تفسير سورة سورة طه من كتاب الدر المصون في علوم الكتاب المكنون
المعروف بـالدر المصون
.
لمؤلفه
السمين الحلبي
.
المتوفي سنة 756 هـ
ﰡ
ﭵ
ﰀ
قد تقدَّم الكلامُ في الحروفِ المُقَطَّعةِ أولَ هذا الموضوعِ، و «طه» مِنْ ذاك، هذا هو الصحيح. وقيل: إنَّ معنى «طه» يا رجلُ في لغةِ عَك، وقيل: عُكْل، وقيل: هي لغة يمانية. وحكى الكلبي أنك لو قلتَ في عَكّ: يا رجلُ، لم يُجِبْ حتى تقولَ: طه.
وقال الطبري: «طه في عَكّ بمعنى: يا رجلُ»، وأنشدَ قولَ شاعرهم:
وقال الطبري: «طه في عَكّ بمعنى: يا رجلُ»، وأنشدَ قولَ شاعرهم:
٣٢٦٩ - دَعَوْتُ بِطهَ في القتالِ فلم يُجِبْ | فَخِفْتُ عليهِ أَنْ يكونَ مُوائِلا |
٣٢٧٠ - إنَّ السَّفاهةَ طه في خلائِقِكمْ | لا قَدَّسَ اللهُ أرواحَ المَلاعينِ |
قال الشيخ:» ثم تَخَرَّص وحَزَرَ على عَك ما لم يَقُلْه نحويٌّ: وهو أنهم يقلبون يا التي للنداء طاءً، ويحذفون اسم الإِشارة ويقتصرون منه على «ها» التي للتنبيه «. قلت: وهذا وإن كان قريباً مما قاله عنه إلاَّ أنه أنحى عليه في عبارته بقوله» تَخَرَّص «.
وقيل:» طه «أصلُه طَأْها بهمزة» طَأْ «أمراً مِنْ وَطِىء يَطَأُ، و» ها «ضميرُ مفعولٍ يعودُ على الأرض، ثم أبدل الهمزَة لسكونها ألفاً، ولم يَحْذِفْها في الأمرِ نظراً إلى أصلها أي: طَأ الأرضَ بقدمَيْكَ. وقد جاء في التفسير:» أنه قام حتى تَوَرَّمَتْ قدماه «.
6
وقرأ الحسنُ وعكرمةُ وأبو حنيفةَ وورشٌ في اختياره/ بإسقاطِ الألفِ بعد الطاء، وهاءٍ ساكنة. وفيها وجهان، أحدهما: أنَّ الأصلَ» طَأْ «بالهمز أمراً أيضاً مِنْ وَطِىء يَطَأُ، ثم أبدلَ الهمزةَ هاءً كإبدالهم لها في» هَرَقْتُ «و» هَرَحْتُ «و» هَبَرْتُ «. والأصلُ: أَرَقْتُ وأَرَحْتُ وأَبَرْت. والثاني: أنه أبدل الهمزةَ ألفاً، كأنه أَخَذه مِنْ وَطِي يَطا بالبدل كقوله:
ثم حَذَفَ الألفَ حَمْلاً للأمرِ على المجزومِ وتناسِياً لأصل الهمز ثم ألحق هاءَ السكتِ، وأجرى الوصلَ مُجْرى الوقفِ. وقد تقدَّم في أولِ يونس الكلامُ على إمالةِ طا وها فأغنى عن أعادتِه هنا.
٣٢٧١ -........................ | ........... لا هَنَاكِ المَرْتَعُ |
7
قوله: ﴿أَنَزَلْنَا﴾ : هذه قراءةُ العامَّةِ. وقرأ طلحةُ «ما نُزِّلَ» مبنياً للمفعول، «القرآنُ» رُفِعَ لقيامه مَقامَ فاعلِه.
وهذه الجملةُ يجوزُ أَنْ تكونَ مستأنفةً إِنْ جُعِلت «طه» تعديداً لأسماءِ الحروفِ، ويجوز أن تكونَ خبراً ل طه إنْ جَعَلْتَها اسماً للسورة ويكون القرآنُ ظاهراً واقعاً موقعَ المضمرِ؛ لأنَّ طه قرآنٌ أيضاً، ويجوز أن تكونَ جوابَ قسمٍ، إنْ جَعَلْتَ طه مُقْسَماً به، وقد تقدَّم تفصيلُ القول في هذا.
وهذه الجملةُ يجوزُ أَنْ تكونَ مستأنفةً إِنْ جُعِلت «طه» تعديداً لأسماءِ الحروفِ، ويجوز أن تكونَ خبراً ل طه إنْ جَعَلْتَها اسماً للسورة ويكون القرآنُ ظاهراً واقعاً موقعَ المضمرِ؛ لأنَّ طه قرآنٌ أيضاً، ويجوز أن تكونَ جوابَ قسمٍ، إنْ جَعَلْتَ طه مُقْسَماً به، وقد تقدَّم تفصيلُ القول في هذا.
قوله: ﴿إِلاَّ تَذْكِرَةً﴾ : في نصبه أوجهٌ، أحدها: أن تكونَ مفعولاً من أجله. والعاملُ فيه فِعْلُ الإِنزال، وكذلك «تَشْقَى» علةٌ له أيضاً، ووجبَ مجيءُ الأولِ مع اللام لأنه ليس لفاعلِ الفعلِ المُعَلَّل، ففاتَتْه شريطةُ الانتصابِ على المفعولية، والثاني جاز قطع اللام عنه ونصبه لاستجماعه الشرائط. هذا كلام الزمخشري، ثم قال: «فإن قلتَ:» هل يجوزُ أن تقولَ: ما أَنْزَلْنا، أن تَشقى كقوله ﴿أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ﴾ [الحجرات: ٢] ؟ قلت: بلى ولكنها نصبةٌ طارئة كالنصبةِ في ﴿واختار موسى قَوْمَهُ﴾ [الأعراف: ١٥٥] وأما النصبةُ في «تَذْكِرةً» فهي كالتي في «ضَرَبْت زيداً» لأنه أحدُ المفاعيلِ الخمسةِ التي هي أصولٌ وقوانينُ لغيرِها «.
قلت: قد منع أبو البقاء أن تكونَ» تَذْكرةً «مفعولاً له لأَنْزَلْنا المذكورةِ، لأنها قد تعدَّتْ إلى مفعولٍ له وهو» لتشقى «فلا تتعدى إلى آخرَ مِنْ جنسِه. وهذا المنعُ ليس بشيءٍ؛ لأنه يجوزُ أَنْ يُعَلَّلَ الفعلُ بعلتين فأكثرَ، وإنما هذا بناءً منه على أنه لا يُفضِي العاملُ من هذه الفَضَلاتِ إلاَّ شيئاً واحداً، إلاَّ بالبدلية أو العطف.
الثاني: أن تكونَ» تذكرة «بدلاً مِنْ محلِّ» لتَشْقَى «وهو رأيُ الزجاج، وتبعه ابنُ عطية، واستبعده أبو جعفر، ورَدَّه الفارسيُّ بأنَّ التذكرةَ ليسَتْ
قلت: قد منع أبو البقاء أن تكونَ» تَذْكرةً «مفعولاً له لأَنْزَلْنا المذكورةِ، لأنها قد تعدَّتْ إلى مفعولٍ له وهو» لتشقى «فلا تتعدى إلى آخرَ مِنْ جنسِه. وهذا المنعُ ليس بشيءٍ؛ لأنه يجوزُ أَنْ يُعَلَّلَ الفعلُ بعلتين فأكثرَ، وإنما هذا بناءً منه على أنه لا يُفضِي العاملُ من هذه الفَضَلاتِ إلاَّ شيئاً واحداً، إلاَّ بالبدلية أو العطف.
الثاني: أن تكونَ» تذكرة «بدلاً مِنْ محلِّ» لتَشْقَى «وهو رأيُ الزجاج، وتبعه ابنُ عطية، واستبعده أبو جعفر، ورَدَّه الفارسيُّ بأنَّ التذكرةَ ليسَتْ
8
بشقاءٍ. وهو ردٌّ واضحٌ. وقد أوضح الزمخشريُّ هذا فقال:» فإنْ قلتَ: هل يجوزُ أن تكونَ «تذكرةً» بدلاً مِنْ محلِّ «لِتشْقى» ؟ قلت: لا؛ لاختلافِ الجنسينِ ولكنها نُصِبَتْ على الاستثناءِ المنقطع الذي «إلاَّ» فيه بمعنى «لكن».
قال الشيخُ: «يعني باختلافِ الجنسَيْنِ أن نَصْبَةَ» تذكرةً «نصبةٌ صحيحةٌ ليست بعارضةٍ، والنصبةُ التي تكون في» لِتشقى «بعد نَزْعِ الخافضِ نصبةُ عارضةٌ. والذي نقول: إنه ليس له محلٌّ البتَةَ فيتوهمُ البدلُ منه». قلت: ليس مُرادُ الزمخشري باختلافِ الجنسين إلاَّ ما ذكرتُه عن الفارسيِّ ردَّاً على الزجاج، وأيُّ أثرٍ لاختلاف النصبين في ذلك؟
الثالث: أن يكونَ منصوباً على الاستثناء المنقطع أي: لكنْ أَنْزَلْناه تذكرةً. الرابع: أنه مصدرٌ مؤكدٌ لفعلٍ مقدرٍ، أي: لكنْ ذَكَّرْنا، أو تذكَّرْ به أنت تَذْكِرة. الخامس: أنه مصدرٌ في موضع الحال أي: إلاَّ مُذَكِّراً. السادس: أنه بدلٌ من «القرآن»، ويكون القرآنُ هو التذكرةَ، قاله الحوفي. السابع: أنه مفعولٌ له أيضاً، ولكن العاملَ فيه «لِتَشْقَى» ويكون المعنى كما قال الزمخشريُّ: «إنا أَنْزَلْنا عليك القرآنَ لتحتمل متاعبَ التبليغِ ومقاولةَ العُتاةِ من أعداءِ الإِسلام ومقاتلتَهم، وغيرَ ذلك من أنواعِ المشاقِّ وتكاليفِ النبوة، وما أنزلنا عليك هذا المَتْعَبَ الشاقَّ إلاَّ ليكونَ تذكرةً.
وعلى هذا الوجهِ يجوزُ أن يكونَ «تذكرةً» حالاً ومفعولاً له «انتهى.
فإنْ قلتَ: مِنْ أين أَخَذْتَ أنه لمَّا جعله حالاً ومفعولاً له أنَّ العاملَ فيه»
قال الشيخُ: «يعني باختلافِ الجنسَيْنِ أن نَصْبَةَ» تذكرةً «نصبةٌ صحيحةٌ ليست بعارضةٍ، والنصبةُ التي تكون في» لِتشقى «بعد نَزْعِ الخافضِ نصبةُ عارضةٌ. والذي نقول: إنه ليس له محلٌّ البتَةَ فيتوهمُ البدلُ منه». قلت: ليس مُرادُ الزمخشري باختلافِ الجنسين إلاَّ ما ذكرتُه عن الفارسيِّ ردَّاً على الزجاج، وأيُّ أثرٍ لاختلاف النصبين في ذلك؟
الثالث: أن يكونَ منصوباً على الاستثناء المنقطع أي: لكنْ أَنْزَلْناه تذكرةً. الرابع: أنه مصدرٌ مؤكدٌ لفعلٍ مقدرٍ، أي: لكنْ ذَكَّرْنا، أو تذكَّرْ به أنت تَذْكِرة. الخامس: أنه مصدرٌ في موضع الحال أي: إلاَّ مُذَكِّراً. السادس: أنه بدلٌ من «القرآن»، ويكون القرآنُ هو التذكرةَ، قاله الحوفي. السابع: أنه مفعولٌ له أيضاً، ولكن العاملَ فيه «لِتَشْقَى» ويكون المعنى كما قال الزمخشريُّ: «إنا أَنْزَلْنا عليك القرآنَ لتحتمل متاعبَ التبليغِ ومقاولةَ العُتاةِ من أعداءِ الإِسلام ومقاتلتَهم، وغيرَ ذلك من أنواعِ المشاقِّ وتكاليفِ النبوة، وما أنزلنا عليك هذا المَتْعَبَ الشاقَّ إلاَّ ليكونَ تذكرةً.
وعلى هذا الوجهِ يجوزُ أن يكونَ «تذكرةً» حالاً ومفعولاً له «انتهى.
فإنْ قلتَ: مِنْ أين أَخَذْتَ أنه لمَّا جعله حالاً ومفعولاً له أنَّ العاملَ فيه»
9
لِتَشْقَى «؟ وما المانعُ أن يريدَ بالعاملِ فيه فعلَ الإِنزال؟ فالجوابُ أنَّ هذا الوجهَ قد تقدَّم له في قولِه:» وكلُّ واحدٍ مِنْ «لتشقى» و «تذكرةً» علةٌ للفعل «. وأيضاً فإنَّ تفسيرَه للمعنى المذكور منصبٌّ على تسلُّطِ» لِتَشْقَى «على» تذكرةً «. إلاَّ أنَّ أبا البقاء لمَّا لم يظهرْ له هذا المعنى الذي ظهر للزمخشري مَنَعَ مِنْ عملِ» لِتَشْقَى «في» تذكرةً «فقال:» ولا يَصِحُّ أن يعملَ فيها «لِتَشْقى» لفساد المعنى «وجوابُه ما تقدَّم. ولا غَرْوَ في تسميةِ التعبِ شقاءً. قال الزمخشري:» والشقاءُ يجيء في معنى التعب. ومنه المثل: «أتعبُ مِنْ رائضِ مُهْر» و «أشقى مِنْ رائض مُهْر».
و ﴿لِّمَن يخشى﴾ متصلٌ ب «تذكرةً». وزيدت اللام في المفعولِ تقويةً للعاملِ لكونِه فَرْعاً، ويجوز أن يكونَ متعلقاً بمحذوفٍ على أنه صفةٌ ل «تذكرةً».
و ﴿لِّمَن يخشى﴾ متصلٌ ب «تذكرةً». وزيدت اللام في المفعولِ تقويةً للعاملِ لكونِه فَرْعاً، ويجوز أن يكونَ متعلقاً بمحذوفٍ على أنه صفةٌ ل «تذكرةً».
10
قوله: ﴿تَنزِيلاً﴾ : في نصبِه أوجهٌ، أحدها: أن يكونَ بدلاً مِنْ «تذكرةً» إذا جُعِل حالاً لا إذا كان مفعولاً [له] لأنَّ الشيءَ لا يعَلَّلُ بنفسِه. قلت: لأنه يصيرُ التقديرُ: ما أنزَلْنا القرآنَ إلاَّ للتنزيل. الثاني: أن ينتصبَ ب نزَّل مضمراً. الثالث: أن ينتصبَ ب «أَنْزَلْنا» لأنَّ معنى ما أنزلناه إلاَّ تذكرةً: أنزَلْناه تذكرةً. الرابع: أن ينتصبَ على المدحِ والاختصاصِ.
10
الخامس: أن ينتصبَ ب «يخشى» مفعولاً به أي: أنزله للتذكرةِ لمَنْ يخشى تنزيلَ الله، وهو معنى حسنٌ وإعرابٌ بيِّن.
قال الشيخُ: ولم يُنْصِفْه «والأحسنُ ما قدَّمناه أولاً من أنه منصوبٌ ب» نَزَّل «مضمرةً. وما ذكره الزمخشري مِنْ نصبه على غيره فمتكلَّفٌ: أمَّا الأولُ ففيه جَعْلُ تذكرةً وتنزيلاً حالين، وهما مصدران. وجَعْلُ المصدرِ/ حالاً لا ينقاسُ.
وأيضاً فمدلولُ» تذكرةً «ليس مدلولَ» تنزيلَ «، ولا» تنزيلاً «بعضُ تذكرة. فإن كان بدلاً فيكونُ بدلَ اشتمالٍ على مذهبِ مَنْ يرى أن الثاني مشتملٌ على الأولِ؛ لأنَّ التنزيلَ مشتملٌ على التذكرة وغيرِها. وأمَّا قولُه:» لأنَّ معنى ما أنزلناه إلاَّ تذكرة: أَنْزَلْناه تذكرةً «فليس كذلك لأنَّ معنى الحصرِ يَفُوت في قولِه أنزلناه تذكرةً. وأمَّا نصبُه على المدحِ فبعيدٌ. وأمَّا نصبُه ب» يخشى «ففي غاية البُعْدِ لأنَّ» يخشى «رأسُ آيةٍ وفاصلٌ، فلا يناسبُ أن يكونَ» تنزيلاً «منصوباً ب» يخشى «، وقوله فيه» وهو حسنٌ وإعرابٌ بيِّنٌ «عُجمةٌ وبُعْدٌ عن إدراك الفصاحة».
قلت: ويَكْفيه ردُّه الشيءَ الواضحَ مِنْ غير دليل، ونسبةُ هذا الرجلِ إلى عدمِ الفصاحةِ ووجودِ العُجْمة.
قوله: ﴿مِّمَّنْ خَلَق﴾ يجوز في «مِنْ» أن تتعلق ب «تنزيلاً»، وأن تتعلقَ بمحذوفٍ على أنه صفةٌ ل «تنزيلاً». وفي «خَلَق» التفاتٌ مِنْ تَكَلُّمٍ في قوله «
قال الشيخُ: ولم يُنْصِفْه «والأحسنُ ما قدَّمناه أولاً من أنه منصوبٌ ب» نَزَّل «مضمرةً. وما ذكره الزمخشري مِنْ نصبه على غيره فمتكلَّفٌ: أمَّا الأولُ ففيه جَعْلُ تذكرةً وتنزيلاً حالين، وهما مصدران. وجَعْلُ المصدرِ/ حالاً لا ينقاسُ.
وأيضاً فمدلولُ» تذكرةً «ليس مدلولَ» تنزيلَ «، ولا» تنزيلاً «بعضُ تذكرة. فإن كان بدلاً فيكونُ بدلَ اشتمالٍ على مذهبِ مَنْ يرى أن الثاني مشتملٌ على الأولِ؛ لأنَّ التنزيلَ مشتملٌ على التذكرة وغيرِها. وأمَّا قولُه:» لأنَّ معنى ما أنزلناه إلاَّ تذكرة: أَنْزَلْناه تذكرةً «فليس كذلك لأنَّ معنى الحصرِ يَفُوت في قولِه أنزلناه تذكرةً. وأمَّا نصبُه على المدحِ فبعيدٌ. وأمَّا نصبُه ب» يخشى «ففي غاية البُعْدِ لأنَّ» يخشى «رأسُ آيةٍ وفاصلٌ، فلا يناسبُ أن يكونَ» تنزيلاً «منصوباً ب» يخشى «، وقوله فيه» وهو حسنٌ وإعرابٌ بيِّنٌ «عُجمةٌ وبُعْدٌ عن إدراك الفصاحة».
قلت: ويَكْفيه ردُّه الشيءَ الواضحَ مِنْ غير دليل، ونسبةُ هذا الرجلِ إلى عدمِ الفصاحةِ ووجودِ العُجْمة.
قوله: ﴿مِّمَّنْ خَلَق﴾ يجوز في «مِنْ» أن تتعلق ب «تنزيلاً»، وأن تتعلقَ بمحذوفٍ على أنه صفةٌ ل «تنزيلاً». وفي «خَلَق» التفاتٌ مِنْ تَكَلُّمٍ في قوله «
11
أَنْزَلْنا» إلى الغَيْبة. وجوَّز الزمخشري أن يكونَ «ما أنزَلْنا» حكايةً لكلامِ جبريل وبعضِ الملائكة فلا التفاتَ على هذا.
وقوله: ﴿العلى﴾ جمع عُلْيا نحو: دنيا ودُنا. ونظيرُه في الصحيح كُبْرى وكُبَر، وفُضْلى وفُضَل.
وقوله: ﴿العلى﴾ جمع عُلْيا نحو: دنيا ودُنا. ونظيرُه في الصحيح كُبْرى وكُبَر، وفُضْلى وفُضَل.
12
قوله: ﴿الرحمن﴾ : العامَّةُ على رفعهِ، وفيه أوجهٌ، أحدُها: أنه بدلٌ من الضميرِ المستكنِّ في «خَلَق». ذكره ابنُ عطية. وردَّه الشيخُ بأن البدلَ يَحُلُّ مَحَلَّ المبدلِ منه، ولو حَلَّ هنا مَحَلَّه لم يَجُزْ لخلوِّ الجملةِ الموصولِ بها مِنْ رابطٍ يربطُها به. الثاني: أن يرتفعَ على خبرِ مبتدأ مضمرٍ، تقديرُه: هو الرحمن. الثالث: أن يرتفعَ على الابتداءِ مشاراً بلامِه إلى مَنْ خَلَقَ، والجملةُ بعده خبرُه.
وقرأ جناح بن حبيش «الرحمنِ» مجروراً. وفيه وجهان، أحدهما: أنه بدلٌ من الموصولِ. لا يقال إنه يؤدي إلى البدلِ بالمشتق وهو قليلٌ؛ لأنَّ الرحمنَ جرى مَجْرى الجوامدِ لكثرة إيلائِه العواملَ. والثاني: أن يكونَ صفةً للموصول أيضاً.
قال الشيخ: «ومذهبُ الكوفيين أنَّ الأسماءَ النواقصَ ك» مَنْ «
وقرأ جناح بن حبيش «الرحمنِ» مجروراً. وفيه وجهان، أحدهما: أنه بدلٌ من الموصولِ. لا يقال إنه يؤدي إلى البدلِ بالمشتق وهو قليلٌ؛ لأنَّ الرحمنَ جرى مَجْرى الجوامدِ لكثرة إيلائِه العواملَ. والثاني: أن يكونَ صفةً للموصول أيضاً.
قال الشيخ: «ومذهبُ الكوفيين أنَّ الأسماءَ النواقصَ ك» مَنْ «
12
و» ما «لا يُوصَف منها إلاَّ» الذي «وحدَه، فعلى مذهبِهم لا يجوز أن يكونَ صفةً». قال ذلك كالرادِّ على الزمخشري.
والجملةُ مِنْ قولِه ﴿عَلَى العرش استوى﴾ خبرٌ لقولِه «الرحمنُ» على القول بأنه مبتدأٌ، أو خبرُ مبتدأ مضمرٍ إنْ قيل: إنه مرفوعٌ على خبر مبتدأ مضمر، وكذلك في قراءةِ مَنْ جَرَّه.
وفاعلُ «استوى» ضميرٌ يعودُ على الرحمنِ، وقيل: بل فاعلُه «ما» الموصولةُ «بعده أي: استوى الذي له في السماوات، قال أبو البقاء:» ويقال بعضُ الغلاةِ: «ما» فاعلُ «استوى». وهذا بعيدٌ، ثم هو غيرُ نافعٍ له في التأويل، إذ يبقى قولُه ﴿الرحمن عَلَى العرش﴾ كلاماً تاماً ومنه هرب «. قلت: هذا يُروى عن ابنِ عباس، وأنه كان يقف على لفظ» العرش «، ثم يبتدِىءُ» استوى له ما في السماوات «وهذا لا يَصِحُّ عنه.
والجملةُ مِنْ قولِه ﴿عَلَى العرش استوى﴾ خبرٌ لقولِه «الرحمنُ» على القول بأنه مبتدأٌ، أو خبرُ مبتدأ مضمرٍ إنْ قيل: إنه مرفوعٌ على خبر مبتدأ مضمر، وكذلك في قراءةِ مَنْ جَرَّه.
وفاعلُ «استوى» ضميرٌ يعودُ على الرحمنِ، وقيل: بل فاعلُه «ما» الموصولةُ «بعده أي: استوى الذي له في السماوات، قال أبو البقاء:» ويقال بعضُ الغلاةِ: «ما» فاعلُ «استوى». وهذا بعيدٌ، ثم هو غيرُ نافعٍ له في التأويل، إذ يبقى قولُه ﴿الرحمن عَلَى العرش﴾ كلاماً تاماً ومنه هرب «. قلت: هذا يُروى عن ابنِ عباس، وأنه كان يقف على لفظ» العرش «، ثم يبتدِىءُ» استوى له ما في السماوات «وهذا لا يَصِحُّ عنه.
13
قوله: ﴿الثرى﴾ : هو الترابُ النديُّ، ولامُه ياءٌ بدليل تثنية على ثَرَيَيْن، وقولهم ثَرِيَتْ الأرَضُ تَثْرَى ثَرَىً. والثرى يستعمل في انقطاعِ المودة. قال جرير:
وقول الآخر:
قوله: ﴿لتجزى﴾ هذه لامُ كي، وليسَتْ بمعنى القسمِ أي: لَتُجْزَيَنَّ كما نقله أبو البقاء عَنْ بعضهم. وتتعلَّق هذه اللامُ ب «اُخْفيها». وجعلها بعضُهم متعلقةً ب «آتيةٌ» وهذا لا يَتِمُّ إلاَّ إذا قَدَّرْتَ أنَّ «أكاد أُخْفيها» معترضةٌ بين المتعلَّقِ والمتعلَّقِ به، أمَّا إذا جعلتَها صفةً لآتِيَةٌ فلا يتجه على مذهب البصريين؛ لأن اسمَ الفاعلِ متى وُصِفَ لم يعملْ، فإنْ عَمِل ثم وُصِف جاز.
وقال أبو البقاء: «وقيل ب» آتِيَةٌ «، ولذلك وَقَفَ بعضُهم عليه وَقْفَةً يسيرةً إيذاناً بانفصالِها عن أخفيها».
قوله: ﴿بِمَا تسعى﴾ متعلقٌ ب «تجزى». و «ما» يجوز أَنْ تكونَ مصدريةً أو موصولةً اسميةً، ولا بدَّ من مضاف أي: تُجْزى بعقابِ سَعْيها أو بعقابِ ما سَعَتْه.
٣٢٧٢ - فلا تَنْبُشُوا بيني وبينَكُمُ الثرى | فإنَّ الذي بيني وبينَكُمُ مُثْرِي |
٣٢٧٣ - أَماوِيَّ ما يُغْني الثراءُ عن الفتى | إذا حَشَرَجَتْ يوماً وضاقَ بها الصدرُ |
٣٢٧٤ - يوماً تصيرُ إلى الثَّرى | ويفوزُ غيرُك بالثَّراءِ |
14
قوله: ﴿وأخفى﴾ : جَوَّزوا فيه وجهين، أحدهما: أنه أفعلُ تفضيل، أي: وأخْفَى من السِّر. والثاني: أنه فعلٌ ماضٍ أي: وأَخْفى اللهُ عن عبادهِ غيبَه كقولِه: ﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً﴾ [طه: ١١٠].
والجلالةُ: إمَّا مبتدأٌ، والجملةُ المنفيةُ خبرُها، وإمَّا خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ أي: هو الله. و «الحُسْنى» تأنيثُ الأحسن. وقد تقدَّم غيرَ مرة أنَّ جمعَ التكسيرِ في غير العقلاء يُعامَلُ معاملةَ المؤنثة الواحدة.
قوله: ﴿إِذْ رأى﴾ : يجوز أَنْ يكونَ منصوباً بالحديث وهو الظاهرُ. ويجوز أن ينتصِبَ ب «اذكر» مقدَّراً، كما قاله أبو البقاء، أو بمحذوفٍ بعدَه أي: إذ رأى ناراً كان كيتَ وكيتَ، كما قاله الزمخشريُّ.
14
و «هل» على بابها مِنْ كونِها استفهامَ تقريرٍ، وقيل: بمعنى قد، وقيل: بمعنى النفي. وقرأ «لأهلِهُ امكثُوا» بضم الهاء حمزة وقد تقدم أنه الأصلُ وهو لغةُ الحجاز، وقال أبو البقاء: «إن الضمَّ للإِتباع».
قوله: ﴿آنَسْتُ﴾ أي: أبصرْتُ. والإِيناسُ: الإِبصارُ البيِّنُ، ومنه إنسانُ العينِ؛ لأنه يُبْصَر به الأشياءُ، وقيل: هو الوِجْدان، وقيل: الإِحساسُ فهو أعمُّ من الإِبصار، وأنشدوا للحارث بن حِلِّزة:
والقَبَسُ: الجَذْوَةُ من النار، وهي الشُّعْلةُ في رأسِ عُوْدٍ أو قَصَبةٍ ونحوِهما. وهو فَعَلٌ بمعنى مَفْعول كالقَبَض والنَّقَضِ بمعنى المَقْبوض والمَنْقوض. ويقال: أَقْبَسْتُ الرجلَ علماً وقَبَسْتُه ناراً، ففرقوا بينهما، هذا قولُ المبردِ. وقال الكسائيُّ: إن فَعَلَ وأَفْعَلَ يُقالان في المعنيين، فيقال: قَبَسْتُه ناراً وعلماً، وأَقْبَسْته أيضاً عِلْماً وناراً.
وقوله ﴿مِّنْهَا﴾ يجوز أَنْ يتعلق/ ب «آتِيكم» أو بمحذوفٍ على أنه حالٌ مِنْ قَبَس. وأمال بعضُهم ألفَ «هدى» وقفاً. والجيدُ أَنْ لا تُمالَ لأنَّ الأشهر أنها بدلٌ من التنوين.
قوله: ﴿آنَسْتُ﴾ أي: أبصرْتُ. والإِيناسُ: الإِبصارُ البيِّنُ، ومنه إنسانُ العينِ؛ لأنه يُبْصَر به الأشياءُ، وقيل: هو الوِجْدان، وقيل: الإِحساسُ فهو أعمُّ من الإِبصار، وأنشدوا للحارث بن حِلِّزة:
٣٢٧٥ - آنسَتْ نَبْأَةً وأَفْزَعَها القُنْ | ناصُ عَصْراً وقد دنا الإِمْساءُ |
وقوله ﴿مِّنْهَا﴾ يجوز أَنْ يتعلق/ ب «آتِيكم» أو بمحذوفٍ على أنه حالٌ مِنْ قَبَس. وأمال بعضُهم ألفَ «هدى» وقفاً. والجيدُ أَنْ لا تُمالَ لأنَّ الأشهر أنها بدلٌ من التنوين.
15
قوله: ﴿نُودِيَ﴾ : القائمُ مَقامَ الفاعلِ ضميرُ موسى وقيل: ضميرُ المصدرِ أي: نُودي النداء. وهو ضعيفٌ، ومنعوا أن يكونَ القائمُ مَقامه الجملةَ مِنْ «يا موسى» ؛ لأنَّ الجملةَ لا تكونَ فاعلاً.
قوله: ﴿إني﴾ : قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالفتح، على تقديرِ الباءِ بأني؛ لأنَّ النداءَ يُوْصَلُ بها تقول: نادَيْتُه بكذا. قال الشاعر: أنشده الفارسيُّ
وجَوَّز ابنُ عطية أن يكون بمعنى لأجْلِ. وليس بظاهر. والباقون بالكسرِ: إمَّا على إضمارِ القولِ كما هو رأيُ البصريين، وإمَّا لأنَّ النداءَ في معنى القولِ عند الكوفيين.
وقوله: ﴿أَنَاْ﴾ يجوزُ أن يكونَ مبتدأ، وما بعده خبرُه، والجملةُ خبرُ «إنَّ». ويجوزُ أن يكونَ توكيداً للضميرِ المنصوب، ويجوزُ أَنْ يكونَ فَصْلاً.
قوله: «طوى» قرأ الكوفيون وابنُ عامر «طُوىً» بضمِّ الطاءِ والتنوين. والباقون بضمِّها من غيرِ تنوين. وقرأ الحسنُ والأعمش وأبو حيوةَ وابن محيصن
٣٢٧٦ - نادَيْتُ باسمِ ربيعةَ بنِ مُكَدَّمٍ | إنَّ المُنَوَّهَ باسمِه المَوْثُوْقُ |
وقوله: ﴿أَنَاْ﴾ يجوزُ أن يكونَ مبتدأ، وما بعده خبرُه، والجملةُ خبرُ «إنَّ». ويجوزُ أن يكونَ توكيداً للضميرِ المنصوب، ويجوزُ أَنْ يكونَ فَصْلاً.
قوله: «طوى» قرأ الكوفيون وابنُ عامر «طُوىً» بضمِّ الطاءِ والتنوين. والباقون بضمِّها من غيرِ تنوين. وقرأ الحسنُ والأعمش وأبو حيوةَ وابن محيصن
16
بكسرٍ الطاءِ منوَّناً. وابو زيدٍ عن أبي عمروٍ بكسرِها غيرَ منونٍ.
فمَنْ ضَمَّ ونَوَّنَ فإنه صَرَفَه لأنَّه أَوَّله بالمكان. ومَنء مَنَعه فيحتمل أوجهاً، أحدها: أنه مَنَعه للتأنيث باعتبار البُقْعَةِ والعَلَمِيَّة. الثاني: أنه مَنَعه للعَدْل إلى فُعَل، وإن لم يُعْرَفِ اللفظُ المعدولُ عنه، وجعله كعُمَر وزُفَر. والثالث: أنه اسمٌ أعجمي فَمَنْعُه للعَلَمِيَّة والعُجْمة.
ومَنْ كَسَر ولم يُنَوِّن فباعتبارِ البُقْعة أيضاً. فإن كان اسماً فهو نظيرُ عِنَب، وإن كان صفةً فهو نظير عِدَى وسِوَى. ومَنْ نَوَّنَه فباعتبار المكان. وعن الحسنِ البَصْريِّ أنه بمعنى الثنى بالكسرِ والقَصْر، والثنى: المكررُ مرتين، فيكون معنى هذه القراءة أنه ظهر مرتين، فيكون مصدراً منصوباً بلفظ «المقدَّس» لأنه بمعناه كأنه قيل: المقدَّس مرتين، من التقديس.
وقرأ عيسى بن عمر والضحَّاك «طاوِيْ اذهَبْ».
و «طوى» : إمَّا بدلٌ من الوادي، أو عطفُ بيانٍ له، أو مرفوعٌ على إضمارِ مبتدأ، أو منصوبٌ على إضمار أعني.
فمَنْ ضَمَّ ونَوَّنَ فإنه صَرَفَه لأنَّه أَوَّله بالمكان. ومَنء مَنَعه فيحتمل أوجهاً، أحدها: أنه مَنَعه للتأنيث باعتبار البُقْعَةِ والعَلَمِيَّة. الثاني: أنه مَنَعه للعَدْل إلى فُعَل، وإن لم يُعْرَفِ اللفظُ المعدولُ عنه، وجعله كعُمَر وزُفَر. والثالث: أنه اسمٌ أعجمي فَمَنْعُه للعَلَمِيَّة والعُجْمة.
ومَنْ كَسَر ولم يُنَوِّن فباعتبارِ البُقْعة أيضاً. فإن كان اسماً فهو نظيرُ عِنَب، وإن كان صفةً فهو نظير عِدَى وسِوَى. ومَنْ نَوَّنَه فباعتبار المكان. وعن الحسنِ البَصْريِّ أنه بمعنى الثنى بالكسرِ والقَصْر، والثنى: المكررُ مرتين، فيكون معنى هذه القراءة أنه ظهر مرتين، فيكون مصدراً منصوباً بلفظ «المقدَّس» لأنه بمعناه كأنه قيل: المقدَّس مرتين، من التقديس.
وقرأ عيسى بن عمر والضحَّاك «طاوِيْ اذهَبْ».
و «طوى» : إمَّا بدلٌ من الوادي، أو عطفُ بيانٍ له، أو مرفوعٌ على إضمارِ مبتدأ، أو منصوبٌ على إضمار أعني.
17
قوله: ﴿وَأَنَا اخترتك﴾ : قرأ حمزةُ في آخرين «وأنَّا اخترناك» بفتحِ الهمزة بضمير المتكلمِ المعظمِ نفسَه. وقرأ السلميُّ والأعمش وابن هرمز كذلك، إلاَّ أنهم كسروا الهمزةَ. والباقون «وأنا اخْتَرْتُك» بضميرِ المتكلم وحدَه. وقرأ أُبَيٌّ «وأني اخترتك» بفتح الهمزة.
17
فأمَّا قراءةُ حمزة فعطفٌ على قوله ﴿إني أَنَاْ رَبُّكَ﴾، وذلك أنه بفتح الهمزة هناك، ففعل ذلك لَمَّا عطف غيرَها عليها. ومَنْ كسرها فلأنه يقرأ «إنِّي أنا ربك» بالكسر. وقراءة أُبَيّ كقراءةِ حمزة بالنسبة للعطف. وجَوَّز أبو البقاء أن يكونَ الفتحُ على تقديرِ: ولأنَّا اخترناك فاستمع، فعلَّقه باستمع. والأولُ أَوْلَى. ومفعولُ «اخترتك» الثاني محذوف أي: اخترتك مِنْ قومك.
قوله ﴿لِمَا يوحى﴾ الظاهرُ تعلُّقه ب «استمِعْ». ويجوزُ أن تكونَ اللامُ مزيدةً في المفعول على حَدِّ قولِه تعالى: ﴿رَدِفَ لَكُم﴾ [النمل: ٧٢]. وجَوَّز الزمخشريُّ وغيرُه أن تكونَ المسألة من باب التنازع بين «اخْتَرْتُك» وبين «استمع» كأنه قيل: اخترتُك لِما يوحى فاستمع لِما يوحى. قال الزمخشري: «فَعَلَّق اللامَ ب» استمعْ «أو ب» اخترتُك «.
وقد رَدَّ الشيخُ هذا بأنْ قال:» ولا يجوزُ التعليقُ ب «اخترتك» لأنَّه مِنْ بابِ الإِعمال، يجب أو يُختار إعادةُ الضميرِ مع الثاني فكان يكونُ: فاستمعْ له لِما يوحى، فَدَلَّ على أنه من باب إعمال الثاني «. قلت: الزمخشريُّ عنى التعليقَ المعنويَّ من حيث الصلاحيةُ، وأما تقديرُ الصناعةِ فلم يَعْنِه.
و» ما «يجوزُ أَنْ تكونَ مصدريةً، وبمعنى الذي أي: فاستمعْ للوحيِ أو للذي يوحى.
قوله ﴿لِمَا يوحى﴾ الظاهرُ تعلُّقه ب «استمِعْ». ويجوزُ أن تكونَ اللامُ مزيدةً في المفعول على حَدِّ قولِه تعالى: ﴿رَدِفَ لَكُم﴾ [النمل: ٧٢]. وجَوَّز الزمخشريُّ وغيرُه أن تكونَ المسألة من باب التنازع بين «اخْتَرْتُك» وبين «استمع» كأنه قيل: اخترتُك لِما يوحى فاستمع لِما يوحى. قال الزمخشري: «فَعَلَّق اللامَ ب» استمعْ «أو ب» اخترتُك «.
وقد رَدَّ الشيخُ هذا بأنْ قال:» ولا يجوزُ التعليقُ ب «اخترتك» لأنَّه مِنْ بابِ الإِعمال، يجب أو يُختار إعادةُ الضميرِ مع الثاني فكان يكونُ: فاستمعْ له لِما يوحى، فَدَلَّ على أنه من باب إعمال الثاني «. قلت: الزمخشريُّ عنى التعليقَ المعنويَّ من حيث الصلاحيةُ، وأما تقديرُ الصناعةِ فلم يَعْنِه.
و» ما «يجوزُ أَنْ تكونَ مصدريةً، وبمعنى الذي أي: فاستمعْ للوحيِ أو للذي يوحى.
18
قوله: ﴿لذكري﴾ : يجوزُ أَنْ يكونَ المصدرُ مضافاً لفاعلِه ِأي: لأنِّي ذكرتُها في الكتب، أو لأنِّي أذكرُك. ويجوز أن يكونَ مضافاً لمفعولِه أي: لأِنْ تذكرَني. وقيل: معناه ذِكْرُ الصلاةِ بعد نِسْيانِها كقولِه عليه السلام: «مَنْ نام عن صلاةٍ أو نَسِيها فَلْيُصَلِّها إذا ذكرها» قال الزمخشري: «وكان حقٌّ العبارة:» لذكرها «. ثم قال:» ومَنْ يَتَمَحَّلْ له أن يقول: إذا ذَكَر الصلاة فقد ذكر [اللهَ]، أو على حذفِ مضاف أي: لذكر صلاتي، أو لأنَّ الذِّكْرَ والنيسانَ من الله تعالى في الحقيقة «.
وقرأ أبو رجاء والسُّلمي» للذكرى «بلام التعريف وألفِ التأنيث. وبعضهم» لذكرى «منكرةً، وبعضهم» للذكر «بالتعريف والتذكير.
قوله: ﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ العامةُ على ضمِّ الهمزةِ مِنْ» أُخْفيها «. وفيها تأويلاتٌ، أحدُها: أن الهمزةَ في» أُخْفيها «للسَّلْبِ والإِزالةِ أي: أُزيل خفاءَها نحو: أعجمتُ الكتابَ أي: أزلْتُ عُجْمَتَه. ثم في ذلك معنيان، أحدهما: أنَّ الخفاءَ بمعنى السَّتْر، ومتى أزال سَتْرَها فقد أظهرَها. والمعنى: أنها لتحقُّق وقوعِها وقُرْبِها أكادُ أُظْهِرُها لولا ما تَقْتضيه الحكمةُ من التأخير. والثاني: أنَّ الخفاءَ هو الظهورُ كما سيأتي. والمعنى: أزيلُ ظهورَها، وإذا أزالَ ظهورَها فقد استترَتْ. والمعنى: أني لِشدَّةِ أبهامها أكاد أُخْفيها فلا أُظْهِرُها/ البتةَ، وإن كان
وقرأ أبو رجاء والسُّلمي» للذكرى «بلام التعريف وألفِ التأنيث. وبعضهم» لذكرى «منكرةً، وبعضهم» للذكر «بالتعريف والتذكير.
قوله: ﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ العامةُ على ضمِّ الهمزةِ مِنْ» أُخْفيها «. وفيها تأويلاتٌ، أحدُها: أن الهمزةَ في» أُخْفيها «للسَّلْبِ والإِزالةِ أي: أُزيل خفاءَها نحو: أعجمتُ الكتابَ أي: أزلْتُ عُجْمَتَه. ثم في ذلك معنيان، أحدهما: أنَّ الخفاءَ بمعنى السَّتْر، ومتى أزال سَتْرَها فقد أظهرَها. والمعنى: أنها لتحقُّق وقوعِها وقُرْبِها أكادُ أُظْهِرُها لولا ما تَقْتضيه الحكمةُ من التأخير. والثاني: أنَّ الخفاءَ هو الظهورُ كما سيأتي. والمعنى: أزيلُ ظهورَها، وإذا أزالَ ظهورَها فقد استترَتْ. والمعنى: أني لِشدَّةِ أبهامها أكاد أُخْفيها فلا أُظْهِرُها/ البتةَ، وإن كان
19
لا بد من إظهارِها؛ ولذلك يوجدُ في بعض المصاحف كمصحف أُبَيّ: أكاد أُخْفيها مِنْ نفسي فكيف أُظْهِرُكُمْ عليها؟ وهو على عادةِ العرب في المبالغة في الإِخفاء قال:
وكيف يُتَصَوَّرُ كِتْمانُه مِنْ نفسه؟
والتأويلُ الثاني: أنَّ» كاد «زائدةٌ. قاله ابنُ جُبَيْر. وأنشدَ غيرُه شاهداً عليه قولَ زيدِ الخيل:
وقال آخر:
ولا حُجَّةَ في شيءٍ منه.
٣٢٧٧ - أيامَ تَصْحَبُني هندٌ وأُخْبِرُها | ما كِدْت أكتُمُه عني من الخبرِ |
والتأويلُ الثاني: أنَّ» كاد «زائدةٌ. قاله ابنُ جُبَيْر. وأنشدَ غيرُه شاهداً عليه قولَ زيدِ الخيل:
٣٢٧٨ - سريعٌ إلى الهَيْجاء شاكٍ سلاحُه | فما إنْ يكادُ قِرْنُه يتنفَّسُ |
٣٢٧٩ - وألاَّ ألومَ النفسَ فيما أصابني | وألا أكادَ بالذي نِلْتُ أَبْجَحُ |
20
والتأويل الثالث: أنَّ الكَيْدُوْدَةَ بمعنى الإِرادة ونُسِبت للأخفش وجماعةٍ، ولا ينفعُ فيما قصدوه.
والتأويل الرابع: أنَّ خبرَها محذوفٌ تقديره: أكاد آتي به لقُرْبها. وأنشدوا قول ضابىء البرجمي:
أي: وكِدْتُ أفعلُ، فالوقفُ على» أكادُ «، والابتداء ب» أُخْفيها «، واستحسنه أبو جعفر.
وقرأ أبو الدرداء وابنُ جبير والحسنُ ومجاهدٌ وحميدٌ» أَخْفيها «بفتح الهمزة. والمعنى: أُظْهرها، بالتأويل المتقدم يقال: خَفَيْتُ الشيءَ: أظهَرْتُه، وأَخْفَيْتُه: سترته، هذا هو المشهور. وقد نُقِل عن أبي الخطاب أنَّ خَفَيْتُ وأَخْفَيْتُ بمعنىً. وحُكي عن أبي عبيد أنَّ» أَخْفى «من الأضدادِ يكون بمعنى أظهر وبمعنى سَتَر، وعلى هذا تَتَّحد القراءتان. ومِنْ مجيءِ خَفَيْتُ بمعنى أظهَرْت قولُ امرىء القيس:
والتأويل الرابع: أنَّ خبرَها محذوفٌ تقديره: أكاد آتي به لقُرْبها. وأنشدوا قول ضابىء البرجمي:
٣٢٨٠ - هَمَمْتُ ولم أفْعَلْ وكِدْتُ وليتني | تَرَكْتُ على عثمانَ تَبْكي حلائِلُهْ |
وقرأ أبو الدرداء وابنُ جبير والحسنُ ومجاهدٌ وحميدٌ» أَخْفيها «بفتح الهمزة. والمعنى: أُظْهرها، بالتأويل المتقدم يقال: خَفَيْتُ الشيءَ: أظهَرْتُه، وأَخْفَيْتُه: سترته، هذا هو المشهور. وقد نُقِل عن أبي الخطاب أنَّ خَفَيْتُ وأَخْفَيْتُ بمعنىً. وحُكي عن أبي عبيد أنَّ» أَخْفى «من الأضدادِ يكون بمعنى أظهر وبمعنى سَتَر، وعلى هذا تَتَّحد القراءتان. ومِنْ مجيءِ خَفَيْتُ بمعنى أظهَرْت قولُ امرىء القيس:
21
٣٢٨١ - خَفَاهُنَّ مِنْ أَنْفاقِهِنَّ كأنما | خفاهُنَّ وَدْقٌ مِنْ عَشِيٍّ مُجَلِّبِ |
٣٢٨٢ - فإنْ تَدْفِنوا الداءَ لا نَخْفِهِ | وإنْ تُوْقِدُوْا الحربَ لا نَقْعُدِ |
وقال أبو البقاء: «وقيل ب» آتِيَةٌ «، ولذلك وَقَفَ بعضُهم عليه وَقْفَةً يسيرةً إيذاناً بانفصالِها عن أخفيها».
قوله: ﴿بِمَا تسعى﴾ متعلقٌ ب «تجزى». و «ما» يجوز أَنْ تكونَ مصدريةً أو موصولةً اسميةً، ولا بدَّ من مضاف أي: تُجْزى بعقابِ سَعْيها أو بعقابِ ما سَعَتْه.
22
قوله: ﴿فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا﴾ :﴿مَن لاَّ يُؤْمِنُ﴾ هو المَنْهيٌّ صورةً، والمرادُ غيرُه، فهو من بابِ «لا أُرَيَنَّك هَهنا». وقيل: إنَّ صَدَّ الكافر عن التصديقِ بها سببٌ للتكذيب، فذكر السببَ
22
ليدُلَّ على المسبَّب. والضميران في «عنها» و «بها» للساعة. وقيل: للصلاة. وقيل في «عنها» للصلاة، وفي «بها» للساعة.
قوله: ﴿فتردى﴾ يجوزُ فيه أَنْ ينتصبَ في جوابِ النهيِ بإضمارِ «أنْ»، وأن يرتفعَ على خبرِ ابتداءٍ مضمرٍ تقديرُه: فأنت تردى. وقرأ يحيى «تردى» بكسر التاء. وقد تقدم أنها لغةٌ. والردى: الهلاك يقال: رَدِيَ يردى رَدى.
قال دُرَيْدُ بن الصِّمَّة:
قوله: ﴿فتردى﴾ يجوزُ فيه أَنْ ينتصبَ في جوابِ النهيِ بإضمارِ «أنْ»، وأن يرتفعَ على خبرِ ابتداءٍ مضمرٍ تقديرُه: فأنت تردى. وقرأ يحيى «تردى» بكسر التاء. وقد تقدم أنها لغةٌ. والردى: الهلاك يقال: رَدِيَ يردى رَدى.
قال دُرَيْدُ بن الصِّمَّة:
٣٢٨٣ - تنادَوْا فقالوا أَرْدَتِ الخيلُ فارساً | فقلتُ أَعَبْدُ اللهِ ذلكُمُ الرَّدِي |
٣٢٨٥ -.................... | وعادَكَ أَنْ تُلاَقِيَها العَداءُ |
٣٢٨٦ - فلا تغْضَبَنْ مِنْ سِيرَةٍ أنت سِرْتَها | فأولُ راضٍ سيرةً مَنْ يَسِيرُها |
27
قوله: ﴿واضمم﴾ : لا بدَّ هنا مِنْ حَذْف، والتقدير: واضمُمْ يَدك تنضمَّ، وأَخْرِجْها تَخْرُجْ، فحذف من الأول والثاني، وأبقى مقابلَيْهما ليدلا على ذلك إيجازاً واختصاراً، وإنما احتيج إلى هذا لأنه لا يترتَّبُ على مجردِ الضمِّ الخروجُ.
قوله: ﴿بَيْضَآءَ﴾ حالٌ مِنْ فاعل «تَخْرُجْ».
قوله: ﴿مِنْ غَيْرِ سواء﴾ يجوز أن يكونَ متعلِّقاً ب «تخرجْ»، وأن تكونَ متعلقةً ب «بيضاءَ» لِما فيها من معنى الفعل نحو: ابيضَّتْ من غيرِ سوءٍ. ويجوز أن تكونَ متعلقةً بمحذوفٍ على أنها حال من الضمير في «بيضاء». وقوله: ﴿مِنْ غَيْرِ سواء﴾ يُسَمَّى عند أهل البيان «الاحتراس» وهو: أن يؤتى بشيءٍ يرفعُ تَوَهُّمَ
قوله: ﴿بَيْضَآءَ﴾ حالٌ مِنْ فاعل «تَخْرُجْ».
قوله: ﴿مِنْ غَيْرِ سواء﴾ يجوز أن يكونَ متعلِّقاً ب «تخرجْ»، وأن تكونَ متعلقةً ب «بيضاءَ» لِما فيها من معنى الفعل نحو: ابيضَّتْ من غيرِ سوءٍ. ويجوز أن تكونَ متعلقةً بمحذوفٍ على أنها حال من الضمير في «بيضاء». وقوله: ﴿مِنْ غَيْرِ سواء﴾ يُسَمَّى عند أهل البيان «الاحتراس» وهو: أن يؤتى بشيءٍ يرفعُ تَوَهُّمَ
27
مَنْ يتوهَّمُ غيرَ المراد؛ وذلك أن البياضَ قد يُرادُ به البَرَصُ والبَهَقُ، فأتى بقوله: ﴿مِنْ غَيْرِ سواء﴾ نفياً لذلك.
قوله: ﴿آيَةً﴾ فيها أوجهٌ، أحدها: أن تكونَ حالاً أعنى أنها بدلٌ مِنْ «بيضاءَ» الواقعةِ حالاً. الثاني: أنها حالٌ من الضمير في «بيضاءَ». الثالث: أنها حالٌ من الضمير في الجارِّ والمجرور. الرابع: أنها منصوبةٌ بفعلٍ محذوفٍ. فقدَّره أبو البقاء: جَعَلْناها آيةً، أو آتَيْناك آيةً. وقَدَّره الزمخشري: خُذْ آيةً، وقدَّر أيضاً: دنوكَ آية. وردَّ الشيخُ هذا: بأن من باب الإِغراء. ولا يجوز إضمارُ الظروفِ في الإِغراء. قال: لأنَّ العاملَ حُذِفَ، وناب هذا مَنابَه فلا يجوز أن يُحْذَفَ النائبُ أيضاً. وأيضاً فإنَّ أحكامَها تخالفُ العاملَ الصريحَ، فلا يجوز إضمارُها، وإنْ جاز إضمارُ الأفعال.
قوله: ﴿آيَةً﴾ فيها أوجهٌ، أحدها: أن تكونَ حالاً أعنى أنها بدلٌ مِنْ «بيضاءَ» الواقعةِ حالاً. الثاني: أنها حالٌ من الضمير في «بيضاءَ». الثالث: أنها حالٌ من الضمير في الجارِّ والمجرور. الرابع: أنها منصوبةٌ بفعلٍ محذوفٍ. فقدَّره أبو البقاء: جَعَلْناها آيةً، أو آتَيْناك آيةً. وقَدَّره الزمخشري: خُذْ آيةً، وقدَّر أيضاً: دنوكَ آية. وردَّ الشيخُ هذا: بأن من باب الإِغراء. ولا يجوز إضمارُ الظروفِ في الإِغراء. قال: لأنَّ العاملَ حُذِفَ، وناب هذا مَنابَه فلا يجوز أن يُحْذَفَ النائبُ أيضاً. وأيضاً فإنَّ أحكامَها تخالفُ العاملَ الصريحَ، فلا يجوز إضمارُها، وإنْ جاز إضمارُ الأفعال.
28
قوله: ﴿لِنُرِيَكَ﴾ : متعلقٌ بما دَلَّتْ عليه «آية» أي: دَلَلْنا بها لِنُرِيَكَ، أو بجعلناها، أو بآتيناك المقدَّرِ. وقدَّره الزمخشريُّ «لِنريك فَعَلْنا ذلك». وَجوَّز الحوفيُّ أن يتعلقَ ب «اضْمُمْ». وجَوَّزَ غيرُه أَنْ يتعلَّقَ ب «تَخْرُجْ». ولا يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بلفظ «آية» لأنها قد وُصِفَتْ وقدَّره الزمخشريُّ أيضاً: «لِنُرِيَكَ خُذْ هذه الآية أيضاً».
قوله: ﴿مِنْ آيَاتِنَا الكبرى﴾ يجوزُ أَنْ يتعلقَ «مِنْ آياتنا» بمحذوفٍ على أنه
قوله: ﴿مِنْ آيَاتِنَا الكبرى﴾ يجوزُ أَنْ يتعلقَ «مِنْ آياتنا» بمحذوفٍ على أنه
28
حالٌ مِن «الكبرى» ويكون «الكبرى» على هذا مفعولاً ثانياً ل «نُرِيَكَ». والتقديرُ: لِنُرِيَك الكبرى حالَ كونِها مِنْ آياتنا، أي: بعض آياتِنا. ويجوز أَنْ يكونَ المفعولُ الثاني نفسَ «مِنْ آياتنا»، فتتعلقَ بمحذوفٍ أيضاً، وتكون «الكبرى» على هذا صفةً ل «آياتنا» وصفاً لجمع المؤنثِ غيرِ العاقل وصفَ الواحدةِ على حَدِّ ﴿مَآرِبُ أخرى﴾ [طه: ١٨] و ﴿الأسمآء الحسنى﴾ [الإسراء: ١١٠].
وهذان الوجهان قد نقلهما الزمخشري والحوفي وأبو البقاء وابنُ عطية. واختار الشيخُ الثاني قال: «لأنه يلزمُ من ذلك أَنْ تكونَ آياتُه كلُّها هي الكُبَرَ؛ لأنَّ ما كان بعضَ [الآيات] الكبر صَدَقَ عليه أنه الكبرى، وإذا جَعَلْتَ» الكبرى «مفعولاً ثانياً لم تتصِفْ الآياتُ بالكُبَرِ؛ لأنها هي المتصفةُ بأفعل التفضيل. وأيضاً إذا جَعَلْتَ» الكبرى «مفعولاً فلا يمكنُ أَنْ تكونَ صفةً للعصا واليد معاً، إذ كان يلزم التثنية. ولا جائزٌ أَنْ يَخُصَّ إحداهما بالوصف دونَ الأخرى، لأنَّ التفضيلَ في كلٍ منهما. ويَبْعُدُ ما قاله الحسنُ: من أنَّ اليدَ أعظمُ في الإِعجاز من العصا؛ فإنه جعل» الكبرى «مفعولاً ثانياً لِنُرِيَك، وجعل ذلك راجعاً للآية القريبة، وقد ضَعُفَ قولُه بأنَّ منافعَ العصا أكبرُ. وهو غيرُ خفيّ». انتهى ملخصاً.
وهذان الوجهان قد نقلهما الزمخشري والحوفي وأبو البقاء وابنُ عطية. واختار الشيخُ الثاني قال: «لأنه يلزمُ من ذلك أَنْ تكونَ آياتُه كلُّها هي الكُبَرَ؛ لأنَّ ما كان بعضَ [الآيات] الكبر صَدَقَ عليه أنه الكبرى، وإذا جَعَلْتَ» الكبرى «مفعولاً ثانياً لم تتصِفْ الآياتُ بالكُبَرِ؛ لأنها هي المتصفةُ بأفعل التفضيل. وأيضاً إذا جَعَلْتَ» الكبرى «مفعولاً فلا يمكنُ أَنْ تكونَ صفةً للعصا واليد معاً، إذ كان يلزم التثنية. ولا جائزٌ أَنْ يَخُصَّ إحداهما بالوصف دونَ الأخرى، لأنَّ التفضيلَ في كلٍ منهما. ويَبْعُدُ ما قاله الحسنُ: من أنَّ اليدَ أعظمُ في الإِعجاز من العصا؛ فإنه جعل» الكبرى «مفعولاً ثانياً لِنُرِيَك، وجعل ذلك راجعاً للآية القريبة، وقد ضَعُفَ قولُه بأنَّ منافعَ العصا أكبرُ. وهو غيرُ خفيّ». انتهى ملخصاً.
29
قوله: ﴿لِي صَدْرِي﴾ :«لي» متعلق ب «اشرح». قال الزمخشريُّ: «فإنْ قلت:» لي «في قوله: ﴿اشرح لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لي أَمْرِي﴾ ما جدواه والأمرُ مستتبٌّ بدونه؟ قلت: قد أبهم الكلامَ أولاً فقال: اشرح لي ويَسِّر لي، فَعُلِمَ أنَّ ثَمًَّ مشروحاً ومُيَسَّراً، ثم بَيَّن ورفع الإِبهامَ بذكرِهما فكان آكدَ لطلبِ الشرحِ لصدرِه والتيسير لأمره».
ويقال: يَسَّرْتُه لكذا، ومنه ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لليسرى﴾ [الليل: ٧] ويَسَّرْتُ له كذا، ومنه هذه الآيةُ.
قوله: ﴿مِّن لِّسَانِي﴾ : يجوز أَنْ تتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه صفةٌ ل «عُقْدَةً» أي: مِنْ عُقَدِ لساني. ولم يذكر الزمخشريُّ غيرَه. ويجوز أن يتعلَّقَ بنفسِ «احلُلْ» والأولُ أحسنُ.
قوله: ﴿واجعل لِّي وَزِيراً﴾ : يجوز أَنْ يكونَ «لي» مفعولاً ثانياً مقدماً، و «وزيراً» هو المفعولُ الأول. و «مِنْ أهلي» على هذا يجوز أَنْ يكونَ صفةً ل «وزيراً». ويجوز أن يكونَ متعلِّقاً بالجَعْلِ.
و «هارونَ» بدلٌ مِنْ «وزيراً». وجَوَّز أبو البقاء أن يكونَ «هارونَ» عطفَ بيانٍ ل «وزيراً». ولم يذكر الزمخشريُّ غيرَه. ولَمَّا حكى الشيخُ هذا
و «هارونَ» بدلٌ مِنْ «وزيراً». وجَوَّز أبو البقاء أن يكونَ «هارونَ» عطفَ بيانٍ ل «وزيراً». ولم يذكر الزمخشريُّ غيرَه. ولَمَّا حكى الشيخُ هذا
30
لم يُعْقِبْه بنَكير، وهو عجيبٌ منه؛ فإنَّ عطفَ البيان يُشترط فيه التوافقُ تعريفاً وتنكيراً، وقد عَرَفْتَ أنَّ «وزيراً» نكرةٌ و «هارونَ» معرفة، والزمخشري قد تقدَّم له مثلُ ذلك في قوله تعالى: ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ﴾ [آل عمران: ٩٧] وقد تقدم الكلام معه هناك وهو عائد هنا.
ويجوز أَنْ يكونَ «هارونَ» منصوباً بفعلٍ محذوف كأنه قال: أخصُّ من بينهِم هارون أي: مِنْ بينِ أهلي. ويجوز أَنْ يكونَ «وزيراً» مفعولاً ثانياً، و «هارونَ» هو الأول، وقَدَّم الثاني عليه اعتناءً بأَمْرِ الوِزارة. وعلى هذا فقولُه «لي» يجوز أن يتعلَّق بنفسِ الجَعْل، وأَنْ يتعلقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ مِنْ «وزيراً» ؛ إذ هو في الأصل صفةُ له. و «مِنْ أهلي» على ما تقدَّم من وَجْهَيْه. ويجوز أن يكون «وزيراً» مفعولاً أولَ، و «مِنْ أهلي» هو الثاني. وقوله «لي» مثلُ قولِه ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ٤] يَعْنُون أنه به يتمُّ المعنى، ذكر ذلك أبو البقاء. ولَمَّا حكاه الشيخ لم يتعقبه بنكير، وهو عجيب؛ لأنَّ شرطَ المفعولَيْن في باب النواسخ صحةٌ انعقادِ الجملة الاسمية، وأنت لو ابتَدَأْتَ ب «وزير» وأخبرْتَ عنه ب «من أهلي» لم يَجُزْ إذ لا مُسَوِّغ للابتداءِ به.
و «أخي» بدلٌ أو عطفُ بيانٍ ل «هارونَ». وقال الزمخشري: «وإنْ جُعِل عطفَ بيانٍ آخرَ جاز وحَسُنَ. قال الشيخ:» ويَبْعُدُ فيه عطفُ البيان؛ لأنَّ
ويجوز أَنْ يكونَ «هارونَ» منصوباً بفعلٍ محذوف كأنه قال: أخصُّ من بينهِم هارون أي: مِنْ بينِ أهلي. ويجوز أَنْ يكونَ «وزيراً» مفعولاً ثانياً، و «هارونَ» هو الأول، وقَدَّم الثاني عليه اعتناءً بأَمْرِ الوِزارة. وعلى هذا فقولُه «لي» يجوز أن يتعلَّق بنفسِ الجَعْل، وأَنْ يتعلقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ مِنْ «وزيراً» ؛ إذ هو في الأصل صفةُ له. و «مِنْ أهلي» على ما تقدَّم من وَجْهَيْه. ويجوز أن يكون «وزيراً» مفعولاً أولَ، و «مِنْ أهلي» هو الثاني. وقوله «لي» مثلُ قولِه ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ٤] يَعْنُون أنه به يتمُّ المعنى، ذكر ذلك أبو البقاء. ولَمَّا حكاه الشيخ لم يتعقبه بنكير، وهو عجيب؛ لأنَّ شرطَ المفعولَيْن في باب النواسخ صحةٌ انعقادِ الجملة الاسمية، وأنت لو ابتَدَأْتَ ب «وزير» وأخبرْتَ عنه ب «من أهلي» لم يَجُزْ إذ لا مُسَوِّغ للابتداءِ به.
و «أخي» بدلٌ أو عطفُ بيانٍ ل «هارونَ». وقال الزمخشري: «وإنْ جُعِل عطفَ بيانٍ آخرَ جاز وحَسُنَ. قال الشيخ:» ويَبْعُدُ فيه عطفُ البيان؛ لأنَّ
31
عطفَ البيان الأكثرُ فيه أن يكونَ الأولُ دونَه في الشُّهرة وهذا بالعكس «. قلت: لم يُرِدْ الزمخشري أنَّ» أخي «عطفُ بيانٍ ل» هارون «حتى يقول الشيخ إن الأولَ وهو» هارون «أشهرُ من الثاني وهو» أخي «، إنما عَنَى الزمخشريُّ أنه عطفُ بيان أيضاً ل» وزيراً «ولذلك قال:» آخَر «. ولا بُدَّ من الإِتيان بلفظِه ليُعْرَفَ أنه لم يُرِدْ إلاَّ ما ذكرتُه قال:» وزيراً وهارونَ مفعولا قولِه «اجعَلْ»، أو «لي وزيراً» مفعولاه، و «هارونَ» عطفُ بيان للوزير، و «أخي» في الوجهين بدلٌ من «هارون»، وإن جُعل عطفَ بيانٍ أخرَ جاز وحَسُن «.
فقوله «آخر» تعيَّنَ أن يكونَ عطفَ بيانٍ لما جعله عنه عطف بيان قبل ذلك.
وجَوَّز الزمخشري في «أخي» أن يرتفعَ بالابتداء، ويكونَ خبرُه الجملةَ مِنْ قوله: «اشْدُدْ به»، وذلك على قراءةِ الجمهور له بصيغة الدعاء، وعلى هذا فالوقفُ على «هارونَ».
وقرأ ابن عامر «أَشْدُدْ» بفتح الهمزة للمضارعة وجزمِ الفعلِ جواباً للأمر، «وأُشْرِكْهُ» بضم الهمزة للمضارعة وجزمِ الفعلِ نَسَقاً على ما قبلَه. وقرأ الباقون بحذف همزة الوصل من الأول، وفتحِ همزة القطع في الثاني، على أنهما دعاءٌ من موسى لربِّه بذلك. وعلى هذه القراءة تكون هذه الجملةُ قد تُرِكَ فيها العطفُ خاصةً دونَ ما تقدَّمَها مِنْ جمل الدعاء.
وقرأ الحسنُ «أُشَدِّدُ» مضارعَ شَدَّد بالتشديد.
فقوله «آخر» تعيَّنَ أن يكونَ عطفَ بيانٍ لما جعله عنه عطف بيان قبل ذلك.
وجَوَّز الزمخشري في «أخي» أن يرتفعَ بالابتداء، ويكونَ خبرُه الجملةَ مِنْ قوله: «اشْدُدْ به»، وذلك على قراءةِ الجمهور له بصيغة الدعاء، وعلى هذا فالوقفُ على «هارونَ».
وقرأ ابن عامر «أَشْدُدْ» بفتح الهمزة للمضارعة وجزمِ الفعلِ جواباً للأمر، «وأُشْرِكْهُ» بضم الهمزة للمضارعة وجزمِ الفعلِ نَسَقاً على ما قبلَه. وقرأ الباقون بحذف همزة الوصل من الأول، وفتحِ همزة القطع في الثاني، على أنهما دعاءٌ من موسى لربِّه بذلك. وعلى هذه القراءة تكون هذه الجملةُ قد تُرِكَ فيها العطفُ خاصةً دونَ ما تقدَّمَها مِنْ جمل الدعاء.
وقرأ الحسنُ «أُشَدِّدُ» مضارعَ شَدَّد بالتشديد.
32
والوَزير: قيل: مشتقٌّ من الوِزْر وهو الثِّقَل. وسُمِّي بذلك لأنه يَحْمل أعباءَ المُلْكِ ومُؤَنَهُ فهو مُعِيْنٌ على أمر/ الملك ويأتَمُّ بأمره. وقيل: بل هو من الوَزَرِ وهو الملجأُ، كقوله تعالى: ﴿لاَ وَزَرَ﴾ [القيامة: ١١] وقال:
وقيل: من المُؤَازَرَة وهي المعاونةُ. نقله الزمخشري عن الأصمعي قال: «وكان القياسُ أَزِيراً» يعني بالهمزةِ؛ لأنَّ المادةَ كذلك. قال الزمخشريُّ: «فَقُلِبَت الهمزةُ إلى الواو ووجهُ قَلْبِها إليها أنَّ فَعيلاً جاء بمعنى مُفاعِل مجيئاً صالحاً كقولهم: عَشِير وجَلِيس وخليط وصديق وخليل ونديم، فلمَّا قُلِبت في أخيه قُلِبَتْ فيه، وحَمْلُ الشيءِ على نظيره ليس بعزيزٍ، ونظراً إلى يُوازِرُ وأخواتِه وإلى المُوَازَرة».
قلت: يعني أنَّ وزيراً بمعنى مُوازِر، ومُوازر تقلب فيه الهمزةُ واواً قلباً قياسياً؛ لأنها همزةُ مفتوحةٌ بعد ضمه فهو نظيرُ «مُوَجَّل» و «يُوَاخذكم»
٣٢٨٧ - من السِّباع الضَّواري دونَه وَزَرٌ | والناسُ شَرُّهُمُ ما دونَه وَزَرُ |
كم مَعْشرٍ سَلِموا لم يُؤْذِهِمْ سَبُعٌ | وما نرى بَشَراً لم يُؤْذِهِمْ بَشَرُ |
قلت: يعني أنَّ وزيراً بمعنى مُوازِر، ومُوازر تقلب فيه الهمزةُ واواً قلباً قياسياً؛ لأنها همزةُ مفتوحةٌ بعد ضمه فهو نظيرُ «مُوَجَّل» و «يُوَاخذكم»
33
وشبهِه، فحُمِل «أزير» عليه في القلب، وإن لم يكنْ فيه سببُ القلبِ.
34
قوله: ﴿كَثِيراً﴾ : نعتٌ لمصدر محذوف أو حالٌ من ضمير المصدر، كما هو رأيُ سيبويه. وجَوَّز أبو البقاء أن يكون نعتاً لزمانٍ محذوفٍ أي: زماناً كثيراً.
ﯾﯿ
ﰡ
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٣:قوله :﴿ كَثِيراً ﴾ : نعتٌ لمصدر محذوف أو حالٌ من ضمير المصدر، كما هو رأيُ سيبويه. وجَوَّز أبو البقاء أن يكون نعتاً لزمانٍ محذوفٍ أي : زماناً كثيراً.
قوله: ﴿سُؤْلَكَ﴾ : فعل هنا بمعنى مَفْعول نحو: أُكْل بمعنى مَأْكول، وخُبْر بمعنى مَخْبور. ولا ينقاس.
و «مرة» مصدرٌ. و «أخرى» تأنيث أخَر بمعنى غير. وزعم بعضُهم أنها بمعنى آخِرَة، فتكونُ مقابِلةً للأولى، وتحيَّل لذلك بأن قال: «سَمَّاها أخرى وهي أولى لأنها أخرى في الذِّكْرِ».
قوله: ﴿إِذْ أَوْحَيْنَآ﴾ : العاملُ في «إذ» «مَنَنَّا» أي: مَنَنَّا عليك في وقتِ إلجائنا إلى أمِّك، وأُبْهِم في قوله ﴿مَا يوحى﴾ للتعظيم كقوله تعالى: ﴿فَغَشِيَهُمْ مِّنَ اليم مَا غَشِيَهُمْ﴾ [طه: ٧٨].
قوله: ﴿أَنِ اقذفيه﴾ : يجوز أن تكون «أنْ» مفسرةً؛ لأنَّ الوَحْيَ بمعنى القول، ولم يذكر الزمخشريُّ غيرَه، وجوَّز غيرُه أن تكونَ مصدريةً. ومحلُّها حينئذٍ النصبُ بدلاً مِنْ «ما يوحى» والضمائرُ في قوله ﴿أَنِ اقذفيه﴾ إلى آخرها عائدةٌ على موسى عليه السلام لأنه المُحَدَّثُ عنه. وجَوَّز
34
بعضُهم أن يعودَ الضمير في قوله ﴿فاقذفيه فِي اليم﴾ للتابوت، وما بعده وما قبله لموسى عليه السلام. وعابَه الزمخشريّ وجعله تنافراً أو مُخْرِجاً للقرآن عن إعجازه فإنه قال: «والضمائر كلُّها راجعة إلى موسى، ورجوعُ بعضها إليه وبعضِها إلى التابوت فيه هُجْنَةٌ لِما يُؤَدِّي إليه من تنافُرِ النَّظْم. فإنْ قلت: المقذوفُ في البحر هو التابوتُ وكذلك المُلْقى إلى الساحل. قلت: ما ضرَّك لو جَعَلْتَ المقذوفَ والمُلْقى به إلى الساحل هو موسى في جوفِ التابوت حتى لا تُفَرَّقَ الضمائرُ فيتنافرَ عليك النظمُ الذي هو أمُّ إعجاز القرآن والقانونُ الذي وقع عليه التحدِّي، ومراعاتُه أهمُّ ما يجب على المفسِّر».
قال الشيخ: «ولقائلٍ أن يقولَ: إن الضمير إذا كان صالحاً لأَنْ يعودَ على الأقربِ وعلى الأبعدِ كان عودُه على الأقربِ راجحاً وقد نَصَّ النحويون على هذا فَعَوْدُه على التابوتِ في قولِه ﴿فاقذفيه فِي اليم فَلْيُلْقِهِ اليم﴾ راجحٌ. والجواب: أنَّ أحدَهما إذا كان مُحَدَّثاً عنه والآخرُ فضلةً، كان عودُه على المحدَّثِ عنه أرجحَ. ولا يُلْتَفَتُ إلى القُرْبِ؛ ولهذا رَدَدْنا على أبي محمد ابن حزم في دَعْواه: أنَّ الضميرَ في قولِه تعالى: ﴿فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ [الأنعام: ١٤٥] عائدٌ على» خنزير «لا على» لحم «لكونه أقربَ مذكورٍ، فَيَحْرُمُ بذلك شحمُه وغُضْرُوْفُه وعظمُه وجِلْدُه، فإن المحدَّث عنه هو» لحمَ خنزيرٍ «لا خنزير». قلت: قد تقدَّمَتْ هذه المسألةُ في الأنعام وما تكلَّم الناسُ فيها.
قوله: ﴿فَلْيُلْقِهِ اليم﴾ هذا أمرٌ معناه الخبرُ، ولكنه أمراً لفظاً جُزِم جوابُه في
قال الشيخ: «ولقائلٍ أن يقولَ: إن الضمير إذا كان صالحاً لأَنْ يعودَ على الأقربِ وعلى الأبعدِ كان عودُه على الأقربِ راجحاً وقد نَصَّ النحويون على هذا فَعَوْدُه على التابوتِ في قولِه ﴿فاقذفيه فِي اليم فَلْيُلْقِهِ اليم﴾ راجحٌ. والجواب: أنَّ أحدَهما إذا كان مُحَدَّثاً عنه والآخرُ فضلةً، كان عودُه على المحدَّثِ عنه أرجحَ. ولا يُلْتَفَتُ إلى القُرْبِ؛ ولهذا رَدَدْنا على أبي محمد ابن حزم في دَعْواه: أنَّ الضميرَ في قولِه تعالى: ﴿فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ [الأنعام: ١٤٥] عائدٌ على» خنزير «لا على» لحم «لكونه أقربَ مذكورٍ، فَيَحْرُمُ بذلك شحمُه وغُضْرُوْفُه وعظمُه وجِلْدُه، فإن المحدَّث عنه هو» لحمَ خنزيرٍ «لا خنزير». قلت: قد تقدَّمَتْ هذه المسألةُ في الأنعام وما تكلَّم الناسُ فيها.
قوله: ﴿فَلْيُلْقِهِ اليم﴾ هذا أمرٌ معناه الخبرُ، ولكنه أمراً لفظاً جُزِم جوابُه في
35
قوله: ﴿يَأْخُذْهُ﴾. وإنما خَرَجَ بصيغة الأمر مبالغةً؛ إذ الأمرُ أقطعُ الأفعالِ وآكدُها. وقال الزمخشري: «لَمَّا كانَتْ مشيئةُ اللهِ وإرادتُه أَنْ لا تُخْطِىءَ جَرْيَةُ ماءِ اليَمِّ الوصولَ به إلى الساحل، وألقاه إليه، سلك في ذلك سبيلَ المجاز، وجعل اليَمَّ كأنه ذو تمييزٍ، أمر بذلك ليطيع الأمرَ ويَمْتَثِلَ رسمَه».
و «بالساحل» يحتمل أن يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أن الباءَ للحالِ أي: ملتبساً بالساحل، وأَنْ يتعلَّقَ بنفسِ الفعل على أنَّ الباءَ ظرفيةٌ بمعنى «في».
قوله: ﴿مِّنِّي﴾ فيه وجهان. قال الزمخشري: «لا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يتعلقَ ب» أَلْقَيْتُ «فيكون المعنى: على أني أَحْبَبْتُك، ومَنْ أحبَّه اللهُ أحبَّتْه القلوبُ، وإمَّا أن يتعلقَ بمحذوفٍ هو صفةٌ ل» محبةً «أي: محبةً حاصلةً، أو واقعةً مني، قد رَكَزْتُها أنا في القلوب وزَرَعْتُها فيها».
قوله: ﴿وَلِتُصْنَعَ﴾ قرأ العامَّةُ بكسر اللام وضم التاء وفتحِ النون على البناءِ للمفعول، ونصبِ الفعلِ بإضمار أَنْ بعد لام. وفيه وجهان، أحدهما: أن هذه العلةَ معطوفةٌ على علةٍ مقدرة قبلها. والتقديرُ: ليتلطَّفَ بك ولتُصْنَعَ، أو ليعطفَ عليك وتُرامَ ولتصنعَ. وتلك العلةٌ المقدرةُ متعلقةٌ بقوله: «وألقيتُ» أي: ألقيتُ عليكم المحبة ليَعْطفَ عليك ولتُصْنَعَ. ففي الحقيقة هو متعلقٌ بما قبله من إلقاءِ المحبة.
والثاني: أن هذه اللامَ تتعلقُ بمضمرٍ/ بعدها تقديرُه: ولتُصْنَعَ على عيني فعلتُ ذلك، أو كان كيت وكيت. ومعنى لتُصْنَعَ أي: لتربى ويُحْسَنَ إليك، وأنا مراعِيْكَ ومراقُبكَ كما يراعي الإِنسانُ الشيءَ بعينِه إذا اعتنى به. قاله الزمخشري.
و «بالساحل» يحتمل أن يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أن الباءَ للحالِ أي: ملتبساً بالساحل، وأَنْ يتعلَّقَ بنفسِ الفعل على أنَّ الباءَ ظرفيةٌ بمعنى «في».
قوله: ﴿مِّنِّي﴾ فيه وجهان. قال الزمخشري: «لا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يتعلقَ ب» أَلْقَيْتُ «فيكون المعنى: على أني أَحْبَبْتُك، ومَنْ أحبَّه اللهُ أحبَّتْه القلوبُ، وإمَّا أن يتعلقَ بمحذوفٍ هو صفةٌ ل» محبةً «أي: محبةً حاصلةً، أو واقعةً مني، قد رَكَزْتُها أنا في القلوب وزَرَعْتُها فيها».
قوله: ﴿وَلِتُصْنَعَ﴾ قرأ العامَّةُ بكسر اللام وضم التاء وفتحِ النون على البناءِ للمفعول، ونصبِ الفعلِ بإضمار أَنْ بعد لام. وفيه وجهان، أحدهما: أن هذه العلةَ معطوفةٌ على علةٍ مقدرة قبلها. والتقديرُ: ليتلطَّفَ بك ولتُصْنَعَ، أو ليعطفَ عليك وتُرامَ ولتصنعَ. وتلك العلةٌ المقدرةُ متعلقةٌ بقوله: «وألقيتُ» أي: ألقيتُ عليكم المحبة ليَعْطفَ عليك ولتُصْنَعَ. ففي الحقيقة هو متعلقٌ بما قبله من إلقاءِ المحبة.
والثاني: أن هذه اللامَ تتعلقُ بمضمرٍ/ بعدها تقديرُه: ولتُصْنَعَ على عيني فعلتُ ذلك، أو كان كيت وكيت. ومعنى لتُصْنَعَ أي: لتربى ويُحْسَنَ إليك، وأنا مراعِيْكَ ومراقُبكَ كما يراعي الإِنسانُ الشيءَ بعينِه إذا اعتنى به. قاله الزمخشري.
36
وقرأ الحسن وأبو نهيك «ولِتَصْنَعَ» بفتح التاء. قال ثعلب: «معناه لتكون حركتُك وتصرُّفُك على عينٍ مني. وقال قريباً منه الزمخشري. وقال أبو البقاء:» أي لتفعلَ ما آمُرك بمرأى مني «.
وقرأ أبو جعفر وشَيْبَةُ» ولْتُصْنَعْ «بسكون اللام والعين وضم التاء وهو أمرٌ معناه: ليُرَبَّ وليُحْسَن إليك. وروي عن أبي جعفر في هذه القراءةِ كسرُ لامِ الأمر. قلت: ويحتمل مع كسرِ اللام أو سكونِها حالةً تسكينِ العين أن تكونَ لامَ كي، وإنم سُكِّنَتْ تشبيهاً بكَتْف وكَبْد، والفعل منصوب. والتسكينُ في العين لأجل الإِدغام لا يُقْرأ في الوصل إلاَّ بالإِدغام فقط.
وقرأ أبو جعفر وشَيْبَةُ» ولْتُصْنَعْ «بسكون اللام والعين وضم التاء وهو أمرٌ معناه: ليُرَبَّ وليُحْسَن إليك. وروي عن أبي جعفر في هذه القراءةِ كسرُ لامِ الأمر. قلت: ويحتمل مع كسرِ اللام أو سكونِها حالةً تسكينِ العين أن تكونَ لامَ كي، وإنم سُكِّنَتْ تشبيهاً بكَتْف وكَبْد، والفعل منصوب. والتسكينُ في العين لأجل الإِدغام لا يُقْرأ في الوصل إلاَّ بالإِدغام فقط.
37
قوله: ﴿إِذْ تمشي﴾ : في عاملِ هذا الظرفِ أوجهٌ، أحدها: أن العامل فيه «ألقيتُ» أي: ألقيتُ عليك محبةً مني في وقتِ مَشْيِ أختِك.
الثاني: أنه منصوبٌ بقولِه «ولتُصْنَعَ» أي: لتربى ويُحْسَنَ إليك في هذا الوقتِ. قال الزمخشري: «والعاملُ في» إذ تشمي «» ألقيتُ «أو» لتُصْنع «. وقال أبو البقاء:» إذ تمشي «يجوز أَنْ يتعلَّقَ بأحد الفعلين». قلت: يعني بالفعلينِ ما تقدَّم مِنْ ألقيتُ أو لتُصْنَعَ. وعلى هذا فيجوز أن تكونَ المسألةُ من بابِ التنازع؛ لأنَّ كلاً من هذين العاملين يطلب هذا الظرفَ من حيث المعنى،
الثاني: أنه منصوبٌ بقولِه «ولتُصْنَعَ» أي: لتربى ويُحْسَنَ إليك في هذا الوقتِ. قال الزمخشري: «والعاملُ في» إذ تشمي «» ألقيتُ «أو» لتُصْنع «. وقال أبو البقاء:» إذ تمشي «يجوز أَنْ يتعلَّقَ بأحد الفعلين». قلت: يعني بالفعلينِ ما تقدَّم مِنْ ألقيتُ أو لتُصْنَعَ. وعلى هذا فيجوز أن تكونَ المسألةُ من بابِ التنازع؛ لأنَّ كلاً من هذين العاملين يطلب هذا الظرفَ من حيث المعنى،
37
ويكونُ من إعمال الثاني للحذف من الأول. وهذا إنما يتجه كلَّ الاتجاه إذا جعلْتَ «ولِتُصْنَعَ» معطوفاً على علةٍ محذوفةٍ متعلقةٍ ب «أَلْقَيْتُ»، أمَّا إذا جعلته متعلقاً بفعلٍ مضمرٍ بعده فيبعدُ ذلك أو يمتنع، لكونِ الثاني صار من جملةٍ أخرى.
الثالث: أن تكونَ «إذ تمشي» بدلاً من «إذ أَوْحَيْنا». قال الزمخشري: «فإن قلت: كيف يَصِحُّ البدل والوقتان مختلفان متباعدان؟ قلت: كما يصحُّ وإن اتسع الوقت وتباعد طرفاه أن يقول لك الرجل: لَقِيْت فلاناً سنةَ كذا فتقول: وأنا لقيته إذ ذاك، وربما لقيه هو في أولها وأنت في آخرها». قال الشيخ: «وليس كما ذكر لأن السنةَ تقبل الاتساع، فإذاً وقع لُقِيُّهما فيها، بخلاف هذين الظَّرفين فإنَّ كل واحدٍ منهما ضيقٌ ليس بمتسعٍ لتخصصهما بما أضيفا إليه، فلا يمكن أن يقعَ الثاني في الظرف الذي وقع فيه الأول؛ إذ الأول ليس متسعاً لوقوع الوحيِ فيه ووقوعِ مَشْي الأخت، فليس وقتُ وقوعِ الفعل مشتملاً على أجزاءٍ وقع في بعضها المشي بخلاف السنة». قلت: وهذا تحمُّلٌ منه عليه فإنَّ زمنَ اللُّقِيِّ أيضاً ضيقٌ لا يَسَعُ فِعْلَيْهما، وإنما ذلك مبنيٌّ على التساهل؛ إذ المراد أن الزمانَ مشتملٌ على فعليهما.
وقال أبو البقاء: «ويجوز أن يكونَ بدلاً من» إذ «الأولى، لأنَّ مَشْيَ أختِه كان مِنَّةً عليه» يعني أن قولَه «إذ أَوْحَيْنا» منصوبٌ بقوله: «مَنَنَّا» فإذا جُعِل «إذ تمشي» بدلاً منه كان أيضاً مُمْتَنَّاً به عليه.
الثالث: أن تكونَ «إذ تمشي» بدلاً من «إذ أَوْحَيْنا». قال الزمخشري: «فإن قلت: كيف يَصِحُّ البدل والوقتان مختلفان متباعدان؟ قلت: كما يصحُّ وإن اتسع الوقت وتباعد طرفاه أن يقول لك الرجل: لَقِيْت فلاناً سنةَ كذا فتقول: وأنا لقيته إذ ذاك، وربما لقيه هو في أولها وأنت في آخرها». قال الشيخ: «وليس كما ذكر لأن السنةَ تقبل الاتساع، فإذاً وقع لُقِيُّهما فيها، بخلاف هذين الظَّرفين فإنَّ كل واحدٍ منهما ضيقٌ ليس بمتسعٍ لتخصصهما بما أضيفا إليه، فلا يمكن أن يقعَ الثاني في الظرف الذي وقع فيه الأول؛ إذ الأول ليس متسعاً لوقوع الوحيِ فيه ووقوعِ مَشْي الأخت، فليس وقتُ وقوعِ الفعل مشتملاً على أجزاءٍ وقع في بعضها المشي بخلاف السنة». قلت: وهذا تحمُّلٌ منه عليه فإنَّ زمنَ اللُّقِيِّ أيضاً ضيقٌ لا يَسَعُ فِعْلَيْهما، وإنما ذلك مبنيٌّ على التساهل؛ إذ المراد أن الزمانَ مشتملٌ على فعليهما.
وقال أبو البقاء: «ويجوز أن يكونَ بدلاً من» إذ «الأولى، لأنَّ مَشْيَ أختِه كان مِنَّةً عليه» يعني أن قولَه «إذ أَوْحَيْنا» منصوبٌ بقوله: «مَنَنَّا» فإذا جُعِل «إذ تمشي» بدلاً منه كان أيضاً مُمْتَنَّاً به عليه.
38
الرابع: أن يكونَ العاملُ فيه مضمراً تقديره: اذكر إذ تمشي. وهو على هذا مفعولٌ به لفساد المعنى على الظرفية.
وقرأ العامَّةُ «كي تَقَرَّ» بفتح التاء والقاف. وقرأَتْ فرقة «تَقِرَّ» بكسر القاف، وقد تقدم أنهما لغتان في سورة مريم. وقرأ جناح بن حبيش «تُقَرُّ» بضمِّ التاءِ وفتحِ القاف على البناء للمفعول.
«عينُها» رفعاً لِما لَم يُسَمَّ فاعلُه.
قوله: ﴿فُتُوناً﴾ فيه وجهان، أحدُهما: أنه مصدرٌ على فُعُوْل كالقُعود والجُلُوس، إلاَّ أنَّ فُعُولاً قليلٌ في المتعدِّي. ومنه الشُّكُوْر والكُفور والثُّبور واللُّزوم. قال تعالى: ﴿لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً﴾ [الفرقان: ٦٢]. والثاني: أنه جمعُ فَتْنٍ أو فِتْنَة على تَرْك الاعتداد بتاء التأنيث ك «حُجُور» و «بُدُوْر» في حَجْرة وبَدْرة أي: فَتَنَّاك ضُروباً من الفتن. عن ابن عباس: أنه وُلِد في عامٍ يُقتل فيه الوِلْدَان، وألقَتْه أمُّه في البحر، وقتل القبطيَّ وأَجَر نفسَه عشرَ سنين، وضَلَّ عن الطريق، وتفرَّقَتْ غنمُه في ليلةٍ مظلمة. ولمَّا سأل سعيدُ بن جبير عن ذلك أجابه بما ذكرْتُه، وصار يقول عند كل واحدة: فهذه فتنةٌ يا ابن جبير. قال معناه الزمخشري. وقال غيره: بفُتُوْنٍ من الفِتَنِ أي المِحَنِ تُخْتبر بها.
وقرأ العامَّةُ «كي تَقَرَّ» بفتح التاء والقاف. وقرأَتْ فرقة «تَقِرَّ» بكسر القاف، وقد تقدم أنهما لغتان في سورة مريم. وقرأ جناح بن حبيش «تُقَرُّ» بضمِّ التاءِ وفتحِ القاف على البناء للمفعول.
«عينُها» رفعاً لِما لَم يُسَمَّ فاعلُه.
قوله: ﴿فُتُوناً﴾ فيه وجهان، أحدُهما: أنه مصدرٌ على فُعُوْل كالقُعود والجُلُوس، إلاَّ أنَّ فُعُولاً قليلٌ في المتعدِّي. ومنه الشُّكُوْر والكُفور والثُّبور واللُّزوم. قال تعالى: ﴿لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً﴾ [الفرقان: ٦٢]. والثاني: أنه جمعُ فَتْنٍ أو فِتْنَة على تَرْك الاعتداد بتاء التأنيث ك «حُجُور» و «بُدُوْر» في حَجْرة وبَدْرة أي: فَتَنَّاك ضُروباً من الفتن. عن ابن عباس: أنه وُلِد في عامٍ يُقتل فيه الوِلْدَان، وألقَتْه أمُّه في البحر، وقتل القبطيَّ وأَجَر نفسَه عشرَ سنين، وضَلَّ عن الطريق، وتفرَّقَتْ غنمُه في ليلةٍ مظلمة. ولمَّا سأل سعيدُ بن جبير عن ذلك أجابه بما ذكرْتُه، وصار يقول عند كل واحدة: فهذه فتنةٌ يا ابن جبير. قال معناه الزمخشري. وقال غيره: بفُتُوْنٍ من الفِتَنِ أي المِحَنِ تُخْتبر بها.
39
قوله: ﴿على قَدَرٍ﴾ متعلقٌ بمحذوفٍ على أنه حالٌ من فاعل «جئت» أي: جئتَ موافقاً لِما قُدِّر لك. كذا قدَّره أبو البقاء، وهو تفسيرُ معنىً. والتفسير الصناعي: ثم جئت مستقراً أو كائناً على مقدار معين. كقول الآخر:
وقراءةُ الباقين مِنْ سَحَتَه ثلاثياً وهي لغةُ الحجاز. وأصلُ هذه المادةِ الدلالةُ على الاستقصاءِ والنَّفاد. ومنه سَحَتَ الحالقُ الشَّعْرَ أي: استقصاه فلم يتركْ منه شيئاً، ويستعملُ في الإِهلاك والإِذهاب. ونصبُه بإضمار «أَنْ» في جواب النهي. ولَمَّا أنشد الزمخشريُّ قولَ الفرزدق «إلاَّ مُسْحَتاً أو مُجْلَّفُ» قال بعد ذلك: «في بيتٍ لم تَزَلِ الرُّكَبُ تَصْطَكُّ في تسويةِ إعرابه».
قلت: يعني أن هذا البيتَ صعبُ الإِعرابِ، وإذ قد ذَكَر فَلأَذْكُرْ ما ورد في هذا البيتِ من الروايات، وما قال الناس في ذلك على حسبِ ما يليق بهذا الموضوعِ، فأقولُ وبالله الحَوْلُ: رُوي هذا البيتُ بثلاثِ روايات، كل واحدة لا تَخْلو من ضرورةٍ: الأُولى «لم يَدَعْ» بفتح الياءِ والدال ونصب «مُسْحَت». وفي هذه خمسةُ أوجه:
الأول: أنَّ معنى لم يَدَعْ من المال إلاَّ مُسْحتاً: لم يَبْقَ إلاَّ مُسْحَت، فلما كان هذا في قوة الفاعل عَطَفَ عليه قولَه: «أو مُجَلَّفُ» بالرفع. وبهذا البيتِ استشهد الزمخشريُّ على قراءة أُبَيّ والأعمش «فَشربوا منه إلاَّ قليلٌ» برفع «قليل» وقد تقدَّم ذلك. الثاني: أنه مرفوعٌ بفعلٍ مقدرٍ دَلَّ عليه لم يَدَعْ، والتقدير: أو بقي مُجَلَّفٌ. الثالث: «أن» مُجَلَّفُ «مبتدأ، وخبرُه مضمرٌ تقديره: أو مُجَلَّف كذلك وهو تخريج الفراء. الرابع: أنه معطوفٌ على الضميرِ المستتر
٣٢٨٨ - نال الخلافةَ أو جاءَتْ على قَدَرٍ | كما أتى رَبَّه موسى على قَدَرِ |
٣٢٨٩ - مِنَّا الأَناةُ وبعضُ القومِ يَحْسَبُنا | أَنَّا بِطاءٌ وفي إبطائِنا سَرَعُ |
40
والواني: المقصِّرُ في أمره. قال الشاعر:
وونى فعلٌ لازمٌ لا يتعدى، وزعم بعضهم أنه يكون مِنْ أخواتِ زَال وانفك فيعمل بشرط النفيِ أو شبهِه عَمَلَ كان فيقال: «ما وَنى زيدٌ قائماً» أي: مازال قائماً. وأنشد الشيخُ جمالُ الدين بنُ مالكٍ شاهداً على ذلك قول الشاعر:
أي لا يزال الحُبُّ أي بضم الحاء شيمةَ الحِبِّ أي بكسرِها وهو المُحِبُّ. ومَنْ منع ذلك يتأوَّلُ البيتَ على حَذْفِ حرفِ الجرِّ؛ فإنَّ هذا الفعلَ يتعدى تارةً ب عَنْ وتارة ب في. يُقال: ما وَنَيْتُ عن حاجتك أو في حاجتك. فالتقدير: لا يَفْتُرُ الحُبُّ في شِيمة المُحِبِّ وفيه مجازٌ بليغ. وقد عُدِّيَ في الآيةِ الكريمة ب في.
وقرأ يحيى بنُ وثَّاب «ولا تِنِيا» بكسر التاء إتباعاً لحركةِ النون. وسَكَّن
٣٢٩٠ -.................... | فما أنا بالواني ولا الضِّرَعِ الغُمْرِ |
٣٢٩١ - لا يَنِيْ الحُبُّ شِيْمةَ الحِبِّ ما دا | مَ فلا تَحْسَبَنَّه ذا ارْعِواءِ |
وقرأ يحيى بنُ وثَّاب «ولا تِنِيا» بكسر التاء إتباعاً لحركةِ النون. وسَكَّن
41
الياءَ مِنْ «ذِكْرِيْ».......
42
وذَكرَ المذهوبَ إليه في قوله: ﴿اذهبآ إلى فِرْعَوْنَ﴾ وحَذَفه في الأولِ في قوله: ﴿اذهب أَنتَ وَأَخُوكَ﴾ اختصاراً في الكلام. وقيل: أُمِرا أولاً بالذهابِ لعمومِ الناسِ ثم ثانياً لفرعونَ بخصوصه، وفيه بُعد؛ بل الذهابان متوجِّهان لشيءٍ واحدٍ وهو فرعونَ بخصوصه، وفيه بُعد؛ بل الذهابان متوجِّهان لشيءٍ واحدٍ وهو فرعونُ، وقد حَذَفَ من كلٍ من الذهابين ما أثبته في الآخر: وذلك أنه حذف المذهوبَ إليه من الأول وأثبته في الثاني، وحَذَفَ المذهوبَ به وهو «بآياتي» من الثاني وأثبته في الأول.
وقرأ أبو معاذٍ «قولاً لَيْناً» وهو تخفيف مِنْ لَيِّن كمَيْت في مَيِّت.
وقوله: ﴿لَّعَلَّهُ﴾ فيه أوجهٌ، أحدُها: أنَّ «لعلَّ» على بابها من التَّرَجِّي: وذلك بالنسبة إلى المُرْسَل، وهو موسى وهارون أي: اذهبا على رجائِكما وطَمَعِكما في إيمانه، اذهبا مُتَرَجِّيَيْنِ طامِعَيْن، وهذا معنى قولِ الزمخشري، ولا يَسْتقيمُ أن يَرِدَ ذلك في حق الله تعالى إذ هو عالمٌ بعواقب الأمور، وعن سيبويه: «كلُّ ما وَرَدَ في القرآن مِنْ لعلَّ وعسى فهو من الله واجبٌ»، يعني أنه مستحيلٌ بقاءُ معناه في حق الله تعالى. والثاني: أنَّ لعلَّ بمعنى كي فتفيد العلةَ.
وقوله: ﴿لَّعَلَّهُ﴾ فيه أوجهٌ، أحدُها: أنَّ «لعلَّ» على بابها من التَّرَجِّي: وذلك بالنسبة إلى المُرْسَل، وهو موسى وهارون أي: اذهبا على رجائِكما وطَمَعِكما في إيمانه، اذهبا مُتَرَجِّيَيْنِ طامِعَيْن، وهذا معنى قولِ الزمخشري، ولا يَسْتقيمُ أن يَرِدَ ذلك في حق الله تعالى إذ هو عالمٌ بعواقب الأمور، وعن سيبويه: «كلُّ ما وَرَدَ في القرآن مِنْ لعلَّ وعسى فهو من الله واجبٌ»، يعني أنه مستحيلٌ بقاءُ معناه في حق الله تعالى. والثاني: أنَّ لعلَّ بمعنى كي فتفيد العلةَ.
42
وهذا قول الفراء، قال: «كما تقول: اعمل لعلك تأخذُ أَجْرَك أي: كي تأخذ». والثالث: أنها استفهاميةٌ أي: هل يتذكَّر أو يخشى؟ وهذا قولٌ ساقط؛ وذلك أنه يَسْتحيل الاستفهامُ في حق الله تعالى كما يستحيل الترجِّي. فإذا كان لا بُدَّ من التأويل فَجَعْلُ اللفظِ على مدلولِه باقياً أولى مِنْ إخراجِه عنه.
43
قوله: ﴿أَن يَفْرُطَ﴾ :«أَنْ يَفْرُطَ» مفعولُ «نخاف». ويقال: فَرَطَ يَفْرُط: سَبَقَ وَتَقَدَّم، ومنه الفارِطُ. وهو الذي يتقدَّم الورادةَ إلى الماء وفَرَسٌ فَرَطٌ: يسبقُ الخيلَ، أي: نخافُ أَنْ يُعَجِّلَ علينا بالعقوبةِ ويبادِرَنا بها، قاله الزمخشري، ومِنْ وُرودِ الفارط بمعنى المتقدِّم على الواردة قولُ الشاعر:
وفي الحديث: «أنا فَرَطُكم على الحَوْضِ» أي: سابقُكم ومتقدِّمُكم.
٣٢٩٢ - واسْتعجلونا وكانوا مِنْ صحابَتنا | كما تَقَدَّم فُرَّاطُ لوُرَّادِ |
43
وقرأ يحيى بن وثاب وابنُ محيصن وأبو نَوْفلٍ «يُفْرَط» بضمِّ حرف المضارعة وفتح الراء على البناء للمفعول، والمعنى: خافا أن يُسْبَقَ في العقوبةِ. أي: يحملُه حامِلٌ عليها وعلى المعاجلة بها: إمَّا قومُه وإمَّا حُبُ الرئاسةِ، وإمَّا ادِّعاؤه الإِلَهيةَ.
وقرأ ابن محيصن في روايةٍ والزعفراني «أَن يُفَرِّطَ» بضمِّ حرفِ المضارَعَةِ وكسر الراء مِنْ أفرط. قال الزمخشري: «مِنْ أَفْرَطَه غيرُه إذا حمله على العَجَلة، خافا أَنْ يَحْمِلَه حاملٌ على المُعاجلة بالعقاب». قال كعب ابن زهير.
أي: سَبَقَتْ إليه هذه البِيْضُ لتملأَه. وفاعلُ «يَفْرُطَ» ضميرُ فرعون. وهذا هو الظاهر الذي ينبغي أَنْ لا يُعْدَلَ عنه. وجعله أبو البقاء مضمراً لدلالة الكلامِ عليه فقال «فيجوز أن يكون التقدير: أن يَفْرط علينا منه قولٌ، فأضمر
وقرأ ابن محيصن في روايةٍ والزعفراني «أَن يُفَرِّطَ» بضمِّ حرفِ المضارَعَةِ وكسر الراء مِنْ أفرط. قال الزمخشري: «مِنْ أَفْرَطَه غيرُه إذا حمله على العَجَلة، خافا أَنْ يَحْمِلَه حاملٌ على المُعاجلة بالعقاب». قال كعب ابن زهير.
٣٢٩٣ - تَنْفِي الرياحُ القذى عنه وأَفْرَطَه | مِنْ صَوْبِ ساريةٍ بِيْضٌ يَعالِيْلُ |
44
القولَ لدلالة الحالِ عليه كما تقول: فَرَطَ مني قول، وأن يكونَ الفاعلُ ضميرَ فرعون كما كان في» يطغى «.
45
ومفعولُ ﴿أَسْمَعُ وأرى﴾ محذوفٌ فقيل: تقديره: أسمع أقوالكما وأرى أفعالَكما، وعن ابن عباس: أسمعُ جوابَه لكما وأرى ما يَفْعل بكما، أو يكون مِنْ حَذْفِ الاقتصار نحو: ﴿يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ [آل عمران: ١٥٦].
قوله: ﴿قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ﴾ : قال الزمخشري: هذه الجملةُ جاريةٌ من الجملة الأولى وهي: ﴿إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ﴾ مَجْرى البيانِ والتفسير؛ لأنَّ دعوى الرسالةِ لا تَثْبُتُ إلاَّ بِبَيِّنَتِها التي هي مجيءُ الآيةِ. وإنما وَحَّدَ ب «آية» ولم تُثَنَّ ومعه آيتان؛ لأنَّ المرادَ في هذا الموضعِ تثبيتُ الدعوى ببرهانها، فكأنه قيل: قد جِئْناك بمعجزةٍ وبرهانٍ وحجة على ما ادَّعَيْناه/ من الرسالة، وكذلك قال: ﴿قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ [الأعراف: ١٠٥] ﴿فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين﴾ [الشعراء: ١٥٤] ﴿أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ﴾ [الشعراء: ٣٠].
و ﴿على مَنِ اتبع الهدى﴾ يحتمل أَنْ يكونَ مأموراً بقوله: فيكونَ منصوبَ المَحَلِّ كأنه قيل: فَقُولا أيضاً: والسلامُ على مَنْ اتَّبع الهدى، ويحتمل أَنْ يكونَ تسليما منهما لم يُؤْمَرا بقوله، فتكون الجملةُ مستأنفةً لا محل لها من الإِعراب. وزعم بعضُهم أن «على» بمعنى اللام أي: والسلام لمَنْ اتَّبع الهدى. وهذا لا حاجةَ إليه.
و ﴿على مَنِ اتبع الهدى﴾ يحتمل أَنْ يكونَ مأموراً بقوله: فيكونَ منصوبَ المَحَلِّ كأنه قيل: فَقُولا أيضاً: والسلامُ على مَنْ اتَّبع الهدى، ويحتمل أَنْ يكونَ تسليما منهما لم يُؤْمَرا بقوله، فتكون الجملةُ مستأنفةً لا محل لها من الإِعراب. وزعم بعضُهم أن «على» بمعنى اللام أي: والسلام لمَنْ اتَّبع الهدى. وهذا لا حاجةَ إليه.
قوله: ﴿أَنَّ العذاب على مَن كَذَّبَ﴾ :«أنَّ» وما في حَيِّزها في محل الرفع لقيامِها مَقامَ الفاعل الذي حُذِف في ﴿أُوحِيَ إِلَيْنَآ﴾. وسببُ بنائِه للمفعول خوفاً أن يَبْدُرَ مِنْ فرعونَ بادرةٌ لمَنْ أوحى لو سَمَّياه، فَطَوَيا ذِكْرَه تَعظيماً له واستهانَةً بالمخاطب.
قوله: ﴿ياموسى﴾ : نادى موسى وحدَه بعد مخاطبته لهما معاً: إمَّا لأنَّ موسى هو الأصلُ في الرسالة، وهارونُ تَبَعٌ ورِدْءٌ ووزيرٌ، وإمَّا لأنَّ فرعونَ كان لخُبْثِه يعلمُ الرُّتَّة التي في لسان موسى، ويعلم فصاحةَ أخيه بدليلِ قوله ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً﴾ [القصص: ٣٤] وقوله: ﴿وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ﴾ [الزخرف: ٥٢] فأراد استنطاقَه دون أخيه، وإمَّا لأنه حَذَفَ المعطوفَ للعلمِ به أي: يا موسى وهارون. قاله أبو البقاء، وبدأ به، ولا حاجةَ إليه، وقد يُقال: حَسَّنَ الحذفَ كونَ موسى فاصلةً، لا يُقال: كان يُغني في ذلك أَنْ تُقَدِّمَ هارون وتؤخِّرَ موسى فيقال: يا هارونُ وموسى فتحصُلُ مجانسةٌ الفواصلِ مِنْ غيرِ حَذْفٍ لأنَّ البَدْءَ بموسى أهمُّ فهو المبدوءُ به.
قوله: ﴿أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ﴾ : في هذه الآية وجهان: أحدهما: أن يكونَ «كلَّ شيءٍ» مفعولاً أولَ، و «خَلْقَه» مفعولاً ثانياً على معنى: أعطى كلَّ شيءٍ شكلَه وصورَته، الذي يطابقُ المنفعةَ المنوطةَ
46
به، كما أعطى العينَ الهيئةَ التي تطابق الإِبصارَ، والأذنَ الشكلَ الذي يطابقُ الاستماعَ ويوافقه، وكذلك اليدُ والرِّجلُ واللسانُ، أو أعطى كلَّ حيوانٍ نظيرَه في الخَلْق والصورةِ حيث جعل الحصانَ والحِجْر زوجين، والناقةَ والبعيرَ، والرجلَ والمرأةَ، ولم يزاوِجْ شيءٌ منها غيرَ جنسِه، ولا ما هو مخالفٌ لخَلْقِه. وقيل: المعنى: أعطى كلَّ شيءٍ مخلوقٍ خَلْقَه أي: هو الذي ابتدعه. وقيل: المعنى: أعطى كلَّ شيءٍ ممَّا خَلَق خِلْقَتَه وصورتَه على ما يناسبه من الإِتقانِ. لم يجعل خَلْقَ الإِنسانِ في خَلْقِ البهائم، ولا بالعكس، بل خَلَق كلَّ شيءٍ فَقدَّره تقديراً.
والثاني: أن يكونَ «كلَّ شيءٍ» مفعولاً ثانياً، و «خَلْقَه» هو الأول، فَقَدَّم الثاني عليه، والمعنى: أعطى خليقته كلَّ شيءٍ يحتاجون إليه ويَرْتفقون به.
وقرأ عبدُ الله والحسنُ والأعمشُ وأبو نهيكٍ وابنُ أبي إسحاق ونصير عن الكسائي وناسٌ من أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم «خَلَقَه» بفتح اللام فِعْلاً ماضياً. وهذه الجملةُ في هذه القراءةِ تحتمل أَنْ تكونَ منصوبةً المحلِّ صفةً ل «كل» أو في محلِّ جَرِّ صفةً ل «شيء»، وهذا معنى قولِ الزمخشري: «صفةٌ للمضاف يعني» كل «أو للمضافِ إليه» يعني «شيءٍ». والمفعولُ الثاني على هذه القراءةِ محذوفٌ، فيُحتملُ أَنْ يكونَ حَذْفُه حَذْفَ اختصارٍ للدلالةِ عليه أي: أعطى كلَّ شيءٍ خَلَقَه ما يحتاج إليه ويُصْلحه أو كمالَه، ويحتمل أن يكونَ حذفُه حَذْفَ اقتصارٍ، والمعنى: أن كلَّ شيءٍ خَلَقه الله لم يُخْلِه من إنعامِه وعطائِه.
والثاني: أن يكونَ «كلَّ شيءٍ» مفعولاً ثانياً، و «خَلْقَه» هو الأول، فَقَدَّم الثاني عليه، والمعنى: أعطى خليقته كلَّ شيءٍ يحتاجون إليه ويَرْتفقون به.
وقرأ عبدُ الله والحسنُ والأعمشُ وأبو نهيكٍ وابنُ أبي إسحاق ونصير عن الكسائي وناسٌ من أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم «خَلَقَه» بفتح اللام فِعْلاً ماضياً. وهذه الجملةُ في هذه القراءةِ تحتمل أَنْ تكونَ منصوبةً المحلِّ صفةً ل «كل» أو في محلِّ جَرِّ صفةً ل «شيء»، وهذا معنى قولِ الزمخشري: «صفةٌ للمضاف يعني» كل «أو للمضافِ إليه» يعني «شيءٍ». والمفعولُ الثاني على هذه القراءةِ محذوفٌ، فيُحتملُ أَنْ يكونَ حَذْفُه حَذْفَ اختصارٍ للدلالةِ عليه أي: أعطى كلَّ شيءٍ خَلَقَه ما يحتاج إليه ويُصْلحه أو كمالَه، ويحتمل أن يكونَ حذفُه حَذْفَ اقتصارٍ، والمعنى: أن كلَّ شيءٍ خَلَقه الله لم يُخْلِه من إنعامِه وعطائِه.
47
والبالُ: الفِكْرُ. يقال: خَطَر ببالِه كذا، ولا يثنى ولا يُجْمَعُ، وشَذَّ جمعُه على «بالات». ويقال للحال المُكْتَرَثِ بها، ولذلك يُقال: ما بالَيْتُ بالةً، والأصل...... فحذف لامه تخفيفاً.
قوله: ﴿قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي﴾ في خبر هذا المبتدأ أوجهٌ، أحدها: أنه «عند ربي» وعلى هذا فقولُه «في كتاب» متعلقٌ بما تعلق به الظرفُ من الاستقرار، أو متعلقٌ بمحذوفٍ على أنه حالٌ من الضمير المستتر في الظرف، أو خبرٌ ثان.
الثاني: أنَّ الخبرَ قولُه «في كتاب» فعلى هذا قولُه «عند ربي» معمولٌ للاستقرار الذي تعلَّق به «في كتاب» كا تقدَّم في عكسه، أو يكون حالاً من الضمير المستتر في الجارِّ الواقعِ خبراً. وفيه خلاف أعني تقديمَ الحالِ على عاملها المعنوي. والأخفش يجيزه ويستدلُّ بقراءة ﴿والسماوات مَطْوِيَّاتٍ بِيَمِينِهِ﴾ [الزمر: ٦٧] وقوله:
وقال بعَضُ النحويين: إنه إذا كان العاملُ معنوياً، والحالُ ظرفٌ أو عديلُه، حَسُن التقديمُ عند الأخفشِ وغيرِه، وهذا منه. أو يكونُ ظرفاً للعلم نفسه، أو يكونُ حالاً من المضاف إليه وهو الضمير في «عليها». ولا يجوزُ أن يكونَ «في كتاب» متعلِّقاً ب «عِلْمها» على قولِنا إنَّ «عند ربي» الخبر كما جاز
الثاني: أنَّ الخبرَ قولُه «في كتاب» فعلى هذا قولُه «عند ربي» معمولٌ للاستقرار الذي تعلَّق به «في كتاب» كا تقدَّم في عكسه، أو يكون حالاً من الضمير المستتر في الجارِّ الواقعِ خبراً. وفيه خلاف أعني تقديمَ الحالِ على عاملها المعنوي. والأخفش يجيزه ويستدلُّ بقراءة ﴿والسماوات مَطْوِيَّاتٍ بِيَمِينِهِ﴾ [الزمر: ٦٧] وقوله:
٣٢٩٤ - رَهْطُ ابنِ كوزٍ مُحقِبيْ أَدْراعِهمْ | فيهم ورَهْطُ رَبيعةَ بنِ حُذارِ |
48
تعلُّقُ «عند» به لئلا يلزمَ الفصلُ بين المصدر ومعموله بأجنبي، وقد تقدم أنه لا يُخْبَرُ عن الموصول إلاَّ بعد تمامِ صلته.
الثالث: أن يكونَ الظرفُ وحرفُ الجرِّ معاً خبراً واحداً في المعنى، فيكونَ بمنزلةِ «هذا حُلْوٌ حامِض» قاله أبو البقاء، وفيه نظرٌ؛ إذ كلُّ منها يستقلُّ بفائدةِ الخبريةِ، بخلاف «هذا حلو حامِضٌ».
والضمير في «عِلْمُها» فيه وجهان، أظهرُهما: عَوْدُه على القرون. والثاني: عَوْدُه على القيامةِ للدلالةِ ذِكْرِ القرون على ذلك؛ لأنه سأله عن بَعْثِ الأممِ، والبعثُ يدلُّ على القيامة.
قوله: ﴿لاَّ يَضِلُّ رَبِّي﴾ في هذه الجملة وجهان، أحدهما: أنها في محلِّ جرٍّ صفةً ل «كتاب»، والعائدُ محذوفٌ، تقديرُه: في كتاب لا يَضِلُّه ربي، أو لا يَضِلُّ حِفْظَه ربي، ف «ربي» فاعل «يَضِلُّ» على هذا التقدير، وقيل: تقديرُه: الكتابَ ربي. فيكون في «يَضِلُّ» ضميرٌ يعود على «كتاب»، وربي منصوبٌ على التعظيمِ. وكان الأصلُ: عن ربي، فحُذِفَ الحرفُ اتِّساعاً، يُقال: ضَلَلْتُ كذا وضَلَلْتُه بفتح اللام وكسرها، لغتان مشهورتان وشُهراهما الفتحُ. الثاني: أنها مستأنفةٌ لا محلَّ لها من الإِعراب ساقها تبارك وتعالى لمجرد الإِخبارِ بذلك حكايةً عن موسى.
وقرأ الحسنُ وقتادة والجحدريُّ وعيسى الثقفي وابن محيصن
الثالث: أن يكونَ الظرفُ وحرفُ الجرِّ معاً خبراً واحداً في المعنى، فيكونَ بمنزلةِ «هذا حُلْوٌ حامِض» قاله أبو البقاء، وفيه نظرٌ؛ إذ كلُّ منها يستقلُّ بفائدةِ الخبريةِ، بخلاف «هذا حلو حامِضٌ».
والضمير في «عِلْمُها» فيه وجهان، أظهرُهما: عَوْدُه على القرون. والثاني: عَوْدُه على القيامةِ للدلالةِ ذِكْرِ القرون على ذلك؛ لأنه سأله عن بَعْثِ الأممِ، والبعثُ يدلُّ على القيامة.
قوله: ﴿لاَّ يَضِلُّ رَبِّي﴾ في هذه الجملة وجهان، أحدهما: أنها في محلِّ جرٍّ صفةً ل «كتاب»، والعائدُ محذوفٌ، تقديرُه: في كتاب لا يَضِلُّه ربي، أو لا يَضِلُّ حِفْظَه ربي، ف «ربي» فاعل «يَضِلُّ» على هذا التقدير، وقيل: تقديرُه: الكتابَ ربي. فيكون في «يَضِلُّ» ضميرٌ يعود على «كتاب»، وربي منصوبٌ على التعظيمِ. وكان الأصلُ: عن ربي، فحُذِفَ الحرفُ اتِّساعاً، يُقال: ضَلَلْتُ كذا وضَلَلْتُه بفتح اللام وكسرها، لغتان مشهورتان وشُهراهما الفتحُ. الثاني: أنها مستأنفةٌ لا محلَّ لها من الإِعراب ساقها تبارك وتعالى لمجرد الإِخبارِ بذلك حكايةً عن موسى.
وقرأ الحسنُ وقتادة والجحدريُّ وعيسى الثقفي وابن محيصن
49
وحَمَّاد بن سلمة «لا يُضِلُّ» بضم الياء أي: لا يُضِلُّ ربي الكتابَ أي: لا يُضَيِّعه يقال: أَضْلَلْتُ الشيءَ أي: أضعتُه.
ف «ربي» فاعلٌ على هذا التقدير. وقيل: تقديرُه: لا يُضِلُّ أحدٌ ربي عن علمه أي: عن علم الكتاب، فيكون الربُّ منصوباً على التعظيم.
وفرَّق بعضُهم بين ضَلَلْتُ وأَضْلَلْت فقال: «ضَلَلْتُ منزلي»، بغيرِ ألفٍ، و «أَضْلَلْت بعيري» ونحوَه من الحيوان بالألفِ. نقل ذلك الرمانيُّ عن العرب، وقال الفراء: «يقال: ضَلَلْتُ الشيءَ إذا أَخطأْتَ في مكانه وضَلِلْتُ لغتان، فلم تهتدِ له، كقولك: ضَلَلْتُ الطريقَ والمنزلَ ولا يُقال: أَضْلَلْتُه إلاَّ إذا ضاع منك كالدَّابة انفلَتَتْ، وشبهِها.
قوله: ﴿وَلاَ ينسى﴾ في فاعل» ينسى «قولان، أحدهما: أنه عائدٌ على» ربي «أي: ولا ينسى ربي ما أَثْبَتَه في الكتاب. والثاني: أنَّ الفاعلَ ضميرٌ عائدٌ على الكتاب على سبيل المجاز، كما أُسند إليه الإِحصاءُ مجازاً في قوله ﴿إِلاَّ أَحْصَاهَا﴾ [الكهف: ٤٩] لمَّا كان مَحَلاًّ للإِحصاء.
ف «ربي» فاعلٌ على هذا التقدير. وقيل: تقديرُه: لا يُضِلُّ أحدٌ ربي عن علمه أي: عن علم الكتاب، فيكون الربُّ منصوباً على التعظيم.
وفرَّق بعضُهم بين ضَلَلْتُ وأَضْلَلْت فقال: «ضَلَلْتُ منزلي»، بغيرِ ألفٍ، و «أَضْلَلْت بعيري» ونحوَه من الحيوان بالألفِ. نقل ذلك الرمانيُّ عن العرب، وقال الفراء: «يقال: ضَلَلْتُ الشيءَ إذا أَخطأْتَ في مكانه وضَلِلْتُ لغتان، فلم تهتدِ له، كقولك: ضَلَلْتُ الطريقَ والمنزلَ ولا يُقال: أَضْلَلْتُه إلاَّ إذا ضاع منك كالدَّابة انفلَتَتْ، وشبهِها.
قوله: ﴿وَلاَ ينسى﴾ في فاعل» ينسى «قولان، أحدهما: أنه عائدٌ على» ربي «أي: ولا ينسى ربي ما أَثْبَتَه في الكتاب. والثاني: أنَّ الفاعلَ ضميرٌ عائدٌ على الكتاب على سبيل المجاز، كما أُسند إليه الإِحصاءُ مجازاً في قوله ﴿إِلاَّ أَحْصَاهَا﴾ [الكهف: ٤٩] لمَّا كان مَحَلاًّ للإِحصاء.
50
قوله: ﴿الذي جَعَلَ لَكُمُ﴾ : في هذا الموصولِ وجهان، أحدُهما: أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ، أو منصوبٌ بإضمار «أمدح»، وهو على هذين التقديرين مِنْ كلامِ الله تعالى لا مِنْ كلامِ موسى، وإنما احْتجنا إلى ذلك لأنَّ قولَه ﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ﴾، وقوله: ﴿كُلُواْ وارعوا أَنْعَامَكُمْ﴾ وقولَه ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ﴾ إلى قوله ﴿وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ﴾ لا يَتَأتَّى أن يكونَ مِنْ كلام موسى؛ فلذلك جَعَلْناه من كلامِ الباري تعالى. ويكون فيه التفاتٌ من ضمير الغَيْبةِ إلى ضمير المتكلِّم المعظمِ نفسَه، فإن قلتَ: أجعلهُ مِنْ كلامِ موسى، يعني أنه وَصَفَ ربَّه تعالى بذلك ثم
50
التفتَ إلى الإِخبار عن الله بلفظِ المتكلِّمِ. قيل: إنما جَعَلناه التفاتاً في الوجهِ الأول؛ لأنَّ المتكلمَ واحدٌ بخلاف هذا، فإنه لا يتأتى فيه الالتفاتُ المذكورُ وأخواتُه من كلام الله.
والثاني: أنَّ «الذي» صفةٌ ل «ربي» فيكونُ في محلِّ رفعٍ أو نصبٍ على حَسَبِ ما تقدَّم من إعراب «ربي». وفيه ما تقدَّم من الإِشكال في نظمِ الكلام مِنْ قوله «فأَخْرَجْنا» وأخواتِه من عدم جوازٍ الالتفاتِ، وإن كان قد قال بذلك الزمخشري والحوفي. وقال ابن عطية: «إن كلامَ موسى تَمَّ عند قوله ﴿وَأَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً﴾ وإنَّ قولَه» فأخرَجْنا «إلى آخره مِنْ كلام الله تعالى» وفيه بُعْدٌ.
وقرأ الكوفيون «مَهْداً» بفتح الميم وسكونِ الهاء من غير ألفٍ. والباقون «مِهاداً» بكسرِ الميم وفتح الهاء وألفٍ بعدها. وفيه وجهان: أحدهما: أنهما مصدران بمعنى واحد يقال: مَهَدْتُه مَهْداً ومِهاداً، والثاني: أنهما مختلفان، فالمِهادُ هو الاسمُ والمَهْد هو الفعل، أو أنَّ مِهاداً جمعُ مَهْد نحو: فَرْخ وفِراخ وكَعْب وكِعاب. ووَصْفُ الأرضِ بالمَهْدِ: إمَّا مبالغةً، وإمَّا على حذف مضاف أي: ذات مَهْدٍ.
قوله ﴿شتى﴾ :«شَتَّى» فَعْلَى. وألفُه للتأنيث، وهو جمعٌ لشَتِيْت نحو: مَرْضى في جمع مريض، وجرحى في جمع جريح، وقتلى في جمع قتيل. يقال: شَتَّ
والثاني: أنَّ «الذي» صفةٌ ل «ربي» فيكونُ في محلِّ رفعٍ أو نصبٍ على حَسَبِ ما تقدَّم من إعراب «ربي». وفيه ما تقدَّم من الإِشكال في نظمِ الكلام مِنْ قوله «فأَخْرَجْنا» وأخواتِه من عدم جوازٍ الالتفاتِ، وإن كان قد قال بذلك الزمخشري والحوفي. وقال ابن عطية: «إن كلامَ موسى تَمَّ عند قوله ﴿وَأَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً﴾ وإنَّ قولَه» فأخرَجْنا «إلى آخره مِنْ كلام الله تعالى» وفيه بُعْدٌ.
وقرأ الكوفيون «مَهْداً» بفتح الميم وسكونِ الهاء من غير ألفٍ. والباقون «مِهاداً» بكسرِ الميم وفتح الهاء وألفٍ بعدها. وفيه وجهان: أحدهما: أنهما مصدران بمعنى واحد يقال: مَهَدْتُه مَهْداً ومِهاداً، والثاني: أنهما مختلفان، فالمِهادُ هو الاسمُ والمَهْد هو الفعل، أو أنَّ مِهاداً جمعُ مَهْد نحو: فَرْخ وفِراخ وكَعْب وكِعاب. ووَصْفُ الأرضِ بالمَهْدِ: إمَّا مبالغةً، وإمَّا على حذف مضاف أي: ذات مَهْدٍ.
قوله ﴿شتى﴾ :«شَتَّى» فَعْلَى. وألفُه للتأنيث، وهو جمعٌ لشَتِيْت نحو: مَرْضى في جمع مريض، وجرحى في جمع جريح، وقتلى في جمع قتيل. يقال: شَتَّ
51
الأمر يَشِتُّ شَتَّاً وشَتاتاً فهو شَتٌّ أي تفرَّق. وشَتَّان اسمُ فعلٍ ماضٍ بمعنى افترق، ولذلك لا يُكتفى بواحد.
وفي «شَتَّى» أوجهٌ، أحدُها: أنَّها منصوبةٌ نعتاً ل «أَزْواجاً» أي: أزواجاً متفرقةً بمعنى: مختلفة الألوانِ والطُّعوم. والثاني: أنها منصوبةٌ على الحال مِنْ «أزواجاً» وجاز مجيءُ الحالِ من النكرة لتخصُّصِها بالصفةِ وهي «مِنْ نبات». الثالث: أَنْ تنتصِبَ على الحال أيضاً مِنْ فاعل الجارِّ؛ لأنه لَمَّا وقع وصفاً رفع ضميراً فاعِلاً. الرابع: أنَّه في محلِّ جر نعتاً ل «نبات»، قال الزمخشري: «يجوز أن يكونَ صفةً لنبات، ونبات مصدرٌ سُمِّيَ به النابت كما سُمِّي بالنَّبْت، فاستوى فيه الواحدُ والجمع، يعني أنها شَتَّى مخلتفةُ النفعِ والطعمِ واللونِ والرائحةِ والشكلِ، بعضُها يَصْلُح للناس، وبعضُها للبهائم» ووافقه أبو البقاء أيضاً. ولكنَ الظاهرَ الأولُ.
وفي «شَتَّى» أوجهٌ، أحدُها: أنَّها منصوبةٌ نعتاً ل «أَزْواجاً» أي: أزواجاً متفرقةً بمعنى: مختلفة الألوانِ والطُّعوم. والثاني: أنها منصوبةٌ على الحال مِنْ «أزواجاً» وجاز مجيءُ الحالِ من النكرة لتخصُّصِها بالصفةِ وهي «مِنْ نبات». الثالث: أَنْ تنتصِبَ على الحال أيضاً مِنْ فاعل الجارِّ؛ لأنه لَمَّا وقع وصفاً رفع ضميراً فاعِلاً. الرابع: أنَّه في محلِّ جر نعتاً ل «نبات»، قال الزمخشري: «يجوز أن يكونَ صفةً لنبات، ونبات مصدرٌ سُمِّيَ به النابت كما سُمِّي بالنَّبْت، فاستوى فيه الواحدُ والجمع، يعني أنها شَتَّى مخلتفةُ النفعِ والطعمِ واللونِ والرائحةِ والشكلِ، بعضُها يَصْلُح للناس، وبعضُها للبهائم» ووافقه أبو البقاء أيضاً. ولكنَ الظاهرَ الأولُ.
52
قوله: ﴿كُلُواْ﴾ : منصوبٌ بقولٍ محذوف، وذلك القولُ منصوبٌ على الحال مِنْ فاعل «أَخْرَجْنا» تقديره: فأخرَجْنا كذا قائلين: كُلوا. وتَرَكَ مفعولَ الأكل على حَدِّ تَرْكِه في قولِه تعالى: ﴿كُلُواْ واشربوا﴾ [البقرة: ٦٠].
«وارْعَوْا» رعى يكون لازماً ومتعدِّياً يقال: رعى دابَّته/ رَعْياً فهو راعِيها. ورَعَتِ الدابَّةُ ترعى رَعْياً فيه راعيةٌ، وجاء في الآيةِ متعدِّياً.
والنهى فيه قولان، أحدهما: أنه جَمْعُ نُهْيَة كغُرَف جمع غُرْفَة. والثاني: أنها اسمٌ مفردٌ وهو مصدرٌ كالهدى والسرى. قاله أبو عليّ. وكنت قد قدَّمْتُ أولَ
«وارْعَوْا» رعى يكون لازماً ومتعدِّياً يقال: رعى دابَّته/ رَعْياً فهو راعِيها. ورَعَتِ الدابَّةُ ترعى رَعْياً فيه راعيةٌ، وجاء في الآيةِ متعدِّياً.
والنهى فيه قولان، أحدهما: أنه جَمْعُ نُهْيَة كغُرَف جمع غُرْفَة. والثاني: أنها اسمٌ مفردٌ وهو مصدرٌ كالهدى والسرى. قاله أبو عليّ. وكنت قد قدَّمْتُ أولَ
52
هذا الموضوع أنهم قالوا: لم يأتِ مصدرٌ على فُعَل من المعتل اللام إلاَّ سرى وهدى وبكى، وأنَّ بعضهم زادَ «لقى» وأنشدْتُ عليه بيتاً ثَمَّة، وهذا لفظٌ آخرُ فيكون خامساً. والنهى: العَقْلُ. قالوا: سُمِّي بذلك لأنه يَنْهى صاحبَه عن ارتكابِ القبائح.
53
قوله: ﴿أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا﴾ : هي مِنْ «رأى» البصَريةِ فَلَمَّا دخلَتْ همزةُ النقل تَعَدتْ بها إلى اثنين أولُهما الهاء، والثاني «آياتِنا»، والمعنى: أَبْصَرْناه. والإِضافةُ هنا قائمةٌ مقامَ التعريفِ العَهْدي أي: الآياتِ المعروفةَ كالعصا واليد ونحوهما، وإلاَّ فلم يُرِ اللهُ تعالى فرعونَ جميعَ ِآياتِه. وجَوَّز الزمخشري أن يُرادَ بها الآياتُ على العموم بمعنى: أنَّ موسى عليه السلام أراه الآياتِ التي بُعِث بها وعَدَّد عليه الآياتِ التي جاءَتْ بها الرسلُ قبله عليهم السلام، وهو نبيٌّ صادقٌ، لا فرقَ بين ما يُخْبِرُ عنه وبين ما يُشاهَدُ به «.
قال الشيخ:» وفيه بُعْدٌ؛ لأنَّ الإِخبارَ بالشيءِ لا يُسَمَّى رؤيةً له إلاَّ بمجازٍ بعيد. وقيل: بل الرؤيةُ هنا رؤيةٌ قلبيةٌ، فالمعنى: أَعْلَمْناه «وأيَّد ذلك: بأنه لم يكن أراه إلاَّ اليدَ والعصا فقط. ومَنْ جَوَّز استعمالَ اللفظِ في حقيقتِه ومجازِه أو إعمالَ المشتركِ في معنَيَيْه يجيزُ يُرادَ المعنيان جميعاً. وتأكيدُه
قال الشيخ:» وفيه بُعْدٌ؛ لأنَّ الإِخبارَ بالشيءِ لا يُسَمَّى رؤيةً له إلاَّ بمجازٍ بعيد. وقيل: بل الرؤيةُ هنا رؤيةٌ قلبيةٌ، فالمعنى: أَعْلَمْناه «وأيَّد ذلك: بأنه لم يكن أراه إلاَّ اليدَ والعصا فقط. ومَنْ جَوَّز استعمالَ اللفظِ في حقيقتِه ومجازِه أو إعمالَ المشتركِ في معنَيَيْه يجيزُ يُرادَ المعنيان جميعاً. وتأكيدُه
53
للآيات ب» كلَّها «يدلُّ على إرادةِ العمومِ لأنَّهم قالوا: فائدةٌ التوكيدِ ب» كل «وأخواتِها رَفْعُ تَوَهُّمِ وَضْعِ الأخَصِّ مَوْضعَ الأعمِّ، فلا يُدَّعَى أنه أراد بالآياتِ آياتٍ مخصوصةً، وهذا يتمشى على أن الرؤيةَ قلبيةٌ، ويُراد بالآيات ما يَدُلُّ على وَحْدانيةِ الله وصِدْقِ المبلِّغ. ولم يذكر معفولَ التكذيب والإِباءِ تعظيماً له، وهو معلومٌ.
54
قوله: ﴿فَلَنَأْتِيَنَّكَ﴾ : جوابُ قسمٍ محذوفٍ تقديرُه: واللهِ لَنَأْتِيَنَّك. وقوله: «بسِحْرٍ» يجوز أن يتعلَّقَ بالإِتيان، وهذا هو الظاهرُ، ويجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ مِنْ فاعلِ الإِتيان أي: ملتبسين بسِحْرٍ.
قوله: ﴿مَوْعِداً﴾ يجوز أن يكونَ زماناً. ويُرَجِّحه قولُه: ﴿مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة﴾ والمعنى: عَيَّن لنا وقتَ اجتماع؛ ولذلك أجابهم بقوله: ﴿مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة﴾. وضَعَّفوا هذا: بأنه يَنْبُوا عنه قوله: ﴿مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ﴾، وبقوله: ﴿لاَّ نُخْلِفُهُ﴾. وأجاب عن قوله: ﴿لاَّ نُخْلِفُهُ﴾ بأنَّ المعنى: لا نُخْلِفُ الوقتَ في الاجتماع. ويجوز أن يكون مكاناً. والمعنى: بَيِّنْ لنا مكاناً معلوماً نعرفه نحن وأنت... ويُؤَيَّدُ بقوله: ﴿مَكَاناً سُوًى﴾ قال: فهذا يَدُلُّ على أنه مكانٌ، وهذا يَنْبُوْ عه قوله: ﴿مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة﴾.
ويجوز أَنْ يكونَ مصدراً، ويؤيِّد هذا قولُه: ﴿لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ﴾
قوله: ﴿مَوْعِداً﴾ يجوز أن يكونَ زماناً. ويُرَجِّحه قولُه: ﴿مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة﴾ والمعنى: عَيَّن لنا وقتَ اجتماع؛ ولذلك أجابهم بقوله: ﴿مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة﴾. وضَعَّفوا هذا: بأنه يَنْبُوا عنه قوله: ﴿مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ﴾، وبقوله: ﴿لاَّ نُخْلِفُهُ﴾. وأجاب عن قوله: ﴿لاَّ نُخْلِفُهُ﴾ بأنَّ المعنى: لا نُخْلِفُ الوقتَ في الاجتماع. ويجوز أن يكون مكاناً. والمعنى: بَيِّنْ لنا مكاناً معلوماً نعرفه نحن وأنت... ويُؤَيَّدُ بقوله: ﴿مَكَاناً سُوًى﴾ قال: فهذا يَدُلُّ على أنه مكانٌ، وهذا يَنْبُوْ عه قوله: ﴿مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة﴾.
ويجوز أَنْ يكونَ مصدراً، ويؤيِّد هذا قولُه: ﴿لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ﴾
54
لأنَّ المواعدَة تُوْصَفُ بالخُلْفِ وعدمِه. وإلى هذا نحا جماعةٌ مختارين له. ورُدَّ عليهم بقولِه: ﴿مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة﴾ فإنه لا يطابقه.
وقال الزمخشري: «إنْ جَعَلْتَه زماناً نظراً في أن قولَه: ﴿مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة﴾ مطابقٌ له لَزِمك شيئان: أن تجعلَ الزمان مُخْلَفاً، وأن يَعْضُلَ عليك ناصبٌ» مكاناً «، وإن جَعَلْتَه مكاناً لقوله: ﴿مَكَاناً سُوى﴾ لَزِمك أيضاً أَنْ تُوْقِعَ الإِخلاف على المكان، وأن لا يطابِقَ قولَه موعدُكم يومُ الزينة، وقرءةُ الحسن غيرُ مطابقةٍ له زماناً ومكاناً جميعاً لأنَّه قرأ» يومَ الزينة «بالنصب، فبقي أن يُجْعل مصدراً بمعنى الوَعْدِ، ويقدَّرَ مضافٌ محذوفٌ أي: مكان الوعد، ويُجْعلَ ضميرُ في» نُخلِفُه «للموعِد، و» مكاناً «، بدل من المكان المحذوف. فإن قلت: فكيف طابقه قولُه: ﴿مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة﴾، ولا بُدَّ من أن تجعلَه زماناً، والسؤالُ واقعٌ عن المكان لا عن الزمان؟ قلت: هو مطابقٌ معنىً، وإن لم يطابقْه لفظاً؛ لأنهم لا بُدَّ لهم أن يجتمعوا يومَ الزينة في مكانٍ بعينه مُشْتَهِرٍ باجتماعِهم فيه في ذلك الزمان. فبذِكْر الزمانِ عُلِمَ المكانُ. وأما قراءةُ الحسنِ فالموعدُ فيها مصدرٌ لا غيرَ. والمعنى: إنجازُ وعدِكم يومَ الزينة، وطابقَ هذا أيضاً من طريق المعنى. ويجوز أن لا يُقَدَّرَ مضافٌ محذوف، ويكون المعنى: اجعل بيننا وبينك وعداً لا نُخْلفه».
وقال أبو البقاء: «هو هنا مصدر لقوله: ﴿لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ﴾.
وقال الزمخشري: «إنْ جَعَلْتَه زماناً نظراً في أن قولَه: ﴿مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة﴾ مطابقٌ له لَزِمك شيئان: أن تجعلَ الزمان مُخْلَفاً، وأن يَعْضُلَ عليك ناصبٌ» مكاناً «، وإن جَعَلْتَه مكاناً لقوله: ﴿مَكَاناً سُوى﴾ لَزِمك أيضاً أَنْ تُوْقِعَ الإِخلاف على المكان، وأن لا يطابِقَ قولَه موعدُكم يومُ الزينة، وقرءةُ الحسن غيرُ مطابقةٍ له زماناً ومكاناً جميعاً لأنَّه قرأ» يومَ الزينة «بالنصب، فبقي أن يُجْعل مصدراً بمعنى الوَعْدِ، ويقدَّرَ مضافٌ محذوفٌ أي: مكان الوعد، ويُجْعلَ ضميرُ في» نُخلِفُه «للموعِد، و» مكاناً «، بدل من المكان المحذوف. فإن قلت: فكيف طابقه قولُه: ﴿مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة﴾، ولا بُدَّ من أن تجعلَه زماناً، والسؤالُ واقعٌ عن المكان لا عن الزمان؟ قلت: هو مطابقٌ معنىً، وإن لم يطابقْه لفظاً؛ لأنهم لا بُدَّ لهم أن يجتمعوا يومَ الزينة في مكانٍ بعينه مُشْتَهِرٍ باجتماعِهم فيه في ذلك الزمان. فبذِكْر الزمانِ عُلِمَ المكانُ. وأما قراءةُ الحسنِ فالموعدُ فيها مصدرٌ لا غيرَ. والمعنى: إنجازُ وعدِكم يومَ الزينة، وطابقَ هذا أيضاً من طريق المعنى. ويجوز أن لا يُقَدَّرَ مضافٌ محذوف، ويكون المعنى: اجعل بيننا وبينك وعداً لا نُخْلفه».
وقال أبو البقاء: «هو هنا مصدر لقوله: ﴿لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ﴾.
55
والجَعْل هنا بمعنى التصيير. ومَوْعِداً مفعولٌ أولُ والظرفُ هو الثاني. والجملةُ مِنْ قوله:» لا نُخْلِفُه «صفةٌ لموعداً. و» نحن «توكيدٌ مُصَحِّحٌ للعطفِ على الضميرِ المرفوعِ المستترِ في» نُخْلفه «و» مكاناً «بدلٌ من المكان المحذوف كما قرره الزمخشري. وجَوَّز أبو علي الفارسي وأبو البقاء أن ينتصِبَ» مكاناً «على المفعول الثاني ل» اجعَلْ «قال:» ومَوْعداً على هذا مكانٌ أيضاً، ولا ينتصِبُ ب مَوْعد لأنه/ مصدرٌ قد وُصِف «يعني أنه يَصِحُّ نصبُه مفعولاً ثانياً، ولكنْ بشرطِ أن يكونَ المَوْعِدُ بمعنى المكان؛ ليتطابقَ المبتدأُ أو الخبرُ في الأصل.
وقوله: «ولا ينتصِبُ بالمصدر» يعني أنه لا يجوزُ أن يُدَّعَى انتصابُ «مكاناً» ب مَوْعد. والمرادُ بالموعد المصدرُ وإنْ كان جائزاً مِنْ جهة المعنى؛ لأنَّ الصناعةَ تَأباه وهو وصفُ المصدرِ، والمصدرُ شرطُ إعمالِه عَدَمُ وصفِه قبل العملِ عند الجمهور.
وهذا الذي منعه الفارسيُّ وأبو البقاء، جَوَّزه الزمخشريُّ وبدأ به فقال: «فإن قلتَ: فبمَ ينتَصِبُ مكاناً؟ قلت: بالمصدرِ، أو بما يَدُلُّ عليه المصدر. فإنْ قلت: كيف يطابقُه الجوابُ؟ قلت: أمَّا على قراءةِ الحسن فظاهرٌ، وأمَّا على قراءةِ العامَّةِ فعلى تقدير: وَعْدُكم وَعْدُ يومِ الزينة».
قال الشيخ: «وقوله: إنَّ مكاناً ينتصب بالمصدر ليس بجائزٍ؛ لأنه قد وُصِف قبل العملِ بقوله:» لا نُخْلِفُه «وهو موصولٌ، والمصدر إذا وُصِفَ قبل
وقوله: «ولا ينتصِبُ بالمصدر» يعني أنه لا يجوزُ أن يُدَّعَى انتصابُ «مكاناً» ب مَوْعد. والمرادُ بالموعد المصدرُ وإنْ كان جائزاً مِنْ جهة المعنى؛ لأنَّ الصناعةَ تَأباه وهو وصفُ المصدرِ، والمصدرُ شرطُ إعمالِه عَدَمُ وصفِه قبل العملِ عند الجمهور.
وهذا الذي منعه الفارسيُّ وأبو البقاء، جَوَّزه الزمخشريُّ وبدأ به فقال: «فإن قلتَ: فبمَ ينتَصِبُ مكاناً؟ قلت: بالمصدرِ، أو بما يَدُلُّ عليه المصدر. فإنْ قلت: كيف يطابقُه الجوابُ؟ قلت: أمَّا على قراءةِ الحسن فظاهرٌ، وأمَّا على قراءةِ العامَّةِ فعلى تقدير: وَعْدُكم وَعْدُ يومِ الزينة».
قال الشيخ: «وقوله: إنَّ مكاناً ينتصب بالمصدر ليس بجائزٍ؛ لأنه قد وُصِف قبل العملِ بقوله:» لا نُخْلِفُه «وهو موصولٌ، والمصدر إذا وُصِفَ قبل
56
العملِ لم يَجُزْ أَنْ يعملَ عندهم». قلت: الظروفَ والمجروراتُ يُتَّسعُ فيها ما لم يُتَّسَعْ في غيرِها. وفي المسألة خلافٌ مشهورٌ وأبو القاسم نحا إلى جواز ذلك.
وجعل الحوفيُّ انتصابَ «مكاناً» على الظرف، وانتصابَه ب «اجعل». فتحصَّل في نصبِ «مكاناً» خمسةُ أوجهٍ، أحدها: أنه بدلٌ مِنْ «مكاناً» المحذوفِ. الثاني: أنه مفعولٌ ثانٍ للجَعْل. الثالث: أنه نُصِب بإضمار فعل. الرابع: أنه منصوبٌ بنفس المصدر. الخامس: أنه منصوبٌ على الظرف بنفس «اجْعَلْ».
وقرأ أبو جعفرٍ وشيبةُ «لا نُخْلِفْه» بالجزم على جوابِ الأمر، والعامَّةُ بالرفع على الصفةِ لِمَوْعِد، كما تقدَّم.
وقرأ ابن عامر وحمزة وعاصم والحسن «سُوَىً» بضم السينِ منوناً وصلاً. والباقون بكسرِها. فالكسرُ والضمُّ على أنها صفةٌ بمعنى مكانٍ عَدْلٍ، إلا أنَّ الصفةَ على فُعَلٍ كثيرةٌ نحو: لُبَد وحُطَم، وقليلةٌ على فِعَل. وحكى سيبويه «لحم زِيَم» ولم يُنَوَّن الحسنُ «سوى» أجرى الوصلَ مُجْرى الوقف. ولا جائزٌ أَنْ يكونَ مَنَعَ صَرْفَه للعَدْل على فُعَلٍ كعُمَر لأن ذلك في الأعلام. وأمَّا فُعَل في الصفاتِ فمصروفَةٌ نحو: حُطَم ولُبَد.
وجعل الحوفيُّ انتصابَ «مكاناً» على الظرف، وانتصابَه ب «اجعل». فتحصَّل في نصبِ «مكاناً» خمسةُ أوجهٍ، أحدها: أنه بدلٌ مِنْ «مكاناً» المحذوفِ. الثاني: أنه مفعولٌ ثانٍ للجَعْل. الثالث: أنه نُصِب بإضمار فعل. الرابع: أنه منصوبٌ بنفس المصدر. الخامس: أنه منصوبٌ على الظرف بنفس «اجْعَلْ».
وقرأ أبو جعفرٍ وشيبةُ «لا نُخْلِفْه» بالجزم على جوابِ الأمر، والعامَّةُ بالرفع على الصفةِ لِمَوْعِد، كما تقدَّم.
وقرأ ابن عامر وحمزة وعاصم والحسن «سُوَىً» بضم السينِ منوناً وصلاً. والباقون بكسرِها. فالكسرُ والضمُّ على أنها صفةٌ بمعنى مكانٍ عَدْلٍ، إلا أنَّ الصفةَ على فُعَلٍ كثيرةٌ نحو: لُبَد وحُطَم، وقليلةٌ على فِعَل. وحكى سيبويه «لحم زِيَم» ولم يُنَوَّن الحسنُ «سوى» أجرى الوصلَ مُجْرى الوقف. ولا جائزٌ أَنْ يكونَ مَنَعَ صَرْفَه للعَدْل على فُعَلٍ كعُمَر لأن ذلك في الأعلام. وأمَّا فُعَل في الصفاتِ فمصروفَةٌ نحو: حُطَم ولُبَد.
57
وقرأ عيسى بن عمر «سِوى» بالكسر من غيرِ تنوين. وهي كقراءة الحسنِ في التأويل.
وسوى معناه «عَدْلاً ونَصَفَة». قال الفارسي: «كأنه قال: قُرْبُه منكم قُرْبُه مِنَّا». قال الأخفش: «سوى» مقصورٌ إنْ كَسَرْتَ سينَه أو ضَمَمْتَ، وممدودٌ إنْ فَتَحْتَها، ثلاثُ لغات، ويكون فيها جميعها بمعنى غير، وبمعنى عَدْل ووسط بين الفريقين. قال الشاعر:
قال: «وتقول: مررتُ برجلٍ سِواك وسُواك وسَوائِك أي: غيرِك ويكون للجميع» وأعلى هذه اللغاتِ الكسرُ، قاله النحاس. وزعم بعضُ أهلِ اللغة والتفسير أنَّ معنى مكاناً سوى: مستوٍ من الأرض، لا وَعْرَ فيه ولا حُزُوْنَة.
وسوى معناه «عَدْلاً ونَصَفَة». قال الفارسي: «كأنه قال: قُرْبُه منكم قُرْبُه مِنَّا». قال الأخفش: «سوى» مقصورٌ إنْ كَسَرْتَ سينَه أو ضَمَمْتَ، وممدودٌ إنْ فَتَحْتَها، ثلاثُ لغات، ويكون فيها جميعها بمعنى غير، وبمعنى عَدْل ووسط بين الفريقين. قال الشاعر:
٣٢٩٥ - وإنَّ أبانا كان حَلَّ ببلدةٍ | سِوَىً بين قَيْسٍ قيسِ عَيْلانَ والفِزْرِ |
58
قوله: ﴿مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة﴾ : العامَّةُ على رفع «يومُ الزينة» خبراً ل «موعدُكم». فإنْ جَعَلْتَ «موعدكم» زماناً لم تَحتجْ إلى
58
حَذْفِ مضاف؛ إذ التقديرُ: زمانُ الوعدِ يومُ الزينة، وإن جعلتَه مصدراً احتجْتَ إلى حَذْفِ مضافِ تقديرُه: وَعْدُكم وَعْدُ يومِ الزينة.
وقرأ الحسن والأعمش وعيسى وعاصم في بعض طُرُقِه وأبو حيوة وابن أبي عبلة وقتادة والجحدري وهبيرة «يومَ» بالنصب. وفيه أوجهُ، أحدها: أن يكونَ خبراً ل «موعدكم» على أنَّ المرادَ بالموعد المصدرُ أي: وعْدُكم كائن في يوم الزينة كقولِك: القتالُ يومَ كذا والسفر غداً.
الثاني: أن يكونَ «موعدُكم» مبتدأً، والمرادُ به الزمان، و «ضُحَى» خبرُه على نيةِ التعريفِ فيه؛ لأنه ضحى ذلك اليوم بعينه، قاله الزمخشري، ولم يُبَيِّنْ ما الناصبُ ل «يومَ الزينة» ؟ ولا يجوز أن يكونَ منصوباً، ب «موعدُكم» على هذا التقديرِ؛ لأنَّ مَفْعِلاً مراداً به الزمانُ أو المكانُ لا يعملُ وإنْ كان مشتقاً، فيكونُ الناصبُ له فعلاً مقدَّراً. وواخذه الشيخ في قوله «على نيةِ التعريف» قال: «لأنَّه وإن كان ضُحى ذلك اليومِ بعينه فليس على نية التعريفِ، بل هو نكرةٌ، وإن كان من يومٍ بعينه؛ لأنه ليس معدولاً عن الألفِ واللام كسَحَر ولا هو معرَّفٌ بالإِضافةِ ولو قلت:» جئت يوم الجمعة بَكَراً «لم نَدَّعِ أن بَكَراً معرفةٌ وإن كنت تعلمُ أنه من يومٍ بعينه».
الثالث: أن يكونَ «موعدُكم» مبتدأً، والمرادُ به المصدرُ و «يومَ الزينةِ» ظرفٌ له. «وضحى» منصوبٌ على الظرفِ خبراً للموعد، كما أخبر عنه في الوجهِ الأول بيوم الزينة نحو: القتالُ يومَ كذا «.
وقرأ الحسن والأعمش وعيسى وعاصم في بعض طُرُقِه وأبو حيوة وابن أبي عبلة وقتادة والجحدري وهبيرة «يومَ» بالنصب. وفيه أوجهُ، أحدها: أن يكونَ خبراً ل «موعدكم» على أنَّ المرادَ بالموعد المصدرُ أي: وعْدُكم كائن في يوم الزينة كقولِك: القتالُ يومَ كذا والسفر غداً.
الثاني: أن يكونَ «موعدُكم» مبتدأً، والمرادُ به الزمان، و «ضُحَى» خبرُه على نيةِ التعريفِ فيه؛ لأنه ضحى ذلك اليوم بعينه، قاله الزمخشري، ولم يُبَيِّنْ ما الناصبُ ل «يومَ الزينة» ؟ ولا يجوز أن يكونَ منصوباً، ب «موعدُكم» على هذا التقديرِ؛ لأنَّ مَفْعِلاً مراداً به الزمانُ أو المكانُ لا يعملُ وإنْ كان مشتقاً، فيكونُ الناصبُ له فعلاً مقدَّراً. وواخذه الشيخ في قوله «على نيةِ التعريف» قال: «لأنَّه وإن كان ضُحى ذلك اليومِ بعينه فليس على نية التعريفِ، بل هو نكرةٌ، وإن كان من يومٍ بعينه؛ لأنه ليس معدولاً عن الألفِ واللام كسَحَر ولا هو معرَّفٌ بالإِضافةِ ولو قلت:» جئت يوم الجمعة بَكَراً «لم نَدَّعِ أن بَكَراً معرفةٌ وإن كنت تعلمُ أنه من يومٍ بعينه».
الثالث: أن يكونَ «موعدُكم» مبتدأً، والمرادُ به المصدرُ و «يومَ الزينةِ» ظرفٌ له. «وضحى» منصوبٌ على الظرفِ خبراً للموعد، كما أخبر عنه في الوجهِ الأول بيوم الزينة نحو: القتالُ يومَ كذا «.
59
قوله: ﴿وَأَن يُحْشَرَ﴾ في محلِّه وجهان، أحدُهما: الجرُّ نَسَقاً على الزينة أي: موعدُكم يومُ الزينة ويومُ أن يُحْشر. أي: ويومُ حَشْرِ الناس. والثاني: الرفعُ: نَسَقاً على» يومُ «التقديرُ: موعدُكم يومُ كذا، وموعدكم أَنْ يُحْشَرَ الناسُ أي: حَشْرُهم.
وقرأ ابن مسعود والجحدري وأبو نهيك وعمرو بن فائد» وأن تَحْشُرَ الناسَ «بتاء الخطاب في» تَحْشُرَ «، ورُوي/ عنهم» يَحْشُرَ «بياء الغَيْبة. و» الناسَ «نصبٌ في كلتا القراءتين على المفعوليَّة. والضميرُ في القراءتين لفرعونَ أي: وأَنْ تَحْشُرَ أنت يا فرعونُ، أو وأن يَحْشُرَ فرعونُ. وجوَّز بعضُهم أَنْ يكونَ الفاعلُ ضميرَ اليوم في قراءة الغَيْبة؛ وذلك مجازٌ لمَّا كان الحشرُ واقعاً فيه نُسِبَ إليه نحو: نهارُه صائمٌ وليلُه قائمٌ.
و» ضُحَىً «نصبٌ على الظرف، العاملُ فيه» يُحْشَر «وتُذَكَّر وتؤنَّث. والضَّحاء بالمد وفتح الضاد فوق الضحى؛ لأن الضُّحى ارتفاعُ النهارِ، والضَّحاء بعد ذلك، وهو مذكَّرٌ لا غير.
وقرأ ابن مسعود والجحدري وأبو نهيك وعمرو بن فائد» وأن تَحْشُرَ الناسَ «بتاء الخطاب في» تَحْشُرَ «، ورُوي/ عنهم» يَحْشُرَ «بياء الغَيْبة. و» الناسَ «نصبٌ في كلتا القراءتين على المفعوليَّة. والضميرُ في القراءتين لفرعونَ أي: وأَنْ تَحْشُرَ أنت يا فرعونُ، أو وأن يَحْشُرَ فرعونُ. وجوَّز بعضُهم أَنْ يكونَ الفاعلُ ضميرَ اليوم في قراءة الغَيْبة؛ وذلك مجازٌ لمَّا كان الحشرُ واقعاً فيه نُسِبَ إليه نحو: نهارُه صائمٌ وليلُه قائمٌ.
و» ضُحَىً «نصبٌ على الظرف، العاملُ فيه» يُحْشَر «وتُذَكَّر وتؤنَّث. والضَّحاء بالمد وفتح الضاد فوق الضحى؛ لأن الضُّحى ارتفاعُ النهارِ، والضَّحاء بعد ذلك، وهو مذكَّرٌ لا غير.
60
قوله: ﴿كَيْدَهُ﴾ : فيه حَذْفُ مضافٍ أي: ذوي كيدِه.
قوله: ﴿فَيُسْحِتَكُم﴾ : قرأ الأخَوان وحفص عن عصام «فيُسْحِتَكم» بضم الياء وكسر الحاء. والباقون بفتحهما. فقراءة الأخوين مِنْ أسْحَتَ رباعياً وهي لغةُ نجدٍ وتميم. قال الفرزدق التميمي:
60
٣٢٩٦ - وعَضُّ زمانٍ يا بنَ مروانَ لم يَدَعْ | من المالِ إلاَّ مُسْحَتاً أو مُجَلَّفُ |
قلت: يعني أن هذا البيتَ صعبُ الإِعرابِ، وإذ قد ذَكَر فَلأَذْكُرْ ما ورد في هذا البيتِ من الروايات، وما قال الناس في ذلك على حسبِ ما يليق بهذا الموضوعِ، فأقولُ وبالله الحَوْلُ: رُوي هذا البيتُ بثلاثِ روايات، كل واحدة لا تَخْلو من ضرورةٍ: الأُولى «لم يَدَعْ» بفتح الياءِ والدال ونصب «مُسْحَت». وفي هذه خمسةُ أوجه:
الأول: أنَّ معنى لم يَدَعْ من المال إلاَّ مُسْحتاً: لم يَبْقَ إلاَّ مُسْحَت، فلما كان هذا في قوة الفاعل عَطَفَ عليه قولَه: «أو مُجَلَّفُ» بالرفع. وبهذا البيتِ استشهد الزمخشريُّ على قراءة أُبَيّ والأعمش «فَشربوا منه إلاَّ قليلٌ» برفع «قليل» وقد تقدَّم ذلك. الثاني: أنه مرفوعٌ بفعلٍ مقدرٍ دَلَّ عليه لم يَدَعْ، والتقدير: أو بقي مُجَلَّفٌ. الثالث: «أن» مُجَلَّفُ «مبتدأ، وخبرُه مضمرٌ تقديره: أو مُجَلَّف كذلك وهو تخريج الفراء. الرابع: أنه معطوفٌ على الضميرِ المستتر
61
في» مُسْحتاً «، وكان مِنْ حقِّ هذا أن يَفْصِل بينهما بتأكيدٍ أو فاصلٍ ما. إلاَّ أنَّ القائلَ بذلك لا يَشْترط وهو الكسائيُّ. وأيضاً فهو جائزٌ في الضرورة عند الكل. الخامس: أن يكونَ» مُجَلَّف «مصدراً بزنة اسم المفعول كقولِه تعالى: ﴿كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ [سبأ: ١٩] أي: تَجْليف وتمزيق، وعلى هذا فهو نَسَقٌ علت» عَضُّ زمانٍ «إذ التقدير: رَمَتْ بنا همومٌ المُنَى وعَضُّ زمانٍ أو تجليف، فهو فاعلٌ لعطفِه على الفاعل، وهو قولُ الفارسيِّ. وهو عندي أحسنُها.
الروايةُ الثانية: فتحُ الياءِ وكسرُ الدال ورفعُ مُسْحت. وتخريجُها واضحٌ: وهو أن تكون مِنْ وَدَع في بيته يَدِع فهو وادع، بمعنى: بقي يبقى فهو باقٍ، فيرتفعُ مُسْحَتٌ بالفاعلية، ويُرْفَعُ» مُجَلَّفُ «بالعطفِ عليه. ولا بُدَّ حينئذٍ من ضميرٍ محذوفٍ وتقديرُه: مِنْ أجله أو بسببه.... الكلام.
الرواية الثالثة:» يُدَعْ «بضمِّ الياء وفتح الدال على ما لم يُسَمَّ فاعلُه، و» مُسْحَت «بالرفع لقيامِه مَقام الفاعلِ، و» مُجَلَّف «عطفٌ عليه. وكان مِنْ حَقِّ الواو أن لا تُحْذف، بل تَثْبُتُ لأنها لم تقع بين ياءٍ وكسرة، وإنما حُذِفَتْ حملاً للمبني للمفعول على المبني للفاعل. وفي البيت كلامٌ أطولُ من هذا تركتُه
الروايةُ الثانية: فتحُ الياءِ وكسرُ الدال ورفعُ مُسْحت. وتخريجُها واضحٌ: وهو أن تكون مِنْ وَدَع في بيته يَدِع فهو وادع، بمعنى: بقي يبقى فهو باقٍ، فيرتفعُ مُسْحَتٌ بالفاعلية، ويُرْفَعُ» مُجَلَّفُ «بالعطفِ عليه. ولا بُدَّ حينئذٍ من ضميرٍ محذوفٍ وتقديرُه: مِنْ أجله أو بسببه.... الكلام.
الرواية الثالثة:» يُدَعْ «بضمِّ الياء وفتح الدال على ما لم يُسَمَّ فاعلُه، و» مُسْحَت «بالرفع لقيامِه مَقام الفاعلِ، و» مُجَلَّف «عطفٌ عليه. وكان مِنْ حَقِّ الواو أن لا تُحْذف، بل تَثْبُتُ لأنها لم تقع بين ياءٍ وكسرة، وإنما حُذِفَتْ حملاً للمبني للمفعول على المبني للفاعل. وفي البيت كلامٌ أطولُ من هذا تركتُه
62
اختصاراً وهذا لُبُّه. وقد ذكرته في البقرة وفَسَّرْت معناه ولغَته، ووَصَلْتُه بما قبله فعليك بالالتفاتِ إليه.
63
قوله: ﴿إِنْ هذان﴾ : اختلف القُرَّاءُ في هذه الآيةِ الكريمة: فقرأ ابن كثيرٍ وحدَه «إنْ هذانِّ» بتخفيف إنْ، والألفِ، وتشديدِ النون. وحفصٌ كذلك إلاَّ أنه خَفَّف نونَ «هذانٍ». وقرأ أبو عمرو «إنَّ» بالتشديد «هذين» بالياء وتخفيفِ النون. والباقون كذلك إلاَّ أنهم قَرَؤوا/ «هذان» بالألف.
فأَمَّا القراءةُ الأولى وهي قراءةُ ابنِ كثير وحفص فأوضحُ القراءاتِ معنىً ولفظاً وخَطَّاً؛ وذلك أنهما جعلا «إنْ» المخففةَ من الثقيلة فَأُهْمِلَتْ، ولَمَّا أُهْمِلَتْ كما هو الأفصحُ مِنْ وجهيها خِيْفَ التباسُها بالنافية فجيء باللامِ فارقةً في الخبر. ف «هذان» مبتدأٌ، و «لَساحران» خبرُه، ووافَقَتْ خَطَّ المصحفِ؛ فإن الرسم «هذن» بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ وسيأتي بيانُ ذلك.
وأمَّا تشديدُ نونِ «هذان» فعلى ما تقدَّم في سورةِ النساءِ، وقد أَتْقَنتُ ذلك هناك.
فأَمَّا القراءةُ الأولى وهي قراءةُ ابنِ كثير وحفص فأوضحُ القراءاتِ معنىً ولفظاً وخَطَّاً؛ وذلك أنهما جعلا «إنْ» المخففةَ من الثقيلة فَأُهْمِلَتْ، ولَمَّا أُهْمِلَتْ كما هو الأفصحُ مِنْ وجهيها خِيْفَ التباسُها بالنافية فجيء باللامِ فارقةً في الخبر. ف «هذان» مبتدأٌ، و «لَساحران» خبرُه، ووافَقَتْ خَطَّ المصحفِ؛ فإن الرسم «هذن» بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ وسيأتي بيانُ ذلك.
وأمَّا تشديدُ نونِ «هذان» فعلى ما تقدَّم في سورةِ النساءِ، وقد أَتْقَنتُ ذلك هناك.
63
وأمَّا الكوفيون فيزعمون أنَّ «إنْ» نافيةٌ بمعنى ما، واللامُ بمعنى إلاَّ، وهو خلافٌ مشهورٌ وقد وافقَ تخريجُهم هنا قراءةَ بعضِهم «ما هذانِ إلاَّ ساحران».
وأمَّا قراءةُ أبي عمروٍ فواضحةٌ من حيث الإِعرابُ والمعنى. أمَّا الإِعرابُ ف «هذَيْن» اسمُ «إنَّ» وعلامةُ نصبِه الياءُ. و «لَساحِران» خبرُها، ودخَلَتِ اللام توكيداً. وأمَّا مِنْ حيث المعنى: فإنَّهم أَثْبتوا لهما السحرَ بطريق تأكيديٍّ من طرفيه، ولكنهم استشكلُوها من حيث خَطُّ المصحفِ؛ وذلك أنَّ رَسْمَه «هذن» بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ، فإثباتُه بالياءِ زيادةٌ على خطِّ المصحفِ. قال أبو إسحاق: «لا أُجيز قراءةَ أبي عمرو لأنَّها خلافُ المصحفِ». وقال أبو عبيد: «رأيتُهما في الإِمام مصحفِ عثمان» هذن «ليس فيها ألفٌ، وهكذا رأيتُ رفعَ الاثنين في ذلك المصحفِ بإسقاط الألفِ، وإذا كتبوا النصبَ والخفضَ كتبُوه بالياء، ولا يُسْقِطونها».
قلت: وهذا لا ينبغي أَنْ يُرَدَّ به على أبي عمرو، وكم جاء في الرسم أشياءُ خارجةٌ عن القياسِ، وقد نَصُّوا هم أنه لا يجوزُ القراءةُ بها فليكنْ هذا منها، أعني ممَّا خَرَجَ عن القياس. فإن قلتَ: ما نَقَلْتَه عن أبي عبيد مشتركُ الإِلزامِ بين أبي عمروٍ وغيرِه، فإنهم كما اعترضوا عليه بزيادةِ الياء يُعْترض عليهم بزيادةِ الألفِ: فإنَّ الألفَ ثابتةٌ في قراءتِهم، ساقطةٌ من خَطِّ
وأمَّا قراءةُ أبي عمروٍ فواضحةٌ من حيث الإِعرابُ والمعنى. أمَّا الإِعرابُ ف «هذَيْن» اسمُ «إنَّ» وعلامةُ نصبِه الياءُ. و «لَساحِران» خبرُها، ودخَلَتِ اللام توكيداً. وأمَّا مِنْ حيث المعنى: فإنَّهم أَثْبتوا لهما السحرَ بطريق تأكيديٍّ من طرفيه، ولكنهم استشكلُوها من حيث خَطُّ المصحفِ؛ وذلك أنَّ رَسْمَه «هذن» بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ، فإثباتُه بالياءِ زيادةٌ على خطِّ المصحفِ. قال أبو إسحاق: «لا أُجيز قراءةَ أبي عمرو لأنَّها خلافُ المصحفِ». وقال أبو عبيد: «رأيتُهما في الإِمام مصحفِ عثمان» هذن «ليس فيها ألفٌ، وهكذا رأيتُ رفعَ الاثنين في ذلك المصحفِ بإسقاط الألفِ، وإذا كتبوا النصبَ والخفضَ كتبُوه بالياء، ولا يُسْقِطونها».
قلت: وهذا لا ينبغي أَنْ يُرَدَّ به على أبي عمرو، وكم جاء في الرسم أشياءُ خارجةٌ عن القياسِ، وقد نَصُّوا هم أنه لا يجوزُ القراءةُ بها فليكنْ هذا منها، أعني ممَّا خَرَجَ عن القياس. فإن قلتَ: ما نَقَلْتَه عن أبي عبيد مشتركُ الإِلزامِ بين أبي عمروٍ وغيرِه، فإنهم كما اعترضوا عليه بزيادةِ الياء يُعْترض عليهم بزيادةِ الألفِ: فإنَّ الألفَ ثابتةٌ في قراءتِهم، ساقطةٌ من خَطِّ
64
المصحفِ. فالجواب ما تقدَّم مِنْ قولِ أبي عبيدٍ أنهم رآهم يُسْقِطون الألفَ مِنْ رفع الاثنين، فإذا كتُبوا النصبَ والخفضَ كتبُوه بالياء.
وذهب جماعةٌ منهم عائشةُ رضي الله عنها وأبو عمروٍ إلى أن هذا ممّا لَحَنَ فيه الكاتبُ وأُقيم بالصواب.
يَعْنُون أنه كان مِنْ حقه أن يكتبَه بالياءِ فلم يفعلْ، فلم يقرَأْه الناسُ إلاَّ بالياءِ على الصوابِ.
وأمَّا قراءةُ الباقين ففيها أوجه، أحدُها: أن «إنَّ» بمعنى نَعَمْ، و «هذان» مبتدأٌ، و «لَساحران» خبرُه، وكَثُرَ ورودُ «إنَّ» بمعنى نعم وأنشدوا:
أي: فقلت: نَعَمْ. والهاءُ للسَّكْتِ. وقال رجلٌ لابن الزبير: لَعَن اللهُ ناقةً حَمَلَتْني إليكَ. فقال: «إنَّ وصاحبَها» أي: نعم. ولَعَنَ صاحبَها. وهذا رأيُ المبردِ وعلي بن سليمان في آخرين. وهو مردودٌ من وجهين، أحدهما: عدمُ ثبوتِ «إنَّ» بمعنى نعم، وما أوردُه مُؤَوَّلٌ: أمَّا البيتُ فإنّ الهاءَ اسمُها، والخبرَ محذوفٌ لفهمِ المعنى تقديرُه: إنه كذلك. وأمَّا قولُ ابنِ الزبير فذلك مِنْ حَذْفِ المعطوفِ عليه وإبقاءِ المعطوف وحَذْفِ خبر «إنَّ»
وذهب جماعةٌ منهم عائشةُ رضي الله عنها وأبو عمروٍ إلى أن هذا ممّا لَحَنَ فيه الكاتبُ وأُقيم بالصواب.
يَعْنُون أنه كان مِنْ حقه أن يكتبَه بالياءِ فلم يفعلْ، فلم يقرَأْه الناسُ إلاَّ بالياءِ على الصوابِ.
وأمَّا قراءةُ الباقين ففيها أوجه، أحدُها: أن «إنَّ» بمعنى نَعَمْ، و «هذان» مبتدأٌ، و «لَساحران» خبرُه، وكَثُرَ ورودُ «إنَّ» بمعنى نعم وأنشدوا:
٣٢٩٧ - بَكَرَ العَواذِلُ في المَشِيْ | بِ يَلُمْنَني وأَلوْمُهُنَّهْ |
ويَقلْن شَيْبٌ قد عَلا | كَ وقد كَبِرْتَ فقلتُ إنَّهْ |
65
للدلالةِ عليه، تقديره: إنَّها وصاحَبها ملعونان، وفيه تكلُّفٌ لا يَخْفَى والثاني: دخولُ اللامِ على خبرِ المبتدأ غيرِ المؤكَّد ب «إنَّ» المكسورةِ، لأَنَّ مثلَه لا يقعُ إلاَّ ضرورةً كقولِه:
وقد يُجاب عنه: بأنَّ «لَساحِران» يجوزُ أَنْ يكونَ خبرَ مبتدأ محذوفٍ دَخَلَتْ عليه هذه اللامُ تقديرُه: لهما ساحران. وقد فعل ذلك الزجاج كما ستأتي حكايتُه عنه.
الثاني: أنَّ اسمَها ضميرُ القصةِ وهو «ها» التي قبل «ذان» وليست ب «ها» التي للتنبيهِ الداخلةِ على أسماءِ الإِشارةِ، والتقدير: إنَّ القصةَ ذانِ لساحران. وقد رَدُّوا هذا من وجهين، أحدهما: من جهةِ الخَطِّ، وهو أنه لو كان كذلك لكان ينبغي أن تُكتبَ «إنها» فيصِلوا الضميرَ بالحرفِ قبلَه كقوله تعالى: ﴿فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار﴾ [الحج: ٤٦] فكَتْبُهم إياها مفصولةً من «إنَّ» متصلةً باسمِ الإِشارة يمنع كونَها ضميراً، وهو واضح. الثاني: أنَّه يؤدِّي إلى دخولِ لامِ الابتداءِ في الخبرِ غيرِ المنسوخِ. وقد يُجاب عنه بما تقدَّم.
الثالث: أنَّ اسمَها ضميرُ الشأنِ محذوفٌ، والجملةُ من المبتدأ والخبرِ
٣٢٩٨ - أمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوْزٌ شَهْرَبَهْ | تَرْضَى من اللحمِ بعظمِ الرَّقَبَهْ |
الثاني: أنَّ اسمَها ضميرُ القصةِ وهو «ها» التي قبل «ذان» وليست ب «ها» التي للتنبيهِ الداخلةِ على أسماءِ الإِشارةِ، والتقدير: إنَّ القصةَ ذانِ لساحران. وقد رَدُّوا هذا من وجهين، أحدهما: من جهةِ الخَطِّ، وهو أنه لو كان كذلك لكان ينبغي أن تُكتبَ «إنها» فيصِلوا الضميرَ بالحرفِ قبلَه كقوله تعالى: ﴿فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار﴾ [الحج: ٤٦] فكَتْبُهم إياها مفصولةً من «إنَّ» متصلةً باسمِ الإِشارة يمنع كونَها ضميراً، وهو واضح. الثاني: أنَّه يؤدِّي إلى دخولِ لامِ الابتداءِ في الخبرِ غيرِ المنسوخِ. وقد يُجاب عنه بما تقدَّم.
الثالث: أنَّ اسمَها ضميرُ الشأنِ محذوفٌ، والجملةُ من المبتدأ والخبرِ
66
بعدَه في محلِّ رفعٍ خبراً ل «إنَّ»، التقديرُ: إنَّه، أي: الأمرُ والشأنُ. وقد ضُعِّفَ هذا بوجهين، أحدهما: حَذْفُ اسمِ «إن»، وهو غيرُ جائزٍ إلاَّ في شعرٍ، بشرطِ أَنْ لا تباشرَ «إنَّ» فعلاً كقولِه:
والثاني: دخولُ اللام في الخبرِ.
وقد أجابَ الزجَّاج بأنها داخلةٌ على مبتدأ محذوفٍ تقديرُه: لهما ساحران. وهذا قد استحسنه شيخُه المبردُ، أعني جوابَه بذلك.
الرابع: أنَّ «هذان» اسمُها، و «لَساحران» خبرُها. وقد رُدَّ هذا بأنه كان ينبغي أَنْ يكونَ «هذين» بالياءِ كقراءةِ أبي عمرو.
وقد أُجيب عن ذلك: بأنه على لغةِ بني الحارثِ وبين الهُجَيْم وبني العَنْبر وزُبَيْد وعُذْرَة ومُراد وخَثْعَم. وحكى هذه اللغةَ الأئمةُ الكبارُ كأبي الخَطَّاب وأبي زيد الأنصاري والكسائي. قال أبو زيد: «سمعتُ من العربِ مَنْ يَقْلِبُ كلَّ ياءٍ ينفتح ما قبلها ألفاً»، يجعلون المثنى كالمقصورِ فيُثْبِتون ألفاً في جميع أحواله، ويُقَدِّرون إعرابَه بالحركاتِ، وأنشدوا قولَه:
٣٢٩٩ - إنَّ مَنْ يَدْخُلِ الكنيسةَ يوماً | يَلْقَ فيها جَآذراً وظِباءَ |
وقد أجابَ الزجَّاج بأنها داخلةٌ على مبتدأ محذوفٍ تقديرُه: لهما ساحران. وهذا قد استحسنه شيخُه المبردُ، أعني جوابَه بذلك.
الرابع: أنَّ «هذان» اسمُها، و «لَساحران» خبرُها. وقد رُدَّ هذا بأنه كان ينبغي أَنْ يكونَ «هذين» بالياءِ كقراءةِ أبي عمرو.
وقد أُجيب عن ذلك: بأنه على لغةِ بني الحارثِ وبين الهُجَيْم وبني العَنْبر وزُبَيْد وعُذْرَة ومُراد وخَثْعَم. وحكى هذه اللغةَ الأئمةُ الكبارُ كأبي الخَطَّاب وأبي زيد الأنصاري والكسائي. قال أبو زيد: «سمعتُ من العربِ مَنْ يَقْلِبُ كلَّ ياءٍ ينفتح ما قبلها ألفاً»، يجعلون المثنى كالمقصورِ فيُثْبِتون ألفاً في جميع أحواله، ويُقَدِّرون إعرابَه بالحركاتِ، وأنشدوا قولَه: