تفسير سورة الزلزلة

صفوة التفاسير
تفسير سورة سورة الزلزلة من كتاب صفوة التفاسير المعروف بـصفوة التفاسير .
لمؤلفه محمد علي الصابوني .

اللغَة: ﴿زُلْزِلَتِ﴾ حركت تحريكاً عنيفاً ﴿أَثْقَالَهَا﴾ الموتى الذين في جوفها، جمع ثقل وهو الشيء الثقيل ومنه ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ﴾ [النحل: ٧] قال الأخفش: إِذا كان الميت في بطن الأرض فهو ثقل لها، وإن كان فوقها فهو ثقل عليها ﴿يَصْدُرُ﴾ ينصرف ويخرج، والصدور ضد الورود، فالوارد الآتي، والصادر المنصرف ﴿أَشْتَاتاً﴾ متفرقين جمع شت يقال: ذهبوا أشتاتاً أي متفرقين.
التفسِير: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض زِلْزَالَهَا﴾ أي إِذا حركت الأرض تحريكاً عنيفاً، واضطربت اضطراباً شديداً، واهتزت بمن عليها اهتزازاً يقطع القلوب ويُفزع الألباب كقوله تعالى ﴿ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ [الحج: ١] قال المفسرون: إِنما أضاف الزلزلة إِليها ﴿زِلْزَالَهَا﴾ تهويلاً كأنه يقول: الزلزلة التي تليق بها على عظم جرمها، وذلك عند قيام الساعة تتزلزل وتتحرك تحريكاً
563
متتابعاً، وتضطرب بمن عليها، ولا تسكن حتى تلقي ما على ظهرها من جبل وشجر وبناءٍ وقلاع ﴿وَأَخْرَجَتِ الأرض أَثْقَالَهَا﴾ أي وأخرجت الأرض ما في بطنها من الكنوز والموتى قال ابن عباس: أخرجت موتاها وقال منذر ابن سعيد: أخرجت كنوزها وموتاها وفي الحديث «تلقي الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطواننة من الذهب والفضة، فجيء القاتل فيقول في هذا قتلتُ، ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعتُ رحمي، ويجيء السارقُ فيقول في هذا قطعت يدي، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً» ﴿وَقَالَ الإنسان مَا لَهَا﴾ ؟ أي وقال الإِنسان: ما للأرض تزلزلت هذه الزلزلة العظيمة، ولفظت ما في بطنها؟! يقول ذلك دهشة وتعجباً من تلك الحالة الفظيعة ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ أي في ذلك اليوم العصيب يوم القيامة تتحدث الأرض وتخبر بما عُمل عليها من خير أو شر، وتشهد على كل إِنسان بما صنع على ظهرها، عن أبي هريرة قال: «قرأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ فقال:» أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: اللهُ ورسولهُ أعلم، قال: فإِن أخبارها أن تشهد على كل عبدٍ أو أمةٍ بما عمل على ظهرها، تقول عمل يوم كذا، كذا وكذا، فهذه أخبارها «وفي الحديث» تحفَّظوا من الأرض فإِنها أمكم، وإِنه ليس من أحدٍ عاملٍ عليها خيراً أو شراً إِلا وهي مخبرة به « ﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا﴾ أي ذلك الإِخبار بسبب أن الله جلت عظمته أمرها بذلك، وأذن لها أن تنطق بكل ما حدث وجرى عليها، فهي تشكو العاصي وتشهد عليه، وتشكر المطيع وتثني عليه، والله على كل شيء قدير ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ الناس أَشْتَاتاً﴾ أي في ذلك اليوم يرجع الخلائق من موقف الحساب، وينصرفون متفرقين فرقاً فرقاً، فآخذٌ ذات اليمين إِلى الجنة، وآخذٌ ذات الشمال إِلى النار ﴿لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ﴾ أي لينالوا جزاء أعمالهم من خير أو شر ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ﴾ أي فمن يفعل من الخير زنة ذرةٍ من التراب، يجده في صحيفته يوم القيامة ويلق جزاءه عليه قال الكلبي: الذرةُ أصغرُ النمل وقال ابن عباس: إِذا وضعت راحتك على الأرض ثم رفعتها، فكلُّ واحد مما لصق به من التراب ذرة ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾ أي ومن يفعل من الشر زنة ذرةٍ من التراب، يجده كذلك ويلق جزاءه عليه قال القرطبي: وهذا مثل ضربه الله تعالى في أنه لا يغفل من عمل ابن آدم صغيرة ولا كبيرة، وهو مثل قوله تعالى
﴿إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ [النساء: ٤٠].
البَلاَغة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البديع نجزها فيما يلي:
١ - الإِضافة للتهويل والتفظيع ﴿زِلْزَالَهَا﴾.
٢ - الإِظهار في مقام الإِضمار ﴿وَأَخْرَجَتِ الأرض﴾ لزيادة التقرير والتوكيد.
٣ - الاستفهام للتعجب والاستغراب ﴿وَقَالَ الإنسان مَا لَهَا﴾ ؟
٤ - جناس الاشتقاق ﴿زُلْزِلَتِ.. زِلْزَالَهَا﴾.
٥ -
564
المقابلة بين ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً..﴾ وبين ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً..﴾.
٦ - السجع المرصَّع كأنه الذهب السبيك أو الدر والياقوت مثل ﴿زِلْزَالَهَا، أَثْقَالَهَا، أوحى لَهَا، أَخْبَارَهَا، مَا لَهَا﴾ وهو من المحسنات البديعية.
فَائِدَة: سمَّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هذه الآية ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ..﴾ الجامعة الفاذَّة حين سئل عن زكاة الحُمر فقال: ما أنزل الله فيها شيئاً إِلا هذه الآية الفاذَّة الجامعة ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾ أخرجه البخاري.
565
Icon