ﰡ
(مكية وهي خمس وعشرون آية ومائة وسبع كلمات وأربعمائة وثلاثون حرفا) بسم الله الرّحمن الرّحيم
[سورة الانشقاق (٨٤): الآيات ١ الى ٧]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (١) وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (٢) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣) وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ (٤)وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (٥) يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (٦) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (٧)
قوله عز وجل: إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ يعني عند قيام السّاعة وهي من علاماتها وَأَذِنَتْ لِرَبِّها أي سمعت أمر ربها بالانشقاق، وأطاعته من الأذن وهو الاستماع وَحُقَّتْ أي حق لها أن تطيع أمر ربها وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ يعني مد الأديم العكاظي وزيد في سعتها، وقيل سويت فلا يبقى فيها بناء ولا جبل وَأَلْقَتْ ما فِيها أي أخرجت ما في بطنها من الموتى والكنوز وَتَخَلَّتْ أي من ذلك الذي كان في بطنها من الموتى والكنوز وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ واختلفوا في جواب إذا فقيل جوابه محذوف تقديره إذا كان هذه الأشياء يرى الإنسان الثواب أو العقاب، وقيل جوابه يا أيّها الإنسان إنك كادح والمعنى إذا انشقت السّماء لقي كل كادح ما عمله وقيل جوابه وأذنت وحينئذ تكون الواو زائدة يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً أي ساع إليه في عملك سعيا والكدح عمل الإنسان وجهده في الأمرين الخير والشّر، وقيل معناه عامل لربك عملا وقيل معناه إنك كادح في لقاء ربك وهو الموت، والمعنى أن هذا الكدح يستمر بك إلى الموت، وقيل معناه إنك تكدح في دنياك كدحا تصير به إلى ربك. فَمُلاقِيهِ أي فملاق جزاء عملك.
[سورة الانشقاق (٨٤): الآيات ٨ الى ١٧]
فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (٨) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (٩) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (١٠) فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (١١) وَيَصْلى سَعِيراً (١٢)
إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (١٣) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤) بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً (١٥) فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (١٦) وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ (١٧)
فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً سوف من الله واجب والحساب اليسير هو أن تعرض عليه أعماله، فيعرف بالطاعة، والمعصية ثم يثاب على الطاعة، ويتجاوز له عن المعصية فهذا هو الحساب اليسير لأنه لا شدة فيه على صاحبه، ولا مناقشة ولا يقال له لم فعلت هذا ولا يطالب بالعذر فيه، ولا الحجة عليه فإنه متى طولب بذلك لم يجد عذرا، ولا حجة فيفتضح (ق) عن ابن أبي مليكة أن عائشة كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: من حوسب عذب قال: فقلت، أو ليس يقول الله عز وجل فسوف يحاسب حسابا
وأما الشّفق فقال مجاهد : هو النهار كله وحجته في ذلك أنه عطف عليه فيجب أن يكون المذكور أولاً هو النهار فعلى هذا الوجه يكون القسم باللّيل والنهار اللذين فيهما معاش العالم وسكونه، وقيل هو ما بقي من النّهار وقال ابن عباس، وأكثر المفسرين : هو الحمرة التي تبقى في الأفق بعد غروب الشّمس، وهو مذهب عامة العلماء، وقيل هو البياض الذي يعقب تلك الحمرة وهو مذهب أبي حنيفة.
وأما الشّفق فقال مجاهد: هو النهار كله وحجته في ذلك أنه عطف عليه فيجب أن يكون المذكور أولا هو النهار فعلى هذا الوجه يكون القسم باللّيل والنهار اللذين فيهما معاش العالم وسكونه، وقيل هو ما بقي من النّهار وقال ابن عباس، وأكثر المفسرين: هو الحمرة التي تبقى في الأفق بعد غروب الشّمس، وهو مذهب عامة العلماء، وقيل هو البياض الذي يعقب تلك الحمرة وهو مذهب أبي حنيفة وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ أي جمع وضم ما كان منتشرا بالنهار من الخلق والدواب والهوام وذلك أن اللّيل إذا أقبل أوى كل شيء إلى مأواه، وقيل وما عمل فيه ويحتمل أن يكون ذلك تهجد العباد، فيجوز أن يقسم به.
[سورة الانشقاق (٨٤): الآيات ١٨ الى ٢١]
وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (١٩) فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (٢١)
وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ أي اجتمع وتم نوره وذلك في الأيام البيض، وقيل استدار واستوى، ولما ذكر المقسم به أتبعه بالمقسم عليه فقال تعالى لَتَرْكَبُنَّ قرئ بفتح الباء وهو خطاب الواحد والمعنى لتركبن يا محمد طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ يعني سماء بعد سماء وقد فعل الله ذلك معه ليلة أسري به، فأصعده سماء بعد سماء، وقيل درجة بعد درجة، ورتبة بعد رتبة في القرب من الله تعالى: وقيل معناه لتركبن حالا بعد حال (خ) عن ابن عباس قال:
لتركبن طبقا عن طبق حالا بعد حال هذا لنبيكم صلّى الله عليه وسلّم ومعنى هذا يكون لك الظفر والغلبة على المشركين حتى يختم لك بجميل العاقبة فلا يحزنك تكذيبهم وتماديهم في كفرهم وقرئ لتركبن بضم الباء، وهو الأشبه ويكون خطاب الجمع والمعنى لتركبن أيّها النّاس حالا بعد حال وأمرا بعد أمر، وذلك في موقف القيامة تتقلب بهم الأحوال فيصيرون في الآخرة على غير الحال التي كانوا عليها في الدنيا. وقال ابن عباس يعني الشّدائد وأهوال الموت ثم البعث ثم العرض، وقيل حال الإنسان حالا بعد حال رضيع ثم فطيم ثم غلام ثم شاب ثم كهل ثم شيخ، وقيل معناه لتركبن سنن من كان قبلكم وأحوالهم. (ق) عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال «لتتبعن سنن من كان قبلكم وأحوالهم شبرا بعد شبر وذراعا بعد ذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم قلنا يا رسول الله اليهود والنّصارى قال فمن»، وقيل في معنى الآية إنه أراد به السّماء تتغير لونا بعد لون فتصير تارة وردة كالدّهان وتارة كالمهل وتنشق مرة وتطوي أخرى فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ يعني بالبعث والحساب وهو استفهام إنكار وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ يعني لا يصلون فعبر بالسّجود عن الصّلاة لأنه جزء منها، وقيل أراد به سجود التلاوة وهذه السّجدة أحد سجدات القرآن عند الشّافعي ومن وافقه (ق) عن رافع قال «صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ فسجد، فقلت ما هذا قال: سجدت بها خلف أبي القاسم صلّى الله عليه وسلّم فلا أزال
[سورة الانشقاق (٨٤): الآيات ٢٢ الى ٢٥]
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (٢٣) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢٤) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٢٥)
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ يعني بالقرآن والبعث وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ يعني يجمعون في صدورهم من التكذيب فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ يعني على عنادهم وكفرهم إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ يعني غير مقطوع ولا منقوص في الآخرة، والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه.