ﰡ
﴿الحمد﴾ إن أجرى على المعهود فهو بما حمد به نفسه محمود وإن أجرى على الاستغراق فله لكل المحامد الاستحقاق ﴿لِلَّهِ﴾ بلام التمليك لأنه خالق ناطق الحمد أصلاً فكان بملكه مالك الحمد للتحميد أهلاً ﴿الذى لَهُ مَا فِى السماوات وَمَا فِى الأرض﴾ خلقاً وملكاً وقهراً فكان حقيقاً بأن يحمد سراً وجهراً ﴿وَلَهُ الحمد فِى الآخرة﴾ كما هو له في الدنيا إذ النعم في الدارين من المولى غير أن الحمد هنا واجب لأن الدنيا دار تكليف وثم لا لعدم التكلف وإنما يحمد أهل الجنة سروراً بالنعيم وتلذذاً بما نالوا من الأجر العظيم بقولهم الحمد لله الذى صدقنا وعده الحمد لله الذى أذهب عنا الحزن ﴿وَهُوَ الحكيم﴾ بتدبير ما في السماء والأرض ﴿الخبير﴾ بضمير من يحمده ليوم الجزاء والعرض
﴿يَعْلَمْ﴾ مستأنف ﴿مَا يَلْجُ﴾ ما يدخل ﴿فِى الأرض﴾ من الأموات والدفائن ﴿وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا﴾ من النيات وجواهر المعادن ﴿وَمَا يَنزِلُ مِنَ السماء﴾ من الأمطار وأنواع البركات ﴿وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا﴾ يصعد إليها من
﴿وَقَالَ الذين كَفَرُواْ﴾ أي منكرو البعث ﴿لاَ تأتينا الساعة﴾ ففى البعث وإنكار المجئ الساعة ﴿قُلْ بلى﴾ أوجب ما بعد النفي بلى على معنى أن ليس الأمر إلا إتيانها ﴿وَرَبّى لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾ ثم أعيد إيجابه مؤكداً بما هو الغاية في التوكيد والتشديد وهو التوكيد باليمين بالله عز وجل ثم أمد التوكيد القسمى بما اتبع المقسم به من الوصف بقوله ﴿عالم الغيب﴾ لأن عظمة حال المقسم به تؤذن بقوة حال المقسم عليه وبشدة ئباته واستقامته لأنه بمنزلة الاستشهاد على الأمر وكلما كان المستشهد به أرفع منزلة كانت الشهادة أقوى وآكد والمستشهد عليه أثبت أو رسخ ولما كان قيام الساعة من مشاهير الغيوب وأدخلها في الخفية كان الوصف بما يرجع إلى علم الغيب أولى وأحق عالم الغيب مدنى وشامى أى هو عالم الغيب كلام الغيب حمزة وعلي على المبالغة ﴿لاَ يَعْزُبُ عنه﴾ وبكسر الزاى على يقال عزب
سبأ (٧ - ٣)
يعزب ويعزب إذا غاب وبعد ﴿مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ مقدار أصغر نملة ﴿فِى السماوات وَلاَ فِى الأرض وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ﴾ من مثقال ذرة ﴿وَلا أَكْبَرُ﴾ من مثقال ذرة ﴿إِلاَّ فِى كتاب مُّبِينٍ﴾ إلا في اللوح المحفوظ وَلاَ أَصْغَرُ وَلا أَكْبَرُ بالرفع عطف على مثقال ذرة ويكون إلا بمعنى لكن أورفعا بالابتداء والخبر فِى كتاب
واللام فى ﴿ليجزي الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ﴾ لما قصروا فيه من مدارج الإيمان ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ لما صبروا عليه من مناهج الإحسان متعلق بلتأتينكم تعليلا له
﴿والذين سعوا في آياتنا﴾ جاهدوا في رد القرآن ﴿معاجزين﴾ مسابقين ظانين أنهم يفوتوننا مُعَجِزِينَ مكي وأبو عمرو أي مثبطين الناس عن اتباعها وتأملها أو ناسبين الله إلى العجز ﴿أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مّن رجز أليم﴾ يرفع أَلِيمٌ مكي وحفص ويعقوب صفة لعذاب أي عذاب أليم من سيئ العذاب قال قتادة الرجز سوء العذاب وغيرهم بالجر صفة لرجز
﴿وَيَرَى﴾ في موضع الرفع بالاستئناف أي ويعلم ﴿الذين أُوتُواْ العلم﴾ يعني أصحاب رسول الله صى ل ومن بطأ أعقابهم من أمته أو علماء أهل الكتاب الذين أسلموا كعبد الله بن سلام وأصحابه والمفعول الأول ليرى ﴿الذى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ﴾ يعني القرآن ﴿هو الحق﴾ أى الصدق وهو فضل والحق مفعول ثانٍ أو في موضع النصب معطوف على ليجزى وليعلم أولو العلم عند مجئ الساعة أنه الحق علما لا يزاد غليه في الإيقان ﴿وَيَهْدِى﴾ الله أو الذي أنزل إليك ﴿إلى صِرَاطِ العزيز الحميد﴾ وهو دين الله
﴿وَقَالَ الذين كَفَرُواْ﴾ وقال قريش بعضهم لبعض ﴿هل ندلكم على رجل﴾ يعنون محمدا ﷺ وإنما نكّروه مع أنه كان مشهوراً علماً في قريش وكان إنباؤه بالبعث شائعاً عندهم تجاهلاً به وبأمره وباب التجاهل في البلاغة وإلى سحرها ﴿يُنَبّئُكُمْ إِذَا مُزّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ أي يحدثكم بأعجوبة من الأعاجيب أنكم تبعثون وتنشؤن خلقاً جديداً بعد أن تكونوا رفاتاً وتراباً ويمزق أجسادكم البلاء كل ممزق أي يفرقكم كل تفريق فالممزق مصدر بمعنى التمزيق والعامل فى إذا مادل عليه أنكم لفى
سبأ (١٠ - ٨)
خَلْقٍ
﴿افترى عَلَى الله كَذِبًا﴾ أهو مفترٍ على الله كذباً فيما ينسب إليه من ذلك والهمزة للاستفهام وهمزة الوصل حذفت استغناء عنها ﴿أَم بِهِ جِنَّةٌ﴾ جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه ﴿بَلِ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة فِى العذاب والضلال البعيد﴾ ثم قال سبحانه وتعالى ليس محمد من الافتراء والجنون في شيء وهو مبرأ منهما بل هؤلاء القائلون الكافرون بالبعث واقعون في عذاب النار وفيما يؤديهم إليه من الضلال عن الحق وهم غافلون عن ذلك وذلك أجن الجنون جعل وقوعهم في العذاب رسيلاً لوقوعهم في الضلال كأنهما كائنان في وقت واحد لأن الضلال لما كان العذاب من لوازمه جعلا كأنهما مقترنان ووصف الضلال بالبعيد من الإسناد المجازي لأن البعيد صفة الضال إذا بعد عن الجادة
﴿أَفَلَمْ يَرَوْاْ إلى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مّنَ السماء والأرض إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بهم﴾ وبالادغام على التقارب بين الفاء والباء وضعفه البعض لزيادة صوت الفاء على الباء ﴿الأرض أَوْ نُسْقِطْ﴾ الثلاثة بالياء كوفي غير عاصم لقوله افترى عَلَى الله كَذِبًا ﴿عَلَيْهِمْ كِسَفاً﴾ كِسَفًا حفص ﴿مّنَ السماء﴾ أي أعموا فلم ينظروا إلى السماء والأرض والأرض وأنهما حيثما كانوا وأينما ساروا أمامهم وخلفهم محيطتان بهم لا يقدرون أن ينفذوا من أقطارهما وان يخرجوا عماهم فيه من ملكوت اللله ولم يخافوا أن يخسف الله بهم أو يسقط عليهم كسفا لتكذيبهم الآيات وكفرهم بالرسول وبما جاء به كما فعل بقارون وأصحاب الأيكة ﴿إِنَّ فِى ذَلِكَ﴾ النظر إلى السماء والأرض والفكر فيهما
﴿ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال﴾ بدل من فضلا أو من آتينا بتقدير قولنا يا جبال أو قلنا يا جبال ﴿أَوّبِى مَعَهُ﴾ من التأويب رجعي معه التسبيح ومعنى تسبيح الجبال أن الله يخلق فيها تسبيحاً فيسمع منها كما يسمع من المسبح معجزة لداود عليه السلام ﴿والطير﴾ عطف على محل الجبال والطير عطف على لفظ الجبال وفي هذا النظم من الفخامة مالا يخفى حيث جعلت الجبال بمنزلة العقلاء الذين إذا أمرهم بالطاعة أطاعوا وإا دعاهم أجابوا اشعار بأنه مامن حيوان إلا وهو منقاد لمشيئة الله
سبأ (١٣ - ١٠)
تعالى ولو قال آتينا داود منا فضلاً تأويب الجبال معه والطير لم يكن فيه هذه الفخامة ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الحديد﴾ وجعلناه له ليّناً كالطين المعجون يصرفه بيده كيف يشاء من غير نار ولا ضرب بمطرقة وقيل لأن الحديد في يده لما أوتي من شدة القوة
﴿أن اعمل﴾ أن بمعنى أى أمرناه أن أعمل ﴿سابغات﴾ دروعاً واسعة تامة من السبوغ وهو أول من اتخذها وكان يبيع الدرع بأربعة آلاف فينفق منها على نفسه وعياله ويتصدق على الفقراء وقيل كان يخرج متنكراً فيسأل الناس عن نفسه ويقول لهم ماتقولون في داود فيثنون عليه فقيض الله له ملكا فى سورة آدمي فسأله على عادته فقال نعم الرجل لولا خصلة فيه وهو انه يطعم عيالهمن بيت المال فسأل عند ذلك ربه أن يسبب له ما يستغني به عن بيت المال فعلمه صنعة الدروع وقدر في السرد لا نجعل المسامير دقاقا فنغلق ولا غلاظا فتفصم الحلق والسردنسج الدروع
﴿ولسليمان الريح﴾ أي وسخرنا لسليمان الريح وهي الصبار ورفع الريح أبو بكر وحماد والفضل أي ولسليمان الريح مسخرة ﴿غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ﴾ جريها بالغداة مسيرة شهر وجريها بالعشي كذلك وكان يغدو من دمشق فيقيل باصطخر فارس وبينهما مسيرة شهر ويروح من اصطخر فيبيت بكابل وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع وقيل كان يتغدى بالري ويتعشى بسمرقند ﴿وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ القطر﴾ أي معدن النحاس فالقطر النحاس وهو الصفر ولكنه أساله وكان يسيل في الشهر ثلاثة أيام كما يسيل الماء وكان قبل سليمان لا يذوب وسماه عين القطر باسم ما آل إليه ﴿وَمِنَ الجن مَن يَعْمَلُ﴾ من في موضع نصب أي وسخرنا من الجن من يعمل ﴿بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبّهِ﴾ بأمر ربه ﴿وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ﴾ ومن يعدل منهم ﴿عَنْ أَمْرِنَا﴾ الذي أمرنا به من طاعة سليمان ﴿نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السعير﴾ عذاب الآخرة وقيل كان معه ملك بيده سوط من نار فمن زاغ عن أمر سليمان عليه السلام ضربه ضربة أحرقته
﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن محاريب﴾ أي مساجد أو مساكن ﴿وتماثيل﴾ أي صور السباع والطيور وروي أنهم عملوا له أسدين في أسفل كرسيه ونسرين فوقه فإذا أراد أن يصعد بسط الأسدان له ذراعيهما وإذا قعد أظله النسران بأجنحتهما وكان التصوير مباحاً حينئذ ﴿وَجِفَانٍ﴾ جمع جفنة ﴿كالجواب﴾ جمع جابية وهي الحياض الكبار قيل كان يقعد على الجفنة ألف رجل كالجوابي في الوصل والوقف مكي ويعقوب وسهل وافق أبو عمرو في الوصل الباقون بغير ياء اكتفاء بالكسرة ﴿وَقُدُورٍ راسيات﴾ ثابتات
سبأ (١٥ - ١٣)
لا تنزل عنها لعظمها وقيل إنها باقية باليمين وقلنا لهم ﴿اعملوا آل داود شكرا﴾ أي ارحموا أهل البلاد واسألوا ربكم العافية عن الفضيل وشكرا مفعول له أو حال أي شاكرين أو اشكروا اشكر الأن اعملوا فيه معنى اشكروا من حيث إن العمل للمنعم شكر له أو مفعول به يعني إنا سخرنا لكم الجن يعملون لكم ما شئتم فاعملوا أنتم شكراً وسئل الجنيد عن الشكر فقال بذل المجهود بين يدي المعبود ﴿وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ﴾ بسكون الياء حمزة وغيره بفتحها ﴿الشكور﴾ المتوفر على أداء الشكر الباذل وسعه فيه قد شغل به قلبه ولسانه وجوارحه اعتقادا أو اعترافا وكدحا وعن ابن عباس رضى اله عنه من يشكر على أحواله كلها وقيل من يشكر على الشكر وقيل من يرى عجزه عن الشكر وحكي عن داود عليه السلام أنه جزا ساعات اليل والنهار على أهله فلم تكن تأتي ساعة من الساعات إلا وإنسان من آل داود قائم يصلى
﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الموت﴾ أي على سليمان ﴿مَا دَلَّهُمْ﴾ أي الجن وآل داود ﴿على مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ﴾ أي الأرضة وهي دويبة يقال لها سرفة والأرض فعلها فأضيفت إليه يقال أرضت الخشبة أرضاً إذا أكلتها الأرضة ﴿تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ﴾ والعصا تسمى منسأة لأنه ينسأ بها أي يطرد ومنساته بغير همز مدني وأبو عمرو ﴿فَلَمَّا خَرَّ﴾ سقط سليمان ﴿تَبَيَّنَتِ الجن﴾ علمت الجن كلهم علماً بيناً بعد التباس الأمر على عامتهم وضعفتهم ﴿أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الغيب مَا لَبِثُواْ﴾ بعد موت سليمان ﴿فِى العذاب المهين﴾ وروي أن داود عليه السلام أسس بناء بيت المقدس في موضع فسطاط موسى عليه السلام فمات قبل أن
﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ﴾ بالصرف بتأويل الحي وبعدمه أبو عمر وبتأويل القبيلة ﴿فِى مَسْكَنِهِمْ﴾ حمزة وحفص مَسْكَنِهِمْ علي وخلف وهو موضع سكناهم وهو بلدهم وأرضهم التي كانوا مقيمين فيها باليمن أو مسكن كل واحد منهم غيرهم مساكنهم ﴿آية﴾ اسم كان ﴿جنتان﴾ بدل من آية أو خبر مبتدأ محذوف تقديره الآية جنتان ومعنى كونهما آية أن أهلها لما أعرضوا عن شكر الله سلبهم الله النعمة ليعتبروا أو يتعظموا فلا يعودوا إلى ما كانوا عليه من الكفر وغمط العم أو جعلهما آية أي علامة دالة على قدرة الله وإحسانه ووجوب شكره ﴿عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ﴾ أراد جماعتين من البساتين جماعة عن يمين بلدهم وأخرى عن شمالها وكل واحدة من الجماعتين فى
سبأ (١٨ - ١٥)
تقاربها وتضامها كأنها جنة واحدة كما تكون بساتين البلاد العامرة أو أراد بستاني كل رجل منهم عن يمين مسكنه وشماله ﴿كُلُواْ مِن رّزْقِ رَبّكُمْ واشكروا لَهُ﴾ حكاية لما قال أنبياء الله المبعوثون إليهم أو لما قال لهم لسان الجمال أو هم أحقاء بأن يقال لهم ذلك ولما أمرهم بذلك أتبعه قوله ﴿بَلْدَةٌ طَيّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾ أي هذه البلدة التي فيها رزقكم بلدة طيبة وربكم الذي رزقكم وطلب شكركم رب غفور لمن شكره قال ابن عباس كانت سبأ على ثلاث فراسخ من صنعاء وكانت أخصب البلاد تخرج المرأة وعلى رأسها المكتل فتعمل بيدها وتسير بين تلك الشجر فيمتليء المكتل مما يتساقط فيه من الثمر وطيبها ليس فيها
﴿فأعرضوا﴾ عن دعوة أنبيائهم فكذبوهم وقالوا مانعرف لله علينا نعمة ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العرم﴾ أي المطر الشديد أو العرم اسم الوادي أو هو الجرذ الذي نقب عليهم السّكر لما طغوا سلط الله عليهم الجرذ فنقبه من أسفله فغرقهم ﴿وبدلناهم بِجَنَّتَيْهِمْ﴾ المذكورتين ﴿جَنَّتَيْنِ﴾ وتسمية البدل جنتين للمشاكلة وازدواج الكلام كقوله وَجَزَاء سَيّئَةٍ سيئة مثلها ﴿ذَوَاتَىْ أُكُلٍ خَمْطٍ﴾ الأكل الثمر يثقل ويخفف وهو قراءة نافع ومكي والخمط شجر الأراك وقيل كل شجر ذي شوك ﴿وَأَثْلٍ وَشَىْء مّن سِدْرٍ قَلِيلٍ﴾ الأثل شجر يشبه الطرفاء أعظم منه وأجود عوداً ووجه من نون الاكل وهو غير أبى عمر وان أصله ذواتى أكل أكل خمط فحذف المضاف وأقيم امضاف إليه مقامه أو وصف الأكل بالخمط كأنه قيل ذواتى أكل بشع ووجه أبى عمرو أن أكل الخمط في معنى البرير وهو ثمر الأراك إذا كان غضاً فكأنه قيل ذواتي برير والأثل والسدر معطوفان على أَكَلَ لا على خَمْطٍ لأن الأثل لا أكل له وعن الحسن قلل السدر لأنه أكرم ما بدلوا لأنه يكون في الجنان
﴿ذَلِكَ جزيناهم بِمَا كَفَرُواْ﴾ أي جزيناهم ذلك بكفرهم فهو مفعول ثان مقدم ﴿وَهَلْ نُجَازِىِ إِلاَّ الكفور﴾ كوفي غير أبي بكر وَهَلْ يجازى إِلاَّ الكفور غيرهم يعني وهل نجازي مثل هذا الجزاء إلا م كفر النعمة ولم يشكرها أو كفر بالله أو هل يعاقب لأن الجزاء وإن كان عاماً يستعمل في معنى المعاقبة وفي معنى الإثابة لكن المراد الخاص وهو العقاب وعن الضحاك كانوا في الفترة التي بين عيسى ومحمد عليه السلام
﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم﴾ بين سبإٍ ﴿وَبَيْنَ القرى التى بَارَكْنَا فِيهَا﴾ بالتوسعة على أهلها في النعم والمياه وهي قرى الشام ﴿قُرًى ظاهرة﴾ متواصلة يرى بعضها من بعض لتقاربها فهي ظاهرة لأعين الناظرين أو ظاهرة للسابلة لم تبعد عن مسالكهم
سبأ (٢٢ - ١٨)
حتى تخفى عليهم وهي أربعة آلاف وسبعمائة قرية متصلة من سبإٍ إلى الشام ﴿وَقَدَّرْنَا فِيهَا السير﴾ أي جعلنا هذه القرى على مقدار معلوم يقيل المسافر في قرية ويروح في أخرى إلى أن يبلغ الشام ﴿سِيرُواْ فِيهَا﴾ وقلنا لهم سيروا ولا قول ثمة ولكنهم لما مكنوا من السير وسويت لهم أسبابه فكأنهم أمروا بذلك ﴿ليالي وأياماً آمنين﴾ أي سيروا فيها إن شئتم بالليل وإن شئتم بالنهار فإن الأمن فيها لا يختلف باختلاف الأوقات أي سيروا فيها آمنين لا تخافون عدواً ولا جوعاً ولا عطشاً وإن تطاولت مدة سفركم وامتدت أياماً وليالي
﴿فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا﴾ قالوا ياليتها كانت بعيدة فنسير على نجائبنا ونربح في التجارات ونفاخر فى الدواب والأسباب بطر والنعمة وملوا العافية فطلبوا الكد والتعب بَعْدَ مكي وأبو عمرو ﴿وَظَلَمُواْ﴾ بما قالوا ﴿أَنفُسَهُمْ فجعلناهم أَحَادِيثَ﴾ يتحدث الناس بهم ويتعجبون من أحوالهم ﴿ومزقناهم كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ وفرقناهم تفريقاً اتخذه الناس مثلا مضروبا يقولون ذهبوا أيدى سبأ وتفرقوا أيادى سبا فلحق غسان بالشام وإنما بيثرب وجذام بتهامة والأزد بعمان ﴿إِنَّ فِى ذلك لآيات لّكُلّ صَبَّارٍ﴾ عن المعاصي ﴿شَكُورٍ﴾ للنعم أو لكل مؤمن لأن الإيمان نصفان نصفه شكر ونصفه صبر
﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ﴾ بالتشديد كوفي أي حقق عليهم ظنه أو وجده صادقاً وبالتخفيف غيرهم أي صدق في ظنه ﴿فاتبعوه﴾
﴿وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ﴾ لإبليس على الذين صار ظنه فيهم صدقاً ﴿مِنْ سلطان﴾ من تسليط واستيلاء بالوسوسة ﴿إِلاَّ لِنَعْلَمَ﴾ موجوداً ما علمناه معدوماً والتغير على المعلوم لا على العلم ﴿مَن يُؤْمِنُ بالآخرة مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِى شَكّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلّ شَىْء حَفُيظٌ﴾ محافظ عليه وفعيل ومفاعل متآخيان
﴿قُلْ﴾ لمشركي قومك ﴿ادعوا الذين زَعَمْتُمْ مّن دُونِ الله﴾ أي زعمتموهم آلهة من دون الله فالمفعول الأول الضمير الراجع إلى الموصول وحذف كما حذف في قوله أهذا الذى بعث الله رسولا استخفافاً لطول الموصول بصلته والمفعول الثاني آلهة وحذف لأنه موصوف صفته مِن دُونِ الله والموصوف يجوز حذفه وإقامة الصفة مقامه إذا كان مفهوماً فإذاً مفعولا زعم محذوفان بسببين مختلفين والمعنى ادعوا
سبأ (٢٤ - ٢٢)
الذين عبدتموهم من دون الله من الأصنام والملائكة وسميتموهم والتجؤا إليهم فيما يعروكم كما تلتجئون إليه وانتظروا استجابتهم لدعائكم كما تنتظرون استجابته ثم أجاب عنهم بقوله ﴿لاَ يَمْلِكُونَ مِثُقَالَ ذَرَّةٍ﴾ من خير أو شر أو نفع أو ضر ﴿فِى السماوات وَلاَ فِى الأرض وَمَا لَهُمْ فيهما من شرك﴾ ومالهم في هذين الجنسين من شركة في الخلق ولا في الملك ﴿وَمَا لَهُ﴾ تعالى ﴿مِنْهُمْ﴾ من آلهتهم ﴿مّن ظَهِيرٍ﴾ من عوين يعينه على تدبير خلقه يريد أنهم على هذه الصفة من العجز فكيف يصح أن يدعوا كما يدعي ويرجوا كما يرجى
﴿وَلاَ تَنفَعُ الشفاعة عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ أي أذن له الله يعني إلا من وقع الإذن
﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مّنَ السماوات والأرض قُلِ الله﴾ أمره بأن يقررهم بقوله مَن يَرْزُقُكُم ثم أمره بأن يتولى الإجابة والإقرار عنهم بقوله يرزقكم الله وذلك للإشعار بأنهم مقرون به بقلوبهم إلا أنهم بما أبوا أن يتكلموا به لأنهم إن تفوهوا بأن الله رازقهم لزمهم أن يقال لهم فمالكم لا تعبدون من يرزقكم وتؤثرون عليه من لا يقدر على الرزق وأمره أن يقول لهم بعد الإلزام والإلجام الذي إن لم يزد على إقرارهم بألسنتهم لم يتقاصر عنه ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِى ضلال مُّبِينٍ﴾ ومعناه وإن أحد الفريقين من الموحدين ومن المشركين لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلال وهذا من الكلام المنصف الذي كل من سمعه من موالٍ أو منافٍ قال لمن خوطب به قد أنصفك صاحبك وفي درجة بعد تقدم ما قدم من التقرير دلالة غير خفية على من هومن الفريقين على الهدى ومن هو في الضلال المبين ولكن التعريض أوصل بالمجادل إلى الغرض ونحوه قولك للكاذب إن أحدنا لكاذب وخولف بين
سبأ (٣١ - ٢٥)
جواد يركضه حيث شاء والضال كأنه ينغمس فى ظلام لايرى اين يتوجه
﴿قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ هذا أدخل في الإنصاف من الأول حيث أسند الإجرام إلى المخاطبين وهو مزجور عنه محظور والعمل إلى المخاطبين وهو مأمور به مشكور
﴿قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا﴾ يوم القيامة ﴿ثُمَّ يَفْتَحُ﴾ يحكم ﴿بَيْنَنَا بالحق﴾ بلا جور ولا ميل ﴿وَهُوَ الفتاح﴾ الحاكم ﴿العليم﴾ بالحكم
﴿قُلْ أَرُونِىَ الذين أَلْحَقْتُمْ﴾ أي ألحقتموهم ﴿بِهِ﴾ بالله ﴿شُرَكَاء﴾ في العبادة معه ومعنى قوله أَرُونِىَ وكان يراهم أن يريهم الخطأ العظيم في إلحاق الشركاء بالله وأن يطلعهم على حالة الإشراك به ﴿كَلاَّ﴾ ردع وتنبيه أي ارتدعوا عن هذا القول وتنبهوا عن ضلالكم ﴿بَلْ هُوَ الله العزيز﴾ الغالب فلا يشاركه أحدوهو ضمير الشأن ﴿الحكيم﴾ في تدبيره
﴿وَمَا أرسلناك إِلاَّ كَافَّةً لّلنَّاسِ﴾ إلا إرسالة عامة لهم محيطة بهم لأنها إذا شملتهم فقد كفتّهم أن يخرج منها أحد منهم وقال الزجاج معنى الكافة في اللغة الإحاطة والمعنى أرسلناك جامعاً للناس في الإنذار والإبلاغ فجعله حالاً من الكاف والتاء على هذا للمبالغة كتاء الراوية والعلاّمة ﴿بَشِيراً﴾ بالفضل لمن أقر ﴿وَنَذِيرًا﴾ بالعدل لمن أصر ﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ﴾ فيحملهم جهلهم على مخالفتك
﴿وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد﴾ أي القيامة المشار إليها في قوله قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ﴿إِن كُنتُمْ صادقين﴾
﴿قُل لَّكُم مّيعَادُ يَوْمٍ﴾ الميعاد ظرف الوعد من مكان أو زمان وهو هنا الزمان ويدل عليه قراءة من قرأ مّيعَادُ يَوْمٍ فأبدل منه اليوم وأما الإضافة فإضافة تبيين كما تقول بغير سانية ﴿لا تستأخرون عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ﴾ أي لا يمكنكم التأخر عنه بالاستمهال ولا التقدم إليه بالاستعجال ووجه انطباق هذا الجواب على سؤالهم أنهم سألوا عن ذلك وهم منكرون له تعنتاً لا استرشاد فجاء الجواب على طريق التهديد مطابقاً للسؤال على الإنكار والتعنت وأنهم مرصدون ليوم يفاجئهم فلا يستطيعون تأخراً عنه ولا تقدماً عليه
﴿وَقَالَ الذين كَفَرُواْ﴾ أي أبو جهل وذووه ﴿لن نؤمن بهذا القرآن وَلاَ بالذى بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أي ما نزل قبل القرآن من كتب الله أو القيامة والجنة والنار حتى إنهم جحدوا أن يكون القرآن من الله وأن يكون لما دل عليه
سبأ (٣٣ - ٣١)
من الاعادة حقيقة ﴿وَلَوْ ترى إِذِ الظالمون مَوْقُوفُونَ﴾ محبوسون ﴿عِندَ رَبّهِمْ يَرْجِعُ﴾ يرد ﴿بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ القول﴾ في الجدال أخبر عن عاقبة أمرهم ومآلهم فى الآخرة فقال لرسول الله ﷺ أو للمخاطب ولوترى في الآخرة موقفهم وهم يتجاذبون أطراف المحاورة ويتراجعونها بينهم لرأيت العجب فحذف الجواب ﴿يَقُولُ الذين استضعفوا﴾ أي الأتباع ﴿لِلَّذِينَ استكبروا﴾ أي للرؤس والمقدمين ﴿لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ﴾ لولا دعاؤكم إيانا إلى الكفر لكنا مؤمنين بالله ورسوله
﴿قَالَ الذين استكبروا لِلَّذِينَ استضعفوا أَنَحْنُ صددناكم عَنِ الهدى﴾ أولى الاسم أي نحن حرف الإنكار لأن المراد انكار أن يكونوا هم الصادين لهم عن الإيمان وإثبات أنهم هم الذين صدوا بأنفسهم عنه وأنهم أتو من قبل اختيارهم ﴿بَعْدَ إِذْ جَاءكُمْ﴾ إنما وقعت إذ مضافاً إليها وإن كانت إذ وإذا من الظروف الازمة للظرفية لأنه قد اتسع فى الزمان مالم يتسع في غيره فأضيف إليها الزمان ﴿بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ﴾ كافرين لاختياركم وإيثاركم الضلال على الهدى لا بقولنا وتسويلنا
﴿وَقَالَ الذين استضعفوا لِلَّذِينَ استكبروا﴾ لم يأت بالعاطف في قَالَ الذين استكبروا وأتى به في وَقَالَ الذين استضعفوا لأن الذين استضعفوا أولا فلا كلامهم فجيء بالجواب محذوف العاطف على طريق الاستثناء ثم جيء بكلام آخر للمستضعفين فعطف على كلامهم الاول ﴿بل مكر الليل والنهار﴾ بل مكركم بنا بالليل والنهار فاتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول به وإضافة المكر إليه أو جعل ليلهم ونهارهم ماكرين على الإسناد المجازي أي الليل والنهار مكراً بطول السلامة فيهما حتى ظننا أنكم على الحق ﴿إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بالله وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً﴾ أشباهاً والمعنى أن المستكبرين لما أنكروا بقولهم أَنَحْنُ صددناكم أن يكونوا هم السبب في كفر المستضعفين وأثبتوا بقولهم بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ أن ذلك بكسبهم واختيارهم كر عليهم المستضفون بقولهم بل مكر الليل والنهار فأبطلوا إضرابهم بأضرابهم كأنهم قالوا ما كان الإجرام من جهتنا بل من جهة مكركم لنا دائبا ليلا ونهارا او حملكم إيانا على الشرك واتخاذ الأنداد ﴿وَأَسَرُّواْ الندامة﴾ اضمروا واظهروا وهو من الاضداد وهم الطالمون في قوله إِذِ الظالمون مَوْقُوفُونَ يندم المستكبرون على ضلالهم وإضلالهم والمستضعفون على ضلالهم واتباعهم المظلين لما
سبأ (٣٧ - ٣٣)
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مّن نَّذِيرٍ﴾ نبي ﴿إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا﴾ متنعموها ورؤساؤها ﴿إِنَّا بِمَا أرسلتم به كافرون﴾ هذه تسليه للنبى ﷺ مما مني به من قومه من التكذيب والكفر بما جاء به وأنه لم يرسل قط إلى أهل قرية من نذير إلا قالوا له مثل ما قال لرسول الله ﷺ أهل مكة وافتخروا بكثرة الأموال والأولاد كما قال
﴿وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَرُ أموالا وأولادا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ أرادوا أنهم أكرم على الله من أن يعذبهم نظراً إلى أحوالهم في الدنيا وظنوا أنهم لو لم يكرموا على الله لما رزقهم الله ولولا أن المؤمنين هانوا عليه لما حرمهم فأبطل الله ظنهم بأن الرزق فضل من الله يقسمه كيف يشاء فربما وسع على العاصى وضيق على المطبع وربما عكس وربما وسع عليهما أو ضيق عليهما فلا ينقاس عليهما أمر الثواب وذلك قوله
﴿قُلْ إِنَّ رَبّى يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ﴾ قدر الرزق تضييقه قال الله تعالى ومن قدر عليه رزقه ﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ﴾ ذلك
﴿وَمَا أموالكم وَلاَ أولادكم بالتى تُقَرّبُكُمْ عِندَنَا زلفى﴾ أي وما جماعة أموالكم ولا جماعة أولادكم بالتى وذلك أن الجمع الكسر عقلاؤه وغيره عقلائه سواء في حكم التأنيث والزلفى والزلفة كالقربى والقربة ومحلها النصب على المصدر أي تقربكم قربة كقوله أَنبَتَكُمْ مّنَ الأرض نَبَاتاً ﴿إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً﴾ الاستثناء من كم في تُقَرّبُكُمْ يعني أن الأموال
سبأ (٤٢ - ٣٨)
الجنة الغرفة حمزة ﴿آمنون﴾ من كل هائل وشاغل
﴿والذين يسعون في آياتنا﴾ في إبطالها ﴿معاجزين أُوْلَئِكَ فِى العذاب مُحْضَرُونَ﴾
﴿قُلْ إِنَّ رَبّى يَبْسُطُ الرزق﴾ يوسع ﴿لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُمْ﴾ ما شرطية في موضع النصب ﴿مِن شَىْء﴾ بيانه ﴿فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ يعوضه لا معوض سواه إما عاجلاً بالمال أو آجلاً بالثواب جواب الشرط ﴿وَهُوَ خَيْرُ الرازقين﴾ المطعمين لأن كل ما رزق غيره من سلطان أو سيد أو غيرهما فهو من رزق الله أجراه على أيدي هؤلاء وهو خالق الرزق وخالق الاسباب التى ينتفع المرزوق بالرزق وعن بعضهم الحمد لله الذي أوجدني وجعلني ممن يشتهي فكم من مشتهٍ لا يجد وواجد لا يشتهي
﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ للملائكة أَهَؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ﴾ وبالياء فيهما حفص ويعقوب هذا خطاب للملائكة وتقريع للكفار وارد على المثل السائر... إياك أعني واسمعي يا جاره...
ونحوه قوله أأنت قلت للناس اتخذونى الآية
﴿قَالُواْ﴾ أي الملائكة ﴿سبحانك﴾ تنزيهاً لك أن يعبد معك غيرك ﴿أَنتَ وَلِيُّنَا﴾ الموالاة خلاف المعاداة وهي مفاعلة من الولي وهو القرب والولي يقع على الموالي والموالى جميعاً والمعنى أنت الذى نواليه ﴿مِن دُونِهِمُ﴾ إذ لا موالاة بيننا وبينهم فبينوا بإثبات موالاة الله ومعاداة الكفار براءتهم من الرضا بعبادتهم لهم لأن من كان على هذه الصفة كانت حاله منافية لذلك ﴿بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الجن﴾ أي الشياطين حيث أطاعوهم في عبادة غير الله أو كانوا يدخلون في أجواف الأصنام إذا عبدت فيعبدون بعبادتهم أو صورت لهم الشياطين صورة قوم من الجن وقالوا هذه صور الملائكة فاعبدوها ﴿أَكْثَرُهُمْ﴾ أكثر الإنس أو الكفار ﴿بِهِمُ﴾ بالجن ﴿مؤمنون﴾
﴿فاليوم لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلاَ ضَرّاً﴾ لأن الأمر في ذلك اليوم لله وحده لا يملك فيه أحد منفعة ولا مضرة لأحد لأن الدار دار ثواب وعقاب والمثيب والمعاقب هو الله فكانت حالها خلاف حال الدنيا التي هي دار تكليف والناس فيها مخلى بينهم يتضارون ويتنافعون والمراد أنه
سبأ (٤٦ - ٤٢)
معطوف على لاَ يَمْلِكُ ﴿ذُوقُواْ عَذَابَ النار التى كُنتُم بِهَا تُكَذّبُونَ﴾ في الدنيا
﴿وإذا تتلى عليهم آياتنا﴾ أي إذا قريء عليهم القرآن ﴿بينات﴾ واضحات ﴿قَالُواْ﴾ أي المشركون ﴿مَا هذا﴾ أي محمد ﴿رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وَقَالُواْ مَا هَذَآ﴾ أي القرآن ﴿إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرى وَقَالَ الذين كَفَرُواْ﴾ أي وقالوا والعدول عنه دليل إنكار عظيم وغضب شديد ﴿لِلْحَقّ﴾ للقرآن أو لأمر النبوة كله ﴿لَمَّا جَاءهُمْ﴾ وعجزوا عن الإتيان بمثله ﴿إِنَّ هَذَا﴾ أي الحق ﴿إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ بتوه على أنه سحر ثم بتوه على أنه بين ظاهر كل عاقل تأمله سماه سحرا
﴿وما آتيناهم مّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا﴾ أي ما أعطينا مشركي مكة كتباً يدرسونها فيها برهان على صحة الشرك ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مّن نَّذِيرٍ﴾ ولا أرسلنا إليهم نذيرا ينذرهم بالعقاب إن لم يشركوا ثم توعدهم على تكذيبهم بقوله
﴿وكذب الذين من قبلهم﴾ أى كذب الذين تقدموهم من الأمم الماضية والقرون الخالية الرسل كما كذبوا ﴿وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَا آتيناهم﴾ أى ومابلغ أهل مكة عشر ما أوتي الأولون من طول الأعمار وقوة الاجرام وكثرة الأموال والاواد ﴿فَكَذَّبُواْ رُسُلِى فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ للمكذبين الأولين فليحذروا من مثله وبالياء في الوصل والوقف يعقوب أي فحين كذبوا رسلهم جاءهم ٢ إنكاري بالتدمير والاستئصال ولم يغن عنهم استظهارهم بما هم مستظهرون فما بال هؤلاء وإنما قال فَكَذَّبُواْ وهو مستغنى عنه بقوله وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ لأنه لما كان معنى قوله وَكَذَّبَ
﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بواحدة﴾ بخصلة واحدة وقد فسرها بقوله ﴿أَن تَقُومُواْ﴾ على أنه عطف بيان لها وقيل هو بدل وعلى هذين الوجهين هو في محل الجر وقيل هو في محل الرفع على تقدير وهي أن تقوموا والنصب على تقدير أعني وأراد بقيامهم القيام عن مجلس رسول الله ﷺ وتفرقهم عن مجتمعهم عنده
سبأ (٤٩ - ٤٦)
أو قيام القصد إلى الشيء دون النهوض والانتصاب والمعنى إنما أعظكم بواحدة إن فعلتموها أصبتم الحق وتخلصتم وهي أن تقوموا ﴿لِلَّهِ﴾ أي لوجه الله خالصاً لا لحمية ولا عصبية بل لطلب الحق ﴿مثنى﴾ اثنين اثنين ﴿وفرادى﴾ فرداً فرداً ﴿ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ﴾ في أمر محمد ﷺ وما جاء به أما الاثنان فيتفكران ويعرض كل واحد منهما محصول فكره على صاحبه وينظران فيه نظر الصدق والإنصاف حتى يؤديهما النظر الصحيح إلى الحق وكذلك الفرد يتفكر في نفسه بعدل ونصفة ويعرض فكره على عقله ومعنى تفرقهم مثنى وفرادى أن الاجتماع مما يشوش الخواطر ويعمي البصائر ويمنع من الرؤية ويقل الإنصاف فيه ويكثر الاعتساف ويثور عجاج التعصب ولايسمع إلا نصرة المذهب وتتفكروا معطوف على تقوموا ﴿ما بصاحبكم﴾ يعنى محمد ﷺ ﴿مّن جِنَّةٍ﴾ جنون والمعنى ثم تتفكروا فتعلموا ما بصاحبكم من جنة ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ قدام عذاب شديد وهو عذاب الآخرة وهو كقوله عليه السلام بعثت بين يدي الساعة
﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مّن أَجْرٍ﴾ على إنذاري وتبليغي الرسالة ﴿فَهُوَ لَكُمْ﴾ جزاء الشرط تقديره أي شيء سألتكم من أجر كقوله مَّا يفتح الله للناس من رحمة ومعناه نفي مسألة الأجر رأساً نحو مالي فى هذا فهو لك أى ليس لى فيه شيء ﴿إِنْ أَجْرِىَ﴾ مدني وشامي وأبو بكر وحفص وبسكون الياء غيرهم ﴿إِلاَّ عَلَى الله وَهُوَ على كُلّ شَىْء شَهِيدٍ﴾ فيعلم أنى لا أطلب الاجر على نصيحتكم ودعائكم إليه إلا منه
﴿قُلْ إِنَّ رَبّى يَقْذِفُ بالحق﴾ بالوحي والقذف توجيه السهم ونحوه بدفع واعتماد ويستعار لمعنى الالقاء ومنه وقذف فى قلوبهم الرعب أن اقذفيه فى التابوت ومعنى يقذف بالحق يلقيه وينزل إلى أنبيائه أو يرمي به الباطل فيدمغه ويزهقه ﴿علام الغيوب﴾ مرفوع على البدل من الضمير في يَقْذِفُ أو على أنه خبر مبتدا محذوف
﴿قل جاء الحق﴾ الإسلام والقرى ن ﴿وما يبدئ الباطل وَمَا يُعِيدُ﴾ أي زال الباطل وهلك لأن الابداء والاعاردة من صفات الحي فعدمهما عبارة عن الهلاك والمعنى جاء الحق وزهق الباطل كقوله جَاء الحق وزهق الباطل وعن ابن مسعود رضى الله عنه دخل النبى ﷺ مكة وحول الكعبة أصنام فجعل يطعنها بعود معه ويقول جاء الحق وزهق الباطل إن كان زهو قاجاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد وقيل الباطل الأصنام وقيل
سبأ (٣٥ - ٥٠)
إبليس لأنه صاحب الباطل أو لأنه هالك كما قيل له الشيطان من شاط إذا هلك أي لا يخلق الشيطان ولا الصنم أحداً ولا يبعثه فالمنشيء والباعث هو الله
ولما قالوا قد ضللت بترك دين آبائك قال الله تعالى ﴿قُلْ إِن ضَلَلْتُ﴾ عن الحق ﴿فَإِنَّمَا أَضِلُّ على نَفْسِى﴾ إن ضللت فمني وعليّ ﴿وَإِنِ اهتديت فَبِمَا يُوحِى إِلَىَّ ربي﴾ أى فبتسديده بالوحي إلي وكان قياس التقابل أن يقال وإن اهتديت فإنما أهتدي لها كقوله فَمَنِ اهتدى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ولكن هما متقابلان معنى لأن النفس كل ما عليها وضار لها فهو بها وبسببها لأنها الأمارة بالسوء ومالها مما ينفعها فبهداية ربها وتوفيقه وهذا حكم عام لكل مكلف وإنما أمر رسوله أن يسنده إلى نفسه لأن الرسول إذا دخل تحته مع جلالة محله وسداد طريقته كان غيره أولى به ﴿إِنَّهُ سَمِيعٌ﴾ لما أقوله لكم ﴿قَرِيبٌ﴾ مني ومنكم يجازيني ويجازيكم
﴿وَلَوْ تَرَى﴾ جوابه محذوف أي لرأيت أمراً عظيماً وحالاً هائلة ﴿إِذْ فَزِعُواْ﴾ عند البعث أو عند الموت أو يوم بدر ﴿فَلاَ فَوْتَ﴾ فلا مهرب أو فلا يفوتون الله ولا يسبقونه ﴿وأخذوا﴾ عطف على فزعوا وأخذوا فلا فوت لهم أو على لافوت على معنى إذا فزعوا فلم يفوتوا وأخذوا ﴿مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ﴾ من الموقف إلى النار إذا بعثوا أو من ظهر الأرض إلى بطنها إذا ماتوا أو من صحراء بدر إلى القليب
﴿وَقَالُواْ﴾ حين عاينوا العذاب ﴿آمَنَّا بِهِ﴾ بمحمد عليه السلام لمرور ذكره في قوله مَا بصاحبكم من جنة أو بالله ﴿وأنى لَهُمُ التناوش مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ﴾ التناوش التناول أي كيف يتناولون التوبة وقد بعدت عنهم يريدان النوبه كانت تقبل منهم في الدنيا وقد ذهبت الدنيا وبعدت من الآخرة وقيل هذا تمثيل لطلبهم ما لا يكون وهو أن ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت كما نفع المؤمنين إيمانهم في الدنيا مثلت حالهم بحال من يريد أن يتناول الشيء من غلوة كما يتناول الآخرة من قيس ذراع التناوش بالهمزة أبو عمرو وكوفي غير حفص همزت الواو لأن كل واو مضمومة ضمتها
﴿وَقَدْ كَفَرُواْ بِهِ مِن قَبْلُ﴾ من قبل العذاب أو في الدنيا ﴿وَيَقْذِفُونَ بالغيب﴾ معطوف على قَدْ كَفَرُواْ على حكاية الحال الماضية يعني وكانوا يتكلمون بالغيب أو بالشيء الغائب يقولون لابعث ولا حساب ولا جنة ولا نار ﴿مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ﴾ عن الصدق أو عن الحق والصواب أو هو قولهم فى رسول
سبأ (٥٤)
فاطر (١)
الله ﷺ شاعر ساحر كذاب وهذا تكلم بالغيب والأمر الخفي لأنهم لم يشاهدوا منه سحراً ولا شعراً ولا كذباً وقد أتوا بهذا الغيب من جهة بعيدة من حاله لأن أبعد شيء مما جاء به السحر والشعر وأبعد شىء من عادته التي عرفت بينهم وجربت الكذب وَيَقْذِفُونَ بالغيب عن أبي عمرو على البناء للمفعول أي تأتيهم به شياطينهم ويلقنونهم إياه وإن شئت فعلقه بقوله وقالوا آمنا به على أنه مثلهم فى طلبهم تحصل ما عطلوا من الإيمان في الدنيا بقولهم آمنا في الآخرة وذلك مطلب مستبعد بمن يقذف شيئاً من مكان بعيد لا مجال للظن في لحوقه حيث يريد أن يقع فيه لكونه غائباً عنه بعيداً ويجوز أن يكون الضمير في آمنا به للعذاب الشديد في قوله بين يدى عذاب شديد وكانوا يقولون ومانحن بمعذبين إن كان الأمر كما تصفون من قيام الساعة والعقاب والثواب ونحن أكرم على الله من أن يعذبنا قائسين أمر الآخرة عن أمر الدنيا فهذا كان قذفهم الغيب وهو غيب ومقذوف به من جهة بعيدة لأن دار الجزاء لا تنقاس على دار التكليف
﴿وَحِيلَ﴾ وحجز ﴿بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾ من نفع الإيمان يومئذ والنجاة من النار والفوز بالجنة أو من الرد إلى الدنيا كما حكى عنهم بقوله أرجعنا نعمل صالحا والأفعال التي هي فَزِعُواْ وَأُخِذُواْ
بسم الله الرحمن الرحيم