وغيره. قال قتادة: إنما [خلق] الإنسان حديثاً، وما نعلم من خليقة الله تعالى كانت بعد الإنسان، يقول: خَلْقُ الإنسان آخر سائر ما خلق الله من الخلق.
وقيل: الجن هنا غير معلوم، [الله يعمله]. وقيل: الإنسان هنا يراد به الجنس فأما الإنسان الثاني فهو للجنس [بلا خلاف]، وقال مالك: الحسن هنا: ما مضى قبل ذلك من أمر الدهر كله ومن قبل أن يخلق آدم.
- ثم قال تعالى: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ﴾.
أي: خلقنا ذرية آدم من نطفة، أي: من ماء الرجل وماء المرأة. والنطفة كل ماء قليل في وعاء. و (أمشاج): أخلاط.
وقال ابن عباس: المشجان: ماء الرجل وماء المرأة. وهو معنى قول مجاهد والحسن وعكرمة وأكثر المفسرين.
وعن ابن عباس أيضاً أن معنى (أمشاج) هو انتقاله من تراب ثم من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى غير ذلك. وقاله أيضاً عكرمة وقتادة.
وقيل: (أمشاج) هي العروق التي تكون في النطفة. روي ذلك عن ابن مسعود.
وقيل: الأمشاج هي ألوان النطفة، (نطفة الرجل تكون بيضاء وحمراء، ونطفة المرأة تكون خضراء وحمراء) /، [روي ذلك عن] مجاهد وقاله ابن أبي نُجَيْح.
فمن قال: إن الأمشاج انتقال النطفة إلى علقة، ثم مضغة، ثم غير ذلك، فتقديره: من نطفة ذات أمشاج.
﴿فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً﴾.
أي: ذا سمع وذا بصر لِتَقُوم عليه الحجة. وقال الفراء: في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير عنده: إنا خلقنا الإنسان سميعاً بصيراً من نطفة أمشاج لنختبره. وقد رُدَّ [عليه] هذا التقدير، لأن الفاء لا يقع معها التقديم والتأخير. ولأن الكلام تام بغير تقديم وتأخير، فلا يخرج عن ظاهر لغير علة.
- قوله تعالى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السبيل﴾، إلى قوله: ﴿وَلاَ زَمْهَرِيراً﴾.
أي: إنا بينا له طريق لاحق وعرَّفناه. قال مجاهد: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السبيل﴾: الشقاوة والسعادة. وقال قتادة: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السبيل إِمَّا شَاكِراً﴾ لنعم الله ﴿وَإِمَّا كَفُوراً﴾ لها. وقال ابن زيد: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السبيل﴾ قال: [ننتظر] أي شيء يصنع وأي الطريقين يسلك. ومعنى " إما " في هذا الموضع كمعنى: [" أو " إلا أنها] تدل على
وأجاز الفراء أن [تكون] " ما " زائدة [و " إن "] للشرط.
والمعنى على هذا: " إنا هديناه السبيل إن شكر وإن كفر ". وفيه بعد لأن " إن " التي للشرط لا تقع على الأسماء إلا بإضمار فعل، ولا يحسن ذلك هنا. وقيل: تقديره على قول الفراء: " إن كان شاكراً أو كان كفوراً ".
- ثم قال تعالى: ﴿إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً﴾.
أي: إنا أعتدنا لمن كفر (وأعرض عن الإيمان) وجحد النعم [﴿سَلاَسِلاَ﴾] يوثقون بها في الجحيم ﴿وَأَغْلاَلاً﴾ تغل بها أيديهم إلى أعناقهم
فمن لم ينون [﴿سَلاَسِلاَ﴾] أتى به على منع الصرف لأنه جمع لا نظير له في الواحد، وهو نهاية الجمع، فثقل فمنع الصرف. ومن وقف عليه بألف مع منعه لصرفه فعلى لغة مسموعة عن العرب.
حكى الرؤاسي والكسائي أن العرب تقف على ما لا يتصرف في حال الفتح بألف [لبيان] الفتحة. وله حجة أخرى: وذلك أنه في بعض المصاحف
فأما من نونه، فعلى لغة مسموعة من بعض العرب. حكى الكسائي وغيره من الكوفيين أن بعض [العرب يصرف كل ما] لا ينصرف إلا " أفعل منك ". وقال بعض أهل النظر: كل ما يجوز في الشعر يجوز في القرآن، لأن الشعر أصل كلام العرب، والعرب تصرف هذا ونحوه في الشعر. وقيل: إنما صرف لأن أُتْبِعَ بما بعده، وهو [﴿وَأَغْلاَلاً﴾].
وكذلك الحجة في ﴿قَوَارِيرَاْ * قَوَارِيرَاْ﴾ [الإنسان: ١٥ - ١٦]، عند من منع صرفه ووقف بالألف. أو بغير ألف أو صرفه.
- ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ الأبرار يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً﴾.
أي: إن الذين بروا ربهم بطاعتهم في أداء فرائضه واجتناب
وقيل: الكافور هنا اسم لعين ماء في الجنة. فعلى هذا، تكون ﴿عَيْناً﴾ بدلاً من " كافور ". ومن جعل الكافور صفة للشرب بنصب ﴿عَيْناً﴾ على الحال من المضمر في ﴿مِزَاجُهَا﴾. وقيل: انتصب عين على إضمار أعني، [وقيل: هي مفعول بها بمعنى: يشربون عيناً يشرب بها عباد الله. وقيل: هي نصب
وقال الحسن: " الأبرار: الذين لا يؤذون الذر [ولا يرضون الشر] ".
وقال محارب بن دثار: إنما سمو أبراراً لأنهم بروا الآباء والأبناء. فكما أن لوالديك [عليك] حقاً، كذلك لولدك عليك حق.
وروى ابن عمر عن النبي ﷺ أنه قال: " إنْ أَبَرَّ الْبِرِ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أَهْلَ وُدِّ أبيه ".
- (وقوله: ﴿عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله...﴾.
أي: يشربها. وقل: التقدير: يروي بها عباد الله الذين يدخلهم جنته. وقيل: يعني بعباد الله: الأبرار خاصة الذين تقدم ذكرهم. دليله قوله: ﴿عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا المقربون﴾ [المطفيين: ٢٨]، وهو الأبرار تمزج لهم بالكافور وتختم بالمسك).
- ثم قال: ﴿يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً﴾.
- قال تعالى: ﴿يُوفُونَ بالنذر﴾.
أي: يوفون بكل ما يجب عليهم، نذروه أو لم ينذروه.
وقال الفراء: التقدير كانوا يوفون بالنذر في الدنيا. وكانوا ﴿وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً﴾، أي: فاشياً ظاهراً منتشراً ممتداً.
قال قتادة: ﴿يُوفُونَ بالنذر﴾: " بطاعة الله وبالصلاة وبالحج والعمرة ".
(قال قتادة) " استصار والله شر ذلك اليوم حتى ملأ السماوات والأرض ".
وقال الفراء: ﴿مُسْتَطِيراً﴾ أي: [مستطيلاً].
يقال: استطار الشيء إذا انتشر.
- ثم قال تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطعام على حُبِّهِ...﴾.
أي: على حبهم إياه وشهوتهم له، ﴿مِسْكِيناً... ً﴾ أي: ذا حاجة، ﴿وَيَتِيماً﴾، وقوله ﴿وَأَسِيرا﴾ قال قتادة: هو المَأْسُورُ عندك المُشْرِك، قال:
- ثم قال: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله...﴾.
أي: يقولون إذا هم أطعموهم: إنما نطعمكم طلب رضاء الله والتقرب إليه.
- ﴿لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ...﴾ منكم أيها الناس على إطعامنا لكم.
و ﴿شُكُوراً﴾ يحتمل أن يكون جمع " شُكْرٍ " وأن يكون مصدراً.
قال مجاهد: " أَمَا إنَّهُمْ (ما) تكلموا به، ولكنّ الله عَلِمَه من قلوبهم فأثنى به عليهم لِيَرْغَبَ فِي ذَلِكَ رَاغِبٌ ". ومثلَ ذلك قال ابن جبير.
وكذلك روى [الفِرْيَابِي] عن سالم الأفطس عن ابن عمر.
- ثم قال تعالى: ﴿إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً﴾.
قال ابن عباس في قوله: ﴿يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً﴾ قال: " يعبس الكافر يومئذ حتى يسيل من [بين] عينيه عرق مثل القطران ". وقال قتادة: " عبست فيه الوجوه وقبضت ما بين أعينها كراهية لذلك اليوم "، وهو قول مجاهد. وعن ابن
وقال ابن زيد: " العبوس: الشر ".
- ثم قال تعالى: ﴿فوقاهم الله شَرَّ ذَلِكَ اليوم﴾.
أي: وقاهم ما كانوا يحذرون في الدنيا من شر ذلك اليوم بما كانوا يعملون في الدنيا.
- ثم قال تعالى: ﴿وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً﴾.
قال الحسنن: " [نضرة] في الوجوه وسروراً في القلوب "
وكذلك قال قتادة. وقال ابن زيد: نعمة وفرحاً.
وروي أن هذا كله نزل في علي بن أبي طالب. رضي الله عنهـ.
- ثم قال تعالى: ﴿وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً﴾.
أي: وأثابهم بصبرهم في الدنيا على طاعة الله واجتناب محارمه دخول جنته. واستعمال الحرير في اللباس والفرش.
- ﴿مُّتَّكِئِينَ فِيهَا على الأرائك﴾.
نصب ﴿مُّتَّكِئِينَ﴾ على الحال من الهاء والميم في ﴿وَجَزَاهُمْ﴾.
" وجزى " هو العامل في الحال. ولا [يحسن] أن يعمل فيه ﴿صَبَرُواْ﴾ لأن الصبر كان في الدنيا والاتكاء في الآخرة. ويجوز أن ينتصب على النعب للجنَّة " لأنه
- وقوله ﴿لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً﴾.
" شمساً] في موضع الحال من الهاء والميم، (أو) في موضع النعت لجنةً، أي: غير رائين في الجنة شمساً تؤذيهم بحرها، ولا برداً شديداً يؤذيهم [بشدته].
قال مجاهد: الزمهرير: البرد المُقَطِّعُ.
والزمهرير: لون من عذاب جهنم.
-[قوله تعالى]: ﴿وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا﴾ إلى قوله: ﴿مَّشْكُوراً﴾.
أي: وقربت منهم ظلالها. وانتصب ﴿دَانِيَةً﴾ على العطف على ﴿جَنَّةً﴾.
والتقدير: وجزاهم جنة دانية.
ويجوز أن يكون [حالاً عطفاً] على ﴿مُّتَّكِئِينَ﴾ أو على ﴿(لاَ) يَرَوْنَ﴾، ويجوز أن يكون صفة للجنة.
وقرأ ابن مسعود: ﴿وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ﴾، حَمَلَهُ على تذكير الجمع وهو ظلالها.
وفير قراءة أُبَيّ (ودانٍ)، على أنه [في] موضع رفع مثل: قَاضٍ المرفوع. حمله [على] أنه خبر ﴿ظِلاَلُهَا﴾ مقدم.
- ثم قال تعالى: ﴿وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً﴾.
قال مجاهد: معناه: إن قام ارتفعت بقدرة (الله)، (فإن) قعد تذللت
وقال قتادة: معناه " لا يَرُدُّ أيديهم عنها [بعد] ولا شوك ".
قال سفيان: ﴿وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا﴾ قال: " يتناوله كيف شاء، جالساً ومتكئاً ". قال مجاهد: أرض الجنة وَرِقً، وتُرْبُهَا مسك، وأصول شجرها ذهب، ووَرَق أفنانها لؤلؤ وزبرجد وياقوت، والثمر تحته.
- ثم قال تعالى: ﴿وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً﴾.
" ويقال: المذلل الذي [يُفَيِّئُهُ] [أدنى] ريح ".
" يقال: المذلل: المسوى ". وأهل الحجاز يقولون: [ذللل] نَخْلَكَ.
أي: سوه. ويقال: المُذَلَّلُ: القريب المُتَنَاوَل. من قولهم: [دابة] ذليلُ
- ثم قال تعالى: ﴿وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ﴾.
أي: ويطاف على هؤلاء الأبرار في الجنة بآنية في بياض الفضة وصفاء القوارير. قال مجاهد: فيها رقة القوارير في بياض الفضة. وهو قول قتادة.
- وقوله: ﴿وَأَكْوابٍ﴾.
أي: " ويطاف عليهم مع الأواني بجرار ضخام فيه الشراب. وكل جرة ضخمة لا عروة لها [فهي] كوب ".
وقال مجاهد: الكوب: [الكوز] الذي لا عورة له. وهو قول أكثر
- وقوله: ﴿كَانَتْ قَوَارِيرَاْ * قَوَارِيرَاْ﴾.
[أي]: كانت هذه الأواني والأكواب قوارير فحولها الله فضة. وقيل: إن قوله: ﴿وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ﴾ يدل على أن أرض الجنة من فضة. لأن المعلوم في الدنيا المتعارف أن كل آنية (تتخذ) فإنما تتخذ من تربة الأرض التي [هي] فيها، فدل على أن أرض الجنة من فضة بقوله: ﴿وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ﴾.
قال أبو صالح: كان تراب هذه الأواني فضة.
- وقوله: ﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً﴾.
أي: قدروا تلك الأواني على قدر [رِيِّهم]، لا تزيد ولا تنقص في ذلك،
وهو قول قتادة وابن زيد ومجاهد.
وعن ابن عباس أن معناه (وقدروها) على قدر الكف. والمعنى: [قدرها] لهم السقاة الذين يطوفون عليهم بها، فلذلك نسب إليهم. وقيل: معناه: وجدوها كذا، فنسب الفعل إليهم لمناولتهم: إياها لهم.
وقرأ الشعبي وعبيد بن عمير وابن أبزى: " قُدِّرُوهَا تَقْدِيراً " - بضم
- وقوله تعالى: ﴿وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً﴾.
أي: ويسقى هؤلاء الأبرار في الجنة شراب (كأس).
والكأس: كل إناء فيه شراب. فإذا كان فارغاً من الخمر لم يُقَلْ له كأس، ويقال له قدح. كذلك لا يقال للخِوان: مائدة حتى يكون [عليه] الطعام.
- قوله: ﴿كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً﴾.
وقال (قتادة في رواية ابن جبير عنه): الزنجبيل: اسم للعين يشرب منها المقربون صرفاً، وتمزج لسائر أهل الجنة. والعرب تضرب المثل بالخمر إذا مزجته بالزنجبيل، وكانوا يستطيبون ذلك. فخوطبوا على ما يعرفون. هذا يدل على قول قتادة الأول.
- وقوله: ﴿عَيْناً فِيهَا تسمى سَلْسَبِيلاً﴾.
﴿عَيْناً﴾ منتصبة على ما انتصب ﴿عَيْناً﴾ (الأول). (قال) قتادة: معنى ﴿سَلْسَبِيلاً﴾. " سلسة يصرفونها حيث شاءوا ".
وقيل: هو اسم للعين، ويلزم من قال هذا ألا يصرفه.
قال النحاس: هي فعلليل من [السلاسة].
وهذا غلط، لأنه كان يجب أن يقال: [سلسليل]، ولا يكون فيه [باء].
[و] حكى سيبويه أن نظيره قفشليل.
" أي: لا يموتون ". وقيل: معناه مسورون. وقيل: مقطرون، وذلك بلغة حِمْيَر. يعني بذلك أنهم شباب لا يتغيرون عن ذلك السِن. تقول العرب للرجل إذا كبر وثبت سواد شعره إنه لَمُخْلِدٌ، وكذلك إذا كَبِرَ [وثبتت] أضراسه، يراد به أنه [لثابت] الحال.
- ثم قال تعالى: ﴿إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ/ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً﴾.
أي: إذا رأيت - محمد - هؤلاء الولدان، ظننتهم في حسنهم ونقاء بياض
قال قتادة: ﴿لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً﴾ يعني من [كثرتهمه] وحسنهم.
قال [ابن عمرو]: ما من أهل الجنة من أحد إلا يسعى عليه ألف غلام، وكل غلام على عمل ما عليه صاحبه.
قال سفيان: ﴿حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً﴾ قال: " في كثرة اللؤلؤ وفي بياض اللؤلؤ ".
وروى جابر بن عبد الله أن النبي ﷺ قال: " إنَّ أهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَلاَ يَبُولُونَ وَلاَ [يَتَغَوَّطُونَ] وَلاَ يَمْتَخِطُونَ، [يَصِيرُ] طَعَامُهُم وشَرَابُهُم
- ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً﴾.
أي: وإذا رأيت - يا محمد - ما ثم رأيت نعيماً.
وأكثر البصريين على أن ﴿ثَمَّ﴾ نصبه على الظرف، ولم يُعَدَّ ﴿رَأَيْتَ﴾، كما تقول: ظننت في الدار " فلا تعدي " ظننت ".
- وقوله: ﴿وَمُلْكاً كَبِيراً﴾.
أي: (و) رأيت مع النعيم ملكاً عظيماً. روي: أَنَّ أَدْنَى أَهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً مَنْ يَنْظُرُ فِي مُلْكِهِ في مَسِيرَةِ أَلْفِ عَامٍ، يَرَى أَقْصَاهُ كَمَا يَرَى أَدْنَاهُ.
وقيل: الملك الكبير هنا عني به تسليم الملائكة عليهم واستئذانهم عليهم. قاله مجاهد وسفيان.
روى ابن عمر أن النبي ﷺ قال: " إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَيَنْظُرُ فِي مُلْكِهِ أَلْفَيْ عَامٍ، يَنْظُرُ أَزْوَاجشهِ وَسُرُرَهُ وَخَدَمَهُ، وَإِنَّ أَفْضَلَهُمْ مَنْزِلَةً لَيَنْزظُرُ فِي وَجْهِ رَبِّهِ - جَلَّ وَعَزَّ - فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ ".
وقال الفزاري: لكل مؤمن في الجنة أربعة أبواب، باب يدخل عليه منه زواره من الملائكة، وباب تدخل عليه (منه) أزواجه الحور، وباب مقفل بينه
قال كعب: من الجنة إلى النار كِوَاءٌ يتطلع منها رجال من (أهل) الجنة إلى رجال من أهل النار ينظرون إلى عذابهمه.
ثم قرأ كعب: ﴿فاطلع فَرَآهُ فِي سَوَآءِ الجحيم﴾ [الصافات: ٥٥] أي: في وسطها.
- ثم قال تعالى: ﴿عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ﴾.
من أسكن الياء في ﴿عَالِيَهُمْ﴾ جعله مرفوعاً بالابتداء، وما بعده خَبَرُه، وشَاهِدُهُ أن في قراءة ابن مسعود " عَالِيَتُهُمْ ثياب ".
والسندس: رقيق الديباج، والاستبرق: غليظة.
فالمعنى: أن الثياب الخضر علو ثياب أهل الجنة. هذا على قراءة من رفع الحضر وخفض السندس.
وقيل: معناه أن الثياب الخضر فوق حجالهم لا عليهم.
ومن أسكنها فمعناه: ظاهرهم ثياب سندس.
وقرأ ابن محيصن: " وَاسْتَبْرَقَ " بوصل الألف وفتح القاف. وهو لحن عند النحويين، لأنه لا يمتنع مثل هذا من الصرف في النكرة. ولأنه لا توصل ألف
هذا قول الخليل وسيبويه.
- ثم قال تعالى: ﴿وحلوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ﴾.
أي: وحلاهم ربهم أساور من فضة، وهو جمع أسورة.
- ثم قال: ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً﴾.
أي: شراباً يصير رشْحاً في أبدانهم (كرشح المسك)، لا يصير بولاً نجساً كشراب الدنيا. قال النخعي: " إن الرجل من أهل الجنة (يُقْسَمُ له شهوة مائة رجل
- ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ هذا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً﴾.
أي: يقال لهم: إن هذا الذي ذكر في الجنة كان لكم جزاء على أعمالكم في الدنيا وطاعتكم. وإن عملكم متقبلاً. قال قتادة: " غفر لهم الذنوب، وشكر لهم الحسن ". وقال مرة أخرى: " لقد شكر سعياً قليلاً ".
أي: إنا/ نحن - يا محمد - نزلنا عليك القرآن مع جبريل تنزيلاً ابتلاءً واختباراً فاصبر لما امتحنك به ربك من فرائضه وتبليغ رسالاته.
- ثم قال تعالى: ﴿وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْءَاثِماً أَوْ كَفُوراً﴾.
قال الفراء: " أو " بمعنى الواو. والمعنى: ولا تطمع منهم من أثم وكفر. [قال]: ويجوز أن يكون المعنى (و) لا تطيعن من أثم أو كفر بوجه فيكون مثل الواو في المعنى.
والمعنى: (و) لا تطع منهم في معصية الله ﴿ءَاثِماً﴾ يريد بركوبه معاصيه ﴿أَوْ كَفُوراً﴾ أي: جحوداً لربه ولنعمه عنده.
قال ابن زيد: الآثم (و) الظالم والكفور كله واحد.
- ثم قال تعالى: ﴿واذكر اسم رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾.
أي: غدوة، يعني: صلاة الصبح ﴿وَأَصِيلاً﴾ يعني: وعَشياً، يعني صلاة الظهر والعصر.
ثم قال: ﴿وَمِنَ الليل فاسجد لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً﴾.
قال ابن زيد: " كان هذا - أول شيء - فريضة، نحو قوله: ﴿قُمِ اليل إِلاَّ قَلِيلاً * نِّصْفَهُ أَوِ انقص مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ...﴾ [المزمل: ٢ - ٤]، فخفف الله هذا عن رسوله وعن الناس بقوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ﴾ [المزمل: ٢٠] الآية، فجعل ذلك نافلة فقال: {وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ
وقيلأ: هو خصوص للنبي ﷺ.
( وقد) قال ابن حبيب: إن قوله تعالى: ﴿واذكر اسم رَبِّكَ بُكْرَةً﴾ يعني الصبح: وقوله: ﴿وَأَصِيلاً﴾ يعني: الظهر والعصر. وقوله: ﴿وَمِنَ الليل فاسجد لَهُ﴾ يعني به المغرب والعشاء. فالآية محكمة جمعت الأمر بفرض الصلوات الخمس.
- وقوله: ﴿وَزُلَفاً مِّنَ اليل﴾ [هود: ١١٤] يعني المغرب والعشاء فهذه [الآية] أيضاً جمعت فرض الصلوات الخمس وأوقاتها.
ومثل ذلك: ﴿أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس﴾ [الإسراء: ٧٨] يعني: ميلها. وهو الظهر والعصر.
- وقوله ﴿وَقُرْآنَ الفجر﴾ [الإسراء: ٧٨] يعني صلاة الصبح، فهذا أيضاً جمعت) فرض الصلوات الخمس وأوقاتها.
وكذلك قوله تعالى: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشمس﴾ [طه: ١٣٠] يعني: صلاة الصبح، ﴿وَقَبْلَ غُرُوبِهَا﴾ [طه: ١٣٠] يعني: العصر.
- وقوله: ﴿وَمِنْ [آنَآءِ] الليل فَسَبِّحْ﴾
[طه: ١٣٠] يعني: المغرب والعشاء.
- وقوله: ﴿وَأَطْرَافَ النهار﴾ [طه: ١٣٠] يعني: الظهر، لأن وقتها [يجمع] طرفي النهار.
وأول صلاة صليت من الصلوات الخمس: الظهر، وبهذا بدأ جبريل، ولذلك سميت الأولى.
- ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ هؤلاء يُحِبُّونَ العاجلة وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً﴾.
أي: إن المشركين بالله - يا محمد - يحبون الدنيا والبقاء فيها، ويدعون خلف ظهورهم العمل للآخرة وما ينجيهم من عذاب الله. وقيل: معنى " وَرَاءَ " هنا: قدام. وقيل: التقدير: ويذرون عمل يوم ثقيل وراء ظهورهم.
- ثم قال تعالى: ﴿نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ﴾.
- ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً﴾.
أي: وإذا شئنا أهلكنا هؤلاء وجئنا بآخرين سواهم من جنسهم في الخلق، مخالفين لهم في العمل. هذا معنى قول ابن زيد.
- ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ هذه تَذْكِرَةٌ﴾.
أي: إن هذه السورة والعظة والأمثال والقصص تذكرة وعظة لمن تذكر بها واتعظ.
- ﴿فَمَن شَآءَ اتخذ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً﴾.
هذا تهديد ووعيد. أي: من شاء عمل [عملاً] صالحاً يوصله إلى رحمة ربه.
- ثم قال تعالى: ﴿وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله﴾.
أي: وما تشاءون اتخاذ الطريق إلى رضا الله ورحمته إلا بأن يشاء الله ذلك لكم لأن الأمر إليه لا إليكم. ف " إن " في موضع نصب بحذف الجار.
وقيل: هي في موضع خفض على إضماره. وجاز ذلك مع " أن " خاصة [لكثرة حذف] الجار معها.
وفي حرف عبد الله: " وَمَاتِشَاءُونَ إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ ".
أي: عليماً بمن شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً، حكيماً في تدبيره، لا يقدر أحد أن يخرج عن مراده ومشيئته.
- ثم قال: ﴿يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ﴾.
أي: يوفق من يشاء إلى التوبة فيدخله بذلك في رحمته.
- ثم قال تعالى: ﴿والظالمين أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾.
أي: والذين ظلموا أنفسهم فلم يتوبوا من كفرهم حتى ماتوا عليه أَعَدَّ لَهمْ في الآخرة عذاباً مؤلماً، أي: موجعاً، وهو عذاب النار.
فالمعنى أن الله جل ذكره (أعلمنا في) هذه الآية [أنه يشاء أن] يعذب الكفار