ﰡ
﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ﴾ * ﴿ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾ * ﴿ لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ﴾
قلت :﴿ وهم ﴾ : مبتدأ، و﴿ في غفلة ﴾ : خبر، و﴿ معرضون ﴾ : خبر بعد خبر، والجملة : حال من الناس.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ اقتربَ للناس حسابُهُم ﴾ أي : قَرُبَ قيام الساعة التي هي محل حسابهم. قال ابن عباس :" المراد بالناس : المشركون " وهو الذي يُفصح عنه ما بعده، ولم يقل تعالى :" اقترب حساب الناس "، بل قدّم لام الجر على الفاعل ؛ للمسارعة إلى إدخال الروعة، فإن نسبة الاقتراب إليهم من أول الأمر مما يسوؤهم ويورثهم رهبة وانزعاجًا، كما أن تقديم اللام في قوله تعالى :﴿ خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ﴾ [ البَقَرَة : ٢٩ ] ؛ لتعجيل المسرة ؛ لأن كون الخلق لأجل المخاطبين مما يسرهم ويزيدهم رغبة وشوقًا إليه تعالى.
وفي إسناد الاقتراب إلى الحساب المنبئ عن التوجه نحوهم، مع صحة إسناد الاقتراب إليهم بأن يتوجهوا نحوه، من تفخيم شأنه، وتهويل أمره، ما لا يخفى، لِمَا فيه من تصويره بشيء مقبل عليهم، لا يزال يطلبهم حتى يصيبهم لا محالة. ومعنى اقترابه : دنوه منهم شيئًا فشيئًا حتى يلحقهم ؛ لأن كل آت قريب، أي : دنا حساب أعمالهم السيئة الموجبة للعقاب.
﴿ وهم في غفلةٍ ﴾ تامة منه، ساهون بالمرة عنه، غير ذاكرين له، لا أنهم غير مبالين به، مع اعترافهم بإتيانه، بل هم منكرون له، كافرون به، ﴿ معرضون ﴾ عن الآيات والنُذر المنبهة لهم عن سِنة الغفلة.
قال القشيري : ويقال : الغفلة على قسمين ؛ غافلٍ عن حسابه ؛ لاستغراقه في دنياه، وغافلٍ عن حسابه ؛ لاستهلاكه في مولاه، فالغفلة الأولى سِمَةُ الهجر، والثانية صِفَةُ الوصل، فالأولون لا يستفيقون من غفلتهم إلا في عسكر الموتى، وهؤلاء لا يرجون عن غيبتهم أبَدَ الأبد ؛ لفنائهم في وجود الحق. هـ.
قلت : القسمة ثلاثية : قوم غفلوا عن حسابهم ؛ لاشتغالهم بحظوظهم وهواهم، وهم : الغافلون الجاهلون، وقوم ذكروا حسابهم، وجعلوه نصب أعينهم، وتأهبوا له، وهم : الصالحون والعباد والزهاد، وقوم غفلوا عنه، وغابوا عنه ؛ لاستغراقهم في شهود مولاهم، وهم : العارفون المقربون. جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه.
﴿ ما يأتيهم من ذكر ﴾ أي : من طائفة نازلة من القرآن، تذكر ذلك الحساب، وتنبههم عن الغفلة عنه، كائن أو نازل ﴿ من ربهم ﴾، أو ذاكر ومذكر من ناحية ربهم. وفي إضافته إليه سبحانه دلالة على شرفه، وكمال شناعة ما فعلوه من الإعراض عنه، وفي التعبير بعنوان الربوبية تشنيع لكمال عتوهم، ومِنْ صفة ذلك الذكر ﴿ مُّحْدَث ﴾ تنزيله بحسب اقتضاء الحكمة، بمعنى أنه نزل شيئًا فشيئًا، أو قريب عهد بالنزول، فمعاني القرآن قديمة، وإظهاره بهذه الحروف والأصوات حادث. وقال ابن راهويه : قديم من رب العزة، محدث إلى أهل الأرض.
فما ينزل عليهم شيء من القرآن يذكرهم ويعظهم ﴿ إِلا استمعوه وهم يلعبون ﴾ ؛ لا يتعظون به، ولا يتدبرون في معانيه.
قال القشيري : ويقال : الغفلة على قسمين ؛ غافلٍ عن حسابه ؛ لاستغراقه في دنياه، وغافلٍ عن حسابه ؛ لاستهلاكه في مولاه، فالغفلة الأولى سِمَةُ الهجر، والثانية صِفَةُ الوصل، فالأولون لا يستفيقون من غفلتهم إلا في عسكر الموتى، وهؤلاء لا يرجون عن غيبتهم أبَدَ الأبد ؛ لفنائهم في وجود الحق. هـ.
قلت : القسمة ثلاثية : قوم غفلوا عن حسابهم ؛ لاشتغالهم بحظوظهم وهواهم، وهم : الغافلون الجاهلون، وقوم ذكروا حسابهم، وجعلوه نصب أعينهم، وتأهبوا له، وهم : الصالحون والعباد والزهاد، وقوم غفلوا عنه، وغابوا عنه ؛ لاستغراقهم في شهود مولاهم، وهم : العارفون المقربون. جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه.
قلت :﴿ الذين ظلموا ﴾ : بدل من الواو، مُنبئ عن كونهم موصوفين بالظلم فيما أسروا به. وقال الكلبي : فيه تقديم وتأخير، أراد الذين ظلموا أسروا النجوى. فيكون ﴿ الذين ﴾ : مبتدأ و﴿ أسروا ﴾ : خبر مقدم.
وقال قطرب : على لغة بعض العرب، يقولون : أكلوني البراغيث، وهي بلغة بلحارث وغيرهم. وقال الفراء : بدل من الناس، أي : اقترب للناس وهم الذين ظلموا. و﴿ هل هذا. . . ﴾ الخ : بدل من النجوى، أو مفعول بقول مضمر، كأنه قيل : ماذا قالوا في نجواهم ؟ فقيل : قالوا : هل هذا. . . الخ و﴿ أنتم تبصرون ﴾ : حال من واو " تأتون " ؛ مقررة للإنكار، مؤكدة للاستبعاد.
﴿ لاهيةً قلوبُهم ﴾ ؛ ساهية، معرضة عن التفكر والتدبر في معانيه. وتقدير الآية : ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث، في حال من الأحوال، إلا حال استماعهم إياه كانوا لاعبين مستهزئين به، لاهين عنه، حال كون قلوبهم لاهيةً عنه ؛ لتناهي غفلتهم وفرط إعراضهم عن النظر والتفكر في عواقب الأمور. والله تعالى أعلم.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ وأسَرُّوا النجوى ﴾ : أخفوا تناجيهم بحيث لم يشعر أحد بما قالوا، وهم ﴿ الذين ظلموا ﴾ بالكفر والطغيان، قائلين في تلك النجوى الشنيعة :﴿ هل هذا ﴾ أي : ما هذا الرجل الذي يزعم أنه رسول ﴿ إلا بشرٌ مثلكم ﴾ أي : من جنسكم، وما أتى به سحر، ﴿ أفتأتون السحر وأنتم تُبصرون ﴾ أي : تعلمون ذلك فتأتونه، وتحضرونه على وجه الإذعان والقبول، وأنتم تعاينون أنه سحر ؟ قالوا ذلك، بناء على ما ارتكز في اعتقادهم الزائغ، أن الرسول لا يكون إلا مَلَكًا، وأنَّ كل ما يظهر على يد البشر من الخوارق هو من قبيل السحر، وغاب عنهم أن إرسال البشر إلى البشر هو الذي تقتضيه الحكمة التشريعية.
قاتلهم الله أنى يؤفكون. وإذا أسروا ذلك ولم يعلنوه ؛ لأنه كان على طريق توثيق العهد ؛ خفية، وتمهيدًا لمقدمات المكر والكيد في هدم أمر النبوة، وإطفاء نور الدين.
﴿ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [ الصف : ٨ ].
قال القشيري : ويقال : الغفلة على قسمين ؛ غافلٍ عن حسابه ؛ لاستغراقه في دنياه، وغافلٍ عن حسابه ؛ لاستهلاكه في مولاه، فالغفلة الأولى سِمَةُ الهجر، والثانية صِفَةُ الوصل، فالأولون لا يستفيقون من غفلتهم إلا في عسكر الموتى، وهؤلاء لا يرجون عن غيبتهم أبَدَ الأبد ؛ لفنائهم في وجود الحق. هـ.
قلت : القسمة ثلاثية : قوم غفلوا عن حسابهم ؛ لاشتغالهم بحظوظهم وهواهم، وهم : الغافلون الجاهلون، وقوم ذكروا حسابهم، وجعلوه نصب أعينهم، وتأهبوا له، وهم : الصالحون والعباد والزهاد، وقوم غفلوا عنه، وغابوا عنه ؛ لاستغراقهم في شهود مولاهم، وهم : العارفون المقربون. جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه.
﴿. . . قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَآءِ وَالأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ ﴾
ثم فضح الله سرهم ونجواهم بقوله :﴿ قل ربي يعلم القولَ في السماء والأرض ﴾ أي : قل يا محمد : ربي يعلم القول، سرًا كان أو جهرًا، سواء كان في السماء أو الأرض، فلا يخفى عليه ما تناجيتم به، فيفضحكم به ويجازيكم عليه. وقرأ أكثر أهل الكوفة :( قال ) ؛ على الخبر، وهو حكاية من جهته تعالى لِمَا قاله -صلى الله عليه وسلم- بعد ما أوحى إليه أحوالهم وأقوالهم ؛ بيانًا لظهور أمرهم وانكشاف سرهم، وإيثار القول المشتمل على السر والجهر ؛ للإيذان بأن علمه تعالى بالسر والجهر على وتيرة واحدة، لا تفاوت بينهما بالجلاء والخفاء، كما في علوم الخلق.
﴿ وهو السميعُ العليم ﴾ أي : المبالغ في العلم بالمسموعات والمعلومات، التي من جملة ما أسروه من النجوى، فيجازيهم بأقوالهم وأفعالهم.
فالإضراب الأول، كما ترى، من جهته تعالى، والثاني والثالث من قِبلهم. وقد قيل : الكل من قِبلهم، حيث أضربوا عن قولهم : هو سحر، إلى أنه تخاليط أحلام، ثم إلى أنه كلام مفترى، ثم إلى أنه قول شاعر، وهو بعيد ؛ لأنه لو كان كذلك لقال : قالوا : بل أضغاث أحلام. . . الخ.
ثم قالوا :﴿ فلْيأتِنا بآيةٍ ﴾ ؛ وهو جواب عن شرط محذوف، يُفصح عنه السياق، كأنه قيل : وإن لم يكن كما قلنا، بل كان رسولاً من الله تعالى، فليأتنا بمعجزة ظاهرة ﴿ كما أُرسل الأولون ﴾ أي : مثل الآية التي أُرسل بها الأولون ؛ كاليد، والعصا، والناقة وشبه ذلك.
فالكاف : صفة لمصدر محذوف، أي : إتيانًا مثل إتيان الأولين.
قال تعالى :﴿ ما آمنت قبلَهم من قرية أهلكناها ﴾ أي : أهلكنا أهلها، ﴿ أَفَهُمْ ﴾ أي : هؤلاء المقترحون عليك الآيات، ﴿ يُؤمنون ﴾ أي : قد اقترحت الأمم السالفة الآيات على رُسلها، فأعطوا ما اقترحوا، فلم يؤمنوا، فأهلكناهم، فكيف يؤمن هؤلاء، وهم أعتى منهم ؟ فالهمزة : لإنكار الوقوع، والفاء : للعطف على مقدر، فأفادت إنكار وقوع إيمانهم. والمعنى : لم تُؤمن أمة من الأمم المهلكة عند إعطاء ما اقترحوه من الآيات، أهم لم يؤمنوا، فهؤلاء يُؤمنون، لو أُجيبوا إلى ما سألوا وأُعطوا ما اقترحوه، مع كونهم أعتى منهم وأطغى ؟ فهم في اقتراح الآيات كالباحث على حتفه فطلبه، وفي ترك إجابتهم إبقاء عليهم، كيف لا، ولو أعطوا ما اقترحوا، مع عدم إيمانهم قطعًا، لوجب استئصالهم، بجريان سُنَّةِ الله تعالى من الأمم السالفة أن المقترحين، إذا أُعطوا ما اقترحوا، فلم يؤمنوا، نزل بهم عذاب الاستئصال لا محالة، وقد سبقت كلمة الحق منه تعالى أن هؤلاء لا يُعذبون بعذاب الاستئصال، فلذلك لم يُظهر لهم ما اقترحوا من الآيات. والله تعالى أعلم.
﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيا إِلَيْهِمْ فَاسْئَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ * ﴿ وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَالِدِينَ ﴾ * ﴿ ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَآءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرفِينَ ﴾ * ﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله في جواب قول الكفرة :﴿ هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ﴾ [ الأنبيَاء : ٣ ] بعد تقديم الجواب عن قولهم :﴿ فليأتنا بآية ﴾ ؛ لأنهم قالوه بطريق التعجيز، فلا بد من المسارعة إلى رده، كما تقدم مرارًا في الكتاب العزيز، كقوله :﴿ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ. . . ﴾
[ هُود : ٣٣ ] الآية، ﴿ مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالحَقِّ ﴾ [ الحجر : ٨ ] الآية. إلى غير ذلك، فقال جلّ جلاله :﴿ وما أرسلنا قَبلك ﴾ في الأمم السالفة ﴿ إِلا رجالاً ﴾ ؛ بشرًا من جنس القوم الذين أُرسلوا إليهم ؛ لأن مقتضى الحكمة أن يُرسل البشر إلى البشر، والملَك إلى الملَك، حسبما نطق به قوله تعالى :﴿ قُل لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً ﴾ [ الإسرَاء : ٩٥ ]، فإن عامّة البشر لا تطيق المفاوضة مع الملك ؛ لتوقفها على التناسب بين المفاوض والمستفيض ؛ فبعث لكل جنس ما يناسبه ؛ للحكمة التي يدور عليها فلك التكوين والتشريع، والذي تقتضيه الحكمة الإلهية أن يبعث الملك إلى خواص البشر المختصين بالنفوس الزكية، المؤيدين بالقوة القدسية، المتعلقين بالعالم الروحاني والجسماني، ليتلَقوا من جانب العالم الروحاني، ويلقوا إلى العالم الجسماني، فبعث رجالاً من البشر يوحي إليهم على أيدي الملائكة أو بلا واسطة.
والمعنى : وما أرسلنا إلى الأمم، قبل إرسالك إلى أمتك، إلا رجالاً مخصوصين من أفراد الجنس، متأهلين للاصطفاء والإرسال، ﴿ نوحي إليهم ﴾، بواسطة الملك، ما يُوحي من الشرائع والأحكام، وغيرهما من القصص والأخبار، كما يُوحي إليك من غير فرق بينهما، ﴿ فاسألوا أهل الذِّكر إٍن كنتم لا تعلمون ﴾ أي : فاسألوا، أيها الجهلة، أهلَ العلم ؛ كأهل الكتب الواقفين على أحوال الرسل السالفة -عليهم الصلاة والسلام- لتزول شبهتكم إن كنتم لا علم لكم بذلك. أُمروا بذلك ؛ لأن إخبار الجم الغفير يُوجب العلم الضروري، لا سيما وهم كانوا يشايعون المشركين عداوته صلى الله عليه وسلم، ويشاورونهم في أمورهم، فإذا أخبروهم أن الرسل إنما كانوا بشرًا، ولم يكونوا ملائكة، حصل لهم العلم بالحق، وقامت الحجة عليهم.
وتوجيه الخطاب إلى الكفرة في السؤال، بعد توجيهه إلى الرسول -عليه الصلاة والسلام- في الإرسال ؛ لأنه الحقيق بالخطاب في أمثال تلك العلوم والحقائق الأنيقة، وأما الوقوفُ عليها باستخبار من الغير فهو من وظائف العوام.
وهم معتقدون أنهم كانوا يموتون. والمعنى : بل جعلناهم أجسادًا مفتقرة صائرة إلى الموت عند انقضاء آجالهم، لا ملائكة ولا أجسادًا صمدانية.
﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ ﴾ * ﴿ فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ إِذَا هُمْ مِّنْهَا يَرْكُضُونَ ﴾ * ﴿ لاَ تَرْكُضُواْ وَارْجِعُواْ إِلَى مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ﴾ * ﴿ قَالُواْ يا وَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ * ﴿ فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ ﴾
قلت :﴿ كم ﴾ : خبرية مفيدة للتكثير، ومحلها نصب، مفعول بقصمنا، و﴿ من قرية ﴾ : تمييز، و﴿ كانت. . . ﴾ الخ : صفة لقرية.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ وكم قَصَمْنَا من قرية ﴾ أي : كثيرًا أهلكنا من أهل قرية ﴿ كانت ظالمةً ﴾ بآيات الله تعالى، كافرين بها. وفي لفظ القصم -الذي هو عبارة عن الكسر ؛ بإبانة أجزاء المكسور وإزالتها بالكلية - من الدلالة على قوة الغضب والسخط ما لا يخفى. ﴿ وأنشأنا ﴾ أي : أحدثنا ﴿ بعدها ﴾ أي : بعد إهلاكها ﴿ قومًا آخرين ﴾ ليسوا منهم نسبًا ولا دينًا، ففيه تنبيه على استئصالهم وقطع دابرهم بالكلية.
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَآءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ ﴾ * ﴿ لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ * ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ﴾
قلت :﴿ لاعبين ﴾ : حال من فاعل خلق، و " إن كنا " : شرط حُذف جوابه، أي : إن كنا فاعلين اتخذناه من لّدُنا، وقيل : نافية.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ وما خلقنا السماءَ والأرضَ وما بينهما ﴾ من المخلوقات التي لا تُحصى أجناسها، ولا تُعد أفرادها، ولا تُحصر أنواعها وآحادها، على هذا النمط البديع والأسلوب الغريب، ﴿ لاعبين ﴾ ؛ خالية عن الحِكم والمصالح، بل لحِكَم بديعة ومصالح عديدة، دينية تَقْضي بسعادة الأبد أو بشقاوته، ودنيوية لا تُعد ولا تُحصى، وهذا كقوله :﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَآءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ﴾ [ ص : ٢٧ ]، فالمراد من الآية : إشارة إجمالية إلى أن تكوين العالم، وإبداع بني آدم، مؤسس على قواعد الحِكَم البالغة، المستتبعة للغايات الجليلة، وتنبيه على أن ما حكي من العذاب الهائل، والعقاب النازل بأهل القُرى، من مقتضيات تلك الحِكم، ومتفرع عليها حسبما اقتضته أعمالهم. وإنما فعل ذلك ؛ عدلاً منه، ومجازاة على أعمالهم، وأن المخاطبين المتقدمين -وهم قريش- على آثارهم ؛ لأن لهم ذنوبًا مثل ذنوبهم. وإنما عبَّر عن نفي الحكمة باللعب، حيث قال :﴿ لاعبين ﴾ ؛ لبيان كمال تنزهه تعالى عن الخلق الخاليِ عن الحكمة، بتصويره بصورة ما لا يرتاب أحد في استحالة صدوره منه سبحانه، وهو اللهو واللعب، بل إنما خلقناهما، وما بينهما ؛ لتكون مبدأ الوجود الإنساني وسببًا لمعاشه، ودليلاً يقوده إلى تحصيل معرفتنا، التي هي الغاية القصوى والسعادة العظمى.
أو :﴿ لاتخذناه من لدُنَّا ﴾ مما يليق بشأننا من المجردات، لا من الأجسام المرفوعة والأجرام الموضوعة، كعادة الجبابرة ؛ مِنْ رفع العروش وتحسينها، وتمهيد الفرش وتزيينها، لأغراض عِراض، لكن يستحيل إرادتنا لذلك ؛ لمنافاته للحكمة الإلهية المنزهة عن الأغراض. ه. من أبي السعود، وأصله للزمخشري. وفيه تكلف.
وسأل طاوسُ ومجاهدُ الحسنَ عن هذه الآية ؟ فقال : اللهو : المرأة. وقال ابن عباس :" الولد ". ومعنى ﴿ لاتخذناه من لدُنَّا ﴾ : بحيث لا يطلعون عليه، وما اتخذنا نساءًا وولدًا من أهل الأرض. نزلت في الذين قالوا : اتخذ الله ولدًا.
وتكون الآية، حينئذ تتميمًا لِما قبلها، أي : ليس اللعب واللهو من شأننا، إذ لو أردنا أن نتخذ لهوًا لاتخذناه من لدنا. قال شيخ شيوخنا، سيدي عبد الرحمان الفاسي : حمل الآية على الزوجة غير مفيد، إلا أن يراد بذلك مجرد الرحمة والشفقة، مما يمكن عقلاً، فيصح دخول النفي الشرعي عليه. انظر ابن عرفة، فقد جوّز، عقلاً، اتخاذه على معنى الرحمة. وكذا ابن عطية في آية الزمر١. ومنع ذلك القشيري. قلت : وكأنه لِما يشير إليه قوله تعالى :﴿ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [ الزُّمَر : ٤ ]، فإن القهر لا يناسب التبني بوجه، وقد يقال : إنه مانع سمعي شرعي، لا عقلي، فلا يخالف ما قاله ابن عرفة ولا ابن عطية. وفيه نظر ؛ لأنه يُؤدي إلى تعطيل اسمه القهار ونحوه، وهو محال، والله أعلم. ه.
قلت : قد حمل النسفي الآية على الولد، فقال :﴿ لو أردنا أن نتخذ لهوًا ﴾ أي : ولدًا، أو امرأة، رد على من قال عيسى ابنه، ومريم صاحبته، ﴿ لاتخذناه من لدُنَّا ﴾ من الولدان أو الحور، ﴿ إِن كنا فاعلين ﴾ أي : إن كنا ممن يفعل ذلك، ولسنا ممن يفعله لاستحالته في حقنا. ه. قلت : والذي تكلف الحمل الأول رأى أن حمله على الولد يقتضي جواز الاتخاذ عقلاً ؛ وإنما منعه عدم الإرادة. وأجاب ابن عرفة : بأن يحمل الاتخاذ على معنى الرحمة، لا على حقيقة البنوة. قلت : من خاض بحار التوحيد الخاص وحاز مقام الجمع، لا يتوقف في مثل هذا ؛ إذ تجليات الحق لا تنحصر، لكن لم يوجد منها، ولم تتعلق إرادته إلا بما هو كمال في حقه تعالى في باب القدرة، وأما باب الحكمة، فهي رداء لمحل النقائص، فافهم، وأصحب أهلَ الجمع حتى يفهموك ما ذكرتُ لك، والسلام.
ثم ردَّ على أهل الباطل فقال :﴿ ولكم الويلُ مما تصفون ﴾ أي : وقد استقر لكم الويل والهلاك ؛ من أجل ما تصفونه، سبحانه، بما لا يليق بشأنه الجليل، من الولد والزوجة، وغير ذلك مما هو باطل. وهو وعيد لقريش ومن دان دينهم، بأنَّ لهم أيضًا مثل ما لأولئك القرى المتقدمة من الهلاك، إن لم ينزجروا. والله تعالى أعلم.
﴿ وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ * ﴿ يُسَبِّحُونَ الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ ﴾ * ﴿ أَمِ اتَّخَذُواْ آلِهَةً مِّنَ الأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ ﴾ * ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ * ﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ * ﴿ أَمِ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُّعْرِضُونَ ﴾ * ﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِيا إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاعْبُدُونِ ﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ وله من في السماوات والأرض ﴾ أي له جميع المخلوقات، خلقًا ومِلكًا، وتدبيرًا وتصرفًا، وإحياء وإِماتة، وتعذيبًا وإثابة، من غير أن يكون لأحد في ذلك دخل، لا استقلالاً ولا استتباعًا، ولا فرق بين أهل العالم العلوي والسفلي، ﴿ ومَنْ عنده ﴾ وهم الملائكة -عليهم السلام- عبَّر عنهم بذلك إثر ما عبَّر عنهم بمن في السماوات ؛ تنزيلاً لهم -لكرامتهم عليه، وزلفاهم عنده- منزلة المقربين عند الملك، وهو مبتدأ وخبره :﴿ لا يستكبرون عن عبادته ﴾ أي : لا يتعاظمون عنها، ولا يَعُدون أنفسهم كبراء، ﴿ ولا يستحسرون ﴾ أي : لا يكِلُّون ولا يَعْيون.
وقوله تعالى :﴿ أم اتخذوا آلهة... ﴾ الخ، تَصْدُق على من مال بقلبه إلى محبة الأكوان، أو ركن إلى الحظوظ والشهوات، وقوله تعالى :﴿ لو كان فيهما آلهة إِلا الله لفسدتا ﴾، اعلم أن ثلاثة أشياء إذا تعدد مدبرها فسد نظامها ؛ أولها : الألوهية، فلو تعددت لفسد نظام العالم، وثانيها : السلطنة، إذا تعددت في قُطْر واحد فسدت الرعية، وثالثها : الشيخوخة، إذا تعددت على مريد واحد فسدت ترتبيته، كالطبيب إذا تعدد على مريض واحد فسد علاجه. والله تعالى أعلم.
وقوله تعالى :﴿ لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون ﴾ قال الكواشي : يعني : لا يُسأل عن فعله وحُكمه ؛ لأنه الرب، وهم يُسألون ؛ لأنهم عبيده. وبعض الناس يقول : هذه آية الدبوس. قلت : وقد تقلب السين زايًا، ومعناها : أن كل ما تحكم به القدرة : يجب حنو الرأس له، من غير تردد ولا سؤال. ثم قال : ولو نظر النظر الصحيح لرآها أنصف آية في كتاب الله تعالى ؛ وذلك لأنه جمع فيها بين صفة الربوبية وصفة العبودية. هـ.
وقوله :﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول إِلا نُوحيَ إِليه أنه لا إله إلا أنا ﴾ يعني : أن التوحيد مما أجمعت عليه الرسل والكتب السماوية. والفناء فيه على ثلاثة أقسام : فناء في توحيد الأفعال، وهو ألا يرى الفعل إلا من الله، ويغيب عن الوسائط والأسباب، وفناء في توحيد الصفات، وهو أن يرى ألا قادر ولا سميع ولا بصير ولا متكلم إلا الله، وفناء في توحيد الذات، وهو أن يرى ألا موجود إلا الله، ذوقًا ووجدًا وعقدًا. كما قال صاحب العينية :
هُوَ الموجِدُ الأشْيَاءِ وَهْوَ وُجُودُهَا | وعَيْنُ ذَوَاتِ الكُلِّ وَهْوَ الجَوَامِعُ |
فيفنى ثم يفنى ثم يفنى | فكان فناؤه عين البقاءِ |
وقوله تعالى :﴿ أم اتخذوا آلهة... ﴾ الخ، تَصْدُق على من مال بقلبه إلى محبة الأكوان، أو ركن إلى الحظوظ والشهوات، وقوله تعالى :﴿ لو كان فيهما آلهة إِلا الله لفسدتا ﴾، اعلم أن ثلاثة أشياء إذا تعدد مدبرها فسد نظامها ؛ أولها : الألوهية، فلو تعددت لفسد نظام العالم، وثانيها : السلطنة، إذا تعددت في قُطْر واحد فسدت الرعية، وثالثها : الشيخوخة، إذا تعددت على مريد واحد فسدت ترتبيته، كالطبيب إذا تعدد على مريض واحد فسد علاجه. والله تعالى أعلم.
وقوله تعالى :﴿ لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون ﴾ قال الكواشي : يعني : لا يُسأل عن فعله وحُكمه ؛ لأنه الرب، وهم يُسألون ؛ لأنهم عبيده. وبعض الناس يقول : هذه آية الدبوس. قلت : وقد تقلب السين زايًا، ومعناها : أن كل ما تحكم به القدرة : يجب حنو الرأس له، من غير تردد ولا سؤال. ثم قال : ولو نظر النظر الصحيح لرآها أنصف آية في كتاب الله تعالى ؛ وذلك لأنه جمع فيها بين صفة الربوبية وصفة العبودية. هـ.
وقوله :﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول إِلا نُوحيَ إِليه أنه لا إله إلا أنا ﴾ يعني : أن التوحيد مما أجمعت عليه الرسل والكتب السماوية. والفناء فيه على ثلاثة أقسام : فناء في توحيد الأفعال، وهو ألا يرى الفعل إلا من الله، ويغيب عن الوسائط والأسباب، وفناء في توحيد الصفات، وهو أن يرى ألا قادر ولا سميع ولا بصير ولا متكلم إلا الله، وفناء في توحيد الذات، وهو أن يرى ألا موجود إلا الله، ذوقًا ووجدًا وعقدًا. كما قال صاحب العينية :
هُوَ الموجِدُ الأشْيَاءِ وَهْوَ وُجُودُهَا | وعَيْنُ ذَوَاتِ الكُلِّ وَهْوَ الجَوَامِعُ |
فيفنى ثم يفنى ثم يفنى | فكان فناؤه عين البقاءِ |
وقوله تعالى :﴿ أم اتخذوا آلهة... ﴾ الخ، تَصْدُق على من مال بقلبه إلى محبة الأكوان، أو ركن إلى الحظوظ والشهوات، وقوله تعالى :﴿ لو كان فيهما آلهة إِلا الله لفسدتا ﴾، اعلم أن ثلاثة أشياء إذا تعدد مدبرها فسد نظامها ؛ أولها : الألوهية، فلو تعددت لفسد نظام العالم، وثانيها : السلطنة، إذا تعددت في قُطْر واحد فسدت الرعية، وثالثها : الشيخوخة، إذا تعددت على مريد واحد فسدت ترتبيته، كالطبيب إذا تعدد على مريض واحد فسد علاجه. والله تعالى أعلم.
وقوله تعالى :﴿ لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون ﴾ قال الكواشي : يعني : لا يُسأل عن فعله وحُكمه ؛ لأنه الرب، وهم يُسألون ؛ لأنهم عبيده. وبعض الناس يقول : هذه آية الدبوس. قلت : وقد تقلب السين زايًا، ومعناها : أن كل ما تحكم به القدرة : يجب حنو الرأس له، من غير تردد ولا سؤال. ثم قال : ولو نظر النظر الصحيح لرآها أنصف آية في كتاب الله تعالى ؛ وذلك لأنه جمع فيها بين صفة الربوبية وصفة العبودية. هـ.
وقوله :﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول إِلا نُوحيَ إِليه أنه لا إله إلا أنا ﴾ يعني : أن التوحيد مما أجمعت عليه الرسل والكتب السماوية. والفناء فيه على ثلاثة أقسام : فناء في توحيد الأفعال، وهو ألا يرى الفعل إلا من الله، ويغيب عن الوسائط والأسباب، وفناء في توحيد الصفات، وهو أن يرى ألا قادر ولا سميع ولا بصير ولا متكلم إلا الله، وفناء في توحيد الذات، وهو أن يرى ألا موجود إلا الله، ذوقًا ووجدًا وعقدًا. كما قال صاحب العينية :
هُوَ الموجِدُ الأشْيَاءِ وَهْوَ وُجُودُهَا | وعَيْنُ ذَوَاتِ الكُلِّ وَهْوَ الجَوَامِعُ |
فيفنى ثم يفنى ثم يفنى | فكان فناؤه عين البقاءِ |
و﴿ إلا ﴾ : صفة لآلهة، كما يُوصف بغير، ولمَّا كانت حرفًا، ظهر إعرابها في اسم الجلالة، ولا يصح رفعه على البدل ؛ لعدم وجود النفي. ثم قال تعالى :﴿ فسبحان الله ﴾ أي : فسبحوا سُبحان الله اللائق به، ونزهوه عما لا يليق به من الأمور، التي من جملتها : أن يكون له شريك في الألوهية. وإيراد الجلالة في موضع الإضمار، حيث لم يقل فسبحانه ؛ للإشعار بعلية الحكم، فإنَّ الألوهية مناط لجميع صفات كماله، التي من جملتها : تنزهه تعالى عما لا يليق به، ولتربية المهابة وإدخال الروعة. ثم وصفه بقوله :﴿ ربِّ العرش ﴾، وخصه بالذكر، مع كونه رب كل شيء ؛ لعظم شأنه ؛ لأنَّ الأكوان في جوفه كلا شيء، أي : تنزيهًا له عما يصفونه عن أن يكون من دونه آلهة.
وقوله تعالى :﴿ أم اتخذوا آلهة... ﴾ الخ، تَصْدُق على من مال بقلبه إلى محبة الأكوان، أو ركن إلى الحظوظ والشهوات، وقوله تعالى :﴿ لو كان فيهما آلهة إِلا الله لفسدتا ﴾، اعلم أن ثلاثة أشياء إذا تعدد مدبرها فسد نظامها ؛ أولها : الألوهية، فلو تعددت لفسد نظام العالم، وثانيها : السلطنة، إذا تعددت في قُطْر واحد فسدت الرعية، وثالثها : الشيخوخة، إذا تعددت على مريد واحد فسدت ترتبيته، كالطبيب إذا تعدد على مريض واحد فسد علاجه. والله تعالى أعلم.
وقوله تعالى :﴿ لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون ﴾ قال الكواشي : يعني : لا يُسأل عن فعله وحُكمه ؛ لأنه الرب، وهم يُسألون ؛ لأنهم عبيده. وبعض الناس يقول : هذه آية الدبوس. قلت : وقد تقلب السين زايًا، ومعناها : أن كل ما تحكم به القدرة : يجب حنو الرأس له، من غير تردد ولا سؤال. ثم قال : ولو نظر النظر الصحيح لرآها أنصف آية في كتاب الله تعالى ؛ وذلك لأنه جمع فيها بين صفة الربوبية وصفة العبودية. هـ.
وقوله :﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول إِلا نُوحيَ إِليه أنه لا إله إلا أنا ﴾ يعني : أن التوحيد مما أجمعت عليه الرسل والكتب السماوية. والفناء فيه على ثلاثة أقسام : فناء في توحيد الأفعال، وهو ألا يرى الفعل إلا من الله، ويغيب عن الوسائط والأسباب، وفناء في توحيد الصفات، وهو أن يرى ألا قادر ولا سميع ولا بصير ولا متكلم إلا الله، وفناء في توحيد الذات، وهو أن يرى ألا موجود إلا الله، ذوقًا ووجدًا وعقدًا. كما قال صاحب العينية :
هُوَ الموجِدُ الأشْيَاءِ وَهْوَ وُجُودُهَا | وعَيْنُ ذَوَاتِ الكُلِّ وَهْوَ الجَوَامِعُ |
فيفنى ثم يفنى ثم يفنى | فكان فناؤه عين البقاءِ |
وقوله تعالى :﴿ أم اتخذوا آلهة... ﴾ الخ، تَصْدُق على من مال بقلبه إلى محبة الأكوان، أو ركن إلى الحظوظ والشهوات، وقوله تعالى :﴿ لو كان فيهما آلهة إِلا الله لفسدتا ﴾، اعلم أن ثلاثة أشياء إذا تعدد مدبرها فسد نظامها ؛ أولها : الألوهية، فلو تعددت لفسد نظام العالم، وثانيها : السلطنة، إذا تعددت في قُطْر واحد فسدت الرعية، وثالثها : الشيخوخة، إذا تعددت على مريد واحد فسدت ترتبيته، كالطبيب إذا تعدد على مريض واحد فسد علاجه. والله تعالى أعلم.
وقوله تعالى :﴿ لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون ﴾ قال الكواشي : يعني : لا يُسأل عن فعله وحُكمه ؛ لأنه الرب، وهم يُسألون ؛ لأنهم عبيده. وبعض الناس يقول : هذه آية الدبوس. قلت : وقد تقلب السين زايًا، ومعناها : أن كل ما تحكم به القدرة : يجب حنو الرأس له، من غير تردد ولا سؤال. ثم قال : ولو نظر النظر الصحيح لرآها أنصف آية في كتاب الله تعالى ؛ وذلك لأنه جمع فيها بين صفة الربوبية وصفة العبودية. هـ.
وقوله :﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول إِلا نُوحيَ إِليه أنه لا إله إلا أنا ﴾ يعني : أن التوحيد مما أجمعت عليه الرسل والكتب السماوية. والفناء فيه على ثلاثة أقسام : فناء في توحيد الأفعال، وهو ألا يرى الفعل إلا من الله، ويغيب عن الوسائط والأسباب، وفناء في توحيد الصفات، وهو أن يرى ألا قادر ولا سميع ولا بصير ولا متكلم إلا الله، وفناء في توحيد الذات، وهو أن يرى ألا موجود إلا الله، ذوقًا ووجدًا وعقدًا. كما قال صاحب العينية :
هُوَ الموجِدُ الأشْيَاءِ وَهْوَ وُجُودُهَا | وعَيْنُ ذَوَاتِ الكُلِّ وَهْوَ الجَوَامِعُ |
فيفنى ثم يفنى ثم يفنى | فكان فناؤه عين البقاءِ |
﴿ قلْ ﴾ لهم، بطريق التبكيت :﴿ هاتُوا برهانكم ﴾ على ما تَدَّعونَه، من جهة العقل والنقل ؛ فإنه لا صحة لقول لا دليل عليه في الأمور الدينية، لا سيما في هذا الأمر الخطير، فإن بُهتوا فقل لهم :﴿ هذا ذكر مَنْ معي وذكر مَنْ قبلي ﴾ أي : بهذا نطقت الكتب السماوية قاطبة، وشهدت به سُنَّة الرسل المتقدمة كافة. فهذا الوحي الوارد في شأن التوحيد المتضمن للبرهان القاطع ﴿ ذُكر من معي ﴾ من أمتي، أي : عظتهم، ﴿ وذكرُ مَن قبلي ﴾ من الأمم السالفة، أي : بهذا أمَرنا ربُنا ووعظنا، وبه أمر مَنْ قبلنا، يعني : انفراده سبحانه بالألوهية واختصاصه بها.
وقيل : المعنى : هذا كتاب أُنزل على أمتي، وهذا كتاب أُنزل على أمم الأنبياء -عليهم السلام- قبلي، فانظروا : هل في واحد منها غير الأمر بالتوحيد والنهي عن الإشراك، ففيه تبكيت لهم.
﴿ بل أكثرهم لا يعلمون الحقَّ ﴾ أي : لا يفهمونه، ولا يميزون بينه وبين الباطل، فهو إضراب وانتقال من تبكيتهم بمطالبة البرهان، إلى بيان أنه لا ينجع فيهم المحاججة ؛ لجهلهم وعنادهم، ولذلك قال :﴿ فهم معرضون ﴾ أي : فهم لأجل جهلهم وعتوهم مستمرون على الإعراض عن التوحيد واتباع الرسول، لا يَرْعَوُونَ عما هم عليه من الغي والضلال، وإن كررت عليهم البينات والحجج. أو معرضون عما ألقى عليهم من البراهين العقلية والنقلية ؛ لانهماكهم.
وقوله تعالى :﴿ أم اتخذوا آلهة... ﴾ الخ، تَصْدُق على من مال بقلبه إلى محبة الأكوان، أو ركن إلى الحظوظ والشهوات، وقوله تعالى :﴿ لو كان فيهما آلهة إِلا الله لفسدتا ﴾، اعلم أن ثلاثة أشياء إذا تعدد مدبرها فسد نظامها ؛ أولها : الألوهية، فلو تعددت لفسد نظام العالم، وثانيها : السلطنة، إذا تعددت في قُطْر واحد فسدت الرعية، وثالثها : الشيخوخة، إذا تعددت على مريد واحد فسدت ترتبيته، كالطبيب إذا تعدد على مريض واحد فسد علاجه. والله تعالى أعلم.
وقوله تعالى :﴿ لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون ﴾ قال الكواشي : يعني : لا يُسأل عن فعله وحُكمه ؛ لأنه الرب، وهم يُسألون ؛ لأنهم عبيده. وبعض الناس يقول : هذه آية الدبوس. قلت : وقد تقلب السين زايًا، ومعناها : أن كل ما تحكم به القدرة : يجب حنو الرأس له، من غير تردد ولا سؤال. ثم قال : ولو نظر النظر الصحيح لرآها أنصف آية في كتاب الله تعالى ؛ وذلك لأنه جمع فيها بين صفة الربوبية وصفة العبودية. هـ.
وقوله :﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول إِلا نُوحيَ إِليه أنه لا إله إلا أنا ﴾ يعني : أن التوحيد مما أجمعت عليه الرسل والكتب السماوية. والفناء فيه على ثلاثة أقسام : فناء في توحيد الأفعال، وهو ألا يرى الفعل إلا من الله، ويغيب عن الوسائط والأسباب، وفناء في توحيد الصفات، وهو أن يرى ألا قادر ولا سميع ولا بصير ولا متكلم إلا الله، وفناء في توحيد الذات، وهو أن يرى ألا موجود إلا الله، ذوقًا ووجدًا وعقدًا. كما قال صاحب العينية :
هُوَ الموجِدُ الأشْيَاءِ وَهْوَ وُجُودُهَا | وعَيْنُ ذَوَاتِ الكُلِّ وَهْوَ الجَوَامِعُ |
فيفنى ثم يفنى ثم يفنى | فكان فناؤه عين البقاءِ |
وقوله تعالى :﴿ أم اتخذوا آلهة... ﴾ الخ، تَصْدُق على من مال بقلبه إلى محبة الأكوان، أو ركن إلى الحظوظ والشهوات، وقوله تعالى :﴿ لو كان فيهما آلهة إِلا الله لفسدتا ﴾، اعلم أن ثلاثة أشياء إذا تعدد مدبرها فسد نظامها ؛ أولها : الألوهية، فلو تعددت لفسد نظام العالم، وثانيها : السلطنة، إذا تعددت في قُطْر واحد فسدت الرعية، وثالثها : الشيخوخة، إذا تعددت على مريد واحد فسدت ترتبيته، كالطبيب إذا تعدد على مريض واحد فسد علاجه. والله تعالى أعلم.
وقوله تعالى :﴿ لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون ﴾ قال الكواشي : يعني : لا يُسأل عن فعله وحُكمه ؛ لأنه الرب، وهم يُسألون ؛ لأنهم عبيده. وبعض الناس يقول : هذه آية الدبوس. قلت : وقد تقلب السين زايًا، ومعناها : أن كل ما تحكم به القدرة : يجب حنو الرأس له، من غير تردد ولا سؤال. ثم قال : ولو نظر النظر الصحيح لرآها أنصف آية في كتاب الله تعالى ؛ وذلك لأنه جمع فيها بين صفة الربوبية وصفة العبودية. هـ.
وقوله :﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول إِلا نُوحيَ إِليه أنه لا إله إلا أنا ﴾ يعني : أن التوحيد مما أجمعت عليه الرسل والكتب السماوية. والفناء فيه على ثلاثة أقسام : فناء في توحيد الأفعال، وهو ألا يرى الفعل إلا من الله، ويغيب عن الوسائط والأسباب، وفناء في توحيد الصفات، وهو أن يرى ألا قادر ولا سميع ولا بصير ولا متكلم إلا الله، وفناء في توحيد الذات، وهو أن يرى ألا موجود إلا الله، ذوقًا ووجدًا وعقدًا. كما قال صاحب العينية :
هُوَ الموجِدُ الأشْيَاءِ وَهْوَ وُجُودُهَا | وعَيْنُ ذَوَاتِ الكُلِّ وَهْوَ الجَوَامِعُ |
فيفنى ثم يفنى ثم يفنى | فكان فناؤه عين البقاءِ |
﴿ وَقَالُواْ اتَّخَذَ الرَّحْمَانُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ﴾ * ﴿ لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾ * ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾ * ﴿ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذالِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ وقالوا اتخذ الرحمان ولدًا ﴾، حكى الله تعالى جناية أخرى لبعض المشركين، جيء بها ؛ لبيان بطلانها. والقائل بهذه المقالة حيٌ من خزاعة، وقيل : قريش وجهينة وبنو سلمة وبنو مليح، يقولون : الملائكة بنات الله، وأمهاتهم سروات الجن، تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا. والتعرض لعنوان الرحمانية المنبئة عن كون جميع ما سواه مربوباً له تعالى، نعمة أو منعمًا عليه ؛ لإبراز كمال شناعة مقالتهم الباطلة، ﴿ سبحانه ﴾ أي : تنزه تنزيهًا يليق بكمال ذاته، وتقدَّس عن الصاحبة والولد، ﴿ بل ﴾ هم ﴿ عبادٌ ﴾ لله تعالى، و " بل " إبطال لما قالوا، أي : ليست الملائكة كما قالوا، ﴿ بل عبادٌ مكرمون ﴾ ؛ مقربون عنده.
قال الكواشي : هذا القول وارد على سبيل التهديد والوعيد الشديد على ارتكاب الشرك، كقوله :﴿ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [ الأنعَام : ٨٨ ]. ه. فالقصد : تفظيع أمر الشرك، وأنه لو صدر ممن صدر لأحبط عمله، وكان جزاء صاحبه جهنم، ومثل ذلك الجزاء نجزي الظالمين، وهم الكافرون، والحاصل : أنه على سبيل الفرض، مع علمه تعالى أنه لا يكون من الملائكة، فهو من إخباره عما لا يكون كيف يكون، لعلمه بما لا يكون، مما جاز أن يكون، كيف يكون. ه. من الحاشية الفاسية ببعض اختصار.
فالكاف من " كذلك " : في محل مصدر تشبيهي، مؤكد لمضمون ما قبله. والقصر، المستفاد من التقديم للمصدر، معتبر بالنسبة إلى النقصان دون الزيادة، أي : لا جزاء أنقص منه. والله تعالى أعلم.
﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ * ﴿ وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ * ﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ﴾ * ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ أوَ لَمْ يَر الذين كفروا ﴾ رؤية اعتبار ﴿ أنّ السماواتِ والأرضَ ﴾ أي : جماعة السماوات وجماعة الأرض ﴿ كانتا ﴾، ولذلك لم يقل كُنَّ، ﴿ رَتْقًا ﴾ أي : ملتصقة بعضها ببعض. والرتق : الضم والالتصاق. وهو مصدر بمعنى المفعول، أي : كانتا مرتوقتين، أي : ملتصقتين، ﴿ ففتقناهما ﴾ ؛ فشققناهما، فالفتق ضد الرتق. قال ابن عباس رضي الله عنه :" كانتا شيئًا واحدًا متصلتين، ففصل الله بينهما، فرفع السماء إلى حيث هي، وأقرّ الأرض ". وفي رواية عنه : أرسل ريحًا فتوسطتهما ففتقتهما. وقال السدي :( كانت السماوات مؤتلفة طبقة واحدة ففتقها، فجعلها سبع سماوات، وكذلك الأرض، كانت طبقة واحدة، ففتقها، فجعلها سبع أرضين ).
فإِن قيل : متى رأوهما رتقًا حتى جاء تقريرهم بذلك ؟ قلنا : مصب الكلام والتقرير هو فتق السماوات ورفعها، وهو مشاهد بالأبصار، وهم متمكنون من النظر والاعتبار، فيعلمون أن لها مدبرًا حكيمًا، فَتَقَهَا ورفعها، وهو الحق جلّ جلاله، وذكر الرتق زيادة إخبار، فكأنه قال : ألم يروا إلى فتق السماوات ورفعها ؟ وقال الكواشي : لَمّا كان القرآن معجزًا، كان وروده برتقهما كالمشاهد المرئي، أو : لمّا كان تلاصق السماوات والأرضين، وما بينهما، وتباينهما، جائزًا عقلاً، وجب تخصيص التلاصق من التباين، وليس ذلك إلا لله تعالى. ه.
وقيل : كانت السماوات صلبة لا تمطر، والأرض رتقًا لا تنبت، ففتق السماء بالأمطار، والأرض بالنبات. ورُوي هذا عن ابن عباس أيضًا، وعليه أكثر المفسرين، وعِلْمُ الكفرةِ الرتقِ والفتق، بهذا المعنى، مما لا خفاء فيه. والرؤية على الأول رؤية علم، وعلى الثاني رؤية عين.
﴿ وجعلنا من الماء كل شيءٍ حيٍّ ﴾ أي : خلقنا من الماء كل حيوان، كقوله تعالى :
﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ ﴾ [ النُّور : ٤٥ ]، وذلك لأنه من أعظم مواده، أو لفرط احتياجه إليه، وحبه له، وعدم صبره عنه، وانتفاعه به، ويدخل في ذلك : النبات ؛ مجازًا دون الملائكة، فأَلْ فيه للحقيقة والماهية، إلا أنه صرفه عن ذلك إلى العهد الذهني قرينةُ الجعل، كما في آية :﴿ فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ﴾ [ يُوسُف : ١٧ ]، فإن القرينة تخلص ذلك للبعضية وإرادة الأشخاص. وقيل المراد به : المَنِيُّ. فأَلْ فيه، حينئذ، للعهد الذهني فقط. قال القشيري : كُلُّ مخلوقٍ حيٍّ فَمِنَ الماء خَلْقُه، فإنَّ أصلَ الحيوان الذي يحصل بالتناسل النطفةُ، وهي من جملة الماء. ه. وتقدم أن الملائكة لا تناسل فيها. ﴿ أفلا يؤمنون ﴾ بالله وحده، وهو إنكار لعدم إيمانهم، مع ظهور ما يُوجبه حتمًا من الآيات الآفاقية والأنفُسية، الدالة على تفرده تعالى بالألوهية.
وجعلنا السماء، أي : سماء القلوب الصافية، سقفًا محفوظًا من الخواطر والوساوس والشكوك والأوهام والشياطين، قال بعضهم :" إذا كان الحق تعالى قد حفظ السماء بالشهب من الشياطين، فقلوب أوليائه أولى بالحفظ ". وهم عن آياتها، أي : عن دلائل حفظها وصيانتها معرضون ؛ لانهماكهم في الغفلة. وهو الذي خلق ليل القبض ونهار البسط وشمس العرفان وقمر توحيد الدليل والبرهان، كلٌّ في موضعه، لا يتعدى أحد على صاحبه، ولكل واحد سير معلوم وأدب محتوم. وبالله التوفيق.
﴿ وجعلنا في الأرض رواسِيَ ﴾ أي : جبالاً ثوابت، من رسا الشيءُ ؛ إذا ثبت ورسخ، ﴿ أن تميد بهم ﴾ أي : كراهية أن تتحرك وتضطرب بهم، أو لئلا تميد بهم -بحذف اللام-، و " لا " ؛ لعدم الإلباس. ﴿ وجعلنا فيها ﴾ أي : في الأرض، وتكرير الجعل ؛ لاختلاف المجعولين، ولتوفية مقام الامتنان حقه، أو في الرواسي ؛ لأنها المحتاجة إلى الطرق، ﴿ فِجاجًا ﴾ : جمع فج، وهو الطريق الواسع، نفذ أم لا، أي : جعلنا في الأرض مسالك واسعة، و﴿ سُبُلاً ﴾ نافذة : فالسبل هي الفجاج مع قيد النفوذ. فإن قيل : أيّ فرق بين هذا وبين قوله :﴿ لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً ﴾ [ نُوح : ٢٠ ] ؟ فالجواب : أنه هُنا بيَّن أنه خلقها على هذه الصفة، وهناك بيَّن أنه جعل فيها طُرقًا واسعة، وليس فيه بيان أنه خلقها كذلك، فما هنا تفسير لما هناك. انظر النسفي.
وقوله تعالى :﴿ لعلهم يهتدون ﴾ أي : إلى البلاد المقصودة بتلك السبل، أو إلى مصالحهم ومهماتهم.
وجعلنا السماء، أي : سماء القلوب الصافية، سقفًا محفوظًا من الخواطر والوساوس والشكوك والأوهام والشياطين، قال بعضهم :" إذا كان الحق تعالى قد حفظ السماء بالشهب من الشياطين، فقلوب أوليائه أولى بالحفظ ". وهم عن آياتها، أي : عن دلائل حفظها وصيانتها معرضون ؛ لانهماكهم في الغفلة. وهو الذي خلق ليل القبض ونهار البسط وشمس العرفان وقمر توحيد الدليل والبرهان، كلٌّ في موضعه، لا يتعدى أحد على صاحبه، ولكل واحد سير معلوم وأدب محتوم. وبالله التوفيق.
وجعلنا السماء، أي : سماء القلوب الصافية، سقفًا محفوظًا من الخواطر والوساوس والشكوك والأوهام والشياطين، قال بعضهم :" إذا كان الحق تعالى قد حفظ السماء بالشهب من الشياطين، فقلوب أوليائه أولى بالحفظ ". وهم عن آياتها، أي : عن دلائل حفظها وصيانتها معرضون ؛ لانهماكهم في الغفلة. وهو الذي خلق ليل القبض ونهار البسط وشمس العرفان وقمر توحيد الدليل والبرهان، كلٌّ في موضعه، لا يتعدى أحد على صاحبه، ولكل واحد سير معلوم وأدب محتوم. وبالله التوفيق.
قال في المستخرج من كتاب الغزنوني :" كلٌّ " أي : كل واحد من الشمس والقمر وسائر السيارة، وإن لم تُذْكرون ؛ لأنه جمعَ قوله :﴿ يَسْبَحُون ﴾ والمعنى : يجرون كالسابح أو يدورون، والسيارة تجري في الفلك على عكس جري الفلك، ولها تسعة أفلاك، فالقمر في الفلك الأدنى، ثم عطارد، ثم الزهرة، ثم الشمس، ثم المريخ، ثم المشتري، ثم زُحل، والثامن : فلك البروج، والتاسع : الفلك الأعظم. ه. وقال في سورة يس : خص الشمس والقمر هنا، وفي سورة الأنبياء ؛ لأن سيرهما أبدًا على عكس دور الفلك، وسَيْر الخمسة قد يكون موافقًا لسيره عند رجوعها. ه. والله تعالى أعلم.
وجعلنا السماء، أي : سماء القلوب الصافية، سقفًا محفوظًا من الخواطر والوساوس والشكوك والأوهام والشياطين، قال بعضهم :" إذا كان الحق تعالى قد حفظ السماء بالشهب من الشياطين، فقلوب أوليائه أولى بالحفظ ". وهم عن آياتها، أي : عن دلائل حفظها وصيانتها معرضون ؛ لانهماكهم في الغفلة. وهو الذي خلق ليل القبض ونهار البسط وشمس العرفان وقمر توحيد الدليل والبرهان، كلٌّ في موضعه، لا يتعدى أحد على صاحبه، ولكل واحد سير معلوم وأدب محتوم. وبالله التوفيق.
﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ﴾ * ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله : لنبيه -عليه الصلاة والسلام- :﴿ وما جعلنا لبشرٍ من قبلكَ الخُلدَ ﴾ أي : البقاء الدائم ؛ لكونه مخالفًا للحكمة التكوينية والتشريعية، ﴿ أَفإِن مِّتَّ ﴾ بمقتضى حكمتنا ﴿ فهُم الخالدون ﴾ بعدك ؟ نزلت حين قالوا : نتربص به رب المنون، فنفى عنه الشماتة بموته، فإن الشماتة بالموت مما لا ينبغي أن يصدر من عاقل، أي : قضى الله ألا يخلد في الدنيا بشرًا، فإن مِّتَّ -يا محمد- أيبقى هؤلاء الكفرة ؟ كلا.
صبرًا في مجال الموت صبرًا | فما نيل الخلود بمستطاع |
والرجوع إلى الله في الضراء أصعب، والسير به أقوى ؛ لِمَا فيه من التصفية والتطهير من أوصاف البشرية، ولذلك قدَّمه الحق تعالى. وفي الحديث :" إذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْدًا ابْتَلاَهُ، فإن صبر اجتباه، وإن رضي اصطفاه " ٤. وفي الخبر عن الله تعالى :" الفقر سجني، والمرض قيدي، أحبس بذلك من أحببتُ من عبادي ". وبه يحصل على عمل القلوب ؛ الذي هو الصبر والرضا والزهد والتوكل، وغير ذلك من المقامات، وذرة من أعمال القلوب أفضل من أمثال الجبال من أعمال الجوارح، ومن أعمال القلوب يُفضي إلى أعمال الأرواح والأسرار، كفكرة الشهود والاستبصار. وفكرة ساعة أفضل من عبادة سبعين سنة، بل من أَلْفِ سنة، كما قال الشاعر :
كُلُّ وَقتٍ مِنْ حَبيبيِ | قَدْرُهُ كَأَلْفِ حَجَّهْ |
﴿ ونبلُوكم ﴾، الخطاب : إما للناس كافة بطريق التلوين، أو للكفرة بطريق الالتفات، وسمي ابتلاء، وإن كان عالمًا بما سيكون من أعمال العاملين قبل وجودهم ؛ لأنه في صورة الاختبار، أي : نختبركم ﴿ بالشر والخير ﴾، أي : بالفقر والغنى، أو بالضر والنفع، أو بالعطاء والمنع، أو بالذل والعز، أو بالبلاء والعافية، ﴿ فتنةً ﴾ ؛ اختبارًا، هل تصبرون وتشكرون، أو تجزعون وتكفرون. و﴿ فتنة ﴾ : مصدر مؤكد ﴿ لنبلوكم ﴾، من غير لفظه. ﴿ وإِلينا تُرجعون ﴾ لا إلى غيرنا، فنجازيكم على حسب ما يُؤخذ منكم ؛ من الصبر والشكر، أو الجزع والكفران. وفيه إيماء إلى أن المقصود من هذه الدنيا : الابتلاء والتعرض للثواب والعقاب. والله تعالى أعلم.
صبرًا في مجال الموت صبرًا | فما نيل الخلود بمستطاع |
والرجوع إلى الله في الضراء أصعب، والسير به أقوى ؛ لِمَا فيه من التصفية والتطهير من أوصاف البشرية، ولذلك قدَّمه الحق تعالى. وفي الحديث :" إذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْدًا ابْتَلاَهُ، فإن صبر اجتباه، وإن رضي اصطفاه " ٤. وفي الخبر عن الله تعالى :" الفقر سجني، والمرض قيدي، أحبس بذلك من أحببتُ من عبادي ". وبه يحصل على عمل القلوب ؛ الذي هو الصبر والرضا والزهد والتوكل، وغير ذلك من المقامات، وذرة من أعمال القلوب أفضل من أمثال الجبال من أعمال الجوارح، ومن أعمال القلوب يُفضي إلى أعمال الأرواح والأسرار، كفكرة الشهود والاستبصار. وفكرة ساعة أفضل من عبادة سبعين سنة، بل من أَلْفِ سنة، كما قال الشاعر :
كُلُّ وَقتٍ مِنْ حَبيبيِ | قَدْرُهُ كَأَلْفِ حَجَّهْ |
﴿ وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَانِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾ * ﴿ خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ ﴾ * ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ * ﴿ لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ﴾ * ﴿ بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ ﴾ * ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾
قلت :﴿ أهذا الذي ﴾ : مقول لحال محذوفة، أي : قائلين : أهذا الذي، وحذف الحال، إذا كان قولاً، مطردٌ. ﴿ وهم بذكر الرحمن ﴾ : حال.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ وإِذا رآك الذين كفروا ﴾ أي : المشركون ﴿ إِن يتخذونك ﴾ ؛ ما يتخذونك ﴿ إِلا هُزُوًا ﴾ ؛ مهزوءًا بك ؛ على معنى قصر معاملتهم معه -عليه الصلاة والسلام- على اتخاذهم إياه هزوًا، كأنه قيل : ما يفعلون بك إلا اتخاذك هزوًا. نزلت في أبي جهل -لعنه الله-، مرّ به النبي صلى الله عليه وسلم، فضحك وقال : هذا نبيُّ بني عبد مناف١. قال القشيري :( لو شاهدوه على ما هو عليه من أوصاف التخصيص، وما رقَّاه الله من المنزلة، لظلوا له خاضعين، ولكنهم حُجِبُوا عن معانيه وسريرته، وعاينوا فيه جسمه وصورته ). فاستهزؤوا بما لم يُحيطوا بعلمه، حَال كونهم يقولون :﴿ أهذا الذي يَذْكُرُ ﴾ أي : يعيب ﴿ آلهتكم ﴾، فالذكر يكون بخير وبضده، فإنْ كان الذاكر صديقًا للمذكور فهو ثناء. وإن كان عدوًا فهو ذم. ﴿ وهم بذكر الرحمان ﴾ أي : بذكر الله وما يجب أن يذكر به من الوحدانية، ﴿ هم كافرون ﴾ ؛ لا يصدقون به أصلاً، فهم أحق بالهزء والسخرية منك ؛ لأنك مُحق وهم مُبطلون. والمعنى أنهم يعيبون -عليه الصلاة والسلام- أن يذكر آلهتهم، التي لا تضر ولا تنفع، بالسوء، والحال : أنهم بذكر الرحمان، المنعم عليهم بأنواع النعم، التي هي من مقتضيات رحمانيته، كافرون، لا يذكرونه بما يليق به من التوحيد وأوصاف الكمال، أو : بما أنزل من القرآن ؛ لأنه ذكر الرحمان، ﴿ هم كافرون ﴾ ؛ جاحدون، فهم أحقاء بالعيب والإنكار. وكرر لفظ " هُم " للتأكيد، أو لأن الصلة حالت بينه وبين الخبر، فأعيد المبتدأ.
ويقال لمن أنكر عليه أهلُ زمانه طريقَ التجريد وخرقَ العوائد : ولقد استُهزئ بمن كان قبلك ممن سلك هذه الطريق، فأُوذوا، وضُربوا، وأُخرجوا من بلادهم، فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون، إما في الدنيا أو في الآخرة.
وعن ابن عباس رضي الله عنه : أن المراد بالإنسان آدم عليه السلام، فإنه حين بلغ الروح صدره أراد أن يقوم. ورُوي : أنه لما دخل الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة، ولمَّا وصل جوفه اشتهى الطعام، فكانت العجلة من سجيته، وسرت في أولاده. وإنما منعَ الإنسان من الاستعجال وهو مطبوع عليه، ليتكمل بعد النقص، كما أمره بقطع الشهوة وقد رَكّبها فيه ؛ لأنه أعطاه القدرة التي يستطيع بها قمع الشهوة وترك العَجَلة.
قال القشيري : العَجَلةُ مذمومةٌ، والمُسَارَعَةُ محمودةٌ. والفرق بينهما : أن المسارعة : البِدارُ إلى الشيء في أول وقته، والعَجَلة : استقباله قبل وقته، والعَجَلةُ سمة وسوسة الشيطان، والمسارعةُ قضية التوفيق. ه.
وقال الورتجبي : خلقهم من العَجَلة، وزجرَهم عن التعجيل ؛ إظهارًا لقهاريته على كل مخلوق، وعجزهم عن الخروج عن ملكه وسلطانه. وحقيقة العَجَلة متولدة من الجهل بالمقادير السابقة. ه. قلت : ما زالت الطمأنينة والرَّزانَةُ من شأن العارفين، وبها عُرفوا، والعَجَل والقلق من شأن الجاهلين، وبها وصفوا.
وقيل : العَجَل الطين، بلغة حِمْير، ولا مناسبة له هنا.
قال تعالى، صارفًا للخطاب عن الرسول إلى المستعجلين :﴿ سأُوريكم آياتي ﴾ : نَقَماتي، كعذاب النار وغيره، ﴿ فلا تستعجلون ﴾ بالإتيان بها، وهو نهي عما جُبلت عليه نفوسهم ؛ ليقهروها عن مرادها من الاستعجال.
ويقال لمن أنكر عليه أهلُ زمانه طريقَ التجريد وخرقَ العوائد : ولقد استُهزئ بمن كان قبلك ممن سلك هذه الطريق، فأُوذوا، وضُربوا، وأُخرجوا من بلادهم، فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون، إما في الدنيا أو في الآخرة.
ويقال لمن أنكر عليه أهلُ زمانه طريقَ التجريد وخرقَ العوائد : ولقد استُهزئ بمن كان قبلك ممن سلك هذه الطريق، فأُوذوا، وضُربوا، وأُخرجوا من بلادهم، فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون، إما في الدنيا أو في الآخرة.
وقوله :﴿ لو يعلمُ الذين كفروا ﴾ أي : حين يرون ويعلمون حقيقة الحال، وهو معاينة العذاب. وجواب " لو " : محذوف، أي : لو يعلمون الوقت الذي يستعجلونه بقولهم : متى هذا الوعد ؟ وهو الوقت الذي تحيط بهم النار من ورائهم وقدامهم، فلا يقدرون على دفعها ومنعها من أنفسهم، ولا يجدون ناصرًا ينصرهم، لَمَا كانوا بهذه الصفة من الكفر والاستهزاء والاستعجال، ولكن جهلهم به هو الذي هوّنه عندهم.
ويقال لمن أنكر عليه أهلُ زمانه طريقَ التجريد وخرقَ العوائد : ولقد استُهزئ بمن كان قبلك ممن سلك هذه الطريق، فأُوذوا، وضُربوا، وأُخرجوا من بلادهم، فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون، إما في الدنيا أو في الآخرة.
﴿ بل تأتيهم بغتة ﴾ أي : بل تأتيهم النار أو الساعة فجأة، ﴿ فتَبهتُهُم ﴾ : فتُحيِّرهم أو تغلبهم، ﴿ فلا يستطيعون ردَّها ﴾ ؛ فلا يقدرون على دفعها عنهم، أي : النار أو الساعة، ﴿ ولا هم يُنظرون ﴾ : يُمهلون ؛ ليستريحوا طرفة عين.
ويقال لمن أنكر عليه أهلُ زمانه طريقَ التجريد وخرقَ العوائد : ولقد استُهزئ بمن كان قبلك ممن سلك هذه الطريق، فأُوذوا، وضُربوا، وأُخرجوا من بلادهم، فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون، إما في الدنيا أو في الآخرة.
ويقال لمن أنكر عليه أهلُ زمانه طريقَ التجريد وخرقَ العوائد : ولقد استُهزئ بمن كان قبلك ممن سلك هذه الطريق، فأُوذوا، وضُربوا، وأُخرجوا من بلادهم، فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون، إما في الدنيا أو في الآخرة.
﴿ قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِالْلَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَانِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ ﴾ * ﴿ أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ ﴾ * ﴿ بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ قلْ ﴾ لهم يا محمد :﴿ مَن يكلؤكُم ﴾ : يحفظكم ﴿ بالليل والنهار من ﴾ بأس ﴿ الرحمانِ ﴾ الذي تستحقونه، إذا نزل بكم ليلاً أو نهارًا. قال الواسطي : من يحفظكم بالليل والنهار من الرحمان أن يظهر عليكم ما سبق فيكم ؟ وقال ابن عطاء : من يكلؤكم من أمر الرحمان سوى الرحمان، وهل يقدر أحد على الكلاءة سواه ؟ وتقديم الليل ؛ لأن الدواهي فيه أكثر وقوعًا وأشد وقعًا. وفي التعرض لعنوان الرحمانية إيذان بأن كلاءتهم ليس إلا برحمته العامة. ﴿ بل هم عن ذِكْرِ ربهم معرضون ﴾ أي : بل هم معرضون عن ذكره، ولا يُخطِرونه ببالهم، فضلاً أن يخافوا بأسه، حتى إذا رزقوا الكلاءة عرفوا مَن الكالئ، وصلحوا للسؤال عنه.
والمعنى : أنه أمر رسوله -عليه الصلاة والسلام- بسؤالهم عن الكالئ، ثم أضرب عنه، وبيَّن أنهم لا يصلحون لذلك، لإعراضهم عن ذكر من يكلؤهم. هكذا للزمخشري ومن تبعه. وقال ابن جزي : والمعنى : أنه تهديد وإقامة حجة عليهم ؛ لأنهم لو أجابوا عن هذا السؤال لاعترفوا بأنه ليس لهم مانع ولا حافظ غيره تعالى -يعني لِمَا جربوه في أحوال محنتهم- ثم قال : وجاء قوله :﴿ بل هم عن ذكر ربهم معرضون ﴾، بمعنى أنهم، إذا سُئلوا ذلك السؤال، لم يجيبوا عنه، لأنهم تقوم عليهم الحجة إن أجابوا، ولكنهم يعرضون عن ذكر الله. ه. أي : يعرضون عن أن يقولوا : كالأنا الله عتوًا وعنادًا. وهو معنى قوله :﴿ بل هم عن ذكر ربهم مُعرِضون ﴾، كأنه قال : لو سُئلوا، لم يجدوا جوابًا، إلا أن يقولوا : هو الله، لكنهم يعرضون عن ذكره ؛ مكابرة. قلت : وما قاله ابن جزي أحسن مما قاله الزمخشري ومن تبعه، وأقرب.
قال الورتجبي : قوله تعالى :﴿ قل من يكلؤكم... ﴾ الآية، أخبر عن كمال إحاطته بكل مخلوق، وتنزيهه عن العَجَلة بمؤاخذتهم، كأنه يقول : أنا بذاتي تعاليت، أدفع بلطفي القديم عنكم قهري القديم، ولولا فضلي السابق وعنايتي القديمة بالرحمة عليكم، من يدفعه بالعلة الحدثانية ؟ وهذا من كمال لطفي عليكم وأنتم بعد معرضون عني يا أهل الجفا، وذلك قوله :﴿ بل هم عن ذكر ربهم مُعرِضون ﴾. هـ. بلفظه مع تصحيف في النسخة.
وقوله تعالى :﴿ بل متعنا هؤلاء... ﴾ الآية، تمتيع العبد بطول الحياة، إن كان ذلك في طاعة الله، وازدياد في معرفته، فهو من النعم العظيمة. وفي الحديث :" خَيرُكُم مَنْ طَال عُمُرهُ وحَسُنَ عَمَلُهُ " ١. لكن عند الصوفية : أنه لا ينبغي للمريد أن ينظر إلى ما مضى من عمره في طريق القوم، فقد كان بعض الشيوخ يقول : لا يكن أحدكم عبد الدهور وعبد العدد. قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه : معنى كلامه : أنه لا ينبغي للفقير أن يعدكم له في طريق القوم، ليقول : أنا لي كذا وكذا من السنين في طريق القوم. هـ. بالمعنى. ولعل علة النهي ؛ لئلا يرى للأيام تأثيرًا في الفتح، فقد قالوا : هي لمن صدق لا لمن سبق.
وقوله تعالى :﴿ أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ﴾ قال القشيري : فيه إشارة إلى سقوط قوى العبد بمرور السنين، وتطاول العمر، فإن آخر الأمر كما قيل :
آخِرُ الأمر ما تَرَى | القبرُ واللَّحدُ والثرى |
طَوَى العَصْرانِ ما نَشَرَاهُ مني | فأبلى جِدَّتِي نَشْرٌ وطيُّ |
أراني كلَّ يوم في انتقاصٍ | ولا يبقى مع النقصان شيُّ |
قال الورتجبي : قوله تعالى :﴿ قل من يكلؤكم... ﴾ الآية، أخبر عن كمال إحاطته بكل مخلوق، وتنزيهه عن العَجَلة بمؤاخذتهم، كأنه يقول : أنا بذاتي تعاليت، أدفع بلطفي القديم عنكم قهري القديم، ولولا فضلي السابق وعنايتي القديمة بالرحمة عليكم، من يدفعه بالعلة الحدثانية ؟ وهذا من كمال لطفي عليكم وأنتم بعد معرضون عني يا أهل الجفا، وذلك قوله :﴿ بل هم عن ذكر ربهم مُعرِضون ﴾. هـ. بلفظه مع تصحيف في النسخة.
وقوله تعالى :﴿ بل متعنا هؤلاء... ﴾ الآية، تمتيع العبد بطول الحياة، إن كان ذلك في طاعة الله، وازدياد في معرفته، فهو من النعم العظيمة. وفي الحديث :" خَيرُكُم مَنْ طَال عُمُرهُ وحَسُنَ عَمَلُهُ " ١. لكن عند الصوفية : أنه لا ينبغي للمريد أن ينظر إلى ما مضى من عمره في طريق القوم، فقد كان بعض الشيوخ يقول : لا يكن أحدكم عبد الدهور وعبد العدد. قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه : معنى كلامه : أنه لا ينبغي للفقير أن يعدكم له في طريق القوم، ليقول : أنا لي كذا وكذا من السنين في طريق القوم. هـ. بالمعنى. ولعل علة النهي ؛ لئلا يرى للأيام تأثيرًا في الفتح، فقد قالوا : هي لمن صدق لا لمن سبق.
وقوله تعالى :﴿ أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ﴾ قال القشيري : فيه إشارة إلى سقوط قوى العبد بمرور السنين، وتطاول العمر، فإن آخر الأمر كما قيل :
آخِرُ الأمر ما تَرَى | القبرُ واللَّحدُ والثرى |
طَوَى العَصْرانِ ما نَشَرَاهُ مني | فأبلى جِدَّتِي نَشْرٌ وطيُّ |
أراني كلَّ يوم في انتقاصٍ | ولا يبقى مع النقصان شيُّ |
قال الورتجبي : قوله تعالى :﴿ قل من يكلؤكم... ﴾ الآية، أخبر عن كمال إحاطته بكل مخلوق، وتنزيهه عن العَجَلة بمؤاخذتهم، كأنه يقول : أنا بذاتي تعاليت، أدفع بلطفي القديم عنكم قهري القديم، ولولا فضلي السابق وعنايتي القديمة بالرحمة عليكم، من يدفعه بالعلة الحدثانية ؟ وهذا من كمال لطفي عليكم وأنتم بعد معرضون عني يا أهل الجفا، وذلك قوله :﴿ بل هم عن ذكر ربهم مُعرِضون ﴾. هـ. بلفظه مع تصحيف في النسخة.
وقوله تعالى :﴿ بل متعنا هؤلاء... ﴾ الآية، تمتيع العبد بطول الحياة، إن كان ذلك في طاعة الله، وازدياد في معرفته، فهو من النعم العظيمة. وفي الحديث :" خَيرُكُم مَنْ طَال عُمُرهُ وحَسُنَ عَمَلُهُ " ١. لكن عند الصوفية : أنه لا ينبغي للمريد أن ينظر إلى ما مضى من عمره في طريق القوم، فقد كان بعض الشيوخ يقول : لا يكن أحدكم عبد الدهور وعبد العدد. قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه : معنى كلامه : أنه لا ينبغي للفقير أن يعدكم له في طريق القوم، ليقول : أنا لي كذا وكذا من السنين في طريق القوم. هـ. بالمعنى. ولعل علة النهي ؛ لئلا يرى للأيام تأثيرًا في الفتح، فقد قالوا : هي لمن صدق لا لمن سبق.
وقوله تعالى :﴿ أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ﴾ قال القشيري : فيه إشارة إلى سقوط قوى العبد بمرور السنين، وتطاول العمر، فإن آخر الأمر كما قيل :
آخِرُ الأمر ما تَرَى | القبرُ واللَّحدُ والثرى |
طَوَى العَصْرانِ ما نَشَرَاهُ مني | فأبلى جِدَّتِي نَشْرٌ وطيُّ |
أراني كلَّ يوم في انتقاصٍ | ولا يبقى مع النقصان شيُّ |
﴿ قُلْ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلاَ يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَآءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ ﴾ * ﴿ وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا ويْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ * ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾
قلت : مَن قرأ :﴿ يَسمع ﴾ بفتح الياء، فالصُّم : فاعل، والدعاء : مفعول، ومن قرأ بضم التاء، رباعي ؛ فالصم : مفعول أول، والدعاء : مفعول ثان.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ قل ﴾ لهم يا محمد ﴿ إِنما أُنذِرُكُم ﴾ وأخوفكم من العذاب الذي تستعجلونه، أو بالساعة الموعودة، ﴿ بالوحي ﴾ القرآني الصادق، الناطق بإتيانه، وفظاعة شأنه، أي : إنما شأني أن أُنذركم بالإخبار به، لا بإتيانه ؛ فإنه مخالف للحكمة الإلهية ؛ إذ الإيمان برهاني لا عياني، فإذا أَنذرتَهم فلا يسمع إنذارك إلا من سبقت له العناية، دون من سبق له الشقاء، ولذلك قال تعالى :﴿ ولا يسمع الصمُّ الدعاءَ ﴾ أي : الإنذار، أو لا تُسمع أنت الصمَّ الدعاءَ ﴿ إِذا ما يُنذَرُون ﴾ ؛ يُخوَّفون، واللام في﴿ الصم ﴾ للعهد، وهو إشارة إلى هؤلاء المنذرين، والأصل : ولا يسمعون إنذارك إذا يُنذرون، فوضع الظاهر موضع المضمر ؛ إشارة إلى تصاممهم وسد أسماعهم إذا أنذروا، وتسجيلاً عليهم بذلك. وفي التعبير بالدعاء، دون الكلام في الإنذار، إشارة إلى تناهي صممهم في حال الإنذار، فإن الدعاء من شأنه أن يكون بأصوات عالية مكررة مقارنة لهيئة دالة عليه، فإذا لم يسمعوا، مع هذه الحالة، يكون صممهم في غايةٍ لا غاية ورائها.
ثم بيَّن ما يقع عند إتيان ما أنذروه، فقال :﴿ ونضع الموازينَ القِسْطَ ﴾ أي : نقيم الموازين العادلة التي تُوزن بها الأعمال، وهو جمع ميزان، وهو ما يوزن به الشيء ليُعرف كمِّيته. وعن الحسن :" هو ميزان له كفتان ولسان "، وإنما جمع الموازين ؛ لتعظيم شأنها، والوزن لصحائف الأعمال في قول، وقيل : وضع الميزان كناية عن تحقيق العدل، والجزاء على حسب الأعمال.
وإفراد القسط ؛ لأنه مصدر وصف به ؛ للمبالغة، كأنها في نفسها قسط، أو على حذف مضاف، أي : ذوات القسط. وقوله :﴿ ليوم القيامة ﴾ أي : لأهل يوم القيامة، أي : لأجلهم، أو في يوم القيامة، ﴿ فلا تُظلم نفسٌ شيئًا ﴾ من الظلم، ولا تنقص حقًا من حقوقها، بل يُؤتى كل ذي حق حقه، إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشر.
﴿ وإِن كان مثقالَ حبةٍ من خَرْدَلٍ ﴾ أي : وإن كان الشيء أو العمل مثقال حبة من خردل، ﴿ أتينا بها ﴾ : أحضرناها وجازينا عليها، وأنث ضمير المثقال ؛ لإضافته إلى حبة، ﴿ وكفى بنا حاسبين ﴾، إذ لا مزيد على علمنا وعدلنا، أو عالمين حافظين، لأن من حسب شيئًا علمه وحفظه، قاله ابن عباس -رضي الله عنهما-.
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَآءً وَذِكْراً لَّلْمُتَّقِينَ ﴾ * ﴿ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ﴾ * ﴿ وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ ولقد آتينا موسى وهارون الفرقانَ وضياءً وذِكْرًا للمتقين ﴾، هذه الأوصاف كلها للتوراة، فهي فرقان بين الحق والباطل، وضياء يستضاء به، ويتوصل به إلى سبيل النجاة، وذِكْرًا، أي : شرفًا، أو وعظًا وتذكيرًا. وتوكيده بالقسم ؛ لإظهار كمال الاعتناء به، أي : والله لقد آتيناهما وحيًا ساطعًا وكتابًا جامعًا بين كونه فارقًا بين الحق والباطل، وضياء يُستضاء به في ظلمات الجهل والغواية، وذكرًا ينتفع به الناس، أو شرفًا لمن عمل به، وتخصيص المتقين بالذكر ؛ لأنهم المستضيئُون بأنواره، المغتنمون لمغانم آثاره، أو ذكر ما يحتاجون إليه من الشرائع والأحكام، ودخلت الواو في الصفات، كقوله تعالى :﴿ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً ﴾ [ آل عِمرَان : ٣٩ ]، وتقول : مررت بزيد الكريم والعالم والصالح.
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ﴾ * ﴿ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ﴾ * ﴿ قَالُواْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ ﴾ * ﴿ قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ * ﴿ قَالُواْ أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ ﴾ * ﴿ قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فطَرَهُنَّ وَأَنَاْ عَلَى ذالِكُمْ مِّنَ الشَّاهِدِينَ ﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ ولقد آتينا إِبراهيم رُشدَه ﴾ أي : الرشد اللائق به وبأمثاله من كُبراء الرسل، وهو الاهتداء الكامل، المستند إلى الهداية الخاصة الحاصلة بالوحي، مع الاقتدار على إصلاح الأمة وإرشادها بسياسة النبوة والوحي الإلهي، ﴿ من قبلُ ﴾ أي : من قبل إيتاء موسى وهارون التوراة، وتقديم ذكرهما، لما بين التوراة والقرآن من الشبه التام. وقيل : من قبل إنزال القرآن، أو من قبل استنبائه، أو من قبل بلوغه، ﴿ وكُنا به عَالمين ﴾ أي : بأنه أهل لما آتيناه، أو عالمين برُشده، وما خصصناه به من الهداية الخاصة.
﴿ إذ قال لأبيه وقومه ﴾ أي : آتيناه ذلك حين قال لأبيه، أو اذكر وقت قوله لهم :﴿ ما هذه التماثيلُ ﴾ أي : الأصنام المصورة على صورة السباع والطيور والإنسان، وفيه تجاهل بهم ؛ تحقيرًا لها، مع علمه بتعظيمهم لها ؛ توبيخًا لهم على إجلالها مع كونها خشبًا وأحجارًا لا تضر ولا تنفع، ﴿ التي أنتم لها عاكفون ﴾ أي : لأجل عبادتها مقيمون.
ثم قال عليه السلام :﴿ وأنا على ذلكم ﴾ الذي ذكرتُ : من كون ربكم رَبَّ السماوات والأرض، دون ما عداه، كائنًا ما كان، ﴿ من الشاهدين ﴾ أي : العالمين به على سبيل الحقيقة، المبرهنين عليه، فإن الشاهد على الشيء : مَنْ تحققه وبرهن عليه، كأنه قال : وأنا أعلم ذلك، وأتحققه، وأُبرهن عليه، والله تعالى أعلم.
﴿ وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ ﴾ * ﴿ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ﴾ * ﴿ قَالُواْ مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ * ﴿ قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ * ﴿ قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ﴾ * ﴿ قَالُواْ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يا إِبْرَاهِيمُ ﴾ * ﴿ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ ﴾ * ﴿ فَرَجَعُواْ إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُواْ إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ * ﴿ ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ ﴾ * ﴿ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ ﴾ * ﴿ أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾
قلت :﴿ مَن فَعَلَ ﴾ : استفهام، وقيل : موصولة، و﴿ إنه ﴾ : خبرها، أي : الذي فعل هذا معدود من الظلمة.
يقول الحقّ جلّ جلاله : حاكيًا عن خليله عليه السلام :﴿ وتالله لأكيدنّ أصنامكم ﴾ أي : لأمكرنّ بها، وأجتهد في كسرها، وفيه إيذان بصعوبة الانتهاز، وتوقفه على الحيل والسياسة، وذلك الكيد ﴿ بعد أن تُولُّوا مُدبرين ﴾ ؛ بعد ذهابكم عنها إلى عيدكم. قال مجاهد : إنما قاله سرًا، ولم يسمعه إلا رجلٌ فأفشاه عليه، وقال : سمعت فتى يذكرهم. وقال السدي : كان لهم في كل سنة مجمعٌ وعيد، فإذا رجعوا من عيدهم دخلوا على أصنامهم فسجدوا لها، وقال أبو إبراهيم : يا إبراهيم، لو خرجتَ معنا إلى عيدنا لأعجبك، فخرج إلى بعض الطريق، وقال : إني سقيم، أَشتكي رجلي. فلما مضوا نادى في آخرهم -وقد بقي ضعفاء الناس- :﴿ تالله لأكيدنَّ أصنامكم بعد أن تُولُّوا مدبرين ﴾ فسمعوه، ثم دخل بيت الأصنام، فوجد طعاماً كانوا يضعونه عندها للبركة، فإذا رجعوا أكلوه، فقال :﴿ ألا تأكلون ﴾ ؟ استهزاءً بها، فلم يجبه أحد، فقال : ما لكم لا تنطقون ﴿ فَرَاغَ ﴾ ؛ مال ﴿ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ ﴾ [ الصَّافات : ٩٣ ].
وُجودُكَ ذَنْبٌ لاَ يُقَاسُ بِهِ ذَنْبُ ****...
فإن غبتَ عنه، وكسرته، غابت عنك جميعُ العوالم الحسية، وشهدت أسرار المعاني القدسية، فشهدت أسرار الذات وأنوار الصفات، وإلى هذا المعنى أشار ابن العريف رضي الله عنه بقوله :
بَدَا لَكَ سِرٌّ طَالَ عَنْكَ اكْتتَامُهُ | وَلاَحَ صَبَاحُ كُنْتَ أنْتَ ظَلاَمُهُ |
فَأنْتَ حِجَابُ القَلْبِ عَنْ سِرِّ غَيبهِ | وَلَوْلاَكَ لَمْ يُطْبَعْ عَلَيْهِ خِتَامُهُ |
فَإنْ غِبْتَ عَنْهُ حَلَّ فِيهِ وَطَنَّبَتْ | عَلَى مَوْكبِ الكَشْفِ المصُونِ خِيَامُهُ |
وَجَاء حَدِيثٌ لا يُمَلُّ سَمَاعُهُ | شَهِيٌّ إليْنَا نَثْرُهُ وَنِظَامُهُ |
إذَا سَمِعَتْهُ النَّفْسُ طَابَ نَعِيمُهَا | وَزَالَ عَنِ القَلْبِ المُعَنَّى غَرامُهُ |
وُجودُكَ ذَنْبٌ لاَ يُقَاسُ بِهِ ذَنْبُ ****...
فإن غبتَ عنه، وكسرته، غابت عنك جميعُ العوالم الحسية، وشهدت أسرار المعاني القدسية، فشهدت أسرار الذات وأنوار الصفات، وإلى هذا المعنى أشار ابن العريف رضي الله عنه بقوله :
بَدَا لَكَ سِرٌّ طَالَ عَنْكَ اكْتتَامُهُ | وَلاَحَ صَبَاحُ كُنْتَ أنْتَ ظَلاَمُهُ |
فَأنْتَ حِجَابُ القَلْبِ عَنْ سِرِّ غَيبهِ | وَلَوْلاَكَ لَمْ يُطْبَعْ عَلَيْهِ خِتَامُهُ |
فَإنْ غِبْتَ عَنْهُ حَلَّ فِيهِ وَطَنَّبَتْ | عَلَى مَوْكبِ الكَشْفِ المصُونِ خِيَامُهُ |
وَجَاء حَدِيثٌ لا يُمَلُّ سَمَاعُهُ | شَهِيٌّ إليْنَا نَثْرُهُ وَنِظَامُهُ |
إذَا سَمِعَتْهُ النَّفْسُ طَابَ نَعِيمُهَا | وَزَالَ عَنِ القَلْبِ المُعَنَّى غَرامُهُ |
وُجودُكَ ذَنْبٌ لاَ يُقَاسُ بِهِ ذَنْبُ ****...
فإن غبتَ عنه، وكسرته، غابت عنك جميعُ العوالم الحسية، وشهدت أسرار المعاني القدسية، فشهدت أسرار الذات وأنوار الصفات، وإلى هذا المعنى أشار ابن العريف رضي الله عنه بقوله :
بَدَا لَكَ سِرٌّ طَالَ عَنْكَ اكْتتَامُهُ | وَلاَحَ صَبَاحُ كُنْتَ أنْتَ ظَلاَمُهُ |
فَأنْتَ حِجَابُ القَلْبِ عَنْ سِرِّ غَيبهِ | وَلَوْلاَكَ لَمْ يُطْبَعْ عَلَيْهِ خِتَامُهُ |
فَإنْ غِبْتَ عَنْهُ حَلَّ فِيهِ وَطَنَّبَتْ | عَلَى مَوْكبِ الكَشْفِ المصُونِ خِيَامُهُ |
وَجَاء حَدِيثٌ لا يُمَلُّ سَمَاعُهُ | شَهِيٌّ إليْنَا نَثْرُهُ وَنِظَامُهُ |
إذَا سَمِعَتْهُ النَّفْسُ طَابَ نَعِيمُهَا | وَزَالَ عَنِ القَلْبِ المُعَنَّى غَرامُهُ |
﴿ قالوا ﴾ أي : بعضٌ منهم، وهو من سمع مقالته :﴿ سمعنا فتىً يذكرهم ﴾ أي : يعيبهم، فلعله فعل ذلك بها، ﴿ يُقال له إِبراهيم ﴾ أي : يقال له هذا الاسم.
وُجودُكَ ذَنْبٌ لاَ يُقَاسُ بِهِ ذَنْبُ ****...
فإن غبتَ عنه، وكسرته، غابت عنك جميعُ العوالم الحسية، وشهدت أسرار المعاني القدسية، فشهدت أسرار الذات وأنوار الصفات، وإلى هذا المعنى أشار ابن العريف رضي الله عنه بقوله :
بَدَا لَكَ سِرٌّ طَالَ عَنْكَ اكْتتَامُهُ | وَلاَحَ صَبَاحُ كُنْتَ أنْتَ ظَلاَمُهُ |
فَأنْتَ حِجَابُ القَلْبِ عَنْ سِرِّ غَيبهِ | وَلَوْلاَكَ لَمْ يُطْبَعْ عَلَيْهِ خِتَامُهُ |
فَإنْ غِبْتَ عَنْهُ حَلَّ فِيهِ وَطَنَّبَتْ | عَلَى مَوْكبِ الكَشْفِ المصُونِ خِيَامُهُ |
وَجَاء حَدِيثٌ لا يُمَلُّ سَمَاعُهُ | شَهِيٌّ إليْنَا نَثْرُهُ وَنِظَامُهُ |
إذَا سَمِعَتْهُ النَّفْسُ طَابَ نَعِيمُهَا | وَزَالَ عَنِ القَلْبِ المُعَنَّى غَرامُهُ |
وُجودُكَ ذَنْبٌ لاَ يُقَاسُ بِهِ ذَنْبُ ****...
فإن غبتَ عنه، وكسرته، غابت عنك جميعُ العوالم الحسية، وشهدت أسرار المعاني القدسية، فشهدت أسرار الذات وأنوار الصفات، وإلى هذا المعنى أشار ابن العريف رضي الله عنه بقوله :
بَدَا لَكَ سِرٌّ طَالَ عَنْكَ اكْتتَامُهُ | وَلاَحَ صَبَاحُ كُنْتَ أنْتَ ظَلاَمُهُ |
فَأنْتَ حِجَابُ القَلْبِ عَنْ سِرِّ غَيبهِ | وَلَوْلاَكَ لَمْ يُطْبَعْ عَلَيْهِ خِتَامُهُ |
فَإنْ غِبْتَ عَنْهُ حَلَّ فِيهِ وَطَنَّبَتْ | عَلَى مَوْكبِ الكَشْفِ المصُونِ خِيَامُهُ |
وَجَاء حَدِيثٌ لا يُمَلُّ سَمَاعُهُ | شَهِيٌّ إليْنَا نَثْرُهُ وَنِظَامُهُ |
إذَا سَمِعَتْهُ النَّفْسُ طَابَ نَعِيمُهَا | وَزَالَ عَنِ القَلْبِ المُعَنَّى غَرامُهُ |
وُجودُكَ ذَنْبٌ لاَ يُقَاسُ بِهِ ذَنْبُ ****...
فإن غبتَ عنه، وكسرته، غابت عنك جميعُ العوالم الحسية، وشهدت أسرار المعاني القدسية، فشهدت أسرار الذات وأنوار الصفات، وإلى هذا المعنى أشار ابن العريف رضي الله عنه بقوله :
بَدَا لَكَ سِرٌّ طَالَ عَنْكَ اكْتتَامُهُ | وَلاَحَ صَبَاحُ كُنْتَ أنْتَ ظَلاَمُهُ |
فَأنْتَ حِجَابُ القَلْبِ عَنْ سِرِّ غَيبهِ | وَلَوْلاَكَ لَمْ يُطْبَعْ عَلَيْهِ خِتَامُهُ |
فَإنْ غِبْتَ عَنْهُ حَلَّ فِيهِ وَطَنَّبَتْ | عَلَى مَوْكبِ الكَشْفِ المصُونِ خِيَامُهُ |
وَجَاء حَدِيثٌ لا يُمَلُّ سَمَاعُهُ | شَهِيٌّ إليْنَا نَثْرُهُ وَنِظَامُهُ |
إذَا سَمِعَتْهُ النَّفْسُ طَابَ نَعِيمُهَا | وَزَالَ عَنِ القَلْبِ المُعَنَّى غَرامُهُ |
قال الكواشي : ومن الجائز أن يكون أَذِنَ الله تعالى له في ذلك كما أَذِنَ ليوسف حين نادى على إخوته :﴿ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ﴾ [ يُوسُف : ٧٠ ]، ولم يكونوا سارقين ؛ لِمَا في ذلك من المصلحة ؛ لأنهم إذا نظروا النظر الصحيح، وسألوا عَلِمُوا أن كبيرهم لم يفعل شيئًا، وأنه عاجز عن النطق، فضلاً عن الفعل، فلا يجوز أن يُعبد، ولا يستحق العبادة إلا القادر الفعال. ه.
وقيل : اسند الفعل إلى كبيرهم ؛ لأنه الحامل له على كسرها، حيث رآه يُعظَّم أكثر منها، ويُعبد من دون الله، فاشتد غضبه حتى كسرها، وهو بعيد ؛ إذ لو كان كذلك لكسره أولاً، فتحصل أنه عليه السلام إنما قصد التعريض بعبادتهم، لا الإخبار المحض، حتى يكون كذبًا. فإن قلت : قد ورد في الحديث أن إبراهيم كذب ثلاث كذبات ؟١ فالجواب : أن معنى ذلك : أنه قال قولاً ظاهره الكذب، وإن كان القصد به معنى آخر. قاله ابن جزي.
ثم قال لهم :﴿ فاسْألوهم ﴾ عن حالهم، ﴿ إِن كانوا ينطقون ﴾ فتجيبكم بمن كسرهم، وأنتم تعلمون عجزهم عنه.
وُجودُكَ ذَنْبٌ لاَ يُقَاسُ بِهِ ذَنْبُ ****...
فإن غبتَ عنه، وكسرته، غابت عنك جميعُ العوالم الحسية، وشهدت أسرار المعاني القدسية، فشهدت أسرار الذات وأنوار الصفات، وإلى هذا المعنى أشار ابن العريف رضي الله عنه بقوله :
بَدَا لَكَ سِرٌّ طَالَ عَنْكَ اكْتتَامُهُ | وَلاَحَ صَبَاحُ كُنْتَ أنْتَ ظَلاَمُهُ |
فَأنْتَ حِجَابُ القَلْبِ عَنْ سِرِّ غَيبهِ | وَلَوْلاَكَ لَمْ يُطْبَعْ عَلَيْهِ خِتَامُهُ |
فَإنْ غِبْتَ عَنْهُ حَلَّ فِيهِ وَطَنَّبَتْ | عَلَى مَوْكبِ الكَشْفِ المصُونِ خِيَامُهُ |
وَجَاء حَدِيثٌ لا يُمَلُّ سَمَاعُهُ | شَهِيٌّ إليْنَا نَثْرُهُ وَنِظَامُهُ |
إذَا سَمِعَتْهُ النَّفْسُ طَابَ نَعِيمُهَا | وَزَالَ عَنِ القَلْبِ المُعَنَّى غَرامُهُ |
وُجودُكَ ذَنْبٌ لاَ يُقَاسُ بِهِ ذَنْبُ ****...
فإن غبتَ عنه، وكسرته، غابت عنك جميعُ العوالم الحسية، وشهدت أسرار المعاني القدسية، فشهدت أسرار الذات وأنوار الصفات، وإلى هذا المعنى أشار ابن العريف رضي الله عنه بقوله :
بَدَا لَكَ سِرٌّ طَالَ عَنْكَ اكْتتَامُهُ | وَلاَحَ صَبَاحُ كُنْتَ أنْتَ ظَلاَمُهُ |
فَأنْتَ حِجَابُ القَلْبِ عَنْ سِرِّ غَيبهِ | وَلَوْلاَكَ لَمْ يُطْبَعْ عَلَيْهِ خِتَامُهُ |
فَإنْ غِبْتَ عَنْهُ حَلَّ فِيهِ وَطَنَّبَتْ | عَلَى مَوْكبِ الكَشْفِ المصُونِ خِيَامُهُ |
وَجَاء حَدِيثٌ لا يُمَلُّ سَمَاعُهُ | شَهِيٌّ إليْنَا نَثْرُهُ وَنِظَامُهُ |
إذَا سَمِعَتْهُ النَّفْسُ طَابَ نَعِيمُهَا | وَزَالَ عَنِ القَلْبِ المُعَنَّى غَرامُهُ |
وُجودُكَ ذَنْبٌ لاَ يُقَاسُ بِهِ ذَنْبُ ****...
فإن غبتَ عنه، وكسرته، غابت عنك جميعُ العوالم الحسية، وشهدت أسرار المعاني القدسية، فشهدت أسرار الذات وأنوار الصفات، وإلى هذا المعنى أشار ابن العريف رضي الله عنه بقوله :
بَدَا لَكَ سِرٌّ طَالَ عَنْكَ اكْتتَامُهُ | وَلاَحَ صَبَاحُ كُنْتَ أنْتَ ظَلاَمُهُ |
فَأنْتَ حِجَابُ القَلْبِ عَنْ سِرِّ غَيبهِ | وَلَوْلاَكَ لَمْ يُطْبَعْ عَلَيْهِ خِتَامُهُ |
فَإنْ غِبْتَ عَنْهُ حَلَّ فِيهِ وَطَنَّبَتْ | عَلَى مَوْكبِ الكَشْفِ المصُونِ خِيَامُهُ |
وَجَاء حَدِيثٌ لا يُمَلُّ سَمَاعُهُ | شَهِيٌّ إليْنَا نَثْرُهُ وَنِظَامُهُ |
إذَا سَمِعَتْهُ النَّفْسُ طَابَ نَعِيمُهَا | وَزَالَ عَنِ القَلْبِ المُعَنَّى غَرامُهُ |
وُجودُكَ ذَنْبٌ لاَ يُقَاسُ بِهِ ذَنْبُ ****...
فإن غبتَ عنه، وكسرته، غابت عنك جميعُ العوالم الحسية، وشهدت أسرار المعاني القدسية، فشهدت أسرار الذات وأنوار الصفات، وإلى هذا المعنى أشار ابن العريف رضي الله عنه بقوله :
بَدَا لَكَ سِرٌّ طَالَ عَنْكَ اكْتتَامُهُ | وَلاَحَ صَبَاحُ كُنْتَ أنْتَ ظَلاَمُهُ |
فَأنْتَ حِجَابُ القَلْبِ عَنْ سِرِّ غَيبهِ | وَلَوْلاَكَ لَمْ يُطْبَعْ عَلَيْهِ خِتَامُهُ |
فَإنْ غِبْتَ عَنْهُ حَلَّ فِيهِ وَطَنَّبَتْ | عَلَى مَوْكبِ الكَشْفِ المصُونِ خِيَامُهُ |
وَجَاء حَدِيثٌ لا يُمَلُّ سَمَاعُهُ | شَهِيٌّ إليْنَا نَثْرُهُ وَنِظَامُهُ |
إذَا سَمِعَتْهُ النَّفْسُ طَابَ نَعِيمُهَا | وَزَالَ عَنِ القَلْبِ المُعَنَّى غَرامُهُ |
وُجودُكَ ذَنْبٌ لاَ يُقَاسُ بِهِ ذَنْبُ ****...
فإن غبتَ عنه، وكسرته، غابت عنك جميعُ العوالم الحسية، وشهدت أسرار المعاني القدسية، فشهدت أسرار الذات وأنوار الصفات، وإلى هذا المعنى أشار ابن العريف رضي الله عنه بقوله :
بَدَا لَكَ سِرٌّ طَالَ عَنْكَ اكْتتَامُهُ | وَلاَحَ صَبَاحُ كُنْتَ أنْتَ ظَلاَمُهُ |
فَأنْتَ حِجَابُ القَلْبِ عَنْ سِرِّ غَيبهِ | وَلَوْلاَكَ لَمْ يُطْبَعْ عَلَيْهِ خِتَامُهُ |
فَإنْ غِبْتَ عَنْهُ حَلَّ فِيهِ وَطَنَّبَتْ | عَلَى مَوْكبِ الكَشْفِ المصُونِ خِيَامُهُ |
وَجَاء حَدِيثٌ لا يُمَلُّ سَمَاعُهُ | شَهِيٌّ إليْنَا نَثْرُهُ وَنِظَامُهُ |
إذَا سَمِعَتْهُ النَّفْسُ طَابَ نَعِيمُهَا | وَزَالَ عَنِ القَلْبِ المُعَنَّى غَرامُهُ |
﴿ قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَانصُرُواْ آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ﴾ * ﴿ قُلْنَا يا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ * ﴿ وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ ﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ قالوا حرِّقوه ﴾ أي : قال بعضهم لبعض، لَمَّا عجزوا عن المحاججة، وضاقت عليهم الحيل، وعييت بهم العلل، وهذا دَيْدنُ المبطل المحجوج، إذا قُرعَت شبهه بالحجة القاطعة وافتضح، لم يبق له حينئذ إلا المناصبة والمعاداة، فناصبوا إبراهيم عليه السلام، وقالوا حرِّقوه بالنار ؛ لأنه أشد العقوبات، ﴿ وانصُروا آلهتكم ﴾ بالانتقام لها ﴿ إن كنتم فاعلين ﴾ للنصر، أي : إن كنتم ناصرين آلهتكم نصرًا مؤزرًا، فاختاروا له أهول المعاقبات، وهو الإحراق، وإلاَّ فقد فرطتم في نصرتها، والذي أشار بالإحراق نمرود، أو رجل من أكراد فارس، اسمه " هيزن "، وقيل :" هدير "، خسفت به الأرض، فهو يتجلجل إلى يوم القيامة.
قال ابن عباس : لو لم يقل ﴿ وسلامًا ﴾ لمات إبراهيم من بردها، ولم تبق يومئذ نار إلا طفئت، ظنت أن الخطاب توجه لها، فما انتفع أحد من أهل الأرض يومئذ بنار، ولم تبق دابة إلا أتت تطفئ عنه النار، إلا الوزغ. فلذلك أمر نبيُنا صلى الله عليه وسلم. بقتلها، وسماها فويسقا١. قال السدي : فأخذت الملائكة بضَبْعَي إبراهيم وأقعدوه على الأرض، فإذا عين ماء عذب وورد أحمر ونرجس. قال كعب : ما أحرقت النار من إبراهيم إلا وثاقه٢. ورُوي أنه عليه السلام مكث فيها سبعة أيام، وقيل : أربعين، وقيل : خمسين، والأول أقرب.
قال إبراهيم عليه السلام : ما كنتُ أيامًا قط أنعم مني من الأيام التي كنتُ فيها. قال ابن بسار : وبعث الله تعالى ملك الظل فقعد إلى جنبه يُؤنسه، قالوا : وبعث الله بقميص من حرير الجنة. قلت : وقد تقدم ذكره في سورة يوسف٣. وأتاه جبريل فقال : إن ربك يقول : أما علمت أن النار لا تضر أحبائي. فنظر نمرود من صرحه، فأشرف عليه، فرآه جالسًا في روضة مونقة، ومعه جليسٌ على أحسن ما يكون من الهيئة، والنار محيطة به، فنادى : يا إبراهيم هل تستطيع أن تخرج منها ؟ قال : نعم، قال : فاخرج، فقام يمشي فخرج منها، فاستقبله نمرود وعظَّمه. وقال : من الرجل الذي رأيتُه معك ؟ قال ذلك ملك الظل، أرسله ربي ليؤنسني، فقال : إني مُقرب إلى إلهك قربَانًا لِمَا رأيته من قدرته وعزته فيما صنع بك. فقال عليه السلام : لا يقبل الله منك ما دُمتَ على دينك هذا، حتى تفارقه إلى ديني، قال : لا أستطيع ترك ملكي، ولكن سأذبح له أربعة آلاف بقرة، فذبحها، وكف عن إبراهيم عليه السلام٤.
قال شعيب الجبائي : أُلقِي إبراهيم في النار وهو ابن ست عشرة سنة، وذبح إسحاق وهو ابن سبع سنين، وولدته سارة وهي بنت تسعين سنة، ولَمَّا علت ما أراد من ذبحه بقيت يومين وماتت في الثالث٥. ه. وهذا كما ترى من أكبر المعجزات، فإنَّ انقلاب النار هواء طيبًا، وإن لم يكن بدعًا من قدرة الله، لكنه من أكبر الخوارق، واختلف في كيفية برودتها ؛ فقيل : إن الله تعالى أزال ما فيها من الحر والإحراق، وقيل : دفع الله عن جسم إبراهيم حرها وإحراقها مع تَرْكِ ذلك فيها، والله على كل شيء قدير.
٢ أخرجه الطبري في تفسيره ١٧/٤٤..
٣ انظر تفسير الآية ٩٦ من سورة يوسف..
٤ أخرجه البغوي في تفسيره ٥/٣٢٩..
٥ أخرجه الطبري في تفسيره ١٧/٤٥..
﴿ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ﴾ * ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ ﴾
قلت :﴿ إلى الأرض ﴾ : يتعلق بحال محذوفة، ينساق إليها الكلام، أي : ذاهبًا بهما إلى الأرض.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ ونجيناه ﴾ أي : إبراهيم ﴿ ولوطًا ﴾ ابن أخيه هاران، ذاهبًا بهما من العراق ﴿ إِلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ﴾، وهي أرض الشام. وبركاته العامة : أنَّ أكثر الأنبياء بُعثوا فيها، فانتشرت في العالمين شرائعهم، التي هي مبادئ الخيرات الدينية والدنيوية، وهي أرض المحشر، فيها يجمع الناس، وفيها ينزل عيسى عليه السلام، وقال أُبي بن كعب : ما من ماء عذب إلاَّ وأصله من تحت صخرة بيت المقدس، وهي أرض خِصب، يعيش فيها الفقير والغني.
قال ابن إسحاق : خرج إبراهيم من كُوثى من أرض العراق، وخرج معه لوط وسارة، فنزل حَرّان، ثم خرج منها إلى مصر، ثم خرج منها إلى الشام، فنزل السَّبُعَ من أرض فلسطين بزوجه سارة، بنت عمه هاران الأكبر، ونزل لوط عليه السلام بالمؤتفكة، وبينهما مسيرة يوم وليلة، وكلاهما من الشام.
﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَة وَإِيتَآءَ الزَّكَاةِ وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ ﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ وجعلناهم ﴾ أي : إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ﴿ أئمةً ﴾ يُقتدى بهم في أمور الدين ؛ إجابة لدعوته بقوله :﴿ وَمِن ذُرِّيَّتِي ﴾ [ البَقَرَة : ١٢٤ ] أي : فاجعل أئمة، ﴿ يَهدُون ﴾ الخلق إلى الحق، ﴿ بأمرِنَا ﴾ لهم بذلك، وإرسالنا إياهم حتى صاروا مكملين، أو يهدون الخلق بإرادتنا ومشيئتنا. ﴿ وأوحينا إِليهم فعلَ الخيرات ﴾ وهي جميع الأعمال الصالحة، أي : أمرناهم أن يفعلوا جميع الخيرات، ليتم كمالهم بانضمام العمل الصالح إلى العلم، وأصله : أن يفعلوا الخيرات، ثم فعلَ الخيرات، ﴿ وإِقامَ الصلاةِ وإِيتاءَ الزكاة ﴾، وهو من عطف الخاص على العام ؛ دلالة على فضله وشرفه، وأصله : وإقامة الصلاة، فحذفت التاء المعوضة من إحدى الألفين ؛ لقيام المضاف إليه مقامها. ﴿ وكانوا لنا عابدين ﴾ : قانتين مُطيعين، لا يخطر ببالهم غير عبادتنا ومشاهدتنا. وأنتم يا معشر العرب والعجم من ذريتهم، فاتبعوهم في ذلك. وبالله التوفيق.
الإشارة : إنما يعظم جاه العبد عند الله بثلاثة أمور : انحياشه بقلبه إلى الله، ومسارعته إلى ما فيه رضا الله، وإرشاد العباد إلى الله، بدعائهم إلى الله بالحال والمقال، فبقدر ما يقع من هداية الخلق على يديه يعلو مقامه عند الله، إن حصلت المعرفة بالله، وبهذا تعرف شرف مرتبة مشيخة الصوفية، الدالين على الله، الداعين إلى حضرة الله، إن تكلموا وقع كلامهم في قلوب الخلق، فيرجعون إلى الله من ساعتهم، مجالسهم كلها وعظ وتذكير، حالهم يُنهض إلى الله، ومقالهم يدل على الله، ففي ساعة واحدة يتوب على يديهم من الخلق ما لا يتوب على يد العالم في سنين ؛ وذلك لإنهاض الحال والمقال، فلا جَرَمَ أنهم أعز الخلق إلى الله، وأعظمهم قدرًا عند الله.
قال السهروردي في العوارف : ورد في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" والذي نفس محمد بيده لئن شئتم لأقسمن لكم، إن أحب عباد الله إلى الله يُحَبِّبُونَ الله إلى عباده، ويُحبِّبُون عباد الله إلى الله، ويمشون في الأرض بالنصيحة ". وهذا الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم هو رتبة المشيخة والدعوة ؛ فإن الشيخ يُحبب الله إلى عباده حقيقة، ويحبب عباد الله إلى الله.
فأما كونه يُحبب عباد الله إلى الله ؛ لأن الشيخ يسلك بالمريد طريق الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في أفعاله وأخلاقه. ومن صح اقتداؤه واتباعه أحبه الله، قال تعالى :﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [ آل عِمرَان : ٣١ ]، ووجه كونه يُحبب الله إلى عباده ؛ لأنه يسلك بالمريد طريق التزكية، وإذا تزكت النفس انجلت مرآة القلب، ودخل فيها نور العظمة الإلهية، ولاح فيها جمال التوحيد، وذلك ميراث التزكية، قال الله تعالى :﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ﴾ [ الشّمس : ٩ ]، وفلاحها : الظفر بمعرفة الله، فإذا عرفه، قطعًا، أحبه وفنى فيه. فرتبة المشيخة من أعلى الرتب ؛ لأنها خلافة النبوة في الدعوة إلى الله.
ثم قال : فعلى المشايخ وقار لله، وبهم يتأدب المريد ظاهرًا وباطنًا، قال الله تعالى :﴿ أُوْلَائِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ [ الأنعَام : ٩٠ ]، فالمشايخ، لَمَّا اهتَدْوا، أُهِّلُوا للاقتداء بهم، وجُعِلوا أئمة للمتقين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، حاكيًا عن الله عزّ وجلّ :" إذا كان الغالبُ على عبدي الاشتغال بي، جعلت همته ولذَّتهُ في ذكري، فإذا جعلت همته ولذته في ذكري، أحبني وأحببته، ورفعتُ الحجابُ فيما بيني وبينه، لا يسهو إذا سَهَا الناسُ، أولئك كلامُهُم كلام الأنبياءِ، أولئك الأبطالُ حقًا، أولئك الذين إذا أردتُ بأهلِ الأرضِ عقوبةً أو عذابًا، ذكرتُهم فصرفتُه بهم عنهم " ١ انتهى كلامه رضي الله عنه.
ومن كلام ذي النون المصري -لمّا تكلم على الأبدال- قال : فهمُهم إليه ثائرة، وأعينهم إليه بالغيب ناظرة، قد أقامهم على باب النظر من رؤيته، وأجلسهم على كراسي أطباء أهل معرفته، ثم قال لهم : إن أتاكم عليل من فقدي فداووه، أو مريض من فراقي فعالجوه، أو خائف مني فانصروه، أو آمن مني فحذّروه، أو راغب في مواصلتي فمنوه، أو راحل نحوي فزودوه، أو جبان في متاجرتي فشجعوه، أو آيس من فضلي فرجُّوه، أو راجٍ لإحساني فبشروه، أو حسن الظن بي فباسطوه، أو مُعظَّم لقدري فعظموه، أو مسيء بعد إحساني فعاتبوه، أو مسترشد فأرشدوه. ه. وهذه صفة مشايخ التربية على ما شهدناهم، وما شهدنا إلا بما علمنا. وبالله التوفيق.
﴿ وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ ﴾ * ﴿ وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ * ﴿ وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴾ * ﴿ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾
قلت :﴿ ولوطًا ﴾ : إما مفعول بمحذوف يُفسره قوله :﴿ آتيناه ﴾ أي : وآتينا لوطًا، أو : باذكر. و﴿ نوحًا ﴾ : مفعول باذكر.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ ولوطًا آتيناه حُكمًا ﴾ أي : حكمة، أو نبوة، أو فصْلاً بين الخصوم بالحق، ﴿ وعلمًا ﴾ بِنَا وبما ينبغي علمه للأنبياء -عليهم السلام- من علم السياسة، ﴿ ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائثَ ﴾ ؛ اللواطة، وقذف المارة بالحصى، وغيرها، وصفت بصفة أهلها، وأسندت إليها على حذف مضاف، أي : من أهل القرية، بدليل قوله :﴿ إِنهم كانوا قوم سَوْءٍ فاسقين ﴾ : خارجين عن طاعة الله ورسوله.
ولمَّا أجهد نفسه في تغيير المنكر نجّاه الله من أذاهم وما لحق بهم، وكذلك نبيه نوح عليه السلام ؛ لما دعا قومه إلى الله، وأجهد نفسه في نصحهم، نجاه الله من شرهم وجعل النسل من ذريته، فكان آدم الأصغر. وهذه عادة الله تعالى في خواصه، يُكثر فروعهم، ويجعل البركة في تركتهم. وبالله التوفيق.
ولمَّا أجهد نفسه في تغيير المنكر نجّاه الله من أذاهم وما لحق بهم، وكذلك نبيه نوح عليه السلام ؛ لما دعا قومه إلى الله، وأجهد نفسه في نصحهم، نجاه الله من شرهم وجعل النسل من ذريته، فكان آدم الأصغر. وهذه عادة الله تعالى في خواصه، يُكثر فروعهم، ويجعل البركة في تركتهم. وبالله التوفيق.
ولمَّا أجهد نفسه في تغيير المنكر نجّاه الله من أذاهم وما لحق بهم، وكذلك نبيه نوح عليه السلام ؛ لما دعا قومه إلى الله، وأجهد نفسه في نصحهم، نجاه الله من شرهم وجعل النسل من ذريته، فكان آدم الأصغر. وهذه عادة الله تعالى في خواصه، يُكثر فروعهم، ويجعل البركة في تركتهم. وبالله التوفيق.
ولمَّا أجهد نفسه في تغيير المنكر نجّاه الله من أذاهم وما لحق بهم، وكذلك نبيه نوح عليه السلام ؛ لما دعا قومه إلى الله، وأجهد نفسه في نصحهم، نجاه الله من شرهم وجعل النسل من ذريته، فكان آدم الأصغر. وهذه عادة الله تعالى في خواصه، يُكثر فروعهم، ويجعل البركة في تركتهم. وبالله التوفيق.
﴿ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ﴾ * ﴿ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ * ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ ﴾ * ﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ ﴾ * ﴿ وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذالِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ ﴾
قلت :﴿ وداود ﴾ : عطف على ﴿ نوحًا ﴾، أو معمول لاذكر، و﴿ إذ يحكمان ﴾ : ظرف للمضاف المقدر، أي : اذكر خبرهما، و﴿ إذ نفشت ﴾ : ظرف للحكم.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ و ﴾ اذكر خبر ﴿ داودَ وسليمانَ إِذْ يحكمان ﴾ أي : وقت حكمهما ﴿ في الحرث ﴾ أي : في الزرع، أو في الكرم المتدلي عناقيده، والحرث يطلق عليهما، ﴿ إِذ نَفَشَتْ ﴾ : دخلت ﴿ فيه غنمُ القوم ﴾ فأفسدته ليلاً، فالنفش : الرعي بالليل، والهمَلُ بالنهار، وهما الرعي بلا راع. ﴿ وكنا لحُكمِهم ﴾ أي : لهما وللمتحاكمين إليهما، أو على أنَّ أقل الجمع اثنان، ﴿ شاهدين ﴾، كان ذلك بعلمنا ومرأى منا، لم يغب عنا شيء منه.
﴿ ففهمناها ﴾ أي : الحكومة، أو الفتوى، ﴿ سليمانَ ﴾، وفيه دليل على أن الصواب كان مع سليمان.
وقصتهما على ما قال ابن عباس وغيره : أن رجلين دخلا على داود عليه السلام أحدهما : صاحب حرث، والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الزرع : إنَّ هذا نفشت غنمه ليلاً، فوقعت في حرثي، فلم تُبق منه شيئًا، فقال له داود : اذهب فإن الغنم لك، ولعله استوت قيمتاهما -أي : قيمة الغنم كانت على قدر النقصان في الحرث- فخرج الرجلان على سليمان، وهو بالباب، وكان ابن إحدى عشرة سنة، فأخبراه بما حكم به أبوه، فدخل عليه، فقال : يا نبي الله ؛ لو حكمت بغير هذا لكان أرفق بالفريقين، قال : وما هو ؟ قال : يأخذ صاحبُ الغنم الأرضَ ليُصلحها، حتى يعود زرعها كما كان، ويأخذ صاحب الزرع الغنمَ ينتفع بألبانها وصوفها ونسلها، فإذا كمل الزرع، رُدت الغنم إلى صاحبها، والأرض بزرعها إلى ربها، فقال داود : وُفقت يا بُني، وقضى بينهم بذلك.
والذي يظهر : أن حكمهما -عليهما السلام- كان باجتهاد، ففيه دليل على أن الأنبياء يجتهدون فيما لم ينزل فيه وحي، فإنَّ قول سليمان عليه السلام :" هذا أرفق "، وقوله :" أرى أن تدفع. . . " الخ، صريح في أنه ليس بطريق الوحي، وإلا لبت القول بذلك، ولعله وجه حكم داود عليه السلام قياس ذلك على جناية العبد، فإنَّ العبد فيما جنى. وإذا قلنا : كان بوحي، يكون حكم سليمان ناسخًا لحكم داود عليه السلام.
وأما حُكْم إفساد المواشي للزرع في شرعنا : فقال مالك والشافعي : يضمن أربابُ المواشي ما أفسدت بالليل دون النهار ؛ للحديث الوارد في ذلك، على تفصيل في مذهب مالك فيما أفسدت بالنهار. وقال أبو حنيفة : لا يضمن ما أفسدت بالليل ولا بالنهار ؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام- :" العَجْماءُ جُرْحُها جُبَار " ١، ما لم يكن معها سائق أو قائد، فيضمن عنده.
قال تعالى :﴿ وكُلاًّ آتينا حُكمًا وعلمًا ﴾ أي : كل واحد منهما آتيناه حكمًا، أي : نبوة، وعلمًا : معرفة بمواجب الحكم، لا سليمان وحده.
وفيه دليل على أن خطأ المجتهد لا يقدح في علمه ولا يرفع عنه صفة الاجتهاد.
ثم بيَّن ما اختص به كل واحد منهما من المعجزات، فقال :﴿ وسخَّرنا ﴾ أي : ذللنا ﴿ مع داود الجبالَ ﴾، حال كونها ﴿ يُسَبِّحْنَ ﴾ أي : مسبحات ؛ ينزهْنَ الله تعالى بلسان المقال، كما سبّح الحصا في كف نبينا عليه الصلاة والسلام. ﴿ و ﴾ سخرنا له ﴿ الطير ﴾ ؛ كانت تسبح معه. وقدَّم الجبال على الطير ؛ لأن تسخيرها وتسبيحها أغرب وأدخل في الإعجاز ؛ لأنها جماد. قال الكواشي : كان داود إذا سبّح سبّح معه الجبالُ والطير، وكان يفهم تسبيح الحجر والشجر، وكان إذا فتَر من التسبيح، يُسمعه الله تعالى تسبيح الجبال والطير ؛ لينشط في التسبيح ويشتاق إليه. ورُوي أنه كان إذا سار سارت الجبال معه مسبحة، قال قتادة :" يُسبحن "، أي : يصلين معه إذا صلى، وهذا غير ممتنع في قدرة الله تعالى. وفي الأثر :" كان داود يمرُّ، وصِفَاح الروحاءُ تجاوبه، والطير تساعده ". ﴿ وكنا فاعلين ﴾ بالأنبياء أمثال هذا وأكثر، فليس ذلك ببدع منا ولا صعب على قدرتنا.
وقوله تعالى :﴿ وسخرنا مع داود الجبال... ﴾ الخ. ﴿ ولسليمان الريح... ﴾ الآية، لمّا كانا -عليهما السلام- مع المُكَوِّنِ كانت الأكوان معهما، " أنت مع الأكوان ما لم تشهد المكون، فإذا شهدته كانت الأكوان معك "، وذكر في القوت : أن سليمان عليه السلام لبس ذات يوم قميصًا رفيعًا جديدًا، ثم ركب البساط، وحملته الريح، فبينما هو يسير إذ نظر إلى عطفه نظرةً، فأنزلته الريح، فقال : لِم أنزلتني ولم آمرك ؟ ! فقالت : نطيعك إذا أطعت الله، ونعصيك إذا عَصَيْتَه. فاستغفر وحملته. هـ بالمعنى. والله تعالى أعلم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٧:ثم ذكر يونس عليه السلام، فقال :
﴿ وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ * ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذالِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ و ﴾ اذكر ﴿ ذا النُّون ﴾ أي : صاحب الحوت، وهو يونس عليه السلام، ﴿ إِذ ذهبَ مغاضِبًا ﴾ أي : مراغمًا لقومه، فارًا عنهم، وغضب من طول دعوته إياهم، وشدة شكيمتهم، وتمادي إصرارهم، فخرج مهاجرًا عنهم، قبل أن يُؤمر، وقيل : وعدهم بالعذاب فلم يأتهم لميعادهم ؛ لأجل توبتهم، ولم يشعر بها، فظن أنه كذبهم، فغضب من ذلك، فهو من باب المغالبة ؛ للمبالغة ؛ أو لأنه غضب لما رأى منهم من الإصرار، وغضبوا لمفارقته إياهم، وكان من حقه عليه السلام أن يصبر وينتظر الإذن الخاص من الله تعالى، فلما استعجل ابتلي ببطن الحوت، وقال ابن عباس : قال جبريلُ ليونس عليه السلام : انطلق إلى أهل نِينَوى فأنذرهم أن العذاب قد حضرهم، قال : ألتمس دابة، قال : الأمر أعجل من ذلك، فانطلق إلى السفينة فركبها، فاحتبست السفينة فساهموا فسهم، فجاءه الحوت يبصبص بذنبه، فنودي الحوت : إنا لم نجعل يونس لك رزقًا، إنما جعلناه لك حِرزًا، فالتقمه، ومرّ به على الأبُلة، ثم على دجلة، ثم مَرَّ به حتى ألقاه بنينَوَى. ه.
وقال وهب بن منبه رضي الله عنه : إنَّ يونس كان عبدًا صالحًا ضَيِّق الخلق، فلما حمل أثقال النبوة تفسخ منها تفسُّخَ الرّبَع تحت الحمل الثقيل، فقذفها وخرج هاربًا عنها، ولذلك أخرجه الله من أولي العزم، قال لنبيه صلى الله عليه وسلم :﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ [ الأحقاف : ٣٥ ]، وقال :﴿ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ ﴾
[ القَلَم : ٤٨ ]، أي : لا تلق أمري كما ألقاه. ه. وأما قول الحسن : مغاضبًا لربه، فلا يليق بمقام الأنبياء -عليهم السلام- إلا أن يحمل على أن خروجه بلا إذن كأنه مغاضب. والله تعالى أعلم.
ثم قال تعالى :﴿ فظنَّ أن لن نقْدِرَ عليه ﴾ أي : لن نضيق عليه، أو لن نقدر عليه بالعقوبة، فهو من القدرة، ويؤيده قراءة من شدَّد، وعن ابن عباس رضي الله عنه قال : دخلت يومًا على معاوية، فقال : لقد ضربتني أمواج القرآن البارحة، فغرقت فيها، فلا أرى لنفسي خلاصًا إلا بك، قال : وما هي ؟ فقرأ الآية... فقال : أو يظن نبي الله ألا يقدر عليه ؟ قال : هذا من القدر لا من القدرة. ه.
وقيل : إنه على حذف الاستفهام. أي : أيظن أن لن نقدر عليه، وقيل : هو تمثيل لحاله بحال من ظن أن لن يقدر عليه، أي : تعامل معاملة من ظن أن لن نقدر عليه ؛ حيث استعجل الفرار. قلت : لإعلاء مقامه كثرت مطالبته بالأدب، فحين خرج من غير إذن خاص ؛ عُدَّ خروجه كأنه ظن ألا تنفذ فيه القدرة، وتمسك عليه السلام بالإذن العام، وهو الهجرة من دار الكفر، وهو لا يكفي في حق أمثاله، فعوقب بالسجن في بطن الحوت.
﴿ فنادى في الظلمات ﴾ أي : في الظلمة الشديدة المتكاثفة كقوله :﴿ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ... ﴾ [ البَقَرة : ١٧ ]، أو في ظلمة بطن الحوت والبحر والليل :﴿ أن لا إِله إِلا أنتَ ﴾ أي : بأنه لا إله إلا أنت، أو تفسيرية، أي : قال : لا إله إلا أنت، ﴿ سبحانك ﴾ أي : أنزهك تنزيهًا لائقًا بك من أن يعجزك شيء، أو : تنزيهًا لك عما ظننتُ فيك، ﴿ إِني كنتُ من الظالمين ﴾ لنفسي ؛ بخروجي عن قومي قبل أن تأذن لي، أو من الظالمين لأنفسهم بتعريضها للهلكة، وعن الحسن : ما نجاه، والله، إلا إقراره على نفسه بالظلم.
ومنها قضية أبي الخير العسقلاني رضي الله عنه قال : اشتهيتُ السمك سنين، ثم ظهر له من وجه حلال، فلما مد يده ليأكل، أخذت شوكة من عظامه إصبعَه، فذهبت في ذلك، فقال : إلهي هذا لمن مد يده لشهوة من حلال، فكيف بمن مد يده لشهوة من حرام.
ومنها : قضية إبراهيم الخواص رضي الله عنه قال : كنت جائعًا في الطريق، فوافيت الرِّي -اسم بلدة- فخطر ببالي أن لي بها معارف، فإذا دخلتها أضافوني وأطعموني، فلمَّا دخلت البلد رأيت فيها مُنكرًا احتجت أن آمر فيه بالمعروف، فأخذوني وضربوني، فقلتُ في نفسي : من أين أصابني هذا، على جوعي ؟ فنُوديت في سري : إنك سكنت إلى معارفك بقلبك، ولم تسكن إلى خالقك.
وأمثال هذا كثير بأهل الخصوصية، يُؤدبون على أقل شيء من سوء الأدب ؛ لشدة قربهم، ثم يُردون إلى مقامهم. ومن هذا النوع قصة سيدنا يونس عليه السلام ؛ حيث خرج من غير إذن خاص، فأدَّبه، ثم رده إلى النبوة والرسالة، وقد كنتُ سمعت من بعض الأشياخ أن أيوب عليه السلام إنما أصيب في ماله، لأنه كان بجوار ماله كافر، فكان يداريه ؛ لأجل ماله، فأصيب فيه وفي بدنه ؛ تأديبًا وتكميلاً له. و الله تعالى أعلم.
وقوله تعالى :﴿ وسخرنا مع داود الجبال... ﴾ الخ. ﴿ ولسليمان الريح... ﴾ الآية، لمّا كانا -عليهما السلام- مع المُكَوِّنِ كانت الأكوان معهما، " أنت مع الأكوان ما لم تشهد المكون، فإذا شهدته كانت الأكوان معك "، وذكر في القوت : أن سليمان عليه السلام لبس ذات يوم قميصًا رفيعًا جديدًا، ثم ركب البساط، وحملته الريح، فبينما هو يسير إذ نظر إلى عطفه نظرةً، فأنزلته الريح، فقال : لِم أنزلتني ولم آمرك ؟ ! فقالت : نطيعك إذا أطعت الله، ونعصيك إذا عَصَيْتَه. فاستغفر وحملته. هـ بالمعنى. والله تعالى أعلم.
﴿ تجري بأمره ﴾ ؛ بمشيئة سليمان، ﴿ إِلى الأرض التي باركنا فيها ﴾ بكثرة الأنهار والأشجار والثمار، وهي الشام. وكان منزله بها، وتحمله إلى نواحيها. قال وهب : كان سليمان إذا خرج من منزله عكفت عليه الطير، وقام له الجن والإنس حتى يجلس على سريره، وكان غزّاءً ؛ لا يقصر عن الغزو، فإذا أراد غزوًا أمر فضرب له بخشب، ثم يُنصب له على الخشب، ثم حَمَلَ عليه الناس والدواب وآلة الحرب، فإذا حمل معه ما يريد أمر العاصف فدخلت تحت الخشب فاحتملته، فإذا استقلت، أمر الرخاء فمرت به شهرًا في روحته وشهرًا في غدوته، إلى حيث أراد. ه. ﴿ وكُنَّا بكل شيء عالمين ﴾ أي : أحاط علمنا بكل شيء، فنُجري الأشياء على ما سبق به علمنا، واقتضته حكمتنا.
وقوله تعالى :﴿ وسخرنا مع داود الجبال... ﴾ الخ. ﴿ ولسليمان الريح... ﴾ الآية، لمّا كانا -عليهما السلام- مع المُكَوِّنِ كانت الأكوان معهما، " أنت مع الأكوان ما لم تشهد المكون، فإذا شهدته كانت الأكوان معك "، وذكر في القوت : أن سليمان عليه السلام لبس ذات يوم قميصًا رفيعًا جديدًا، ثم ركب البساط، وحملته الريح، فبينما هو يسير إذ نظر إلى عطفه نظرةً، فأنزلته الريح، فقال : لِم أنزلتني ولم آمرك ؟ ! فقالت : نطيعك إذا أطعت الله، ونعصيك إذا عَصَيْتَه. فاستغفر وحملته. هـ بالمعنى. والله تعالى أعلم.
وقوله تعالى :﴿ وسخرنا مع داود الجبال... ﴾ الخ. ﴿ ولسليمان الريح... ﴾ الآية، لمّا كانا -عليهما السلام- مع المُكَوِّنِ كانت الأكوان معهما، " أنت مع الأكوان ما لم تشهد المكون، فإذا شهدته كانت الأكوان معك "، وذكر في القوت : أن سليمان عليه السلام لبس ذات يوم قميصًا رفيعًا جديدًا، ثم ركب البساط، وحملته الريح، فبينما هو يسير إذ نظر إلى عطفه نظرةً، فأنزلته الريح، فقال : لِم أنزلتني ولم آمرك ؟ ! فقالت : نطيعك إذا أطعت الله، ونعصيك إذا عَصَيْتَه. فاستغفر وحملته. هـ بالمعنى. والله تعالى أعلم.
﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ * ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ و ﴾ اذكر خبر ﴿ أيوبَ ﴾ عليه السلام ﴿ إِذْ نادى ربَّه ﴾ : دعاه :﴿ أني ﴾ أي : بأني ﴿ مسَّنيَ الضرُّ ﴾ وهو بالضم : ما يصيب النفس من مرض وهزال، وبالفتح : الضرر في كل شيء، ﴿ وأنت أرحمُ الراحمين ﴾، تلطف في السؤال ؛ حيث ذكر نفسَه بما يوجب الرحمة، وذكر ربه بغاية الرحمة، ولم يصرح بالمطلوب ؛ من كمال أدبه، فكأنه قال : أنت أهل أن تَرحم، وأيوب أهل أن يُرحَم، فارحمه، واكشف عنه ضره الذي مسه. عن أنس : أنه أخبر عن ضعفه حين لم يقدر على النهوض إلى الصلاة، ولم يشتك، وكيف يشكو، والله تعالى يقول :﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ الْعَبْدُ ﴾ [ ص : ٤٤ ].
وقيل : إنما اشتكى إليه ؛ تلذذًا بالنجوى، لا تضررًا بالشكوى، والشكاية إليه غاية في القُرب، كما أن الشكاية منه غاية في البُعد، وسيأتي في الإشارة تكميله، إن شاء الله. رُوي أن أيوب عليه السلام، كان من الروم، وهو أيوب بن أمُوص ابن تارَح بن رعويل بن عيص بن إسحاق. وكانت أمه من ولد لوط عليه السلام اصطفاه الله للنبوة والرسالة، وبسط عليه الدنيا ؛ فكان له ثلاثة آلاف بعير، وسبعة آلاف شاة، وخمسمائة فدان، يتبعها خمسمائة عبد، لكل عبد امرأة وولد، وكان له سبعة بنين، وسبع بنات. قاله النسفي.
زاد الثعلبي : وكانت له المشيئةُ من أرض الشام كلها، وكان له فيها من صنوف المال ما لم يكن لأحد ؛ من الخيل والبقر والغنم والحُمُر وغيره، وكان برًا تقيًا رحيمًا بالمساكين، يكفل الأرامل والأيتام، ويُكرم الضيف، ويُبلغ ابن السبيل، شاكرًا لأنعم الله، لا يصيب منه إبليس ما يصيب من أهل الغنى من الغفلة والغِرَّة، وكان معه ثلاثةً قد آمنوا به : رجل من اليمن واثنان من بلده، كُهُولا. قال وهب : فسمع إبليس تَجَاوُبَ الملائكة بالصلاة عليه في السماء فحسده، فقال : إلهي، عبدك أيوب أنعمتَ عليه فشكرك، وعافيته فحمدك، ولم تجرّبه بشدّة ولا بلاء، فلو جربته بالبلاء ليكفرنّ بك وبنعمتك، فقال له تعالى : انطلق، فقد سلطتك على ماله، فجمع عفاريته وأخبرهم، فقال عفريت من الجن : أُعطيتُ من القوة ما إذا تحوّلت إعصارًا من نار أحرقتُ كل شيء آتي عليه، فقال له إبليس : دونك الإبل ورعاتها، فجاءها حتى وثبت في مراعيها، فأثار من تحت الأرض إعصارًا من نار فأحرقها وأحرق رعاءها. فلما فرغ منها تمثل إبليس براعيها، وجلس على قَعُودٍ منها، فأتاه، وقال : يا أيوب، إن ربك الذي عبدته قد أحرق إبلك ورُعَاءَها، فقال أيوب : هو ماله، أعارنيه، يفعل فيه ما يشاء، فرجع إبليس خاسئًا، حين حمد أيوبُ ربه، فقال عفريت آخر : عندي من القوة ما إذا صِحتُ لم يسمع صوتي ذو رُوح إلا خرجت روحه، قال له إبليس : ائت الغنم ورعاءَها، فأتى، فصاح، فصارت أمواتًا ورعاتها، ثم خرج إبليس متمثلاً بقهرَمَان١ الرعاة، فقال له كمقالته في الإبل، فأجابه أيوب بمثل ما أجابه فيها، فرجع خاسئًا، فقال عفريت آخر : عندي من القوة ما إذا تحولتُ ريحًا عاصفًا نسفتُ كل شيء أتيت عليه، قال إبليس : فأتِ الفدادين والحرث، فجاءها، فَهبَّتْ ريح عاصفة فنسفت كل شيء، حتى كأنه لم يكن ثَمَّ شيء، فخرج إبليس متمثلاً بقهْرَمَان الحرث، فقال له مثل قوله الأول، وردَّ عليه مثل رده، حتى أتى على جميع ماله، وأيوب يحمد الله تعالى.
فقال إبليس : إلهي ؛ إن أيوب يقول : إنك ما متعْتَهُ إلا بنفسه وولده، فهل تسلطني على ولده، فإنها الفتنة ؟ قال الله تعالى : قد سلطتك على ولده، فجاء إبليس فقلب عليهم القصر منكسين، وانطلق إلى أيوب متمثلاً بالمُعلم الذي يُعلمهم الحكمة، وهو جريح، فقال : يا أيوب ؛ لو رأيت بنيك كيف عُذبوا ؟ ونُكِّسوا على رؤوسهم، وسال دماغهم من أنوفهم، فلم يزل من قوله حتى رقَّ أيوبُ وبكى، وقبض قبضة من التراب فوضعها على رأسه، فصعد إبليس مسرورًا، ثم ذهب أيوب، فلما أبصر ذلك استغفر، وصعد قرناؤه من الملائكة، بتوبته فبادروا إلى الله تعالى، وهو أعلم، فوقف إبليس خاسئًا، فقال : إلهي ؛ إنما هوّن أيوب خطر المال والولد، فهل أنت مسلطي على جسده، فإني لك زعيم إن سَلَّطَّني على جسده ليكفرنّ بك، قال الله تعالى : قد سلطتك على جسده، ولكن ليس لك سلطان على لسانه وقلبه وعقله، فجاءه إبليس فوجده ساجدًا، فجاء من قِبل الأرض، فنفخ في منخره نفخة اشتعل منها جسده، فَوهِلَ، وخرج من قرنه إلى قدمه تآليل مثل آليَاتِ الغنم، ووقعت به حكة لا يملكها، فحك بأظفاره، ثم بالمسُوح الخشنة، ثم بالحجارة، حتى نغل لحمه، وتغير، ونش، وتدود، فأخرجه أهل القرية، وجعلوه على كناسة، وجعلوا له عريشًا، ورفضه الخلق كلهم، إلا ﴿ رحمةً ﴾ ؛ امرأته بنت إفراثيم بن يوسف عليه السلام، فقامت عليه بما يصلحه.
روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إنَّ أيُّوبَ نبي الله لَبث به بَلاؤُه ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَة، فَرَفَضه الْقَرِيبُ والبَعِيدُ " ٢. الحديث، وقال كعب : سبع سنين، وقيل : ثلاث عشرة سنة، وما قاله -عليه الصلاة والسلام- إن ثبت، هو الصحيح. وقال الحسن : مكث أيوب مطرودًا على كناسة، في مزبلة بني إسرائيل سبع سنين وشهرًا، يختلف فيه الدود. ويمكن الجمع بين الأقوال بأن الشدة كانت سبعًا والباقي مقدمات لها.
رُوِيَ أن امرأته قالت له يومًا : لو دعوتَ الله عزّ وجلّ ؟ فقال لها : كم كانت مدة الرخاء ؟ قالت : ثمانين سنة. فقال : إني أستحيي من الله أن أدعوه وما بلغت مدة بلائي مدة رخائي. ه. ورُوي أن الدود أكل جميع جسده حتى بقي عظامًا نخرة، وهو مع ذلك لا يفتر عن ذكر الله وحمده وشكره، فصرخ إبليس صرخة، وقال : أعياني هذا العبد الذي سألتُ ربي أن يسلطني عليه، قالت له العفاريت : أرأيت آدم حين أخرجته من الجنة، ما أتيته إلا من قِبَلِ امرأته، فتمثل بها بصورة رجل طيب، وفي رواية الحسن : في هيئة ليست كهيئة بني آدم، في أحسن صورة، فقال لها : أين بعلك يا أمة الله ؟ فقالت : هو ذاك، يحك قروحه، ويتردد الدود في جسده، فقال لها : أنا إله الأرض الذي صنعتُ بصاحبك ما صنعت ؛ لأنه عبد إله السماء وتركني، فلو سجد لي سجدة واحدة لرددت لكما ما كان لكما.
وقال وهب : قال لها : لو أكل طعامًا ولم يسمّ عليه لعُوفيَ من البلاء، فأخبرت أيوب، فقال : أتاك عدوُ الله ليفتنك عن دينك، ثم أقسم، إن عافه الله، ليضربنها مائة ضربة. ثم حلف لا يأكل لها طعامًا، فبقي مهملاً لا يأتي إليه أحد، وقال عند ذلك :﴿ مسّني الضر ﴾ من طمع إبليس في سجودي له، ﴿ وأنت أرحم الراحمين ﴾، فقيل له :﴿ اركض برجلك ﴾ فركض، فنبعت عين ماء، فاغتسل منها، فلم يبق من دائه شيء، وسقطت الدود من جسده، وعاد شبابه وجماله. ثم ضرب برجله فنبعت عين أخرى، فشرب منها، فلم يبق في جوفه داء إلا خرج، وكانت امرأته " رحمة " حين حلف، تركته مدة، ثم ندمت وعادت، فوجدته في أحسن هيئة، فلم تعرفه، فقالت له : أين الرجل المبتلى الذي كان هنا ؟ قال : أنا هو، شفاني الله، ثم عرفته بضحكه، فتعانقا، ثم أمره الله تعالى أن يأخذ جماعة من القضبان فيضربها ضربة واحدة ليبرّ في يمينه. ه.
قلت : تسليط الشيطان على بشرية الأنبياء الظاهرة : جائز وواقع. وأما الأمراض المنفرة، فإن كانت بعد التبليغ وتقرير الشرائع، فجائز عند بعضهم، وهو الصواب، جمعًا بين ما ثبت في الأخبار عن السلف وبين الدلائل العقلية في تنزيه الأنبياء -عليهم السلام-، لأن العلة هي تنفير الخلق عنهم، وبَعْد التبليغ فلا يضر، وقد ورد أن شُعيبًا عليه السلام عَمى في آخر عمره، وكذلك يعقوب، وكان بعد تبليغ الرسالة، فلم يضر.
وفي الحكم :" إذا فتح لك وجهة من التعرف، فلا تُبالي معها إن قلَّ عملك ؛ فإنه ما فتحها لك إلاَّ وهو يريد أن يتعرف إليك منها، ألم تعلم أن التعرف هو مورده عليك، والأعمال أنت مهديها إليه، وأين ما تهديه إليه مما هو مورده عليك ؟ ". قال الشيخ ابن عباد رضي الله عنه : معرفة الله تعالى هي غاية المطالب، ونهاية الأماني والمآرب، فإذا واجه اللهُ عبده ببعض أسبابها، وفتح له باب التعرّف له منها، فذلك من النعم الجزيلة عليه، فينبغي ألا يكترث بما يفوته بسبب ذلك من أعمال البر، وما يترتب عليها من جزيل الأجر، وليعلم أنه سلك به مسلك الخاصة المقرّبين، المؤدي إلى حقائق التوحيد واليقين، من غير اكتساب من العبد ولا تَعَمُّلٍ، والأعمالُ التي من شأنها أن يتلبس بها هي باكتسابه وتعمله، وقد لا يسلم من دخول الآفات عليها، والمطالبة بوجود الإخلاص فيها، وقد لا يحصل له ما أمّله من الثواب عند مناقشة الحساب، وأين أحدهما من الآخرة.
ومثاله : ما يُصاب به الإنسان من البلايا والشدائد التي تُنَغِّصُ عليه لذات الدنيا، وتمنعه من كثير من أعمال البر، فإنَّ مرادَ العبد أن يستمر بقاؤه في الدنيا، طيَّبَ العيش ناعمَ البال، ويكون حاله في طلب سعادة الآخرة حال المترفين ؛ فلا تسخو نفسه إلا بالأعمال الظاهرة، التي لا كثير مُؤْنَة عليه فيها ولا مشقة، ولا تقطع عنه لذة، ولا يفوته شهوة، ومراد الله منه أن يُطهره من أخلاقه اللئيمة، ويحول بينه وبين صفاته الذميمة، ويُخرجه من أَسْرِ وجوده إلى متسع شهوده، ولا سبيل إلى الوصول إلى هذا المقام على غاية الكمال والتمام، إلا بما يُضادُ مراده، ويشوّش عليه معتادَه، وتكون حاله حينئذ المعاملة بالباطن، ولا مناسبة بينها وبين الأعمال الظاهرة، فإذا فَهِمَ هذا عَلِمَ أن اختيار الله له، ومرادَه منه، خيرٌ من اختياره لنفسه ومراده لها.
وقد رُوِيَ أن الله تعالى أوحى إلى بعض أنبيائه :" إني إذا أنزلت بعبدي بلائي، فدعاني، فماطلتُه بالإجابة، فشكاني، قلت : عبدي كيف أرحمك من شيء به أرحمك " ؟ وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" قال الله تعالى : إذا ابتليت عبدي المؤمن فلم يشكني إلى عُوّاده، أنشطته من عقالي، وبدَّلته لحمًا خيرًا من لحمه، ودمًا خيرًا من دمه، ويستأنف العمل " ١.
ثم نقل عن أبي العباس ابن العريف رضي الله عنه قال : كان رجل بالمغرب يُدعى أبا الخيَّار، وقد عمّ جسده الجذامُ، ورائحة المسك تُوجد منه على مسافة بعيدة، لقيه بعضُ الناس، فقال له : يا سيدي كأن الله تعالى لم يجد للبلاء مَحلاً من أعدائه حتى أنزله بكم، وأنتم خاصة أوليائه ! ! فقال لي : اسكت، لا تقل ذلك ؛ لأنا لمّا أشرفنا على خزائن العطاء، لم نجد عند الله أشرف ولا أقرب من البلاء، فسألناه إِيّاه، وكيف بك لو رأيت سيّد الزهّاد، وقطبَ العباد، وإمام الأولياء والأوتاد، في غار بأرض طرطوس وجبالها، ولحمُه يتناثر، وجلده يسيل قيحًا وصديدًا، وقد أحاط به الذباب والنمل، فإذا كان الليل لم يقنع بذكر الله وشكره على ما أعطاه من الرحمة، حتى يشدّ نفسه بالحديد، ويستقبل القبلة عامَّةَ ليله حتى يطلع الفجر. هـ.
وقد تكلم الصوفية في قول أيوب عليه السلام :﴿ مسّني الضر ﴾ ؛ هل شكى ضرر جسمه، أو ضرر قلبه من جهة دينه ؟ قال بعضهم : قيل : إنه أراد النهوضِ إلى الصلاة فلم يستطع، فقال :﴿ مسّني الضر ﴾، وقيل : إنه أكل الدود جميع جسده، حتى بقي عظامًا، فلما قصد الدودُ قلبَه ولسانَه غار على قلبه ؛ لأنه موضع المعرفة والتوحيد، والنبوة والولاية، وأسرار الله تعالى، وخاف انقطاع الذكر، فقال :﴿ مسّني الضر ﴾، وقيل : خاف تبدد همه وتفرق قلبه، وليس في العقوبة شيء أشد من تبدد الهم، فتارة يقول : لعلي ببلائي مُعاقب، وتارة يقول : بضري مُستدرج، فلما خاف تشتيت خاطِره عليه، قال :﴿ مسّني الضر ﴾. هـ.
قلت : هذا المقام لا يليق بالأنبياء، وإنما يجوز على غيرهم ؛ إذ الأولياء يترقون عن هذا المقام فكيف بالأنبياء ! وقال بعضهم : قال : مسني الضر من شماتة الأعداء، واقتصر عليه ابنُ جُزي، وفيه شيء ؛ إذ كثير من الأولياء سقط الناس من عينهم، فلا يُبالون بخيرهم ولا شرهم، ولا مدحهم ولا ذمهم، فكيف بالأنبياء -عليهم السلام- ؟ !
وقال القشيري : كان ذلك منه إظهارًا للعجز، لا اعتراضًا، فلا يُنافي الصبر، مع ما فيه من التنفيس عن الضعفاء من الأمة، ليكون أسوة. وقال : إن جبريل أمره بذلك، وقال له : إن الله يغضبُ إن لم يُسأل، وسيان عنده البلاء والعافية، فسَله العافية.
ويقال : إن أيوب كان مُكَاشَفًا بالحقيقة، مأخوذًا عنه، وكان لا يُحِسُّ بالبلاء، فَسَتَر عليه، فردَّه إليه، فقال : مَسني الضُّرُّ، وقيل : أَدْخَل على أيوب تلك الحالة، فاستخرج منه تلك المقالة ؛ ليظهر عليه سمة العبودية. هـ.
وقال الورتجبي : سُئل الجنيد عن قوله :﴿ مسّني الضر ﴾، فقال عرّفه فاقة السؤال، ليمنّ عليه بكرم النوال، وفي الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه جاء إليه رجل فسأله عن قول أيوب ﴿ مسّني الضر ﴾ فبكى -عليه الصلاة والسلام- وقال : والذي بعثني بالحق نبيًا ما شكى فقرًا نزل من ربه، ولكن كان في بلائه سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات، فلما كان في بعض الساعات وثب ليُصلي، فلم يستطع النهوض، فقال :﴿ مسني الضر ﴾ الخ. ثم قال :-عليه الصلاة والسلام- : أكل الدود عامة جسده حتى بقي عظامًا نخرة، فكادت الشمس تطلع من قُبله وتخرج من دُبره، وما بقي إلا قلبه ولسانه، وكان قلبه لا يخلو من ذكر الله، ولسانه لا يخلو من ثنائه على ربه، فلما أحب الله له الفرج، بعث إليه الدودتين ؛ إحداهما إلى لسانه والأخرى إلى قلبه، فقال : يا رب ما بقي إلا هاتان الجارحتان، أذكرك بهما، فأقبلت هاتان الدودتان إليهما ليشغلاني عنك ويطلعان على سري، مسني الضر وأنت أرحم الراحمين. هـ.
وفي قوله تعالى :﴿ رحمة من عندنا وذكرى للعابدين ﴾ : تسلية لمن أصيب بشيء من هذه التعرفات الجلالية، وقد تقدم في أول الإشارة الكلام على هذا. والله تعالى أعلم.
٢ أخرجه البزار في كشف الأستار ٢٣٥٧، والهيثمي في مجمع الزوائد ٨/٢٠٨..
ثم قال ﴿ رحمةً من عندنا ﴾ : مفعول من أجله، أي : آتينا ما ذكر لرحمتنا أيوب، ﴿ وذكرى للعابدين ﴾ أي : وتذكرة لغيره من العابدين ؛ ليصبروا كما صبر، ويُثابوا كما أُثيب، أو لرحمتنا العابدين، الذين من جملتهم أيوب، وذكرنا إياهم بالإحسان، وعدم نسياننا لهم. والله تعالى أعلم.
وفي الحكم :" إذا فتح لك وجهة من التعرف، فلا تُبالي معها إن قلَّ عملك ؛ فإنه ما فتحها لك إلاَّ وهو يريد أن يتعرف إليك منها، ألم تعلم أن التعرف هو مورده عليك، والأعمال أنت مهديها إليه، وأين ما تهديه إليه مما هو مورده عليك ؟ ". قال الشيخ ابن عباد رضي الله عنه : معرفة الله تعالى هي غاية المطالب، ونهاية الأماني والمآرب، فإذا واجه اللهُ عبده ببعض أسبابها، وفتح له باب التعرّف له منها، فذلك من النعم الجزيلة عليه، فينبغي ألا يكترث بما يفوته بسبب ذلك من أعمال البر، وما يترتب عليها من جزيل الأجر، وليعلم أنه سلك به مسلك الخاصة المقرّبين، المؤدي إلى حقائق التوحيد واليقين، من غير اكتساب من العبد ولا تَعَمُّلٍ، والأعمالُ التي من شأنها أن يتلبس بها هي باكتسابه وتعمله، وقد لا يسلم من دخول الآفات عليها، والمطالبة بوجود الإخلاص فيها، وقد لا يحصل له ما أمّله من الثواب عند مناقشة الحساب، وأين أحدهما من الآخرة.
ومثاله : ما يُصاب به الإنسان من البلايا والشدائد التي تُنَغِّصُ عليه لذات الدنيا، وتمنعه من كثير من أعمال البر، فإنَّ مرادَ العبد أن يستمر بقاؤه في الدنيا، طيَّبَ العيش ناعمَ البال، ويكون حاله في طلب سعادة الآخرة حال المترفين ؛ فلا تسخو نفسه إلا بالأعمال الظاهرة، التي لا كثير مُؤْنَة عليه فيها ولا مشقة، ولا تقطع عنه لذة، ولا يفوته شهوة، ومراد الله منه أن يُطهره من أخلاقه اللئيمة، ويحول بينه وبين صفاته الذميمة، ويُخرجه من أَسْرِ وجوده إلى متسع شهوده، ولا سبيل إلى الوصول إلى هذا المقام على غاية الكمال والتمام، إلا بما يُضادُ مراده، ويشوّش عليه معتادَه، وتكون حاله حينئذ المعاملة بالباطن، ولا مناسبة بينها وبين الأعمال الظاهرة، فإذا فَهِمَ هذا عَلِمَ أن اختيار الله له، ومرادَه منه، خيرٌ من اختياره لنفسه ومراده لها.
وقد رُوِيَ أن الله تعالى أوحى إلى بعض أنبيائه :" إني إذا أنزلت بعبدي بلائي، فدعاني، فماطلتُه بالإجابة، فشكاني، قلت : عبدي كيف أرحمك من شيء به أرحمك " ؟ وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" قال الله تعالى : إذا ابتليت عبدي المؤمن فلم يشكني إلى عُوّاده، أنشطته من عقالي، وبدَّلته لحمًا خيرًا من لحمه، ودمًا خيرًا من دمه، ويستأنف العمل " ١.
ثم نقل عن أبي العباس ابن العريف رضي الله عنه قال : كان رجل بالمغرب يُدعى أبا الخيَّار، وقد عمّ جسده الجذامُ، ورائحة المسك تُوجد منه على مسافة بعيدة، لقيه بعضُ الناس، فقال له : يا سيدي كأن الله تعالى لم يجد للبلاء مَحلاً من أعدائه حتى أنزله بكم، وأنتم خاصة أوليائه ! ! فقال لي : اسكت، لا تقل ذلك ؛ لأنا لمّا أشرفنا على خزائن العطاء، لم نجد عند الله أشرف ولا أقرب من البلاء، فسألناه إِيّاه، وكيف بك لو رأيت سيّد الزهّاد، وقطبَ العباد، وإمام الأولياء والأوتاد، في غار بأرض طرطوس وجبالها، ولحمُه يتناثر، وجلده يسيل قيحًا وصديدًا، وقد أحاط به الذباب والنمل، فإذا كان الليل لم يقنع بذكر الله وشكره على ما أعطاه من الرحمة، حتى يشدّ نفسه بالحديد، ويستقبل القبلة عامَّةَ ليله حتى يطلع الفجر. هـ.
وقد تكلم الصوفية في قول أيوب عليه السلام :﴿ مسّني الضر ﴾ ؛ هل شكى ضرر جسمه، أو ضرر قلبه من جهة دينه ؟ قال بعضهم : قيل : إنه أراد النهوضِ إلى الصلاة فلم يستطع، فقال :﴿ مسّني الضر ﴾، وقيل : إنه أكل الدود جميع جسده، حتى بقي عظامًا، فلما قصد الدودُ قلبَه ولسانَه غار على قلبه ؛ لأنه موضع المعرفة والتوحيد، والنبوة والولاية، وأسرار الله تعالى، وخاف انقطاع الذكر، فقال :﴿ مسّني الضر ﴾، وقيل : خاف تبدد همه وتفرق قلبه، وليس في العقوبة شيء أشد من تبدد الهم، فتارة يقول : لعلي ببلائي مُعاقب، وتارة يقول : بضري مُستدرج، فلما خاف تشتيت خاطِره عليه، قال :﴿ مسّني الضر ﴾. هـ.
قلت : هذا المقام لا يليق بالأنبياء، وإنما يجوز على غيرهم ؛ إذ الأولياء يترقون عن هذا المقام فكيف بالأنبياء ! وقال بعضهم : قال : مسني الضر من شماتة الأعداء، واقتصر عليه ابنُ جُزي، وفيه شيء ؛ إذ كثير من الأولياء سقط الناس من عينهم، فلا يُبالون بخيرهم ولا شرهم، ولا مدحهم ولا ذمهم، فكيف بالأنبياء -عليهم السلام- ؟ !
وقال القشيري : كان ذلك منه إظهارًا للعجز، لا اعتراضًا، فلا يُنافي الصبر، مع ما فيه من التنفيس عن الضعفاء من الأمة، ليكون أسوة. وقال : إن جبريل أمره بذلك، وقال له : إن الله يغضبُ إن لم يُسأل، وسيان عنده البلاء والعافية، فسَله العافية.
ويقال : إن أيوب كان مُكَاشَفًا بالحقيقة، مأخوذًا عنه، وكان لا يُحِسُّ بالبلاء، فَسَتَر عليه، فردَّه إليه، فقال : مَسني الضُّرُّ، وقيل : أَدْخَل على أيوب تلك الحالة، فاستخرج منه تلك المقالة ؛ ليظهر عليه سمة العبودية. هـ.
وقال الورتجبي : سُئل الجنيد عن قوله :﴿ مسّني الضر ﴾، فقال عرّفه فاقة السؤال، ليمنّ عليه بكرم النوال، وفي الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه جاء إليه رجل فسأله عن قول أيوب ﴿ مسّني الضر ﴾ فبكى -عليه الصلاة والسلام- وقال : والذي بعثني بالحق نبيًا ما شكى فقرًا نزل من ربه، ولكن كان في بلائه سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات، فلما كان في بعض الساعات وثب ليُصلي، فلم يستطع النهوض، فقال :﴿ مسني الضر ﴾ الخ. ثم قال :-عليه الصلاة والسلام- : أكل الدود عامة جسده حتى بقي عظامًا نخرة، فكادت الشمس تطلع من قُبله وتخرج من دُبره، وما بقي إلا قلبه ولسانه، وكان قلبه لا يخلو من ذكر الله، ولسانه لا يخلو من ثنائه على ربه، فلما أحب الله له الفرج، بعث إليه الدودتين ؛ إحداهما إلى لسانه والأخرى إلى قلبه، فقال : يا رب ما بقي إلا هاتان الجارحتان، أذكرك بهما، فأقبلت هاتان الدودتان إليهما ليشغلاني عنك ويطلعان على سري، مسني الضر وأنت أرحم الراحمين. هـ.
وفي قوله تعالى :﴿ رحمة من عندنا وذكرى للعابدين ﴾ : تسلية لمن أصيب بشيء من هذه التعرفات الجلالية، وقد تقدم في أول الإشارة الكلام على هذا. والله تعالى أعلم.
﴿ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ ﴾ * ﴿ وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِّنَ الصَّالِحِينَ ﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ و ﴾ اذكر ﴿ إِسماعيلَ ﴾ بن إبراهيم، وكان أكبر من إسحاق، ﴿ وإِدريسَ ﴾ واسمه : أخنوخ بن شيث بن آدم. قاله النسفي ﴿ وذا الكفل ﴾ وهو إلياس، أو زكريا، أو يوشع بن نون، قلت : كونه زكريا بعيد ؛ لأنه سيذكره بخصُوصه بعدُ. وسُمي ذا الكفل ؛ لأنه ذو حظ من الله، والكفل : الحظ. أو تكفل بضعف عمل أنبياء زمانه، أو بصيام النهار وقيام الليل. وقال أبو موسى الأشعري : إنَّ ذا الكفل لم يكن نبيًا، ولكنه كان عبدًا صالحًا، تكفل بعمل رجل صالح عند موته، وكان يُصلي لله تعالى، في كل يوم، مائة صلاة، فأحسن الله عليه الثناء. ه. وقال عمر بن عبد الله بن الحارث : إن نبيًا من الأنبياء قال : من تكفل لي أن يصوم النهار ويقوم الليل ولا يغضب ؟ فقال شاب : أنا، فمات ذلك النبي، فجلس ذلك الشاب يقضي بين الناس، فجاءه الشيطان في صورة إنسان ؛ ليُغضبه وهو صائم، فضرب الباب ضربًا شديدًا، فقال : من هذا ؟ فقال : رجل له حاجة، فأرسل له رجلاً، فلم يرض، ثم أرسل معه آخر، فلم يرض، فخرج إليه فأخذ بيده فانطلق معه إلى السوق، ثم خلاه وذهبَ، فسُمي ذا الكفل. ه.
﴿ كلٌّ من الصابرين ﴾ أي : كل واحد من هؤلاء موصوف بالصبر التام على مشاق التكليف وشدائد النوب.
﴿ وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ * ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذالِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ و ﴾ اذكر ﴿ ذا النُّون ﴾ أي : صاحب الحوت، وهو يونس عليه السلام، ﴿ إِذ ذهبَ مغاضِبًا ﴾ أي : مراغمًا لقومه، فارًا عنهم، وغضب من طول دعوته إياهم، وشدة شكيمتهم، وتمادي إصرارهم، فخرج مهاجرًا عنهم، قبل أن يُؤمر، وقيل : وعدهم بالعذاب فلم يأتهم لميعادهم ؛ لأجل توبتهم، ولم يشعر بها، فظن أنه كذبهم، فغضب من ذلك، فهو من باب المغالبة ؛ للمبالغة ؛ أو لأنه غضب لما رأى منهم من الإصرار، وغضبوا لمفارقته إياهم، وكان من حقه عليه السلام أن يصبر وينتظر الإذن الخاص من الله تعالى، فلما استعجل ابتلي ببطن الحوت، وقال ابن عباس : قال جبريلُ ليونس عليه السلام : انطلق إلى أهل نِينَوى فأنذرهم أن العذاب قد حضرهم، قال : ألتمس دابة، قال : الأمر أعجل من ذلك، فانطلق إلى السفينة فركبها، فاحتبست السفينة فساهموا فسهم، فجاءه الحوت يبصبص بذنبه، فنودي الحوت : إنا لم نجعل يونس لك رزقًا، إنما جعلناه لك حِرزًا، فالتقمه، ومرّ به على الأبُلة، ثم على دجلة، ثم مَرَّ به حتى ألقاه بنينَوَى. ه.
وقال وهب بن منبه رضي الله عنه : إنَّ يونس كان عبدًا صالحًا ضَيِّق الخلق، فلما حمل أثقال النبوة تفسخ منها تفسُّخَ الرّبَع تحت الحمل الثقيل، فقذفها وخرج هاربًا عنها، ولذلك أخرجه الله من أولي العزم، قال لنبيه صلى الله عليه وسلم :﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ [ الأحقاف : ٣٥ ]، وقال :﴿ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ ﴾
[ القَلَم : ٤٨ ]، أي : لا تلق أمري كما ألقاه. ه. وأما قول الحسن : مغاضبًا لربه، فلا يليق بمقام الأنبياء -عليهم السلام- إلا أن يحمل على أن خروجه بلا إذن كأنه مغاضب. والله تعالى أعلم.
ثم قال تعالى :﴿ فظنَّ أن لن نقْدِرَ عليه ﴾ أي : لن نضيق عليه، أو لن نقدر عليه بالعقوبة، فهو من القدرة، ويؤيده قراءة من شدَّد، وعن ابن عباس رضي الله عنه قال : دخلت يومًا على معاوية، فقال : لقد ضربتني أمواج القرآن البارحة، فغرقت فيها، فلا أرى لنفسي خلاصًا إلا بك، قال : وما هي ؟ فقرأ الآية. . . فقال : أو يظن نبي الله ألا يقدر عليه ؟ قال : هذا من القدر لا من القدرة. ه.
وقيل : إنه على حذف الاستفهام. أي : أيظن أن لن نقدر عليه، وقيل : هو تمثيل لحاله بحال من ظن أن لن يقدر عليه، أي : تعامل معاملة من ظن أن لن نقدر عليه ؛ حيث استعجل الفرار. قلت : لإعلاء مقامه كثرت مطالبته بالأدب، فحين خرج من غير إذن خاص ؛ عُدَّ خروجه كأنه ظن ألا تنفذ فيه القدرة، وتمسك عليه السلام بالإذن العام، وهو الهجرة من دار الكفر، وهو لا يكفي في حق أمثاله، فعوقب بالسجن في بطن الحوت.
﴿ فنادى في الظلمات ﴾ أي : في الظلمة الشديدة المتكاثفة كقوله :﴿ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ. . . ﴾ [ البَقَرة : ١٧ ]، أو في ظلمة بطن الحوت والبحر والليل :﴿ أن لا إِله إِلا أنتَ ﴾ أي : بأنه لا إله إلا أنت، أو تفسيرية، أي : قال : لا إله إلا أنت، ﴿ سبحانك ﴾ أي : أنزهك تنزيهًا لائقًا بك من أن يعجزك شيء، أو : تنزيهًا لك عما ظننتُ فيك، ﴿ إِني كنتُ من الظالمين ﴾ لنفسي ؛ بخروجي عن قومي قبل أن تأذن لي، أو من الظالمين لأنفسهم بتعريضها للهلكة، وعن الحسن : ما نجاه، والله، إلا إقراره على نفسه بالظلم.
ومنها قضية أبي الخير العسقلاني رضي الله عنه قال : اشتهيتُ السمك سنين، ثم ظهر له من وجه حلال، فلما مد يده ليأكل، أخذت شوكة من عظامه إصبعَه، فذهبت في ذلك، فقال : إلهي هذا لمن مد يده لشهوة من حلال، فكيف بمن مد يده لشهوة من حرام.
ومنها : قضية إبراهيم الخواص رضي الله عنه قال : كنت جائعًا في الطريق، فوافيت الرِّي -اسم بلدة- فخطر ببالي أن لي بها معارف، فإذا دخلتها أضافوني وأطعموني، فلمَّا دخلت البلد رأيت فيها مُنكرًا احتجت أن آمر فيه بالمعروف، فأخذوني وضربوني، فقلتُ في نفسي : من أين أصابني هذا، على جوعي ؟ فنُوديت في سري : إنك سكنت إلى معارفك بقلبك، ولم تسكن إلى خالقك.
وأمثال هذا كثير بأهل الخصوصية، يُؤدبون على أقل شيء من سوء الأدب ؛ لشدة قربهم، ثم يُردون إلى مقامهم. ومن هذا النوع قصة سيدنا يونس عليه السلام ؛ حيث خرج من غير إذن خاص، فأدَّبه، ثم رده إلى النبوة والرسالة، وقد كنتُ سمعت من بعض الأشياخ أن أيوب عليه السلام إنما أصيب في ماله، لأنه كان بجوار ماله كافر، فكان يداريه ؛ لأجل ماله، فأصيب فيه وفي بدنه ؛ تأديبًا وتكميلاً له. و الله تعالى أعلم.
ومنها قضية أبي الخير العسقلاني رضي الله عنه قال : اشتهيتُ السمك سنين، ثم ظهر له من وجه حلال، فلما مد يده ليأكل، أخذت شوكة من عظامه إصبعَه، فذهبت في ذلك، فقال : إلهي هذا لمن مد يده لشهوة من حلال، فكيف بمن مد يده لشهوة من حرام.
ومنها : قضية إبراهيم الخواص رضي الله عنه قال : كنت جائعًا في الطريق، فوافيت الرِّي -اسم بلدة- فخطر ببالي أن لي بها معارف، فإذا دخلتها أضافوني وأطعموني، فلمَّا دخلت البلد رأيت فيها مُنكرًا احتجت أن آمر فيه بالمعروف، فأخذوني وضربوني، فقلتُ في نفسي : من أين أصابني هذا، على جوعي ؟ فنُوديت في سري : إنك سكنت إلى معارفك بقلبك، ولم تسكن إلى خالقك.
وأمثال هذا كثير بأهل الخصوصية، يُؤدبون على أقل شيء من سوء الأدب ؛ لشدة قربهم، ثم يُردون إلى مقامهم. ومن هذا النوع قصة سيدنا يونس عليه السلام ؛ حيث خرج من غير إذن خاص، فأدَّبه، ثم رده إلى النبوة والرسالة، وقد كنتُ سمعت من بعض الأشياخ أن أيوب عليه السلام إنما أصيب في ماله، لأنه كان بجوار ماله كافر، فكان يداريه ؛ لأجل ماله، فأصيب فيه وفي بدنه ؛ تأديبًا وتكميلاً له. و الله تعالى أعلم.
﴿ وَزَكَرِيَّآ إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ﴾ * ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ ﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ و ﴾ اذكر خبر ﴿ زكريا إِذ نادى ربَّهُ ﴾ في طلب الولد، وقال :﴿ ربِّ لا تذرني فَرْدًا ﴾ ؛ وحيدًا بلا ولد يرثني، ثم ردّ أمره إليه ؛ مستسلمًا، فقال :﴿ وأنت خيرُ الوارثين ﴾، فحسبي أنت، وإِنْ لم ترزقني وارثًا فلا أبالي ؛ فإنك خير وارث.
وقوله تعالى :﴿ إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ﴾، فيه إشارة إلى بيان سبب حصول الخصوصية ؛ لأن بابها هو المسارعة إلى عمل الخيرات وأنواع الطاعات، وأوكدها ثلاثة : دوام ذكر الله، وحسن الظن بالله، وبعباد الله. وفي الحديث :" خصلتان ليس فوقهما شيء من الخير : حسن الظن بالله، وحسن الظن بعباد الله ". وقوله :﴿ ويدعوننا رَغَبًا ورهبًا ﴾، هذه حالة الطالبين المسترشدين المتعطشين إلى الله، يدعونه رغبًا في الوصول، ورهبًا من الانقطاع والرجوع، وقد تكون للواصلين ؛ رغبًا في زيادة الترقي، ورهبًا من الوقوف أو الإبعاد. وقال بعضهم : الرغب والرهب حاصلتان لكل مؤمن، إذ لو لم تكن رغبة لكان قنوطًا، وهو كفر، ولو لم تكن رهبة لكان أمنًا، والأمن كفر. والله تعالى أعلم.
﴿ و ﴾ كانوا ﴿ يدعوننا رغَبًا ورَهَبًا ﴾ ؛ طمعًا وخوفًا، وهما مصدران في موضع الحال، أو المفعول له، أي : راغبين في الثواب أو الإجابة، وراهبين من العقاب أو الخيبة، أو للرغبة والرهبة، ﴿ وكانوا لنا خاشعين ﴾ : متواضعين خائفين، أي : إنما نالوا هذه المراتب العلية، واستحقوا هذه الخصوصية ؛ لاتصافهم بهذه الأوصاف الحميدة. والله تعالى أعلم.
وقوله تعالى :﴿ إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ﴾، فيه إشارة إلى بيان سبب حصول الخصوصية ؛ لأن بابها هو المسارعة إلى عمل الخيرات وأنواع الطاعات، وأوكدها ثلاثة : دوام ذكر الله، وحسن الظن بالله، وبعباد الله. وفي الحديث :" خصلتان ليس فوقهما شيء من الخير : حسن الظن بالله، وحسن الظن بعباد الله ". وقوله :﴿ ويدعوننا رَغَبًا ورهبًا ﴾، هذه حالة الطالبين المسترشدين المتعطشين إلى الله، يدعونه رغبًا في الوصول، ورهبًا من الانقطاع والرجوع، وقد تكون للواصلين ؛ رغبًا في زيادة الترقي، ورهبًا من الوقوف أو الإبعاد. وقال بعضهم : الرغب والرهب حاصلتان لكل مؤمن، إذ لو لم تكن رغبة لكان قنوطًا، وهو كفر، ولو لم تكن رهبة لكان أمنًا، والأمن كفر. والله تعالى أعلم.
﴿ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ و ﴾ اذكر ﴿ التي أحصنت فرْجَها ﴾ على الإطلاق من الحلال والحرام، والتعبير عنها بالموصول ؛ لتفخيم شأنها، وتنزيهها عما زعموه في حقها. ﴿ فنفخنا فيها من رُّوحِنَا ﴾ أي : أجرينا روح عيسى فيه وهو في بطنها، أو نفخنا في درع جيبها من ناحية روحنا، وهو جبريل عليه السلام، فأحدثنا بذلك النفخ عيسى عليه السلام، وإضافة الروح إليه تعالى ؛ لتشريف عيسى عليه السلام، ﴿ وجعلناها وابنها ﴾ أي قضيتهما، أو حالهما، ﴿ آية للعالمين ﴾، فإن من تأمل حالهما تحقق بكمال قدرته تعالى. وإنما لم يقل آيتين، كما قال :﴿ وَجَعَلْنَا الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ﴾ [ الإسرَاء : ١٢ ] ؛ لأن مجموعهما آية واحدة، وهي ولادتها إياه من غير فحل. وقيل : التقدير : وجعلناها آية وابنها كذلك، فآيةٌ مفعول المعطوف عليه، فحذف أحدهما لدلالة الآخر عليه. والله تعالى أعلم.
الإشارة : مَنْ حَصَّلَ التقوى في صغره، كان آية في كِبَرِهِ. تقول العامة : الثور الحراث في الربك يبان، وتقول الصوفية : البداية مجلاة النهاية. وقالت الحكماء : الصغر يخدم على الكبر. وبالله التوفيق.
﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ * ﴿ وَتَقَطَّعُواْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ ﴾ * ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ ﴾
قلت :﴿ أمة ﴾ : حال من ﴿ أمتكم ﴾ أي : متحدة أو متفقة، والعامل فيه ومعنى الإشارة، والإشارة إلى طريق الأنبياء المذكورين قبلُ.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ إِنّ هذه ﴾ الطريق والسيرة التي سلكها الأنبياء المذكورون، واتفقوا عليها، وهو التوحيد، هي ﴿ أُمتكم ﴾ أي : ملتكم التي يجب أن تكونوا عليها، ولا تخرجوا عنها، حال كونها ﴿ أمةً واحدةً ﴾، غير مختلفة فيما بين الأنبياء -عليهم السلام- وإن اختلفت شرائعهم. وفي الحديث :" الأنْبِيَاءُ أبناء عَلاَّتٍ، أُمهَاتُهمْ شتَّى، وأبوهم واحد " والعلات : الضرائر، أي : شرائعهم مختلفة، وأبوهم واحد، وهو التوحيد. قال القشيري :﴿ وأنا ربكم فاعبدون ﴾ أي : ربيتكم ؛ اختيارًا، فاعبدوني ؛ شكرًا وافتخارًا. ه. والخطاب للناس كافة.
عباراتنا شتى وحسْنُك واحد | وكُلٌّ إلى ذاك الجَمَالِ يُشير |
عباراتنا شتى وحسْنُك واحد | وكُلٌّ إلى ذاك الجَمَالِ يُشير |
عباراتنا شتى وحسْنُك واحد | وكُلٌّ إلى ذاك الجَمَالِ يُشير |
﴿ وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ * ﴿ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ ﴾ * ﴿ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُواْ يا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾
قلت :﴿ حرام ﴾ : مبتدأ، وفيه لغتان : حرام وحِرْم، كحلال وحِلّ. و﴿ أنهم. . . ﴾ الخ : خبر، أو فاعل سد مسده، على مذهب الكوفيين والأخفش. والجملة : تقرير لقوله :﴿ كُلٌّ إلينا راجعون ﴾، و﴿ لا ﴾ نافية، أي : ممتنع على قرية أهلكناها عدمُ رجوعهم إلينا بالبعث، بل كل إلينا راجعون. وقيل :﴿ لا ﴾ زائدة، والتقدير : ممتنع رجوع قرية أردنا إهلاكها عن غيهم، ﴿ فإنهم ﴾ : على هذا : فاعل بحرام. قاله القصار.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ وحرامٌ ﴾ أي : ممتنع ﴿ على ﴾ أهل ﴿ قريةٍ أهلكناها ﴾ ؛ قدرنا هلاكها، أو حكمنا بإهلاكها ؛ لعتوهم، ﴿ إنهم إلينا لا يَرجعون ﴾ بالبعث والحشر، بل لا بد من بعثهم وحشرهم وجزائهم على أعمالهم. وتخصيص امتناع عدم رجوعهم بالذكر مع شمول الامتناع للكل ؛ لقوله :﴿ كُلٌ إلينا راجعون ﴾ ؛ لأنهم المنكِرون للبعث والرجوع دون غيرهم. وقيل : المعنى : وممتنع على قرية، أردنا إهلاكها، رجوعهم إلى التوبة، أو ممتنع على قرية، أهلكناها بالفعل، رجوعهم إلى الدنيا. وفيه رد على مذهب القائلين بالرجعة من الروافض وأهل التناسخ، على أن " لا " صلة. وقُرئ بالكسر، على أنه تعليل لما قبله، فحرام، على هذا، خبر عن مبتدأ محذوف، أي : ذلك العمل الصالح حرام على قرية أردنا إهلاكها ؛ لأنهم لا يرجعون عن غيهم.
وقال الزجاج : المعنى : وحرام على قرية، أردنا إهلاكها، أن يُتَقَبَّلَ منهم عمل ؛ لأنهم لا يرجعون، أي : لا يتوبون، ويجوز حمل المفتوحة على هذا بحذف اللام، ويستمرون على ما هم عليه من الهلاك، أو : فليستمر امتناعهم من الرجوع.
﴿ حتى إذا فُتحت يأجوجُ ومأجوج ﴾ ونُفخ في الصور، وقامت القيامة، فيرجعون، ولا ينفعهم الرجوع. ويأجوج ومأجوج قبيلتان، يقال : الناس عشرة أجزاء، تسعة منها يأجوج ومأجوج. والمراد بفتحها : فتح سدها، على حذف مضاف ؛ أي : حتى إذا فُتح سد يأجوج ومأجوج، ﴿ وهم ﴾ أي : يأجوج ومأجوج، وقيل : الناس بعد البعث، ﴿ من كل حَدَبٍ ﴾ أي : نشز ومرتفع من الأرض، ﴿ يَنسِلُونَ ﴾ : يسرعون، وأصل النسل : مقاربة الخطو مع الإسراع. ويدل على عَود الضمير ليأجوج ومأجوج : قوله -عليه الصلاة والسلام- :" ويفتح ردم يأجوج ومأجوج، فيخرجون على الناس، كما قال الله تعالى :﴿ من كل حدب ينسلون. . . ﴾ " الحديث١، ويؤيد إعادتَه على الناس قراءة مجاهد :" من كل جدث " ؛ بالجيم، وهو القبر.
ثم قال تعالى :﴿ واقتربَ الوعدُ الحقُّ ﴾ أي : ما بعد النفخة الثانية من البعث والحساب، ﴿ فإِذا هي شاخصةٌ ﴾ أي : فإذا القصة أو الشأن، وهو ﴿ أبصارُ الذين كفروا ﴾ شاخصة، أي : مرتفعة الأجفان، لا تكاد تطرق من شدة الهول، حال كونهم يقولون :﴿ يا ويلنا ﴾ ؛ يا هلكتنا، هذا أوانك، فاحضري، ﴿ قد كُنَّا في غفلةٍ ﴾ تامة ﴿ من هذا ﴾ الذي دهَمنا ؛ من البعث، والرجوع إليه تعالى، للجزاء، ولم تعلم، حيث نُبِّهْنَا عليه بالآيات والنُذر، أنه حق، ﴿ بل كنا ظالمين ﴾ بتلك الآيات والنذر، مُكذبين بها، أو ظالمين أنفسنا ؛ بتعريضها للعذاب المخلد. وهو إضراب عما قبله، من وصف أنفسهم بالغفلة، أي : لم نكن غافلين عنه، حيث نُبِّهْنَا عليه بالآيات والنذر، بل كنا ظالمين بتكذيبهم، والله تعالى أعلم.
تذييل : رَوى حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" أولا الآية : الدَّجال، ونزول عيسى، ونار تخرج من قرن عدن، تسوق النار إلى المحشر -أي الشام- تقيل معهم إذا قالوا، والدُّخان، والدَّابة، ثم يأجوج ومأجوج " ١ قلت : وبعد موت يأجوج ومأجوج، تبقى مدة عيسى عليه السلام، في أَمَنَةٍ ورَغَدِ عَيْشٍ. قيل : سبع سنين، وقيل : أربعون. ثم يُقبض عيسى، ويُدفن في روضته صلى الله عليه وسلم، ثم تهب ريح تقبض المؤمنين، فلا يبقى من يقول الله الله، قيل : مائة سنة، وقيل : أقل، ثم تخرب الكعبة، ثم يُنفخ في الصور للصعق، واقترب الوعد الحق. والله تعالى أعلم.
﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ * ﴿ لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ * ﴿ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ ﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ إِنكم ﴾، يا كفار قريش ومن دان دينكم، ﴿ وما تعبدون من دون الله ﴾ من الأصنام والشياطين ؛ لأنهم، لطاعتهم لهم واتباعهم خطواتهم، في حكم عبادتهم، ويدخل فيه الشمس والقمر والنجوم، وكل ما عُبد من دون الله ممن لا يعقل، للحديث الوارد في دخولهم النار، تبكيتًا لمن عبدهم ؛ لأنهم لا يتضررون بالنار. وأما من يعقل فلا يدخل ؛ حيث عبَّر بما. وقيل : يدخل، ثم استثناه بقوله :﴿ إن الذين سبقت لهم منا الحسنى. . . ﴾، فكل من عبد شيئًا من دون الله فهو معه، ﴿ حَصَبُ جهنم ﴾ أي : حطبها، وقرئ بالطاء، أي : وقودها ﴿ أنتم لها واردون ﴾ أي : فيها داخلون.
رُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وسلم دَخَلَ المَسْجِدَ الحَرام، وصَنَادِيدُ قُريشٍ في الحَطِيمِ، وَحَوْلَ الكَعْبَةِ ثلاثمائة وَسِتونَ صَنَمًا، فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ، فَعَرَضَ لَهُ النَّضْرُ بْنُ الحَارِثِ، فكلَّمهُ النبي صلى الله عليه وسلم حَتَّى أفْحَمَهُ، ثُمَّ تلا عليه وعليهم :﴿ إِنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم. . . ﴾ الآيات الثلاث. ثم أقْبَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزِبَعْرَى فرآهم يتساهمون، فقال : فيم خوضكم ؟ فأخفى الوَلِيدُ ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أخبره بعضهم بما قاله، عليه الصلاة والسلام، فقال ابن الزبعرى للنبي صلى الله عليه وسلم : أأنت قلت :﴿ إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ﴾ ؟ قال : نعم، قال : قد خصمتك، ورب الكعبة، أَلَيْست اليَهُودُ تعبد عُزَيرًا، والنصارى تعبد المَسِيحَ، وبَنُو مُلَيْحٍ يعبدون الملائكة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" بَلْ هُمْ يَعْبُدُونَ الشياطِينَ الّتي أَمَرَتْهُم بِهذا، فأنزل الله تعالى :﴿ إن الذين سبقت لهم منا الحسنى. . . ﴾ " ١.
قلت : كل من عَبَدَ شيئًا من دون الله فإنما عَبَدَ في الحقيقة الشيطان ؛ لأنه أمر به وزينه له، ويدل على ذلك أنهم يتبرؤون يوم القيامة، حين تتحقق الحقائق، من عبادتهم، كما قال تعالى :﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ ( ١٧ ) قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ ﴾ [ الفُرقان : ١٧، ١٨ ] مع قوله تعالى :﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ﴾ [ العَنكبوت : ٣٨ ]. والله تعالى أعلم.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَائِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ * ﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ ﴾ * ﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ إِن الذين سبقت لهم منا الحسنى ﴾ أي : الخصلة الحسنى، أو المشيئة الحسنى، وهي السعادة، أو التوفيق للطاعة، أو البُشرى بالثواب، ﴿ أولئك عنها ﴾ : عن جهنم ﴿ مبعدون ﴾ ؛ لأنهم في الجنة، وشتان ما بنيهما. قال القشيري : لم يقل متباعدون ؛ ليَعْلَم العابدون أن المدارَ على التقدير وسبق الحكم من الله، لا على تَبَاعد العبد وتَقَرُّبه. ه. وكأنه يشير لقوله :" هؤلاء إلى الجنَّةِ ولا أُبالي " ١، أي : بأعمالهم.
قلت : أما كون الناس يُصعقون يوم القيامة، فيكون المصطفى أول من يفيق، فثابت في الصحيح، أما سبب الصعقة فقد ورد في غير البخاري :" أنه يُؤتى بجهنم، ولها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها، ثم تزفر زفرة، فلا يبقى نبي ولا ملك إلا خرّ ". . . الحديث، ويؤيده قوله تعالى :﴿ وَجِيء يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ﴾ [ الفَجر : ٢٣ ] والأنبياء -عليهم السلام- بَشَر عبيد، قد تعمهم القهرية، ولا تقدح في منصبهم، وليس صعقهم خوفًا، لكن غلبة ودهشًا، كما صعق موسى -عليه السلام- عند الرؤية، ونبينا -عليه الصلاة والسلام- حين تجلى له جبريل على صورته. والله أعلم. وقال جعفر الصادق : وكيف يسمعون حسيسها، والنار تخمد بمطالعتهم، وتتلاشى برؤيتهم ؟ ثم ذكر حديث قول النار للمؤمن : جُز. . . الخ.
ويدل على أن هذه الحالة إنما هي بعد دخولهم الجنة، قوله تعالى :﴿ وهم فيما اشتهت أَنفُسُهُم ﴾ من النعيم ﴿ خالدون ﴾ : دائمون، والشهوة : طلب النفس للذة. وهو بيان لفوزهم بالمطالب، إثر بيان خلاصهم من المهالك والمعاطب، أي : دائمون في غاية التنعم.
وقال الحسن : الفزع الأكبر : الانصراف إلى النار. وعن الضحاك : حين يُطبق على أهل النار. وقيل : حين نفخة الصعق، وقيل : حين يُذبح الموت.
قلت : من سبقت له الحسنى ينجو من جميعها. وقيل : تتلقاهم الملائكة على أبواب الجنة، مُهنئين لهم قائلين :﴿ هذا يومكم الذي كنتم توعدون ﴾ في الدنيا، ويُبشرون بما فيه من فنون المثوبات على الإيمان والطاعات. وهذا، كما ترى، صريح في أن المراد بالذين سبقت لهم الحسنى : كافةُ المؤمنين الموصوفين بالإيمان والأعمال الصالحة، لا من ذكر ؛ من المسيح، وعُزير، والملائكة، كما قيل. قاله أبو السعود، قلت : وقد يجاب بأنها نزلت في شأنهم وتعم غيرهم ؛ لأن سبب النزول لا يخصص. والله تعالى أعلم.
﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَآءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾
قلت :﴿ يوم ﴾ : ظرف لاذكر، أو لقوله :﴿ لا يحزنهم الفزع ﴾، أو لتتلقاهم. والسجل : الصحيفة، والكتاب : مصدر، و﴿ كما بدأنا ﴾ : منصوب بمضمر، يُفسره ما بعده، و﴿ ما ﴾ : موصولة.
يقول الحقّ جلّ جلاله : واذكر ﴿ يوم نَطْوِي السماءَ ﴾ ؛ وذلك يوم الحشر والناس في الموقف، فتجمع وتُكوّر وتُطوى ﴿ كطَيِّ السِّجِلِّ ﴾ ؛ الصحيفة ﴿ للكتاب ﴾ أي : لأجل الكتابة فيها ؛ لأن الكاتب يطوي الصحيفة على اثنين ؛ ليكتب فيها. فاللام للتعليل، أو بمعنى " على "، أي : كطي الصحيفة على الكتابة التي فيها، لتُصان، وقرأ أبو جعفر :" تُطوى " ؛ بالبناء للمفعول. وذلك بمحو رسومها وتكوير نجومها وشمسها وقمرها. وأصل الطي : الدرج، الذي هو ضد النشر. وقرأ الأخوان وحفص :﴿ للكُتُبِ ﴾ بالجمع، أي : للمكتوبات، أي : كطي الصحيفة ؛ لأجل المعاني الكثيرة التي تكتب فيها، أو كطيها عليها ؛ لتُصان. فالكتاب أصله مصدر، كالبناء، ثم يوقع على المكتوب. وقيل : السجل : ملك يطوي كتب ابن آدم، إذا رفعت إليه، فالكتاب، على هذا، اسم للصحيفة المكتوب فيها، والطي مضاف إلى الفاعل، وعلى الأول : إلى المفعول.
﴿ كما بدأنا أول خَلقٍ نُعيده ﴾ أي : نعيد ما خلقنا حين نبعثهم، كما بدأناهم أول مرة، فالتنوين في ﴿ خَلقٍ ﴾ مثله في قولك : أول رجلٍ جاءني، تريد أول الرجال والتقدير : كما بدأنا أول الخلائق، نعيدهم حفاةً عراة غُرلاً. قال صلى الله عليه وسلم :" إنَّكُمْ تَحْشَرُونَ يَوْمَ القيَامَة حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً. وأول مَنْ يُكْسَى إبْرَاهِيمُ خليلُ الله " ١، أي : لأنه جرد في ذات الله، فقالت عائشة -رضي الله عنها- : واسوءتاه ! فلا يحتشم الناس بعضهم من بعض ؟ فقال :" لكل امرئ منهم يومئذ شأن يُغنيه ". ثم قرأ -عليه الصلاة والسلام- :﴿ كما بدأنا أول خلق نعيده ﴾.
كما بدأناه من الماء نعيده كيوم ولدته أمه. قلت : قد استدل بعضهم، بظاهر الآية والحديث، أن أهل الجنة ليس لهم أسنان، ولا دليل فيه ؛ لأن المقصود من الآية : الاستدلال على كمال قدرته تعالى، وعلى البعث الذي تُنكره الكفرة، لا بيان الهيئة، وعدمُ وجودها نقصان، ولا نقص في الجنة.
ثم أكد الإعادة بقوله :﴿ وعدًا علينا ﴾ أي : نُعيده وعدًا، فهو مصدر مؤكد لغير فعله ؛ بل لِمَا في " ﴿ نعيده ﴾ من معنى العِدة، أي : وعدنا ذلك وعدًا واجبًا علينا إنجازه ؛ لأنا لا نُخلف الميعاد، ﴿ إِنا كنا فاعلين ﴾ لما ذكرنا لا محالة، فاستعدوا له، وقدِّموا صالح الأعمال للخلاص من هذه الأهوال. وبالله التوفيق.
الإشارة : إذا أشرقت على القلب شموسُ العرفان، انطوت عن مشهده وجودُ الأكوان، وأفضى إلى فضاء العيان، فلا سماء تظله ولا أرض تحمله، وفي ذلك يقول الششتري رضي الله عنه :
لقد تجلى ما كان مخبى | والكون كُلٌّ طويت طي |
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ ﴾ [ النُّور : ٥٥ ]. وقال القشيري : على قوله :﴿ عبادي الصالحون ﴾ : هم أمة محمد -عليه الصلاة والسلام- وهم بجملتهم قوم صالحون لنعمته، وهم المطيعون، وآخرون صالحون لرحمته وهم العاصون. ه.
قال في الحاشية الفاسية : والظاهر أن حديث :" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله "، مفسر للآية، وموافق لوعدها. قيل : وهذه الطائفة مُفْتَرَقَةً من أنواع المؤمنين، ممن فيه عائدة على الدين ونفع له ؛ من شجعان مقاتلين، وفقهاء ومحدِّثين، وزهاد وصالحين، وناهين وآمرين بالمعروف. ه. قلت : وعارفين متمكنين، علماء بالله ربانيين. ثم قال : وغير ذلك من أنواع أهل الحسنى، ولا يلزم اجتماعهم، بل يكونون متفرقين في أقطار. ه. قلت " : وفيه نظر ؛ لأن مراد الآية الأمة كلها، كما قال القشيري، ومراد الحديث بعضها، فلا يليق أن يكون تفسيرًا لها، وهي أعم منه. وقيل : المراد بالأرض : أرض الشام، وقيل : أرض الجنة.
تَبِعَهُ العَالِم في الأقوال | والعابد الزاهد في الأفعال |
وبهما الصوفي في السباق | لكنه قد زاد بالأخلاق |
تَبِعَهُ العَالِم في الأقوال | والعابد الزاهد في الأفعال |
وبهما الصوفي في السباق | لكنه قد زاد بالأخلاق |
﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ * ﴿ قُلْ إِنَّمَآ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ ﴾ * ﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَى سَوَآءٍ وَإِنْ أَدْرِيا أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ ﴾ * ﴿ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ ﴾ * ﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ * ﴿ قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَانُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾
قلت :﴿ رحمة ﴾ : مفعول لأجله، أو حال.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ وما أرسلناك ﴾ يا محمد ﴿ إِلا رحمةً للعالمين ﴾ أي : ما أرسلناك بما ذكر من الشرائع والأحكام، وغير ذلك ؛ مما هو مناط سعادة الدارين، لعلة من العلل، إلا لرحمتنا الواسعة للعالمين قاطبة. أو ما أرسلناك في حال من الأحوال، إلا حال كونك رحمة لهم، فإن ما بُعثتَ به سببٌ لسعادة الدارين، ومنشأ لانتظام مصالحهم في النشأتين، ومن لم يضرب له في هذه المغانم بسهم فإنما أُوتي من قِبل نفسه، حيث فرط في اتّباعه، وقيل : إنه رحمة حتى في حق الكفار في الدنيا ؛ بتأخير عذاب الاستئصال، والأمن من المسخ والخسف والغرق، حسبما نطق به قوله تعالى :
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾ [ الأنفَال : ٣٣ ].
خ/١١٢
ثم إن الصارف عن الدخول إلى التوحيد الخاص -وهو توحيد العيان- : القواطع الأربع : النفس، والشيطان، والدنيا، والهوى. زاد بعضهم : الناس -أي : عوام الناس، فإذا حكم الله بين العبد وبين هذه القواطع، وصل إلى صريح المعرفة. ﴿ قل ربِّ احكم بالحق ﴾ ؛ أي : احكم بيني وبين عدوي بحكمك الحق، حتى تدفعه عني وتدمغَهُ، ﴿ وربنا الرحمان المستعان ﴾ به ﴿ على ما تصفون ﴾ من التعويق والتشغيب. والله المستعان، وعليه أتوكل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
﴿ وإِنْ أَدْرِي ﴾ أي : ما أدري ﴿ أقريبٌ أم بعيدٌ ما تُوعدون ﴾ من البعث والحساب متى يكون ؛ لأن الله تعالى لم يُطلعني عليه، ولكن أنبأني أنه آت لا محالة، وكل آت قريب. ولذلك قال :﴿ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ ﴾ [ الأنبيَاء : ٩٧ ]، أو : لا أدري متى يحل بكم العذاب، أو ما توعدون من إظهار المسلمين وظهور الدين.
ثم إن الصارف عن الدخول إلى التوحيد الخاص -وهو توحيد العيان- : القواطع الأربع : النفس، والشيطان، والدنيا، والهوى. زاد بعضهم : الناس -أي : عوام الناس، فإذا حكم الله بين العبد وبين هذه القواطع، وصل إلى صريح المعرفة. ﴿ قل ربِّ احكم بالحق ﴾ ؛ أي : احكم بيني وبين عدوي بحكمك الحق، حتى تدفعه عني وتدمغَهُ، ﴿ وربنا الرحمان المستعان ﴾ به ﴿ على ما تصفون ﴾ من التعويق والتشغيب. والله المستعان، وعليه أتوكل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
ثم إن الصارف عن الدخول إلى التوحيد الخاص -وهو توحيد العيان- : القواطع الأربع : النفس، والشيطان، والدنيا، والهوى. زاد بعضهم : الناس -أي : عوام الناس، فإذا حكم الله بين العبد وبين هذه القواطع، وصل إلى صريح المعرفة. ﴿ قل ربِّ احكم بالحق ﴾ ؛ أي : احكم بيني وبين عدوي بحكمك الحق، حتى تدفعه عني وتدمغَهُ، ﴿ وربنا الرحمان المستعان ﴾ به ﴿ على ما تصفون ﴾ من التعويق والتشغيب. والله المستعان، وعليه أتوكل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
ثم إن الصارف عن الدخول إلى التوحيد الخاص -وهو توحيد العيان- : القواطع الأربع : النفس، والشيطان، والدنيا، والهوى. زاد بعضهم : الناس -أي : عوام الناس، فإذا حكم الله بين العبد وبين هذه القواطع، وصل إلى صريح المعرفة. ﴿ قل ربِّ احكم بالحق ﴾ ؛ أي : احكم بيني وبين عدوي بحكمك الحق، حتى تدفعه عني وتدمغَهُ، ﴿ وربنا الرحمان المستعان ﴾ به ﴿ على ما تصفون ﴾ من التعويق والتشغيب. والله المستعان، وعليه أتوكل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
ثم إن الصارف عن الدخول إلى التوحيد الخاص -وهو توحيد العيان- : القواطع الأربع : النفس، والشيطان، والدنيا، والهوى. زاد بعضهم : الناس -أي : عوام الناس، فإذا حكم الله بين العبد وبين هذه القواطع، وصل إلى صريح المعرفة. ﴿ قل ربِّ احكم بالحق ﴾ ؛ أي : احكم بيني وبين عدوي بحكمك الحق، حتى تدفعه عني وتدمغَهُ، ﴿ وربنا الرحمان المستعان ﴾ به ﴿ على ما تصفون ﴾ من التعويق والتشغيب. والله المستعان، وعليه أتوكل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.