وآياتها اثنتا عشر ومائة
كلماتها : ١١٧٨ ؛ حروفها : ٤٨٩٠
ﰡ
﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ { ١ ) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ { ٢ ) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ { ٣ ) قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ { ٤ ) بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ { ٥ ) مَا آَمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ { ٦ ) ﴾
دنا للناس وقت بعثهم من قبورهم، وسوقهم إلى ربهم، وسؤالهم عن أقوالهم وأفعالهم ونياتهم، ومجازاتهم بما قدموا في حياتهم، وهم في سهو وجهالة عما يفعل بهم، وقد أعرضوا عن ذلك فتركوا الفكر فيه، والاستعداد له ١ والتزود بما ينجي من أحواله وأهواله إن شاء الله ؛ [ فإن قيل : كيف وصف بالاقتراب وقد مضى دون هذا القول مئات من الأعوام ؟ فالجواب : أن كل ما هو آت قريب... ومما يدل على أن الباقي... أقل من الماضي قوله صلى الله عليه وسلم : " بعثت أنا والساعة كهاتين " - وأشار بالسبابة والتي تليها ؛ وفي ذكر هذا الاقتراب تنبيه للغافلين، وزجر للمذنبين، فالمراد بالناس : كل من له مدخل في الحساب وهم جميع المكلفين ؛ وما روى ابن عباس أن المراد بالناس : المشركون، فمن باب إطلاق اسم الجنس على بعضه بالدليل القائم، وهو ما يتلوه من صفات المشركين من الغفلة والإعراض وغيرهما ]٢. ﴿ ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون. لاهية قلوبهم ] مما أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن :{ محدث ﴾ نعت ل﴿ ذكر ﴾... يريد في النزول وتلاوة جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان ينزل سورة بعد سورة، وآية بعد آية، كما ينزله الله تعالى في وقت بعد وقت ؛ لا أن القرآن مخلوق ؛ وقيل : الذكر : ما يذكرهم به النبي صلى الله عليه وسلم ويعظهم به ؛ وقال :﴿ من ربهم ﴾ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق إلا بالوحي فوعظ النبي صلى الله عليه وسلم وتحذيره ذكر، وهو محدث ؛ قال الله تعالى :﴿ فذكر إنما أنت مذكر )٣... { إلا استمعوه ﴾ يعني محمد صلى الله عليه وسلم، أو القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم أو من أمته ﴿ وهم يلعبون ﴾ الواو : واو الحال يدل عليه ﴿ لاهية قلوبهم ﴾ ومعنى :﴿ يلعبون ﴾ أي يلهون.. فإن حمل تأويله على اللهو احتمل ما يلهون به وجهين : أحدهما بلذاتهم ؛ الثاني بسماع ما يتلى عليهم ؛ وإن حمل تأويله على الشغل احتمل ما يتشاغلون به وجهين : أحدهما بالدنيا لأنها لعب ؛ كما قال تعالى. { إنما الحياة الدنيا لعب ولهو.. )٤ ؛ الثاني يتشاغلون بالقدح فيه، والاعتراض عليه... اه
٢ ما بين العلامتين مقتبس مما أورد النيسابوري.
٣ سورة الغاشية. الآية ٢١..
٤ سورة محمد. من الآية ٣٦.
٢ سورة يونس. من الآية ٦١..
﴿ رجالا ﴾ ذكورا من بني آدم، بلغوا سن الاكتهال.
﴿ أهل الذكر ﴾ أهل العلم ؛ قال ابن زيد : أهل العلم بالقرآن.
يقول تعالى ذكره لنبيه : وما أرسلناك يا محمد قبلك رسولا إلى أمة من الأمم التي خلت قبل أمتك إلا رجالا مثلهم نوحي إليهم ما نريد أن نوحيه إليهم من أمرنا ونهينا لا ملائكة ؛ فماذا أنكروا من إرسالنا إليهم ؟ وأنت رجل كسائر الرسل الذين قبلك إلى أممهم ؛ وقوله :﴿ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ﴾١... عن قتادة : فاسألوا أهل التوراة والإنجيل قال أبو جعفر : أراه أنا قال : يخبركم أن الرسل كانوا رجالا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق... قال ابن زيد في قوله :﴿ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ﴾ قال : أهل القرآن ؛ والذكر : القرآن ؛ وقرأ :﴿ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )٢. { وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين ﴾ وما جعلنا الأنبياء قبلك لا يأكلون ولا يشربون بل كانوا كسائر البشر يأكلون ويموتون ؛ [ فلعلهم اعتقدوا خلود الملائكة لا أقل من العمر الطويل ؛ ولابد من تقدير مضاف محذوف، أي : وما جعلنا الأنبياء قبلك ذوي جسد غير طاعمين، وإلا قيل : وما جعلنا لهم جسدا، ووحد الجسد لإرادة الجنس.. ]٣.
٢ سورة الحجر. الآية ٩..
٣ ما بين العلامتين [ ] من تفسير غرائب القرآن..
مكية
وآياتها اثنتا عشر ومائة
كلماتها : ١١٧٨ ؛ حروفها : ٤٨٩٠
﴿ صدقناهم الوعد ﴾ آتيناهم ما وعدناهم، من الاستجابة لهديهم، والنصر على عدوهم. ﴿ المسرفين ﴾ المتجاوزين الحد عدوانا وكفرا.
ثم صدقنا رسلنا في وعدنا الذي وعدناهم بالتأييد على عدوهم، وحين جاء موعد انتقامنا من المكذبين أنجينا الرسل وأتباعهم المؤمنين، ودمرنا الطاغين الكافرين ؛ ونصرنا أهل الحق فكانوا هم الغالبين.
﴿ كتابا فيه ذكركم ﴾ قرآنا فيه شرفكم.
حق يقسم عليه أن الكتاب العزيز، العربي المبين، فيه حديثكم كما روي عن مجاهد، قال : فيه حديثكم أفلا تعقلون ؟ قال في { قد أفلح )١ :{ .. بل آتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون )٢ ؛ وعن سفيان : نزل القرآن بمكارم الأخلاق.. ؛ أو المراد الشرف، كما جاء في قول الحق سبحانه :{ وإنه لذكر لك ولقومك.. )٣ ؛ نقل ابن جرير :... لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه شرفكم.. وذلك أنه شرف لمن اتبعه وعمل بما فيه. ا ه.
٢ سورة المؤمنون. من الآية ٧١..
٣ سورة الزخرف. من الآية٤٤..
﴿ قصمنا ﴾ كسرنا. ﴿ وأنشأنا ﴾ أوجدنا.
﴿ أترفتم ﴾ وسع عليكم حتى بطرتم.
فتقول لهم الملائكة العذاب أو من كان قريبا من مساكنهم من المؤمنين : لا تفروا ولا تولوا يقولون ذلك استهزاء بهم وعودوا إلى نعمكم التي كانت سبب بطركم، وإلى مساكنكم التي كنتم تتطاولون في بنائها، وتفتخرون بتشييدها وملكها ! فربما يغشاكم من يسألكم، أو يلقاكم من يستعلم عن أحوالكم ومآلكم.
﴿ يا ويلنا ﴾ نادوا الويل والعذاب أن هذا أوانك ووقتك.
ما خلق الله تعالى السماوات والأرضين وما فيهن ومن فيهن عبثا أو مجازفة، لكنه سبحانه خلق ذلك بالقسط عدلا ومجازاة، كما بين الحكمة في قوله الكريم :{ .. ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى )١ ؛ وحاش لله أن يكون فعله لهوا، وتبارك مولانا القائل في محكم التنزيل :{ وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار. أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار )٢.
٢ سورة ص. الآيتان: ٢٧، ٢٨..
﴿ لا يستكبرون عن عبادته ﴾ أي لا يعدون أنفسهم كبراء، ولا يتعظمون عن العبادة، ولا يأنفون عن التخشع والخضوع لجلاله سبحانه ؛ ﴿ ولا يستحسرون ﴾ لا يتعبون ولا يعيون ولا يملون.
٢ ما بين العارضتين أورده الألوسي..
﴿ الويل ﴾ العذاب.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧:﴿ لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين ﴾ نقل صاحب روح المعاني عن صاحب الكشف ما حاصله : لو أردنا اتخاذ لهو لكان اتخاذ لهو من جهتنا حكمة اتخذتموها لهوا من جهتكم، وهذا عين الجد والحكمة، فهو في معنى : لو أردناه لامتنع... والممتنع لا يصلح متعلقا للقدرة، ورجح أن تكون ﴿ إن ﴾ في قول الحق سبحانه ﴿ إن كنا فاعلين ﴾ نافية، وقال : كما عليه جمهور المفسرين وحسنه بالغ الحسن.. اه ؛ فكأن المعنى : ما كنا لنفعل ذلك ؛ ولهذا جاء بعدها :﴿ بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه ﴾ لكنا لا نريد لهوا ولا عبثا بل شأننا أن نغلب الحق الذي من جملته الجد على الباطل الذي من جملته اللهو، وتخصيص هذا الشأن من بين شؤونه تعالى بالذكر للتخلص لما سيأتي إنشاء الله تعالى من الوعيد ١. قال مجاهد : الحق هنا القرآن، والباطل : الشيطان، وقيل : الحق : المواعظ ؛ والباطل : المعاصي ؛ والقرآن يتضمن الحجة والموعظة ؛ ولله من في السماوات والأرض ملكا وخلقا وله تعالى خاصة جميع المخلوقات خلقا وملكا وتدبيرا وتصريفا، وإحياء وإماتة، وتعذيبا وإثابة، من غير أن يكون لأحد في ذلك دخل ما استقلالا واستتباعا... وفي الإتقان : حيث يراد العدد يؤتى بالسماء مجموعة، وحيث يراد الجهة يؤتى بها مفردة، ﴿ من عنده ﴾ وهم الملائكة مطلقا عليهم السلام... والمراد بالعندية : عندية الشرف لا عندية المكان، وقد شبه قرب المكانة والمنزلة بقرب المكان والمسافة.. ٢.
﴿ لا يستكبرون عن عبادته ﴾ أي لا يعدون أنفسهم كبراء، ولا يتعظمون عن العبادة، ولا يأنفون عن التخشع والخضوع لجلاله سبحانه ؛ ﴿ ولا يستحسرون ﴾ لا يتعبون ولا يعيون ولا يملون.
٢ ما بين العارضتين أورده الألوسي..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧:﴿ لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين ﴾ نقل صاحب روح المعاني عن صاحب الكشف ما حاصله : لو أردنا اتخاذ لهو لكان اتخاذ لهو من جهتنا حكمة اتخذتموها لهوا من جهتكم، وهذا عين الجد والحكمة، فهو في معنى : لو أردناه لامتنع... والممتنع لا يصلح متعلقا للقدرة، ورجح أن تكون ﴿ إن ﴾ في قول الحق سبحانه ﴿ إن كنا فاعلين ﴾ نافية، وقال : كما عليه جمهور المفسرين وحسنه بالغ الحسن.. اه ؛ فكأن المعنى : ما كنا لنفعل ذلك ؛ ولهذا جاء بعدها :﴿ بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه ﴾ لكنا لا نريد لهوا ولا عبثا بل شأننا أن نغلب الحق الذي من جملته الجد على الباطل الذي من جملته اللهو، وتخصيص هذا الشأن من بين شؤونه تعالى بالذكر للتخلص لما سيأتي إنشاء الله تعالى من الوعيد ١. قال مجاهد : الحق هنا القرآن، والباطل : الشيطان، وقيل : الحق : المواعظ ؛ والباطل : المعاصي ؛ والقرآن يتضمن الحجة والموعظة ؛ ولله من في السماوات والأرض ملكا وخلقا وله تعالى خاصة جميع المخلوقات خلقا وملكا وتدبيرا وتصريفا، وإحياء وإماتة، وتعذيبا وإثابة، من غير أن يكون لأحد في ذلك دخل ما استقلالا واستتباعا... وفي الإتقان : حيث يراد العدد يؤتى بالسماء مجموعة، وحيث يراد الجهة يؤتى بها مفردة، ﴿ من عنده ﴾ وهم الملائكة مطلقا عليهم السلام... والمراد بالعندية : عندية الشرف لا عندية المكان، وقد شبه قرب المكانة والمنزلة بقرب المكان والمسافة.. ٢.
﴿ لا يستكبرون عن عبادته ﴾ أي لا يعدون أنفسهم كبراء، ولا يتعظمون عن العبادة، ولا يأنفون عن التخشع والخضوع لجلاله سبحانه ؛ ﴿ ولا يستحسرون ﴾ لا يتعبون ولا يعيون ولا يملون.
٢ ما بين العارضتين أورده الألوسي..
﴿ لا يفترون ﴾ لا يضعفون ولا ينقطعون.
يصلون ويذكرون وينزهون المولى تبارك وتعالى كل وقتهم دون ضعف أو انقطاع أو سأم ؛ يقول المفسرون : ثم إن كون الملائكة يسبحون الليل والنهار لا يستلزم أن يكون عندهم في السماء ليل ونهار، لأن المراد : إفادة دوامهم التسبيح على وجه المتعارف نقل عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال : جلست إلى كعب الأحبار وأنا غلام، فقلت له : أرأيت قول الله تعالى للملائكة :﴿ يسبحون الليل والنهار لا يفترون ﴾ أما يشغلهم عن التسبيح الكلام والرسالة والعمل ؟ فقال : من هذا الغلام ؟ فقالوا : من بني عبد المطلب، قال : فقبل رأسي ثم قال : يا بني ! إنه جعل لهم التسبيح كما جعل لكم النفس، أليس تتكلم وأنت تتنفس وتمشي وأنت تتنفس ؟ ١.
﴿ ينشرون ﴾ يحيون الموتى.
بدأت السورة الكريمة بالدعوة إلى الإيمان بالآخرة، ثم ثنت بالدعوة إلى الإيمان بالرسالة، وهذه الآيات فيها دعوة إلى الإيمان بالله الواحد ونفي الأنداد والأضداد، والأعوان والشركاء ؛ ﴿ أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون ﴾ قال المفضل : مفهوم هذا الاستفهام الجحد، أي : لم يتخذوا آلهة تقدر على إحياء الموتى !، يقول صاحب روح المعاني :﴿ أم اتخذوا آلهة ﴾ حكاية لجناية أخرى من جنايات أولئك الكفرة هي أعظم من جناية طعنهم في النبوة، ﴿ أم ﴾ هي المنقطعة، تقدر ببل الإضرابية، والهمزة الإنكارية، وهي لإنكار الوقوع لا إنكار الواقع، وقوله تعالى﴿ من الأرض ﴾ متعلق باتخذوا، و﴿ من ﴾ ابتدائية، على معنى : أن اتخاذهم إياها مبتدأ من أجزاء الأرض كالحجارة وأنواع المعادن ؛ ويجوز كونها تبعيضية... ﴿ هم ينشرون ﴾ أي : يبعثون الموتى صفة لآلهة.
أربا واحدا أم ألف رب | أدين إذا تقسمت الأمور |
تركت اللات والعزى جميعا | كذلك يفعل الرجل البصير ٣ |
٢ سورة الزمر. من الآية ٢٩..
٣ ما بين العارضتين مما أورده النيسابوري..
﴿ لا يسأل عما يفعل ﴾ لا يعترض فعله أحد.
﴿ يسألون ﴾ يحاسبهم الله تعالى على ماعملوه.
قال ابن جريج : المعنى : لا يسأله الخلق عن قضائه في خلقه، وهو يسأل الخلق عن عملهم، لأنهم عبيد ؛ بين هذا أن من يسأل غدا عن أعماله كالمسيح والملائكة لا يصلح للإلهية ؛ وروى عن علي رضي الله عنه أن رجلا قال له : يا أمير المؤمنين ! أيحب ربنا أن يعصى ؟ قال : أفيعصى ربنا قهرا ؟ قال : أرأيت إن منعني الهدى ومنحني الردى، أأحسن إلي أم أساء ؟ قال : إن منعك حقك فقد أساء، وإن منعك فضله يؤتيه من يشاء، ثم تلا الآية :﴿ لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ﴾.
﴿ برهانكم ﴾ حجتكم ودليلكم. ﴿ هذا ذكر من معي ﴾ تذكرتهم وموعظتهم، أو الكتاب المنزل لهم.
أعاد التعجب في اتخاذ الآلهة من دون الله في التوبيخ... وقيل : الأول احتجاج من حيث المعقول ؛ لأنه قال :﴿ هم ينشرون ﴾ ويحيون الموتى ؟ هيهات ١ ؛ ﴿ قل هاتوا برهانكم ﴾ احتجاج بالمنقول، أي : في أي كتاب قرأتم أن مع الله تعالى آلهة أخرى ؟ ! وهذا الإبطال لما ادعوه من جهة العقل والنقل جاء مثله في قول الحق جل علاه :{ قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين )٢.
﴿ هذا ذكر من معي وذكر من قبلي ﴾ هذا الوحي فيه تذكرة وموعظة للذين بعثت فيهم، وذكر من كانوا قبلي، أو : هذا الذكر الحكيم الذي أنزل للأمة الخاتمة، وهذا ما أنزل الله تعالى على الأمم السالفة، ففي أي أحد منها وجدتم ما يسوغ لكم مجرد شبهة في تفرد الخلاق العليم بالألوهة ؟ ! قال قتادة : الإشارة إلى القرآن ؛ المعنى :﴿ هذا ذكر من معي ﴾ بما يلزمهم من الحلال والحرام ﴿ وذكر من قبلي ﴾ من الأمم ممن نجا بالإيمان وهلك بالشرك.
﴿ بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون ﴾ فيه تنبيه على أن وقوعهم في هذا الزيغ ليس لأجل دليل ساقهم إليه، بل لأن عندهم ما هو أصل الشر والفساد، وهو عدم العلم وفقد التمييز بين الحق والباطل، فلذلك أعرضوا عن سماع الحق وطلبه ؛ وفي لفظ الأكثر إشارة إلى أن فيهم من يعلم ولكنه يعاند. ٣
٢ سورة الأحقاف. الآية ٣..
٣ بعض هذا مقتبس من تفسير غرائب القرآن..
﴿ سبحانه ﴾ تنزيها له وتقديسا وتبرئة مما يفترون، وينسبونه إلى الله تعالى عما يقولون
﴿ ما بين أيديهم ﴾ ما أمامهم. ﴿ وما خلفهم ﴾ ما وراءهم.
﴿ يشفعون ﴾ يتضرعون إلى ربهم ويسألونه العفو عن المذنب، والتجاوز عن المؤاخذة.
عن ابن عباس : يعلم ما عملوا وما هم عاملون ؛ وعنه :﴿ ما بين أيديهم ﴾ الآخرة ؛ ﴿ وما خلفهم ﴾ الدنيا ؛ ﴿ ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ﴾ هو كقول الحق سبحانه :{ يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن.. )١ وكذا ما في الآية الكريمة :{ ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له.. )٢ ؛ عن ابن عباس : من قال لا إله إلا الله، شفاعتهم الاستغفار، وهي تكون في الدنيا والآخرة ؛ ومصداق ذلك في كتاب الله :{ الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا.. )٣ ؛ { .. والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض )٤.
﴿ وهم من خشيته مشفقون ﴾ والملائكة الكرام عليهم السلام من خشية الله الكبير المتعال وخوف غضبه على حذر ورقبة ؛ فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون وقيل : يحتمل أن يكون المعنى، أنهم يخشون الله تعالى، ومع ذلك يحذرون من وقوع تقصير في خشيتهم... وفرق بين الخشية والإشفاق بأن الأول : خوف مشوب بتعظيم ومهابة، ولذلك خص به العلماء في قوله تعالى :{ .. إنما يخشى الله من عباده العلماء.. )٥ ؛ والثاني : خوف مع اعتناء، ويعدى بمن [ فيقال : أشفقت من كذا ].. وقد يعدى بعلى [ كما يقال : أشفق على ولده ] بملاحظة الحنو والعطف ٦.
٢ سورة سبأ. من الآية ٢٣..
٣ سورة غافر. من الآية ٧..
٤ سورة الشورى. من الآية ٥..
٥ سورة فاطر. من الآية ٢٨.
٦ ما بين العارضتين من روح المعاني.
﴿ ومن يقل منهم ﴾ ومن يقل من الملائكة على سبيل الفرض ﴿ إني إله من دونه ﴾ فيدعي الألوهية متجاوزا مقام المعبود بحق جل ثناؤه ﴿ فذلك نجزيه جهنم ﴾ فذلك الذي فرض قول ما ذكر فرض محال نجعل جزاءه عذاب النار وحر السعير ﴿ كذلك نجزي الظالمين ﴾ مثل ذلك الجزاء الوبيل نجزي كل متجاوز حده متعد طوره وليس أنقص من هذا الجزاء. [ وهذا شرط، والشرط لا يلزم وقوعه، كقوله :{ قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين )١ ]٢.
﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ { ٣٠ ) وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ { ٣١ ) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ { ٣٢ ) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ { ٣٣ ) ﴾.
﴿ أو لم ير ﴾ أو لم يعلم ؟ ! ﴿ رتقا ﴾ ملتصقتين. ﴿ ففتقناهما ﴾ ففصلناهما. ﴿ من الماء كل شيء حي ﴾ أصل الأحياء الماء.
الاستفهام للإنكار ؛ والواو للعطف على مقدر ؛ والرؤية قلبية بصيرية أي : ألم يتفكروا ويعلموا ؟ ! يقبح الله تعالى غفلة الغافلين، وإعراض الناس عن التدبر في بديع صنع رب العالمين، وفي حكمة واقتدار الملك ذي القوة المتين ؛ تجهيل لهم بتقصيرهم عن التدبر في الآيات التكوينية الدالة على عظيم قدرته وتصرفه وكون جميع ما سواه مقهورا تحت ملكوته على وجه ينتفعون به، ويعلمون أن من كان كذلك لا ينبغي أن يعدل عن عبادته إلى عبادة حجر أو نحوه.. ٣ ؛ ولو تدبروا لأيقنوا أن الذي خلق الأرض وفصل عنها السماء وباعد بينهما هو وحده صاحب الخلق والأمر، وبديع السماوات والأرض، فلا تليق العبادة إلا له دون سواه ؛ قال الأخفش :﴿ كانتا ﴾ لأنهما صنفان، كما قال الله تعالى، { إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا.. )٤ ﴿ رتقا ﴾ مصدر ؛ والمعنى : كانتا ذواتي رتق التصاق ؛ ﴿ وجعلنا من الماء كل شيء حي ﴾ أي أصل الأحياء الماء ؛ أو : كل شيء من الأحياء له اتصال بالماء ؛ ﴿ أفلا يؤمنون ﴾ أيعلمون ذلك فلا يؤمنون ؟ !.
٢ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
٣ ما بين العارضتين مما أورد الألوسي رحمه الله.
٤ سورة فاطر. من الآية ٤١..
﴿ رواسي ﴾ جبالا ثوابت. ﴿ تميد بكم ﴾ تميل وتضطرب. ﴿ فجاجا ﴾ طرقا ودروب ومسالك ؛ وأصل الفج : الثغرة والفجوة والفتحة.
وخلق الله تعالى في الأرض جبالا ثوابت لئلا تميل الأرض أو تضطرب ؛ أو : وخلقنا في الأرض رواسي أن تميد بهم فنثبتها، ثم حذف فتثبتها لأمن الإلباس إيجازا. ﴿ وجعلنا فيها فجاجا سبلاْ ﴾ أي : جعلنا في الأرض فجوات لتكون لكم سبلا وطرقات ؛ أو جعلنا في الجبال ثغرات وفتحات لتتخذوها دروبا ومسالك ؛ وفي المأثور " يا عمر ! ما رآك إبليس سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك " ؛ ﴿ لعلهم يهتدون ﴾ ليهتدوا بها ويستدلوا على كمال القدرة والحكمة، وليعتبروا بها فيستيقنوا بالتوحيد ؛ أو ليهتدوا إلى السير وقضاء المهمات والمصالح.
﴿ محفوظا ﴾ مصونا عن السقوط والهدم والنقص، وعن الشياطين بحرس النجوم والشهب.
صير ربنا الحكيم السماء كالقبة فوق الأرض ومن عليها، وامتن سبحانه علينا بهذه التي تظلنا، ونبه إلى الاعتبار بعظيم خلقها وبالغ إبداعها، فقال جل ثناؤه :{ أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها.. )١ وحفظها أن تقع على الأرض، ورفعها بدون عمد، من آيات ربنا الكبرى، كما أن حراستها بالنجوم والشهب أن تغشاها الشياطين من إتقان صنع رب العالمين { .. فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا )٢
﴿ إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب. وحفظا من كل شيطان مارد. لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب. دحورا ولهم عذاب واصب )٣ ؛ { وهم عن آياتها معرضون ﴾ والكفار والفجار عن عجائب صنع الله في السماء، ودلائل وحدانيته وقدرته التي ترى فيها من شمس وقمر وكواكب، هم عن تلك الدلائل مدبرون، وفي نور هدايتها إلى عظمة خالقها لا يتفكرون ؛ إذ لو نظروا واعتبروا لعلموا أن لها صانعا قادرا واحدا فيستحيل أن يكون له شريك ٤.
٢ سورة الجن. من الآية ٩..
٣ سورة الصافات. الآيات: من ٦ إلى ٩..
٤ ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن.
﴿ كل في فلك يسبحون ﴾ كل من آيات السماء من الشمس والقمر والنجوم في حيز ومدار يسبحون ويجرون مسرعين.
ومن آيات وعلامات وحدانيته وقدرته، وسلطانه وحكمته، أن خلق الليل والنهار، هذا بظلمته وسكونه، وهذا بضيائه ونمائه، وأوجد الشمس بعظمها وبركة إشعاعها، والقمر بنوره وبهائه، وكل منها مسخر على سنن لا يتجاوزه ولا يقصر عنه { لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون )١ كل مخلوق من هذه المخلوقات منطلق بتقدير العزيز العليم إلى مداه الذي ألزمه الله تعالى إياه، لا يستقدم ولا يستأخر، { .. إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار )٢.
٢ سورة آل عمران. من الآية١٣..
﴿ الخلد ﴾ دوام البقاء في الدنيا.
[ ﴿ وما جعلنا لبشر ﴾ كائنا من كان ﴿ من قبلك الخلد ﴾ أي الخلود والبقاء في الدنيا لكونه مخالفا للحكمة التكوينية والتشريعية ]٤ ﴿ أفإن مت فهم الخالدون ﴾ أفإن مت أفهم الخالدون حتى يشمتوا بموتك ؟ ! ولهذا جاء بعدها ﴿ كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ﴾ نعمركم في هذه الحياة الدنيا إلى أجل مسمى ثم نذيقكم الموت، وقد اختبرتم في حياتكم العاجلة بالشدة والرخاء والعسر واليسر ؛ كما قال سبحانه :﴿ إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه )٥، وقال تبارك اسمه :{ الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا.. )٦ ؛ فيرى كيف الشكر والصبر ؛ { وإلينا ترجعون ﴾ [ نعاملكم معاملة من يختبركم.. ﴿ فتنة ﴾ أي ابتلاء، فهو مصدر مؤكد لنبلوكم على غير لفظه.. ﴿ وإلينا ترجعون ﴾ لا إلى غيرنا، لا استقلالا ولا اشتراكا، فنجازيكم حسبما يظهر منكم من الأعمال ]٧ ؛ وهكذا يموت الأبرار ويموت الفجار، ولكن هل يستويان ؟ كلا ! هيهات ! يقول ربنا تبارك وتعالى :{ أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون. وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون )٨
﴿ فتنة ﴾ ابتلاء وامتحانا.
[ ﴿ وما جعلنا لبشر ﴾ كائنا من كان ﴿ من قبلك الخلد ﴾ أي الخلود والبقاء في الدنيا لكونه مخالفا للحكمة التكوينية والتشريعية ]٤ ﴿ أفإن مت فهم الخالدون ﴾ أفإن مت أفهم الخالدون حتى يشمتوا بموتك ؟ ! ولهذا جاء بعدها ﴿ كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ﴾ نعمركم في هذه الحياة الدنيا إلى أجل مسمى ثم نذيقكم الموت، وقد اختبرتم في حياتكم العاجلة بالشدة والرخاء والعسر واليسر ؛ كما قال سبحانه :﴿ إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه )٥، وقال تبارك اسمه :{ الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا.. )٦ ؛ فيرى كيف الشكر والصبر ؛ { وإلينا ترجعون ﴾ [ نعاملكم معاملة من يختبركم.. ﴿ فتنة ﴾ أي ابتلاء، فهو مصدر مؤكد لنبلوكم على غير لفظه.. ﴿ وإلينا ترجعون ﴾ لا إلى غيرنا، لا استقلالا ولا اشتراكا، فنجازيكم حسبما يظهر منكم من الأعمال ]٧ ؛ وهكذا يموت الأبرار ويموت الفجار، ولكن هل يستويان ؟ كلا ! هيهات ! يقول ربنا تبارك وتعالى :{ أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون. وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون )٨
الخطاب هنا كما كان في قول الله سبحانه :﴿ وما جعلنا لبشر من قبلك ﴾ للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ والمولى الخبير ينبئه بجريمة من جرائمهم فوق ما أجرموه فإذا رأوا النبي ما يتخذونه إلا هزوا وسخرية قائلين تنقيصا واستخفافا أهذا الذي يعيب آلهتكم ويسفه أحلامكم ؟ ! كانوا يعيبون من جحد إلهية أصنامهم وهم جاحدون لآلهية الرحمن ؛ أو ذكره، وهو كتابه العزيز : القرآن ؛ ومثلها الآية الكريمة الأخرى :{ وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا. إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا )١.
والخطاب للكفرة المستعجلين، والمراد بآياته تعالى : نقماته عز وجل، والمراد بإراءتهم إياها : إصابة تعالى إياهم بها.. والنهي عن استعجالهم إياه تعالى بالإتيان بها مع أن نفوسهم جبلت على العجلة، ليمنعوها عما تريده. ٢.
٢ ما بين العارضتين من روح المعاني..
﴿ الوعد ﴾ الموعود، أو ؛ الوعيد والعذاب.
﴿ لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ﴾ أي : لو علم الذين كفروا ماذا سينالهم من العذاب الشديد الذي يشوي أبدانهم ووجوههم وأدبارهم ـ لو علموا ذلك لما استعجلوا مستهزئين، أو : ظلوا كافرين معاندين ؛ ﴿ ولا هم ينصرون ﴾ مثلما عجزوا عن دفع لهب السعير عن وجوههم وظهورهم فلن يجدوا من يمنعهم من هذا العذاب أو يدفعه عنهم أو يستنقذهم من لظاه.
﴿ بل تأتيهم بغتة ﴾ إضراب عن جهالتهم، واستخفافهم وجحودهم، وانتقال إلى تقرير مصيرهم، وأن الساعة ستحل بهم فجأة ؛ ﴿ فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون ﴾ فحين تباغتهم بمجيئها تحيرهم فلا يقدرون على دفعها، ولا يمهلون فلا يؤجلون ولو قليلا عند حلولها ؛ وصدق الله العظيم :{ قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون )٢
﴿ لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ﴾ أي : لو علم الذين كفروا ماذا سينالهم من العذاب الشديد الذي يشوي أبدانهم ووجوههم وأدبارهم ـ لو علموا ذلك لما استعجلوا مستهزئين، أو : ظلوا كافرين معاندين ؛ ﴿ ولا هم ينصرون ﴾ مثلما عجزوا عن دفع لهب السعير عن وجوههم وظهورهم فلن يجدوا من يمنعهم من هذا العذاب أو يدفعه عنهم أو يستنقذهم من لظاه.
﴿ بل تأتيهم بغتة ﴾ إضراب عن جهالتهم، واستخفافهم وجحودهم، وانتقال إلى تقرير مصيرهم، وأن الساعة ستحل بهم فجأة ؛ ﴿ فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون ﴾ فحين تباغتهم بمجيئها تحيرهم فلا يقدرون على دفعها، ولا يمهلون فلا يؤجلون ولو قليلا عند حلولها ؛ وصدق الله العظيم :{ قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون )٢
﴿ فتبهتهم ﴾ فتذعرهم وتحيرهم ﴿ ينظرون ﴾ يمهلون ويؤخرون.
﴿ لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ﴾ أي : لو علم الذين كفروا ماذا سينالهم من العذاب الشديد الذي يشوي أبدانهم ووجوههم وأدبارهم ـ لو علموا ذلك لما استعجلوا مستهزئين، أو : ظلوا كافرين معاندين ؛ ﴿ ولا هم ينصرون ﴾ مثلما عجزوا عن دفع لهب السعير عن وجوههم وظهورهم فلن يجدوا من يمنعهم من هذا العذاب أو يدفعه عنهم أو يستنقذهم من لظاه.
﴿ بل تأتيهم بغتة ﴾ إضراب عن جهالتهم، واستخفافهم وجحودهم، وانتقال إلى تقرير مصيرهم، وأن الساعة ستحل بهم فجأة ؛ ﴿ فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون ﴾ فحين تباغتهم بمجيئها تحيرهم فلا يقدرون على دفعها، ولا يمهلون فلا يؤجلون ولو قليلا عند حلولها ؛ وصدق الله العظيم :{ قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون )٢
﴿ فحاق ﴾ فأحاط.
﴿ أنذركم ﴾ أحذركم وأخوفكم. ﴿ الصم ﴾ الذين لا يسمعون.
ذكرهم وأقم عليهم الحجة بأنك لا تحذرهم ولا تنذرهم وتخوفهم سوء العاقبة من عند نفسك وإنما بما يتنزل عليك من تنزيل العليم الخبير القوي القدير ؛ ولكن لا يزدجر بهذا من ختم الله على قلبه وسمعه.
﴿ نفحة ﴾ قدر قليل.
إذا أدركهم طرف وقليل من العذاب، بل وأقل وأدنى شيء منه، ليقرن بالحق حين لا ينفع الإقرار، ويدعون على أنفسهم بالويل والهلاك والدمار، { .. كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار )١.
﴿ نضع ﴾ نحضر. ﴿ القسط ﴾ العدل.
﴿ أتينا بها ﴾ أحضرناها ؛ أو : أعطيناها وجازينا بها عند من قرأ ﴿ آتينا ﴾ بالمدة.
من كان يرجو لقاء الله فإنه آت لا ريب فيه ﴿ والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون. ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون )١ ؛ إذا جمع الله تعالى الناس ليوم الحساب أحضر الميزان الذي توزن به أعمال العباد { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )٢ ويمكن أن يكون ميزانا واحدا عبر عنه بلفظ الجمع ٣ [ وقد يعبر عن الواحد بلفظ الجمع للتعظيم، كقوله تعالى :{ .. رب ارجعون. لعلي أعمل صالحا.. )٤.. { ليوم القيامة ﴾ بمعنى في.. أي : نضع الموازين في يوم القيامة التي كانوا يستعجلونها : وقال غير واحد : هي للتعليل أي : لأجل حساب يوم القيامة، أو : لأجل أهله.. ﴿ فلا تظلم نفس ﴾ من النفوس ﴿ شيئا ﴾ من الظلم فلا ينقص ثوابها الموعود، ولا يزاد عذابها المعهود.. وقال القرطبي : الميزان حق، ولا يكون في حق كل أحد، بدليل الحديث الصحيح، فيقال : يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن.. الحديث ؛ وأحرى الأنبياء عليهم السلام ؛ وقوله تعالى :﴿ يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام )٥، وقوله تعالى :{ .. فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا )٦، وقوله سبحانه :{ وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا )٧... حبة الخردل مثل في الصغر.. { وكفى بنا حاسبين ﴾ قيل : أي عادين ومحصين أعمالهم.. ولا يخفى أن في الآية إشارة ما إلى أن الحساب المذكور فيها بعد وضع الموازين.. ]٨.
٢ سورة الزلزلة. الآيتان: ٧، ٨..
٣ ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن.
٤ سورة المؤمنون. من الآية ٩٩، ومن الآية ١٠٠..
٥ سورة الرحمن. الآية ٤١..
٦ سورة الكهف. من الآية ١٠٥.
٧ سورة الفرقان. الآية ٢٣..
٨ ما بين العلامتين من روح المعاني..
﴿ الفرقان ﴾ التوراة لأنه فرق بين الحق والباطل ؛ أو النصر على الأعداء.
﴿ ولقد ﴾ توكيد وتحقيق قسمي لإظهار كمال الحرص على ترسيخ اليقين بمضمونه ؛ أعطينا كليمنا موسى بن عمران، وأخاه هارون النبوة والتوراة التي فرقت أحكامها بين الحق والباطل، وضياء يبصر بمسالكه السلامة والنجاة، وتذكرة لمن أطاع ربه، واجتنب معصيته ؛ والمراد بالفرقان التوراة، وكذا بالضياء والذكر، والعطف كما في قوله :
إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم
وعن ابن زيد ورجحه الطبري : الفرقان : الحق آتاه الله موسى وهارون، فرق بينهما وبين فرعون، قضى بينهم بالحق.. اه ﴿ وضياء وذكرا للمتقين ﴾ التوراة نورت قلوب من صدق في الإيمان بها، وذكرت من اتقى بطاعة الله وأداء فرائضه واجتناب معاصيه ؛ ﴿ وذكرا للمتقين ﴾ أي شرفا وموعظة، أو ذكر ما يحتاجون إليه في دينهم ودنياهم ١.
﴿ بالغيب ﴾ أي غائبين عن رؤية الله جل علاه ؛ أو غائبين عن أعين الناس.
﴿ مشفقون ﴾ خائفون.
وصف الله تعالى المتقين بأنهم يخشون ربهم، ويتهيبون مقامه، ويحذرون غضبه وعذابه حال كونهم غائبين عن أعين الناس ؛ أو يعظمون مولاهم سبحانه ويخشون أن يراهم على صفة لا يرضاها، مع أنهم لا يرونه جل علاه، وكيف لا ؟ ! وهو الذي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ؛ ﴿ وهم من الساعة مشفقون ﴾ خائفون وجلون مما يكون يوم النبأ العظيم، ويوم الفزع الأكبر، [ حذرون أن تقوم عليهم فيردوا على ربهم قد فرطوا.. ]١.
﴿ ذكر ﴾ يتذكر به أصحاب العقول.
﴿ مبارك ﴾ كثير الخير.
وهذا كتاب العزيز شرف وموعظة، وأفضل ما تذكرون به ربكم، وكثيرة خيراته التي منها الهداية والموعظة، والشفاء والرحمة والنور والروح. وثواب قارئه وسامعه، فإن الله تعالى يأجر على الحرف الواحد بعشر حسنات ؛ وبحسبه أنه تنزيل الحكيم الحميد ؛ ﴿ أفأنتم له منكرون ﴾ أي أنتم دون سائر الناس مع علمكم بفصاحته وإعجازه تخصونه بالإنكار ؟ !.
﴿ آتينا ﴾ أعطينا. ﴿ رشده ﴾ هدايته وحجته.
أأنت محق يا إبراهيم فيما تدعونا إليه أم أنت هازل لاعب ؟ ! ﴿ قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين ﴾ لما أبطل إبراهيم عليه السلام بالبرهان ما عكف عليه القوم من عبادة الأصنام والأوثان، انتقل إلى إحقاق الحق، والنداء على دعوة الصدق، وساق الحجة والسلطان على أن الولي المستحق للعبادة هو الخالق المنعم المنان ؛ فأضرب عن تساؤلهم أجاد هو أم هازل، وأنبأهم أن ربهم رب العالمين هو مبدع السماوات والأرضين، ومنشئهما على غير مثال سبق، وإني على يقين وتحقيق من أن هذا هو الحق المبين.
{ إن أبانا إبراهيم عليه السلام كان أمة، وداعيا إلى الله قوي الحجة، فقد أتاهم بالبرهان على زيف عبادة الأوثان، ثم فصل من آيات ودلائل إتقان الصنعة ما يشهد بحكمة الصانع جل علاه :{ إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون. قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين. قال هل يسمعونكم إذ تدعون. أو ينفعونكم أو يضرون. قالوا بلى وجدنا آباءنا كذلك يفعلون. قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون. أنتم وآباؤكم الأقدمون. فإنهم عدو لي إلا رب العالمين. الذي خلقني فهو يهدين. والذي هو يطعمني ويسقين. وإذا مرضت فهو يشفين. والذي يميتني ويحيين. والذي أطمع أن يغفر لي. خطيئتي يوم الدين )١.
أأنت محق يا إبراهيم فيما تدعونا إليه أم أنت هازل لاعب ؟ ! ﴿ قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين ﴾ لما أبطل إبراهيم عليه السلام بالبرهان ما عكف عليه القوم من عبادة الأصنام والأوثان، انتقل إلى إحقاق الحق، والنداء على دعوة الصدق، وساق الحجة والسلطان على أن الولي المستحق للعبادة هو الخالق المنعم المنان ؛ فأضرب عن تساؤلهم أجاد هو أم هازل، وأنبأهم أن ربهم رب العالمين هو مبدع السماوات والأرضين، ومنشئهما على غير مثال سبق، وإني على يقين وتحقيق من أن هذا هو الحق المبين.
{ إن أبانا إبراهيم عليه السلام كان أمة، وداعيا إلى الله قوي الحجة، فقد أتاهم بالبرهان على زيف عبادة الأوثان، ثم فصل من آيات ودلائل إتقان الصنعة ما يشهد بحكمة الصانع جل علاه :{ إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون. قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين. قال هل يسمعونكم إذ تدعون. أو ينفعونكم أو يضرون. قالوا بلى وجدنا آباءنا كذلك يفعلون. قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون. أنتم وآباؤكم الأقدمون. فإنهم عدو لي إلا رب العالمين. الذي خلقني فهو يهدين. والذي هو يطعمني ويسقين. وإذا مرضت فهو يشفين. والذي يميتني ويحيين. والذي أطمع أن يغفر لي. خطيئتي يوم الدين )١.
﴿ لأكيدن ﴾ لأجتهدن، ولأدبرن ما أحقق به مطلبي.
﴿ تالله ﴾ حلف بالله سبحانه. ﴿ تولوا مدبرين ﴾ تنطلقوا ذاهبين.
وقال ابن إسحاق : عن عبد الله قال : لما خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم مروا عليه فقالوا : يا إبراهيم ألا تخرج معنا ؟ قال : إني سقيم ؛ وقد كان بالأمس قال :﴿ وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين ﴾ فسمعه ناس منهم. اهـ.
ونقل الطبري عن السدي أن إبراهيم قال له أبوه : يا إبراهيم إن لنا عيدا لو قد خرجت معنا إليه قد أعجبك ديننا، فلما كان يوم العيد فخرجوا إليه خرج معهم إبراهيم، فلما كان ببعض الطريق ألقى بنفسه وقال إني سقيم، يقول أشتكي رجلي... فلما مضوا نادى في آخرهم وقد بقي ضعفي الناس : وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين : فسمعوها منه، ثم رجع إبراهيم إلى بيت الآلهة، فإذا هن في بهو عظيم، مستقبل باب البهو صنم عظيم إلى جنبه أصغر منه بعضها إلى بعض... وإذا هم جعلوا طعاما فوضعوه بين يدي الآلهة قالوا : إذ كنا حين نرجع رجعنا وقد بركت الآلهة في طعامنا فأكلنا، فلما نظر إليهم إبراهيم وإلى ما بين أيديهم من الطعام قال : ألا تأكلون ؟ ! فلما لم تجبه قال : مالكم لا تنطقون ؟ ! فراغ عليهم ضربا باليمين، فأخذ فأس حديد فنقر كل صنم في حافتيه ثم علق الفأس في عنق الصنم الأكبر، ثم خرج فلما جاء القوم إلى طعامهم نظروا إلى آلهتهم ﴿ قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين. قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ﴾ وروى الكلبي أن إبراهيم كان من أهل بيت ينظرون في النجوم، وكانوا إذا خرجوا إلى عيدهم لم يتركوا إلا مريضا، فلما همّ إبراهيم بالذي همّ به من كسر الأصنام نظر قبل يوم العيد إلى السماء، فقال لأصحابه : إني أراني أشتكي غدا ؛ فذلك قوله :﴿ فنظر نظرة في النجوم. فقال إني سقيم )١ ؛ وأصبح من الغد معصوبا رأسه، فخرج القوم لعيدهم.. فقال.. : أما والله لأكيدن أصنامكم ؛ فسمعه رجل واحد، وأخبر به غيره وانتشر الخبر. { فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون ﴾ كسر إبراهيم عليه السلام أصنام القوم وحطمها، وتركها قطعا، لكن ترك كبير الأوثان حجما، أو أكثرها تقديسا عند عابديها، لم يفتت الصنم الأكبر بل علق الفأس بعنقه، أو وضع القدوم بيده ؛ لعلهم يعتقدون أنه هو الذي غار لنفسه، وأنف أن تعبد معه هذه الأصنام الصغار فكسرها ؛ أو : لعلهم إلى دعوة إبراهيم وسبيله يرجعون حين يرون أن أصنامهم لم تدفع عن نفسها ضرا فهي أن تدفع عن غيرها من أراده بسوء أعجز، فيرجعوا عما هم عليه من عبادتها ؛ عن قتادة : كادهم بذلك لعلهم يتذكرون أو يبصرون. اهـ
وقال ابن إسحاق : عن عبد الله قال : لما خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم مروا عليه فقالوا : يا إبراهيم ألا تخرج معنا ؟ قال : إني سقيم ؛ وقد كان بالأمس قال :﴿ وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين ﴾ فسمعه ناس منهم. اهـ.
ونقل الطبري عن السدي أن إبراهيم قال له أبوه : يا إبراهيم إن لنا عيدا لو قد خرجت معنا إليه قد أعجبك ديننا، فلما كان يوم العيد فخرجوا إليه خرج معهم إبراهيم، فلما كان ببعض الطريق ألقى بنفسه وقال إني سقيم، يقول أشتكي رجلي... فلما مضوا نادى في آخرهم وقد بقي ضعفي الناس : وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين : فسمعوها منه، ثم رجع إبراهيم إلى بيت الآلهة، فإذا هن في بهو عظيم، مستقبل باب البهو صنم عظيم إلى جنبه أصغر منه بعضها إلى بعض... وإذا هم جعلوا طعاما فوضعوه بين يدي الآلهة قالوا : إذ كنا حين نرجع رجعنا وقد بركت الآلهة في طعامنا فأكلنا، فلما نظر إليهم إبراهيم وإلى ما بين أيديهم من الطعام قال : ألا تأكلون ؟ ! فلما لم تجبه قال : مالكم لا تنطقون ؟ ! فراغ عليهم ضربا باليمين، فأخذ فأس حديد فنقر كل صنم في حافتيه ثم علق الفأس في عنق الصنم الأكبر، ثم خرج فلما جاء القوم إلى طعامهم نظروا إلى آلهتهم ﴿ قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين. قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ﴾ وروى الكلبي أن إبراهيم كان من أهل بيت ينظرون في النجوم، وكانوا إذا خرجوا إلى عيدهم لم يتركوا إلا مريضا، فلما همّ إبراهيم بالذي همّ به من كسر الأصنام نظر قبل يوم العيد إلى السماء، فقال لأصحابه : إني أراني أشتكي غدا ؛ فذلك قوله :﴿ فنظر نظرة في النجوم. فقال إني سقيم )١ ؛ وأصبح من الغد معصوبا رأسه، فخرج القوم لعيدهم.. فقال.. : أما والله لأكيدن أصنامكم ؛ فسمعه رجل واحد، وأخبر به غيره وانتشر الخبر. { فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون ﴾ كسر إبراهيم عليه السلام أصنام القوم وحطمها، وتركها قطعا، لكن ترك كبير الأوثان حجما، أو أكثرها تقديسا عند عابديها، لم يفتت الصنم الأكبر بل علق الفأس بعنقه، أو وضع القدوم بيده ؛ لعلهم يعتقدون أنه هو الذي غار لنفسه، وأنف أن تعبد معه هذه الأصنام الصغار فكسرها ؛ أو : لعلهم إلى دعوة إبراهيم وسبيله يرجعون حين يرون أن أصنامهم لم تدفع عن نفسها ضرا فهي أن تدفع عن غيرها من أراده بسوء أعجز، فيرجعوا عما هم عليه من عبادتها ؛ عن قتادة : كادهم بذلك لعلهم يتذكرون أو يبصرون. اهـ
﴿ قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون ﴾ قال كبراؤهم فأحضروا إبراهيم على مشهد من الناس ومرأى ليحضروا عقوبتنا، فلا يقدم أحد على مثل ما أقدم عليه ؛ أو لعل قوما يشهدون بأنهم رأوه يكسر الأصنام ؛ قال قتادة : كرهوا أن يأخذوه بغير بينة١ اه.
﴿ قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ﴾ كأن في الكلام حذفا، تقديره : فلما أتوا به قالوا ؛ لما لم يكن السماع عاما ولا ثبتت الشهادة، استفهموا هل فعل أم لا ؟.. فقال لهم إبراهيم على جهة الاحتجاج عليهم :﴿ بل فعله كبيرهم هذا ﴾....... وكان قوله من المعاريض، وفي المعاريض مندوحة عن الكذب... لكنها أثرت في الرتبة، وخفضت عن محمد المنزلة، واستحيا منها قائلها، على ما ورد في حديث الشفاعة ؛ فإن الأنبياء يشفقون مما لا يشفق منه غيرهم إجلالا لله.... لكنه رخص له فقبل الرخصة، فكان ما كان من القصة ؛ ولهذا جاء في حديث الشفاعة : " إنما اتخذت خليلا من وراء وراء ".. على البناء كخمسة عشر ٢.
[ وغير مستحيل أن يكون الله تعالى ذكره أذن لخليله في ذلك ليقرع قومه به، ويحتج به عليهم، ويعرفهم موضع خطئهم وسوء نظرهم لأنفسهم، كما قال مؤذن يوسف لإخوته :{ ... أيتها العير إنكم لسارقون )٣ ؛ ولم يكونوا سرقوا شيئا ].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن إبراهيم عليه السلام لم يكذب غير ثلاث : ثنتين في ذات الله٤ قوله ﴿ بل فعله كبيرهم هذا ﴾ وقوله ﴿ إني سقيم ﴾ قال وبينما هو يسير في أرض جبار من الجبابرة ومعه سارة إذ نزل منزلا فأتى الجبار رجل فقال : إنه قد نزل ههنا رجل بأرضك معه امرأة أحسن الناس، فأرسل إليه فجاءه فقال : ما هذه المرأة منك ؟ قال : أختي، قال : فاذهب فأرسل بها إلي، فانطلق إلى سارة فقال : إن هذا الجبار قد سألني عنك فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني عنده فإنك أختي في كتاب الله وإنه ليس في الأرض مسلم غيري وغيرك، فانطلق بها إبراهيم ثم قام يصلي فلما أن دخلت عليه فرآها أهوى إليها فتناولها فأخذ أخذا شديدا فقال ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت له فأرسل فأهوى إليها فتناولها فأخذ بمثلها أو أشد ففعل ذلك الثالثة فأخذ فذكر مثل المرتين الأوليين فقال : ادعي الله فلا أضرك فدعت له فأرسل ثم دعا أدنى حجابه فقال : إنك لم تأتني بإنسان ولكن أتيتني بشيطان أخرجها وأعطها هاجر، فأخرجت وأعطيت هاجر فأقبلت لما حس إبراهيم بمجيئها انفتل من صلاته وقال مهيم أي ما الخبر وماذا حدث لك ؟ ! قالت كفى الله كيد الكافر الفاجر فأخدمني هاجر ".
٢ ما بين العارضتين نقله القرطبي.
٣ سورة يوسف. من الآية ٧٠..
٤ مما نقل عن القاضي أبو بكر العربي: لم يعد قوله: هذه أختي، في ذات الله تعالى وإن كان دفع بها مكروها، ولكنه لما كان لإبراهيم عليه السلام فيها حظ من صيانة فراشه وحماية أهله لم يجعلها في ذات الله؛ وذلك لأنه لا يجعل في جنب الله وذاته إلا العمل الخالص من شوائب الدنيا، والمعاريض التي ترجع إلى النفس إذا خلصت للدين كانت لله سبحانه، كما قال: ﴿ألا لله الدين الخالص﴾ وهذا لو صدر منا لكان لله، لكن منزلة إبراهيم اقتضت هذا ؛والله أعلم..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٩:﴿ قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين. قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ﴾ قال القوم حين رجعوا إلى طعامهم الذي كانوا تركوه عند أصنامهم، وأبصروا ما حل بأوثانهم قالوا : إن الذي فعل هذا بآلهتنا لم يكن له أن يفعل بها ذلك، ولقد تجاوز حده إذ صنع بها ما صنع، فقد حطمها واستخف بها ! واستهان بأقدارها بدلا من تعظيمها ! فقال بعض منهم : كان الفتى إبراهيم يتوعد آلهتنا بسوء، أو كان يعيبها فهو الذي يظن به أن يكون قد كسرها.
﴿ قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون ﴾ قال كبراؤهم فأحضروا إبراهيم على مشهد من الناس ومرأى ليحضروا عقوبتنا، فلا يقدم أحد على مثل ما أقدم عليه ؛ أو لعل قوما يشهدون بأنهم رأوه يكسر الأصنام ؛ قال قتادة : كرهوا أن يأخذوه بغير بينة١ اه.
﴿ قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ﴾ كأن في الكلام حذفا، تقديره : فلما أتوا به قالوا ؛ لما لم يكن السماع عاما ولا ثبتت الشهادة، استفهموا هل فعل أم لا ؟.. فقال لهم إبراهيم على جهة الاحتجاج عليهم :﴿ بل فعله كبيرهم هذا ﴾....... وكان قوله من المعاريض، وفي المعاريض مندوحة عن الكذب... لكنها أثرت في الرتبة، وخفضت عن محمد المنزلة، واستحيا منها قائلها، على ما ورد في حديث الشفاعة ؛ فإن الأنبياء يشفقون مما لا يشفق منه غيرهم إجلالا لله.... لكنه رخص له فقبل الرخصة، فكان ما كان من القصة ؛ ولهذا جاء في حديث الشفاعة :" إنما اتخذت خليلا من وراء وراء ".. على البناء كخمسة عشر ٢.
[ وغير مستحيل أن يكون الله تعالى ذكره أذن لخليله في ذلك ليقرع قومه به، ويحتج به عليهم، ويعرفهم موضع خطئهم وسوء نظرهم لأنفسهم، كما قال مؤذن يوسف لإخوته :{... أيتها العير إنكم لسارقون )٣ ؛ ولم يكونوا سرقوا شيئا ].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن إبراهيم عليه السلام لم يكذب غير ثلاث : ثنتين في ذات الله٤ قوله ﴿ بل فعله كبيرهم هذا ﴾ وقوله ﴿ إني سقيم ﴾ قال وبينما هو يسير في أرض جبار من الجبابرة ومعه سارة إذ نزل منزلا فأتى الجبار رجل فقال : إنه قد نزل ههنا رجل بأرضك معه امرأة أحسن الناس، فأرسل إليه فجاءه فقال : ما هذه المرأة منك ؟ قال : أختي، قال : فاذهب فأرسل بها إلي، فانطلق إلى سارة فقال : إن هذا الجبار قد سألني عنك فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني عنده فإنك أختي في كتاب الله وإنه ليس في الأرض مسلم غيري وغيرك، فانطلق بها إبراهيم ثم قام يصلي فلما أن دخلت عليه فرآها أهوى إليها فتناولها فأخذ أخذا شديدا فقال ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت له فأرسل فأهوى إليها فتناولها فأخذ بمثلها أو أشد ففعل ذلك الثالثة فأخذ فذكر مثل المرتين الأوليين فقال : ادعي الله فلا أضرك فدعت له فأرسل ثم دعا أدنى حجابه فقال : إنك لم تأتني بإنسان ولكن أتيتني بشيطان أخرجها وأعطها هاجر، فأخرجت وأعطيت هاجر فأقبلت لما حس إبراهيم بمجيئها انفتل من صلاته وقال مهيم أي ما الخبر وماذا حدث لك ؟ ! قالت كفى الله كيد الكافر الفاجر فأخدمني هاجر ".
٢ ما بين العارضتين نقله القرطبي.
٣ سورة يوسف. من الآية ٧٠..
٤ مما نقل عن القاضي أبو بكر العربي: لم يعد قوله: هذه أختي، في ذات الله تعالى وإن كان دفع بها مكروها، ولكنه لما كان لإبراهيم عليه السلام فيها حظ من صيانة فراشه وحماية أهله لم يجعلها في ذات الله؛ وذلك لأنه لا يجعل في جنب الله وذاته إلا العمل الخالص من شوائب الدنيا، والمعاريض التي ترجع إلى النفس إذا خلصت للدين كانت لله سبحانه، كما قال: ﴿ألا لله الدين الخالص﴾ وهذا لو صدر منا لكان لله، لكن منزلة إبراهيم اقتضت هذا ؛والله أعلم..
﴿ يشهدون ﴾ يشاهدون ويبصرون، أو يحققون، أو يقرون عليه بما فعل.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٩:﴿ قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين. قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ﴾ قال القوم حين رجعوا إلى طعامهم الذي كانوا تركوه عند أصنامهم، وأبصروا ما حل بأوثانهم قالوا : إن الذي فعل هذا بآلهتنا لم يكن له أن يفعل بها ذلك، ولقد تجاوز حده إذ صنع بها ما صنع، فقد حطمها واستخف بها ! واستهان بأقدارها بدلا من تعظيمها ! فقال بعض منهم : كان الفتى إبراهيم يتوعد آلهتنا بسوء، أو كان يعيبها فهو الذي يظن به أن يكون قد كسرها.
﴿ قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون ﴾ قال كبراؤهم فأحضروا إبراهيم على مشهد من الناس ومرأى ليحضروا عقوبتنا، فلا يقدم أحد على مثل ما أقدم عليه ؛ أو لعل قوما يشهدون بأنهم رأوه يكسر الأصنام ؛ قال قتادة : كرهوا أن يأخذوه بغير بينة١ اه.
﴿ قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ﴾ كأن في الكلام حذفا، تقديره : فلما أتوا به قالوا ؛ لما لم يكن السماع عاما ولا ثبتت الشهادة، استفهموا هل فعل أم لا ؟.. فقال لهم إبراهيم على جهة الاحتجاج عليهم :﴿ بل فعله كبيرهم هذا ﴾....... وكان قوله من المعاريض، وفي المعاريض مندوحة عن الكذب... لكنها أثرت في الرتبة، وخفضت عن محمد المنزلة، واستحيا منها قائلها، على ما ورد في حديث الشفاعة ؛ فإن الأنبياء يشفقون مما لا يشفق منه غيرهم إجلالا لله.... لكنه رخص له فقبل الرخصة، فكان ما كان من القصة ؛ ولهذا جاء في حديث الشفاعة :" إنما اتخذت خليلا من وراء وراء ".. على البناء كخمسة عشر ٢.
[ وغير مستحيل أن يكون الله تعالى ذكره أذن لخليله في ذلك ليقرع قومه به، ويحتج به عليهم، ويعرفهم موضع خطئهم وسوء نظرهم لأنفسهم، كما قال مؤذن يوسف لإخوته :{... أيتها العير إنكم لسارقون )٣ ؛ ولم يكونوا سرقوا شيئا ].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن إبراهيم عليه السلام لم يكذب غير ثلاث : ثنتين في ذات الله٤ قوله ﴿ بل فعله كبيرهم هذا ﴾ وقوله ﴿ إني سقيم ﴾ قال وبينما هو يسير في أرض جبار من الجبابرة ومعه سارة إذ نزل منزلا فأتى الجبار رجل فقال : إنه قد نزل ههنا رجل بأرضك معه امرأة أحسن الناس، فأرسل إليه فجاءه فقال : ما هذه المرأة منك ؟ قال : أختي، قال : فاذهب فأرسل بها إلي، فانطلق إلى سارة فقال : إن هذا الجبار قد سألني عنك فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني عنده فإنك أختي في كتاب الله وإنه ليس في الأرض مسلم غيري وغيرك، فانطلق بها إبراهيم ثم قام يصلي فلما أن دخلت عليه فرآها أهوى إليها فتناولها فأخذ أخذا شديدا فقال ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت له فأرسل فأهوى إليها فتناولها فأخذ بمثلها أو أشد ففعل ذلك الثالثة فأخذ فذكر مثل المرتين الأوليين فقال : ادعي الله فلا أضرك فدعت له فأرسل ثم دعا أدنى حجابه فقال : إنك لم تأتني بإنسان ولكن أتيتني بشيطان أخرجها وأعطها هاجر، فأخرجت وأعطيت هاجر فأقبلت لما حس إبراهيم بمجيئها انفتل من صلاته وقال مهيم أي ما الخبر وماذا حدث لك ؟ ! قالت كفى الله كيد الكافر الفاجر فأخدمني هاجر ".
٢ ما بين العارضتين نقله القرطبي.
٣ سورة يوسف. من الآية ٧٠..
٤ مما نقل عن القاضي أبو بكر العربي: لم يعد قوله: هذه أختي، في ذات الله تعالى وإن كان دفع بها مكروها، ولكنه لما كان لإبراهيم عليه السلام فيها حظ من صيانة فراشه وحماية أهله لم يجعلها في ذات الله؛ وذلك لأنه لا يجعل في جنب الله وذاته إلا العمل الخالص من شوائب الدنيا، والمعاريض التي ترجع إلى النفس إذا خلصت للدين كانت لله سبحانه، كما قال: ﴿ألا لله الدين الخالص﴾ وهذا لو صدر منا لكان لله، لكن منزلة إبراهيم اقتضت هذا ؛والله أعلم..
﴿ قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون ﴾ قال كبراؤهم فأحضروا إبراهيم على مشهد من الناس ومرأى ليحضروا عقوبتنا، فلا يقدم أحد على مثل ما أقدم عليه ؛ أو لعل قوما يشهدون بأنهم رأوه يكسر الأصنام ؛ قال قتادة : كرهوا أن يأخذوه بغير بينة١ اه.
﴿ قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ﴾ كأن في الكلام حذفا، تقديره : فلما أتوا به قالوا ؛ لما لم يكن السماع عاما ولا ثبتت الشهادة، استفهموا هل فعل أم لا ؟.. فقال لهم إبراهيم على جهة الاحتجاج عليهم :﴿ بل فعله كبيرهم هذا ﴾....... وكان قوله من المعاريض، وفي المعاريض مندوحة عن الكذب... لكنها أثرت في الرتبة، وخفضت عن محمد المنزلة، واستحيا منها قائلها، على ما ورد في حديث الشفاعة ؛ فإن الأنبياء يشفقون مما لا يشفق منه غيرهم إجلالا لله.... لكنه رخص له فقبل الرخصة، فكان ما كان من القصة ؛ ولهذا جاء في حديث الشفاعة :" إنما اتخذت خليلا من وراء وراء ".. على البناء كخمسة عشر ٢.
[ وغير مستحيل أن يكون الله تعالى ذكره أذن لخليله في ذلك ليقرع قومه به، ويحتج به عليهم، ويعرفهم موضع خطئهم وسوء نظرهم لأنفسهم، كما قال مؤذن يوسف لإخوته :{... أيتها العير إنكم لسارقون )٣ ؛ ولم يكونوا سرقوا شيئا ].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن إبراهيم عليه السلام لم يكذب غير ثلاث : ثنتين في ذات الله٤ قوله ﴿ بل فعله كبيرهم هذا ﴾ وقوله ﴿ إني سقيم ﴾ قال وبينما هو يسير في أرض جبار من الجبابرة ومعه سارة إذ نزل منزلا فأتى الجبار رجل فقال : إنه قد نزل ههنا رجل بأرضك معه امرأة أحسن الناس، فأرسل إليه فجاءه فقال : ما هذه المرأة منك ؟ قال : أختي، قال : فاذهب فأرسل بها إلي، فانطلق إلى سارة فقال : إن هذا الجبار قد سألني عنك فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني عنده فإنك أختي في كتاب الله وإنه ليس في الأرض مسلم غيري وغيرك، فانطلق بها إبراهيم ثم قام يصلي فلما أن دخلت عليه فرآها أهوى إليها فتناولها فأخذ أخذا شديدا فقال ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت له فأرسل فأهوى إليها فتناولها فأخذ بمثلها أو أشد ففعل ذلك الثالثة فأخذ فذكر مثل المرتين الأوليين فقال : ادعي الله فلا أضرك فدعت له فأرسل ثم دعا أدنى حجابه فقال : إنك لم تأتني بإنسان ولكن أتيتني بشيطان أخرجها وأعطها هاجر، فأخرجت وأعطيت هاجر فأقبلت لما حس إبراهيم بمجيئها انفتل من صلاته وقال مهيم أي ما الخبر وماذا حدث لك ؟ ! قالت كفى الله كيد الكافر الفاجر فأخدمني هاجر ".
٢ ما بين العارضتين نقله القرطبي.
٣ سورة يوسف. من الآية ٧٠..
٤ مما نقل عن القاضي أبو بكر العربي: لم يعد قوله: هذه أختي، في ذات الله تعالى وإن كان دفع بها مكروها، ولكنه لما كان لإبراهيم عليه السلام فيها حظ من صيانة فراشه وحماية أهله لم يجعلها في ذات الله؛ وذلك لأنه لا يجعل في جنب الله وذاته إلا العمل الخالص من شوائب الدنيا، والمعاريض التي ترجع إلى النفس إذا خلصت للدين كانت لله سبحانه، كما قال: ﴿ألا لله الدين الخالص﴾ وهذا لو صدر منا لكان لله، لكن منزلة إبراهيم اقتضت هذا ؛والله أعلم..
﴿ قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون ﴾ قال كبراؤهم فأحضروا إبراهيم على مشهد من الناس ومرأى ليحضروا عقوبتنا، فلا يقدم أحد على مثل ما أقدم عليه ؛ أو لعل قوما يشهدون بأنهم رأوه يكسر الأصنام ؛ قال قتادة : كرهوا أن يأخذوه بغير بينة١ اه.
﴿ قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ﴾ كأن في الكلام حذفا، تقديره : فلما أتوا به قالوا ؛ لما لم يكن السماع عاما ولا ثبتت الشهادة، استفهموا هل فعل أم لا ؟.. فقال لهم إبراهيم على جهة الاحتجاج عليهم :﴿ بل فعله كبيرهم هذا ﴾....... وكان قوله من المعاريض، وفي المعاريض مندوحة عن الكذب... لكنها أثرت في الرتبة، وخفضت عن محمد المنزلة، واستحيا منها قائلها، على ما ورد في حديث الشفاعة ؛ فإن الأنبياء يشفقون مما لا يشفق منه غيرهم إجلالا لله.... لكنه رخص له فقبل الرخصة، فكان ما كان من القصة ؛ ولهذا جاء في حديث الشفاعة :" إنما اتخذت خليلا من وراء وراء ".. على البناء كخمسة عشر ٢.
[ وغير مستحيل أن يكون الله تعالى ذكره أذن لخليله في ذلك ليقرع قومه به، ويحتج به عليهم، ويعرفهم موضع خطئهم وسوء نظرهم لأنفسهم، كما قال مؤذن يوسف لإخوته :{... أيتها العير إنكم لسارقون )٣ ؛ ولم يكونوا سرقوا شيئا ].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن إبراهيم عليه السلام لم يكذب غير ثلاث : ثنتين في ذات الله٤ قوله ﴿ بل فعله كبيرهم هذا ﴾ وقوله ﴿ إني سقيم ﴾ قال وبينما هو يسير في أرض جبار من الجبابرة ومعه سارة إذ نزل منزلا فأتى الجبار رجل فقال : إنه قد نزل ههنا رجل بأرضك معه امرأة أحسن الناس، فأرسل إليه فجاءه فقال : ما هذه المرأة منك ؟ قال : أختي، قال : فاذهب فأرسل بها إلي، فانطلق إلى سارة فقال : إن هذا الجبار قد سألني عنك فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني عنده فإنك أختي في كتاب الله وإنه ليس في الأرض مسلم غيري وغيرك، فانطلق بها إبراهيم ثم قام يصلي فلما أن دخلت عليه فرآها أهوى إليها فتناولها فأخذ أخذا شديدا فقال ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت له فأرسل فأهوى إليها فتناولها فأخذ بمثلها أو أشد ففعل ذلك الثالثة فأخذ فذكر مثل المرتين الأوليين فقال : ادعي الله فلا أضرك فدعت له فأرسل ثم دعا أدنى حجابه فقال : إنك لم تأتني بإنسان ولكن أتيتني بشيطان أخرجها وأعطها هاجر، فأخرجت وأعطيت هاجر فأقبلت لما حس إبراهيم بمجيئها انفتل من صلاته وقال مهيم أي ما الخبر وماذا حدث لك ؟ ! قالت كفى الله كيد الكافر الفاجر فأخدمني هاجر ".
٢ ما بين العارضتين نقله القرطبي.
٣ سورة يوسف. من الآية ٧٠..
٤ مما نقل عن القاضي أبو بكر العربي: لم يعد قوله: هذه أختي، في ذات الله تعالى وإن كان دفع بها مكروها، ولكنه لما كان لإبراهيم عليه السلام فيها حظ من صيانة فراشه وحماية أهله لم يجعلها في ذات الله؛ وذلك لأنه لا يجعل في جنب الله وذاته إلا العمل الخالص من شوائب الدنيا، والمعاريض التي ترجع إلى النفس إذا خلصت للدين كانت لله سبحانه، كما قال: ﴿ألا لله الدين الخالص﴾ وهذا لو صدر منا لكان لله، لكن منزلة إبراهيم اقتضت هذا ؛والله أعلم..
﴿ فرجعوا إلى أنفسهم ﴾ رجعوا على أنفسهم بالملامة.
﴿ فقالوا ﴾ قال بعضهم لبعض.
ثم زاد إبراهيم في زجرهم فقال : أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم أي نفع، وإذ كانت لا تنطق ولا تنفع فلم تعبدونها ؟ ! وكأن في الكلام حذفا تقديره : أتعلمون ذلك فتعبدون متجاوزين عبادته تعالى، ؛ وتضجر عليه السلام من إصرارهم على الباطل بعد انقطاع العذر ووضوح الحق ؛ قال الراغب : وأصل ﴿ أف ﴾ صوت المتضجر من استقذار شيء ؛ ثم صار اسم فعل بمعنى أتضجر، واللام لبيان المتأفف له، ﴿ أفلا تعقلون ﴾ ألا تتفكرون فلا تعقلون سفه ما أنتم عليه من تأليه أحجار وأوثان ؟ !. ﴿ قال حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ﴾ قال بعضهم لبعض لما بهتوا ودحضت فريتهم : حرقوا إبراهيم انتقاما لآلهتكم ! وجاء في آيات أخر :﴿ قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم )٣. ـ لما انقطعوا بالحجة أخذتهم عزة بإثم، وانصرفوا إلى الغشم والغلبة..... وروى أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن إبراهيم حين قيدوه ليلقوه في النار قال : لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك لا شريك لك، قال : ثم رموا به في المنجنيق من مضرب شاسع فاستقبله جبريل فقال : يا إبراهيم ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا، فقال جبريل فاسأل ربك فقال : حسبي من سؤالي علمه بحالي فقال الله تعالى وهو أصدق القائلين :{ يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ﴾.. جعل الله فيها بردا يرفع حرها، وحرا يرفع بردها، فصارت سلاما عليه.. ـ٤ ؛ ﴿ وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين ﴾ تنوين ﴿ كيدا ﴾ قد يراد به التعظيم، فكأن المعنى : أراد الوثنيون قوم إبراهيم بإبراهيم عليه السلام مكرا عظيما، وأن يقتلوه قتلا أليما بتحريقه في نار أججوها فمكر الله تعالى بهم، ورد كيدهم إلى نحورهم، وأبدل نبيه دارا خيرا من دارهم
ثم زاد إبراهيم في زجرهم فقال : أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم أي نفع، وإذ كانت لا تنطق ولا تنفع فلم تعبدونها ؟ ! وكأن في الكلام حذفا تقديره : أتعلمون ذلك فتعبدون متجاوزين عبادته تعالى، ؛ وتضجر عليه السلام من إصرارهم على الباطل بعد انقطاع العذر ووضوح الحق ؛ قال الراغب : وأصل ﴿ أف ﴾ صوت المتضجر من استقذار شيء ؛ ثم صار اسم فعل بمعنى أتضجر، واللام لبيان المتأفف له، ﴿ أفلا تعقلون ﴾ ألا تتفكرون فلا تعقلون سفه ما أنتم عليه من تأليه أحجار وأوثان ؟ !. ﴿ قال حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ﴾ قال بعضهم لبعض لما بهتوا ودحضت فريتهم : حرقوا إبراهيم انتقاما لآلهتكم ! وجاء في آيات أخر :﴿ قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم )٣. ـ لما انقطعوا بالحجة أخذتهم عزة بإثم، وانصرفوا إلى الغشم والغلبة..... وروى أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن إبراهيم حين قيدوه ليلقوه في النار قال : لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك لا شريك لك، قال : ثم رموا به في المنجنيق من مضرب شاسع فاستقبله جبريل فقال : يا إبراهيم ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا، فقال جبريل فاسأل ربك فقال : حسبي من سؤالي علمه بحالي فقال الله تعالى وهو أصدق القائلين :{ يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ﴾.. جعل الله فيها بردا يرفع حرها، وحرا يرفع بردها، فصارت سلاما عليه.. ـ٤ ؛ ﴿ وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين ﴾ تنوين ﴿ كيدا ﴾ قد يراد به التعظيم، فكأن المعنى : أراد الوثنيون قوم إبراهيم بإبراهيم عليه السلام مكرا عظيما، وأن يقتلوه قتلا أليما بتحريقه في نار أججوها فمكر الله تعالى بهم، ورد كيدهم إلى نحورهم، وأبدل نبيه دارا خيرا من دارهم
ثم زاد إبراهيم في زجرهم فقال : أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم أي نفع، وإذ كانت لا تنطق ولا تنفع فلم تعبدونها ؟ ! وكأن في الكلام حذفا تقديره : أتعلمون ذلك فتعبدون متجاوزين عبادته تعالى، ؛ وتضجر عليه السلام من إصرارهم على الباطل بعد انقطاع العذر ووضوح الحق ؛ قال الراغب : وأصل ﴿ أف ﴾ صوت المتضجر من استقذار شيء ؛ ثم صار اسم فعل بمعنى أتضجر، واللام لبيان المتأفف له، ﴿ أفلا تعقلون ﴾ ألا تتفكرون فلا تعقلون سفه ما أنتم عليه من تأليه أحجار وأوثان ؟ !. ﴿ قال حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ﴾ قال بعضهم لبعض لما بهتوا ودحضت فريتهم : حرقوا إبراهيم انتقاما لآلهتكم ! وجاء في آيات أخر :﴿ قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم )٣. ـ لما انقطعوا بالحجة أخذتهم عزة بإثم، وانصرفوا إلى الغشم والغلبة..... وروى أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن إبراهيم حين قيدوه ليلقوه في النار قال : لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك لا شريك لك، قال : ثم رموا به في المنجنيق من مضرب شاسع فاستقبله جبريل فقال : يا إبراهيم ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا، فقال جبريل فاسأل ربك فقال : حسبي من سؤالي علمه بحالي فقال الله تعالى وهو أصدق القائلين :{ يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ﴾.. جعل الله فيها بردا يرفع حرها، وحرا يرفع بردها، فصارت سلاما عليه.. ـ٤ ؛ ﴿ وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين ﴾ تنوين ﴿ كيدا ﴾ قد يراد به التعظيم، فكأن المعنى : أراد الوثنيون قوم إبراهيم بإبراهيم عليه السلام مكرا عظيما، وأن يقتلوه قتلا أليما بتحريقه في نار أججوها فمكر الله تعالى بهم، ورد كيدهم إلى نحورهم، وأبدل نبيه دارا خيرا من دارهم
ثم زاد إبراهيم في زجرهم فقال : أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم أي نفع، وإذ كانت لا تنطق ولا تنفع فلم تعبدونها ؟ ! وكأن في الكلام حذفا تقديره : أتعلمون ذلك فتعبدون متجاوزين عبادته تعالى، ؛ وتضجر عليه السلام من إصرارهم على الباطل بعد انقطاع العذر ووضوح الحق ؛ قال الراغب : وأصل ﴿ أف ﴾ صوت المتضجر من استقذار شيء ؛ ثم صار اسم فعل بمعنى أتضجر، واللام لبيان المتأفف له، ﴿ أفلا تعقلون ﴾ ألا تتفكرون فلا تعقلون سفه ما أنتم عليه من تأليه أحجار وأوثان ؟ !. ﴿ قال حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ﴾ قال بعضهم لبعض لما بهتوا ودحضت فريتهم : حرقوا إبراهيم انتقاما لآلهتكم ! وجاء في آيات أخر :﴿ قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم )٣. ـ لما انقطعوا بالحجة أخذتهم عزة بإثم، وانصرفوا إلى الغشم والغلبة..... وروى أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن إبراهيم حين قيدوه ليلقوه في النار قال : لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك لا شريك لك، قال : ثم رموا به في المنجنيق من مضرب شاسع فاستقبله جبريل فقال : يا إبراهيم ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا، فقال جبريل فاسأل ربك فقال : حسبي من سؤالي علمه بحالي فقال الله تعالى وهو أصدق القائلين :{ يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ﴾.. جعل الله فيها بردا يرفع حرها، وحرا يرفع بردها، فصارت سلاما عليه.. ـ٤ ؛ ﴿ وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين ﴾ تنوين ﴿ كيدا ﴾ قد يراد به التعظيم، فكأن المعنى : أراد الوثنيون قوم إبراهيم بإبراهيم عليه السلام مكرا عظيما، وأن يقتلوه قتلا أليما بتحريقه في نار أججوها فمكر الله تعالى بهم، ورد كيدهم إلى نحورهم، وأبدل نبيه دارا خيرا من دارهم
ثم زاد إبراهيم في زجرهم فقال : أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم أي نفع، وإذ كانت لا تنطق ولا تنفع فلم تعبدونها ؟ ! وكأن في الكلام حذفا تقديره : أتعلمون ذلك فتعبدون متجاوزين عبادته تعالى، ؛ وتضجر عليه السلام من إصرارهم على الباطل بعد انقطاع العذر ووضوح الحق ؛ قال الراغب : وأصل ﴿ أف ﴾ صوت المتضجر من استقذار شيء ؛ ثم صار اسم فعل بمعنى أتضجر، واللام لبيان المتأفف له، ﴿ أفلا تعقلون ﴾ ألا تتفكرون فلا تعقلون سفه ما أنتم عليه من تأليه أحجار وأوثان ؟ !. ﴿ قال حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ﴾ قال بعضهم لبعض لما بهتوا ودحضت فريتهم : حرقوا إبراهيم انتقاما لآلهتكم ! وجاء في آيات أخر :﴿ قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم )٣. ـ لما انقطعوا بالحجة أخذتهم عزة بإثم، وانصرفوا إلى الغشم والغلبة..... وروى أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن إبراهيم حين قيدوه ليلقوه في النار قال : لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك لا شريك لك، قال : ثم رموا به في المنجنيق من مضرب شاسع فاستقبله جبريل فقال : يا إبراهيم ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا، فقال جبريل فاسأل ربك فقال : حسبي من سؤالي علمه بحالي فقال الله تعالى وهو أصدق القائلين :{ يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ﴾.. جعل الله فيها بردا يرفع حرها، وحرا يرفع بردها، فصارت سلاما عليه.. ـ٤ ؛ ﴿ وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين ﴾ تنوين ﴿ كيدا ﴾ قد يراد به التعظيم، فكأن المعنى : أراد الوثنيون قوم إبراهيم بإبراهيم عليه السلام مكرا عظيما، وأن يقتلوه قتلا أليما بتحريقه في نار أججوها فمكر الله تعالى بهم، ورد كيدهم إلى نحورهم، وأبدل نبيه دارا خيرا من دارهم
ثم زاد إبراهيم في زجرهم فقال : أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم أي نفع، وإذ كانت لا تنطق ولا تنفع فلم تعبدونها ؟ ! وكأن في الكلام حذفا تقديره : أتعلمون ذلك فتعبدون متجاوزين عبادته تعالى، ؛ وتضجر عليه السلام من إصرارهم على الباطل بعد انقطاع العذر ووضوح الحق ؛ قال الراغب : وأصل ﴿ أف ﴾ صوت المتضجر من استقذار شيء ؛ ثم صار اسم فعل بمعنى أتضجر، واللام لبيان المتأفف له، ﴿ أفلا تعقلون ﴾ ألا تتفكرون فلا تعقلون سفه ما أنتم عليه من تأليه أحجار وأوثان ؟ !. ﴿ قال حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ﴾ قال بعضهم لبعض لما بهتوا ودحضت فريتهم : حرقوا إبراهيم انتقاما لآلهتكم ! وجاء في آيات أخر :﴿ قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم )٣. ـ لما انقطعوا بالحجة أخذتهم عزة بإثم، وانصرفوا إلى الغشم والغلبة..... وروى أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن إبراهيم حين قيدوه ليلقوه في النار قال : لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك لا شريك لك، قال : ثم رموا به في المنجنيق من مضرب شاسع فاستقبله جبريل فقال : يا إبراهيم ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا، فقال جبريل فاسأل ربك فقال : حسبي من سؤالي علمه بحالي فقال الله تعالى وهو أصدق القائلين :{ يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ﴾.. جعل الله فيها بردا يرفع حرها، وحرا يرفع بردها، فصارت سلاما عليه.. ـ٤ ؛ ﴿ وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين ﴾ تنوين ﴿ كيدا ﴾ قد يراد به التعظيم، فكأن المعنى : أراد الوثنيون قوم إبراهيم بإبراهيم عليه السلام مكرا عظيما، وأن يقتلوه قتلا أليما بتحريقه في نار أججوها فمكر الله تعالى بهم، ورد كيدهم إلى نحورهم، وأبدل نبيه دارا خيرا من دارهم
ثم زاد إبراهيم في زجرهم فقال : أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم أي نفع، وإذ كانت لا تنطق ولا تنفع فلم تعبدونها ؟ ! وكأن في الكلام حذفا تقديره : أتعلمون ذلك فتعبدون متجاوزين عبادته تعالى، ؛ وتضجر عليه السلام من إصرارهم على الباطل بعد انقطاع العذر ووضوح الحق ؛ قال الراغب : وأصل ﴿ أف ﴾ صوت المتضجر من استقذار شيء ؛ ثم صار اسم فعل بمعنى أتضجر، واللام لبيان المتأفف له، ﴿ أفلا تعقلون ﴾ ألا تتفكرون فلا تعقلون سفه ما أنتم عليه من تأليه أحجار وأوثان ؟ !. ﴿ قال حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ﴾ قال بعضهم لبعض لما بهتوا ودحضت فريتهم : حرقوا إبراهيم انتقاما لآلهتكم ! وجاء في آيات أخر :﴿ قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم )٣. ـ لما انقطعوا بالحجة أخذتهم عزة بإثم، وانصرفوا إلى الغشم والغلبة..... وروى أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن إبراهيم حين قيدوه ليلقوه في النار قال : لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك لا شريك لك، قال : ثم رموا به في المنجنيق من مضرب شاسع فاستقبله جبريل فقال : يا إبراهيم ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا، فقال جبريل فاسأل ربك فقال : حسبي من سؤالي علمه بحالي فقال الله تعالى وهو أصدق القائلين :{ يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ﴾.. جعل الله فيها بردا يرفع حرها، وحرا يرفع بردها، فصارت سلاما عليه.. ـ٤ ؛ ﴿ وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين ﴾ تنوين ﴿ كيدا ﴾ قد يراد به التعظيم، فكأن المعنى : أراد الوثنيون قوم إبراهيم بإبراهيم عليه السلام مكرا عظيما، وأن يقتلوه قتلا أليما بتحريقه في نار أججوها فمكر الله تعالى بهم، ورد كيدهم إلى نحورهم، وأبدل نبيه دارا خيرا من دارهم
فارق صلوات الله عليه قومه ودينهم وهاجر إلى الشام ؛ وهذه القصة التي قص الله من نبأ إبراهيم وقومه تذكير منه بها قوم محمد صلى الله عليه وسلم من قريش أنهم قد سلكوا في عبادتهم الأوثان وأذاهم محمدا على نهيه عن عبادتها ودعائهم إلى عبادة الله مخلصين له الدين مسلك أعداء أبيهم إبراهيم ومخالفتهم دينه، وأن محمدا في براءته من عبادتها وإخلاصه العبادة لله، وفي دعائهم إلى البراءة من الأصنام، وفي الصبر على ما يلقى منهم في ذلك سالك منهاج أبيه إبراهيم، وأنه مخرجه من بين أظهرهم كما خرج إبراهيم من بين أظهر قومه حين تمادوا في غيهم إلى مهاجره من أرض الشام، ومسل بذلك نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم عما يلقى من قومه من المكروه والأذى، ومعلمه أنه منجيه منهم كما نجى أباه إبراهيم من كفرة قومه ١، ونجى الله تعالى مع إبراهيم ابن أخيه لوطا ؛ ﴿ باركنا فيها ﴾ أي كثرت خيراتها، ففيها الخصب وسعة الرزق، بل وأبرك من ذلك أن أكثر الأنبياء بعثوا فيها.
﴿ نافلة ﴾ زيادة.
﴿ حكما ﴾ حكمة، ونبوة.
﴿ الخبائث ﴾ إتيان الذكور. ﴿ فاسقين ﴾ خارجين عن الطاعة.
منّ الله تعالى على لوط عليه السلام وأعطاه النبوة والعلم، ونجاة من القرية التي أهلكها وقلبها ودمر أهلها وأمطر عليها حجارة محماة لأنهم كانوا يأتون الذكران، ويركبون في ناديهم المنكر، فخرجوا بفواحشهم عن طاعة الله، وفسقوا عن أمره، إنهم كانوا يعملون أسوأ السوء، ويستحدثون من الخنا والخبث ما لم يسبقهم إليه أحد.
كما نجى الله تعالى إبراهيم ولوطا من عتو المشركين، وكيد الوثنيين، نجى رسوله نوحا عليه السلام من مكر الأعداء الكافرين، ونجى معه أهل الإيمان المستضعفين، واستجاب دعاء نبيه وضراعته لربنا القوي المتين، وشفى صدور الموحدين، وطهر الأرض بإغراق كافة الضالين المضلين ؛ وفي هذا بشرى لأهل الحق الصادقين بأن الله مؤيدهم على الباغين المفسدين، ﴿ كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر. فدعا ربه أني مغلوب فانتصر. ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر. وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر. وحملناه على ذات ألواح ودسر )١ ؛ { وأهله ﴾ أهل دينه وملته ؛ ﴿ من الكرب العظيم ﴾ من الشدة والأذى والتكذيب، فقد لبث قومه ألف سنة إلا خمسين، فما آمن معه إلا قليل، سخر منهم الملأ من قومهم، وقالوا لنبيهم ﴿ .. ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبع إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي.. )٢ ؛ وقالوا :{ .. لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين )٣ ؛ وقالوا :{ إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين )٤ ؛ { أجمعين ﴾ أهلكهم بعامة، ولم يترك على وجه الأرض أحدا منهم، استجابة لدعوة أول أولي العزم من الرسل نوح عليه السلام { .. رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا. إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا )٥
٢ سورة هود. من الآية٢٧..
٣ سورة الشعراء. من الآية ١١٦..
٤ سورة المؤمنون. الآية ٢٥..
٥ سورة نوح ـ عليه السلام. من الآية ٢٦، والآية ٢٧..
كما نجى الله تعالى إبراهيم ولوطا من عتو المشركين، وكيد الوثنيين، نجى رسوله نوحا عليه السلام من مكر الأعداء الكافرين، ونجى معه أهل الإيمان المستضعفين، واستجاب دعاء نبيه وضراعته لربنا القوي المتين، وشفى صدور الموحدين، وطهر الأرض بإغراق كافة الضالين المضلين ؛ وفي هذا بشرى لأهل الحق الصادقين بأن الله مؤيدهم على الباغين المفسدين، ﴿ كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر. فدعا ربه أني مغلوب فانتصر. ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر. وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر. وحملناه على ذات ألواح ودسر )١ ؛ { وأهله ﴾ أهل دينه وملته ؛ ﴿ من الكرب العظيم ﴾ من الشدة والأذى والتكذيب، فقد لبث قومه ألف سنة إلا خمسين، فما آمن معه إلا قليل، سخر منهم الملأ من قومهم، وقالوا لنبيهم ﴿.. ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبع إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي.. )٢ ؛ وقالوا :{.. لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين )٣ ؛ وقالوا :{ إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين )٤ ؛ { أجمعين ﴾ أهلكهم بعامة، ولم يترك على وجه الأرض أحدا منهم، استجابة لدعوة أول أولي العزم من الرسل نوح عليه السلام {.. رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا. إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا )٥
٢ سورة هود. من الآية٢٧..
٣ سورة الشعراء. من الآية ١١٦..
٤ سورة المؤمنون. الآية ٢٥..
٥ سورة نوح ـ عليه السلام. من الآية ٢٦، والآية ٢٧..
﴿ الحرث ﴾ الزرع. ﴿ نفشت ﴾ رعت ليلا.
روى ابن جرير ـبسنده ـ عن ابن عباس : رجلان دخلا على داود أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الحرث : إن هذا أرسل غنمه في حرثي فلم يبقي من حرثي شيئا ؛ فقال داود : اذهب فإن الغنم كلها لك، فقضى بذلك داود ؛ ومر صاحب الغنم بسليمان، فأخبره بالذي قضى به داود، فدخل سليمان على داود، فقال : يا نبي الله ! إن القضاء سوى الذي قضيت، فقال : كيف ؟ قال سليمان : إن الحرث لا يخفى على صاحبه ما يخرج منه في كل عام، فله من صاحب الغنم أن يبيع من أولادها وأصوافها وأشعارها حتى يستوفي ثمن الحرث، فإن الغنم لها نسل في كل عام ؛ فقال داود : قد أصبت ؛ القضاء كما قضيت، ففهمها الله سليمان ؛ وروى عن قتادة : النقش بالليل، والهمل بالنهار ؛ وذكر لنا أن غنم القوم وقعت في زرع ليلا، فرفع ذلك إلى داود، فقضى بالغنم لأصحاب الزرع ؛ فقال سليمان : ليس كذلك، ولكن نسلها ورسلها ـ لبنها ـ وعوارضها وجزازها، حتى إذا كان من العام المقبل كهيئته يوم أكل، دفعت الغنم إلى ربها ـ صاحبها ـ وقبض صاحب الزرع زرعه ؛ فقال الله :﴿ ففهمناها سليمان ﴾.
أما ابن زيد فقد نقل عنه : انفلتت غنم رجل على حرث رجل فأكلته، فجاء إلى داود فقضى فيها بالغنم لصاحب الحرث بما أكلت، وكأنه رأى أنه وجه ذلك، فمروا بسليمان، فقال : ما قضى بينكم نبي الله ؟ فأخبروه، فقال : ألا أقضي بينكما عسى أن ترضيا به ؟ ! فقالا نعم، فقال : أما أنت يا صاحب الحرث فخذ غنم هذا الرجل، فكن فيها كما كان صاحبها، أصب من لبنها وعارضتها وكذا وكذا ما كان يصيب، واحرث أنت يا صاحب الغنم حرث هذا الرجل، حتى إذا كان حرثه مثله نفشت فيه غنمك فأعطه حرثه وخذ غنمك، فذلك قول الله تبارك وتعالى :﴿ وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم ﴾ وقرأ حتى بلغ قوله :﴿ وكلا آتينا حكما وعلما ﴾ ـ لما هدم الوليد كنيسة دمشق كتب إليه ملك الروم : إنك هدمت الكنيسة التي رأى أبوك تركها، فإن كنت مصيبا قد أخطأ أبوك، وإن كان أبوك مصيبا فقد أخطأت أنت، فأجابه الوليد :﴿ وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين. ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما.. ﴾... قال الحسن : لولا هذه الآية لرأيت أن القضاة هلكوا، ولكنه تعالى أثنى على سليمان بصوابه، وعذر داود باجتهاده ؛
روى مسلم وغيره عن عمروا ابن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر "... وإنما معنى الحديث : إذا أراد أن يحكم، كما قال :{ فإذا قرأت القرآن فاستعذ.. )١..... فإذا فرط صاحب الماشية في ردها إلى منزله، أو فرط في ضبطها وحبسها على الانتشار بالليل حتى أتلفت شيئا فعليه ضمان ذلك... قال أصبغ في المدينة : ليس لأهل المواشي أن يخرجوا مواشيهم إلى قرى الزرع بغير ذوّاد٢ ؛فركب العلماء على أن هذه البقعة لا يخلو أن تكون بقعة زرع، أو بقعة سرح، فإن كانت بقعة زرع فلا تدخلها ماشية إلا ماشية تحتاج، وعلى أربابها حفظها، وما أفسدت فصاحبها ضامن ليلا أو نهارا، وإن كانت بقعة سرح فعلى صاحب حرثه فيها حفظه ولا شيء على أرباب المواشي.
ومع أن سليمان عليه السلام كان أقضى من أبيه داود ـ سلام الله عليه ـ فإن المولى سبحانه قد أعطى كلا من داود وسليمان نبوة وعلما، وقضاء وحكما، ﴿ وسخرنا مع داود الجبال يسبحن ﴾ ذلل الله تعالى الجبال، وأقدرها ـ جل وتقدس ـ بقدرته على التسبيح تجاوب نبيه داود في تسبيحه، كما أنطق الطير بهذا التقديس والتنزيه ؛ وهكذا كان أمره إليهما، ﴿.. يا جبال أوبي معه والطير.. )٣ ؛ { وكنا فاعلين ﴾ ـ وذلك فعل الله تعالى بها، ذلك لأن الجبال لا تعقل، فتسبيحها دلالة على تنزيه الله تعالى عن صفات العاجزين والمحدثين ـ٤
روى ابن جرير ـبسنده ـ عن ابن عباس : رجلان دخلا على داود أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الحرث : إن هذا أرسل غنمه في حرثي فلم يبقي من حرثي شيئا ؛ فقال داود : اذهب فإن الغنم كلها لك، فقضى بذلك داود ؛ ومر صاحب الغنم بسليمان، فأخبره بالذي قضى به داود، فدخل سليمان على داود، فقال : يا نبي الله ! إن القضاء سوى الذي قضيت، فقال : كيف ؟ قال سليمان : إن الحرث لا يخفى على صاحبه ما يخرج منه في كل عام، فله من صاحب الغنم أن يبيع من أولادها وأصوافها وأشعارها حتى يستوفي ثمن الحرث، فإن الغنم لها نسل في كل عام ؛ فقال داود : قد أصبت ؛ القضاء كما قضيت، ففهمها الله سليمان ؛ وروى عن قتادة : النقش بالليل، والهمل بالنهار ؛ وذكر لنا أن غنم القوم وقعت في زرع ليلا، فرفع ذلك إلى داود، فقضى بالغنم لأصحاب الزرع ؛ فقال سليمان : ليس كذلك، ولكن نسلها ورسلها ـ لبنها ـ وعوارضها وجزازها، حتى إذا كان من العام المقبل كهيئته يوم أكل، دفعت الغنم إلى ربها ـ صاحبها ـ وقبض صاحب الزرع زرعه ؛ فقال الله :﴿ ففهمناها سليمان ﴾.
أما ابن زيد فقد نقل عنه : انفلتت غنم رجل على حرث رجل فأكلته، فجاء إلى داود فقضى فيها بالغنم لصاحب الحرث بما أكلت، وكأنه رأى أنه وجه ذلك، فمروا بسليمان، فقال : ما قضى بينكم نبي الله ؟ فأخبروه، فقال : ألا أقضي بينكما عسى أن ترضيا به ؟ ! فقالا نعم، فقال : أما أنت يا صاحب الحرث فخذ غنم هذا الرجل، فكن فيها كما كان صاحبها، أصب من لبنها وعارضتها وكذا وكذا ما كان يصيب، واحرث أنت يا صاحب الغنم حرث هذا الرجل، حتى إذا كان حرثه مثله نفشت فيه غنمك فأعطه حرثه وخذ غنمك، فذلك قول الله تبارك وتعالى :﴿ وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم ﴾ وقرأ حتى بلغ قوله :﴿ وكلا آتينا حكما وعلما ﴾ ـ لما هدم الوليد كنيسة دمشق كتب إليه ملك الروم : إنك هدمت الكنيسة التي رأى أبوك تركها، فإن كنت مصيبا قد أخطأ أبوك، وإن كان أبوك مصيبا فقد أخطأت أنت، فأجابه الوليد :﴿ وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين. ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما.. ﴾... قال الحسن : لولا هذه الآية لرأيت أن القضاة هلكوا، ولكنه تعالى أثنى على سليمان بصوابه، وعذر داود باجتهاده ؛
روى مسلم وغيره عن عمروا ابن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر "... وإنما معنى الحديث : إذا أراد أن يحكم، كما قال :{ فإذا قرأت القرآن فاستعذ.. )١..... فإذا فرط صاحب الماشية في ردها إلى منزله، أو فرط في ضبطها وحبسها على الانتشار بالليل حتى أتلفت شيئا فعليه ضمان ذلك... قال أصبغ في المدينة : ليس لأهل المواشي أن يخرجوا مواشيهم إلى قرى الزرع بغير ذوّاد٢ ؛فركب العلماء على أن هذه البقعة لا يخلو أن تكون بقعة زرع، أو بقعة سرح، فإن كانت بقعة زرع فلا تدخلها ماشية إلا ماشية تحتاج، وعلى أربابها حفظها، وما أفسدت فصاحبها ضامن ليلا أو نهارا، وإن كانت بقعة سرح فعلى صاحب حرثه فيها حفظه ولا شيء على أرباب المواشي.
ومع أن سليمان عليه السلام كان أقضى من أبيه داود ـ سلام الله عليه ـ فإن المولى سبحانه قد أعطى كلا من داود وسليمان نبوة وعلما، وقضاء وحكما، ﴿ وسخرنا مع داود الجبال يسبحن ﴾ ذلل الله تعالى الجبال، وأقدرها ـ جل وتقدس ـ بقدرته على التسبيح تجاوب نبيه داود في تسبيحه، كما أنطق الطير بهذا التقديس والتنزيه ؛ وهكذا كان أمره إليهما، ﴿.. يا جبال أوبي معه والطير.. )٣ ؛ { وكنا فاعلين ﴾ ـ وذلك فعل الله تعالى بها، ذلك لأن الجبال لا تعقل، فتسبيحها دلالة على تنزيه الله تعالى عن صفات العاجزين والمحدثين ـ٤
﴿ صنعة لبوس ﴾ صناعة السلاح وعدة الحرب. ﴿ لتحصنهم ﴾ لتحرزكم وتقيكم. ﴿ بأسكم ﴾ حربكم.
وعلمنا داود صنعة السلاح لكم، لتقيكم مكن حربكم مع عدوكم إذ لاقيتموه ودافعتموه، ﴿ فهل أنتم شاكرون ﴾ تذكير بأثر تلك النعمة، نعمة العلم بصنعة السلاح، وحض على الثناء على المنعم بها وبسائر النعم تبارك وتقدس.
﴿ عاصفة ﴾ شديد الهبوب.
ومثلما أنطقنا الجبال والطير بالتسبيح مع داود ﴿ .. وألنا له الحديد. أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا.. )١، وسخرنا لسليمان الريح { .. تجري بأمره رخاء حيث أصاب )٢، وتسرع في هبوبها وتشتد حتى تعصف حين يبتغيها مسرعة، فهي لينة، وحينا لينة وحينا مسرعة حسبما يأمرها٣ عبدنا ونبينا سليمان، فقد ذللناها له وطوّعناها ؛ يقول الله جل ثناؤه :{ ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر.. )٤والأرض المباركة : أرض الشام ؛ تجري به الريح وبأصحابه إلى حيث أراد، ثم ترده إلى الشام، { وكنا بكل شيء عالمين ﴾ أحاط علمنا بكل شيء، فأوجدناه على علم، ودبرناه بحكمة، وسخرناه باقتدار.
٢ سورة ص. من الآية٣٦..
٣ روى أنه كان إذا أراد أن يغزوا أمر بخشب فمدت ورفع عليها الناس والدواب وآلة الحرب، ثم أمر العاصفة فأقلت ذلك، ثم أمر الرخاء فمرت به شهرا في رواحه وشهرا في غدوه..
٤ سورة سبأ. من الآية ١٢..
﴿ يغوصون ﴾ ينزلون تحت الماء.
وسخرنا له من الجن من يغوصون تحت الماء، ويستخرجون له من البحر الجواهر وما يريد ؛ ولهم أعمال سوى الغوص بينتها مفصلة آية كريمة، { يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات.. )١، وإنا لحافظون لهم من أن يفسدوا أعمالهم، أو يخرجوا عم أمره عليه السلام ؛ وهكذا سخر الله تعالى لداود فيما سخر أكثف الأشياء وانقادت له وذلت : الجبال والحديد ؛ وسخر لسليمان ألطف الأشياء الريح رقت وعصفت ؛ فسبحان الذي لا يخرج عن قبضته شيء.
أيوب عليه السلام رسول من رسل الله إلى بني إسرائيل ابتلاه الله تعالى بشيء من الضر، فصبر على البلاء، ثم توجه إلى الله تعالى بالضراعة والدعاء، وأثنى على ربنا بأنه البر الذي يجزل العطاء ويكشف الضراء، فاستجاب الولي القريب جل ثناؤه لنبيه أيوب فأذهب عنه الضر، وأفاض عليه الخير، وأخلف له أعظم مما فاته، وأعطاه ضعف ما كان فيه من قبل الضر الذي مسه ؛ عطاء من لدن الرحمن الرحيم ؛ مع ما ادخره من أجر جزيل وثواب جميل ﴿ .. إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب )١ ؛ فعظم الأجر على قدر جميل الصبر ؛ { وذكرى للعابدين ﴾ وتذكيرا للعباد، بسبيل الرشاد، وبشرى بأن الفرج يأتي بعد الكرب، وبعد العسر يجيء اليسر { .. سيجعل الله بعد عسر يسرا )٢
﴿ وأيوب إذ نادى ربه ﴾ كأن التقدير : واذكر نبأ نبينا أيوب حين دعا مولاه ؛ كما جاء في آية كريمة :{ واذكر عبدنا أيوب.. )٣ ؛ ولقد أورد المفسرون كلاما طويلا٤ في سبب بلائه، وبماذا ابتلي، وكم سنة قضاها مبتلى ؛ لكن جانبا مما نقلوه لا يتناسب وعصمة الأنبياء، وكرامتهم على الله عز ثناؤه، بل لا يتوافق وما جاء صريحا في كتاب الله ثناء على النبي العظيم :{ .. إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب )٥، فلا ندع هدى الذكر الحكيم إلى قول ما نزل به من سلطان وما لهم به من علم.
٢ سورة الطلاق. من الآية ٧؛ إذ نقلوه أن الله تعالى سلط إبليس على أهله وماله وجسده؛ وهذا مما أشار القرآن إلى خلافه في مثل قول الحق سبحانه: ﴿أن عبادي ليس لك عليهم سلطان..﴾؛ ﴿إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا..﴾؛ كما أن ادعاءهم أنه ألقى به في الكناسة مما ينفر عنه الناس، ومن ملامح الافتراء أن ما نسبوه إلى أيوب عليه السلام من الامتهان، جاء على نسق ما افتروه على سليمان عليه السلام من الهوان الذي زعموا أنه كان مكيدة له من الشيطان؛ وكذا الشبه والفري التي حشدها اليهود فيما أسموه كتب الأنبياء، وهم سلام الله عليهم من هذا ومن كل سوء براء..
٣ سورة ص. من الآية ٤١..
٤ أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن في صفه الضر الذي أصابه ستة عشر قولا كما أورد صاحب جامع البيان بحثا ربما يزيد على ثمانية آلاف كلمة؛ نقله عن وهب بن منبه..
٥ سورة ص. من الآية ٤٤..
أيوب عليه السلام رسول من رسل الله إلى بني إسرائيل ابتلاه الله تعالى بشيء من الضر، فصبر على البلاء، ثم توجه إلى الله تعالى بالضراعة والدعاء، وأثنى على ربنا بأنه البر الذي يجزل العطاء ويكشف الضراء، فاستجاب الولي القريب جل ثناؤه لنبيه أيوب فأذهب عنه الضر، وأفاض عليه الخير، وأخلف له أعظم مما فاته، وأعطاه ضعف ما كان فيه من قبل الضر الذي مسه ؛ عطاء من لدن الرحمن الرحيم ؛ مع ما ادخره من أجر جزيل وثواب جميل ﴿.. إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب )١ ؛ فعظم الأجر على قدر جميل الصبر ؛ { وذكرى للعابدين ﴾ وتذكيرا للعباد، بسبيل الرشاد، وبشرى بأن الفرج يأتي بعد الكرب، وبعد العسر يجيء اليسر {.. سيجعل الله بعد عسر يسرا )٢
﴿ وأيوب إذ نادى ربه ﴾ كأن التقدير : واذكر نبأ نبينا أيوب حين دعا مولاه ؛ كما جاء في آية كريمة :{ واذكر عبدنا أيوب.. )٣ ؛ ولقد أورد المفسرون كلاما طويلا٤ في سبب بلائه، وبماذا ابتلي، وكم سنة قضاها مبتلى ؛ لكن جانبا مما نقلوه لا يتناسب وعصمة الأنبياء، وكرامتهم على الله عز ثناؤه، بل لا يتوافق وما جاء صريحا في كتاب الله ثناء على النبي العظيم :{.. إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب )٥، فلا ندع هدى الذكر الحكيم إلى قول ما نزل به من سلطان وما لهم به من علم.
٢ سورة الطلاق. من الآية ٧؛ إذ نقلوه أن الله تعالى سلط إبليس على أهله وماله وجسده؛ وهذا مما أشار القرآن إلى خلافه في مثل قول الحق سبحانه: ﴿أن عبادي ليس لك عليهم سلطان..﴾؛ ﴿إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا..﴾؛ كما أن ادعاءهم أنه ألقى به في الكناسة مما ينفر عنه الناس، ومن ملامح الافتراء أن ما نسبوه إلى أيوب عليه السلام من الامتهان، جاء على نسق ما افتروه على سليمان عليه السلام من الهوان الذي زعموا أنه كان مكيدة له من الشيطان؛ وكذا الشبه والفري التي حشدها اليهود فيما أسموه كتب الأنبياء، وهم سلام الله عليهم من هذا ومن كل سوء براء..
٣ سورة ص. من الآية ٤١..
٤ أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن في صفه الضر الذي أصابه ستة عشر قولا كما أورد صاحب جامع البيان بحثا ربما يزيد على ثمانية آلاف كلمة؛ نقله عن وهب بن منبه..
٥ سورة ص. من الآية ٤٤..
لما ذكرت الآيات السابقات نبأ نبيين ملكين شاكرين، ونبأ نبي أنعم به صابرا على البلاء، بينت هاتان الآيتان فضل ثلاثة من الأخيار الأبرار : إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وإدريس، والثالث ذي الكفل عليهم السلام ؛ وظاهر نظم ذو الكفل في سلك الأنبياء عليهم السلام أنه منهم، وهو الذي ذهب إليه الأكثر.... ﴿ كل ﴾ أي كل واحد من هؤلاء ﴿ من الصابرين ﴾ أي : على مشاق التكاليف، وشدائد النوب، ... ﴿ إنهم من الصالحين ﴾ أي الكاملين في الصلاح لعصمتهم من الذنوب ١
لما ذكرت الآيات السابقات نبأ نبيين ملكين شاكرين، ونبأ نبي أنعم به صابرا على البلاء، بينت هاتان الآيتان فضل ثلاثة من الأخيار الأبرار : إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وإدريس، والثالث ذي الكفل عليهم السلام ؛ وظاهر نظم ذو الكفل في سلك الأنبياء عليهم السلام أنه منهم، وهو الذي ذهب إليه الأكثر.... ﴿ كل ﴾ أي كل واحد من هؤلاء ﴿ من الصابرين ﴾ أي :
على مشاق التكاليف، وشدائد النوب، | ﴿ إنهم من الصالحين ﴾ أي الكاملين في الصلاح لعصمتهم من الذنوب ١ |
واذكر صاحب الحوت يونس عليه السلام ؛ و﴿ النون ﴾ الحوت ؛ ﴿ إذ ذهب مغاضبا ﴾ هاجر حال كونه غضبان على قومه، إذ دعاهم إلى دين الحق فلم يستجيبوا والمؤمن يغضب لله عز وجل إذا عصي لكنه ربما يكون خالف الأولى إذ لم يصابر، ولعل هذا مما يشير إليه قول الحق سبحانه مخاطبا خاتم النبيين ﴿ .. ولا تكن كصاحب الحوت.. )١ ؛ وجاء في سورة كريمة أخرى بيان ما أصابه بعد ركوب السفينة :{ فالتقمه الحوت٢وهو مليم ) ٣والمليم : من فعل ما يلام عليه ؛ { فظن أن لن نقدر عليه ﴾ كان مطمئنا إلى أنا لن نضيق عليه، قال الحسن : وهو من قوله تعالى :﴿ الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدره.. )٤أي يضيق ؛ وقوله :{ .. ومن قدر عليه رزقه.. )٥ أي : ضيق ؛ { فنادى في الظلمات ﴾ ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت ؛ ﴿ أن لا إله إلا أنت... { سبحانك ﴾.. أنزهك تنزيها لائقا بك من أن يعجزك شيء.. ﴿ إني كنت من الظالمين ﴾ لأنفسهم بتعريضها للهلكة حيث بادرت بالمهاجرة من غير أمر... ﴿ فاستجبنا له ﴾ أي دعاءه الذي دعاه ضمن الاعتراف وإظهار التوبة على ألطف وجه وأحسنه.. ٦ ٧ ؛ ﴿ وكذلك ننجي المؤمنين ﴾ [ أي نخلصهم من همهم بما سبق من عملهم، وذلك قوله :{ فلولا أنه كان من المسبحين. للبث في بطنه إلى يوم يبعثون )٨ ؛ وهذا حفظ من الله عز وجل لعبده يونس، رعى له حتى تعبده، وحفظ ذمام ما سلف له من الطاعة ؛ وقال الأستاذ أبو إسحاق : صحب ذو النون الحوت أياما قلائل فإلى يوم القيامة يقال له ذو النون، فما ظنك بعبد عبده سبعين سنة ! يبطل هذا عنده ! لا يظن به ذلك ]٩.
٢ مما أورده القرطبي: وقال أبو المعالي: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تفضلوني على يونس بن متى" المعنى فإني لم أكن وأنا في سدرة المنتهى بأقرب إلى الله منه وهو في قعر البحر في بطن الحوت؛ وهذا يدل على أن الباري سبحانه وتعالى ليس في جهة. ج١١ص٣٣٣ -٣٣٤..
٣ سورة الصافات. الآية ١٤٢..
٤ سورة الرعد. من الآية ٢٦..
٥ سورة الطلاق. من الآية ٧..
٦ أخرج أحمد والترمذي، والحكيم في نوادر الأصول والحاكم وصححه، ابن جرير، والبيهقي في الشعب، وجماعة عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له".
٧ ما بين العارضتين من روح المعاني..
٨ سورة الصافات. الآيتان ١٤٣، ١٤٤..
٩ ما بين العلامتين من الجامع لأحكام القرآن..
واذكر صاحب الحوت يونس عليه السلام ؛ و﴿ النون ﴾ الحوت ؛ ﴿ إذ ذهب مغاضبا ﴾ هاجر حال كونه غضبان على قومه، إذ دعاهم إلى دين الحق فلم يستجيبوا والمؤمن يغضب لله عز وجل إذا عصي لكنه ربما يكون خالف الأولى إذ لم يصابر، ولعل هذا مما يشير إليه قول الحق سبحانه مخاطبا خاتم النبيين ﴿.. ولا تكن كصاحب الحوت.. )١ ؛ وجاء في سورة كريمة أخرى بيان ما أصابه بعد ركوب السفينة :{ فالتقمه الحوت٢وهو مليم ) ٣والمليم : من فعل ما يلام عليه ؛ { فظن أن لن نقدر عليه ﴾ كان مطمئنا إلى أنا لن نضيق عليه، قال الحسن : وهو من قوله تعالى :﴿ الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدره.. )٤أي يضيق ؛ وقوله :{.. ومن قدر عليه رزقه.. )٥ أي : ضيق ؛ { فنادى في الظلمات ﴾ ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت ؛ ﴿ أن لا إله إلا أنت... { سبحانك ﴾.. أنزهك تنزيها لائقا بك من أن يعجزك شيء.. ﴿ إني كنت من الظالمين ﴾ لأنفسهم بتعريضها للهلكة حيث بادرت بالمهاجرة من غير أمر... ﴿ فاستجبنا له ﴾ أي دعاءه الذي دعاه ضمن الاعتراف وإظهار التوبة على ألطف وجه وأحسنه.. ٦ ٧ ؛ ﴿ وكذلك ننجي المؤمنين ﴾ [ أي نخلصهم من همهم بما سبق من عملهم، وذلك قوله :{ فلولا أنه كان من المسبحين. للبث في بطنه إلى يوم يبعثون )٨ ؛ وهذا حفظ من الله عز وجل لعبده يونس، رعى له حتى تعبده، وحفظ ذمام ما سلف له من الطاعة ؛ وقال الأستاذ أبو إسحاق : صحب ذو النون الحوت أياما قلائل فإلى يوم القيامة يقال له ذو النون، فما ظنك بعبد عبده سبعين سنة ! يبطل هذا عنده ! لا يظن به ذلك ]٩.
٢ مما أورده القرطبي: وقال أبو المعالي: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تفضلوني على يونس بن متى" المعنى فإني لم أكن وأنا في سدرة المنتهى بأقرب إلى الله منه وهو في قعر البحر في بطن الحوت؛ وهذا يدل على أن الباري سبحانه وتعالى ليس في جهة. ج١١ص٣٣٣ -٣٣٤..
٣ سورة الصافات. الآية ١٤٢..
٤ سورة الرعد. من الآية ٢٦..
٥ سورة الطلاق. من الآية ٧..
٦ أخرج أحمد والترمذي، والحكيم في نوادر الأصول والحاكم وصححه، ابن جرير، والبيهقي في الشعب، وجماعة عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له".
٧ ما بين العارضتين من روح المعاني..
٨ سورة الصافات. الآيتان ١٤٣، ١٤٤..
٩ ما بين العلامتين من الجامع لأحكام القرآن..
معطوف على ذكر قبل من أنباء الأنبياء السابقين صلوات الله عليهم أجمعين، فكأن التقدير : واذكر خبر زكريا عليه السلام حين دعا ربه قائلا : يا رب لا تتركني وحيدا دون ذرية ؛ كما جاء في آية أخرى ﴿ .. فهب لي من لدنك وليا. يرثني ويرث من آل يعقوب... )١ ؛ { وأنت خير الوارثين ﴾ إقرار بالحق، وبما ينتهي إليه الأمر، وأن المردّ إلى الحي الذي لا يموت، ومهما تعاقبت الأخلاف بعد الأسلاف، فإن الكل مرتحل عن هذه الدار، ولا يبقى إلا الله الواحد القهار ؛ وإنها لمن النعم التي يتضرع بها إلى المولى العلي القدير، أن يرزق عبده خلفا صالحا، وبهذا امتنّ سبحانه على عباده، { .. وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة.. )٢، وكانت ضراعة زكريا :{ .. رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء )٣.
٢ سورة النحل. من الآية ٧٢..
٣ سورة آل عمران. من الآية ٣٧..
﴿ إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين ﴾ جائز أن يكون الضمير عائدا على جملة من سبق ذكرهم من الأنبياء في تلك السورة : إبراهيم ولوط ونوح وداود وسليمان وأيوب ويونس وزكريا ويحيى، وجاز أن يكون على أقرب مذكور، زكريا ويحيى، وأم يحيى ؛ وأثنى الله تعالى عليهم بمسارعتهم إلى الإيمان والعبادة والعمل الصالح، وعطف على ذلك الدعاء رجاء رحمته وخشية غضبه لأهمية الدعاء، إذ هو مخ العبادة ؛ ﴿ وكانوا لنا خاشعين ﴾ كانوا خاضعين لجلال ربهم مخبتين منقادين، متضرعين.
٢ سورة مريم. من الآية١٢، والآيات١٣، ١٤، ١٥..
أي واذكر يا محمد نبأ التي عفت وطهرت وحفظت أمانة الله، وعكفت على العبادة، وعمرت مسجد الله، فنفخ ملك الوحي فيها١بأمرنا فحملت بابنها المسيح عيسى عليه السلام، وهي بتول لم تتزوج، ولم تدنس بفحش ولا بغي، فكانت وكان ابنها النبي الرسول آية من آيات قدرتنا، وعلامة من علامات نفاذ أمرنا، بسبب وبلا سبب :{ إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون )٢.
٢ سورة النحل. الآية ٤٠..
بينت الآيات المباركات السابقات جانبا من نبأ المرسلين، وفي هذه الآية خطاب لكافة المكلفين، أن الله ارتضى لهم ملة واحدة هي الإسلام، ﴿ ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه.. )١ ؛ والأمة : القوم يجتمعون على دين واحد، فكل الأنبياء دعوا إلى الإسلام لما ذكر الأنبياء قال : هؤلاء كلهم مجتمعون على التوحيد ؛ فالأمة هنا بمعنى الدين الذي هو الإسلام، قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما : فأما المشركون فقد خالفوا الكل ٢ [ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد " ٣، يعني أن المقصود هو عبادة الله وحده لا شريك له، بشرائع متنوعة.. ]٤ ؛ { وأنا ربكم ﴾ أنا مولاكم وخالقكم ورازقكم دون سواي ؛ ﴿ فاعبدون ﴾ فاعبدوني وحدي.
٢ رواه البخاري..
٣ ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن..
٤ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
٢ سورة غافر. من الآية ٨٥..
٢ سورة غافر. من الآية ٨٥..
٢ سورة غافر. من الآية ٨٥..
﴿ حتى ﴾ ابتدائية، تقدمها ما بينت الآية السابقة من أن الباغين المهلكين لا يهديهم الله، ثم تكون غاية إمهالهم أن تقوم القيامة ويحين المرجع إلى دار الجزاء ؛ أو غاية لعدم الرجوع عن الكفر، أي لا يرجعون عنه حتى إذا قامت القيامة يرجعون عنه، وهو حين لا ينفعهم ذلك ؛ وقال ابن عطية :﴿ حتى ﴾ متعلقة بقوله تعالى :﴿ تقطعوا ﴾ وحاصله أنهم لا يزالون مختلفين غير مجتمعين على دين الحق إلى قرب مجيء الساعة، فإذا جاءت الساعة انقطع ذلك الاختلاف وعلم الجميع أن مولاهم الحق، وأن الدين المنجي كان دين التوحيد ﴿ فتحت ﴾ ونسبة الفتح إلى يأجوج ومأجوج مجاز، وهي حقيقة إلى السد فكأن التقدير : حتى إذا فتح سد يأجوج ومأجوج ؛ وهما والله تعالى أعلم.. قبيلتان من ولد يافت بن نوح عليه السلام ﴿ وهم من كل حدب ينسلون ﴾ أي يأجوج ومأجوج من كل مرتفع يهبطون، أو من كل صوب وناحية يسرعون.
وقوله :﴿ واقترب الوعد الحق ﴾ يعني يوم القيامة إذا حصلت هذه الأهوال والزلازل والبلابل أزفت الساعة واقتربت، فإذا كانت ووقعت قال الكافرون :﴿ .. هذا يوم عسر.. )٤ ؛ ولهذا قال الله تعالى :{ فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ﴾ أي من شدة ما يشاهدونه من الأمور العظام ﴿ يا ويلنا ﴾ أي : يقولون يا ويلنا ﴿ قد كنا في غفلة من هذا ﴾ أي في الدنيا ؛ ﴿ بل كنا ظالمين ﴾ يعترفون بظلمهم.. حيث لا ينفعهم ذلك ٥
٢ اللبن الذي يشرب..
٣ أخرجه مسلم وأحمد وأصحاب السنن، وقال الترمذي: حسن صحيح..
٤ سورة القمر. من الآية ٨..
٥ ما بين العارضتين من تفسير القرآن العظيم..
قال ابن عباس : آية لا يسألني الناس عنها ! لا أدري أعرفوها فلم يسألوا عنها، أو جهلوها فلا يسألون عنها ؛ فقيل : وما هي ؟ قال :﴿ إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ﴾ لما أنزلت شق على كفار قريش، وقالوا : شتم آلهتنا، وأتوا ابن الزبعري١ وأخبروه، فقال : لو حضرته لرددت عليه ؛ قالوا : وما كنت تقول له ؟ قال : كنت أقول له : هذا المسيح تعبده النصارى، واليهود تعبد عزيرا، أفهما من حصب جهنم ؟ فعجبت قريش من مقالته، ورأوا أن محمدا قد خصم٢ ؛ فأنزل الله تعالى :﴿ إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ﴾ وفيه نزل :﴿ ولما ضرب ابن مريم مثلا ) يعني يابن الزبعري { إذ قومك منه يصدون )٣، أي : يضجون ؛ ويظهر من هذه الآية أن الناس من الكفار وما يعبدون٤ من الأصنام حطب لجهنم، ونظير هذه الآية قوله تعالى :{ .. وقودها الناس والحجارة.. ) لو كانت الأصنام آلهة لما ورد عابدوها النار، ولا وردها ما عبدوه من الأوثان ؛ { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون. لا يسمعون حسيسها ﴾ أماالذين سعدوا فيباعد بينهم وبين جهنم، ولا يسمعون حسها ولا حركتها ولا صوت لهيبها ؛ ﴿ وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون ﴾ ماكثون أبدا في نعيم دار الكرامة ومقعد الصدق يتمتعون بكل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ﴿ لا يحزنهم الفزع الأكبر ﴾ أهوال يوم القيامة والبعث، ﴿ وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ﴾ وتستقبلهم الملائكة على أبواب الجنة يهنئونهم ويقولون لهم : هذا هو يوم الوعد بالكرامة، وحلولكم دار المقامة والسلامة.
٢ أي غلبه خصومه بجدالهم..
٣ سورة الزخرف. الآية ٥٧..
٤ مما أورد الألوسي: فما عبارة عن أصنامهم، والتعبير عنها على أنها على المشهور لما لا يعقل، فلا يرد أن عيسى وعزيرا والملائكة عليهم السلام عبدوا من دون الله تعالى مع أن الحكم لا يشملهم.. وقال بعضهم: إن ﴿ما﴾ تعم العقلاء وغيرهم، وهو مذهب جمهور أئمة اللغة.. ودليل ذلك: النص، والإطلاق، والمعنى؛ أما النص فقوله تعالى: {وما خلق الذكر والأنثى) ـ من سورة الليل ـ وقوله سبحانه: {والسماء وما بناها) ـ من سورة الشمس ـ وقوله سبحانه: {ولا أنتم عابدون ما أعبد) ـ من سورة الكافرون... اهـ.
قال ابن عباس : آية لا يسألني الناس عنها ! لا أدري أعرفوها فلم يسألوا عنها، أو جهلوها فلا يسألون عنها ؛ فقيل : وما هي ؟ قال :﴿ إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ﴾ لما أنزلت شق على كفار قريش، وقالوا : شتم آلهتنا، وأتوا ابن الزبعري١ وأخبروه، فقال : لو حضرته لرددت عليه ؛ قالوا : وما كنت تقول له ؟ قال : كنت أقول له : هذا المسيح تعبده النصارى، واليهود تعبد عزيرا، أفهما من حصب جهنم ؟ فعجبت قريش من مقالته، ورأوا أن محمدا قد خصم٢ ؛ فأنزل الله تعالى :﴿ إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ﴾ وفيه نزل :﴿ ولما ضرب ابن مريم مثلا ) يعني يابن الزبعري { إذ قومك منه يصدون )٣، أي : يضجون ؛ ويظهر من هذه الآية أن الناس من الكفار وما يعبدون٤ من الأصنام حطب لجهنم، ونظير هذه الآية قوله تعالى :{.. وقودها الناس والحجارة.. ) لو كانت الأصنام آلهة لما ورد عابدوها النار، ولا وردها ما عبدوه من الأوثان ؛ { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون. لا يسمعون حسيسها ﴾ أماالذين سعدوا فيباعد بينهم وبين جهنم، ولا يسمعون حسها ولا حركتها ولا صوت لهيبها ؛ ﴿ وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون ﴾ ماكثون أبدا في نعيم دار الكرامة ومقعد الصدق يتمتعون بكل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ﴿ لا يحزنهم الفزع الأكبر ﴾ أهوال يوم القيامة والبعث، ﴿ وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ﴾ وتستقبلهم الملائكة على أبواب الجنة يهنئونهم ويقولون لهم : هذا هو يوم الوعد بالكرامة، وحلولكم دار المقامة والسلامة.
٢ أي غلبه خصومه بجدالهم..
٣ سورة الزخرف. الآية ٥٧..
٤ مما أورد الألوسي: فما عبارة عن أصنامهم، والتعبير عنها على أنها على المشهور لما لا يعقل، فلا يرد أن عيسى وعزيرا والملائكة عليهم السلام عبدوا من دون الله تعالى مع أن الحكم لا يشملهم.. وقال بعضهم: إن ﴿ما﴾ تعم العقلاء وغيرهم، وهو مذهب جمهور أئمة اللغة.. ودليل ذلك: النص، والإطلاق، والمعنى؛ أما النص فقوله تعالى: {وما خلق الذكر والأنثى) ـ من سورة الليل ـ وقوله سبحانه: {والسماء وما بناها) ـ من سورة الشمس ـ وقوله سبحانه: {ولا أنتم عابدون ما أعبد) ـ من سورة الكافرون... اهـ.
قال ابن عباس : آية لا يسألني الناس عنها ! لا أدري أعرفوها فلم يسألوا عنها، أو جهلوها فلا يسألون عنها ؛ فقيل : وما هي ؟ قال :﴿ إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ﴾ لما أنزلت شق على كفار قريش، وقالوا : شتم آلهتنا، وأتوا ابن الزبعري١ وأخبروه، فقال : لو حضرته لرددت عليه ؛ قالوا : وما كنت تقول له ؟ قال : كنت أقول له : هذا المسيح تعبده النصارى، واليهود تعبد عزيرا، أفهما من حصب جهنم ؟ فعجبت قريش من مقالته، ورأوا أن محمدا قد خصم٢ ؛ فأنزل الله تعالى :﴿ إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ﴾ وفيه نزل :﴿ ولما ضرب ابن مريم مثلا ) يعني يابن الزبعري { إذ قومك منه يصدون )٣، أي : يضجون ؛ ويظهر من هذه الآية أن الناس من الكفار وما يعبدون٤ من الأصنام حطب لجهنم، ونظير هذه الآية قوله تعالى :{.. وقودها الناس والحجارة.. ) لو كانت الأصنام آلهة لما ورد عابدوها النار، ولا وردها ما عبدوه من الأوثان ؛ { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون. لا يسمعون حسيسها ﴾ أماالذين سعدوا فيباعد بينهم وبين جهنم، ولا يسمعون حسها ولا حركتها ولا صوت لهيبها ؛ ﴿ وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون ﴾ ماكثون أبدا في نعيم دار الكرامة ومقعد الصدق يتمتعون بكل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ﴿ لا يحزنهم الفزع الأكبر ﴾ أهوال يوم القيامة والبعث، ﴿ وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ﴾ وتستقبلهم الملائكة على أبواب الجنة يهنئونهم ويقولون لهم : هذا هو يوم الوعد بالكرامة، وحلولكم دار المقامة والسلامة.
٢ أي غلبه خصومه بجدالهم..
٣ سورة الزخرف. الآية ٥٧..
٤ مما أورد الألوسي: فما عبارة عن أصنامهم، والتعبير عنها على أنها على المشهور لما لا يعقل، فلا يرد أن عيسى وعزيرا والملائكة عليهم السلام عبدوا من دون الله تعالى مع أن الحكم لا يشملهم.. وقال بعضهم: إن ﴿ما﴾ تعم العقلاء وغيرهم، وهو مذهب جمهور أئمة اللغة.. ودليل ذلك: النص، والإطلاق، والمعنى؛ أما النص فقوله تعالى: {وما خلق الذكر والأنثى) ـ من سورة الليل ـ وقوله سبحانه: {والسماء وما بناها) ـ من سورة الشمس ـ وقوله سبحانه: {ولا أنتم عابدون ما أعبد) ـ من سورة الكافرون... اهـ.
قال ابن عباس : آية لا يسألني الناس عنها ! لا أدري أعرفوها فلم يسألوا عنها، أو جهلوها فلا يسألون عنها ؛ فقيل : وما هي ؟ قال :﴿ إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ﴾ لما أنزلت شق على كفار قريش، وقالوا : شتم آلهتنا، وأتوا ابن الزبعري١ وأخبروه، فقال : لو حضرته لرددت عليه ؛ قالوا : وما كنت تقول له ؟ قال : كنت أقول له : هذا المسيح تعبده النصارى، واليهود تعبد عزيرا، أفهما من حصب جهنم ؟ فعجبت قريش من مقالته، ورأوا أن محمدا قد خصم٢ ؛ فأنزل الله تعالى :﴿ إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ﴾ وفيه نزل :﴿ ولما ضرب ابن مريم مثلا ) يعني يابن الزبعري { إذ قومك منه يصدون )٣، أي : يضجون ؛ ويظهر من هذه الآية أن الناس من الكفار وما يعبدون٤ من الأصنام حطب لجهنم، ونظير هذه الآية قوله تعالى :{.. وقودها الناس والحجارة.. ) لو كانت الأصنام آلهة لما ورد عابدوها النار، ولا وردها ما عبدوه من الأوثان ؛ { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون. لا يسمعون حسيسها ﴾ أماالذين سعدوا فيباعد بينهم وبين جهنم، ولا يسمعون حسها ولا حركتها ولا صوت لهيبها ؛ ﴿ وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون ﴾ ماكثون أبدا في نعيم دار الكرامة ومقعد الصدق يتمتعون بكل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ﴿ لا يحزنهم الفزع الأكبر ﴾ أهوال يوم القيامة والبعث، ﴿ وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ﴾ وتستقبلهم الملائكة على أبواب الجنة يهنئونهم ويقولون لهم : هذا هو يوم الوعد بالكرامة، وحلولكم دار المقامة والسلامة.
٢ أي غلبه خصومه بجدالهم..
٣ سورة الزخرف. الآية ٥٧..
٤ مما أورد الألوسي: فما عبارة عن أصنامهم، والتعبير عنها على أنها على المشهور لما لا يعقل، فلا يرد أن عيسى وعزيرا والملائكة عليهم السلام عبدوا من دون الله تعالى مع أن الحكم لا يشملهم.. وقال بعضهم: إن ﴿ما﴾ تعم العقلاء وغيرهم، وهو مذهب جمهور أئمة اللغة.. ودليل ذلك: النص، والإطلاق، والمعنى؛ أما النص فقوله تعالى: {وما خلق الذكر والأنثى) ـ من سورة الليل ـ وقوله سبحانه: {والسماء وما بناها) ـ من سورة الشمس ـ وقوله سبحانه: {ولا أنتم عابدون ما أعبد) ـ من سورة الكافرون... اهـ.
قال ابن عباس : آية لا يسألني الناس عنها ! لا أدري أعرفوها فلم يسألوا عنها، أو جهلوها فلا يسألون عنها ؛ فقيل : وما هي ؟ قال :﴿ إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ﴾ لما أنزلت شق على كفار قريش، وقالوا : شتم آلهتنا، وأتوا ابن الزبعري١ وأخبروه، فقال : لو حضرته لرددت عليه ؛ قالوا : وما كنت تقول له ؟ قال : كنت أقول له : هذا المسيح تعبده النصارى، واليهود تعبد عزيرا، أفهما من حصب جهنم ؟ فعجبت قريش من مقالته، ورأوا أن محمدا قد خصم٢ ؛ فأنزل الله تعالى :﴿ إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ﴾ وفيه نزل :﴿ ولما ضرب ابن مريم مثلا ) يعني يابن الزبعري { إذ قومك منه يصدون )٣، أي : يضجون ؛ ويظهر من هذه الآية أن الناس من الكفار وما يعبدون٤ من الأصنام حطب لجهنم، ونظير هذه الآية قوله تعالى :{.. وقودها الناس والحجارة.. ) لو كانت الأصنام آلهة لما ورد عابدوها النار، ولا وردها ما عبدوه من الأوثان ؛ { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون. لا يسمعون حسيسها ﴾ أماالذين سعدوا فيباعد بينهم وبين جهنم، ولا يسمعون حسها ولا حركتها ولا صوت لهيبها ؛ ﴿ وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون ﴾ ماكثون أبدا في نعيم دار الكرامة ومقعد الصدق يتمتعون بكل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ﴿ لا يحزنهم الفزع الأكبر ﴾ أهوال يوم القيامة والبعث، ﴿ وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ﴾ وتستقبلهم الملائكة على أبواب الجنة يهنئونهم ويقولون لهم : هذا هو يوم الوعد بالكرامة، وحلولكم دار المقامة والسلامة.
٢ أي غلبه خصومه بجدالهم..
٣ سورة الزخرف. الآية ٥٧..
٤ مما أورد الألوسي: فما عبارة عن أصنامهم، والتعبير عنها على أنها على المشهور لما لا يعقل، فلا يرد أن عيسى وعزيرا والملائكة عليهم السلام عبدوا من دون الله تعالى مع أن الحكم لا يشملهم.. وقال بعضهم: إن ﴿ما﴾ تعم العقلاء وغيرهم، وهو مذهب جمهور أئمة اللغة.. ودليل ذلك: النص، والإطلاق، والمعنى؛ أما النص فقوله تعالى: {وما خلق الذكر والأنثى) ـ من سورة الليل ـ وقوله سبحانه: {والسماء وما بناها) ـ من سورة الشمس ـ وقوله سبحانه: {ولا أنتم عابدون ما أعبد) ـ من سورة الكافرون... اهـ.
قال ابن عباس : آية لا يسألني الناس عنها ! لا أدري أعرفوها فلم يسألوا عنها، أو جهلوها فلا يسألون عنها ؛ فقيل : وما هي ؟ قال :﴿ إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ﴾ لما أنزلت شق على كفار قريش، وقالوا : شتم آلهتنا، وأتوا ابن الزبعري١ وأخبروه، فقال : لو حضرته لرددت عليه ؛ قالوا : وما كنت تقول له ؟ قال : كنت أقول له : هذا المسيح تعبده النصارى، واليهود تعبد عزيرا، أفهما من حصب جهنم ؟ فعجبت قريش من مقالته، ورأوا أن محمدا قد خصم٢ ؛ فأنزل الله تعالى :﴿ إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ﴾ وفيه نزل :﴿ ولما ضرب ابن مريم مثلا ) يعني يابن الزبعري { إذ قومك منه يصدون )٣، أي : يضجون ؛ ويظهر من هذه الآية أن الناس من الكفار وما يعبدون٤ من الأصنام حطب لجهنم، ونظير هذه الآية قوله تعالى :{.. وقودها الناس والحجارة.. ) لو كانت الأصنام آلهة لما ورد عابدوها النار، ولا وردها ما عبدوه من الأوثان ؛ { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون. لا يسمعون حسيسها ﴾ أماالذين سعدوا فيباعد بينهم وبين جهنم، ولا يسمعون حسها ولا حركتها ولا صوت لهيبها ؛ ﴿ وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون ﴾ ماكثون أبدا في نعيم دار الكرامة ومقعد الصدق يتمتعون بكل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ﴿ لا يحزنهم الفزع الأكبر ﴾ أهوال يوم القيامة والبعث، ﴿ وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ﴾ وتستقبلهم الملائكة على أبواب الجنة يهنئونهم ويقولون لهم : هذا هو يوم الوعد بالكرامة، وحلولكم دار المقامة والسلامة.
٢ أي غلبه خصومه بجدالهم..
٣ سورة الزخرف. الآية ٥٧..
٤ مما أورد الألوسي: فما عبارة عن أصنامهم، والتعبير عنها على أنها على المشهور لما لا يعقل، فلا يرد أن عيسى وعزيرا والملائكة عليهم السلام عبدوا من دون الله تعالى مع أن الحكم لا يشملهم.. وقال بعضهم: إن ﴿ما﴾ تعم العقلاء وغيرهم، وهو مذهب جمهور أئمة اللغة.. ودليل ذلك: النص، والإطلاق، والمعنى؛ أما النص فقوله تعالى: {وما خلق الذكر والأنثى) ـ من سورة الليل ـ وقوله سبحانه: {والسماء وما بناها) ـ من سورة الشمس ـ وقوله سبحانه: {ولا أنتم عابدون ما أعبد) ـ من سورة الكافرون... اهـ.
واذكر يوم يطوي الله الواحد القهار يطوي السماء كطي الصحيفة على ما فيها ؛ والسجل : الصك، وهو اسم مشتق من السجالة وهي الكتابة ؛ وأصلها من السجل وهو الدلو ؛ تقول : ساجلت الرجل إذ نزعت دلوا ونزع دلوا، ثم استعيرت فسميت المكاتبة والمراجعة مساجلة والطي في هذه الآية يحتمل معنيين : أحدهما الدرج الذي هو ضد النشر، قال الله تعالى :{ .. والسماوات مطويات بيمينه.. )١ ؛ والثاني الإخفاء والتعمية والمحو ؛ لأن الله تعالى يمحوا ويطمس رسومها، ويكدر نجومها ؛ قال الله تعالى :{ إذا الشمس كورت. وإذا النجوم انكدرت )٢ ؛ { وإذا السماء كشطت )٣٤.
روى مسلم عن ابن عباس قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال : " يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا ﴿ .. كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين ﴾.. " وذكر الحديث ؛ ﴿ وعدا ﴾ نصب على المصدر ؛ أي : وعدنا وعدا ﴿ علينا ﴾ إنجازه والوفاء به، أي من البعث والإعادة، ففي الكلام حذف ؛ ثم أكد ذلك بقوله جل ثناؤه :﴿ إنا كنا فاعلين ﴾..... أي ما وعدناكم، وهو كما قال :{ .. كان وعد الله مفعولا )٥.
٢ سورة التكوير. الآيتان: ١، ٢..
٣ سورة التكوير. الآية ١١..
٤ ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن..
٥ من سورة {المزمل). من الآية ١٨..
عن مجاهد وابن زيد :﴿ الزبور ﴾ كتب الأنبياء عليهم السلام ؛ و﴿ الذكر ﴾ أم الكتاب الذي عند الله في السماء ؛ وعن الشعبي :﴿ الزبور ﴾ زبور داود، و﴿ الذكر ﴾ توراة موسى عليه السلام ؛ وقال سعيد بن جبير :﴿ الزبور ﴾ التوراة والإنجيل والقرآن ؛ ﴿ من بعد الذكر ﴾ الذي في السماء ﴿ أن الأرض ﴾ أرض الجنة ﴿ يرثها عبادي الصالحون ﴾ وأكثر المفسرين على أن المراد بالعباد الصالحين : أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ وعن ابن عباس أن الأرض هي أرض الأمم الكافرة ترثها أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالفتوح ؛ أخرجه مسلم، وأبو داود، والترمذي عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها " [ هذا وعد منه تعالى بإظهار الدين وإعزاز أهله، واستيلائهم على أكثر المعمورة.. ]١ ؛ ﴿ إن في هذا لبلاغا ﴾ أي فيما يتلى عليكم من هذا الكتاب وآياته وسوره كفاية وسبب بلوغ إلى ما تطلبون من رضوان الله تعالى ونعيمه ﴿ لقوم عابدين ﴾ للذين يداومون على العبادة ويؤدونها على أطيب حال.
عن مجاهد وابن زيد :﴿ الزبور ﴾ كتب الأنبياء عليهم السلام ؛ و﴿ الذكر ﴾ أم الكتاب الذي عند الله في السماء ؛ وعن الشعبي :﴿ الزبور ﴾ زبور داود، و﴿ الذكر ﴾ توراة موسى عليه السلام ؛ وقال سعيد بن جبير :﴿ الزبور ﴾ التوراة والإنجيل والقرآن ؛ ﴿ من بعد الذكر ﴾ الذي في السماء ﴿ أن الأرض ﴾ أرض الجنة ﴿ يرثها عبادي الصالحون ﴾ وأكثر المفسرين على أن المراد بالعباد الصالحين : أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ وعن ابن عباس أن الأرض هي أرض الأمم الكافرة ترثها أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالفتوح ؛ أخرجه مسلم، وأبو داود، والترمذي عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الله تعالى زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها " [ هذا وعد منه تعالى بإظهار الدين وإعزاز أهله، واستيلائهم على أكثر المعمورة.. ]١ ؛ ﴿ إن في هذا لبلاغا ﴾ أي فيما يتلى عليكم من هذا الكتاب وآياته وسوره كفاية وسبب بلوغ إلى ما تطلبون من رضوان الله تعالى ونعيمه ﴿ لقوم عابدين ﴾ للذين يداومون على العبادة ويؤدونها على أطيب حال.
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كان محمد صلى الله عليه وسلم رحمة لجميع الناس، فمن آمن به وصدق به سعد، ومن لم يؤمن به سلم مما لحق الأمم من الخسف والغرق ؛ وقال مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال : قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ادع على المشركين، قال : " إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة ".
٢ سورة المائدة. من الآية ٩١..
٣ سورة الأنفال. من الآية ٥٨..
٤ ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن..
٢ سورة المائدة. من الآية ٩١..
٣ سورة الأنفال. من الآية ٥٨..
٤ ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن..
رسخوا التصديق استيقنوا أن المعبود بحق يعلم ما تعلنون وما تسرون قولا أو فعلا أو حديث نفس { .. ونعلم ما توسوس به نفسه.. )١ ؛ وهو مجازيكم على ما تخفون وما تعلنون ؛ وما أدري فربما تكون حكمة الحليم في إمهالكم وعدم التعجيل بمؤاخذتكم أن يختبركم لكي يقطع معاذيركم، ونحو هذا المعنى جاءت الإشارة إليه في قول المولى تبارك اسمه :{ .. أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر.. )٢ ؛ ويترككم في متعكم إلى أن تحين آجالكم ؛ { .. قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير )٣.
﴿ قال رب احكم بالحق ﴾ كما قال من قبله إخوانه من الأنبياء :﴿ .. ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين )٤ ؛ { وربنا الرحمن ﴾ عظيم الرحمة مولانا تبارك وتعالى ؛ ﴿ المستعان على ما تصفون ﴾ نسأله العون ويسأله كل مؤمن أن يعيننا على الوفاء بأمانات ديننا، وكبت عدونا الذي ضل وأضل، وافترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام ؛ فهم يتنوعون في مقامات التكذيب والإفك ؛ والله حسبنا.
٢ سورة فاطر. من الآية ٣٧..
٣ سورة البقرة. من الآية ١٢٦..
٤ سورة الأعراف. من الآية ٨٩..
رسخوا التصديق استيقنوا أن المعبود بحق يعلم ما تعلنون وما تسرون قولا أو فعلا أو حديث نفس {.. ونعلم ما توسوس به نفسه.. )١ ؛ وهو مجازيكم على ما تخفون وما تعلنون ؛ وما أدري فربما تكون حكمة الحليم في إمهالكم وعدم التعجيل بمؤاخذتكم أن يختبركم لكي يقطع معاذيركم، ونحو هذا المعنى جاءت الإشارة إليه في قول المولى تبارك اسمه :{.. أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر.. )٢ ؛ ويترككم في متعكم إلى أن تحين آجالكم ؛ {.. قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير )٣.
﴿ قال رب احكم بالحق ﴾ كما قال من قبله إخوانه من الأنبياء :﴿.. ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين )٤ ؛ { وربنا الرحمن ﴾ عظيم الرحمة مولانا تبارك وتعالى ؛ ﴿ المستعان على ما تصفون ﴾ نسأله العون ويسأله كل مؤمن أن يعيننا على الوفاء بأمانات ديننا، وكبت عدونا الذي ضل وأضل، وافترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام ؛ فهم يتنوعون في مقامات التكذيب والإفك ؛ والله حسبنا.
٢ سورة فاطر. من الآية ٣٧..
٣ سورة البقرة. من الآية ١٢٦..
٤ سورة الأعراف. من الآية ٨٩..
رسخوا التصديق استيقنوا أن المعبود بحق يعلم ما تعلنون وما تسرون قولا أو فعلا أو حديث نفس {.. ونعلم ما توسوس به نفسه.. )١ ؛ وهو مجازيكم على ما تخفون وما تعلنون ؛ وما أدري فربما تكون حكمة الحليم في إمهالكم وعدم التعجيل بمؤاخذتكم أن يختبركم لكي يقطع معاذيركم، ونحو هذا المعنى جاءت الإشارة إليه في قول المولى تبارك اسمه :{.. أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر.. )٢ ؛ ويترككم في متعكم إلى أن تحين آجالكم ؛ {.. قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير )٣.
﴿ قال رب احكم بالحق ﴾ كما قال من قبله إخوانه من الأنبياء :﴿.. ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين )٤ ؛ { وربنا الرحمن ﴾ عظيم الرحمة مولانا تبارك وتعالى ؛ ﴿ المستعان على ما تصفون ﴾ نسأله العون ويسأله كل مؤمن أن يعيننا على الوفاء بأمانات ديننا، وكبت عدونا الذي ضل وأضل، وافترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام ؛ فهم يتنوعون في مقامات التكذيب والإفك ؛ والله حسبنا.
٢ سورة فاطر. من الآية ٣٧..
٣ سورة البقرة. من الآية ١٢٦..
٤ سورة الأعراف. من الآية ٨٩..