تفسير سورة لقمان

معاني القرآن للفراء
تفسير سورة سورة لقمان من كتاب معاني القرآن للفراء المعروف بـمعاني القرآن للفراء .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

وقوله: إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ [٥٠] قرأها عَاصِم «١» والأعمش (آثَارِ) وأهل الحجاز (أَثرَ) وكلّ صواب.
وقوله: فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا [٥١] يخافون هلاكه بعد اخضراره، يعني الزرع.
وقوله: بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ [٥٣] و (من «٢» ضلالتهم). كل صَواب. ومن قَالَ (عَنْ ضَلالَتِهِمْ) كأنه قَالَ: ما أنت بصارف العمى عَن الضلالة. ومن قَالَ (مِنْ) قَالَ: ما أنت بمانعهم من الضلالة.
وقوله: يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ [٥٥] يَحلفونَ حين يخرجون: ما لبثوا فِي قبورِهم إلا ساعة. قَالَ الله: كذبوا فِي هَذَا كما كذبوا فِي الدُّنْيَا وجحدوا. ولو كانت: ما لبثنا غير ساعة كَانَ وجهًا لأنه من قولهم كقولك فِي الكلام: حلفوا ما قاموا، وحلفوا ما قمنا.
ومن سورة لقمان
قوله: هُدىً وَرَحْمَةً [٣] أكثر القراء عَلَى نصب الْهُدَى والرحمة عَلَى القطع. وقد رفعها حَمْزَةُ عَلَى الائتِناف لأنّها مُسْتَأنَفَة فِي آية منفصلة من الآية قبلها. وهي فِي قراءة عبد الله (هُدًى وبُشْرَى).
وقوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ [٦] نزلت فِي النضر بن الحارث الداريّ. وَكَانَ يشتري كتب الأعاجم فارسَ والروم وكتب أهل الحيرة (ويحدّث «٣» ) بها أهل مكة وإذا سمع القرآن أعرض عَنْهُ واستهزأ بِهِ. فذلك قوله (وَيَتَّخِذَها هُزُواً) وقد اختلف القراء فى (وَيَتَّخِذَها)
(١) أي فى رواية حفص. أما فى رواية أبى بكر فبالإفراد. وكذا قرأ بالجمع حمزة والكسائي وخلف.
(٢) لا يريد أن هذا قراءة، بل يريد أن (عن) و (من) فى هذا سواء.
(٣) ا: «فيحدث».
فرفع «١» أكثرهم، ونصبها يَحْيَى بن وثاب والأعمش وأصحابه. فمن رفع ردّها على (يشترى) ومن نصبها ردّها عَلَى قوله (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) : وليتَّخذهَا.
وقوله (وَيَتَّخِذَها) يذهب إلى آيات القرآن. وإن شئت جعلتها للسبيل لأن السَّبيل قد تؤنّث قال (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي «٢» أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ) وَفِي قراءة أُبَيّ (وَإِنْ «٣» يَرَوْا سَبيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخذوها سَبيلًا وإِنْ يَرَوْا سبيلَ الغيّ يَتّخذوهَا سبيلًا).
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي حبان عَن ليث عَن مجاهد فِي قوله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) قَالَ: هُوَ الْغِناء قَالَ الفراء: والأوّل تفسيره عَن ابن عباس.
وقوله: وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ [١٠] لئلّا تميد بكم. و (أن) فِي هَذَا الموضع تكفي من (لا) كما قَالَ الشاعر:
والمهرُ يأبى أن يزال مُلْهِبا «٤»
معناهُ: يأبى أن لا يزال.
وقوله: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ [١١] من ذِكْره «٥» السموات والأرضُ وإنزاله الماء من السماء وإنباته (فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ) تعبدون (مِنْ دُونِهِ) يعني: آلهتهم. ثُمَّ أكذبهم فقال (بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
[قوله: وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ [١٢] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حدّثنا الفراء قال: ١٤٥ احدّثنى حِبَّان عَن بعض من حدَّثه قَالَ: كَانَ لقمان حبشيّا مجدّعا «٦» ذا مشفر «٧».
(١) النصب لحفص وحمزة والكسائي وخلف، وافقهم الأعمش. والرفع للباقين. [.....]
(٢) الآية ١٠٨ سورة يوسف.
(٣) الآية ١٤٦ سورة الأعراف. وقراءة الجمهور: «لا يتخذوه».
(٤) الملهب: الشديد الجري المثير للغبار. وقد ألهب الفرس: اضطرم جريه.
(٥) يريد: مما يرجع إليه اسم الإشارة: (هذا).
(٦) أي مقطوع الأطراف والأعضاء. والمشفر: الشفة الغليظة.
(٧) المشفر للبعير كالشفة للانسان. وقد استعير هنا للانسان على التشبيه.
وقوله: وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً [١٥] أي أحسن صحبتهما.
وقوله: يَا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ [١٦] يَجوز نصب المثقال ورفعُه.
فمن «١» رفع رفعه بتكُنْ واحتملت النكرة ألا يكون لَهَا فعل فِي كَانَ وليس وأخواتها. ومن نصب جعل فِي (تكن) اسمًا مضمرًا مجهولًا مثل الْهَاء التي فى قوله (إِنَّها إِنْ تَكُ) ومثل قوله (فَإِنَّها «٢» لا تَعْمَى الْأَبْصارُ) وجاز تأنيث (تَكُ) والمثقال ذكر لأنه مُضاف إلى الحبة والمعنى للحبة، فذهب التأنيث إليها كما قَالَ:
وتشرق بالقول الَّذِي قد أَذَعتَه كما شَرِقت صَدْرُ القناة من الدمِ
ولو كَانَ: (إن يَكُ مثقالَ حَبَّةٍ) كَانَ صوابًا وجازَ فِيهِ الوجهان «٣». وقوله فتكن فى صخرة يقال: إنّها الصخرة التي تحت الأرض: وهي سِجِّين: وتُكتب فيها أعمال الكفار. وقوله (يَأْتِ بِهَا اللَّهُ) فيجازي بِهَا.
وقوله: وَلَا تُصَاعِرْ [١٨] قرأها أهلُ المدينة وَعَاصِم بن أبي النجود والحسن: (تُصَعِّرْ) بالتشديد: وقرأها يَحْيَى «٤» وأصحابه بالألف (ولا تُصاعِرْ) يقول: لا تَمَيِّلْ خَدَّكَ عَن الناس من قولك: رجل أصعر. ويَجوز ولا تُصْعِر ولم أسمع بِهِ.
وقوله: إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [١٩] يقول: إِنّ أَقْبَحَ الأصواتِ لَصَوْتُ الحمير.
وأنت تَقُولُ: لَهُ وجه منكر إِذَا كَانَ قبيحًا. وقال (لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) ولو قيل: أصوات الحمير لكان صوابًا. ولكن الصوت وإن كَانَ أُسْنِدَ إلى جمع فإن الجمع فِي هَذَا الموضع كالواحد.
وقوله: وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً [٢٠] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قال: حدّثنا محمد،
(١) الرفع لنافع وأبى جعفر.
(٢) الآية ٤٦ سورة الحج.
(٣) أي رفع (مثقال) ونصبه.
(٤) هذه قراءة نافع وأبى عمر والكسائي وخلف.
قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي شَرِيكُ بْن عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَصِيفٍ الْجَزَرِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ (نِعَمَهُ) وَاحِدَةً «١». قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَوْ كَانَتْ (نِعَمَهُ) «٢» لَكَانَتْ نِعْمَةٌ دُونَ نِعْمَةٍ أَوْ قَالَ نِعْمَةٌ فَوْقَ نِعْمَةٍ، الشَّكُّ مِنَ الْفَرَّاءِ. وقد قرأ قومٌ (نعمه) عَلَى الجمع. وهو وجه جيد لأنه قد قال (شاكِراً «٣» لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ) فهذا جَمع النَّعَم وهو دليلٌ عَلَى أنّ (نعمه) جَائِز.
وقوله: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ [٢٢] قرأها القرّاء بالتخفيف، إلا أبا عبد الرَّحْمَن فإنه قرأها «٤» (وَمَنْ يُسْلِمْ) وهو كقولك للرجل أسْلِم أمرك إلى الله وسَلِّم.
وقوله: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ [٢٧] ترفع «٥» (الْبَحْرُ) ولو نصبته كَانَ صوابًا كما قرأت القراء (وَإِذا قِيلَ «٦» إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها) و (الساعةَ) وَفِي قراءة عبد الله (وبَحْر يمدّه سبعة أبحر) يقول: يكون مدادا كالمداد المكتوب بِهِ.
وقول عبد الله يقوي الرفع. والشيء إِذَا مَدَّ الشيء فزاد فكان زيادةً فِيهِ فهو يَمُدُّه تَقُولُ دجلة تَمُدّ بئارنا وأَنْهارنا، والله يُمِدّنا بِهَا. وتقول: قد أمددتك بألفٍ فَمَدُّوكَ، يُقاس عَلَى هَذَا كل ما ورد.
وقوله: مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ [٢٨] إلا كبعث نفس واحدة. أضمرَ البعث لأنه فعل كما قَالَ (تَدُورُ «٧» أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ (مِنَ الْمَوْتِ) المعنى- والله أعلم-:
كدوران عين الَّذِي يُغْشَى عليه/ ١٤٥ ب من الموت، فأضمرَ الدوران والعين جَميعًا.
وقوله: بِنِعْمَتِ اللَّهِ [٣١] وقد قرئت (بِنِعماتِ الله) وقلَّما تفعل العرب ذَلِكَ بِفعلةٍ: أن تُجمع عَلَى التاء إنَّما يَجمعونَها عَلَى فعل مثل سِدْرَة وسِدْرَ، وخِرْقة وخِرَق. وإنَّما كرهوا جَمْعه بالتاء لأنهم يُلزمونَ
(١) فى الطبري أن ابن عباس فسرها بالإسلام.
(٢) هذه قراءة غير نافع وأبى عمرو وحفص وأبى جعفر.
(٣) الآية ١٢١ سورة النحل.
(٤) وكذا قرأها الأعمش. [.....]
(٥) النصب لأبى عمرو ويعقوب وافقهما اليزيدي. والرفع للباقين.
(٦) الآية ٣٢ سورة الجاثية. والنصب قراءة حمزة، وافقه الأعمش. وقرأ الباقون بالرفع.
(٧) الآية ١٩ سورة الأحزاب.
Icon