ﰡ
قوله: ﴿ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً ﴾ هذه الجملة في محل نصب مقول القول وهو أحسن ما يقال. قوله: (لأن القادر) إلخ، تعليل لقوله: ﴿ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ ﴾.
قوله: (وما تقدم) أي من رفع السماوات بغير عمد، وتسخير الشمس والقمر، وغير ذلك من الأمور المتقدمة. قوله: (قادر على إعادتهم) أي لأنه إذا تعلقت قدرته بشيء كان، فلا فرق بين الابتداء والإعادة، وأما قوله تعالى:﴿ وَهُوَ أَهْوَنُ ﴾[الروم: ٣٧]، فذلك باعتبار عادة المخلوقات، أن القادر على الابتداء، تسهل عليه الإعادة بالأولى، وإلا فالكل في قدرته تعالى سواء. قوله: (وفي الهمزتين في الموضعين) إلخ، من هنا إلى قوله: (وتركها) أربع قراءات. قوله: (وفي قراءة بالاستفهام في الأول) إلخ، وفي ذلك ثلاث قراءات، تحقيق الهمزتين من غير إدخال ألف بينهما، وتحقيق الأولى وتسهيل الثانية، مع إدخال ألف بينهما وبدونها، وقوله: (وأخرى عكسه) قراءتان التحقيق مع الألف ودونها، ولا يجوز تسهيل الثانية، فتكون القراءات تسعاً وكلها سبعية، واختلف القراء في هذا الاستفهام المكرر اختلافاً منتشراً، وهو في أحد عشر موضعاً، في تسع سور من القرآن، فأولها في هذه السورة. والثاني والثالث في الإسراء بلفظ واحد﴿ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً ﴾[الإسراء: ٧٩].
والرابع في المؤمنون:﴿ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴾[المؤمنون: ٨٢].
والخامس في النمل﴿ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَآؤُنَآ أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ ﴾[النمل: ٦٧].
والسادس في العنكبوت﴿ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ ﴾[العنكبوت: ٢٨-٢٩].
والسابع في الم السجدة:﴿ أَءِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ أَءِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾[السجدة: ١٠].
والثامن والتاسع في الصافات﴿ أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴾[الصافات: ١٦].
﴿ أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَدِينُونَ ﴾[الصافات: ٥٣].
والعاشر في الواقعة:﴿ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴾[الواقعة: ٤٧].
والحادي عشر في النازعات:﴿ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ * أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً ﴾[النازعات: ١٠-١١].
والوجه في الاستفهام في الموضعين، أن الأول للإنكار، والثاني تأكيد، والوجه في كونه في موضع واحد، حصول الإنكار به، وإحدى الجملتين مرتبطة بالأخرى، فإذا أنكر في إحداهما، حصل الإنكار في الأخرى. قوله: ﴿ ٱلأَغْلاَلُ ﴾ جمع غل، وهو طوق من حديد يجعل في أعناقهم. قوله: ﴿ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ ﴾ أي لا محيص لهم عنها، فهم ملازمون لها، كالصاحب الملازم لصاحبه. قوله: (ونزل في استعجالهم العذاب) أي وذلك أن مشركي مكة، كانوا يطلبون تعجيل العذاب استهزاء حيث يقولون: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم. قوله: ﴿ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ ﴾ أي وهو تأخير العذاب عنهم. قوله: ﴿ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ ﴾ الجملة حالية. قوله: (جمع المثلة) بفتح الميم وضم المثلثة، أي وهي النقمة تنزل بالشخص، فجعل مثلاً يرتدع به غيره، قوله: (بوزن السمرة) أي وهو شجرة الطلح أي الموز. قوله: ﴿ لَذُو مَغْفِرَةٍ ﴾ المراد بها ستر الذنوب وعدم المؤاخذة بها حالاً، بل يؤخر الأخذ بها، فإن تاب الشخص ورجع، دام ذلك الستر عليه، وإلا أخذه أخذ عزيز مقتدر. قوله: ﴿ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ ﴾ الجملة حالية، أي والحال أنهم ظالمون لأنفسهم بالمعاصي. قوله: (لمن عصاه) أي ودام على ذلك، فرحمة الله في الدنيا غلبت غضبه لجميع الخلق مؤمنهم وكافرهم، وأما في الآخرة فقد انفردت رحمته للمؤمنين خاصة. قوله: ﴿ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاۤ ﴾ أي تعنتاً. قوله: (هلا) أشار بذلك إلى أن لولا للتحضيض. قوله: (كالعصا واليد) أي وغير ذلك مما اقترحوا، قال تعالى حكاية عنهم:﴿ وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً ﴾[الإسراء: ٩٠].
الآية. قوله: ﴿ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ ﴾ أي ليس عليك إلا الإنذار بما أوحي اليك، لأنهم معاندون كفار، ليس قصدهم بذلك الإيمان، بل التعنت في الكفر. قوله: ﴿ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ الجملة مستأنفة، وهاد بإثبات الياء وحذفها في الوقت، وبحذفها في الوصل لا غير، ثلاث قراءات سبعية، وأما في الرسم فهي محذوفة. قوله: ﴿ ٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ ﴾ أي لأنه الخالق المصور، فلا تخفى عليه خافية، ويعلم عرفانية متعدية لواحد، وما اسم موصول مفعوله والعائد محذوف. قوله: (وغير ذلك) أي من أوصاف الحمل، من كونه أبيض أو أسود، قصيراً أو طويلاً، سعيداً أو شقياً، قوياً أو ضعيفاً. قوله: (تنقص) ﴿ ٱلأَرْحَامُ ﴾ (من مدة الحمل) أي المعتادة وهي تسعة أشهر، فهو يعلم الحمل الناقص عن تلك المدة، وقوله: ﴿ وَمَا تَزْدَادُ ﴾ أي وما تزيد، فهو يعلم الناقص عن تلك المدة والزائد عليها، لا يخفى عليه شيء من أوقات الحمل ولا من أحواله، وقيل النقصان السقط، والزيادة زيادتها على تسعة أشهر، وأقل مدة الحمل ستة أشهر، وقد يولد لهذه المدة ويعيش. قوله: ﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ ﴾ هذا أعم مما قبله، فالشيء يشمل الحمل وغيره، من أفعال العباد وأحوالهم وخواطرهم، فقد دبر سبحانه وتعالى العالم بأسره على طبق، ما تعلقت به قدرته وإرادته، ولا يعجزه شيء، ولا يشغله شأن عن شأن قال تعالى:﴿ مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾[لقمان: ٢٨] فينبغي للإنسان أن لا يدبر لنفسه شيئاً، ولا يشتغل بشيء تكفل به غيره، بل يعتمد على من يدبر الأمور، ويفوض له أحواله، ويترك الأوهام التي حجبت القلوب عن مطالعة الغيوب. قوله: (بقدر وحدّ لا يتجاوزه) أي لا يتخلف شيء عن الحد الذي قدره الله له، من سعادة وشقاوة ورزق وغير ذلك.
﴿ سَوَآءٌ ﴾ خبر مقدم، و ﴿ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ ﴾ مبتدأ مؤخر، ولم يثن الخبر لأنه في الأصل مصدر، وهو لا يثنى ولا يجمع، و ﴿ مِّنْكُمْ ﴾ حال من الضمير المستتر في ﴿ سَوَآءٌ ﴾ لأنه بمعنى مستو. قوله: (في علمه تعالى) أي فهو يعلم الجميع على حد سواء، لا يتفاوت من جهر على من أسر. قوله: ﴿ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ ﴾ أي في نفسه فلم يسمعه غيره. قوله: ﴿ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ ﴾ أي سمعه غيره، والمعنى سواء ما اضمرته القلوب، وما نطقت به الألسنة. قوله: ﴿ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيلِ ﴾ أي وسواء من استخفى في ظلام الليل، ومن هو ظاهر في النهار، لأنه الخالق لليل وظلمته، والنهار ونوره، وما تفعله العبيد فيهما من خير وشر، وهذه الآية من تدبرها وعمل بمقتضاها أورثته الإخلاص في أعماله، فيستوي عنده إسرار العبادة وإظهارها، ليلاً أو نهاراً والمراقبة، لأنه إذا علم أن هذه الأشياء مستوية عنده، ولا يخفى عليه شيء منها، فلا يستطيع أن يقدم على ما نهى عنه، ولا ظاهراً ولا باطناً. قوله: (في سربه) بفتح السين وسكون الراء، يقال سرب في الأرض سروباً ذهب فيه ذهاباً؛ والسرب بفتحتين بيت في الأرض لا منفذ له وهو الوكر، وليس مراداً هنا، بل المراد الطريق الظاهرة، وهي بفتح السين وسكون الراء.
وقوله عليه الصلاة والسلام:" إذا رأيت قسوة في قلبك، وحرماناً في رزقك، ووهناً في بدنك، فاعلم أنك تكلمت بما لا يعنيك "فالنعم تأتي من الله بلا سبب، وسلبها يكون بسبب المعاصي. قوله: ﴿ وَإِذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءًا ﴾ إذا شرطية وجوابها قوله: ﴿ فَلاَ مَرَدَّ لَهُ ﴾ والعامل فيها محذوف لدلالة الجواب عليه، تقديره لم يرد أو واقع، والمعنى متى سبق في علم الله نزول بلاء بقوم، فلا يقدر على دفعه أحد من الملائكة ولا من غيرهم، إذا علمت ذلك تعلم جهل من يقول: لو كانت الأولياء موجودين، لما نزل علينا بلاء. قوله: ﴿ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ﴾ أي ناصر يدفعه، قال تعالى:﴿ وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىٰ ﴾[النجم: ٢٦] فلا دافع لما قضاه، ولا راد لما قدره.
قوله: (بقحف رأسه) بكسر القاف، عظم الرأس الذي فوق الدماغ. قوله: ﴿ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ ﴾ بكسر الميم من المماحلة وهي المكايدة، وقيل من المحل وهو القوة والأخذ وهو الأولى، ولذا مشى عليه المفسر. قوله: ﴿ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ ﴾ أي شرعها وأمر بها. قوله: (وهي لا إله إلا الله) أي مع عديلتها وهي محمد رسول الله، فهي كلمة الحق جعلت مفتاحاً للإسلام، فلا يقبل من أحد إلا بالإقرار بها. قوله: (بالياء والتاء) أما الياء فمتواترة، وأما التاء فشاذة، وكان المناسب للمفسر التنبيه عليها. قوله: ﴿ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم ﴾ أي لا يجيبونهم. قوله: ﴿ إِلاَّ ﴾ (استجابة) أشار بذلك إلى أن الكلام على تقديره مصدر مضاف إلى المفعول، والمعنى أن الأصنام التي يعبدها الكفار، لا تعقل ولا تسمع ولا تبصر، فلا تجيب عابديها بشيء أصلاً، وقد ضرب الله مثلاً لعدم إجابتها لهم بقوله: ﴿ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ ﴾ إلخ، والمعنى أن من بسط كفيه للماء ليدخل في فيه لا يجيبه الماء، لعدم إشعاره ببسط كفيه وعطشه وعدم قدرته على ذلك، فكذلك من يدعو الأصنام لتدفع عنه كربة أو توليه نعمة، لا تجيبه بشيء لعدم قدرتها على ذلك لنفسها فضلاً عن غيرها. قوله: ﴿ وَمَا هُوَ ﴾ أي الماء. قوله: (عبادتهم الأصنام أو حقيقة) إلخ، هذان قولان في تفسير الدعاء، والأقرب الأول بدليل قوله أولاً ﴿ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ ﴾.
قوله: (ضياع) إنما كان دعاؤهم ضائعاً، لأنه طلب ممن لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، وأما دعاؤهم لله فليس بضائع، بل يستجيب لهم إن شاء، فإن كان بأمور الدنيا فظاهر، وإن كان بالجنة فيهديهم للإيمان، هذا هو الذي يجب المصير إليه؛ ويؤيده قوله تعالى:﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾[الأنفال: ٣٣]﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾[الأنفال: ٣٣] فإنها في مشركي مكة، وجملة ﴿ وَمَا دُعَآءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ ﴾ نتيجة ما قبلها.
قوله: ﴿ أَمْ جَعَلُواْ ﴾ أي بل أجعلوا، فأم منقطعة تفسر ببل والهمزة. قوله: ﴿ شُرَكَآءَ ﴾ أي الأصنام. قوله: ﴿ خَلَقُواْ ﴾ أي الأصنام، وقوله: ﴿ كَخَلْقِهِ ﴾ أي الله، والمعنى هل لهذه الأصنام خلق كخلق الله؟ فاشتبه بخلقه فاستحقت العبادة لذلك، وهو إنكار عليهم، أي لم يخلقوا أصلاً، بل ولا يستطيعون دفع ما ينزل بهم، فيكف العاجز يعبد؟ قوله: (أي ليس الأمر كذلك) أي لم يخلقوا كخلق الله حتى يشتبه بخلق الله، بل الكفار يعلمون بالضرورة، أن هذه الأصنام لم يصدر عنها فعل ولا خلق ولا أثر أصلاً، وإذا كان كذلك، فجعلهم إياها شركاء لله في الألوهية محض جهل وعناد. قوله: ﴿ وَهُوَ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ ﴾ أي المنفرد بالإيجاد والإعدام، القاهر لعباده، المختار في أفعاله فلا يسأل عمل يفعل. قوله: (ثم ضرب مثلاً) أي بينه، والمراد بالمثل الجنس، لأن المذكور للحق مثلاً وللباطل كذلك. قوله: ﴿ فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ ﴾ أي أنهار جمع واد، وهو الموضع الذي يسيل فيه المال بكثرة، وحينئذ فهو مجاز عقلي من إسناد الشيء لمكانه، والأصل فسال الماء في الأودية. قوله: ﴿ بِقَدَرِهَا ﴾ بفتح الدال باتفاق السبعة، وقرىء شذوذاً بسكونها. قوله: (بمقدار ملئها) أي ما يملأ كل واحد بحسبه، صغراً وكبراً. قوله: ﴿ زَبَداً ﴾ الزبد ما يظهر على وجه الماء من الرغوة، أو على وجه القدر عند غليانه، وقد تم المثل الأول. قوله: ﴿ وَمِمَّا يُوقِدُونَ ﴾ الجار والمجرور خبر مقدم، و ﴿ زَبَدٌ ﴾ مثله مبتدأ مؤخر. قوله: (بالتاء والياء) أي وهما قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ فِي ٱلنَّارِ ﴾ متعلق بتوقدون، وقوله: ﴿ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ ﴾ علة لتوقدون. قوله: (كالأواني) أي والمسكوك الذي ينتفع به الناس في معايشهم. قوله: ﴿ زَبَدٌ مِّثْلُهُ ﴾ أي في كونه يصعد ويعلو على أصله. قوله: (الكير) هو منفاخ الحداد، وأما الكور فهور الموضع الذي توقد فيه النار كالكانون. قوله: (المذكور) أي من الأمور الأربعة التي للحق والباطل. قوله: ﴿ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ ﴾ لف ونشر مشوش. قوله: (مرمياً به) أي يرميه الماء إلى الساحل، ويرميه الكير فلا ينتفع به. قوله: (والحق ثابت) أي ماكث، كما أن الماء والجوهر ثابتان، وإنما يرمى بزبدهما، والمعنى أن مثل الباطل، كمثل الرغوة التي تعلو على وجه الماء، وخبث الجوهر الذي يصعد على وجهه عند نفخ النار عليه، ومثل الحق، كمثل الماء الصافي والجوهر الصافي، كما أن الرغوة في كل لا قرار لها ولا ينتفع بها بل ترمى، كذلك الباطل يضمحل ولا يبقى، والحق ثابت ينتفع به، كالجوهر والماء الصافيين، وفي هذه الآية بشرى للأمة المحمدية، بأنها ثابتة على الحق، لا يضرهم من خالفهم في العقائد، بل وإن علا وارتفع لا بد من اضمحلاله وزواله. قوله: ﴿ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ ﴾ أي لإرشاد عبيده باللطف والرفق، فإن من جملة ما جاء به القرآن الأمثال.
قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ ﴾ مبتدأ أخبر عنه بثلاثة أمور: الأول: قوله: ﴿ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ﴾.
الثاني قوله: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ ﴾ الخ. الثالث: قوله: ﴿ وَمَأْوَاهُمْ ﴾ إلخ. والمعنى: أن الكفار يتمنون أن لو كان لهم قدر ما في الأرض جميعاً مرتين، ويفتدون به العذاب النازل بهم يوم القيامة. قوله: ﴿ سُوۤءُ ٱلْحِسَابِ ﴾ أي السيىء، فهو من إضافة الصفة للموصوف، والمراد أنهم يناقشون الحساب، ويسألون عن النقير والقطمير، ولذا ورد في الحديث:" من نوقش الحساب هلك ". قوله: ﴿ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ﴾ أي منزلهم المعد لهم. قوله: ﴿ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ ﴾ هو ما يمهد أي يفرش، وقدر هي إشارة إلى أن المخصوص بالذم محذوف. قوله: (ونزل في حمزة وأبي جهل) أي بسبب نزول هذه الآيات، مدح حمزة بالصفات الجميلة، والوعد عليها بالخير، وذم أبي جهل بالصفات القبيحة، والوعيد عليها بالشر، ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فآيات الوعد لحمزة، ومن كان على قدمه وخلقه إلى يوم القيامة، وآيات الوعيد لأبي جهل، ومن كان على قدمه وخلقه إلى يوم القيامة. قوله: ﴿ أَفَمَن يَعْلَمُ ﴾ الهمزة داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير أيستوي المؤمن والكافر فمن يعلم؟ إلخ. قوله: (لا) أشاربذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله: (أصحاب العقول) أي السليمة الكاملة. قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ يُوفُونَ ﴾ بدل من من، وحاصل ما ذكره من الصفات لهم ثمانية، أولها قوله: ﴿ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ ﴾، وآخرها قوله:﴿ وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ ﴾[الرعد: ٢٢].
قوله: (المأخوذ عليهم وهم في عالم الذر) أي بالتوحيد وهو قول الله لهم﴿ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ﴾[الأعراف: ١٧٢].
قوله: (أو كل عهد) أي كل ميثاق أخذ عليهم، كان للخالق أو للمخلوق، ولو كان كافراً فيجب الوفاء بالعهد، ولا تجوز الخيانة، ولما كانت الأوصاف الآتية لازمة للموفي بالعهد، قدم عليها وجعل ما بعهد تفصيلاً له، وحينئذ فالمراد بالوفاء بالعهد، امتثال المأمورات على حساب الطاقة واجتناب المنهيات. قوله: ﴿ وَلاَ يَنقُضُونَ ٱلْمِيثَاقَ ﴾ تأكيد لما قبله ولازم له، لأن الوفي بالعهد غير ناقض للميثاق، فالعهد هو الميثاق، وقيل الميثاق هو التزام المخلوق بالوفاء لأمر الخالق، والعهد هو أمر الله. قوله: (بترك الإيمان) راجع للأول، وقوله: (أو الفرائض) راجع للثاني في تفسير العهد. قوله: (من الإيمان) بيان لما، والمعنى أنهم يأتون بالإيمان بشروطه وأركانه وآدابه.
قوله: (أول دخولهم للتهنئة) هذا التفسير لم يره لغير، بل في كلام غيره ما يدل على خلاف ذلك، قال مقاتل: إن الملائكة يدخلون في مقدار كل يوم من أيام الدنيا ثلاث مرات، معهم الهدايا والتحف من الله تعالى، يقولون: ﴿ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ﴾.
قوله: (يقولون) قدره إشارة إلى أن قوله تعالى: ﴿ سَلاَمٌ عَلَيْكُم ﴾ في محل نصب مقول لقول محذوف. قوله: ﴿ سَلاَمٌ عَلَيْكُم ﴾ أي سلمكم الله من آفات الدنيا، فهو دعاء لهم وتحية. قوله: ﴿ بِمَا صَبَرْتُمْ ﴾ الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمحذوف، قدره المفسر بقوله: (هذا الثواب) إلخ. قوله: (بصبركم) أشار بذلك إلى أن ما مصدرية، تسبك مع ما بعدها بمصدر. قوله: ﴿ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ ﴾ المراد بالدار قيل الدنيا، وقيل الآخرة. قوله: (عقباكم) قدره إشارة إلى أن المخصوص بالمدح محذوف. قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ ﴾ جرت عادة الله في كتابه أنه إذا ذكر أوصاف أهل السعادة، أتبعه بذكر أوصاف أهل الشقاوة، وهذه أوصاف أبي جهل ومن حذا حذوه إلى يوم القيامة. قوله: ﴿ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ ﴾ أي من بعد الاعتراف والقبول. قوله: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ﴾ أي من هذه صفاته. قوله: (وهي جهنم) تفسير للعاقبة السيئة.
قوله: (هلا) أشار بذلك إلى أن لولا تحضيضية. قوله: ﴿ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ﴾ أي غير ما جاء به من نبع الماء وتسبيح الحصى وغير ذلك. قوله: (فلا تغني الآيات عنه شيئاً) أي فمجيئها لا يفيدهم شيئاً، إذ ما جاز على أحد المثلين يجوز على الآخر، فما قالوه في حق ما جاء به من كونه سحراً أو كهانة، يقولونه في حق ما لم يأت به على فرض إتيانه به، قال تعالى:﴿ وَمَا تُغْنِي ٱلآيَاتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ ﴾[يونس: ١٠١].
قوله: ﴿ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ ﴾ أي يوصله لمرضاته ولما يحبه. قوله: (ويبدل من من) أي بدل كل، ويصح جعله مبتدأ خبره الموصول الثاني، وما بينهما اعتراض. قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ أي اتصفوا بالتصديق الباطني الناشىء عن إذعان وقبول. قوله: ﴿ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ ﴾ هذه علامة المؤمن الكامل، والطمأنينة بذكر الله، هي ثقة القلب بالله، والاشتغال به عمن سواه، ثم اعلم أن هذه الآية تفيد أن ذكر الله تطمئن به القلوب، وآية الأنفال تفيد أن ذكر الله يحصل به الوجل والخوف، فمقتضى ذلك أنه بين الآيتين تناف، وأجيب: بأن الطمأنينة هنا معناها السكون إلى الله والوثوق به، فينشأ عن ذلك، عدم خوف غيره، وعدم الرجاء في غيره، فلا ينافي حصول الخوف من الله والوجل منه، وهذا معنى آية الأنفال، وحينئذ فصار الغير عندها هباء منثوراً ليس معداً لدفع ضر، ولا لجلب نفع، وبمعنى الآيتين قوله تعالى:﴿ ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ ﴾[الزمر: ٢٣] فتحصل أن المؤمن الكامل، هو المطمئن بالله الواثق به، الخائف من هيبته وجلاله، فلا يشاهد غيره، لا في جلب نفع ولا دفع ضر، لأن الله هو المالك المتصرف في الأمور، خيرها وشرها، فحيث شاهد المؤمن وحدانية الله في الوجود، أعرض عما سواه واكتفى به، فلا يعرج على غيره أصلاً، وهذا أتم مما ذكره المفسر، حيث دفع الشافي بأن معنى الطمأنينة، سكون القلب بذكر الوعد، والبشارات والوجل بذكر الوعيد والنذارات. قوله: ﴿ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ ﴾ أي الكاملة في الإيمان.
قوله: (أو شجرة في الجنة) أي وأصلها في دار النبي صلى الله عليه وسلم، وفي كل دار وغرفة في الجنة، منها غصن لم يخلق الله لوناً ولا زهرة إلا وفيها منها إلا السواد، ولم يخلق الله فاكهة ولا ثمرة إلا وفيها منها ينبع من أصلها عينان: الكافور والسلسبيل، كل ورقة منها تظل أمة، ثياب أهل الجنة تخرج منها أكمامها، فتنبت الحلل والحلي، ويخرج منها الخيل المسرجة الملجمة، والإبل برحالها وأزمتها، وما ذكره المفسر في تفسير طوبى قولان من أقوال كثيرة، وقيل إنه دعاء من الله لهم، والتقدير طيب عيشكم، وقيل غير ذلك. قوله: ﴿ وَحُسْنُ مَآبٍ ﴾ أي ولهم حسن مرجع ومنقلب في الآخرة وهي الجنة. قوله: ﴿ كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ ﴾ هذا تسلية له صلى الله عليه وسلم، أي فلا تحزن على عدم إيمان قومك، فإننا أرسلنا الأنبياء إلى قومهم فكفروا ولم يطيعوا، فليس من كذبك بأول مكذب. قوله: ﴿ فِيۤ أُمَّةٍ ﴾ أي إلى أمة. قوله: ﴿ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ ﴾ أي سبقت ومضت. قوله: ﴿ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ ﴾ الجملة حالية. قوله: (لما أمروا بالسجود له) أي كما ذكره في سورة الفرقان بقوله تعالى:﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ ﴾[الفرقان: ٦٠] وهذا القول منهم على سبيل العناد، ويسمى عند أرباب المعاني تجاهل العارف، فإن الرحمن هو المنعم على عباده، وهم يشاهدون نعمه عليهم، ومع ذلك قالوا: (وما الرحمن) وهذا كقول فرعون﴿ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾[الشعراء: ٢٣].
قوله: ﴿ هُوَ رَبِّي ﴾ أي الرحمن الذي أنكرتموه هو خالقي. قوله: ﴿ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ﴾ أي فوضت أموري إليه. قوله: ﴿ مَتَابِ ﴾ أي توبتي ومرجعي.
قوله: ﴿ وَذُرِّيَّةً ﴾ أي وقد كان لرسول الله سبعة أولاد ثلاثة ذكور وأربع إناث، وترتيبهم في الولادة هكذا: القاسم فزينب فرقية ففاطمة فأم كلثوم فعبد الله فإبراهيم، وكلهم من خديجة إلا إبراهيم فمن مارية القبطية، وكلهم ماتوا في حياته إلا فاطمة فماتت بعده بستة أشهر. قوله: ﴿ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ ﴾ إلخ، أي لم يجعل الله للرسول الإتيان بآية مما اقترحه قومه إلا بإرادته تعالى. قوله: (مربوبون) أي مقهورون مغلبون. قوله: ﴿ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ﴾ رداً لاستعجالهم العذاب، فإنه كان يخوفهم بذلك، فاستعجلوه عناداً.