تفسير سورة الإنشقاق

تفسير البيضاوي
تفسير سورة سورة الإنشقاق من كتاب أنوار التنزيل وأسرار التأويل المعروف بـتفسير البيضاوي .
لمؤلفه البيضاوي . المتوفي سنة 685 هـ
سورة الانشقاق مكية وآيها خمس وعشرون آية.

(٨٤) سورة الانشقاق
مكية وآيها خمس وعشرون آية
[سورة الانشقاق (٨٤) : الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (١) وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (٢) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣) وَأَلْقَتْ مَا فِيها وَتَخَلَّتْ (٤)
وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (٥)
إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ بالغمام كقوله تعالى: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ
وعن علي رضي الله تعالى عنه: تنشق من المجرة.
وَأَذِنَتْ لِرَبِّها واستمعت له أي انقادت لتأثير قدرته حين أراد انشقاقها انقياد المطواع الذي يأذن للآمر ويذعن له. وَحُقَّتْ وجعلت حقيقة بالاستماع والانقياد يقال: حق بكذا فهو محقوق وحقيق.
وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ بسطت بأن تزال جبالها وآكامها.
وَأَلْقَتْ ما فِيها ما في جوفها من الكنوز والأموات وَتَخَلَّتْ وتكلفت في الخلو أقصى جهدها حتى لم يبق شيء في باطنها.
وَأَذِنَتْ لِرَبِّها في الإِلقاء والتخلي. وَحُقَّتْ للإِذن وتكرير إِذَا لاستقلال كل من الجملتين بنوع من القدرة، وجوابه محذوف للتهويل بالإِبهام أو الاكتفاء بما مر في سورتي «التكوير» و «الانفطار» أو لدلالة قوله.
[سورة الانشقاق (٨٤) : الآيات ٦ الى ٩]
يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (٦) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (٧) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (٨) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (٩)
يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ عليه وتقديره لاقى الإِنسان كدحه أي جهداً يؤثر فيه من كدحه إذا خدشه، أو فَمُلاقِيهِ ويا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ اعتراض، والكدح إليه السعي إلى لقاء جزائه.
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً سهلاً لا يناقش فيه.
وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً إلى عشيرته المؤمنين، أو فريق المؤمنين، أو أَهْلِهِ في الجنة من الحور.
[سورة الانشقاق (٨٤) : الآيات ١٠ الى ١٢]
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (١٠) فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (١١) وَيَصْلى سَعِيراً (١٢)
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ أي يؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره. قيل تغل يمناه إلى عنقه وتجعل يسراه وراء ظهره.
فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً يتمنى الثبور ويقول يا ثبوراه وهو الهلاك.
وَيَصْلى سَعِيراً وقرأ الحجازيان والشامي وَيَصْلى لقوله: وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ وقرئ «ويصلى» لقوله: ونصليه جهنم.
[سورة الانشقاق (٨٤) : الآيات ١٣ الى ١٥]
إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (١٣) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤) بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً (١٥)
إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ أي في الدنيا. مَسْرُوراً بطراً بالمال والجاه فارغاً عن الآخرة.
إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ لن يرجع إلى الله تعالى.
بَلى إيجاب لما بعد لَنْ. إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً عالماً بأعماله فلا يهمله بل يرجعه ويجازيه.
[سورة الانشقاق (٨٤) : الآيات ١٦ الى ١٩]
فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (١٦) وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ (١٧) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (١٩)
فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ الحمرة التي ترى في أفق المغرب بعد الغروب. وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى:
أنه البياض الذي يليها، سمي به لرقته من الشفقة.
وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ وما جمعه وستره من الدواب وغيرها يقال: وسقه فاتسق واستوسق، قال:
مُسْتَوْسِقَاتٍ لَوْ يَجِدْنَ سَائِقاً. أو طرده إلى أماكنه من الوسيقة.
وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ اجتمع وتم بدراً.
لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ حالاً بعد حال مطابقة لأختها في الشدة، وهو لما طابق غيره فقيل للحال المطابقة، أو مراتب من الشدة بعد المراتب هي الموت ومواطن القيامة وأهوالها، أو هي وما قبلها من الدواهي على أنه جمع طبقة. وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي لَتَرْكَبُنَّ بالفتح على خطاب الإنسان باعتبار اللفظ، أو الرسول عليه الصلاة والسلام على معنى لَتَرْكَبُنَّ حالاً شريفة ومرتبة عالية بعد حال ومرتبة، أو طَبَقاً من أطباق السماء بعد طبق ليلة المعراج وبالكسر على خطاب النفس، وبالياء على الغيبة وعَنْ طَبَقٍ صفة ل طَبَقاً أو حال من الضمير بمعنى مجاوز ال طَبَقٍ أو مجاوزين له.
[سورة الانشقاق (٨٤) : الآيات ٢٠ الى ٢١]
فَما لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (٢١)
فَما لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ بيوم القيامة.
وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لاَ يَسْجُدُونَ لا يخضعون أو لاَ يَسْجُدُونَ لتلاوته. لما
روي: أنه عليه الصلاة والسلام قرأ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ فسجد بمن معه من المؤمنين، وقريش تصفق فوق رؤوسهم فنزلت.
واحتج به أبو حنيفة على وجوب السجود فإنه ذم لمن سمعه ولم يسجد.
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه سجد فيها وقال: والله ما سجدت فيها إلا بعد أن رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يسجد فيها.
[سورة الانشقاق (٨٤) : الآيات ٢٢ الى ٢٥]
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (٢٣) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢٤) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٢٥)
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ أي بالقرآن.
298
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ بما يضمرون في صدورهم من الكفر والعداوة.
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ استهزاء بهم.
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ استثناء منقطع أو متصل، والمراد من تاب وآمن منهم. لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ مقطوع أو مَمْنُونٍ به عليهم.
وعن النبي صلّى الله عليه وسلم «من قرأ سورة الانشقاق أعاذه الله أن يعطيه كتابه وراء ظهره».
299
Icon