ﰡ
قوله تعالى :﴿ يُسْقَى بماءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ في الأُكُلِ ﴾ فيه أوضح دلالة على بطلان مذهب أصحاب الطبائع ؛ لأنه لو كان حدوث ما يحدث من الثمار بطبع الأرض والهواء والماء لوجب أن يتفق ما يحدث من ذلك لاتفاق ما يوجب حدوثه، إذْ كانت الطبيعة الواحدة توجب عندهم اتّفاق ما يحدث منها ولا يجوز أن توجب فعلين مختلفين متضادَّيْنِ، فلو كان حدوث هذه الأشياء المختلفة الألوان والطعوم والأراييح والأشكال من إيجاب الطبيعة لاستحال اختلافها وتضادُّها مع اتفاق الموجب لها، فثبت أن المحدث لها قادر مختار حكيم قد أحدثها على اختلافها على علم منه بها وهو الله تعالى.
وقد روى مطر الورّاق عن عطاء عن عائشة أنها قالت في الحامل ترى الدم :" إنها لا تَدَعُ الصلاة ". وروى حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد قال : لا يختلف فيه عندنا عن عائشة أنها كانت تقول في الحامل ترى الدم أنها تمسك عن الصلاة حتى تطهر، وهذا يحتمل أن تريد به الحامل التي في بطنها وَلَدان فولدت أحدهما أن النفاس من الأوّل وأنها تَدَعُ الصلاة حتى تطهر، على ما يقول أبو حنيفة وأبو يوسف في ذلك، حتى يصحح الخبرين جميعاً عنها. وعند أصحابنا أن الحامل لا تحيض، وأن ما رأته من دَمٍ فهو استحاضة، وعند مالك والشافعي تحيض. فالحجة لقولنا ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم في سبايا أوْطَاسَ :" لا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ ولا حَائِلٌ حَتَّى تَسْتَبْرِىءَ بحَيْضَةٍ "، والاستبراءُ هو معرفة براءة الرحم ؛ فلما جعل الشارعُ وُجُودَ الحيض عَلَماً لبراءة الرحم لم يَجُزْ وجوده مع الحبل ؛ لأنه لو جاز وجوده معه لم يكن وجود الحيض علماً لبراءة الرحم. ويدل عليه أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم في طلاق السنّة :" فَلْيُطَلِّقْها طَاهِراً مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ أَوْ حَامِلاً قَدِ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا "، فلو كانت الحاملُ تحيض لفصل بين جماعها وطلاقها بحيضة كغير الحامل، وفي إباحته صلى الله عليه وسلم إيقاع الطلاق على الحامل بعد الجماع من غير فَصْلٍ بينه وبين الطلاق بحيضة دلالة على أنها لا تحيض.