تفسير سورة غافر

أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
تفسير سورة سورة غافر من كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن .
لمؤلفه الشنقيطي - أضواء البيان . المتوفي سنة 1393 هـ

قوله تعالى :﴿ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذي الطَّوْلِ ﴾.
جمع جل وعلا في هذه الآية الكريمة، بين الترغيب والترهيب والوعد والوعيد، لأن مطامع العقلاء محصورة في أمرين، هما جلب النفع ودفع الضر، وهذه المعنى الذي تضمنته هذه الآية الكريمة جاء موضحاً في آيات كثيرة من كتاب الله كقوله تعالى :﴿ نَبِّىءْ عبادي أَنِّى أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيم ُوَأَنَّ عذابي هُوَ الْعَذَابُ الأليم ﴾ وقوله تعالى :﴿ قَالَ عذابي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ ورحمتي وَسِعَتْ كُلَّ شيء فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ﴾ [ الأعراف : ١٥٦ ] الآية. وقوله تعالى في آخر الأنعام :﴿ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [ الأعراف : ١٦٥ ]. وقوله في الأعراف :﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [ الأعراف : ١٦٧ ] والآيات بمثل ذلك كثيرة معروفة.
قوله تعالى :﴿ مَا يُجَادِلُ في ءَايَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أنه لا يجادل في آيات الله، أي لا يخاصم فيها محاولاً ردها، وإبطال ما جاء فيها، إلا الكفار.
وقد بين تعالى في غير هذا الموضع الغرض الحامل لهم على الجدال فيها مع بعض صفاتهم، وذلك في قوله ﴿ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُواْ ءايَاتِى وَمَا أُنْذِرُواْ هُزُواً ﴾ [ الكهف : ٥٦ ] وأوضح ذلك الغرض، في هذه السورة الكريمة، في قوله ﴿ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ الْحَقَّ ﴾ [ غافر : ٥ ].
وقد قدمنا في سورة الحج أن الذين يجادلون في الله منهم، أتباع يتبعون رؤساءهم المضلين، من شياطين الإنس والجن، وهم المذكورون في قوله تعالى ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ في اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ﴾ [ الحج : ٣-٤ ].
وإن منهم قادة هم رؤساؤهم المتبوعون وهم المذكورون في قوله تعالى :﴿ ومِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ في اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِير ثاني عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [ الحج : ٨-٩ ] الآية.
وبين تعالى في موضع آخر أن من أنواع جدال الكفار، جدالهم للمؤمنين الذين استجابوا لله وآمنوا به وبرسوله، ليردوهم إلى الكفر بعد الإيمان، وبين بطلان حجة هؤلاء، وتوعدهم بغضبه عليهم، وعذابه الشديد وذلك في قوله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ يُحَآجُّونَ في اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا اسَتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾ [ الشورى : ١٦ ].
قوله تعالى :﴿ فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ في الْبِلاَدِ ﴾.
نهى الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة، ليشرع لأمته عن أن يغره تقلب الذين كفروا في بلاد الله، بالتجارات والأرباح، والعافية وسعة الرزق، كما كانت قريش تفيض عليها الأموال من أرباح التجارات، وغيرها من رحلة الشتاء والصيف المذكورة في قوله تعالى :﴿ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَآءِ وَالصَّيْفِ ﴾ [ قريش : ٢ ] أي إلى اليمن والشام وهم مع ذلك كفرة فجرة، يكذبون نبي الله ويعادونه.
والمعنى : لا تغتر بإنعام الله عليهم تقلبهم في بلاده، في إنعام وعافية فإن الله جل وعلا يستدرجهم بذلك الإنعام، فيمتعهم به قليلاً، ثم يهلكهم فيجعل مصيرهم إلى النار.
وقد أوضح هذا المعنى في آيات من كتابه كقوله تعالى :﴿ لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ في الْبِلَادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [ آل عمران : ١٩٦-١٩٧ ]. وقوله تعالى :﴿ وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾ [ لقمان : ٢٣-٢٤ ] وقوله تعالى :﴿ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [ البقرة : ١٢٦ ] وقوله تعالى ﴿ قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ في الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ ﴾ [ يونس : ٦٩-٧٠ ] إلى غير ذلك من الآيات.
والفاء في قوله : فلا يغررك، سببية أي لا يمكن تقلبهم في بلاد الله. متنعمين بالأموال والأرزاق، سبباً لاغترارك بهم، فتظن بهم ظناً حسناً لأن ذلك التنعم، تنعم استدراج، وهو زائل عن قريب، وهم صائرون إلى الهلاك والعذاب الدائم.
قوله تعالى :﴿ وَكَذَالِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ﴾.
قرأ هذا الحرف نافع وابن عامر ( كَلِمَات ) بصيغة الجمع المؤنث السالم وقرأه الباقون ( كلمة ربِّك ) بالإفراد.
وقد أوضحنا معنى الكلمة والكلمات فيما يماثل هذه الآية في سورة يس في الكلام على قوله تعالى. ﴿ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ ﴾ [ يس : ٧ ].
قوله تعالى :﴿ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ ءَابَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ﴾.
لم يبين هنا الآية المتضمنة لوعدهم بالجنات، هم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم.
ولكنه جل وعلا أوضح وعده إياهم بذلك في سورة الرعد في قوله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصلاة وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءَابَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ ﴾ [ الرعد : ٢٢-٢٣ ] الآية.
قوله تعالى :﴿ قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ﴾.
التحقيق الذي لا ينبغي العدول عنه، أن المراد بالإماتتين في هذه الآية الكريمة، الإماتة الأولى، التي هي كونهم في بطون أمهاتهم نطفاً وعلقاً، ومضغاً. قبل نفخ الروح فيهم، فهل قبل نفخ الروح فيهم لا حياة لهم، فأطلق عليهم بذلك الاعتبار اسم الموت.
والإماتة الثانية هي إماتتهم وصيرورتهم إلى قبورهم عند انقضاء آجالهم في دار الدنيا.
وأن المراد بالإحياءتين، الإحياءة الأولى في دار الدنيا، والإحياءة الثانية، التي هي البعث من القبور إلى الحساب، والجزاء والخلود الأبدي، الذي لا موت فيه، إما في الجنة وإما في النار.
والدليل من القرآن على أن هذا القول في الآية هو التحقيق، أن الله صرح به واضحاً في قوله جل وعلا ﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [ البقرة : ٢٨ ] وبذلك تعلم أن ما سواه من الأقوال الآية لا معوّل عليه.
والأظهر عندي أن المسوغ الذي سوغ إطلاق اسم الموت على العلقة، والمضغة مثلاً، في بطون الأمهات، أن عين ذلك الشيء، الذي هو نفس العلقة والمضغة، له أطوار كما قال تعالى :﴿ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً ﴾ [ نوح : ١٤ ] ﴿ يَخْلُقُكُمْ في بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ ﴾ [ الزمر : ٦ ]، ولما كان ذلك الشيء، تكون فيه الحياة في بعض تلك الأطوار، وفي بعضها لا حياة له، صح إطلاق الموت والحياة عليه من حيث إنه شيء واحد، ترتفع عنه الحياة تارة وتكون فيه أخرى، وقد ذكر له الزمخشري مسوغاً غير هذا، فانظره إن شئت.
قوله تعالى :﴿ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ ﴾.
قد بين جل وعلا في غير هذا الموضع، أن الاعتراف بالذنب في ذلك الوقت لا ينفع، كما قال تعالى :﴿ فَاعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لأصحاب السَّعِيرِ ﴾ [ الملك : ١١ ] وقال تعالى ﴿ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ ﴾ [ السجدة : ١٢ ] إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : فهل إلى خروج من سبيل، قد قدمنا إيضاحه بالآيات القرآنية، في سورة الأعراف في الكلام على قوله تعالى ﴿ يَوْمَ يأتي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ ﴾ [ الأعراف : ٥٣ ].
قوله تعالى :﴿ ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دعي اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ ﴾.
قد تقدم الكلام عليه في سورة الصافات، في الكلام على قوله تعالى ﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِين َإِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [ الصافات : ٣٤-٣٥ ] الآية.
قوله تعالى :﴿ فَالْحُكْمُ للَّهِ الْعَلِىِّ الْكَبِيرِ ﴾.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الكهف، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَلاَ يُشْرِكُ في حُكْمِهِ أَحَدًا ﴾ [ الكهف : ٢٦ ].
قوله تعالى :﴿ هُوَ الذي يُرِيكُمْ ءَايَاتِهِ ﴾.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أنه جل وعلا هو الذي يُري خلقه آياته، أي الكونية القدرية ليجعلها علامات لهم على ربوبيته، واستحقاقه العبادة وحده ومن تلك الآيات الليل والنهار والشمس والقمر كما قال تعالى :﴿ وَمِنْ ءَايَاتِهِ الليل وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾ [ فصلت : ٣٧ ] الآية.
ومنها السماوات والأرضون، وما فيهما والنجوم، والرياح والسحاب، والبحار والأنهار، والعيون والجبال والأشجار وآثار قوم هلكوا، كما قال تعالى :﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ والأرض وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ إلى قوله ﴿ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [ البقرة : ١٦٤ ]. وقال تعالى :﴿ إِنَّ في خَلْقِ السَّمَاوَاتِ والأرض وَاخْتِلَافِ الليل وَالنَّهَارِ لآيات لأولي الألباب ﴾ [ آل عمران : ١٩٠ ]. وقال تعالى :﴿ إِنَّ في السَّمَاوَاتِ والأرض لآيات لِّلْمُؤْمِنِينَ وَفِى خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَاخْتِلَافِ الليل وَالنَّهَارِ وَمَآ أَنَزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَآءِ مَّن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ ءّايَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [ الجاثية : ٣-٥ ] وقال تعالى ﴿ إِنَّ في اخْتِلَافِ الليل وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ في السَّمَاوَاتِ والأرض لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ ﴾ [ يونس : ٦ ].
وما ذكره جل وعلا في آية المؤمن هذه، من أنه هو الذي يُرِي خلقه آياته، بينه وزاده إيضاحاً في غير هذا الموضع، فبين أنه يريهم آياته في الآفاق وفي أنفسهم، وأن مراده بذلك البيان أن يتبين لهم أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم حق، كما قال تعالى :﴿ سَنُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا في الأفاق وَفِى أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾ [ فصلت : ٥٣ ].
والآفاق جمع أفق وهو الناحية، والله جل وعلا قد بين من غرائب صنعه، وعجائبه، في نواحي سماواته وأرضه، ما يتبين به لكل عاقل أنه هو الرب المعبود وحده. كما أشرنا إليه، من الشمس والقمر والنجوم والأشجار والجبال، والدواب والبحار، إلى غير ذلك.
وبين أيضاً أن من آياته التي يريهم ولا يمكنهم أن ينكروا شيئاً منها تسخيره لهم الأنعام ليركبوها ويأكلوا من لحومها، وينتفعوا بألبانها، وزبدها وسمنها، وأقطها ويلبسوا من جلودها، وأصوافها وأوبارها وأشعارها، كما قال تعالى :﴿ اللَّهُ الذي جَعَلَ لَكُمُ الأنعام لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً في صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ وَيُرِيكُمْ ءَايَاتِهِ فأي ءَايَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ ﴾ [ غافر : ٧٩-٨١ ].
وبين في بعض المواضع، أن من آياته التي يريها بعض خلقه، معجزات رسله، لأن المعجزات آيات، أي دلالات، وعلامات على صدق الرسل، كما قال تعالى في فرعون ﴿ وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى ﴾ [ طه : ٥٦ ] وبين في موضع آخر، أن من آياته التي يريها خلقه، عقوبته المكذبين رسله، كما قال تعالى في قصة إهلاكه قوم لوط ﴿ وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَآ ءَايَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [ العنكبوت : ٣٥ ].
وقال في عقوبته فرعون وقومه بالطوفان والجراد والقمل إلخ :﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ ءَايَاتٍ مّفَصَّلاَتٍ ﴾ [ الأعراف : ١٣٣ ] الآية.
قوله تعالى :﴿ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَآءِ رِزْقاً ﴾.
أطلق جل وعلا في هذه الآية الكريمة، الرزق وأراد المطر، لأن المطر سبب الرزق، وإطلاق المسبب وإرادة سببه لشدة الملابسة بينهما، أسلوب عربي معروف، وكذلك عكسه الذي هو إطلاق السبب وإرادة المسبب كقوله :
أكنت دماً إن لم أرعْكِ بضرَّة بعيدة مهوى القرط طيبة النشر
فأطلق الدم وأراد الدية، لأنه سببها.
وقد أوضحنا في رسالتنا المسماة : منع جواز المجاز، في المنزل للتعبد والإعجاز، أن أمثال هذا أساليب عربية، نطقت بها العرب في لغتها، ونزل بها القرآن، وأن ما يقوله علماء البلاغة من أن في الآية ما يسمونه المجاز المرسل الذي يعدون من علاقاته السببية والمسببية، لا داعي إليه، ولا دليل عليه، يجب الرجوع إليه.
وإطلاق الرزق في آية المؤمن هذه على المطر جاء مثله، في غير هذا الموضع كقوله تعالى في أول سورة الجاثية ﴿ وَمَآ أَنَزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَآءِ مَّن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ [ الجاثية : ٥ ] فأوضح بقوله ﴿ فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ أن مراده بالرزق المطر، لأن المطر هو الذي يحيي الله به الأرض بعد موتها.
وقد أوضح جل وعلا، أنه إنما سمي المطر رزقاً، لأن المطر سبب الرزق، في آيات كثيرة من كتابه، كقوله تعالى في سورة البقرة ﴿ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٢ ] الآية، والباء في قوله فأخرج به سببية كما ترى.
وكقوله تعالى في سورة إبراهيم :﴿ اللَّهُ الذي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرض وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ ﴾ [ إبراهيم : ٣٢ ] الآية. وقوله تعالى في سورة ق :﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً مُّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ ﴾ [ ق : ٩-١٠ ].
وبين في آيات أخر أن الرزق المذكور، شامل لما يأكله الناس، وما تأكله الأنعام، لأن ما تأكله الأنعام، يحصل بسببه للناس الانتفاع بلحومها، وجلودها وألبانها، وأصوافها وأوبارها، وأشعارها، كما تقدم كقوله تعالى :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ الْمَآءَ إِلَى الأرض الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ ﴾ [ السجدة : ٢٧ ] وقوله تعالى ﴿ هُوَ الذي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَآءً لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ﴾ [ النحل : ١٠- ١١ ] الآية.
فقوله : فيه تسيمون، أي تتركون أنعامكم سائمة فيه تأكل منه من غير أن تتكلفوا لها مؤونة العلف كما تقدم إيضاحه بشواهده العربية، في سورة النحل وكقوله تعالى ﴿ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى كُلُواْ وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ ﴾ [ طه : ٥٣- ٥٤ ] الآية. وقوله تعالى :﴿ أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا مَتَاعاً لَّكُمْ ولأنعامكم ﴾ [ النازعات : ٣١-٣٣ ] إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى :﴿ وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ ﴾.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أن الناس ما يتذكر منهم، أي ما يتعظ بهذه الآيات المشار إليها في قوله :﴿ هُوَ الذي يُرِيكُمْ ءَايَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَآءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ ﴾ أي من رزقه الله الإنابة إليه.
والإنابة : الرجوع عن الكفر والمعاصي، إلى الإيمان والطاعة.
وهؤلاء المنيبون، المتذكرون، المتعظون، هم أصحاب العقول السليمة من شوائب الاختلال، المذكورون في قوله تعالى في أول سورة آل عمران ﴿ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ﴾ [ آل عمران : ٧ ] وفي قوله تعالى في سورة إبراهيم ﴿ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلٌَه وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ﴾ [ إبراهيم : ٥٢ ] إلى غير ذلك من الآيات.
وقد دلت آية المؤمن هذه، وما في معناها من الآيات، على أن غير أولي الألباب المتذكرين المذكورين آنفاً، لا يتذكر ولا يتعظ بالآيات، بل يعرض عنها أشد الإعراض.
وقد جاء هذا المعنى موضحاً، في آيات كثيرة من كتاب الله، كقوله تعالى :﴿ وَكَأَيِّن مِّن ءَايَةٍ في السَّمَاوَاتِ والأرض يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴾ [ يوسف : ١٠٥ ]. وقوله تعالى :﴿ وَإِن يَرَوْاْ ءَايَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ ﴾ [ القمر : ٢ ] وقوله ﴿ وَإِذَا رَأَوْاْ ءَايَةً يَسْتَسْخِرُونَ ﴾ [ الصافات : ١٤ ]. وقوله تعالى :﴿ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا في السَّمَاوَاتِ والأرض وَمَا تُغْنِى الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ ﴾ [ يونس : ١٠١ ] وقوله ﴿ وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ ءَايَةٍ مِّنْ ءَايَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ ﴾ [ الأنعام : ٤ ] في الأنعام ويس إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى :﴿ فَادْعُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾.
قد قدمنا الكلام على نحوه من الآيات في أول سورة الزمر، في الكلام على قوله ﴿ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينِ أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ﴾ [ الزمر : ٢ -٣ ].
قوله تعالى :﴿ يُلْقِى الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاَقَِ يوْمَ هُم بَارِزُونَ ﴾ [ ١٥ -١٦ ].
قد قدمنا إيضاحه بالآيات القرآنية، في أول سورة النحل، في الكلام على قوله تعالى ﴿ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَ أَنَاْ فَاتَّقُونِ ﴾ [ النحل : ٢ ]. وقوله تعالى في آية المؤمن هذه ﴿ يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شيء ﴾ [ غافر : ١٦ ] جاء مثله في آيات كثيرة، كقوله في بروزهم ذلك اليوم ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [ إبراهيم : ٤٨ ] وقوله تعالى ﴿ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا ﴾ [ إبراهيم : ٢١ ] الآية.
وكقوله في كونهم لا يخفى على الله منهم شيء ذلك اليوم ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ [ الحاقة : ١٨ ] وقوله تعالى :﴿ إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ ﴾ [ العاديات : ١١ ]. وقوله تعالى :﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شيء فِي الأرض وَلاَ في السَّمَآءِ ﴾ [ آل عمران : ٥ ] والآيات بمثل ذلك كثيرة، وقد بيناها في أول سورة هود في الكلام على قوله تعالى ﴿ أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ ﴾ [ هود : ٥ ] الآية، وذكرنا طرفاً من ذلك، في أول سورة سبأ، في الكلام على قوله تعالى ﴿ عَالِمِ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ في السَّمَاوَاتِ وَلاَ في الأرض ﴾[ سبأ : ٣ ] الآية.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:قوله تعالى :﴿ يُلْقِى الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاَقَِ يوْمَ هُم بَارِزُونَ ﴾ [ ١٥ -١٦ ].
قد قدمنا إيضاحه بالآيات القرآنية، في أول سورة النحل، في الكلام على قوله تعالى ﴿ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَ أَنَاْ فَاتَّقُونِ ﴾ [ النحل : ٢ ]. وقوله تعالى في آية المؤمن هذه ﴿ يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شيء ﴾ [ غافر : ١٦ ] جاء مثله في آيات كثيرة، كقوله في بروزهم ذلك اليوم ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [ إبراهيم : ٤٨ ] وقوله تعالى ﴿ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا ﴾ [ إبراهيم : ٢١ ] الآية.
وكقوله في كونهم لا يخفى على الله منهم شيء ذلك اليوم ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ [ الحاقة : ١٨ ] وقوله تعالى :﴿ إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ ﴾ [ العاديات : ١١ ]. وقوله تعالى :﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شيء فِي الأرض وَلاَ في السَّمَآءِ ﴾ [ آل عمران : ٥ ] والآيات بمثل ذلك كثيرة، وقد بيناها في أول سورة هود في الكلام على قوله تعالى ﴿ أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ ﴾ [ هود : ٥ ] الآية، وذكرنا طرفاً من ذلك، في أول سورة سبأ، في الكلام على قوله تعالى ﴿ عَالِمِ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ في السَّمَاوَاتِ وَلاَ في الأرض ﴾[ سبأ : ٣ ] الآية.

قوله تعالى :﴿ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الأزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ ﴾.
الإنذار، والإعلام المقترن بتهديد خاصة، فكل إنذار إعلام، وليس كل إعلام إنذاراً.
وقد أوضحنا معنى الإنذار وأنواعه في أول سورة الأعراف في الكلام على قوله تعالى ﴿ كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن في صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ ﴾ [ الأعراف : ٢ ] الآية.
والظاهر أن قوله هنا ﴿ يَوْمَ الأزِفَةِ ﴾ هو المفعول الثاني للإنذار لا ظرف له لأن الإنذار والتخويف من يوم القيامة، واقع في دار الدنيا.
والأزفة القيامة. أي أنذرهم يوم القيامة، بمعنى خوفهم إياه وهددهم بما فيه من الأهوال العظام ليستعدوا لذلك في الدنيا بالإيمان والطاعة.
وإنما عبر عن القيامة بالأزفة لأجل أزوفها أي قربها، والعرب تقول : أزف الترحل بكسر الزاي، يأزف بفتحها، أزفا بفتحتين، على القياس، وأزوفا فهو آزف، على غير قياس، في المصدر الأخير، والوصف بمعنى قرب وقته وحان وقوعه، ومنه قول نابغة ذبيان :
أزف الترحل غير أن ركابنا لما تزل برحالنا وكأن قد
ويروى أفد الترحل، ومعناهما واحد.
والمعنى ﴿ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الأزِفَةِ ﴾ أي يوم القيامة القريب مجيؤها ووقوعها.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة، من اقتراب قيام الساعة، جاء موضحاً في آيات أخر كقوله تعالى ﴿ أَزِفَتِ الأزفة لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ ﴾ [ النجم : ٥٧ – ٥٨ ] وقوله تعالى ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ﴾ [ القمر : ١ ] الآية. وقوله تعالى ﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ ﴾ [ الأنبياء : ١ ]. وقوله تعالى في الأحزاب :﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً ﴾ [ الأحزاب : ٦٣ ] وقوله تعالى في الشورى ﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ ﴾ [ الشورى : ١٧ ].
وقد قدمنا هذا في أول سورة النحل في الكلام على قوله تعالى ﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾ [ النحل : ١ ].
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة ﴿ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ ﴾ الظاهر فيه، أن إذ، بدل من يوم، وعليه فهو من قبيل المفعول به، لا المفعول فيه، كما بينا آنفاً.
والقلوب : جمع قلب وهو معروف.
ولدى : ظرف بمعنى عند.
والحناجر : جمع حنجرة وهي معروفة.
ومعنى كون القلوب لدى الحناجر، في ذلك الوقت فيه لعلماء التفسير وجهان معروفان.
أحدهما : ما قاله قتادة وغيره، من أن قلوبهم يومئذ، ترتفع من أماكنها في الصدور، حتى تلتصق بالحلوق، فتكون لدى الحناجر، فلا هي تخرج من أفواههم فيموتوا، ولا هي ترجع إلى أماكنها في الصدور فيتنفسوا. وهذا القول هو ظاهر القرآن.
والوجه الثاني : هو أن المراد بكون القلوب، لدى الحناجر، بيان شدة الهول، وفظاعة الأمر، وعليه فالآية كقوله تعالى :﴿ وَإِذْ زَاغَتِ الأبصار وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَاْ هُنَالِكَ ابْتُلِىَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾ [ الأحزاب : ١٠ -١١ ] وهو زلزال خوف وفزع لا زلزال حركة الأرض.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :﴿ كَاظِمِينَ ﴾ معناه مكروبين ممتلئين خوفاً وغماً وحزناً.
والكظم : تردد الخوف والغيظ والحزن في القلب حتى يمتلىء منه، ويضيق به.
والعرب تقول : كظمت السقاء إذا ملأته ماء، وشددته عليه.
وقول بعضهم كاظمين، أي ساكتين، لا ينافي ما ذكرنا، لأن الخوف والغم الذي ملأ قلوبهم يمنعهم من الكلام، فلا يقدرون عليه، ومن إطلاق الكظم على السكوت قول العجاج :
وربّ أسراب حجيج كظَّم عن اللَّغا ورمَثِ التكلُّمِ
ويرجع إلى هذا القول معنى قول من قال : كاظمين أي لا يتكلمون إلا من أذن له الله، وقال الصواب، كما قال تعالى :﴿ لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَانُ وَقَالَ صَوَاباً ﴾ [ النبأ : ٣٨ ].
وقوله :﴿ كَاظِمِينَ ﴾ حال من أصحاب القلوب على المعنى. والتقدير إذ القلوب لدى الحناجر أي إذ قلوبهم لدى حناجرهم في حال كونهم كاظمين، أي ممتلئين خوفاً وغماً وحزناً، ولا يبعد أن يكون حالاً من نفس القلوب، لأنها وصفت بالكظم الذي هو صفة أصحابها.
ونظير ذلك في القرآن :﴿ إني رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لي سَاجِدِينَ ﴾ [ يوسف : ٤ ] فإنه أطلق في هذه الآية الكريمة، على الكواكب والشمس والقمر صفة العقلاء في قوله تعالى :﴿ رَأَيْتُهُمْ لي سَاجِدِينَ ﴾، والمسوغ لذلك وصفه الكواكب والشمس والقمر بصفة العقلاء التي هي السجود.
ونظير ذلك أيضاً قوله تعالى ﴿ إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السَّمَآءِ ءَايَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ﴾ [ الشعراء : ٤ ] وقوله تعالى :﴿ قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ ﴾ [ فصلت : ١١ ].
قوله تعالى :﴿ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾.
قد قدمنا الكلام عليه في سورة البقرة وسورة الأعراف، وأحلنا عليه مراراً.
قوله تعالى :﴿ يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأعين وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ ﴾.
قد قدمنا الكلام على ما يماثله من الآيات في أول سورة هود، وفي غيرها وأحلنا عليه أيضاً مراراً.
قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُواْ سَاحِرٌ كَذَّابٌ ﴾ [ ٢٣ – ٢٤ ].
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أنه أرسل نبيه موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، بآياته وحججه الواضحة كالعصا واليد البيضاء إلى فرعون وهامان وقارون فكذبوه، وزعموا أنه ساحر.
وأوضح هذا المعنى، في آيات كثيرة كقوله تعالى عن فرعون وقومه :﴿ وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن ءَايَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا ﴾ [ الأعراف : ١٣٢ ]، وقوله تعالى عن فرعون ﴿ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الذي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ﴾ [ طه : ٧١ ]. وقوله تعالى :﴿ قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ﴾ [ الشعراء : ٣٤ ] والآيات بمثل ذلك كثيرة. وقد بيناها في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٣:قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُواْ سَاحِرٌ كَذَّابٌ ﴾ [ ٢٣ – ٢٤ ].
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أنه أرسل نبيه موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، بآياته وحججه الواضحة كالعصا واليد البيضاء إلى فرعون وهامان وقارون فكذبوه، وزعموا أنه ساحر.
وأوضح هذا المعنى، في آيات كثيرة كقوله تعالى عن فرعون وقومه :﴿ وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن ءَايَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا ﴾ [ الأعراف : ١٣٢ ]، وقوله تعالى عن فرعون ﴿ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الذي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ﴾ [ طه : ٧١ ]. وقوله تعالى :﴿ قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ﴾ [ الشعراء : ٣٤ ] والآيات بمثل ذلك كثيرة. وقد بيناها في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك.

قوله تعالى :﴿ وَقَالَ مُوسَى إني عُذْتُ بربي وَرَبِّكُمْ مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ﴾.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن نبيه موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، عاذ بربه، أي اعتصم به، وتمنع من كل متكبر، أي متصف بالكبر، لا يؤمن بيوم الحساب، أي لا يصدق بالبعث والجزاء.
وسبب عياذ موسى بربه المذكور، أن فرعون قال لقومه :﴿ ذروني أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إني أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ في الأرض الْفَسَادَ ﴾ [ غافر : ٢٦ ].
فعياذ موسى المذكور بالله إنما هو في الحقيقة من فرعون، وإن كانت العبارة أعم من خصوص فرعون، لأن فرعون لا شك أنه متكبر، لا يؤمن بيوم الحساب فهو داخل في الكلام دخولاً أولياً، وهو المقصود بالكلام.
وما ذكره جل وعلا في آية المؤمن هذه، من عياذ موسى بالله من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب كفرعون، وعتاة قومه، ذكر نحوه في سورة الدخان في قوله تعالى عن موسى مخاطباً فرعون وقومه :﴿ وإني عُذْتُ بربي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ ﴾ [ الدخان : ٢٠ ] الآية.
قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّىَ اللَّهُ ﴾.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أن رجلاً مؤمناً من آل فرعون يكتم إيمانه، أي يخفي عنهم أنه مؤمن، أنكر على فرعون وقومه إرادتهم قتل نبي الله موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، حين قال فرعون ﴿ ذروني أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ﴾ [ غافر ٢٦ ]. مع أنه لا ذنب له، يستحق به القتل، إلا أنه يقول : ربي الله.
وقد بين في آيات أخر أن من عادة المشركين قتل المسلمين، والتنكيل بهم، وإخراجهم من ديارهم من غير ذنب، إلا أنهم يؤمنون بالله ويقولون : ربنا الله، كقوله تعالى في أصحاب الأخدود، الذين حرقوا المؤمنين ﴿ قُتِلَ أَصْحَابُ الأخدود النَّارِ ذَاتِ الْوَقُود ِإِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُود ٌوَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [ البروج : ٤ -٨ ] وقوله تعالى ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ﴾ [ الحج : ٣٩-٤٠ ]. وقوله تعالى : عن الذين كانوا سحرة لفرعون، وصاروا من خيار المؤمنين، لما هددهم فرعون قائلاً :﴿ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ أنهم أجابوه، بما ذكره الله عنهم، في قوله :﴿ قَالُواْ إِنَّآ إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلاَ أَنْ ءَامَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتْنَا ﴾ [ الأعراف : ١٢٤ -١٢٦ ] إلى غير ذلك من الآيات.
والتحقيق أن الرجل المؤمن المذكور في هذه الآية من جماعة فرعون كما هو ظاهر قوله تعالى :«من آل فرعون ».
فدعوى أنه إسرائيلي، وأن في الكلام تقديماً وتأخيراً. وأن من آل فرعون متعلق بيكتم، أي وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون أي يخفي إيمانه عن فرعون وقومه خلاف التحقيق كما لا يخفى.
وقيل : إن هذا الرجل المؤمن هو الذي قال لموسى ﴿ إِنَّ الْمَلاّ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ ﴾ [ القصص : ٢٠ ] وقيل غيره.
واختلف العلماء في اسمه اختلافاً كثيراً فقيل : اسمه حبيب، وقيل اسمه شمعان، وقيل اسمه حزقيل، وقيل غير ذلك ولا دليل على شيء من ذلك.
والظاهر في إعراب المصدر المنسبك من أن وصلتها في قوله تعالى، في هذه الآية الكريمة، أن يقول ربي الله، أنه مفعول من أجله.
وقال البخاري رحمه الله في صحيحه في تفسير هذه الآية الكريمة : حدثنا علي بن عبد الله حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي قال حدثني يحيى بن أبي كثير قال حدثني محمد بن إبراهيم التيمي حدثني عروة بن الزبير قال قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص أخبرني بأشد ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله قد جاءكم بالبينات من ربكم ».
قوله تعالى :﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أَرَى وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾.
الظاهر أن أرى في هذه الآية الكريمة علمية، عرفانية، تتعدى لمفعول واحد، كما أشار له في الخلاصة بقوله :
لعلم عرفان وظَنِّ تهمه تعديةٌ لواحد ملتزمهْ
وعليه فالمعنى : قال فرعون ما أعلمكم وأعرفكم، من حقيقة موسى وأنه ينبغي أن يقتل، خوف أن يبدل دينكم، ويظهر الفساد في أرضكم، إلا ما أرى أي أعلم وأعرف أنه الحق والصواب فما أخفى عنكم خلاف ما أظهره لكم، وما أهديكم بهذا إلا سبيل الرشاد، أي طريق السداد والصواب.
وهذان الأمران اللذان ذكر تعالى عن فرعون أنه قالهما في هذه الآية الكريمة، قد بين في آيات أخر أن فرعون كاذب في كل واحد منهما.
أما الأول منهما وهو قوله :﴿ مَآ أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أَرَى ﴾ فقد بين تعالى كذبه فيه في آيات من كتابه وأوضح فيها أنه يعلم ويتيقن أن الآيات التي جاءه بها موسى حق، وأنها ما أنزلها إلا الله، وأنه جحدها هو ومن استيقنها معه من قومه ليستخفوا بها عقول الجهلة منهم كقوله تعالى في سورة النمل ﴿ وَأَدْخِلْ يَدَكَ في جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ في تِسْعِ ءَايَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ ءَايَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُواْ هَذا سِحْرٌ مُّبِينٌ وَجَحَدُواْ بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [ النمل : ١٢ -١٤ ].
فقوله تعالى : في هذه الآية ﴿ وَجَحَدُواْ بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً ﴾ دليل واضح على أن فرعون كاذب في قوله :﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى ﴾.
وكقوله تعالى في سورة بني إسرائيل :﴿ قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هؤلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ والأرض بَصَآئِرَ وإني لأَظُنُّكَ يا فِرْعَونُ مَثْبُورًا ﴾ [ الإسراء : ١٠٢ ] فقول نبي الله موسى لفرعون ﴿ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هؤلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ والأرض ﴾ مؤكداً إخباره بأن فرعون عالم بذلك بالقسم، وقد دل أيضاً على أنه كاذب في قوله : ما أريكم إلا ما أرى.
وكان غرض فرعون بهذا الكذب، التدليس والتمويه ليظن جهلة قومه، أن معه الحق، كما أشار تعالى إلى ذلك في قوله :﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾ [ الزخرف : ٥٤ ].
وأما الأمر الثاني وهو قوله :﴿ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ فقد بين تعالى كذبه فيه في آيات من كتابه كقوله تعالى :﴿ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ﴾ [ هود : ٩٧ ]. وقوله تعالى :﴿ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى ﴾ [ طه : ٧٩ ].
وقال بعض العلماء في قوله :﴿ مَآ أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أَرَى ﴾.
أي ما أشير عليكم إلا بما أرى لنفسي، من قتل موسى. والعلم عند الله تعالى
قوله تعالى :﴿ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا ﴾.
هذه الآية الكريمة، وأمثالها من الآيات الدالة عن أن السيئات لا تضاعف، ولا تجزي إلا بمثلها بينها وبين الآيات الأخرى الدالة على أن السيئات ربما ضوعفت في بعض الأحوال، كقوله تعالى في نبينا صلى الله عليه وسلم ﴿ إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الحياة وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ﴾ [ الإسراء : ٧٥ ] وقوله تعالى في نسائه رضي الله عنهن ﴿ يا نِسَآءَ النبي مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ﴾ [ الأحزاب : ٣٠ ] إشكال معروف.
وقد قدمنا الجواب عنه موضحاً في سورة النمل، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ في النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [ النمل : ٩٠ ].
قوله تعالى :﴿ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾.
قد أوضحنا معنى هذه الآية الكريمة، وبينا العمل الصالح بالآيات القرآنية، وأوضحنا الآيات المبينة لمفهوم المخالفة، في قوله :﴿ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾ في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك، في سورة النحل، في الكلام على قوله تعالى ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حياة طَيِّبَةً ﴾ [ النحل : ٩٧ ] الآية. وفي أول سورة الكهف، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا ﴾ [ الكهف : ٢ -٣ ].
قوله تعالى :﴿ وتدعونني إِلَى النَّارِ تدعونني لأكفر بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لي بِهِ عِلْمٌ ﴾ [ ٤١ -٤٢ ].
الظاهر أن جملة قوله تدعونني لأكفر بالله، بدل من قوله : وتدعونني إلى النار، لأن الدعوة إلى الكفر بالله والإشراك به دعوة إلى النار.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن الكفر والإشراك بالله مستوجب لدخول النار، بينه تعالى في آياته كثيرة من كتابه كقوله :﴿ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ﴾ [ المائدة : ٧٢ ]، وقد قدمنا ما فيه كفاية من ذلك، في سورة الحج في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَآءِ ﴾ [ الحج : ٣١ ] الآية.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤١:قوله تعالى :﴿ وتدعونني إِلَى النَّارِ تدعونني لأكفر بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لي بِهِ عِلْمٌ ﴾ [ ٤١ -٤٢ ].
الظاهر أن جملة قوله تدعونني لأكفر بالله، بدل من قوله : وتدعونني إلى النار، لأن الدعوة إلى الكفر بالله والإشراك به دعوة إلى النار.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن الكفر والإشراك بالله مستوجب لدخول النار، بينه تعالى في آياته كثيرة من كتابه كقوله :﴿ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ﴾ [ المائدة : ٧٢ ]، وقد قدمنا ما فيه كفاية من ذلك، في سورة الحج في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَآءِ ﴾ [ الحج : ٣١ ] الآية.

قوله تعالى :﴿ فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أمري إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ فَوقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُواْ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ﴾ [ ٤٤- ٤٥ ].
التحقيق الذي لا شك فيه، أن هذا الكلام، من كلام مؤمن آل فرعون الذي ذكر الله عنه، وليس لموسى فيه دخل.
وقوله ﴿ فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُمْ ﴾، يعني أنهم يوم القيامة، يعلمون صحة ما كان يقول لهم، ويذكرون نصيحته، فيندمون حيث لا ينفع الندم، والآيات الدالة على مثل هذا من أن الكفار تنكشف لهم يوم القيامة حقائق ما كانوا يكذبون به في الدنيا كثيرة، كقوله تعالى :﴿ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [ الأنعام : ٦٦-٦٧ ] وقوله تعالى :﴿ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ ﴾ [ ص : ٨٨ ]. وقوله تعالى :﴿ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ﴾ [ النبأ : ٤ -٥ ] وقوله تعالى :﴿ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [ التكاثر : ٣ -٤ ]. وقوله تعالى :﴿ فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾ [ ق : ٢٢ ] إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :﴿ وَأُفَوِّضُ أمري إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ فَوقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُواْ ﴾ دليل واضح على أن التوكل الصادق على الله،
وتفويض الأمور إليه، سبب للحفظ والوقاية من كل سوء، وقد تقرر في الأصول أن الفاء من حروف التعليل، كقولهم سها فسجد، أي سجد لعلة سهوه، وسرق فقطعت يده، أي لعلة سرقته، كما قدمناه مراراً.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة، من كون التوكل على الله سبباً للحفظ، والوقاية من السوء، جاء مبيناً في آيات أخر، كقوله تعالى ﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [ الطلاق : ٣ ]. وقوله تعالى :﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ﴾ [ آل عمران : ١٧٣-١٧٤ ].
وقد ذكرنا الآيات الدالة على ذلك بكثرة، في أول سورة بني إسرائيل، في الكلام على قوله تعالى ﴿ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دوني وَكِيلاً ﴾ [ الإسراء : ٢ ].
والظاهر أن ما في قوله ﴿ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُواْ ﴾ مصدرية، أي فوقاه الله سيئات مكرهم، أي أضرار مكرهم وشدائده، والمكر : الكيد.
فقد دلت هذه الآية الكريمة، على أن فرعون وقومه أرادوا أن يمكروا بهذا المؤمن الكريم وأن الله وقاه، أي حفظه ونجاه، من أضرار مكرهم وشدائده بسبب توكله على الله، وتفويضه أمره إليه.
وبعض العلماء يقول : نجاه الله منهم مع موسى وقومه وبعضهم يقول : صعد جبلاً فأعجزهم الله عنه ونجاه منهم، وكل هذا لا دليل عليه، وغاية ما دل عليه القرآن أن الله وقاه سيئات مكرهم، أي حفظه ونجاه منها.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :﴿ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ﴾ معناه أنهم لما أرادوا أن يمكروا بهذا المؤمن، وقاه الله مكرهم، ورد العاقبة السيئة عليهم، فرد سوء مكرهم إليهم، فكان المؤمن المذكور ناجياً، في الدنيا والآخرة وكان فرعون وقومه هالكين، في الدنيا والآخرة والبرزخ.
فقال في هلاكهم في الدنيا :﴿ وَأَغْرَقْنَآ ءَالَ فِرْعَونَ ﴾ [ الأنفال : ٥٤ ] الآية، وأمثالها من الآيات.
وقال في مصيرهم في البرزخ ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً ﴾ [ غافر : ٤٦ ].
وقال في عذابهم في الآخرة :﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُواْ ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [ غافر : ٤٦ ].
وما دلت عليه هذه الآية الكريمة، من حيق المكر السيىء، بالماكر أوضحه تعالى في قوله ﴿ وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ ﴾ [ فاطر : ٤٣ ].
والعرب تقول حاق به المكروه يحيق به حيقاً وحيوقاً، إذا نزل به وأحاط به، ولا يطلق إلا على إحاطة المكروه خاصة.
يقال حاق به السوء والمكروه، ولا يقال حاق به الخير، فمادة الحيق من الأجوف الذي هو يائي العين، والوصف منه حائق على القياس، ومنه قول الشاعر :
فأوطأ جُرْد الخيل عقر دِيارِهم وحاقَ بهمْ من يأس ضبَّة حائقُ
وقد قدمنا أن وزن السيئة بالميزان الصرفي، فيعلة من السوء فأدغمت ياء الفيعلة الزائدة في الواو، التي هي عين الكلمة، بعد إبدال الواو ياء على القاعدة التصريفية المشار إليها، في الخلاصة بقوله :
إن يسكن السابق من وَاوٍ وَيَا واتصلا ومن عروض عَرِيَا
فياء الواو فليِّنْ مدغما وشذَّ معطي غير ما قد رسما
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٤:قوله تعالى :﴿ فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أمري إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ فَوقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُواْ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ﴾ [ ٤٤- ٤٥ ].
التحقيق الذي لا شك فيه، أن هذا الكلام، من كلام مؤمن آل فرعون الذي ذكر الله عنه، وليس لموسى فيه دخل.
وقوله ﴿ فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُمْ ﴾، يعني أنهم يوم القيامة، يعلمون صحة ما كان يقول لهم، ويذكرون نصيحته، فيندمون حيث لا ينفع الندم، والآيات الدالة على مثل هذا من أن الكفار تنكشف لهم يوم القيامة حقائق ما كانوا يكذبون به في الدنيا كثيرة، كقوله تعالى :﴿ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [ الأنعام : ٦٦-٦٧ ] وقوله تعالى :﴿ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ ﴾ [ ص : ٨٨ ]. وقوله تعالى :﴿ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ﴾ [ النبأ : ٤ -٥ ] وقوله تعالى :﴿ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [ التكاثر : ٣ -٤ ]. وقوله تعالى :﴿ فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾ [ ق : ٢٢ ] إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :﴿ وَأُفَوِّضُ أمري إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ فَوقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُواْ ﴾ دليل واضح على أن التوكل الصادق على الله،
وتفويض الأمور إليه، سبب للحفظ والوقاية من كل سوء، وقد تقرر في الأصول أن الفاء من حروف التعليل، كقولهم سها فسجد، أي سجد لعلة سهوه، وسرق فقطعت يده، أي لعلة سرقته، كما قدمناه مراراً.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة، من كون التوكل على الله سبباً للحفظ، والوقاية من السوء، جاء مبيناً في آيات أخر، كقوله تعالى ﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [ الطلاق : ٣ ]. وقوله تعالى :﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ﴾ [ آل عمران : ١٧٣-١٧٤ ].
وقد ذكرنا الآيات الدالة على ذلك بكثرة، في أول سورة بني إسرائيل، في الكلام على قوله تعالى ﴿ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دوني وَكِيلاً ﴾ [ الإسراء : ٢ ].
والظاهر أن ما في قوله ﴿ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُواْ ﴾ مصدرية، أي فوقاه الله سيئات مكرهم، أي أضرار مكرهم وشدائده، والمكر : الكيد.
فقد دلت هذه الآية الكريمة، على أن فرعون وقومه أرادوا أن يمكروا بهذا المؤمن الكريم وأن الله وقاه، أي حفظه ونجاه، من أضرار مكرهم وشدائده بسبب توكله على الله، وتفويضه أمره إليه.
وبعض العلماء يقول : نجاه الله منهم مع موسى وقومه وبعضهم يقول : صعد جبلاً فأعجزهم الله عنه ونجاه منهم، وكل هذا لا دليل عليه، وغاية ما دل عليه القرآن أن الله وقاه سيئات مكرهم، أي حفظه ونجاه منها.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :﴿ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ﴾ معناه أنهم لما أرادوا أن يمكروا بهذا المؤمن، وقاه الله مكرهم، ورد العاقبة السيئة عليهم، فرد سوء مكرهم إليهم، فكان المؤمن المذكور ناجياً، في الدنيا والآخرة وكان فرعون وقومه هالكين، في الدنيا والآخرة والبرزخ.
فقال في هلاكهم في الدنيا :﴿ وَأَغْرَقْنَآ ءَالَ فِرْعَونَ ﴾ [ الأنفال : ٥٤ ] الآية، وأمثالها من الآيات.
وقال في مصيرهم في البرزخ ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً ﴾ [ غافر : ٤٦ ].
وقال في عذابهم في الآخرة :﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُواْ ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [ غافر : ٤٦ ].
وما دلت عليه هذه الآية الكريمة، من حيق المكر السيىء، بالماكر أوضحه تعالى في قوله ﴿ وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ ﴾ [ فاطر : ٤٣ ].
والعرب تقول حاق به المكروه يحيق به حيقاً وحيوقاً، إذا نزل به وأحاط به، ولا يطلق إلا على إحاطة المكروه خاصة.
يقال حاق به السوء والمكروه، ولا يقال حاق به الخير، فمادة الحيق من الأجوف الذي هو يائي العين، والوصف منه حائق على القياس، ومنه قول الشاعر :
فأوطأ جُرْد الخيل عقر دِيارِهم وحاقَ بهمْ من يأس ضبَّة حائقُ
وقد قدمنا أن وزن السيئة بالميزان الصرفي، فيعلة من السوء فأدغمت ياء الفيعلة الزائدة في الواو، التي هي عين الكلمة، بعد إبدال الواو ياء على القاعدة التصريفية المشار إليها، في الخلاصة بقوله :
إن يسكن السابق من وَاوٍ وَيَا واتصلا ومن عروض عَرِيَا
فياء الواو فليِّنْ مدغما وشذَّ معطي غير ما قد رسما

قوله تعالى :﴿ وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ في النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النَّار ِقَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُلٌّ فِيهَآ إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ ﴾ [ ٤٧ -٤٨ ].
قوله تعالى ﴿ يَتَحَآجُّونَ فِى النَّارِ ﴾ أصله يتفاعلون من الحجة أي يختصمون، ويحتج بعضهم على بعض، وما تضمنته هذه الآية الكريمة، جاء موضحاً في آيات من كتاب الله، كقوله تعالى ﴿ إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ﴾ [ ص : ٦٤ ] وقوله تعالى ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِين َقَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ بَلْ مَكْرُ الليل وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً ﴾ [ سبأ : ٣١ -٣٣ ]. وقوله تعالى :﴿ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأولاهم رَبَّنَا هؤلاء أَضَلُّونَا فَأتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ تَعْلَمُون َوَقَالَتْ أُولَاهُمْ لأخراهم فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ ﴾ [ الأعراف : ٣٨ -٣٩ ] وقوله تعالى، ﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسباب وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّا ﴾ [ البقرة : ١٦٦-١٦٧ ] وقوله تعالى :﴿ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَىْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِىَ الأمر إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لي عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لي فَلاَ تَلُومُونِى وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِىَّ إني كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ﴾ [ إبراهيم : ٢١ -٢٢ ] والآيات بمثل هذا كثيرة، وقد قدمنا الكلام عليها في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٧:قوله تعالى :﴿ وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ في النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النَّار ِقَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُلٌّ فِيهَآ إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ ﴾ [ ٤٧ -٤٨ ].
قوله تعالى ﴿ يَتَحَآجُّونَ فِى النَّارِ ﴾ أصله يتفاعلون من الحجة أي يختصمون، ويحتج بعضهم على بعض، وما تضمنته هذه الآية الكريمة، جاء موضحاً في آيات من كتاب الله، كقوله تعالى ﴿ إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ﴾ [ ص : ٦٤ ] وقوله تعالى ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِين َقَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ بَلْ مَكْرُ الليل وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً ﴾ [ سبأ : ٣١ -٣٣ ]. وقوله تعالى :﴿ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأولاهم رَبَّنَا هؤلاء أَضَلُّونَا فَأتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ تَعْلَمُون َوَقَالَتْ أُولَاهُمْ لأخراهم فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ ﴾ [ الأعراف : ٣٨ -٣٩ ] وقوله تعالى، ﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسباب وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّا ﴾ [ البقرة : ١٦٦-١٦٧ ] وقوله تعالى :﴿ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَىْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِىَ الأمر إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لي عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لي فَلاَ تَلُومُونِى وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِىَّ إني كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ﴾ [ إبراهيم : ٢١ -٢٢ ] والآيات بمثل هذا كثيرة، وقد قدمنا الكلام عليها في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك.

قوله تعالى :﴿ وَقَالَ الَّذِينَ في النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُواْ رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ الْعَذَابِ ﴾.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أن أهل النار طلبوا من خزنة جهنم أن يدعوا لهم الله أن يخفف عنهم من شدة عذاب النار.
وقد بين في سورة الزخرف أنهم نادوا مالكاً خاصة، من خزنة أهل النار، ليقضي الله عليهم، أي ليميتهم فيستريحوا بالموت من عذاب النار.
وقد أوضح جل وعلا في آيات من كتابه، أنهم لا يحابون في واحد من الأمرين.
فلا يخفف عنهم العذاب، الذي سألوا تخفيفه، في سورة المؤمن هذه.
ولا يحصل لهم الموت الذي سألوه في سورة الزخرف، فقال تعالى في عدم تخفيف العذاب عنهم في هذه الآية. ﴿ قَالُواْ أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُواْ بَلَى قَالُواْ فَادْعُواْ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ في ضَلَالٍ ﴾ [ غافر : ٥٠ ] وقال تعالى ﴿ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِى كُلَّ كَفُورٍ ﴾ [ فاطر : ٣٦ ] وقال تعالى :﴿ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً ﴾ [ النبأ : ٣٠ ] : وقال تعالى :﴿ لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ﴾ [ الزخرف : ٧٥ ] : وقال تعالى :﴿ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً ﴾ [ الفرقان : ٦٥ ] وقال تعالى :﴿ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً ﴾ [ الفرقان : ٧٧ ] وقال تعالى ﴿ لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ ﴾ [ البقرة : ١٦٢ ]. وقال تعالى :﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ﴾ [ التوبة : ٦٨ ].
وقال تعالى في عدم موتهم في النار :﴿ لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ ﴾ [ فاطر : ٣٦ ]. وقال تعالى :﴿ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ﴾ [ إبراهيم : ١٧ ]. وقال تعالى :﴿ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ ﴾ [ النساء : ٥٦ ]. وقال تعالى :﴿ إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى ﴾ [ طه : ٧٤ ]. وقال تعالى :﴿ وَيَتَجَنَّبُهَا الأشْقَى الَّذِى يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا ﴾ [ الأعلى : ١١-١٣ ] ولما قالوا ﴿ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ﴾ [ الزخرف : ٧٧ ] أجابهم بقوله :﴿ قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ ﴾ [ الزخرف : ٧٧ ].
قوله تعالى :﴿ قَالُواْ أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ ﴾.
قد قدمنا الكلام عليه مع الآيات التي بمعناه في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ﴾ [ الإسراء : ١٥ ].
قوله تعالى :﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ في الحياة الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الاٌّشْهَادُ ﴾.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة آل عمران في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَكَأَيِّن مِّن نبي قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ ﴾ [ آل عمران : ١٤٦ ] الآية، وذكرنا طرفاً من ذلك في الصافات، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِين َإِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ ﴾ [ الصافات : ١٧١-١٧٢ ] وستأتي له زيادة إيضاح إن شاء الله في سورة المجادلة.
قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِى إِسْرَاءِيلَ الْكِتَابَ هُدًى وَذِكْرَى لأولي الألباب ﴾ [ ٥٣ – ٥٤ ].
اللام في قوله :﴿ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى ﴾ موطئة للقسم وصيغة الجمع في آتينا وأورثنا للتعظيم.
والمراد بالهدى ما تضمنه التوراة من الهدى في العقائد والأعمال : وأورثنا بني إسرائيل الكتاب وهو التوارة، وقوله : هدى وذكرى لأولي الألباب مفعول من أجله أي لأجل الهدى والتذكير.
وقال بعضهم : هدى حال، وورود المصدر المنكر حالاً معروف، كما أشار له في الخلاصة بقوله :
ومصدر منكر حالاً يقع بكثرة كبغتة زيد طلع
وقال القرطبي : هدى بدل من الكتاب، أو خبر مبتدأ محذوف، وما تضمنته هذه الآية الكريمة، من أن الله أنزل التوراة على موسى وأنزل فيها الهدى لبني إسرائيل جاء موضحاً في آيات من كتاب الله، كقوله تعالى :﴿ وَءَاتَيْنَآ مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِى إِسْرَاءِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دوني وَكِيلاً ﴾ [ الإسراء : ٢ ]. وقوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلاَ تَكُن في مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِى إِسْرَاءِيلَ ﴾ [ السجدة : ٢٣ ] الآية. وقوله تعالى :﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ والأحبار ﴾ [ المائدة : ٤٤ ] وقوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولى بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [ القصص : ٤٣ ] وقوله تعالى :﴿ ثُمَّ ءاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الذي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لّكُلّ شيء وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاء رَبّهِمْ يُؤْمِنُونَ ﴾. وقوله تعالى :﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ في الألواح مِن كُلّ شيء مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لّكُلّ شيء ﴾ الآية. إلى غير ذلك من الآيات.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٣:قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِى إِسْرَاءِيلَ الْكِتَابَ هُدًى وَذِكْرَى لأولي الألباب ﴾ [ ٥٣ – ٥٤ ].
اللام في قوله :﴿ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى ﴾ موطئة للقسم وصيغة الجمع في آتينا وأورثنا للتعظيم.
والمراد بالهدى ما تضمنه التوراة من الهدى في العقائد والأعمال : وأورثنا بني إسرائيل الكتاب وهو التوارة، وقوله : هدى وذكرى لأولي الألباب مفعول من أجله أي لأجل الهدى والتذكير.
وقال بعضهم : هدى حال، وورود المصدر المنكر حالاً معروف، كما أشار له في الخلاصة بقوله :
ومصدر منكر حالاً يقع بكثرة كبغتة زيد طلع
وقال القرطبي : هدى بدل من الكتاب، أو خبر مبتدأ محذوف، وما تضمنته هذه الآية الكريمة، من أن الله أنزل التوراة على موسى وأنزل فيها الهدى لبني إسرائيل جاء موضحاً في آيات من كتاب الله، كقوله تعالى :﴿ وَءَاتَيْنَآ مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِى إِسْرَاءِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دوني وَكِيلاً ﴾ [ الإسراء : ٢ ]. وقوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلاَ تَكُن في مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِى إِسْرَاءِيلَ ﴾ [ السجدة : ٢٣ ] الآية. وقوله تعالى :﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ والأحبار ﴾ [ المائدة : ٤٤ ] وقوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولى بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [ القصص : ٤٣ ] وقوله تعالى :﴿ ثُمَّ ءاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الذي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لّكُلّ شيء وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاء رَبّهِمْ يُؤْمِنُونَ ﴾. وقوله تعالى :﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ في الألواح مِن كُلّ شيء مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لّكُلّ شيء ﴾ الآية. إلى غير ذلك من الآيات.

قوله تعالى :﴿ إِن في صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ ﴾.
قد قدمنا إيضاحه في سورة الأعراف، في الكلام على قوله تعالى :﴿ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا ﴾ [ الأعراف : ١٣ ]، وذكرنا هناك بعض النتائج السيئة الناشئة عن الكبر.
قوله تعالى :﴿ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ﴾.
قد قدمنا أن هذه الآية من البراهين الدالة على البعث، وأوضحنا كل البراهين الدالة على البعث بالآيات القرآنية بكثرة في سورة البقرة، وسورة النحل، وأحلنا على مواضع ذلك مراراً.
قوله تعالى :﴿ وَمَا يَسْتَوِي الأعمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَلاَ المسيء ﴾.
قوله تعالى في هذه الآية الكريمة، وما يستوي الأعمى والبصير، قد قدمنا الكلام عليه في سورة هود، في الكلام على قوله تعالى :﴿ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كالأعمى والأصم وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ ﴾ [ هود : ٢٤ ] الآية.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :﴿ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَلاَ المسيء ﴾
قد قدمنا إيضاح معناه بالآيات القرآنية، في سورة ص في الكلام على قوله تعالى :﴿ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ في الأرض أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ﴾ [ ص : ٢٨ ].
قوله تعالى :﴿ إِنَّ السَّاعَةَ لآتية لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الفرقان، في الكلام على قوله تعالى :﴿ بَلْ كَذَّبُواْ بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً ﴾ [ الفرقان : ١١ ].
قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَبُّكُمْ ادعوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عبادتي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾.
قال بعض العلماء ﴿ ادعوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ : اعبدوني أثبكم من عبادتكم، ويدل لهذا قوله بعده :﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عبادتي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾.
وقال بعض العلماء :﴿ ادعوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ أي اسألوني أعطكم.
ولا منافاة بين القولين، لأن دعاء الله من أنواع عبادته.
وقد أوضحنا هذا المعنى، وبينا وجه الجمع بين قوله تعالى :﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [ البقرة : ١٨٦ ] مع قوله تعالى :﴿ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ ﴾ [ الأنعام : ٤١ ] فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
قوله تعالى :﴿ اللَّهُ الذي جَعَلَ لَكُمُ الليل لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ﴾.
قد قدمنا إيضاحه بالآيات القرآنية، في سورة الفرقان في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَهُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ الليل لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً ﴾ [ الفرقان : ٤٧ ] وفي سورة بني إسرائيل، في الكلام على قوله تعالى :﴿ فَمَحَوْنَآ ءَايَةَ الليل وَجَعَلْنَآ ءَايَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ [ الإسراء : ١٢ ].
قوله تعالى :﴿ هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخاً وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُواْ أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾.
قد قدمنا إيضاحه بالآيات القرآنية، في سورة الحج في الكلام على قوله تعالى :﴿ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ في رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ﴾ [ الحج : ٥ ] الآية، وفي غير ذلك من المواضع.
قوله تعالى :﴿ فَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ ﴾.
قد قدمنا إيضاحه بالآيات القرآنية في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا قَوْلُنَا لشيء إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [ النحل : ٤٠ ]. وبينا أوجه القراءة في قوله : فيكون هناك.
قوله تعالى :﴿ ادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴾.
لم يبين هنا جل وعلا عدد أبواب جهنم، ولكنه بين ذلك في سورة الحجر، في قوله تعالى :﴿ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِين َلَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ ﴾ [ الحجر : ٤٣ -٤٤ ].
قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ﴾.
ما تضمنته هذه الآية الكريمة، من أن الله تبارك وتعالى قص على نبيه صلى الله عليه وسلم، أنباء بعض الرسل، أي كنوح وهود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، وشعيب، وموسى، وأنه لم يقصص عليه أنباء رسل آخرين، بينه في في غير هذا الموضع، كقوله في سورة النساء :﴿ وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً ﴾ [ النساء : ١٦٤ ]، وأشار إلى ذلك في سورة إبراهيم في قوله :﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ﴾ [ إبراهيم : ٩ ]. وفي سورة الفرقان في قوله تعالى :﴿ وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَالِكَ كَثِيراً ﴾ [ الفرقان : ٣٨ ] إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى :﴿ فَإِذَا جَآءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِىَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ ﴾.
قوله هنا : فإذا جاء أمر الله أي قامت القيامة، كما قدمنا إيضاحه في قوله تعالى :﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾ [ النحل : ١ ] أي فإذا قامت القيامة، قضى بين الناس بالحق الذي لا يخالطه حيف ولا جور، كما قال تعالى :﴿ وَأَشْرَقَتِ الأرض بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وجيء بِالنَّبِيِّيْنَ وَالشُّهَدَآءِ وَقُضِىَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ ﴾ [ الزمر : ٦٩ ] الآية.
وقال تعالى :﴿ وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِىَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ ﴾ [ الزمر : ٧٥ ].
والحق المذكور في هذه الآيات : هو المراد بالقسط المذكور في سورة يونس في قوله تعالى :﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَآءَ رَسُولُهُمْ قُضِىَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ﴾ [ يونس : ٤٧ ].
وما تضمنته هذه الآية الكريمة، من أنه إذا قامت القيامة يخسر المبطلون، أوضحه جل وعلا في سورة الجاثية في قوله تعالى :﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ والأرض وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاَعةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ ﴾ [ الجاثية : ٢٧ ].
والمبطل هو : من مات مصراً على الباطل.
وخسران المبطلين المذكور هنا، قد قدمنا بيانه في سورة يونس، في الكلام على قوله تعالى :﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ اللَّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ ﴾ [ يونس : ٤٥ ].
قوله تعالى :﴿ اللَّهُ الذي جَعَلَ لَكُمُ الأنعام لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً في صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ﴾ [ ٧٩ – ٨٠ ].
قد قدمنا أن لفظة جعل، تأتي في اللغة العربية لأربعة معان، ثلاثة منها في القرآن.
الأول : إتيان جعل بمعنى اعتقد، ومنه قوله تعالى :﴿ وَجَعَلُواْ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَانِ إِنَاثاً ﴾ [ الزخرف : ١٩ ] أي اعتقدوهم إناثاً، ومعلوم أن هذه تنصب المبتدأ والخبر.
الثاني : جعل بمعنى صيَّر، كقوله :﴿ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ ﴾ [ الأنبياء : ١٥ ] وهذه تنصب المبتدأ والخبر أيضاً.
الثالث : جعل بمعنى خلق، كقوله تعالى :﴿ الْحَمْدُ للَّهِ الذي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرض وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ﴾ [ الأنعام : ١ ] أي خلق السماوات والأرض وخلق الظلمات والنور.
والظاهر، أن منه قوله هنا :﴿ اللَّهُ الذي جَعَلَ لَكُمُ الأنعام ﴾ أي خلق لكم الأنعام، ويؤيد ذلك قوله تعالى :﴿ والأنعام خَلَقَهَا لَكُمْ ﴾ [ النحل : ٥ ]، وقوله :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً ﴾ [ يس : ٧١ ] الآية.
الرابع : وهو الذي ليس في القرآن جعل بمعنى شرع، ومنه قوله :
وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني ثوبي فانهض نهض الشارب السَّكِرِ
وما ذكره الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة، من الامتنان بهذه النعم الكثيرة، التي أنعم عليهم بها، بسبب خلقه لهم الأنعام وهي الذكور والإناث، من الإبل والبقر والضأن والمعز، كما قدمنا إيضاحه في سورة آل عمران في الكلام على قوله : والأنعام والحرث بينه أيضاً في مواضع أخر، كقوله تعالى :﴿ والأنعام خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ ﴾ [ النحل : ٥ -٧ ]. والدفء ما يتدفؤون به في الثياب المصنوعة من جلود الأنعام وأوبارها وأشعارها وأصوافها.
وقوله تعالى :﴿ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ الأنعام بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ ﴾ [ النحل : ٨٠ ]. وقوله تعالى :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أفلا يشكرون ﴾ [ يس : ٧١ -٧٣ ]، وقوله تعالى :﴿ وَإِنَّ لَكُمْ في الأنعام لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا في بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ ﴾ [ النحل : ٦٦ ]. وقوله تعالى :﴿ وَإِنَّ لَكُمْ في الأنعام لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا في بُطُونِهَا وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ﴾ [ المؤمنون : ٢١-٢٢ ]. وقوله تعالى :﴿ وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ﴾ إلى قوله : ﴿ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بهذا ﴾ [ الأنعام : ١٤٢ -١٤٤ ] وقوله تعالى :﴿ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ الأنعام ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ﴾ [ الزمر : ٦ ] الآية. وقوله تعالى :﴿ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الأنعام أَزْواجاً ﴾ [ الزمر : ٦ ] الآية. وقوله تعالى :﴿ والذي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الْفُلْكِ والأنعام مَا تَرْكَبُونَ ﴾ [ الزخرف : ١٢ ] الآية، إلى غير ذلك من الآيات.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٩:قوله تعالى :﴿ اللَّهُ الذي جَعَلَ لَكُمُ الأنعام لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً في صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ﴾ [ ٧٩ – ٨٠ ].
قد قدمنا أن لفظة جعل، تأتي في اللغة العربية لأربعة معان، ثلاثة منها في القرآن.
الأول : إتيان جعل بمعنى اعتقد، ومنه قوله تعالى :﴿ وَجَعَلُواْ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَانِ إِنَاثاً ﴾ [ الزخرف : ١٩ ] أي اعتقدوهم إناثاً، ومعلوم أن هذه تنصب المبتدأ والخبر.
الثاني : جعل بمعنى صيَّر، كقوله :﴿ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ ﴾ [ الأنبياء : ١٥ ] وهذه تنصب المبتدأ والخبر أيضاً.
الثالث : جعل بمعنى خلق، كقوله تعالى :﴿ الْحَمْدُ للَّهِ الذي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرض وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ﴾ [ الأنعام : ١ ] أي خلق السماوات والأرض وخلق الظلمات والنور.
والظاهر، أن منه قوله هنا :﴿ اللَّهُ الذي جَعَلَ لَكُمُ الأنعام ﴾ أي خلق لكم الأنعام، ويؤيد ذلك قوله تعالى :﴿ والأنعام خَلَقَهَا لَكُمْ ﴾ [ النحل : ٥ ]، وقوله :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً ﴾ [ يس : ٧١ ] الآية.
الرابع : وهو الذي ليس في القرآن جعل بمعنى شرع، ومنه قوله :
وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني ثوبي فانهض نهض الشارب السَّكِرِ
وما ذكره الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة، من الامتنان بهذه النعم الكثيرة، التي أنعم عليهم بها، بسبب خلقه لهم الأنعام وهي الذكور والإناث، من الإبل والبقر والضأن والمعز، كما قدمنا إيضاحه في سورة آل عمران في الكلام على قوله : والأنعام والحرث بينه أيضاً في مواضع أخر، كقوله تعالى :﴿ والأنعام خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ ﴾ [ النحل : ٥ -٧ ]. والدفء ما يتدفؤون به في الثياب المصنوعة من جلود الأنعام وأوبارها وأشعارها وأصوافها.
وقوله تعالى :﴿ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ الأنعام بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ ﴾ [ النحل : ٨٠ ]. وقوله تعالى :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أفلا يشكرون ﴾ [ يس : ٧١ -٧٣ ]، وقوله تعالى :﴿ وَإِنَّ لَكُمْ في الأنعام لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا في بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ ﴾ [ النحل : ٦٦ ]. وقوله تعالى :﴿ وَإِنَّ لَكُمْ في الأنعام لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا في بُطُونِهَا وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ﴾ [ المؤمنون : ٢١-٢٢ ]. وقوله تعالى :﴿ وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ﴾ إلى قوله :﴿ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بهذا ﴾ [ الأنعام : ١٤٢ -١٤٤ ] وقوله تعالى :﴿ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ الأنعام ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ﴾ [ الزمر : ٦ ] الآية. وقوله تعالى :﴿ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الأنعام أَزْواجاً ﴾ [ الزمر : ٦ ] الآية. وقوله تعالى :﴿ والذي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الْفُلْكِ والأنعام مَا تَرْكَبُونَ ﴾ [ الزخرف : ١٢ ] الآية، إلى غير ذلك من الآيات.

قوله تعالى :﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ في الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾.
قد ذكرنا الآيات الموضحة له في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك، وبينا مواضعها في سورة الروم، في الكلام على قوله تعالى :﴿ أَوَلَمْ يَسيرُواْ في الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ [ الروم : ٩ ] الآية.
قوله تعالى :﴿ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ التي قَدْ خَلَتْ في عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ ﴾.
قد قدمنا إيضاحه بالآيات القرآنية، في سورة يونس في الكلام على قوله تعالى :﴿ أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءَامَنْتُمْ بِهِ الآن وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ﴾ [ يونس : ٥١ ]، وفي سورة ص في الكلام على قوله تعالى ﴿ فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ ﴾ [ ص : ٣ ].
Icon