تفسير سورة سورة الشرح من كتاب التفسير المظهري
.
لمؤلفه
المظهري
.
المتوفي سنة 1216 هـ
سورة الشرح
مكية وهي ثماني آيات
مكية وهي ثماني آيات
ﰡ
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ ألم نشرح لك صدرك ١ ﴾ هذه الجملة وما بعدها على ما روى البغوي عن ابن عباس متصل بقوله تعالى :﴿ ألم يجدك يتيما فآوى ٦ ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ فأغنى ﴾ فإن صحت تلك الرواية فذلك وإلا فالظاهر أن هذه السورة أيضا نازلة في مثل تلك الحالة بعد سؤال من النبي صلى الله عليه وسلم محققا أو مقدرا. ومعنى الآية على مثل ما سبق : شرحنا لك صدرك حتى اتسع في صدرك من العلوم الحقة والمعارف الدينية المبصرة بنور الله تعالى ما لا سبيل إليها لعقل العقلاء، واجمع فيه التوجه إلى الله تعالى والحضور التام مع التوجه إلى الخلق لأجل الدعوة في مرتبة النزول، فليس لك في حالة النزول انقطاعا عن الله تعالى في الحقيقة حتى تغتم به وشرح الصدر قد وقع للنبي صلى الله عليه وسلم في مرتبة العيان مرتين : مرة في صباه كما روى مسلم عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبرائيل وهو يلعب في الغلمان فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه فاستخرج منه علقة فقال : هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ماء الزمزم ثم لأمه وأعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه أي ظئره فقالوا : إن محمدا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس : فكنت أرى أثر المخيط في صدره١. ومرة ثانية ليلة المعراج كما في الصحيحين عن أنس قال : كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ذكر أيضا قصة المعراج، وفيه ( فنزل جبرائيل ففرج صدري ثم غسله بماء الزمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغه في صدري ثم أطبقه، وفي رواية في الصحيحين عن أنس عن مالك بن صعصعة أن نبي الله ( حدثهم : فشق ما بين هذه إلى هذه يعني من ثغرة نحره إلى شعرته، فاستخرج قلبي، ثم أتيت بطست من ذهب مملوءا إيمانا، فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد ) ( وفي رواية ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملئ إيمانا وحكمة ) الحديث، قلت : والعلقة التي أخرجت من قلب النبي صلى الله عليه وسلم هي رذائل العناصر والنفس والقلب الداعية للنفس على كونها أمارة بالسوء وباعثة للجوارح على المعاصي، ثم عطف على شرحنا لك صدرك المفهوم من ألم نشرح قوله تعالى :﴿ ووضعنا عنك وزرك ٢ ﴾.
﴿ ألم نشرح لك صدرك ١ ﴾ هذه الجملة وما بعدها على ما روى البغوي عن ابن عباس متصل بقوله تعالى :﴿ ألم يجدك يتيما فآوى ٦ ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ فأغنى ﴾ فإن صحت تلك الرواية فذلك وإلا فالظاهر أن هذه السورة أيضا نازلة في مثل تلك الحالة بعد سؤال من النبي صلى الله عليه وسلم محققا أو مقدرا. ومعنى الآية على مثل ما سبق : شرحنا لك صدرك حتى اتسع في صدرك من العلوم الحقة والمعارف الدينية المبصرة بنور الله تعالى ما لا سبيل إليها لعقل العقلاء، واجمع فيه التوجه إلى الله تعالى والحضور التام مع التوجه إلى الخلق لأجل الدعوة في مرتبة النزول، فليس لك في حالة النزول انقطاعا عن الله تعالى في الحقيقة حتى تغتم به وشرح الصدر قد وقع للنبي صلى الله عليه وسلم في مرتبة العيان مرتين : مرة في صباه كما روى مسلم عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبرائيل وهو يلعب في الغلمان فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه فاستخرج منه علقة فقال : هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ماء الزمزم ثم لأمه وأعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه أي ظئره فقالوا : إن محمدا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس : فكنت أرى أثر المخيط في صدره١. ومرة ثانية ليلة المعراج كما في الصحيحين عن أنس قال : كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ذكر أيضا قصة المعراج، وفيه ( فنزل جبرائيل ففرج صدري ثم غسله بماء الزمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغه في صدري ثم أطبقه، وفي رواية في الصحيحين عن أنس عن مالك بن صعصعة أن نبي الله ( حدثهم : فشق ما بين هذه إلى هذه يعني من ثغرة نحره إلى شعرته، فاستخرج قلبي، ثم أتيت بطست من ذهب مملوءا إيمانا، فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد ) ( وفي رواية ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملئ إيمانا وحكمة ) الحديث، قلت : والعلقة التي أخرجت من قلب النبي صلى الله عليه وسلم هي رذائل العناصر والنفس والقلب الداعية للنفس على كونها أمارة بالسوء وباعثة للجوارح على المعاصي، ثم عطف على شرحنا لك صدرك المفهوم من ألم نشرح قوله تعالى :﴿ ووضعنا عنك وزرك ٢ ﴾.
١ أخرجه مسلم في كتاب: الإيمان، باب: الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات (١٦١)..
﴿ ووضعنا عنك وزرك ٢ ﴾.
الوزر في الأرض الجبل قال الله تعالى :﴿ كلاّ لا وزر ١١ ﴾١ يعني جبل هناك يلتجئ إليه، والمراد ها هنا الثقل على سبيل الاستعارة، وذلك الثقل إما أن يراد به غم الفراق وتوهم الوداع الذي أحزن النبي صلى الله عليه وسلم وأنقض ظهره فزال الله سبحانه ذلك الغم والحزن بإنزال الآيات من سورة الضحى وألم نشرح حتى سكن للنبي صلى الله عليه وسلم جأشه، واستقر نفسه، وعلم أن ذلك الفراق ليس على سبيل الوداع والقلى بل لحكمة ومنفعة، فعد الله سبحانه إزالة هذا النعم من النعم، وإما أن يراد به ثقل التكاليف الشرعية من دعوة الحق وتبليغ الأحكام وإتيان ما أمر الله به وانتهاء كل ما نهى، فإن التكاليف الشرعية شاق إتيانها. ألم تر أن السماوات والأرض والجبال أبين أن يحملنها وأشفقن منها، وقال الله تعالى :﴿ وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ﴾٢ فلما شرح الله صدره صلى الله عليه وسلم للإيمان والحكمة وأزال عنه حظ الشيطان ورذائل النفس التي جلبت عليها النفوس صارت التكاليف الشرعية له صلى الله عليه وسلم طبيعة مرغوبة ومحبوبة، حتى قال عليه الصلاة والسلام :( وجعلت قرة عيني في الصلاة )٣ وهذه المرتبة التي عبر الله سبحانه عنها بوضع الوزر يسمونها الصوفية بالإيمان الحقيقي، وهذا هو المعنى من قولهم بسقوط التكليف عن الصوفي، وهذه المرتبة العليا، أعني شرح الصدر ووضع الوزر حصلت للنبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وعيانا كما روينا، وتحصل لأولياء أمته بوراثته باطنا بحيث يظهر في المثال وذلك بعد فناء النفس وزوال العين والأثر، وهناك يحكم الصوفية العلية ويبشرون بشرح الصدر والإيمان الحقيق كذا قال المجدد واستعدنا من المشايخ الكرام عليهم الرحمة والرضوان وما قال عبد الله بن يحيى وأبو عبيدة يعني حققنا عنك أعباء النبوة والقيام بأمرها يناسب التأويل الثاني مما قلنا وما ذكرنا من التأويلين أولى مما قيل : إن معناه حططنا عنك ما سلف منك في الجاهلية من الزلات، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرفع شأنا من أن يصدر عنه زلة، وما قيل : المراد بالوزر ترك الأفضل مع إتيان الفاضل وغيرها من التكلفات.
الوزر في الأرض الجبل قال الله تعالى :﴿ كلاّ لا وزر ١١ ﴾١ يعني جبل هناك يلتجئ إليه، والمراد ها هنا الثقل على سبيل الاستعارة، وذلك الثقل إما أن يراد به غم الفراق وتوهم الوداع الذي أحزن النبي صلى الله عليه وسلم وأنقض ظهره فزال الله سبحانه ذلك الغم والحزن بإنزال الآيات من سورة الضحى وألم نشرح حتى سكن للنبي صلى الله عليه وسلم جأشه، واستقر نفسه، وعلم أن ذلك الفراق ليس على سبيل الوداع والقلى بل لحكمة ومنفعة، فعد الله سبحانه إزالة هذا النعم من النعم، وإما أن يراد به ثقل التكاليف الشرعية من دعوة الحق وتبليغ الأحكام وإتيان ما أمر الله به وانتهاء كل ما نهى، فإن التكاليف الشرعية شاق إتيانها. ألم تر أن السماوات والأرض والجبال أبين أن يحملنها وأشفقن منها، وقال الله تعالى :﴿ وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ﴾٢ فلما شرح الله صدره صلى الله عليه وسلم للإيمان والحكمة وأزال عنه حظ الشيطان ورذائل النفس التي جلبت عليها النفوس صارت التكاليف الشرعية له صلى الله عليه وسلم طبيعة مرغوبة ومحبوبة، حتى قال عليه الصلاة والسلام :( وجعلت قرة عيني في الصلاة )٣ وهذه المرتبة التي عبر الله سبحانه عنها بوضع الوزر يسمونها الصوفية بالإيمان الحقيقي، وهذا هو المعنى من قولهم بسقوط التكليف عن الصوفي، وهذه المرتبة العليا، أعني شرح الصدر ووضع الوزر حصلت للنبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وعيانا كما روينا، وتحصل لأولياء أمته بوراثته باطنا بحيث يظهر في المثال وذلك بعد فناء النفس وزوال العين والأثر، وهناك يحكم الصوفية العلية ويبشرون بشرح الصدر والإيمان الحقيق كذا قال المجدد واستعدنا من المشايخ الكرام عليهم الرحمة والرضوان وما قال عبد الله بن يحيى وأبو عبيدة يعني حققنا عنك أعباء النبوة والقيام بأمرها يناسب التأويل الثاني مما قلنا وما ذكرنا من التأويلين أولى مما قيل : إن معناه حططنا عنك ما سلف منك في الجاهلية من الزلات، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرفع شأنا من أن يصدر عنه زلة، وما قيل : المراد بالوزر ترك الأفضل مع إتيان الفاضل وغيرها من التكلفات.
١ سورة القيامة، الآية: ١١..
٢ سورة البقرة، الآية: ٤٥..
٣ أخرجه النسائي في كتاب: عشرة النساء، باب: حب النساء (٣٩٣٩)..
٢ سورة البقرة، الآية: ٤٥..
٣ أخرجه النسائي في كتاب: عشرة النساء، باب: حب النساء (٣٩٣٩)..
﴿ الذي أنقض ظهرك ٣ ﴾ أي أثقله فأوهنه حتى سمع له نقيض أي صوت مثل صوت الرجل عند ثقل الحمل صفة الوزر، فإن كان المراد من الوزر رغم الفراق كما ذكرنا أولا فلا حاجة إلى التكلف والتأويل إنه كان أنقض ظهره، وإن كان المراد به كلفة التكليف كما ذكرنا ثانيا فمعناه لولا شرحنا صدرك ووضعنا وزرك أنقض كلفة التكليف ظهرك، ولم تستطيع إذا ما وجب عليه حق أدائه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا )١ يعني لولا فضل الله، ولما كان كلفة التكليف موجبا لنقض الظهر في الدنيا مانعا عن إتيان الواجبات أورد النقض بصيغة الماضي كما قيل مع كون النبي صلى الله عليه وسلم معصوما كان المناسب حينئذ إيراد صيغة المستقبل، فإن المعاصي لا تنقض الظهر إلا في الآخرة حين يجازى عليها.
١ أخرجه البخاري في كتاب: المغازي، باب: غزوة الخندق وهي الأحزاب (٤١٠٤)..
﴿ ورفعنا لك ذكرك ٤ ﴾ روى البخاري عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل جبرائيل عن هذه الآية :﴿ ورفعنا لك ذكرك ٤ ﴾ قال الله تعالى :( إذا ذكرت ذكرت معي )١ قلت : هذه الآية والحديث يقتضي أن الملأ الأعلى إذا يذكرون الله تعالى يذكرون معه محمدا صلى الله عليه وسلم وقد سبق أنه مكتوب على ساق العرش وقد مر في سورة البروج ما روى البغوي بسنده عن ابن عباس قال : إن في صدر اللوح لا إله إلا الله وحده دينه الإسلام ومحمد عبده ورسوله الحديث، قال عطاء عن ابن عباس يريد الأذان والإقامة والتشهد والخطبة على المنابر ولو أن عبد الله صدقه في كل شيء ولم يشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينفع بشيء وكان كافرا، قال الحسان بن ثابت رضي الله عنه :
أغر عليه بالنبوة خاتم من الله مشهود يلوح ويشهد
وضم الإله اسم النبي باسمه إذا قال في الخمس الأذان أشهد
فشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد
وقيل : رفعه بأخذ ميثاقه على النبيين وألزمهم الإيمان به والإقرار بفضله.
أغر عليه بالنبوة خاتم من الله مشهود يلوح ويشهد
وضم الإله اسم النبي باسمه إذا قال في الخمس الأذان أشهد
فشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد
وقيل : رفعه بأخذ ميثاقه على النبيين وألزمهم الإيمان به والإقرار بفضله.
١ رواه أبو يعلى وإسناده حسن.
انظر: مجمع الزوائد في كتاب: علامات النبوة، باب: عظم قدره صلى الله عليه وسلم (١٣٩٢٢)..
انظر: مجمع الزوائد في كتاب: علامات النبوة، باب: عظم قدره صلى الله عليه وسلم (١٣٩٢٢)..
﴿ فإن مع العسر ﴾ الذي أنت فيه ﴿ يسرا ﴾ عظيما، فإن تنكيره للتعظيم، وهذه الجملة واقعة موقع التعليل المحذوف، تقديره : لا تحزن على ما أصابك من العسر فإن مع العسر يسرا.
﴿ إنّ مع العسر يسرا ٦ ﴾ قيل : التنكير لتأكيد الوعد وتعظيم الرجاء والصحيح أنه استئناف وعده بأن العسر مشفوع بيسر آخر لما روى عبد الرزاق في تفسيره والحاكم في المستدرك والبيهقي في شعب الإيمان مرسلا أنه لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أبشروا قد جاءكم اليسر إنه لن يغلب عسر يسرين ) رواه ابن مردويه بإسناد ضعيف عن جابر، وله شاهد موقوف على رواه مالك الموطأ والحاكم وقال : هذا أصح طرقه، قال البغوي : قال ابن مسعود : لو كان في جحر لطلبه اليسر حتى يدخله، إنه لن يغلب عسر يسرين. قال أهل العربية : إن الكلمة إذا أعيدت معرفة فالثانية عين الأولى سواء كانت أولى معرفة أو نكرة ؛ لأن الأصل في اللام العهد، وإذا أعيدت نكرة فالثانية غير الأولى سواء كانت أولى معرفة أو نكرة ؛ لأن حمل الكلام على التأسيس أولى من حمله على التكرير والتأكيد، قال في تنقيح الأصول : إن أقر بألف مقيدا بصك مرتين يجب الألف وإن أقر به منكرا يجب ألفان عند أبي حنيفة رحمه الله إلا أن يتحد المجلس، قلت : معنى إذا قامت القرينة أن المراد بالثاني هو الأول. فإن قيل : هذا قول مدخول فيه فإنه إذا قال الرجل إن مع الفارس سيفا إن مع الفارس سيفا لا يوجب أن يكون الفارس واحدا والسيف اثنان ؟ قلنا : نعم إذا قامت القرينة أن الثانية هي الأولى يحمل على الاتحاد، ومثال الفارس والسيف من هذا القبيل، وأما الآية فإنه تصلح التأويلين لكن ما فسر به النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم هو التأويل الصحيح، وقال البغوي ما حاصله إن المراد بالآية أن مع العسر الواحد يسران لكن لا لتكرير النكرة بل لأجل أن قوله تعالى :﴿ مع العسر يسرا ﴾ متصل بما سبق ليسليه ووعده النبي صلى الله عليه وسلم خاصة بالسير والغنى في الدنيا عاجلا بعد الفقر الذي كان فيه، ثم أنجز ما وعد وفتح عليه القرى ووسع ذات يده حتى كان يعطي من الإبل ويهب الهبات المسنية.
وقوله :﴿ فإنّ مع العسر يسرا ٥ ﴾ كلام مبتدأ يدل عليه بقرينة عن الفاء والواو وهذا وعد لجميع المؤمنين ومجازه أن مع العسر في الدنيا للمؤمنين يسر في الآخرة، فصار للنبي صلى الله عليه وسلم مع عسر واحد يسران : يسر في الدنيا ويسر في الآخرة، وقوله :( لن يغلب عسر يسرين )، فإنه وإن غلب يسرا واحدا وهو اليسر في الدنيا فلن يغلب يسر الآخرة البتة وهو قوي أبدي، قال البغوي رحمه الله : جعل اللام في العسر للعهد وفي الثاني للجنس والله تعالى أعلم، فبعض المفسرين قالوا : المراد بالعسر الفقر والشدة والبلاء من المشركين الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم فيه واشتكى منه إلى ربه، والمراد باليسر الأول زوال تلك الحالة بنصر الله تعالى والغنى بعد الفقر، وقال البيضاوي : المراد بالعسر ضيق الصدر والوزر المتقض للظهر وضلال القوم وإيذائهم، وباليسر الأول شرح الصدر ووضع الوزر والتوفيق للاهتداء والطاعة، وأما اليسر الثاني فالمراد به عند كلهم ثواب الآخرة، قالوا : معنى الكلام أن بعد العسر يسرا وإنما أورد مع موضع بعد مبالغة في معاقبة اليسر للعسر واتصاله به اتصال المتقاربين، وعندي المراد بالعسر التوجه إلى الخلق في مقام النزول الموجب للحزن والغم والمراد باليسر الأول التوجه إلى الخالق في عين مقام النزول فإن الصوفي في تلك الحالة وإن كان في بادي النظر معرضا من الله تعالى متوجها إلى الخلق لكنه في الحقيقة ليس بمعرض عنه تعالى بل مقبل إليه أيضا واتسع صدره للتوجيهين جميعا بل التوجه إلى الخلق لما كان بإذن الله وعلى حسب أمره ومرضاته فهو أيضا في الحقيقة توجه إلى الله سبحانه، ومن ثم سمى هذا اليسر السير من الله بالله فعلى هذا كلمة ( مع ) في قوله تعالى : فإن مع العسر يسرا بمعناه الحقيقي بمعنى المقارنة، وأما كلمة ( مع ) في الجملة الثانية فلا شك أنه على المجاز كما قالوا، ومعنى الكلام على هذا التأويل لا تحزن فإن مع العسر والتوجه إلى الخلق الموجب لحزنك سرا وتوجها إلى الخالق ليست محجوب عنه الآخرة وخلوص التوجه إلى الله تعالى في الآخرة من غير شائبة حجاب وغيبة.
وقوله :﴿ فإنّ مع العسر يسرا ٥ ﴾ كلام مبتدأ يدل عليه بقرينة عن الفاء والواو وهذا وعد لجميع المؤمنين ومجازه أن مع العسر في الدنيا للمؤمنين يسر في الآخرة، فصار للنبي صلى الله عليه وسلم مع عسر واحد يسران : يسر في الدنيا ويسر في الآخرة، وقوله :( لن يغلب عسر يسرين )، فإنه وإن غلب يسرا واحدا وهو اليسر في الدنيا فلن يغلب يسر الآخرة البتة وهو قوي أبدي، قال البغوي رحمه الله : جعل اللام في العسر للعهد وفي الثاني للجنس والله تعالى أعلم، فبعض المفسرين قالوا : المراد بالعسر الفقر والشدة والبلاء من المشركين الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم فيه واشتكى منه إلى ربه، والمراد باليسر الأول زوال تلك الحالة بنصر الله تعالى والغنى بعد الفقر، وقال البيضاوي : المراد بالعسر ضيق الصدر والوزر المتقض للظهر وضلال القوم وإيذائهم، وباليسر الأول شرح الصدر ووضع الوزر والتوفيق للاهتداء والطاعة، وأما اليسر الثاني فالمراد به عند كلهم ثواب الآخرة، قالوا : معنى الكلام أن بعد العسر يسرا وإنما أورد مع موضع بعد مبالغة في معاقبة اليسر للعسر واتصاله به اتصال المتقاربين، وعندي المراد بالعسر التوجه إلى الخلق في مقام النزول الموجب للحزن والغم والمراد باليسر الأول التوجه إلى الخالق في عين مقام النزول فإن الصوفي في تلك الحالة وإن كان في بادي النظر معرضا من الله تعالى متوجها إلى الخلق لكنه في الحقيقة ليس بمعرض عنه تعالى بل مقبل إليه أيضا واتسع صدره للتوجيهين جميعا بل التوجه إلى الخلق لما كان بإذن الله وعلى حسب أمره ومرضاته فهو أيضا في الحقيقة توجه إلى الله سبحانه، ومن ثم سمى هذا اليسر السير من الله بالله فعلى هذا كلمة ( مع ) في قوله تعالى : فإن مع العسر يسرا بمعناه الحقيقي بمعنى المقارنة، وأما كلمة ( مع ) في الجملة الثانية فلا شك أنه على المجاز كما قالوا، ومعنى الكلام على هذا التأويل لا تحزن فإن مع العسر والتوجه إلى الخلق الموجب لحزنك سرا وتوجها إلى الخالق ليست محجوب عنه الآخرة وخلوص التوجه إلى الله تعالى في الآخرة من غير شائبة حجاب وغيبة.
﴿ فإذا فرغت فانصب ٧ ﴾ قال المفسرون : النصب التعب، والمعنى : فإذا فرغت من دعوة الخلق فانصب وأتعب بالعبادة شكرا لما عددنا عليك من النعم السابقة، ووعدناك بالنعم الآتية، أو المعنى إذا فرغت من عبادة فانصب في عبادة أخرى، ولا تجعل وقتا من أوقاتك ضائعا خاليا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت بهم ولم يذكروا الله فيها )١ وقال ابن عباس وقتادة والضحاك ومقاتل والكلبي : إذا فرغت من الصلاة فانصب إلى ربك في الدعاء وارغب إليه في المسألة، يعني قبل السلام بعد التشهد أو بعد السلام، وقال الشعبي : إذا فرغت من التشهد فادع لدنياك وآخرتك. وقال ابن مسعود : إذا فرغت من الفرائض فانصب من قيام الليل، وقال الحسن وزيد بن أسلم : إذا فرغت من جهاد عدوك فانصب في عبادة ربك، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم :( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر )٢ وقال منصور عن مجاهد : إذا فرغت من أمر الدنيا فانصب في عبادة ربك. وقال حبان عن الكلبي : إذا فرغت من تبليغ الرسالة فانصب أي استغفر لذنبك وللمؤمنين، فوجه اتصال هذه الآية بما سبق أن عند النعماء سبب للشكر، وأما على تأويلنا فمعنى الآية إذا فرغت من دعوة الخلق المقصود من النزول الأتم فانصب أي انتصب وارتفع إلى مدارج العروج ومقام الشهود، في الصحاح : نصب الشيء وضعه وضعا ثانيا كنصب الزرع والبناء والحجر، وفي القاموس : نصب كفرج، أعني وهم ناصب أي منصب ونصب الشيء وضعه ورفعه ضد كنصبه فانتصب وتنصب، وناقة نصباء مرتفعة الصدر، وتنصب الغراب ارتفع، فعلى هذا التأويل هذه الآية في مقام التسلية مرادف بقوله تعالى : إن مع العسر يسرا الآية ﴿ وإلى ربك فارغب ٨ ﴾.
١ رواه الطبراني والبيهقي في شعب الإيمان وفي أحد رواته خلاف.
انظر: فيض القدير (٧٧٠١)..
٢ قال ابن حجر: هو من كلام إبراهيم بن عيلة، ورواه الخطيب في تاريخه، وقال العراقي: سنده ضعيف. انظر: كشف الخفاء (١٣٦٢)..
انظر: فيض القدير (٧٧٠١)..
٢ قال ابن حجر: هو من كلام إبراهيم بن عيلة، ورواه الخطيب في تاريخه، وقال العراقي: سنده ضعيف. انظر: كشف الخفاء (١٣٦٢)..
﴿ وإلى ربك فارغب ٨ ﴾ عطف تفسيري بقوله : فانصب، يعني ارغب بالسؤال إلى ربك ولا تسأل غيره، قال عطاء : تضرع إليه راهبا من النار راغبا في الجنة، وقيل : فارغب إليه في جميع أحوالك، قال الزجاج : اجعل رغبتك إلى الله وحده، والجار والمجرور متعلق بمحذوف دل عليه ما بعده، يعني فانصب وارغب إلى ربك فارغب، قلت : تكرار الأمر بالرغبة لأن الرغبة الأولى إلى آلاء الله وصفاته والثانية إلى ذاته المجردة الرفيعة عن الشيون والاعتبارات قراءة سورة ( ألم نشرح لك صدرك ) يؤيد في مقام النزول، كما أن ( سبح اسم ربك الأعلى ) يؤيد في مقام العروج، وقد ذكرنا هناك والله تعالى أعلم.