ﰡ
وقوله تعالى :﴿ وَمَا تَغِيضُ الأرحام وَمَا تَزْدَادُ ﴾، قال البخاري، عن ابن عمر، أن رسول الله ﷺ :« مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله، لا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله »، وقال ابن عباس :﴿ وَمَا تَغِيضُ الأرحام ﴾ يعني السقط ﴿ وَمَا تَزْدَادُ ﴾، يقول : ما زادت الرحم في الحمل على ما غاضت حتى ولدته تماماً، وذلك أن من النساء من تحمل عشرة أشهر، ومن تحمل تسعة أشهر، ومنهن من تزيد من الحمل، ومنهم من تنقص، فلذلك الغيض والزيادة التي ذكر الله تعالى وكل ذلك بعلمه تعالى، وعنه : ما نقصت من تسعة وما زاد عليها، وقال الضحاك : وضعتني أمي وقد حملتني في بطنها سنتين، وولدتني وقد نبتت ثنيتي، وقال ابن جريج، عن عائشة قالت : لا يكون الحمل أكثر من سنتين قدر ما يتحرك ظل مغزل، وقال مجاهد :﴿ وَمَا تَغِيضُ الأرحام وَمَا تَزْدَادُ ﴾ قال : ما ترى من الدم في حملها وما تزاد على تسعة أشهر، وقال مجاهد أيضاً ﴿ وَمَا تَغِيضُ الأرحام ﴾ : إراقة الدم حتى يخس الولد، ﴿ وَمَا تَزْدَادُ ﴾ إن لم تهرق الدم تم الولد وعظم، وقال مكحول : الجنين في بطن أمه لا يحزن ولا يغتم، وإنما يأتيه رزقه في بطن أمه من دم حيضتها فمن ثم لا تحيض الحامل، فإذا وقع إلى الأرض استهل، واستهلاله استنكاره لمكانه، فإذا قطعت سرته حوّل الله رزقه إلى ثديي أمه، حتى لا يحزن ولا يطلب ولا يغتم، ثم يصير طفلاً يتناول الشيء بكفه فيأكله، فإذا هو بلغ قال : هو الموت أو القتل أنى لي بالرزق؟ فيقول مكحول : يا ويحك، غذاك وأنت في بطن أمك، وأنت طفل صغير، حتى إذا اشتددت وعقلت قلت : هو الموت أو القتل أنى لي بالرزق؟ ثم قرأ مكحول :﴿ الله يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أنثى ﴾ الآية، وقال قتادة :﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ ﴾ أي بأجل، حفظ أرزاق خلقه وآجالهم وجعل لذلك أجلاً معلوماً، وفي الحديث الصحيح :
وقال الإمام أحمد رحمه الله، عن عبد الله قال : قال رسول الله ﷺ :« ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة » قالوا : وإياك يا رسول الله، قال :« وإياي، ولكن الله أعانني عليه فلا يأمرني إلا بخير » وقوله :﴿ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله ﴾ قيل : المراد حفظهم له من أمر الله، قاله ابن عباس، وإليه ذهب مجاهد وسعيد بن جبير، وقال قتادة :﴿ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله ﴾ يحفظونه بأمر الله، وقال كعب الأحبار : لو تجلى لابن آدم كل سهل وكل حزن لرأى كل شيء من ذلك شيئاً يقيه، ولولا أن الله وكل بكم ملائكة يذبون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم إذاً لتُخُطفتم، قال أبو أمامة : ما من آدمي إلا ومعه ملك يذود عنه حتى يسلمه للذي قدر له. وقال أبو مجلز : جاء رجل إلى علي رضي الله عنه وهو يصلي، فقال : احترس، فإن ناساً يريدون قتلك، فقال : إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه، إن الأجل جنة حصينة.
وقد روي في سبب نزولها « أن رسول الله ﷺ بعث رجلاً مرة إلى رجل من فراعنة العرب، فقال :» اذهب فادعه لي «، قال : فذهب إليه فقال : يدعوك رسول الله ﷺ، فقال له : من رسول الله؟ وما الله؟ أمن ذهب هو، أم من فضة هو، أم من نحاس هو؟ قال : فرجع إلى رسول الله ﷺ، فأخبره، فقال : يا رسول الله قد خبرتك أنه أعتى من ذلك، قال لي : كذا وكذا. فقال لي :» ارجع إليه ثانية «، فذهب فقال له مثلها، فرجع إلى رسول الله ﷺ، فقال : يا رسول الله قد أخبرتك أنه أعتى من ذلك؛ فقال :» ارجع إليه فادعه «، فرجع إليه الثالثة قال : فأعاد عليه ذلك الكلام، فبينما هو يكلمه إذ بعث الله عزّ وجلّ سحابة حيال رأسه فرعدت، فوقعت منها صاعقة فذهبت بقحف رأسه، فأنزل الله عزّ وجلّ :﴿ وَيُرْسِلُ الصواعق ﴾ » الآية. وعن مجاهد قال : جاء يهودي فقال : يا محمد أخبرني عن ربك من أي شيء هو؟ من نحاس هو؟ أم من لؤلؤ، أو ياقوت؟ قال : فجاءت صاعقة فأخذته، وأنزل الله.
فأصبحت مما كان بيني وبينها | من الود مثل القابض الماء باليد |
وروى ابن جرير، عن شهر بن حوشب قال : طوبى شجرة في الجنة كل شجر الجنة منها أغصانها، وهكذا روى غير واحد من السلف أن طوبى شجرة في الجنة في كل دار منها غصن منها، وذكر بعضهم أن الرحمن تبارك وتعالى غرسها بيده من جبة لؤلؤة وأمرها أن تمتد، فامتدت إلى حيث يشاء الله تبارك وتعالى، وخرجت من أصلها ينابيع أنهار الجنة من عسل وخمر وماء ولبن، وروى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال :« إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها »، قال : فحدثت بها النعمان بن أبي عياش الزرقي فقال : حدثني أبو سعيد الخدري عن النبي ﷺ قال :« إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام ما يقطعها » وفي « صحيح البخاري » عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ في قول الله تعالى :﴿ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ ﴾ [ الواقعة : ٣٠ ] قال :« في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ».
وروي أن المشركين قالوا لمحمد محمد ﷺ : لو سيرت لنا جبال مكة حتى تتسع فنحرث فيها، أو قطعت لنا الأرض كما كان سليمان يقطع لقومه بالريح، أو أحييت لنا الموتى كما كان عيسى يحيى الموتى لقومه، فأنزل الله هذه الآية :﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الجبال ﴾. وقال قتادة : لو فعل هذا بقرآن غير قرآنكم لفعل بقرآنكم، وقوله :﴿ بَل للَّهِ الأمر جَمِيعاً ﴾ قال ابن عباس : أي لا يصنع من ذلك إلا ما شاء ولم يكن ليفعل. وقال غير واحد من السلف في قوله :﴿ أَفَلَمْ يَيْأَسِ الذين آمنوا ﴾ أفلم يعلم الذين آمنوا، وقوله :﴿ وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ ﴾ أي بسبب تكذيبهم لا تزال القوارع تصيبهم في الدنيا أو تصيب من حولهم ليتعظوا ويعتبروا، كما قال تعالى :
وروى الإمام أحمد والنسائي عن زيد بن أرقم قال : جاء رجل من أهل الكتاب فقال :» يا أبا القاسم، تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون؟ قال :« نعم، والذي نفس محمد بيده إن الرجل منهم ليعطي قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع والشهوة »، قال :« إن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة وليس في الجنة الأذى، قال :» تكون حاجة أحدهم رشحاً يفيض من جلودهم كريح المسك فيضمر بطنه «، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله ﷺ :
ومعنى هذه الأقوال أن الأقدار ينسخ الله ما يشاء منها ويثبت منها ما يشاء، وقد يستأنس لهذا القول بما رواه الإمام أحمد، عن ثوبان قال : قال رسول الله ﷺ :
الأرض تحيا إذا ما عاش عالمها | متى يمت عالم منها يمت طرف |
كالأرض تحيا إذا ما الغيت حلَّ بها | وإن أبي عاد في أكنافها التلف |