تفسير سورة طه

النهر الماد من البحر المحيط
تفسير سورة سورة طه من كتاب النهر الماد من البحر المحيط .
لمؤلفه أبو حيان الأندلسي . المتوفي سنة 745 هـ

﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * طه * مَآ أَنَزَلْنَا ﴾ الآية هذه السورة مكية بلا خلاف كان عليه السلام يراوح بين قدميه يقوم على رجل فنزلت * ومناسبتها لما قبلها أنه تعالى لما ذكر تيسر القرآن بلسان الرسول أي بلغته وكان فيما علل به قوله لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لداً أكد ذلك بقوله: ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى والتذكرة هنا البشارة والنذارة وأن ما ادعاه المشركون من إنزاله شقاء ليس كذلك بل إنما أنزل تذكرة والظاهر أن طه من الحروف المقطعة نحو يس والروما أشبههما وتقدم الكلام في أوائل البقرة والظاهر أن قوله: إلا تذكرة استثناء منقطع تقديره لكن أنزلناه تذكرة فتذكرة مفعول من أجله والعامل فيه أنزلناه هذه المقدرة وفي البحر أعاريب متكلفة تنظر هناك وانتصب.﴿ تَنزِيلاً ﴾ على أنه مصدر لفعل محذوف أي نزل تنزيلاً * قال الزمخشري في نصب تنزيلاً: وجوه أن يكون بدلاً من تذكرة إذا جعل حالاً لا إذا كان مفعولاً له لأن الشىء لا يعلل بنفسه وأن ينصب بنزل مضمراً وأن ينصب بأنزلناه لأن معنى ما أنزلناه إلا تذكرة وأن ينصب على المدح والاختصاص وأن تنصب بيخشى مفعولاً له أي أنزله إليه تذكرة لمن يخشى تنزيل الله وهو معنى حسن وإعراب بين " انتهى " الأحسن ما قدمناه أولاً من أنه منصوب بنزل مضمرة وما ذكره الزمخشري من نصبه على غير ذلك متكلف أما الأول ففيه جعل تذكرة وتنزيلاً حالين وهما مصدران وجعل المصدر حالاً لا ينقاس وأيضاً فمدلول تذكرة ليس مدلول تنزيلاً ولا تنزيلاً بعض تذكرة وان كان بدلاً فيكون بدل اشتمال على مذهب سيبويه يرى أن الثاني مشتمل على الأول لأن التنزيل مشتمل على التذكرة وغيرها وأما قوله: لأن معنى ما أنزلناه إلا تذكرة أنزلناه تذكرة فليس كذلك لأن معنى الحصر يفوت في ذلك وأما نصبه على المدح فبعيد وأما نصبه بيخشى ففي غاية البعد لأن يخشى رأس آية فاصلة لا يناسب أن يكون تنزيلاً مفعولاً بيخشى * قال الزمخشري: ويجوز أن يكون أنزلناه حكاية لكلام جبريل والملائكة النازلين معه " انتهى " هذا تجويز بعيد بل الظاهر أنه إخبار من الله عن نفسه ممن خلق ومن الظاهر أنها متعلقة بتنزيل ويجوز أن يكون في موضع الصفة فتتعلق بمحذوف وفي قوله ممن خلق التفات إذ فيها خروج من ضمير المتكلم وهو نافي أنزلنا إلى الغيبة والعلا جمع العليا ووصف السماوات بالعلا دليل على عظم قدرة من اخترعها إذ لا يمكن وجود مثلها في علوها من غيره تعالى * قال ابن عطية: ويجوز أن يكون يعني الرحمن بدلاً من الضمير المستتر في خلق " انتهى " أرى أن مثل هذا لا يجوز لأن البدل يحل محل المبدل منه والرحمن لا يمكن أن يحل محل الضمير لأن الضمير عائد على من الموصولة وخلو صلته والرابط هو الضمير فلا يحل محله الظاهر لعدم الرابط * قال الزمخشري: روى جناح بن خنيس عن بعضهم أنه قرأ الرحمن بالكسر صفة لمن خلق ومذهب الكوفيين أن الأسماء النواقص التي لا تتم إلا بصلاتها نحو من وما لا يجوز نعتها إلا الذي والتي فيجوزهم نعتهما فعلى مذهبهم لا يجوز أن يكون الرحمن صفة لمن خلق فالأحسن أن يكون الرحمن بدلاً مِن مَن وقد جرى الرحمن في القرآن مجرى العلم في ولايته العوامل.﴿ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ ﴾ ما غاية يشمل من يعقل ومن لا وأنه له ملك جميع ما حوت السماوات والأرض.﴿ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ ﴾ أي تحت الأرض السابعة قاله ابن عباس والخطاب بقوله:﴿ وَإِن تَجْهَرْ ﴾ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهراً والمراد أمّته، ولما كان خطاب الناس لا يتأتى إلا بالجهر بالكلام، جاء الشرط بالجهر وعلق على الجهر علمه بالسر لأن علمه بالسر يتضمن علمه بالجهر، أي: إذا كان يعلم السر فأحرى الجهر كما قال يعلم سركم وجهركم والظاهر ان أخفى أفعل تفضيل أي وأخفى من السر * قال ابن عباس: السر ما تسره إلى غيرك والأخفى ما تخفيه في نفسك.﴿ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ﴾ الله مبتدأ ولا إله إلا هو الخبر. و ﴿ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ ﴾ خبر ثاني ويجوز أن يكون مبتدأ محذوف كأنه قيل من الذي يعلم السر وأخفى فقيل هو الله. و ﴿ ٱلْحُسْنَىٰ ﴾ تأنيث الأحسن وصفة المؤنثة المفردة يجري على جمع التكسير وحسن ذلك كونها وقعت فاصلة والأحسنية كونها تضمنت المعاني التي هي في غاية الحسن من التقديس والتعظيم والربوبية والافعال التي لا يمكن صدورها إلا منه تعالى.﴿ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ ﴾ مناسبتها لما قبلها أنه لما ذكر تعظيم كتابه وتضمن تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم اتبعه بقصة موسى لتتأسى به في تحمل أعباء النبوة وتكاليف الرسالة * وهل أتاك حديث موسى الآية هذا استفهام تقرير يحث على الإِصغاء لما يلقى إليه وكان من حديثه أنه لما قضى أكمل الأجلين استأذن شعيباً في الرجوع من مدين إلى مصر لزيارة والدته وأخيه فأذن له وقد طالت مدة جنايته بمصر ورجا خفاء أمره فخرج بأهله وماله وكان في فصل الشتاء وأخذ على غير الطريق مخافة ملوك الشام وامرأته حامل ولا يدري أليلاً تضع أم نهاراً فسار في البرية لا يعرف طريقها فألجأه المسير إلى جانب الطور الغربي الأيمن في ليلة مظلمة مثلجة شديدة البرد وأخذ امرأته الطلق فقدح زنده فلم يور والظاهر أن إذ ظرف للحديث لأنه حدث قال لأهله: امكثوا أي أقيموا في مكانكم وخاطب امرأته وولديه والخادم.﴿ إِنِّيۤ آنَسْتُ ﴾ أي أحسست والنار على بعد لا تحس إلا بالبصر فلذلك فسره بعضهم برأيت والايناس أعم من الرؤية لأنك تقول أآنست من فلان خبراً والظاهر أنه رأى ناراً حقيقة ولفظة على هنا على بابها من الاستعلاء ومعناه: أن أهل النار يستعلون المكان القريب منها وانتصب:﴿ هُدًى ﴾ على أنه مفعول له على تقدير محذوف أي ذا هدى وكان قد أضل الطريق فيرجى أن يجد من يهديه إلى الطريق والضمير في أتاها عائد على النار أتاها فإِذا هي مضطرمة في شجرة خضراء يانعة عناب قاله ابن عباس: فكأنه كلما قرب منها تباعدت فإِذا أدبر اتبعته فأيقن أن هذا أمر من أمور الله الخارقة للعادة ووقف متحيراً وسمع من السماء تسبيح الملائكة وألقيت عليه السكينة ونودي وهو تكليم الله إياه ونودي مبني للمفعول وحذف الفاعل للتعظيم ولما كان النداء بمعنى القول كسرت ان بعده فقيل: اني أنا كما يكسر بعد القول الصريح والظاهر أن أمره إياه تعالى بخلع النعلين لعظم الحال التي حصل فيها كما تخلع عند الملوك غاية في التواضع وقيل كانتا من جلد حمار ميت فأمر بطرحهما لنجاستهما وفي الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم" كان على موسى عليه السلام يوم كلمه ربه كساء صوف وجبة صوف وكمة صوف وسراويل صوف وكانت نعلاه من جلد حمار ميت * "قال الترمذي: هذا حديث غريب والكمة القلنسوة الصغيرة لكن أمره بخلعهما لينال بركة الوادي المقدس وتمس قدماه تربته والمقدس المطهر. و ﴿ طُوًى ﴾ اسم علم عليه فيكون بدلاً أو عطف بيان، وقرىء: منوناً لوحظ فيه معنى المكان وغير منون لوحظ فيه معنى البقعة فمنع من الصرف للعلمية والتأنيث وقرىء:﴿ وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ ﴾ فأنا مبتدأ أو اخترتك جملة في موضع الخبر وقرىء: وانا اخترناك أنا وان اسمها واخترناك في موضع الخبر لما يوحى متعلق باستمع وما موصولة بمعنى الذي يوحي وفيه ضمير يعود على ما تقديره يوحي هو * وقال أبو الفضل الجوهري لما قيل لموسى عليه السلام استمع لما يوحى وقف على حجر واستند إلى حجر ووضع يمينه على شماله وألقى ذقنه على صدره ووقف يستمع وكان كل لباسه صوفاً والموحى قوله:﴿ إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ ﴾ إلى آخر الجمل، جاء ذلك تبييناً وتفسيراً للإِبهام في قوله: لما يوحى ففي الاخبار الأول قال: أنا ربك أي مالكك والناظر في مصلحتك وفي الثاني أنا الله ذكر الاسم العلم المعظم العلم الدال على جميع الصفات العلية والظاهر أن فاعبدني لفظ يتناول ما كلفه به من العبادة وعطف عليه ما قد يدخل تحت ذاك المطلق فبدأ بالصلاة إذ هي أفضل الأعمال وأنفعها في الآخرة والذكر مصدر يحتمل أن يضاف إلى المفعول أي لتذكرني فإِن ذكري أن أعبد ويصلى لي لما ذكر تعالى الأمر بالعبادة وأقام الصلاة. ذكر الحامل على ذلك وهو البعث والمعاد أي الجزاء فقال:﴿ إِنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ ﴾ وهي التي يظهر عندها ما عمله الإِنسان وجزاء ذلك إما ثواباً وإما عقاباً.﴿ أَكَادُ أُخْفِيهَا ﴾ أخفي من الأضداد بمعنى الإِظهار وبمعنى السر * قال أبو عبيدة خفيت وأخفيت بمعنى واحد وقد حكاه عن أبي الخطاب وأكاد من أفعال المقاربة لكنها هنا مجاز بالنسبة إلى الله ولتجزى متعلقة بآتية وأكاد أخفيها جملة اعتراض بينهما ويجوز أن يتعلق لتجزى بقوله: أخفيها إذا كان المعنى أظهرها والظاهر أن الضمير في عنها عائد على الساعة والمعنى عن اعتقاد صحتها ووقوعها لا محالة والحشر بعدها والجزاء والظاهر أن الخطاب في فلا يصدنك لموسى عليه السلام ولا يلزم من النهي عن الشىء إمكان وقوعه ممن سبقت له العصمة فينبغي أن يكون له لفظاً وللسامع غيره ممن يمكن وقوع ذلك منه.﴿ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾ عطفاً على صلة من.﴿ فَتَرْدَىٰ ﴾ جواب للنهي وأن مقدرة بعد فاء الجواب وتردى علامة النصب فيه فتحة مقدرة في الألف ومثاله في جواب النهي قوله تعالى:﴿ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ ﴾[طه: ٨١].
﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ ﴾ علم تعالى في الأول ما هي. وإنما سأله ليريه عظم ما يخترعه عز وعلا في الخشبة اليابسة من قلبها حية تسعى وليقرر في نفسه البعد بين المقلوب عنه والمقلوب إليه وتنبيه على قدرته الباهرة وما استفهام مبتدأ وتلك خبره وبيمينك في موضع الحال كقوله: وهذا بعلي شيخاً والعامل إسم الإِشارة * وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون تلك إسماً موصولاً صلته بيمينك ولم يذكر ابن عطية غيره وليس ذلك مذهباً للبصريين وإنما ذهب إليه الكوفيون قالوا: يجوز أن يكون إسم الإِشارة موصولاً حيث يتقدر بالموصول كأنه قيل وما التي بيمينك وعلى هذا فيكون العامل في المجرور محذوفاً كأنه قيل وما التي استقرت بيمينك وفي هذا السؤال وما قبله من خطابه لموسى عليه السلام استئناس عظيم وتشريف كريم.﴿ قَالَ هِيَ عَصَايَ ﴾ قرأ ابن إسحاق والجحدري عصي وهي لغة هذيل * قال الشاعر: يطوف بي غلب في معد   ويضرب بالصلمة في قفينايريد في قفاي.﴿ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا ﴾ التوكؤ على الشىء التحامل عليه في المشي والوقوف ومنه الاتكاء توكأت واتكأت بمعنى واحد.﴿ وَأَهُشُّ ﴾ هش على الغنم يهش بضم الهاء خبط أوراق الشجر لتسقط وهش إلى الرجل يهش بالكسر قاله ثعلب إذا نش وأظهر الفرح به والأصل في هذه المادة الرخاوة يقال: رجل هش وقوم في الجواب مصلحة نفسه في قوله: أتوكأ عليها ثم ثنى بمصلحة رعيته في قوله: وأهش بها على غنمي. و ﴿ مَآرِبُ ﴾ ذكر المفسرون أنها كانت ذات شعبتين ومحجن فإِذا طال الغصن حناه بالمحجن وإذا طلب كسره لواه بالشعبتين وإذا سار ألقاها على عاتقه فعلق بها أدواته من القوس والكنانة والحلاب وإذا كان في البرية وكزها وعرض الزندين على شعبتها وألقى عليها الكساء واستظل وإذا قصر رشاؤه وصله بها وكان يقاتل بها السباع عن غنمه والمآرب الحاجات وعامل المآرب وان كانت جمعاً معاملة الواحدة المؤنثة فاتبعها صفتها في قوله: أخرى ولم يقل أخر رعياً للفواصل وهو جائز من غير الفواصل فكان أجوز وأحسن في الفواصل.﴿ قَالَ أَلْقِهَا ﴾ الظاهر أن القائل هو الله تعالى ومعنى ألقها أطرحها على الأرض.﴿ فَإِذَا هِيَ ﴾ التي للمفاجأة والحية ينطلق على الصغير والكبير والذكر والأنثى والجان الرقيق من الحيات والثعبان العظيم منها ولا ينافي بين تشبيهها بالجان في قوله:﴿ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ ﴾[النمل: ١٠، القصص: ٣١] وبين كونها ثعباناً لأن تشبيهها بالجان هو أول حالها ثم تزيدت حتى صارت ثعباناً أو شبهت بالجان وهي ثعبان في سرعة حركتها واهتزازها مع عظم خلقها قيل كان له عرف كعرف الفرس وصارت شعبتا العصا لها فما وبين لحييها أربعون ذراعاً وعن ابن عباس انقلبت ثعباناً يتبلع الصخر والشجر المحجن عنقاً وعيناها يقدان فلما رأى هذا الأمر العجيب الهائل لحقه ما يلحق البشر عند رؤية الأهوال والمخاوف لا سيما هذا الأمر الذي يذهل العقول ومعنى تسعى تمشي وتنتقل بسرعة وحكمة انقلابها وقت مناجاته تأنيسه بهذا المعجز الهائل حتى يلقيها لفرعون فلا يلحقه ذعر منها في ذلك الوقت إذ قد جرت له بذلك عادة وتدريبه في تلقي تكاليف النبوة ومشاق الرسالة ثم أمره تعالى بالاقدام على أخذها ونهاه عن أن يخاف منها والسيرة من السير وهي الهيئة كالركبة والجلبية يقال سار فلان سيرة حسنة ثم اتسع فيها فتقلب إلى معنى المذهب والطريقة وقيل سير الأولين أي طريقة الأولين وانتصب:﴿ سِيَرتَهَا ﴾ على أنه بدل اشتمال من الضمير المنصوب في سنعيدها أي سنعيد سيرتها الأولى وهي كونها كانت عصا.﴿ وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ ﴾ الجناح حقيقة في الطائر ثم أطلق على العضد مجاز أو في الكلام حذف إذ لا يترتب الخروج على الضم وإنما يترتب على الإِخراج والتقدير واضمم يدل إلى جناحك ينضم وأخرجها تخرج فحذف من الأول وأبقى مقابله ومن الثاني وأبقى مقابله وهو اضمم لأنه معنى ادخل كما تبين في الآية الأخرى.﴿ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ ﴾ قيل خرجت بيضاء تضيء وتشف كأنها شمس وكان آدم اللون وانتصب بيضاء على الحال. و ﴿ سُوۤءٍ ﴾ الرداءة والقبح في كل شىء وقوله: من غير سوء متعلق ببيضاء لأنه لو قال بيضاء لأوهم ذلك من برص أو بهق وانتصب:﴿ آيَةً ﴾ على الحال * وقال الزمخشري: يجوز أن يكون منصوباً على إضمار خذ ودونك وما أشبه ذلك يحذف لدلالة الكلام كذا قال: " انتهى " * أما تقديره فشائع وأما دونك فلا يسوغ لأنه اسم فعل من باب الإِغراء ولا يجوز حذفه لأنه حذف منه في الأصل العامل فيه وناب منابه فلا يجوز أن يحذف النائب والمنوب منه ولذلك لم يجر مجراه في جميع أحكامه. و ﴿ أُخْرَىٰ ﴾ أي غير الآية الأولى التي هي قلب العصا حية واللام في لنريك لام كي. و ﴿ ٱلْكُبْرَىٰ ﴾ صفة لقوله: آياتنا فوصف الجمع بما يوصف به المفرد ولو كان ذلك في الكلام لكان الوصف مطابقاً في الجمع للموصوف فكان يكون الكبر لكن حسن هذا كون الكبرى فاصلة * قال الزمخشري: لنرينك أي حد هذه الآية أيضاً بعد قلب العصا حية لنريك بهاتين بعض آياتنا الكبرى أو لنريك بهما الكبرى من آياتنا أو لنرينك من آياتنا الكبرى فعلنا ذلك يعني أنه أجاز أن يكون مفعول لنريك الثاني الكبرى أو يكون من آياتنا في موضع المفعول الثاني ويكون الكبرى صفة لآياتنا على حد الأسماء الحسنى ومآرب أخرى مجريان مثل هذا الجمع مجرى الواحدة المؤنثة وأجاز هذين الوجهين من الإِعراب الحوفي وابن عطية وأبو البقاء والذي نختاره أن يكون من آياتنا في موضع المفعول الثاني والكبرى صفة لآياتنا لأنه يلزم من ذلك أن تكون آياته تعالى كلها هي الكبرى لأن ما كان بعض الآيات الكبرى صدق عليه أنه آية الكبرى فإِذا جعلت الكبرى مفعولاً فلا يمكن أن يكون صفة للعصا واليد معاً لأنهما كانا يلزم التثنية في وصفهما وكان يكون التركيب الكبريين ولا يمكن أن يخص أحدهما لأن كلاً منهما فيها معنى التفضيل ويبعد ما قال الحسن من أن اليد أعظم في الإِعجاز من العصا لأنه ذكر عقيب اليد لنريك من آياتنا الكبرى لأنه جعل الكبرى مفعولاً ثانياً لنريك وجعل ذلك راجعاً إلى الآية القريبة وهي إخراج اليد بيضاء من غير سوء وقد ضعف قوله هذا لأنه ليس في اليد إلا تغير اللون وأما العصا ففيها تغير اللون وخلق الزيادة في الجسم وخلق الحياة والقدرة والأعضاء المختلفة وابتلاع الحجر والشجر ثم عادت عصا بعد ذلك فقد وقع التغيير مراراً فكانت أعظم من اليد ولما أراه الله تعالى هاتين المعجزتين العظيمتين في نفسه وفيما يلابسه وهو العصا أمره بالذهاب إلى فرعون رسولاً من عنده تعالى وعلل حكمه الذهاب إليه بقوله: انه طغى وخص فرعون وإن كان مبعوثاً إليهم كلهم لأنه رأس الكفر ومدعي الإِلهية وقومه تباعه.﴿ قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي ﴾ الآية سأل ربه ورغب في أن يشرح صدره ليحتمل ما يرد عليه من الشدائد التي يضيق لها الصدر * والعقدة استعارة للثقل الذي كان في لسانه خلقة وقيل كان من الجمرة التي أدخلها فاه في قصة حكيت في البحر قال الزمخشري: وفي تنكيره العقدة ولم يقل واحلل عقدة لساني أنه طلب حل بعضها إرادة أن يفهم عنه فهماً جيداً ولم يطلب الفصاحة الكاملة ومن لساني صفة للعقدة كأنه قيل عقدة من عقد لساني " انتهى " يظهر أن من لساني متعلق باحلل لا في موضع الصفة لعقدة وكذا قال الحوفي وأجاز أبو البقاء الوجهين * والوزير المعين القائم بوزر الأمور أي بثقلها فوزير الملك يتحمل عنه أوزاره ومؤنه وقيل من الوزر وهو الملجأ يلتجىء إليه الإِنسان ويجوز أن يكون وزيراً مفعولاً أول والمفعول الثاني من أهلي ويجوز أن يكون هارون مفعولاً أول ووزيراً مفعولاً ثانياً ويجوز في الوجه الأول أن يكون هارون مفعولاً أول ووزيراً مفعولاً ثانياً ويجوز في الوجه الأول أن يكون هارون بدلاً من وزيراً بدل معرفة من نكرة ولا يجوز أن يكون عطف بيان للتخالف لكون وزيراً نكرة وهارون معرفة قال الزمخشري: وإن جعل يعني أخي عطف بيان جاز وحسن " انتهى " يبعد فيه عطف البيان لأن الأكثر أن يكون الأول دونه في الشهرة والأمر هنا بالعكس وقرىء: أشدد بهمزة قطع جواباً لقوله: اجعل وقرىء: بوصل الهمزة وهو طلب من موسى عليه السلام لربه أن يشد أزره به * وأشركه على معنى الدعاء في شد الأزر فكان هارون أكبر من موسى عليه السلام بأربعة أعوام وجعل موسى ما رغب فيه وطلبه من نعم سبباً يلزم فيه العبادة والاجتهاد في أمر الله والتظافر على العبادة والتعاون فيها مثير للرغبة والتزيد من الخير.
﴿ كَيْ نُسَبِّحَكَ ﴾ أي ننزهك عما لا يليق بك.﴿ وَنَذْكُرَكَ ﴾ بالدعاء والثناء عليك وقدم التسبيح لأنه تنزيهه تعالى في ذاته وصفاته وبراءته عن النقائص ومحل ذلك القلب والذكر الثناء على الله تعالى بصفات الكمال ومحله اللسان فلذلك قدّم ما محله القلب * وكثيراً نعت لمصدر محذوف.﴿ إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً ﴾ أي عالماً بأحوالنا والسؤل فعل بمعنى المسؤول كالخبز والأكل بمعنى المخبوز والمأكول والمعنى أعطيت طلبتك وما سألته من شرح الصدر وتيسير الأمر وحل العقدة وجعل أخيك وزيراً وذلك من المنة عليه ثم ذكره تعالى تقديم منته عليه على سبيل التوقيف ليعظم اجتهاده وتقوى بصيرته * ومرة معناه منة وأخرى تأنيث أخر بمعنى غير أي منة غير هذه المنة.﴿ إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ ﴾ قال الجمهور: هو وحي إلهام كقوله تعالى:﴿ وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ ﴾[النحل: ٦٨] وقيل وحي إعلام إما بإراءة ذلك في المنام وامّا ببعث ملك إليها لا على جهة النبوة كما بعثه إلى مريم وهذا هو الظاهر لظاهر قوله: يأخذه عدو لي وعدو له ولظاهر آية القصص﴿ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾[القصص: ٧] * وان يحتمل أن تكون مفسرة بمعنى أي: لأنه تقدم أوحينا وهو بمعنى القول ويحتمل أن تكون مصدرية وصلت الأمر * التابوت كان من خشب سدت خروقه وفرشت فيه نطعاً وقطناً محلوجاً وسرت فمه وجصصته وألقته في اليم وهو اسم للبحر العذب والظاهر أن الضمير في:﴿ فَٱقْذِفِيهِ ﴾ عائد على موسى وكذلك الضمير ان بعده إذ هو المحدث عنه لا التابوت إنما ذكر التابوت على سبيل الوعاء والفضلة.﴿ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ ﴾ إنما ذكره بلفظ الأمر لسابق علمه بوقوع المخبر به على ما أخبر به وكان البحر مأمور متمثل للأمر.﴿ يَأْخُذْهُ ﴾ جواب الأمر الذي هو فليقله والظاهر أن البحر ألقاه بالساحل فالتقطه منه والعدو الذي لله ولموسى هو فرعون وأخبرت به أم موسى على طريق الإِلهام ولذلك قالت لأخته قصيه وهي لا تدري أين استقر.﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي ﴾ قيل محبة آسية وفرعون وكان فرعون أحبه حباً شديداً حتى لا يتمالك أن يصبر عنه وكذا من رآه ومني يجوز أن يكون متعلقاً بألقيت ويجوز أن يكون في موضع الصفة فيتعلق بمحذوف تقديره كائنة مني وقرأ الجمهور: ولتصنع بكسر لام كي وضم التاء ونصب الفعل أي لتربى ويحسن إليك وأنا مراعيك وراقبك كما يراعي الرجل الشىء بعينه إذا اعتنى به وهو معطوف على محذوف أي ليتلطف بك ولتصنع أو متعلقة بفعل متأخر تقديره فعلت ذلك.﴿ إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ ﴾ قيل إسمها مريم * قيل سبب ذلك أن آسية عرضته للرضاع فلم يقبل امرأة فجعلت تنادي عليه في المدينة ويطاف به ويعرض للمراضع فيأبى وبقيت أمه بعد قذفه في اليم مغمومة فأمرت أخته بالتفيتش في المدينة لعلها تقع على خبره فبصرت به في طوافها فقالت: أنا أدلكم على من يكفله لكم وهم له ناصحون فتعلقوا بها وقالوا: أنت تعرفين هذا الصبي فقالت: لا ولكني أعلم من أهل هذا البيت الحرص على التقرب إلى الملكة والجد في خدمتها ورضاها فتركوها وسألوها الدلالة فجاءت بأم موسى عليه السلام فلما قربته شرب ثديها فسرت آسية بذلك وقالت لها: كوني معي في القصر، فقالت: ما كنت لأدع بيتي وولدي ولكنه يكون عندي، قالت: نعم، فأحسنت إلى أهل ذلك البيت غاية الإِحسان واعتز بنو إسرائيل بهذا الرضاع والنسب من الملكة ولما كمل رضاعه أرسلت آسية إليها أن جيئيني بولدي ليوم كذا وأمرت خدمها ومن لها أن يلقينه بالهدايا والتحف واللباس فوصل إليها على ذلك وهو بخير حال وأجمل شأن فسرت به ودخلت به على فرعون ليراه وليهبه فأعجبه وقربه إليه فأخذ موسى عليه السلام بلحيته وتقدم ما جرى له عند ذكر العقدة * وإذ بدل من إذ في قوله: إذ أوحينا فالعامل فيها مشى وقرىء: تقر بكسر القاف وتقدم أنهما لغتان في قوله:﴿ وَقَرِّي عَيْناً ﴾[مريم: ٢٦] وقرأ جناح بن حبيش بضم التاء وفتح القاف مبنياً للمفعول.﴿ وَقَتَلْتَ نَفْساً ﴾ هو القبطي الذي استغاثه عليه الإِسرائيلي قتله وهو ابن اثنتي عشرة سنة واغتم بذلك خوفاً من عقاب الله ومن اقتصاص فرعون فغفر الله له ذلك باستغفاره حين قال:﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَٱغْفِرْ لِي ﴾[القصص: ١٦] ونجاه من فرعون حين هاجر به إلى مدين والغم ما يغم على القلب بسبب الخوف من القتل * وفتوناً مصدر وفتناك خلصناك من محنة إلى محنة ولد في عام كان يقتل فيه الولدان وألقته أمه في البحر وهم فرعون بقتله وقتل قبطياً فخرج خائفاً إلى أهل مدين فلبث سنين وكان عمره حين ذهب إلى مدين اثني عشر عاماً والسنون التي لبثها في مدين عشر سنين وأقام عشرة أعوام في رعي غنم شعيب ثم ثمانية عشرة عاماً بعد بنائه بامرأته بنت شعيب وولد له فكمل له أربعون سنة وهي المدة التي عادة الله إرسال الأنبياء على رأسها.﴿ ثُمَّ جِئْتَ ﴾ أي المكان الذي ناجيتك فيه وكلمتك واستنبأتك.﴿ عَلَىٰ قَدَرٍ ﴾ أي وقت معين قدرته لم تتقدم ولم تتأخر عنه.﴿ وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ﴾ أي جعلتك موضع الصنيعة ومقر الإِجمال والإِحسان وأخلصتك بالالطاف واخترتك لمحبتي يقال اصطنع فلان فلاناً اتخذه صنيعه وهو افتعال من الصنع وهو الإِحسان إلى الشخص حتى يضاف إليه فيقال هذا صنيع فلان.﴿ ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي ﴾ أمره الله أولاً بالذهاب إلى فرعون فلما دعا ربه وطلب منه أشياء كان منهما أن يشرك أخاه هارون فذكر الله عالى أنه آتاه سؤله وكان منه إشراك أخيه فأمره هنا وأخاه بالذهاب * وأخوك معطوف على الضمير المستكن في اذهب المؤكد بأنت وتقدم الكلام على نظيره في قوله:﴿ فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ ﴾[الآية: ٢٤] في المائدة وظاهر بآياتي الجمع فقيل هي العصا واليد وحل عقدة لسانه.﴿ وَلاَ تَنِيَا ﴾ أي لا تفترا ولا تقصرا والوني الفتور يقال ونايني ولما حذف من يذهب إليه في الأمر قبله نص عليه في هذا الأمر الثاني فقيل.﴿ ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ ﴾ أي بالرسالة ونبه على سبب الذهاب إليه بالرسالة من عنده بقوله:﴿ إِنَّهُ طَغَىٰ ﴾ أي مجاوزاً الحد في الفساد ودعواه الربوبية والألوهية من دون الله.﴿ فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً ﴾ القول اللين هو مثل ما في سورة النازعات هل لك إلى أن تزكى الآيات وهذا من لطيف الكلام إذا أبرز ذلك في صورة الاستفهام والعرض لما فيه من الفوز العظيم.﴿ لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ ﴾ والترجي بالنسبة لهما إذ هو مستحيل وقوعه من الله أي اذهبا على رجائكما وطمعكما وباشرا الأمر مباشرة من يرجو ويطمع أن يثمر عمله ولا يخيب سعيه وقوله: يتذكر حالة نشأته صغيراً وأنه حدث بعد أن لم يكن موجوداً.﴿ أَوْ يَخْشَىٰ ﴾ عقاب الله في دعواه الربوبية وفرط سبق ومنه الفارط السابق والمعنى أننا نخاف أن يعجل علينا بالعقوبة ويبادرنا بها أو أن يطغى في التخطي إلى أن يقول فيك ما لا ينبغي لجرأته عليك وقسوة قلبه وفي المجيء به هكذا على سبيل الإِطلاق والرمز باب من حسن الأدب وتجاف عن التفوه بالعظيمة.﴿ إِنَّنِي مَعَكُمَآ ﴾ المعية هنا بالنصرة والعون.﴿ أَسْمَعُ ﴾ أقوالكما.﴿ وَأَرَىٰ ﴾ أفعالكما وقال ابن عباس: أسمع جوابه لكما وأرى ما يفعل بكما وهما كناية عن العلم.﴿ فَأْتِيَاهُ ﴾ كرر الأمر بالإِتيان.﴿ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ ﴾ وخاطباه بقولكما ربك تحقيراً له وإعلاماً أنه مربوب مملوك إذ كان هو يدعي الربوبية وأمراً بدعواته إلى أن يبعث معهما بني إسرائيل ويخرجهم من ذل خدمة القبط وكانوا يعذبونهم بتكليف الأعمال الشاقة من الحفر والبناء ونقل الحجارة والسخرة في كل شىء مع قتل الولدان واستخدام النساء وقد ذكر في هذه الآية دعاءه إلى الإِيمان فجملة ما دعي إليه فرعون الإِيمان وإرسال بني إسرائيل ثم ذكرا ما يدل على صدقهما في إرسالهما إليه فقالا:﴿ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ ﴾ وتكرر أيضاً قولهما من ربك على سبيل التوكيد بأنه مربوب مقهور والآية التي أحالا عليها هي العصا واليد ولما كانا مشتركين في الرسالة صح نسبة المجيء بالآية إليهما وإن كانت صادرة من أحدهما قد جئناك بآية من ربك جارية من الجملة الأولى وهي انا رسولا ربك مجرى البيان والتفسير لأن دعوى الرسالة لا يثبت الدعوى برهانها وكأنه قال: قد جئناك بمعجزة وبرهان وحجة على ما ادعيناه من الرسالة وكذلك قد جئتكم ببينة من ربكم فائت بآية ان كنت من الصادقين.﴿ وَٱلسَّلاَمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰ ﴾ مندرج متصل بقوله انا قد أوحي إلينا فيكون إذ ذاك خبراً بسلامة المهتدين من العذاب وفيه تنبيه على أن فرعون ليس من اتبع الهدى.
﴿ إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ ﴾ الآية أوحي مبني للمفعول والمفعول الذي لم يسم فاعله مصدر منسبك من أن وما بعدها تقديره أوحي إلينا كينونة العذاب على من كذب وفيه تنبيه على أن فرعون ممن كذب وتولى.﴿ قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ ﴾ الآية بين قال: وفمن محذوف تقديره سمعت قولكما فمن ربكما وخاطبهما معاد أفرد موسى عليه السلام بالنداء إذ كان صاحب عظم الرسالة وهارون وزيره وتابعه واستبد موسى عليه السلام بجواب فرعون من حيث خصه بالسؤال والنداء معاً ثم أعلمه من صفات الله بالصفة التي لا شرك فيها لفرعون بوجه ولا مجاز والمعنى أعطى كل ما خلق خلقته وصورته على ما يناسبه من الاتقان.﴿ ثُمَّ هَدَىٰ ﴾ أي يسر كل شىء لمنافعه ومرافقه فأعطى العين الهيئة التي تطابق الابصار والإِذن الشكل الذي يناسب الاستماع وكذلك الأنف واليد والرجل واللسان كل واحد منهما يطابق لما علق به من المنفعة غير ناب عنه قال الزمخشري: والخلق المخلوق لأن البطش والرؤية والنطق معان مخلوقة أودعها الله للأعضاء.﴿ قَالَ فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَىٰ ﴾ لما أجابه موسى عليه السلام بجواب فسكت ولم يقدر فرعون على معارضته فيه انتقل إلى سؤال آخر وهو ما حال من هلك من القرون وذلك على سبيل الروغان عن الإِعتراف بما قال موسى وما أجابه به والحيدة والمغالطة قيل سأله عن أخبارها وأحاديثها ليختبر أهما نبيان أو هما من جملة القصاص الذين دارسوا قصص الأمم السالفة ولم يكن عنده عليه السلام علم إذ التوراة إنما نزلت عليه بعد هلاك فرعون فقال:﴿ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ﴾ والكتاب هنا اللوح المحفوظ وقيل فيما كتبته الملائكة من أحوال البشر.﴿ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي ﴾ الكتاب.﴿ وَلاَ يَنسَى ﴾ ما فيه.﴿ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً ﴾ الآية لما ذكر موسى عليه السلام دلالته على ربوبية الله تعالى وتم كلامه عند قوله: ولا ينسى ذكر تعالى ما نبه به على قدرته ووحدانيته فأخبر عنه نفسه بأنه هو الذي صنع كيت وكيت وإنما ذهبنا إلى أن هذا هو من كلام الله تعالى لقوله تعالى فأخرجنا به وقوله كلوا وارعوا أنعامكم وقوله: ولقد أريناه فيكون قوله: فأخرجنا وأريناه التفاتاً من ضمير الغائب في جعل وسلك إلى ضمير المتكلم المعظم نفسه ولا يكون الإِلتفات من قائلين، وقرىء: مهداً ومهاداً ومعنى سبلاً أي طرقاً وأزواجاً أصنافاً وشتى صفة للأزواج والألف فيها للتأنيث ووزنها فعلى * ومن نبات صفة لقوله أزواجاً يتعلق بمحذوف تقديره كائنة من أنبات وتأخر جعل الاسم صفة على المجرور الذي هو صفة مراعاة لكون شتى فاصلة ومعنى شتى مختلفة الطعم واللون والرائحة والشكل بعضها يصلح للناس وبعضها يصلح للبهائم.﴿ كُلُواْ وَٱرْعَوْا أَنْعَامَكُمْ ﴾ أمر إباحة معمول بحال محذوفة أي فاخرجنا قائلين أي آذنين في الانتفاع بها مبيحين أن يأكلوا بعضها ويعلفوا بعضها عدي ارعوا ورعى يكون لازماً ومتعدياً تقول رعيت الدابة رعياً ورعاها صاحبها رعاية إذا سامها وسرحها وأراحها وأشار بقوله:﴿ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ ﴾ للآيات السابقة من جعل الأرض مهداً وسلك سبلها وإنزال الماء وإخراج النبات وقالوا: النهي جمع نهية وهو العقل سمي بذلك لأنه ينهى عن القبائح والضمير في منها عائد على الأرض وأراد خلق أصلهم آدم عليه السلام وقيل من الأغذية التي تتولد من الأرض فيكون ذلك تنبيهاً على ما توالدت منه الاخلاط المتولد منها الإِنسان فهو من باب مجاز الحذف.﴿ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ ﴾ أي بالدفن فيها.﴿ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ ﴾ أي بالبعث تارة أي مرة أخرى نؤلف أجزاءهم المتفرقة ونردهم كما كانوا أحياء وقوله أخرى أي إخراجه أخرى لأن معنى قوله: منها خلقناكم أخرجناكم.﴿ وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا ﴾ هو إخبار من الله لمحمد عليه السلام وهذا يدل على أن قوله: فأخرجنا إنما هو خطاب له صلى الله عليه وسلم وأريناه آياتنا هي المنقولة من رأى البصرية ولذلك تعدت إلى اثنين بهمزة النقل وآياتنا ليس عاماً إذ لم يره تعالى جميع الآيات وإنما المعني آياتنا التي رآها فصارت الإِضافة تفيد ما يفيده الألف واللام من العهد وإنما رأى العصا واليد والطمسة وغير ذلك مما رآه فجاء التوكيد بالنسبة لهذه الآيات المعهودة فكذب بها جميعاً وأبى أن يقبلها أو شيئاً منها وفي قوله.﴿ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا ﴾ وهن ظهر منه كثير واضطراب لما جاء به موسى عليه السلام إذ علم أنه على الحق وأنه غالبه على ملكه لا محالة وذكر علة المجيء وهي إخراجهم وألقاها في مسامع قومه ليصيروا مبغضين له إذ الاخراج من الموطن مما يشق وجعله الله مساوياً للقتل في قوله:﴿ أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ أَوِ ٱخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُمْ ﴾[النساء: ٦٦] وقوله:﴿ بِسِحْرِكَ ﴾ تعلل وتحير لأنه لا يخفى عليه أن ساحراً لا يقدر أن يخرج ملكاً مثله من أرضه ويغلبه على ملكه بالسحر وأورد ذلك على سبيل الشبهة الطاعنة في النبوة وان المعجز إنما يتميز عن السحر بكون المعجز مما يتعدد معارضته فقال:﴿ فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ ﴾ ويدل على أن أمر موسى عليه السلام قد قوي وكثرت منعته من بني إسرائيل ووقع أمره في نفوس إذ هي مقالة من يحتاج إلى الحجة لا من يصدع بأمر نفسه وأرضهم هي أرض مصر وخاطبه بقوله: بسحرك لأن الكلام كان معه والعصا واليد إنما ظهرتا من قبله فلنأتينك جواب لقسم محذوف أوهم الناس أن ما جاء به موسى عليه السلام إنما هو من باب السحر وأن عنده من يقاومه في ذلك فطلب ضرب موعد للمناظرة بالسحر والظاهر أن موعداً هنا هو زمان أي فعين لنا وقت اجتماع ولذلك أجاب بقوله: موعدكم يوم الزينة ومعنى لا نخلفه أي لا نخلف ذلك الوقت في الاجتماع فيه وقوله: ولا أنت معطوف على الضمير المستكن في نخلفة المؤكد بنحن.﴿ سُوًى ﴾ صفة لقوله مكاناً وقرىء: سوى بكسر السين وضمها وكون فعل صفة قليل قالوا: منزل زيم أي متفرق أهله وفعل صفة كثير نحو حطم وليد والظاهر أن قوله: موعداً يراد به زمان الوعد ولذلك أجاب بقوله: موعدكم يوم الزينة وأن يحشر أن مع الفعل بتأويل المصدر في موضع جر تقديره يوم الزينة وحشر الناس وروي أن يوم الزنية كان عيداً لهم ويوماً مشهوداً عندهم وصادف يوم عاشوراء وكان يوم السبت قال الزمخشري * فإِن قلت فبم ينتصب مكاناً * قلت بالمصدر أو بفعل يدل عليه المصدر * فإِن قلت كيف يطابقه الجواب * قلت اما على قراءة الحسن فظاهر واما على قراءة العامة فعلى تقدير وعدكم وعد يوم الزينة ويجوز على قراءة الحسن أن يكون موعدكم مبتدأ بمعنى الوقت وضحى خبره على نية التعريف فيه لأنه ضحى ذلك اليوم بعينه " انتهى " قوله: إن مكاناً ينتصب بالمصدر ليس بجائز لأنه قد وصف قبل العمل بقوله لا نخلفه وهو موصول والمصدر إذا وصف قبل العمل لم يجز أن يعمل عندهم وقوله: ضحى خبره على نية التعريف فيه لأنه ضحى ذلك اليوم بعينه وهو وان كان ضحى ذلك اليوم بعينه ليس على نية التعريف بل هو نكرة وإن كان من يوم بعينه لأنه ليس معدولاً عن الألف واللام كسحر ولا هو معرف بالاضافة ولو قلت جئت يوم الجمعة بكراً لم تدع أن بكراً معرفة وإن كنا نعلم أنه من يوم بعينه وانتصب مكاناً بإِضمار فعل تقديره عدنا مكاناً سوي.﴿ فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ ﴾ أي معرضاً عن قبول الحق.﴿ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ﴾ أي ذوي كيده وهم السحرة وكانوا عصابة لم يخلق الله أسحر منها ثم أتى الموعد الذي كانوا تواعدوه وأتى موسى عليه السلام بمن معه من بني إسرائيل.﴿ قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ ﴾ الآية وتقدم تفسير ويل في البقرة خاطبهم خطاب محذور ندبهم إلى قول الحق إذا رأوه وألا يباهتوا بكذب فيسحتكم أي يهلككم ويستأصلكم وفيه دلالة على عظم الافتراء وأنه يترتب عليه هلاك الاستئصال ثم ذكر أنه لا يظفر بالبغية ولا ينجح وطلبه من افترى على الله الكذب.﴿ فَيُسْحِتَكُم ﴾ منصوب بإِضمار أن بعد الفاء وهو جواب للنهي في قوله ولا تفتروا وقرىء: يسحتكم من أسحت ويسحتكم من سحت.﴿ فَتَنَازَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ ﴾ أي تجاذبوه والتنازع يقتضي الاختلاف وإسرارهم النجوى خيفة من فرعون أن يتبين فيهم ضعفاً لأنهم لم يكونوا مصممين على غلبة موسى عليه السلام بل كان ظناً من بعضهم وقال ابن عباس: ان نجواهم إن غلبنا موسى اتبعناه * وأمرهم مفعول بتنازعوا فتعدى لمفعول واحد وقال الشاعر: فما تنازعنا الحديث واسمحت   هصرت بعض ذي شماريخ ميالولو حذفت الباء لتعدى الفعل إلى اثنين تقول نازعت زيداً الحديث.﴿ قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَانِ ﴾ قرىء: هذين بالياء وهم اسم ان وقرىء بالألف وهي لغة لطوائف من العرب بني الحارث بن كعب وبعض كنانة وخثعم وزبيد وبني العنبر وبني الهجيم ومراد وعذرة يجعلون المثنى بالألف رفعاً ونصباً وجراً وقال شاعرهم في النصب أعرف منها الأنف والعينانا وقال في الجرفأطرق إطراق الشجاع ولو رأى   مضيا لنا باه الشجاع لصممايريد لنابيه وقرىء: ان هذان بتخفيف ان وهي المخففة من الثقيلة وهذان مبتدأ ولساحران الخبر واللام هي الفارقة بين ان النافية وان المخففة من الثقيلة وقوله: يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما تبعوا فيه مقالة فرعون في قوله: أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك ونسبوا السحر أيضاً لهارون لما كان مشتركاً معه في الرسالة وسالكاً طريقته وعلقوا الحكم على الظاهر عندهم وأرضكم هي أرض مصر ووصفوهما بالسحر تنقيصاً لهما وحطاً من قدرهما وقد كان ظهر لهم من أمر اليد والعصا ما يدل على صدقهما وعلموا أنه ليس في قدرة الساحر أن يأتي بمثل ذلك والظاهر أن الضمير في قالوا عائد على السحرة خاطب بعضهم بعضاً * والمثلى تأنيث الأمثل أي الفضلى الحسنى وقرىء: فأجمعوا بهمزة الوصل من جمع وفأجمعوا بقطع الهمزة من أجمع وتقدّم الكلام على هذا في يونس والظاهر أنه من كلام السحرة بعضهم لبعض وانتصب صفاً على الحالين أي مصطفين.﴿ وَقَدْ أَفْلَحَ ٱلْيَوْمَ ﴾ أي ظفر فاز ببغيته من طلب العلو في أمره وسعا سعيه واختلفوا في عدد السحرة اختلافاً كثيراً فأقل ما قيل أنهم كانوا اثنين وسبعين ساحراً مع كل ساحر عصى وحبال وأكثر ما قيل أنهم كانوا تسعمائة ألف ساحر.﴿ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ ﴾ الآية في الكلام حذف تقديره فجاؤوا مصطفين إلى مكان الموعد وبيد كل واحد منهم عصا وحبل وجاء موسى وأخوه ومعه عصاه ووقفوا أمامه وقالوا يا موسى إما أن تلقى وذكروا الإِلقاء لأنهم علموا أن آية موسى في إلقاء العصا قيل خيروه ثقة منهم بالغلب لموسى وكانوا يعتقدون أن أحد لا يقاومهم في السحر وأن وما بعدها ينسبك مصدراً فإِما أن يكون مرفوعاً وإما أن يكون منصوباً والمعنى أنك تختار أحد الأمرين فاختار أن يكون مبتدأ والخبر محذوف تقديره إلقاؤك أول ويدل عليه قوله:﴿ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ ﴾ فتحسن المقابلة من حيث المعنى لا من حيث اللفظ.﴿ قَالَ بَلْ أَلْقُواْ ﴾ ثم حذف تقديره فألقوا فإِذا حبالهم وإذا هي الفجائية وما بعدها مبتدأ * والضمير في إليه الظاهر أنه يعود على موسى لقوله: قبله قال: بل ألقوا ولقوله بعد فأوجس في نفسه خيفة موسى وأنها تسعى في موضع المفعول لقوله: يخيل أي سعيها والجملة من قوله: يخيل إلى آخرها في موضع خبر المبتدأ الذي هو حبالهم والرابط في الجملة هو الضمير الذي في تسعى أي تسعى هي أي الحبال والعصي والإِيجاس هو من الهاجس الذي يخطر بالبال وليس يتمكن وخيفة أصله خوفة قلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها وتأخر فاعل أوجس وهو موسى لكونه فاصلة وتقدم الضمير في نفسه وإن كان القياس تأخره فصار نظير ضرب غلامه زيد.﴿ إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ ﴾ تقرير لغلبته وقهره وتوكيد بالاستئناف وبكلمة التوكيد وبتكرير الضمير وبلام التعريف وبالاعلوية الدالة على التفضيل.﴿ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ ﴾ لم يأت التركيب وألق عصاك لما في لفظ اليمين من معنى اليمن والبركة وفي قوله:﴿ تَلْقَفْ ﴾ حمل على معنى ما لا على لفظها إذا أطلقت ما على العصا والعصا مؤنثة ولو حمل على اللفظ لكان بالياء وقرىء: تلقف وهو جواب الأمر وأصله تتلقف ولذلك أدغم البزي التاء في التاء وهو مضارع ماضيه تلقف وقرىء: تلقف وهو مضارع والماضي لقف.﴿ إِنَّمَا صَنَعُواْ ﴾ ما موصولة صلته صنعوا والضمير العائد على ما محذوف تقديره صنعوه وكيد خبر ان وقرىء: كيد سحر ومعنى لا يفلح أي لا يظفر ببغيته.﴿ حَيْثُ أَتَىٰ ﴾ أي حيث توجه وسلك.﴿ فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّداً ﴾ وجاء التركيب فألقى السحرة ولم يأت فسجدوا كأنهم أزعجوا بالأمر الذي جاءهم وهو عبارة عن سرعة ما تأثروا لذلك الخارق العظيم فلم يتمالكوا أن وقعوا ساجدين وقدم موسى في سورة الأعراف وأخر هارون لأجل الفواصل ولكون موسى عليه السلام هو المنسوب إليه العصا التي ظهر منها ما ظهر من الإِعجاز وأخر هنا موسى لأجل الفواصل وتقدّم الخلاف في قراءة آمنتم وفي لأقطعن ولأصلبن في الأعراف وتقدّم تفسير نظير هذه الآية فيها وجاء هناك آمنتم به وهنا له وآمن توصل بالباء إذا كان بالله وباللام لغيره في الأكثر نحو قوله: فما آمن لموسى لن نؤمن لك وما أنت بمؤمن لنا فآمن له لوط واحتمل الضمير في به أن يعود على موسى عليه السلام وأن يعود على الرب وأراد بالتقطيع والتصليب في الجذوع التمثيل بهم ولما كان الجذع مقراً للصلوب واشتمل عليه اشتمال الظرف على المظروف عدي الفعل بفي التي للوعاء ولتعلمن هنا معلق بأينا أشد وهي جملة استفهامية من مبتدأ وخبر في موضع نصب بقوله: ولتعلمن سدت مسدّاً لمفعولين أو في موضع مفعول واحد ان كان لتعلمن معدي تعدية عرف ويجوز على هذا الوجه أن تكون أينا مفعول لتعلمن وهو مبني على رأي سيبويه وأشد خبر مبتدأ محذوف وأينا موصولة والجملة بعدها صلته والتقدير ولتعلمنّ الذي هو أشد عذاباً وأبقى.
﴿ قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ ﴾ الآية أي لن نختار اتباعك وسلامتنا من عذابك على ما جاءنا من البينات وهي المعجزة التي أتتنا وعلمنا صحتها وفي قولهم: هذا توهين له واستصغار لما هدّدهم به وعدم اكتراث بقوله: وفي نسبة المجيء إليهم وإن كانت البينات جاءت لهم ولغيرهم لأنهم كانوا هم أعرف بالسحر من غيرهم وقد علموا أن ما جاءهم به موسى عليه السلام ليس بسحر وكانوا على جلية من العلم بالمعجز وغيرهم يقلدهم في ذلك والواو في والذي فطرنا واو عطف على ما جاءنا أي وعلى الذي فطرنا لما لاحت لهم حجة الله تعالى في المعجز بدؤوا بها ثم ترقوا إلى القادر على خرق العادة وهو الله وذكر وأوصف الاختراع وهو قولهم الذي فطرنا تبييناً لعجز فرعون وتكذيبه في ادعاء الربوبية والإِلهية وما موصولة بمعنى الذي وصلته أنت قاض والعائد محذوف تقديره ما أنت قاضيه ونظيره قول الشاعر: وتصغر في عيني تلادي إذا انثنت   يميني بإِدراك الذي كنت طالباًأي طالبه وفي قولهم فاقض أمر تحقير لفرعون وعدم مبالاة بما هددهم به وانتصب هذه الحياة على الظرف وما مهيئة وتحتمل أن تكون مصدرية أي إن قضاءك في هذه الحياة الدنيا لا في الآخرة ولم يصرح في القرآن بأنه أنفذ فيهم وعيده السابق بل الظاهر أنه تعالى سلمهم منه ويدل على ذلك قوله تعالى:﴿ أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَالِبُونَ ﴾[القصص: ٣٥] وإكراههم إياه على السحر حملهم على معارضته موسى عليه السلام مع علمهم أنه ليس بساحر.﴿ وَٱللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ﴾ رد على قوله: أينا أشد عذاباً وأبقى أي وثواب الله تعالى وما أعده لمن آمن به خير وأبقى.﴿ إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً ﴾ قيل هو حكاية قولهم عظة لفرعون وقيل خبر من الله تعالى لا على وجه الحكاية تنبيهاً على قبح ما فعل فرعون وحسن ما فعل السحرة وموعظة وتحذيراً والضمير في انه ضمير الأمر والشأن والجملة الشرطية بعده وجوابها في موضع خبر ان وحملت الضمائر فيها على لفظ من فأفردت وفي الجملة الآتية بعدها حملت أولاً على لفظ من فأفرد ثم ثانياً على معنى من فجمع في قوله: فأولئك لهم وجنات بدل من قوله: الدرجات ومعنى:﴿ تَزَكَّىٰ ﴾ أي تطهر من المعاصي.﴿ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ ﴾ الآية هذا استئناف إخبار عن شىء من أمر موسى عليه السلام وبينه وبين مقال السحرة المتقدم مدة من الزمان حدث فيها لموسى وفرعون حوادث وذلك أن فرعون لما انقضى أمر السحرة وغلب موسى وقوي أمره وعده فرعون أن يرسل معه بني إسرائيل فأقام موسى على وعده حتى غدره فرعون ونكث فأعلمه أنه لا يرسلهم معه فبعث الله حينئذٍ الآيات المذكورة في غير هذه الآيات كلما جاءت آية وعد فرعون أن يرسل بني إسرائيل عند انكشاف العذاب فإِذا انكشف نكث حتى تأتي أخرى فلما كملت الآيات أوحى ألله إلى موسى أن يخرج ببني إسرائيل في الليل سارياً والسري سير الليل ويحتمل أن تكون مفسرة وأن تكون الناصبة للمضارع وبعبادي إضافة تشريف والظاهر أن الإِيحاء إليه بذلك وبأن يضرب البحر كان متقدماً بمصر على وقت اتباع فرعون موسى وقومه بجنوده ويروى أن موسى عليه السلام نهض ببني إسرائيل وهم ستمائة ألف إنسان فسار بهم من مصر يريد بحر القلزم واتصل الخبر بفرعون فجمع جنوده وحشرهم ونهض وراءه فأوحى الله إلى موسى أن يقصد البحر فجزع بنو إسرائيل ورأوا أن العدو من ورائهم والبحر أمامهم وموسى يثق بصنع الله فلما رآهم فرعون قد نهضوا نحو البحر طمع فيهم وكان مقصدهم إلى موضع ينقطع فيه الفحوص والطرق الواسعة قيل وكان في خيل فرعون سبعون ألف أدهم ونسبة ذلك من سائر الألوان وقيل أكثر من ذلك فضرب موسى عليه السلام البحر فانفلق اثنتي عشرة فرقة طرقاً واسعة بينها حيطان الماء واقفة فدخل موسى عليه السلام البحر بعد أن بعث الله ريح لصبا فجففت تلك الطرق حتى يبست ودخل بنو إسرائيل ووصل فرعون إلى المدخل وبنو إسرائيل كلهم في البحر فرأى الماء على تلك الحالة فجزع قومه واستعظموا الأمر فقال لهم إنما انفلق من هيبتي وتقدّم غرق فرعون وقومه في البقرة والاعراف ويونس والظاهر أن لفظة اضرب هنا على حقيقتها من مس العصا البحر بقوة وتحامل على العصا ويوضحه في آية أخرى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق والمعنى أن اضرب بعصاك البحر لينفلق لهم فيصير طريقاً فتعدى إلى الطريق بدخول هذا المعنى لما كان الطريق متسبباً عن الضرب جعل كأنه المضروب. و ﴿ يَبَساً ﴾ مصدر وصف به الطريق وصفه بما آل إليه إذ كان حالة الضرب لم يتصف باليبس بل مرت عليه الصبا فجففته كما روي ويقال: يبس يبساً ويبساً كالعدم والعدم ومن كونه مصدراً وصف به المؤنث قالوا: شاة يبس وناقة يبس إذا جف لبنها وقرىء:﴿ لاَّ تَخَافُ ﴾ وهي جملة في موضع الحال وقرىء: لا تخف على جواب الأمر والدرك والدرك اسمان من الإِدراك أي لا يدركك فرعون وجنوده.﴿ وَلاَ تَخْشَىٰ ﴾ والظاهر أن الضمير في غشيهم في الموضعين عائد على فرعون وقومه والفاعل بغشيهم ما الموصولة أي الذي غشيهم وفي لفظة ما إبهام وتهويل وتعظيم كقوله تعالى:﴿ فَغَشَّاهَا مَا غَشَّىٰ ﴾[النجم: ٥٤].
﴿ وَمَا هَدَىٰ ﴾ أي ما هدى قومه إلى الدين أو ما اهتدى في نفسه لأن هدى قد يأتي بمعنى اهتدى.﴿ يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ ﴾ الآية ذكرهم بأنواع نعمه وبدأ بإِزالة ما كانوا فيه من الضرر من الإِذلال والخراج والذبح وهي آكد أن تكون مقدمة على المنفعة الدنياوية لأن إزالة الضرر أعظم في النعمة من اتصال تلك المنفعة ثم أعقب ذلك بذكر المنفعة الدينية وهو قوله تعالى: ﴿ وَوَاعَدْنَاكُمْ ﴾ جانب الطور الأيمن إذ أنزل على نبيهم موسى عليه السلام كتاباً فيه بيان دينهم وشرح شريعتهم ثم بذكر المنفعة الدنياوية وهو قوله تعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ ﴾ قال الزمخشري: وقرىء: الأيمن بالجر على الجوار نحو جحر ضب خرب " انتهى " هذا من الشذوذ والقلة بحيث ينبغي أن لا تخرّج القراءة عليه والصحيح أنه نعت للطور لما فيه من اليمن وإما لكونه على يمين من يستقبل الجبل والظاهر أن الخطاب لمن نجا مع موسى عليه السلام بعد إغراق فرعون وقومه فيحل منصوب بإِضمار أن بعد الفاء في جواب النهي فقد هوى أي سقط وهو كناية عن الهلاك.﴿ وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ ﴾ الآية وما أعجلك سؤال عن سبب العجلة وأجاب بقوله:﴿ هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ ﴾ لأن قوله: وما أعجلك تضمن تأخر قومه عنه فأجاب مشيراً إليهم لقربهم منه أنهم على أثره جائين للموعد وذلك على ما كان عهد إليهم أن يجيئوا للموعد ثم ذكر السبب الذي حمله على العجلة وهو ما تضمنه قوله: وعجلت إليك رب لترضى من طلبه رضا الله تعالى في السبق إلى ما وعده ربه ومعنى إليك أي إلى مكان وعدك ولترضى أي ليدوم رضاك ويستمر لأنه تعالى كان راضياً عنه.﴿ قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ ﴾ الآية أي اختبرناهم بما فعل السامري والسامري قيل اسمه موسى بن مظفر وقيل غير ذلك وتقدم في الاعراف كيفية اتخاذ العجل.﴿ فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ ﴾ وذلك بعدما استوفى الأربعين وانتصب غضبان أسفاً على الحال والأسف أشد الحزن ثم أخذ موسى عليه السلام يوبخهم على إضلالهم والوعد الحسن ما وعدهم من الوصول إلى جانب الطور الأيمن وما بعد ذلك من الفتوح في الأرض.﴿ أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ ﴾ توقيف على أعذار لم تكن ولا تصح لهم وهو طول العهد حتى تبين لهم خلف في الموعد وقرىء:﴿ بِمَلْكِنَا ﴾ بفتح الميم وضمها وكسرها قال أبو علي الفارسي فمعنى الضم أنه لم يكن لنا ملك فنخلف موعدك بسلطانه وإنما أخلفناه بنظر أدى إليه ما فعل السامري فليس المعنى أن لهم ملكاً وفتح الميم مصدر من ملك والمعنى ما فعلنا ذلك بأنا ملكنا الصواب ولا وقفنا له بل غلبتنا أنفسنا وكسر الميم كثر استعماله فيما تحوزه اليد ولكنه يستعمل في الأمور التي يبرمها الإِنسان ومعناها كمعنى التي قبلها والمصدر في هذين الوجهين مضاف إلى الفاعل والمفعول مقدر أي بملكنا الصواب والأوزار الأثقال أطلق على ما كانوا استعادوا من القبط برسم التزين أوزاراً لثقلها أو بسبب أنهم أثموا في ذلك فسميت أوزاراً لما حصلت الأوزار التي هي الآثام بسببها والقوم هنا القبط.﴿ فَقَذَفْنَاهَا ﴾ أي الحلي في النار وكان أشار عليهم بذلك السامري فحفرت حفرة وسجرت فيها النار وقذف كل من كان معه شىء من ذلك الحلي في النار وقذف السامري ما معه ومعنى فكذلك أي مثل إلقائنا إياها ألقى السامري ما كان معه فأخرج لهم أي السامري.﴿ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ ﴾ تقدم الكلام على مثل هذا في الاعراف والضمير في فقالوا لبني إسرائيل: أي: ضلوا حين قال كبارهم لصغارهم: وهذه إشارة إلى العجل والظاهر أن الضمير في:﴿ فَنَسِيَ ﴾ عائد على السامري أي فنسي إيمانه وإسلامه قاله ابن عباس: ثم بين تعالى فساد اعتقادهم بأن الألوهية لا تصلح لمن سلبت عنه هذه الصفات فقال:﴿ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً ﴾ والرؤية هنا بمعنى العلم ولذلك جاء بعدها أن المخففة من الثقيلة كما جاء ألم يروا أنه لا يكلمهم.﴿ وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ ﴾ الآية أشفق هارون على نفسه وعليهم وبذل لهم لا مساس أي لا مماسة ولا إذاية. النصيحة وبين أن ما ذهبوا إليه من أمر العجل إنما هو فتنة إذ كان مأموراً من عند الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن أخيه موسى عليه السلام أخلفني في قومي ولا يمكنه أن يخالف أمر الله وأمر أخيه والضمير في به عائد على العجل زجرهم أولاً هارون عن الباطل وإزالة الشبهة بقوله: إنما فتنتم به ثم نبههم على معرفة ربهم وذكر صفة الرحمة تنبيهاً على أنهم متى تابوا قبلهم وتذكير لتخليصهم من فرعون زمان لم يوجد العجل ثم أمرهم باتباعه تنبيهاً على أنه نبي يجب أن يتبع ويطاع أمره ولما وعظهم هارون ونبههم على ما فيه رشدهم اتبعوا سبيل الغي وقالوا: لن نبرح على عبادته مقيمين ملازمين له وعينوا ذلك برجوع موسى عليه السلام وفي قولهم: ذلك دليل على عدم رجوعهم إلى الاستدلال وأخذ بتقليدهم السامري * أن لا تتبعني أن هي الناصبة للمضارع وينسبك مصدراً أي ما منعك من اتباعي.﴿ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ﴾ استفهام إنكار وهو عليه السلام لم يعص كلام أخيه.﴿ قَالَ يَبْنَؤُمَّ ﴾ تقدّم الكلام على ابن أم في الاعراف.﴿ لاَ تَأْخُذْ ﴾ وكان قد شرع في أخذ رأس أخيه كما تقدم في قوله: وأخذ برأس أخيه يجره إليه لأن في ذلك إهانة واستعذر هارون لأخيه بقوله:﴿ إِنِّي خَشِيتُ ﴾ والتفريق الذي خشيه هو التقاتل بينهم لتكون أنت المتدارك لأمرهم ولما فزع من عتابه لأخيه وجواب لأخيه له رجع إلى مخاطبة الذي أوقعهم في الضلال وهو السامري قال ابن عطية: ما خطبك كما تقول ما شأنك وما أمرك لكن لفظ الخطب يقتضي انتهاراً لأن الخطب مستعمل في المكاره فكأنه قال: ما نحسك وما شؤمك وما هذا الخطب الذي جاء من قبلك " انتهى " هذا ليس كما ذكر ألا ترى إلى قوله تعالى:﴿ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ ﴾[الحجر: ٥٧] وهو قول إبراهيم لملائكة الله فليس هذا يقتضي انتهاراً ولا شيئاً مما ذكر وقرىء:﴿ فَقَبَضْتُ ﴾ بالضاد المعجمة فيهما أي أخذت بكفي مع الأصابع وقرىء: بالصاد فيهما وقال المفسرون الرسول هنا جبريل عليه السلام وتقديره من أثر حافر فرس الرسول والأثر التراب الذي تحت حافره وقال أبو مسلم الأصبهاني ليس في القرآن تصريح بما ذكره المفسرون وهنا وجه آخر وهو أن يكون المراد بالرسول موسى وأثره سنته ورسمه الذي أمر به فقد يقول الرجل فلان يقفو أثر فلان ويقتص أثره إذا كان يمتثل رسمه والتقدير أن موسى لما أقبل على السامري باللوم والمسئلة عن الأمر الذي دعاه إلى إضلال القوم في العجل.﴿ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ ﴾ أي عرفت أن الذي أنتم عليه ليس بحق وقد كنت قبضت قبضة من أثرك أيها الرسول أي شيئاً من دينك فنبذتها أي طرحتها فعند ذلك أعلمه موسى بماله من العذاب في الدنيا والآخرة وإنما أراد لفظ الاخبار عن غائب كما يقول الرجل لرئيسه وهو مواجه له ما يقول الأمير في كذا أو بماذا يأمر الأمير وأما تسميته رسولاً مع جحده وكفره فعلى مذهب من حكى الله عنه قوله:﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ﴾[الحجر: ٦]، وإن لم يؤمنوا بالإِنزال قيل وما ذكره أبو مسلم أقرب إلى التحقيق إلا أن فيه مخالفة المفسرين، قيل: ويبعد ما قالوه ان جبريل عليه السلام ليس معهوداً باسم رسول ولم يجر له فيما تقدم ذكر حين تكون اللام في الرسول السابق للذكر ولأن ما قالوه لا بد فيه من إضمار أي من أثر حافر فرس الرسول والاضمار خلاف الأصل ولأن اختصاص السامري برؤية جبريل ومعرفته من بين الناس يبعد جداً وكيف عرف أن أثر حافر فرسه يؤثر هذا الأثر الغريب العجيب من إحياء الجماد به وصيرورته لحماً ودماً وكيف عرف أن جبريل يتردد إلى نبي وقد عرف نبوته وصحت عنده فحاول الإِضلال وكيف اطلع كافر على تراب هذا شأنه فلقائل أن يقول لعل موسى اطلع على شىء آخر يشبه هذا فلأجله أتى بالمعجزات فيصير ذلك قادحاً فيما أتوا به من الخوارق.﴿ فَنَبَذْتُهَا ﴾ أي ألقيتها على الحلي الذي تصور منه العجل.﴿ وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ﴾ أي كما حدث ووقع قربت لي نفسي وجعلته لي سولاً وأرباً حتى فعلته كان موسى عليه السلام لا يقتل بني إسرائيل إلا في حد أو وحي فعاقبه باجتهاد نفسه بأن أبعده ونحاه عن الناس وأمر بني إسرائيل باجتنابه واجتناب قبيلته وأن لا يؤاكلوا ولا يناكحوا وجعل له أن يقول مدة حياته.
﴿ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً ﴾ أي القيامة لن تخلفه أي لن تستطيع الروغان عنه والحيدة فتزل عن موعد العذاب.﴿ وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ﴾ خاطبه وحده إذ كان هو رأس الضلال وهو ينظر لقولهم لن نبرح عليه عاكفين وأقسم لنحرقنه وهو أعظم فساد الصورة.﴿ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ ﴾ حتى تتفرق أجزاؤه فلا تجتمع وانتصب علماً على التمييز المنقول من الفاعل تقديره وسع علمه كل شىء.﴿ كَذٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ ﴾ الآية ذلك إشارة إلى نبأ موسى وبني إسرائيل وفرعون أي كقصنا هذا النبأ الغريب نقص عليك من أنباء الأمم السابقة وهذا فيه ذكر نعمة عظيمة وهي الاعلام باخبار الأمم السالفة ليتسلى بذلك ويعلم أن ما صدر من الأمم السالفة لرسلهم وما قامت الرسل منهم والظاهر أن الذكر هنا القرآن امتن تعالى عليه بإِيتائه الذكر المشتمل على القصص والاخبار الدال ذلك على معجزات أوتيها.﴿ مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ ﴾ أي عن القرآن بكونه لم يؤمن به ولم يتبع ما فيه وقرىء: يحمل مضارع حمل وقرىء: يحمل مشدداً والظاهر أنه عبر عن العقوبة بالوزر لأنه سببها ولذلك قال: خالدين فيه أي في العذاب والعقوبة وجمع خالدين والضمير في لهم حملاً على معنى من بعد الحمل على لفظها في أعرض وفي فإِنه يحمل والمخصوص بالذم محذوف تقديره وزرهم ولهم للبيان كهي في هيت لك لا متعلقة بساء وساء هنا التي جرت مجرى بئس لا ساء التي بمعنى أحزن وأهم لفساد المعنى.﴿ يَوْمَ يُنفَخُ ﴾ بدل من يوم القيامة أسند النفخ إلى الآمر به والنافخ هو إسرافيل ولكرامته أسند ما يتولاه إلى ذاته المقدسة * والصور تقدم الكلام عليه في سورة الأنعام والظاهر أن المراد هنا بالزرقة زرقة العيون والزرقة أبغض الألوان للعرب وكانت تتشاءم به.﴿ يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ ﴾ أي يتسارون بينهم لهول المطلع وشدة ذهاب أذهانهم عزب عنهم قدر المدة التي لبثوا فيها.﴿ إِن لَّبِثْتُمْ ﴾ أي في الدار الدنيا أو في البرزخ أو بين النفختين ثلاثة أقوال ووصف ما لبثوا فيه بالقصر.﴿ إِلاَّ يَوْماً ﴾ إشارة لقصر مدة لبثهم وإلا عشراً يحتمل أن يكون عشر ليال أو عشرة أيام لأن المذكر إذا حذف وأبقى عدده قد لا يأتي بالتاء وحكى الكسائي عن أبي الجراح صمنا من الشهر خمساً يريد خمسة أيام وما جاء ثم اتبعه بست من شوال يريد ستة أيام وحسن الحذف هنا كون ذلك فاصله رأس آية ذكر أولاً منتهى أقل العدد وهو العشر وذكر أعد لهم طريقة أقل العدد وهو اليوم الواحد ودل ظاهر قوله إلا يوماً على أن المراد بقولهم عشراً عشرة أيام * وضمير الغائب في ويسئلونك عائد على قريش منكري البعث والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والظاهر وجود السؤال وكأنه تضمن معنى الشرط ولذلك دخلت الفاء في قوله: فقل بخلاف السؤالات في القرآن فليس فيها الفاء بل لفظ قل وروي أن الله تعالى يرسل على الجبال ريحاً فتدكدكها حتى تكون كالعهن المنفوش ثم تتوالى عليها حتى تعيدها كالهباء المنبث فذلك هو النسف والظاهر عود الضمير في فيذرها على الجبال أي بعد النسف تبقى قاعاً أي مستوياً من الأرض معتدلاً.﴿ عِوَجاً ﴾ قال ابن عباس: ميلاً.﴿ وَلاۤ أَمْتاً ﴾ أثراً مثل الشراك.﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ ﴾ التنوين فيه للعوض من الجملة المحذوفة التقدير يوم إذ ينسف الله الجبال.﴿ يَتَّبِعُونَ ﴾ أي الخلائق داعي الله إلى المحشر نحو قوله: مهطعين إلى الداع وهو إسرافيل يقوم على صخرة بيت المقدس يدعو الناس فيقبلون من كل جهة يضع الصور في فيه ويقول أيتها العظام البالية والجلود المتمزقة واللحوم المتفرقة هلم إلى العرض على الرحمن والظاهر أن الضمير في له عائد على الداعي نفي عنه العوج أي لا عوج له غاية بل يسمع جميعهم فلا يميل إلى ناس دون ناس.﴿ وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ ﴾ هو على حذف مضاف أي أصحاب الأصوات * والهمس الصوت الخفي.﴿ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ﴾ هو على حذف مضاف تقديره إلا شفاعة من أذن له الرحمن أي في الشفاعة ومن في موضع رفع بدلاً من قوله الشفاعة على حذف المضاف الذي قلناه.﴿ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً ﴾ هو لا إله إلا الله قاله ابن عباس: والظاهر أن الضمير في أيديهم وما خلفهم عائد على الخلق المحشورين وهم متبعو الداعي والضمير في به عائد على الله أي لا يحيط علم أحد بالله إذ ليس داخلاً تحت تحديد وعلماً تمييز منقول من الفاعل أي ولا يحيط علمهم به والظاهر عموم الوجوه أي وجوه الخلائق وخص الوجوه لأن آثار الذل إنما تظهر أولاً في الوجوه.﴿ ٱلْقَيُّومِ ﴾ تقدم الكلام عليه في البقرة.﴿ وَقَدْ خَابَ ﴾ أي لم ينجح ولم يظفر بمطلوبه والظلم يعم الشرك والمعاصي وخيبة كل حامل بقدر ما حمل من الظلم.﴿ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾ من للتبعيض.﴿ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾ جملة في موضع الحال وقرىء: فلا يخاف على الخبر والتقدير فهو لا يخاف فهو مبتدأ ولا يخاف جملة في موضع الخبر وقرأ ابن محيصن وحميد فلا يخف على النهي والهضم نقص من الحسنات قاله ابن عباس: * وكذلك عطف على كذلك نقص أي ومثل ذلك الإِنزال أو كما أنزلنا عليك هذه الآيات المتضمنة الوعيد أنزلنا القرآن كله على هذه الوتيرة.﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ أي يتخذون وقاية من وعيد الله بالعذاب.﴿ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً ﴾ عظة بما حل بالأمم السالفة.﴿ فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ ﴾ لما كان فيما سبق تعظيم القرآن في قوله وقد آتيناك من لدنا ذكراً وكذلك أنزلناه قرآناً عربياً ذكر عظم منزله تعالى ثم ذكر هاتين الصفتين وهي صفة الملك التي تضمنت القهر والسلطنة والحق وهي الصفة الثابتة له.﴿ وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْآنِ ﴾ أي تأن حتى يفرغ الملقى إليك الوحي ولا تساوق في قراءتك قراءته والقاه كقوله تعالى:﴿ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴾[القيامة: ١٦].
﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ ﴾ الآية، لما تقدّم كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق كان من هذه الأنباء قصة آدم عليه السلام ليتحفظ بنوه من وسوسة الشيطان وعهده نهيه عن قربان تلك الشجرة وأكله منها والظاهر أن النسيان هنا الترك أي ترك ما وصى به من الاحتراس عن الشجرة وأكل ثمرتها والعزم التصميم والمضي.﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ﴾ الآية وأبى جملة مستأنفة مبنية أن امتناعه من السجود إنما كان عن إباء منه وامتناع، الظاهر حذف متعلق أي وأنه يقدر هنا ما صرح به في الاية الأخرى أي أن يكون من الساجدين وهذا إشارة إلى إبليس وعدو يطلق على الواحد والمثنى والمجموع عرف تعالى آدم عداوة إبليس له ولزوجه ليحذراه فلم يغن الحذر من القدر.﴿ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا ﴾ الظاهر أنه نهي لإِبليس عن إخراجهما والمعنى أنه لا تتعرضا لمخالفتكما إياي بالقربان والأكل فيخرجكم من الجنة فاقتصر بقوله فتشقى على شقاء آدم فقط لأن زوجته تابعة له ولأن لكلمة رأس آية.﴿ إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ ﴾ لما كان الشبع والري والكسوة والكن هي الأمور الضرورية للإِنسان اقتصر عليها لكونها كافية له وما أحسن المقابلة في هذه الأربعة فقابل الجوع بخلو الباطن والتعري بخلو الظاهر والظمأ بإِحراق الباطن والصخو بإِحراق الظاهر فقابل الخلو بالخلو والإِحراق بالإِحراق وأورد ذلك مورد النفي وقرىء: وإنك معطوفاً على أن لا تجوع وقرىء: وإنك على الاستئناف أو عطفاً على أن لك وتقدم الكلام في فوسوس وتعدى وسوس هنا بإِلى وفي الأعراف باللام فالتعدي إلى معناه أنهى الوسوسة إليه والتعدي بلام الجر قيل معناه لأجله ولما وسوس إليه ناداه باسمه ليكون أقبل عليه وأمكن للاستماع ثم عرض عليه ما يلقى بقوله:﴿ هَلْ أَدُلُّكَ ﴾ على سبيل الاستفهام الذي يشعر بالنصح ويؤثر قبول من يخاطبه كقول موسى لفرعون: هل لك إلى تزكى وهو عرض فيه مناصحة وكان آدم صلى الله عليه وسلم قدر عنه الله في دوام الراحة وانتظام المعيشة بقوله تعالى: ﴿ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا ﴾ الآية ورغبة إبليس في دوام الراحة وانتظام المعيشة بقوله: هل أدلك فجاءه إبليس من الجهة التي رغبه الله تعالى فيها وفي الأعراف ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الآية وهنا هل أدلك والجمع بينهما أن قوله هل أدلك يكون سابقاً على قوله: ما نهاكما لما رأى إصغاءه وميله إلى ما عرض عليه انتقل إلى الاخبار والحصر ومعنى عن شجرة الخلد أي الشجرة التي من أكل منها خلد وحصل له ملك لا يخلق.﴿ وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ﴾ قال القاضي أبو بكر بن العربي: لا يجوز لأحدنا اليوم أن يخبر بذلك عن آدم صلى الله عليه وسلم إلا إذا تلاه في أثناء كلامه تعالى أو قول نبيه صلى الله عليه وسلم فأما أن نبتدىء ذلك من قبل أنفسنا فليس بجائز لنا في أبائنا الأدنين لنا المماثلين لنا فكيف بأبينا الأقدم الأعظم الأكرم البني المقدم الذي اجتباه الله تعالى تاب عليه وغفر له والضمير في اهبطا ضمير تثنية وهو أمر لآدم وحواء وجعل هبوطهما عقوبتهما جميعاً حال منهما وبعضكم لبعض جملة حالية.﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي ﴾ الذكر يقع على القرآن وعلى سائر الكتب الإِلهية * وضنكاً مصدر يوصف به المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والمجموع والمعنى النكد الشاق من العيش والمنازل ومواطن الحرب وغيرها والظاهر أن قوله:﴿ أَعْمَىٰ ﴾ المراد به عمى البصر كما قال تعالى:﴿ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً ﴾[الإسراء: ٩٧].
﴿ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ ﴾ سأل العبد ربه عن السبب الذي استحق به أن يحشر أعمى لأنه جهله فظن أنه لا ذنب له فقال له جل ذكره:﴿ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ ﴾ أي مثل ذلك فعلت أنت ثم فسر بأن آياتنا أتتك واضحة مستنيرة فلم تنظر إليها بعين المعتبر ولم تتبصر وتركتها وعميت عنها فكذلك اليوم نتركك على عماك ولا نزيل غطاءه عن عينيك والنسيان هنا بمعنى الترك لا بمعنى الذهول ومعنى تنسى تترك في العذاب.
﴿ وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ﴾ أي مثل ذلك الجزاء نجزي.﴿ مَنْ أَسْرَفَ ﴾ أي جاوز الحد في المعصية ثم أخبر تعالى أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا لأنه أعظم منه وأبقى أي منه لأنه دائم مستمر وعذاب الدنيا منقطع.﴿ أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ ﴾ الآية وبخهم تعالى وذكرهم العبر بمن تقدّم من القرون ويعني بالاهلاك الاهلاك الناشىء عن التكذيب بالرسل وترك الإِيمان بالله واتباع رسوله والفاعل في ليهد ضمير عائد على الله ويؤيد هذا التخريج قراءة من قرأ بالنون نهد ومعناه نبين وكم خبرية مفعوله بأهلكنا التقدير كثيراً أهلكنا والضمير فى يمشون عائد على ما عاد عليه هم وهم الكفار الموبخون يريد قريشاً وغيرهم.﴿ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ ﴾ جملة في موضع الحال من ضمير لهم والعامل نهد أي ألم نبين للمشركين في حال مشيهم في مساكن من أهلك من الكفار وقيل حال من مفعول أهلكنا أي أهلكناهم غارين آمنين متصرفين في مساكنهم.﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ ﴾ أي ان في ذلك التبيين بإِهلاك القرون الماضية لآيات.﴿ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ ﴾ أي العقول السليمة لم يبين تعالى الوجه الذي لأجله لا ينزل العذاب معجلاً على من كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم والكلمة السابقة هي العدة بتأخير جزائهم إلى الآخرة قال تعالى:﴿ بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ ﴾[القمر: ٤٦] يقول: لولا العدة لكان العذاب لزاماً أي لازماً والظاهر عطف وأجل مسمى على كلمة وأخر المعطوف على المعطوف عليه وفصل بينهما بجواب لولا لمراعاة الفواصل ورؤوس الآي ثم أمره تعالى بالصبر على ما يقول مشركو قريش وهم الذين عاد عليهم الضمير في أفلم يهد لهم وأمره بالتسبيح مقروناً بالحمد وهو الثناء عليه قبل طلوع الشمس وهو صلاة الصبح وقبل غروبها وهي صلاة الظهر والعصر ومن آناء الليل الآناء جمع أني وهو الوقت ووزنه فعل كمعى وإمعاء وهو متعلق بقوله: فسبح كما تقول بزيد فامرر.﴿ وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ ﴾ منصوب على الظرف وهي أعم مما بين القبلين يشير إلى تنفل الضحى وغير ذلك.﴿ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ ﴾ قرىء: بفتح التاء وضمها.﴿ وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ ﴾ الآية تقدم الكلام على مثلها في سورة الحجر. و ﴿ زَهْرَةَ ﴾ منصوب على الظرف الزماني لإِضافتها إليه وقرىء: زهرة بفتح الهاء وسكونها نحو نهر ونهر ما يروق من النور وسراج زاهر له بريق وإلا نجم الزهر المضيئة وأزهر الشجر بدا نوره.﴿ لِنَفْتِنَهُمْ ﴾ متعلق بمتعنا والضمير في فيه عائد على ما الموصولة بمتعنا.﴿ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ ﴾ أي خير مما متعنا به هؤلاء في الدنيا.﴿ وَأَبْقَىٰ ﴾ أي أدوم.﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ ﴾ أمره تعالى بأن يأمر أهله بالصلاة التي هي بعد الشهادة آكد أركان الإِسلام وأمره بالاصطبار على مداومتها ومشاقها وأن لا يشتغل عنها وأخبره تعالى أنه لا يسأله أن يرزق نفسه ولا أن يسعى في تحصيل الرزق ويدأب في ذلك بل أمره بتفريغ باله لأمر الآخرة ويدخل في خطابه صلى الله عليه وسلم أمته.﴿ وَٱلْعَاقِبَةُ ﴾ أي الحميدة وأحسن العاقبة لأهل التقوى.﴿ وَقَالُواْ لَوْلاَ يَأْتِينَا ﴾ لولا للتحضيض وهذه عادتهم في اقتراح الآيات كأنهم جعلوا من ظهر من الآيات ليس بآيات فاقترحوا هم ما يختارون على ديدنهم في التعنت فأجيبوا بقوله:﴿ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ ﴾ كصحف إبراهيم والتوراة والإِنجيل والزبور وغيرهما من الكتب الإِلهية وقرىء: تأتهم بالتاء وبالياء وفي هذا الاستفهام توبيخ لهم.﴿ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ ﴾ الضمير في من قبله عائد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أي من قبل بعثته.﴿ لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ ﴾ لولا للتحضيض.﴿ فَنَتَّبِعَ ﴾ منصوب بإِضمار أن بعد الفاء وهو جواب التحضيض.﴿ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ ﴾ الذل والخزي مقترنان بعذاب الآخرة.﴿ قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ ﴾ أي مناو منكم منتظر عاقبة أمره.﴿ فَتَرَبَّصُواْ ﴾ وفي ذلك تهديد لهم ووعيد وأفرد الخبر وهو متربص حملاً على لفظ كل كقوله تعالى:﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ ﴾[الإسراء: ٨٤] والتربص الثاني والانتظار للفرج. و ﴿ مَنْ ﴾ مبتدأ وهو استفهام. و ﴿ أَصْحَابُ ﴾ خبر والجملة في موضع نصب والفعل قبلها معلق عنها والسوي المستقيم.﴿ وَمَنِ ٱهْتَدَىٰ ﴾ معطوف على من.
Icon