تفسير سورة سورة الرعد من كتاب المختصر في تفسير القرآن الكريم
المعروف بـاللغة العربية - المختصر في تفسير القرآن الكريم
.
لمؤلفه
مركز تفسير للدراسات القرآنية
.
ﰡ
﴿الٓمٓـرۚ﴾ تقدم الكلام على نظائرها في بداية سورة البقرة. هذه الآيات الرفيعة في هذه السورة، والقرآن الذي أنزله الله عليك - أيها الرسول - هو الحق الذي لا مرية فيه، ولا شك أنه من عند الله، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون به عنادًا وتكبرًا.
الله هو الذي خلق السماوات مرفوعات دون دعائم تشاهدونها، ثم علا وارتفع على العرش علوًّا يليق به سبحانه من غير تكييف ولا تمثيل، وذَلَّل الشمس والقمر لمنافع خلقه، كل من الشمس والقمر يجري لأمد محدد في علم الله، يصرف سبحانه الأمر في السماوات والأرض بما يشاء، يبين الآيات الدالة على قدرته رجاء أن توقنوا بلقاء ربكم يوم القيامة، فتستعدوا له بالعمل الصالح.
وهو سبحانه الذي بسط الأرض، وخلق فيها جبالًا ثوابت حتى لا تضطرب بالناس، ومن كل أنواع الثمرات جعل فيها صنفين كالذكر والأنثى في الحيوان، يلبس الليل النهار، فيصير مظلمًا بعدما كان منيرًا، إن في ذلك المذكور لأدلة وبراهين لقوم يتفكرون في صنع الله، ويتأملون فيه، فهم الذين ينتفعون بتلك الأدلة والبراهين.
وفي الأرض بقاع متقاربة، وفيها بساتين من أعناب، وفيها زرع، ونخلات مجتمعة في أصل واحد، ونخلات منفردات بأصلها، تُسْقَى هذه البساتين وتلك الزروع بماء واحد، ونفضل بعضها على بعض في الطعم وغيره من الفوائد على رغم تجاورها وسقيها بماء واحد، إن في ذلك المذكور لأدلة وبراهين لقوم يعقلون؛ لأنهم هم الذين يعتبرون بذلك.
وإن تتعجب - أيها الرسول - من شيء، فأحق ما تتعجب منه تكذيبهم بالبعث، وقولهم احتجاجًا لإنكاره: أإذا متنا وصرنا ترابًا وعظامًا بالية نخرة أنُبْعَث ونُعَاد أحياء؟! أولئك المنكرون للبعث بعد الموت الذين كفروا بربهم فأنكروا قدرته على بعث الموتى، وأولئك توضع السلاسل من النار في أعناقهم يوم القيامة، وأولئك هم أصحاب النار، وهم فيها ماكثون أبدًا، لا يلحقهم فناء، ولا ينقطع عنهم العذاب.
ويستعجلك - أيها الرسول - المشركون بالعقوبة، ويستبطؤون نزولها بهم قبل استكمالهم النعم التي قدرها الله لهم، وقد مضت من قبلهم عقوبات أمثالهم من الأمم المكذبة، فلم لا يعتبرون بها؟ وإن ربك - أيها الرسول - لذو تجاوز للناس مع ظلمهم، فلا يعاجلهم بالعقاب ليتوبوا إلى الله، وإنه لقوي العقاب للمُصِرِّين على كفرهم إن لم يتوبوا.
ويقول الذين كفروا بالله - تماديًا في الصدود والعناد -: هلَّا أنزل على محمد آية من ربه مثل ما أنزل على موسى وعيسى. إنما أنت - أيها الرسول - منذر تخوف الناس من عذاب الله، وليس لك من الآيات إلا ما أعطاك الله، ولكل قوم نبي يرشدهم إلى طريق الحق، ويدلهم عليه.
الله يعلم ما تحمل كل أنثى في بطنها، يعلم كلَّ شيء عنه، ويعلم ما يحصل في الأرحام من نقص وزيادة وصحة واعتلال، وكل شيء عنده سبحانه مُقَدَّر بمقدار لا يزيد عليه ولا ينقص عنه.
لأنه سبحانه عالم كل ما غاب عن حواس خلقه، وعالم كل ما تدركه حواسهم، العظيم في صفاته وأسمائه وأفعاله، المستعلي على كل مخلوق من مخلوقاته بذاته وصفاته.
يعلم السر وأخفى، يستوي في علمه من أخفى منكم - أيها الناس - القول، ومن أعلنه، ويستوي في علمه كذلك من هو مستتر بظلمة الليل عن أعين الناس، ومن هو ظاهر بأعماله في وَضَح النهار.
له سبحانه وتعالى ملائكة يَعْقُبُ بعضهم بعضًا على الإنسان، فيأتي بعضهم بالليل، وبعضهم بالنهار، يحفظون الإنسان بأمر الله من جملة الأقدار التي كتب الله لهم منعها عنه، ويكتبون أقواله وأعماله، إن الله لا يغير ما بقوم من حال طيبة إلى حال غيرها لا تسرهم حتى يغيروا ما بأنفسهم من حال الشكر، وإذا أراد الله سبحانه بقوم هلاكًا فلا راد لما أراده، وما لكم - أيها الناس - من دون الله من متولّ يتولى أموركم، فتلجؤوا إليه لدفع ما أصابكم من بلاء.
هو الذي يريكم - أيها الناس - البرق، ويجمع لكم به الخوف من الصواعق، والطمع في المطر، وهو الذي ينشئ السحاب المثقل بماء المطر الغزير.
ويسبح الرعدُ ربَّه تسبيحًا مقرونًا بحمده سبحانه، وتسبح الملائكةُ ربَّها خوفًا منه وإجلالًا وتعظيمًا له، ويرسل الصواعق المحرقة على من يشاء من مخلوقاته فيهلكه، والكفار يخاصمون في وحدانية الله، والله شديد الحول والقوة، لمن عصاه.
لله وحده دعوة التوحيد لا يشاركه فيها أحد، والأصنام التي يدعوها المشركون من دونه لا تستجيب دعاء من يدعوها في أي مسألة، وما دعاؤهم لها إلا مثل عطشان يبسط يده إلى الماء ليصل إلى فيه فيشرب منه، وما الماء بواصل إلى فيه، وما دعاء الكافرين لأصنامهم إلا في ضياع وبُعدٍ عن الصواب؛ لأنها لا تملك لهم جلب نفع، ولا دفع ضر.
ولله وحده يخضع بالسجود جميع من في السماوات ومن في الأرض، يستوي في ذلك المؤمن والكافر، غير أن المؤمن يخضع له ويسجد طوعًا، وأما الكافر فيخضع له كرهًا، وتملي عليه فطرته أن يخضع له طوعًا، وله ينقادُ ظِلُّ كلِّ ما له ظلٌّ من المخلوقات أول النهار وآخره.
قل - أيها الرسول - للكفار الذين يعبدون مع الله غيره: من خالق السماوات والأرض ومدبر أمرهما؟ قل - أيها الرسول -: الله هو خالقهما ومدبر أمرهما، وأنتم تقرون بذلك، قل - أيها الرسول - لهم: أفاتخذتم لأنفسكم أولياء من دون الله عاجزين، لا يستطيعون جلب نفع لأنفسهم، ولا كشف ضر عنها، فأنى لهم أن يستطيعوا ذلك لغيرهم؟ قل لهم - أيها الرسول -: هل يستوي الكافر الذي هو أعمى البصيرة، والمؤمن الذي هو البصير المهتدي؟ أم هل يستوي الكفر الذي هو ظلمات، والإيمان الذي هو نور؟ أم جعلوا لله سبحانه شركاء معه في الخلق خلقوا مثل خلق الله، فاختلط عندهم خلق الله بخلق شركائهم؟ قل لهم - أيها الرسول -: الله وحده هو خالق كل شيء، لا شريك له في الخلق، وهو المنفرد بالألوهية، الذي يستحق أن يفرد بالعبادة، القهار.
ضرب الله مثلًا لتلاشي الباطل وبقاء الحق بماء مطر نازل من السماء حتى سالت به الأودية، كلٌّ حسب حجمه صغرًا وكبرًا، فحمل السيل الغُثَاء والرَّغْوَة مرتفعًا فوق الماء، وضرب مثلًا آخر لهما ببعض ما يوقد الناس عليه من المعادن النفيسة ابتغاء صهرها وصنع ما يتزين الناس به، بمثل هذين المثلين يضرب الله مثل الحق والباطل، فالباطل مثل الغُثَاء والزَّبَد الطافي على الماء، ومثل ما ينفيه صهر المعدن من الصدأ، والحق مثل الماء الصافي الذي يشرب منه، وينبت الثمار والكلأ والعشب، ومثل ما بقي من المعدن بعد صهره فينتفع الناس به، كما ضرب الله هذين المثلين يضرب الله الأمثال للناس؛ ليتضح الحق من الباطل.
للمؤمنين الذين أجابوا ربهم لما دعاهم لتوحيده وطاعته المثوبة الحسنى وهي الجنة، والكفار الذين لم يجيبوا دعوته إلى توحيده وطاعته لو اتفق أن لهم ما في الأرض من أنواع المال، ولهم مثله مضافًا إليه؛ لبذلوا كل ذلك فداءً لأنفسهم من العذاب، أولئك الذين لم يجيبوا دعوته يحاسبون على سيئاتهم كلها، ومسكنهم الذي يأوون إليه جهنم، وساء فراشهم ومستقرهم الذي هو النار.
لا يستوي الذي يعلم أن ما أنزله الله عليك - أيها الرسول - من ربك هو الحق الذي لا مرية فيه، وهو المؤمن المستجيب لله، ومن هو أعمى، وهو الكافر غير المستجيب لله، إنما يعتبر ويتعظ بذلك أصحاب العقول السليمة.
الذين استجابوا لله هم الذين يوفون بما عاهدوا الله عليه أو عاهدوا عليه عباده، ولا ينكثون العهود الموثقة مع الله، أو مع غيره.
وهم الذين يَصِلُون كل ما أمر الله بوصله من الأرحام، ويخشون ربهم خشية تدفعهم إلى امتثال أوامره واجتناب نواهيه، ويخافون أن يحاسبهم الله على كل ما اكتسبوه من الإثم، فمن نوقش الحساب هلك.
وهم الذين صبروا على طاعة الله، وعلى ما قدره الله عليهم مما يسر أو يسوء، وصبروا عن معصيته طلبًا لمرضاة الله، وأدوا الصلاة على أكمل وجه، وبذلوا مما أعطيناهم من الأموال الحقوق الواجبة، وبذلوا منها تطوعًا خفية للبعد عن الرياء، وجهرًا ليتأسَّى بهم غيرهم، ويدفعون سوء من أساء إليهم بالإحسان إليه، أولئك المتصفون بهذه الصفات لهم العاقبة المحمودة يوم القيامة.
هذه العاقبة المحمودة هي جنات يقيمون فيها مُنَعَّمِين إقامة دائمة، ومن تمام نعيمهم فيها أن يدخلها معهم من استقام من آبائهم وأمهاتهم وأزواجهم وأولادهم إكمالًا لأُنْسهم بلقائهم، والملائكة يدخلون عليهم مهنئين من جميع أبواب منازلهم في الجنة.
وتحييهم الملائكة كلما دخلوا عليهم بقولهم: سلام عليكم؛ أي: سلمتم من الآفات بسبب صبركم على طاعة الله، وعلى مُرِّ أقداره، وصبركم عن معصيته، فنعم عاقبة الدار التي كانت عاقبتكم.
والذين ينكثون عهد الله من بعد توكيده، ويقطعون ما أمر الله بوصله من الأرحام، أولئك البعداء الأشقياء لهم الطرد من رحمة الله، ولهم سوء العاقبة وهو النار.
الله يوسع في الرزق لمن يشاء، ويضيق على من يشاء من عباده، وليس توسيع الرزق علامة على السعادة ولا على محبة الله، ولا ضيقه علامة على الشقاء، وفرح الكفار بالحياة الدنيا فركنوا واطمأنوا إليها، وليست الحياة الدنيا في جنب الآخرة إلا متاعًا قليلًا ذاهبًا.
ويقول الذين كفروا بالله وبآياته: هلَّا أنزل على محمد آية حسّيّة من ربه تدل على صدقه، فنؤمن به، قل - أيها الرسول - لهؤلاء المقترحين: إن الله يضل من يشاء بعدله، ويهدي إليه من رجع إليه بالتوبة بفضله، وليست الهداية بأيديهم حتى يربطوها بإنزال الآيات.
هؤلاء الذين يهديهم الله هم الذين آمنوا، وتستأنس قلوبهم بذكر الله بتسبيحه وتحميده، وبتلاوة كتابه وسماعه، ألا بذكر الله وحده تستأنس القلوب، خَلِيق بها ذلك.
وهؤلاء الذين آمنوا بالله وعملوا الأعمال الصالحة التي تقربهم إلى الله، لهم عيش طيب في الآخرة، ولهم العاقبة الحسنة وهي الجنة.
مثل هذا الإرسال الذي أرسلنا به الرسل السابقين إلى أممهم؛ أرسلناك - أيها الرسول - إلى أمتك؛ لتقرأ عليهم القرآن الذي أوحيناه إليك، فهو كاف في الدلالة على صدقك، لكن حال قومك أنهم يجحدون هذه الآية؛ لأنهم يكفرون بالرحمن حيث يشركون معه غيره، قل لهم - أيها الرسول -: الرحـمٰن الذي تشركون به غيره هو ربي الذي لا معبود بحق غيره، عليه توكلت في جميع أموري، وإليه توبتي.
ولو كان من صفات كتاب من الكتب الإلٰـهية أن تزال به الجبال عن أماكنها، أو تشقق به الأرض فتستحيل أنهارًا وعيونًا، أو يقرأ على الموتى فيصيروا أحياء - لكان هذا القرآن المنزل عليك - أيها الرسول - فهو واضح البرهان، عظيم التأثير لو أنهم كانوا أتقياء القلوب، لكنهم جاحدون. بل لله الأمر كله في إنزال المعجزات وغيرها، أفلم يعلم المؤمنون بالله أنَّه لو يشاء الله هداية الناس جميعًا دون إنزال آيات لهداهم جميعًا دونها؟ لكنه لم يشأ ذلك، ولا يزال الذين كفروا بالله تصيبهم بما عملوا من الكفر والمعاصي داهية شديدة تقرعهم، أو تنزل تلك الداهية قريبًا من دارهم، حتى يأتي وعد الله بنزول العذاب المتصل، إن الله لا يترك إنجاز ما وعد به إذا جاء وقته المحدد له.
ولستَ أول رسول كذب به قومه وسخروا منه، فقد استهزأت أمم من قبلك - أيها الرسول - برسلها وكذبوا بهم، فأمهلت الذين كفروا برسلهم حتى ظنوا أني غير مهلكهم، ثم أخذتهم بعد الإمهال بصنوف العذاب، فكيف رأيت عقابي لهم؟ لقد كان عقابًا شديدًا.
أفمن هو قائم بحفظ أرزاق جميع الخلق رقيب على كل نفس بما كسبت من عمل، فيجازيها على أعمالها، أولى أن يُعْبد، أم هذه الأصنام التي لا حق لها أن تعبد؟ وقد جعلها الكفار شركاء لله ظلمًا وزورًا، قل لهم - أيها الرسول -: سموا لنا الشركاء الذين عبدتموهم مع الله إن كنتم صادقين في دعواكم، أم تخبرون الله بما لا يعلم في الأرض من الشركاء، أم تخبرونه بظاهر من القول لا حقيقة له؟ بل حسّن الشيطان للذين كفروا تدبيرهم السيء، فكفروا بالله، وصرفهم عن سبيل الرشاد والهداية، ومن يضلل الله عن سبيل الرشاد فليس له من هاد يهديه.
لهم عذاب في الحياة الدنيا بما ينالهم من القتل والأسر على أيدي المؤمنين، ولعذاب الآخرة الذي ينتظرهم أشدّ عليهم وأثقل من عذاب الدنيا؛ لما فيه من الشدة والدوام الذي لا ينقطع، وليس لهم مانع يحميهم من عذاب الله يوم القيامة.
صفة الجنة التي وعد الله بها المتقين له بامتثال أوامره واجتناب نواهيه أنها تجري من تحت قصورها وأشجارها الأنهار، ثمارها دائمة لا تنقطع، عكس ثمار الدنيا، وظلها دائم لا يزول، ولا يتقلص، تلك هي عاقبة الذين اتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وعاقبة الكافرين النار يدخلونها ماكثين فيها أبدًا.
والذين أعطيناهم التوراة من اليهود، والذين أعطيناهم الإنجيل من النصارى، يفرحون بما أنزل عليك - أيها الرسول - لموافقته لبعض ما أنزل عليهم، ومن طوائف اليهود والنصارى من ينكر بعض ما أنزل إليك مما لا يتفق مع أهوائهم، أو مما يصفهم بالتبديل والتحريف، قل لهم - أيها الرسول -: إنما أمرني الله أن أعبده وحده، ولا أشرك به غيره، إليه وحده أدعو ولا أدعو غيره، وإليه وحده مرجعي، وبهذا جاءت التوراة والإنجيل.
ومثل إنزالنا الكتب السابقة بألسنة أقوامها أنزلنا عليك - أيها الرسول - القرآن قولًا فصلًا مبينًا للحق عربيًّا، ولئن اتبعت - أيها الرسول - أهواء أهل الكتاب في مساومتهم لك بحذف ما لا يتفق مع أهوائهم بعدما جاءك من العلم الذي علمك الله إياه، فليس لك من الله ولي يتولى أمرك، وينصرك على أعدائك، وليس لك مانع يمنعك من عذابه.
ولقد أرسلنا رسلًا من قبلك - أيها الرسول - من البشر، فلست بدعًا من الرسل، وجعلنا لهم أزواجًا، وجعلنا لهم أولادًا كسائر البشر، ولم نجعلهم ملائكة لا يتزوجون ولا ينجبون، وأنت من هؤلاء الرسل الذين هم بشر يتزوجون وينجبون، فلماذا يعجب المشركون من كونك كذلك؟ ولا يصح لرسول أن يأتي من عنده بآية إلا إن أذن الله بإتيانه بها، لكل أمر قضاه الله كتاب ذكر فيه ذلك، وأجل لا يتقدم ولا يتأخر.
يزيل الله ما يشاء إزالته من خير أو شر أو سعادة أو شقاء وغيرها، ويثبت ما يشاء منها، وعنده اللوح المحفوظ، فهو مرجع كل ذلك، وما يظهر من محو أو إثبات مطابق لما هو فيه.
وإن أريناك - أيها النبي - بعض ما نعدهم به من العذاب قبل موتك فذلك إلينا، أو أمتناك قبل أن نريك إياه فليس عليك إلا تبليغ ما أمرناك بتبليغه، وليس عليك مجازاتهم ولا محاسبتهم، فذلك علينا.
أَوَلم يشاهد هؤلاء الكفار أنا نأتي أرض الكفر ننقصها من أطرافها بنشر الإسلام، وفتح المسلمين لها، والله يحكم ويقضي بما يشاء بين عباده، ولا أحد يتعقب حكمه بنقض أو تغيير أو تبديل، وهو سبحانه سريع الحساب، يحاسب الأولين والآخرين في يوم واحد.
وقد مكرت الأمم السابقة بأنبيائها، وكادت لهم، وكذبوا بما جاؤوا به، فماذا فعلوا بتدبيرهم لهم؟ لا شيء؛ لأن التدبير الفاعل هو تدبير الله لا غيره، كما أنه سبحانه هو الذي يعلم ما تكسبه نفوسهم ويجازيهم عليه، وعندئذ سيعلمون كم كانوا مخطئين في عدم الإيمان بالله، وكم كان المؤمنون مصيبين، فحازوا بذلك الجنة والعاقبة الحسنة.
ويقول الذين كفروا: لست - يا محمد - مرسلًا من الله، قل لهم - أيها الرسول -: كفى بالله شاهدًا بيني وبينكم على أني مرسل من ربي إليكم، ومن عنده علم من الكتب السماوية التي جاء فيها نَعْتِي، ومن كان الله شاهدًا بصدقه، فلا يضره تكذيب من كذّب.